بوكو حرام هي جماعة إسلامية نيجيرية مسلحة، وتعنى بوكو حرام بلغة الهاوسا (تحريم التعليم الغربي). و(بوكو) اسم لنمطٍ من التعليم العلماني والمناهج الدراسية الجديدة التي أرادت السلطات الحكومية إدخالها إلى المناطق الإسلامية في نيجيريا بديلاً عن التعليم الديني المتوارث في تلك الأنحاء، فكان أن نشأت مجموعة من الشباب النيجيري المسلم مناهضة لهذا التوجه عام 2004 على يد شاب يدعى محمد يوسف، وهو شاب نيجيري ترك التعليم في سن مبكرة، وحصل على قدر من التعليم الديني غير النظامي. وقد تشكلت جماعة بوكو حرام في الأصل من مجموعة من الطلاب، وصار هؤلاء الشباب يمنعون دخول الكتب والمعلمين إلى مدارسهم، وفى عام 2009، وقعت مواجهات بين الجماعة والشرطة والجيش، شملت عدة ولايات شمالية، راح ضحيتها مئات من الضحايا من المدنيين، وأعلن الجيش النيجيري وقتها استتباب الأمن بعد أن أعدم نحو ألفٍ من أعضاء الحركة في الشوارع من دون محاكمات، بما في ذلك قائدها ومؤسسها محمد يوسف. والعجيب أن أحدا من منظمات حقوق الإنسان أو غيرها من المنظمات الدولية لم ينبس ببنت شفةٍ بشأن الإعدامات وانتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت، لأن الإنسان في تلك الحالة كان مجرد مسلم وصف بأنه متشدد ومتطرف.
وإذا كانت الحكومة النيجيرية وقتها قد أعلنت عن نهاية الجماعة إلا أن هذا لم يكن صحيحًا تمامًا حيث نسب للجماعة بعدها عددَا من التفجيرات والهجمات التي شهدتها المناطق الشمالية الشرقية من نيجيريا في الفترة من 2010 إلى 2011. وأهم هذه التفجيرات سوق أبوجا في ديسمبر 2010، وتفجير مركز الشرطة في مايدوكورى في يناير 2011، وتفجير مكتب للجنة الانتخابية الوطنية المستقلة في مايدوكورى في أبريل 2011، وتفجير مقر الأمم المتحدة في أبوجا في أغسطس 2011. وتفجيرات الكنائس في ليلة رأس السنة الميلادية.
وترتكز الملامح الفكرية لجماعة بوكو حرام، حول عدد من الأصول الفكرية، أهمها: العمل على تأسيس دولة إسلامية في نيجيريا بالقوة المسلحة، والدعوة إلى التطبيق الفوري للشريعة الإسلامية وكذلك عدم جواز العمل في الأجهزة الأمنية والحكومية في الدولة.
كما أن الجماعة ترفض بشدة التعليم الغربي والثقافة الغربية، وتدعو إلى تغيير نظام التعليم في نيجيريا.
والسؤال الذي يطرح نفسه ما هو مستقبل جماعة بوكو حرام في نيجيريا، وإلى أين تمضي مآلات ذلك الصراع؟
نستطيع أن نقرر برؤية إستراتيجية واضحة أن الصراع في نيجيريا بين الحكومة وجماعة بوكو حرام مؤهل للاستمرار سيخفت أحياناَ وتستعر جذوته أحيانا، إلا أنه ما دامت أسبابه موجودة فستظل حالة الصراع مستمرة، فهناك الكثير من المحللين يرون أن سياسات الحكومات العسكرية والمدنية المتعاقبة في نيجيريا والتي تستخدم العنف المفرط تجاه الحركات السياسية المناوئة لها، خاصة جماعة بوكو حرام، التي استطاعت أن تكسب العديد من الأنصار في أوساط الشباب، كما استطاعت أن تكسب تعاطف بعض المسلمين بسبب عمليات القتل البشعة والخارجة على القانون، والتي ارتكبتها الشرطة النيجيرية في حق أعضاء جماعة بوكو حرام، مما خلق نوعا من التعاطف تجاه الجماعة، وتقديم يد العون والمساندة لها ووفر لهذا التنظيم أرضية خصبة للنمو هناك ، فمعروف أن تلك الحكومات ترفض بشدة تطبيق الشريعة الإسلامية كما تغذي العنف الطائفي لأهداف سياسية وتواصل تحالفها الوثيق مع واشنطن غير عابئة بالرفض الشعبي وخاصة في الشمال والغرب لهذا الأمر.
ولعل التركيب الديني والعرقي يساهم أيضًا في إشعال العنف الطائفي، فنيجيريا والتي تعتبر من أكبر البلدان الإفريقية من حيث عدد السكان ، حيث يبلغ تعدادهم 150 مليون نسمة معظمهم من المسلمين حيث يشكل المسلمون حوالي 68 في المائة من السكان الذين يتركزون بشكل كبير في الشمال ويتركز المسيحيون في الجنوب ، ولكن تعيش أقليات دينية مسيحية ومسلمة بأعداد كبيرة في أغلب المدن في الشمال والجنوب.
ويبدو كذلك أن نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في إبريل 2011 وأغضبت الأغلبية المسلمة في الشمال أعطت ذريعة إضافية للجماعة لمضاعفة هجماتها، حيث فاز الرئيس المنتهية ولايته غودلاك جوناثان على منافسه مرشح حزب المؤتمر من أجل التغيير الديمقراطي محمد بهاري.
وأثارت النتيجة السابقة اضطرابات في شمال البلاد ما أدى إلى سقوط عدد غير محدد من القتلى خاصة في ولايتي كانو وكادونا،كما قدم حزب التغيير الديمقراطي المعارض طعنا في نتائج الانتخابات، معتبرا أنه شابتها عمليات تزوير في ولايات الاتحاد النيجيري الـ 36 ، إضافة إلى العاصمة أبوجا.
نستطيع أن نقول إن النظام الذي يغلق أبواب الإصلاح السلمي والمشاركة الفعالة والتعبير الإيجابي عن الذات في وجه الشباب .. فعندما يتم هضم حقوق الأغلبية المسلمة وينكل بها وتظل مناطقهم معرضة للتهميش والفقر وعندما تكمم الأفواه ويواجه الشباب العنف المفرط إذا أرادوا التغيير في حين تفتح أبواب الإعلام المرئي والمقروء على مصراعيها للمتهجمين على ثقافة المسلمين وهويتهم، وعلى دين المجتمع وثوابته …فلنا أن نتوقع قيام مثل تلك الحركات بل وانتشارها وزيادة تعاطف السكان المسلمين معها. رغم عدم الموافقة عن نهجها وأسلوبها في التغيير خاصة أن ثورات الربيع العربي في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن …أثبتت حقيقتين في غاية من الأهمية: أن آليات التغيير السلمي قادرة على تحقيق نجاحات ملموسة على الأرض، كما أكدت كذلك بما لا يدع مجالا للشك أن الشعوب لن تقبل الظلم طويلا وأنها مهما صمتت أو استكانت فإن هذا لحظة للحقيقة آتية لا محالة لتأخذ الشعوب المقهورة حقها من ظالميها.
والخلاصة أن نيجيريا التي تعتبر من أقوى حلفاء واشنطن والغرب في القارة الإفريقية لن تنجح بسهولة في القضاء على ما تسميه بالحركات الإسلامية خاصة جماعة بوكو حرام بسبب سياسات حكوماتها المتعاقبة التي تغذي العنف الطائفي من أجل مصالح سياسية واقتصادية، وإن لم تتراجع الحكومة النيجيرية عن سياستها، وتقر لأصحاب الحقوق بحقوقهم، وتتحاور مع هذا الشباب الثائر وتحاول أن تتجاوب مع أطروحات العقلاء منهم، فإن مصير تلك البلاد بمسلميها ومسيحيها معرض للدمار.
وإن كانت لغة المصالح الاقتصادية مسموعة لدى الحكومة النيجيرية والواقع الإفريقي بشكل عام، فإن الدول الإسلامية مدعوة بشكل عام لدعم المسلمين في تلك الدول ومد يدي العون لها ليس على صعيد مساعدات الفقراء وإنشاء المستشفيات والمدارس بل عبر مشاركة اقتصادية حقيقية تعود بالفائدة على تلك الشعوب، فإن الدول الغربية وإن مدت يدها بعون فإنها تأخذ بيدها الأخرى أضعاف ما قدمته، وإن لم تسعف يد العون ذلك البلد المنكوب فالقادم أسوأ وليس انفصال جنوب السودان عنا ببعيد.
(*) مدير وحدة الحركات الإسلامية بالمركز العربي للدراسات الإنسانية.