دخلت القارة الإفريقية العام الجديد 2023م وسط ترقُّب عالميّ لانعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع دافوس في سويسرا خلال شهر يناير الجاري 2023م؛ مع توقعات متفائلة بأداء اقتصادي أفضل لأغلب دول القارة الإفريقية ضمن توقعات “إيجابية” عالمية بوصول معدل النمو العالمي في العام 2023م إلى 1,8%؛ فيما اعتبره محلّلون مؤشرًا على قُرب تعافي اقتصادي عالمي ستطال تبعاته القارة الإفريقية؛ بالإضافة إلى تعزيز الخطوات الإيجابية المرتقبة في مسار تطبيق اتفاق منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية في العام الجاري.
ورغم عدم توقُّع انشغال أجندة “دافوس” بالقضايا الإفريقية كأولوية في الدورة الراهنة؛ فإن الانفراجة العالمية المرتَقبة ستمثل دفعة كبيرة لاستكشاف فرص استثمار الشركات العالمية ومتعددة الجنسيات الكبرى في القارة الإفريقية.
ويمثل قطاع الطاقة حاليًا أبرز القطاعات الجاذبة للاستثمارات العالمية، وكشف تقرير أخير نشرته “الفاينانشيال تايمز” عن جهود عملاق الطاقة الإيطالي شركة “إيني” في مدّ عملياتها واستثماراتها في مختلف أرجاء القارة، بعد توسعات ملموسة خلال الأعوام السابقة في حوض البحر المتوسط (لا سيما في الجزائر وليبيا ومصر)، إلى موزمبيق وغرب إفريقيا ودولة الكونغو الديمقراطية باستثمارات ضخمة تهدف إلى توثيق الصلة الإفريقية الأوروبية (أو محور الجنوب- الشمال) في مجال الطاقة؛ بحيث تستغل القارة الأوروبية “المُتعطّشة للطاقة” موارد إفريقيا الوفيرة من الطاقة بشروط أفضل من الحِقَب الاستعمارية السابقة؛ بحسب تصريحات لافتة للرئيس التنفيذي لشركة إيني عرضتها الصحيفة العريقة.
وبين تفاؤل حَذِر بمستقبل الاقتصاد الإفريقي وحضوره في المنتدى الاقتصادي العالمي، وما تشهده إفريقيا بالفعل من تكالب “طاقوي” متزايد تُؤشِّر الأرقام الواردة من جريدة “طهران تايمز” الإيرانية بخصوص التجارة البينية الإفريقية-الإيرانية في الفترة مارس 2022م وحتى ديسمبر 2022م إلى اهتمام إيراني متزايد -وإن ظل محدودًا للغاية في مجمله- بالتبادل التجاري مع القارة الإفريقية، وتطلع طهران إلى حضور ملموس في القارة، ورغبتها في الاستفادة من الفرص الكبيرة التي تتوفر حاليًا ومستقبلًا، وخاصةً في قطاع الخدمات الفنية والهندسية التي تؤكد الجريدة أن حجمها في إفريقيا سنويًّا في حدود 300 بليون دولار في العام 2022م. وهكذا فإن العام الجاري 2023م ربما سيشهد انفراجة في أزمات متعددة في القارة رغم توقعات صندوق النقد الدولي السلبية عن اقتصادات العالم في النصف الأول من العام 2023م.
إفريقيا تتجه بتفاؤل إلى “دافوس” في وقت عصيب([1]):
سيُعْقَد في العام الجاري المنتدى الاقتصادي العالمي World Economic Forum فيما يشهد العالم أزمة اقتصادية، لكنَّ الحالة المزاجية مرتفعة نسبيًّا؛ بحسب تصريحات تشيدو مونياتي Chido Munyati رئيس الأجندة الإقليمية للمنتدى في إفريقيا.
عندما ينعقد التجمع الاقتصادي- السياسي الكبير والمفيد للتمويل والصناعة والسياسة الدولية في المرتفعات السويسرية؛ حيث المنتدى الاقتصادي العالمي في يناير الجاري؛ فإن أشباح العام 2022م، الذي عُدَّ أحد أكثر السنوات اضطرابًا في التاريخ، لن تكون قد غادرت بالفعل بعدُ.
وعندما عُقِدَ هذا التجمع في المرة الأخيرة في مايو 2022م (في اللقاء الشخصي المباشر للمرة الأولى منذ جائحة كوفيد-19)؛ كان غزو روسيا لأوكرانيا في قمة مشاغل الحضور، ليس فحسب بسبب العرض الذي قدّمه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. ولكن كان واضحًا أن هذا الغزو قد تسبب في فرض العديد من العقوبات ضد روسيا، وآثار العدوان السيئة في الصدمات الاقتصادية في إمدادات الطاقة في أوروبا؛ ما أنبأ بعام بالغ الصعوبة.
وكانت المحصلة، ضمن نتائج أخرى، وجود تضخُّم بمستويات قياسية حول العالم، وتضييق نقدي صارم مِن قِبَل البنوك المركزية استجابةً لذلك، وزيادة هشاشة الديون؛ كما في حال الكثير من الأسواق الناشئة بما فيها الكثير من الدول الإفريقية.
ويعكس موضوع تجمُّع دافوس للعام الحالي بعضًا من الأوضاع العالمية؛ حيث يحمل عنوان “التعاون في عالم مفتّت” Cooperation in a Fragmented World، ويستعرض التحديات التي برزت في العام 2022م، مثل تصاعد التوتر العالمي، وارتفاع مخاوف الانقسامات الاقتصادية والسياسية.
وعلى الرغم من أن دافوس يمثل بالأساس منتدًى خاصًّا، إلا أنه لا يمكن إنكار تأثيره في السياسة على الأقل بفضل زيادة سلطة الشركات متعددة الجنسيات، وقدرتها على تشكيل الرؤية الاقتصادية للدول التي تختار الاستثمار بها أو الانسحاب منها. ويفسر ذلك سبب توجُّه قادة العالم إلى دافوس منذ دعوتهم له للمرة الأولى في العام 1974م بعد ثلاثة أعوام فقط من انعقاد التجمُّع للمرة الأولى على يد المهندس والاقتصادي الألماني كلاوس شواب Klaus Schwab؛ لأن القضايا المثارة به كانت محل اهتماماتهم.
وستُطرح على مائدتهم هذا العام قضايا التضخم، والنمو، والديون، والمناخ، والأمن الغذائي والطاقوي، والاستثمار، وبالطبع الأحوال السياسية المتغيرة التي يجب أن تعمل في ظلها الشركات كبيرها وصغيرها حول العالم.
ويتوقع محللون أن تتحسن الصورة الاقتصادية العالمية قليلًا للغاية في العام 2023م، مع تراجع المخاطر البالغة للركود في أوروبا، وتحوّل الصين عن اتباع سياسة “صفر كوفيد”. بأيّ حال فإن الاقتصاد العالمي، إجمالًا، يتوقع أن ينمو بنسبة 1.8% وفقًا لـ Goldman Sachs. وتوقعت تقديرات نشرتها Economist Intelligence Unit أن يصل النمو في إفريقيا إلى 3.2% في العام 2023م؛ رغم أنه ستكون ثمة مخاطر سابقة مرتبطة بأزمات ديون، وتكلفة مرتفعة لأنشطة رأس المال، فضلاً عن ظروف عسيرة أمام الاقتصادات القائمة على السلع على وجه الخصوص.
ورغم هذه الظروف الصعبة يُوقن تشيدو مونياتي Chido Munyati أنه لا تزال أمام إفريقيا الكثير من المُقدَّرات، وأن لديها القدرة على عكس هذه الاتجاهات. كما أنه بالغ في التفاؤل بخصوص مقدرات منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية Africa Continental Free Trade Area (AfCFTA) وقدرتها على تغيير التجارة في القارة؛ لتصبح خامس أكبر اقتصاد في العالم؛ إن طُبِّقت على النحو السليم. وفي حال إن شهدت – كما هو المخطط لها- رفع الحواجز التجارية والجمركية بين دول القارة، وتيسير التجارة المستمرة، وتنسيق الإجراءات والتنظيمات والمعايير، وعندها ستكون واحدة من أكبر الأسواق في العالم.
وبينما لم تطبق اتفاقية المنطقة على نحو كامل بعدُ؛ فإن ست دول إفريقية –وهي الكاميرون ومصر ورواندا وتنزانيا وغانا وموريشيوس- قد أصدرت بالفعل شهادات تجارية لشركات محلية تسمح بمقتضاها ببدء التجارة وفق الاتفاقية نفسها. وهكذا تَم شَحْن شحنات من بلاط السيراميك والكاشو وزيوت النخيل من غانا إلى كينيا والكاميرون، بينما أرسلت بطاريات السيارات والشاي والقهوة من كينيا إلى غانا.
ويتوقع محللون سياسيون أن منطقة التجارة الحرة في إفريقيا ستُتيح فُرَص تعزيز هائل للقارة واقتصادها، وضخّ الاستثمارات، وخَلْق فرص العمل والثروة أمام المواطنين، لا سيما من الشباب، وهو أمر يشارك التفاؤل به مونياتي Chido Munyati.
إيني تدعو لمحور طاقة جنوب- شمال بين أوروبا وإفريقيا([2]):
مع مطلع العام الجاري أكد كلوديو دسكالزي Claudio Descalzi، الرئيس التنفيذي لواحدة من أكبر شركات البترول والغاز الأوروبية؛ أن على الاتحاد الأوروبي النظر إلى إفريقيا وليس الولايات المتحدة لتحل محلّ واردات الطاقة من روسيا.
كما قال دسكالزي -الذي يُدير شركة إيني الإيطالية منذ العام 2014م-: إن تعاونًا أوثق مع دول في إفريقيا حول أمور الطاقة وفَّر إمكانية قيام “محور جنوب- شمال” جديد يربط موارد القارة الوفيرة بالطاقة المتجددة والأحفورية بأسواق أوروبا المتعطشة للطاقة.
“ليست لدينا الطاقة، لديهم الطاقة. لدينا صناعة كبرى، وعليهم أن يُطوّروا معًا… وثمة إمكانية تكامل قوي”؛ حسبما صرح دسكالزي للفاينانشيال تايمز.
وتدير إيني، التي تعمل في إفريقيا منذ العام 1954م، عمليات في 14 دولة إفريقية، وواصلت الاستثمار في القارة، بينما واصل منافسوها في الولايات المتحدة وأوروبا خفض وجودهم في القارة لصالح العمل في أجزاء أخرى من العالم.
وكانت إفريقيا أول موطئ قدم لدسكالزي في العام الماضي عندما سعى لإحلال واردات إيطاليا السنوية من روسيا من الغاز البالغة 20 بليون متر مكعب. وفي أبريل حصل دسكالزي على موافقة الجزائر على زيادة الغاز الذي تُصدّره عبر خط أنابيب إلى إيطاليا من 9 بلايين إلى 15 بليون طن مكعب سنويًّا بحلول العام 2023م، و18 بليون طن في العام 2024م.
وبعدها بيومين وقَّعت إيني اتفاقًا لتصدير 3 بلايين طن متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال من مصر إلى أوروبا في العام 2022م. وتوصلت “إيني” في الشهر نفسه إلى اتفاق مع جمهورية الكونغو الديمقراطية من أجل الإسراع بتطوير مشروع للغاز الطبيعي المُسال مخطط له سابقًا لإعداد بليون طن متر مكعب من الغاز الطبيعي للتصدير في العام 2023م، و4 بلايين طن متر مكعب في العام بحلول 2025م.
وكانت “إيني” قادرة على الوصول إلى هذه الفرص بفضل استثماراتها الكبيرة في إفريقيا “في فترة لم يتسثمر فيها أحد؛ حيث اختار بعض المنافسين؛ حسب دسكالزي، الاستثمار في الغاز الطفلي shale gas في الولايات المتحدة، بينما سمحت أوروبا لنفسها بالإفراط في الاعتماد على الإمدادات الروسية.
وفي نوفمبر 2022م نقلت “إيني” أول حمولة للغاز الطبيعي المُسال من موزمبيق. ويُعدّ مشروعها بقيمة 7 بلايين دولار – بشراكة مع إكسون موبيل، وجالب Galp وهيئة غاز كوريا- أول مشروعات الغاز العملاقة في موزمبيق المخطط لها منذ اكتشافاتها المهمة قبل أكثر من عَقْد من الزمان.
وقد استغلت أوروبا موارد إفريقيا لقرون سابقة، وبادلت موارد الطاقة بسِلَع الصادرات، فيما لم تبذل جهودًا تُذْكر لتعزيز تنمية المجتمعات المحلية. لذا فإن أيّ تحالف للطاقة بين الجنوب والشمال سيتطلَّب موقفًا ومقاربة مختلفين حسب دسكالزي. وعلى سبيل المثال، ففي العام 2021م، فإن نحو 85% من غاز “إيني” المُنْتَج في إفريقيا قد استُخْدِمَ لإمدادات الأسواق المحلية، مقارنةً بنسبة 78% عالميًّا مؤخرًا.
وبينما ضغطت جماعات البيئة بقوة على الشركات، بما فيها إيني وتوتال انيرجيز، لوقف مشروعات الهيدركربون في إفريقيا؛ فإن العديد من القادة الأفارقة أكدوا على حقهم في تطوير مواردهم الوطنية لقيادة النمو الاقتصادي وتحسين الوصول للطاقة. وحتى في حال استغلال إفريقيا لجميع احتياطاتها المعروفة من الغاز الطبيعي؛ فإن نصيب القارة من الانبعاثات العالمية سترتفع من 3% إلى 3.5% فقط؛ حسب ما كتبه الرئيس النيجيري محمد بخاري قبيل توجُّهه لقمة المناخ “كوب 27” في مصر في نوفمبر الماضي.
وقال دسكالزي: إن مشروعات الغاز والبترول الجديدة، إن أمكن تطويرها بسرعة، يمكن أن توفر للحكومات (الإفريقية) عائدات كبيرة يمكن إعادة استثمارها في مشروعات الطاقة النظيفة. مع ملاحظة اكتشاف شركة “إيني” للبترول قبالة ساحل العاج في سبتمبر 2021م، وأنها قامت بعمل جيد للمسارعة ببدء ضخّه في النصف الأول من العام 2023م.
صادرات إيران لإفريقيا تصل 1.1 بليون دولار([3]):
تقرير نشرته صحيفة طهران تايمز عن صادرات إيران للقارة الإفريقية في العام 2022م والتي بلغت 2,209 مليون طن من المنتجات غير البترولية بقيمة 1,094 بليون دولار للدول الإفريقية خلال الفترة من بداية العام الإيراني الجاري (21 مارس 2022م) حتى 31 ديسمبر 2022م حسب تأكيد المتحدث باسم الجمارك الإيرانية روح الله لطيفي ونادي تجار إفريقيا Africa Merchants Club.
ووفقًا للطيف فإنَّ إيران وإفريقيا تبادلا 2,29 مليون طن من السلع بقيمة 1,169 بليون دولار في الفترة المذكورة، وأن 96,5% من إجمالي وزن السلع كان مرتبطًا بصادرات إيرانية بالأساس، بينما كان 93,5% من إجمالي قيمتها قد حقَّقه المُصدّرون الإيرانيون.
وحدد “لطيفي” دول جنوب إفريقيا وموزمبيق وغانا والسودان ونيجيريا كأهم مقاصد الصادرات الإيرانية في القارة، بينما حدد تنزانيا وكينيا وجنوب إفريقيا وغانا وسيشل كجهات الواردات الإيرانية بالأساس في القارة في الفترة محل المراجعة.
وحسب “لطيفي”؛ فإنه عقب خطة الحكومة الثالثة عشرة متعددة الأطراف والاهتمام بأسواق جديدة، لا سيما في آسيا وإفريقيا، فإن علاقات أعمال إيران مع الدول الإفريقية باتت على مسار النمو. مع وصول التجارة بين إيران وإفريقيا العام الماضي إلى 1,25 بليون دولار أو زيادة قدرها 100%، وبالنظر للتوجه الحالي في التجارة مع القارة الإفريقية يتوقع أن يصل الرقم إلى 1,7 بليون دولار مع نهاية العام الجاري (20 مارس 2023م).
وقال رئيس منظمة تنمية التجارة علي رضا “بيمان- باك”: إن بلاده تتخذ الخطوات الضرورية لزيادة التبادل التجاري السنوي مع الدول الإفريقية ليصل إلى 2,5 بليون دولار بنهاية السنة الإيرانية الحالية.
كما أشار إلى استعداد البلاد لوضع خريطة طريق لتطوير تجارتها (مع إفريقيا) مع بدء الإدارة 13 في البلاد، وأضاف “بيمان- باك” أنه من المتوقع أن تشمل هذه الخطة “العوامل الرئيسة الصادرات ونصيب القطاعات المختلفة التي تم تحديدها”، وأنه في حالة إفريقيا فإنه “تم تحديد أولويات التجارة وأهدافها مع الدول المختلفة ومتطلبات الوصول لهذه الأهداف”.
وأوضح بيمان- باك أن حصة الدول الإفريقية من سلة صادرات إيران بلغت 1,2 بليون دولار، وأن “واردات إفريقيا السنوية تصل إلى 580 مليون دولار، وأن نصيبنا من هذا الرقم يظل ضئيلًا بالرغم من جميع الجهود. لقد سعينا لتصدير 1,2 بليون دولار لهذا السوق”.
وأكد “بيمان- باك” قدرات وإمكانات القارة الإفريقية فيما يخص (تلقّي) صادرات الخدمات الفنية والهندسية (الإيرانية)، ملاحظًا أن إجمالي صادرات الخدمات الفنية والهندسية للقارة الإفريقية يبلغ في الوقت الحالي 300 بليون دولار، “لكن حصتنا في العام السابق لا تزال ضئيلة للغاية، ولم تسجل سوى 200 مليون دولار”.
[1] Omar Ben Yedder, Africa heads to Davos with optimism in turbulent times: A conversation with Chido Munyati, African Business, January 5, 2023 https://african.business/2023/01/trade-investment/africa-heads-to-davos-with-optimism-in-turbulent-times/
[2] Tom Wilson, Eni calls for south-north energy axis between Europe and Africa, Financial Times, January 6, 2023 https://www.ft.com/content/8f00aa32-de56-4c8c-b065-2544ba16a460
[3] Export to Africa reaches $1.094b, Tehran Times, January 8, 2023 https://www.tehrantimes.com/news/480586/Export-to-Africa-reaches-1-094b