بول نانتوليا – أفريكا سنتر[1]
أدَّت سياسة الصين المتعلِّقة بتوظيف العمالة الصينية في مشاريع البنية التحتية في إفريقيا إلى وجود أكثر من مائتي ألف مواطن صيني يعملون في عقود مشروع الحزام والطريق في جميع أنحاء إفريقيا.
وهذا بدوره يخلق تبريرًا لبكين لاتخاذ نهج عملي وتدخُّلي من أجل حمايتهم، وكذلك لحماية استثماراتها المترامية الأطراف.
وقد أعربت أكاديمية العلوم العسكرية -أكبر معهد للأبحاث العسكرية في الصين- في آخر مراجعة استراتيجية لها عن أن مشروع الحزام والطريق قد زاد من الحاجة إلى استراتيجية عالمية التركيز لحماية مصالح الصين الخارجية.
وبالمثل، اعتمد الحزب الشيوعي الصيني مفهوم “حماية المواطنين في الخارج” باعتباره مصلحة صينية أساسية.
وبالنظر إلى الطبيعة الاستراتيجية للاستثمارات الصينية في إفريقيا، مثل الموانئ والسكك الحديدية وخطوط أنابيب النفط والغاز ومحطات الطاقة، فإن بعض الحكومات الإفريقية تعتبر الهجمات على المصالح الصينية تهديدًا لأمنها القومي.
فخطة العمل الحالية بين الصين وإفريقيا، التي وقَّع عليها القادة الأفارقة في عام 2018م، تنص على أن أمن “المشاريع الاقتصادية المحلية الرئيسية”، و”سلامة المواطنين الصينيين والشركات الصينية والمشاريع الكبرى”؛ سيُعطى الأولوية في مجالات الاستخبارات والجيش والشرطة.
وفي العام ذاته، أصبحت أوغندا أول دولة إفريقية تنشر جيشها لحماية المصالح الصينية؛ ردًّا على الهجمات التي يشنُّها المواطنون المحليون على المواطنين الصينيين.
وفي كينيا المجاورة، أنشأت أجهزة الأمن الصينية ودرَّبت فرقة شرطة كينية من النخبة لحماية خط السكك الحديدية في مومباسا ونيروبي.
وفي محاولة منها لتحييد التهديدات التي تواجه استثماراتها، قدمت بكين أيضًا تقنيات لبناء القدرات المحلية لجمع المعلومات الاستخبارية والمراقبة والرصد والاستجابة لها. ويشمل ذلك تقنيات التعرف على الوجه، والتي تم توفيرها مؤخرًا لأنغولا وإثيوبيا وزيمبابوي. وهذا يسبِّب الخوف في إفريقيا، بالنظر إلى ميل بعض الحكومات إلى استخدام التقنيات المتطفلة تلك ضد المعارضين السياسيين والناشطين.
كما تثار مخاوف بشأن دور الشركات الصينية الخاصة في قطاعات الأمن في إفريقيا. بموجب القانون الصيني، فإن الخط الفاصل بين الشركات العامة والخاصة غير واضح. فيتعين على الشركات الخاصة إنشاء فروع للحزب الحاكم داخل هيكلها لصنع القرار. ويتم تعزيز هذه العلاقة من خلال الممارسة الصارمة لتوظيف جنود جيش التحرير الشعبي الصيني المسرحين والقوات الخاصة السابقة والمخابرات ومسؤولي الشرطة. فاليوم، يعمل حوالي 3000 عضو عسكري سابق في مشاريع الحزام والطريق حول العالم.
كما توجد شركات الأمن الخاصة الصينية مثل DeWe Security و Frontier Services Group بشكل متزايد في أماكن مثل أنغولا وإثيوبيا ونيجيريا والسودان وجنوب السودان وزيمبابوي، ومؤخرًا الصومال. ويعمل مقاولو الأمن الصينيون في الغالب مع رجال الشرطة والمخابرات والعسكريين المحليين لتأمين المصالح الصينية، وتقديم المشورة والاستراتيجية بشأن متى وكيف يجب استخدام القوة.
ومع ذلك، في بعض الحالات كان عملهم أكثر علانية ووضوحًا، كما هو الحال في إنقاذ 29 رهينة صينية في ولاية كردفان بالسودان في عام 2012م.
وفي حالة أخرى، قام جنود سابقون بجيش التحرير الشعبي الصيني استأجرتهم شركة DeWe بإجلاء 300 عامل نفط صيني وقعوا في تبادل لإطلاق النار بين الميليشيات المتنافسة في جوبا عاصمة جنوب السودان في عام 2016م.
ومن ناحية أخرى؛ فإن مشروع الحزام والطريق له آثار مقلقة على قدرة الدول على تحمُّل الديون. فوفقًا لمبادرة جونز هوبكنز الصينية لأبحاث إفريقيا؛ اقترضت دول شرق إفريقيا حوالي 29 مليار دولار من الصين لمشاريع البنية التحتية والطاقة والبناء.
يبدو أن بكين قد أولت في بعض الحالات أهمية أكبر للحصول على أصول استراتيجية أكثر من سداد الديون من شركائها. في عام 2017م، سلمت سريلانكا ميناء هامبانتوتا إلى الشركات الصينية الحكومية بعقد إيجار مدته 99 عامًا بعد التخلف عن سداد قرض للبنية التحتية. كما سلمت باكستان ميناء جوادار بعقد إيجار مدته 40 عامًا في اتفاق يحتفظ فيه الشريك الصيني أيضًا بنسبة 90 بالمائة من إيراداته.
وقد أطلقت هذه التطورات أجراس الإنذار في شرق إفريقيا؛ حيث تنتشر التكهنات بأن جيبوتي وكينيا، المثقلة بالديون إلى الصين، قد تفقد موانئها بطريقة مماثلة. وفي يناير 2019م، حذَّر المدقّق العام في أوغندا من ديون البلاد المتضخمة ومخاطر أن تُمثّل الشروط المفروضة على قروضها تهديدًا لأصولها السيادية. في الشهر التالي، فتح البرلمان الكيني تحقيقًا في الظروف التي استُخدم فيها ميناء مومباسا الاستراتيجي للمحيط الهندي كضمان للحصول على قرض حصلت عليه الحكومة من بنك إكسيم الصيني لبناء سكة حديد مومباسا- نيروبي.
كيف يمكن حماية المصالح الإفريقية؟
في إفريقيا، تركزت المناقشات حول مشروع الحزام والطريق على ما إذا كان بإمكانها دعم احتياجات البنية التحتية للقارة. يقدر البنك الدولي أن إفريقيا ستحتاج إلى استثمارات تصل إلى 170 مليار دولار سنويًّا لمدة 10 سنوات لتلبية متطلبات البنية التحتية. لقد افترض بنك التنمية الإفريقي أنه إذا كانت إفريقيا في وضع جيد، فيمكنها الحصول على جزء من ذلك من مشروع الحزام والطريق وتوجيهه إلى المخطط الأساسي للبنية التحتية للاتحاد الإفريقي.
والسؤال الآن: هل يمكن للبلدان الإفريقية اغتنام هذه الفرص، وتخفيف بعض المخاطر الكامنة في استراتيجية بكين الأخيرة؟ ستكون المساءلة والشفافية هي المفتاح للإجابة عن هذا السؤال. تمنع الطبيعة الغامضة للعديد من مفاوضات مشروع الحزام والطريق التدقيق من القطاعين العام والخاص. يجب على البرلمانات والنيابة العامة وهيئات الرقابة الأخرى مراقبة هذه المفاوضات بنشاط، وإنشاء ضمانات حول ذلك، وإطلاع الجمهور عليها.
ومن ناحية أخرى؛ فإن بكين حساسة فيما يتعلق بكيفية رؤية الدول المضيفة لها. فعندما يكون الجمهور على دراية وتيقظ ونشاط، يمكن لمفاوضي مشروع الحزام والطريق أن يصبحوا أكثر استجابة للمطالب المحلية.
وتشير الدروس المستفادة من تجربتي ميناء هامبانتوتا وجوادار إلى أنه عندما تغيب المساءلة والرقابة، تزداد مخاطر الاتفاقيات غير المواتية، وفي النهاية التخلُّف عن السداد.
يمكن أن يكون لمشروع الحزام والطريق فوائد صافية إيجابية للبلدان الإفريقية، ولكن الكثير يعتمد على ما إذا كان يمكن وضع العلاقة بين الصين وإفريقيا على قدم المساواة. إنه أولاً وقبل كل شيء مشروع جيوسياسي صيني مصمَّم لدفع استراتيجية الصين الكبرى. يتمثل التحدِّي الذي يواجه إفريقيا في تحديد أين تتلاقى مصالحها مع مصالح الصين، وأين تتباعد، وكيف يمكن تشكيل مجالات التقارب لتعزيز أولويات التنمية الإفريقية.
[1] على الرابط التالي: https://africacenter.org/spotlight/implications-for-africa-china-one-belt-one-road-strategy/