مقدمة:
إزاء التطور التكنولوجي السريع والهائل الذي يشهده العالم في الوقت الحالي؛ أصبحت القارة الإفريقية تُواجه مجموعة من التهديدات السيبرانية المتصاعدة، وتتنوع هذه التهديدات بين الهجمات والجرائم الإلكترونية، وسرقة البيانات والتجسس الإلكتروني السيبراني، ومن ثمَّ فإن دراسة هذه التهديدات، وتحديد تأثيراتها تعتبر خطوة مهمة من أجل ضمان أمن الفضاء السيبراني في إفريقيا.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى تعريف مفهوم الأمن السيبراني الذي يعني مجموعة الإجراءات والمعايير المطلوبة من أجل حماية النظام أو المنظومة الرقمية من تهديد الهجمات السيبرانية؛ إذ يركز على التقنيات الفنية، والتي يتم استخدامها من أجل حماية الشبكات والأنظمة عامةً([1]).
وهناك تعريف آخر يتعلق بمفهوم الإرهاب السيبراني، وهو النشاط الإجرامي الذي يتم تنفيذه من خلال مجموعة من الجماعات والتنظيمات الإرهابية، والتي تستخدم عادةً أجهزة الحاسب الآلي، ويكون الهدف من ذلك استهداف المنظومات الإلكترونية، والتأثير عليها؛ حيث لا تقل درجة التأثير عن تلك الناجمة عن أنشطة الجماعات الإرهابية التقليدية، وربما تتفوق من حيث الحجم والاتساع([2]). وهو الأمر الذي يقود لظروف نشأة ما يسمى بالميليشيات السيبرانية ([3]).
وتمثل الجرائم السيبرانية شكلًا مختلفًا لحالة الجرائم التقليدية، لا سيما فيما يتعلق بالطبيعة والنطاق والوسائل، في ظل التطور الكبير والمتزايد الذي شهدته التكنولوجيا مؤخرًا، ونمو التقنيات المعلوماتية والاتصالات، وكذلك شبكات الإنترنت والأنظمة الرقمية، ومِن ثَم تحوّل طبيعة الصراعات التقليدية داخل القارة الإفريقية؛ حيث أصبحت التهديدات السيبرانية واحدةً من أبرز أشكال المُهدّدات للأنظمة الإفريقية والأمن القومي للقارة، لا سيما في ظل سعي العديد من الدول والتنظيمات لاستغلال هذا النوع -غير المألوف بالنسبة للقارة- من أجل تحقيق أهدافها ومصالحها داخل القارة.
ويمكن القول: إن هذه التهديدات تفرض على القارة نمطًا جديدًا من التحديات، والتي ستعمل الأنظمة الإفريقية على مجابهتها، وربما يخلق ذلك ظاهرة جديدة تستهدف النظم المعلوماتية من أجل الحصول على معلومات سرية؛ سواء عسكرية أو اقتصادية أو سياسية، ووفقًا لتقرير الأمان الصادر عن Check Point Software لعام 2022م، فإن معدل الهجمات الإلكترونية قد زادت في جميع أنحاء العالم بنسبة 42٪([4]).
وفي هذا السياق، يسعى المقال إلى تسليط الضوء على التداعيات الرئيسة للتهديدات السيبرانية داخل القارة الإفريقية، وهو ما سيتم استعراضه في ضوء مجموعة من المحاور كالآتي:
المحور الأول:
الجرائم الإلكترونية التي تتعرض لها القارة الإفريقية
تعرّضت القارة الإفريقية في الآونة الأخيرة إلى تزايد معدل الهجمات السيبرانية، لا سيما البنية التحتية الحيوية؛ حيث مثَّلت البنوك واحدةً من أبرز أهداف الجماعات، وهو ما أدَّى لخسارة بعض بنوك القارة لمليارات الدولارات؛ بسبب عمليات القرصنة وتعطيل الخدمات، لا سيما ما تعرَّضت له وكالة الأمن القومي النيجيرية، وكذلك حكومة جوهانسبرج من عمليات قرصنة أدَّت إلى تعطل الخدمات وتسريب بيانات ومعلومات سرية وخطيرة، وخلال عام 2017م تكبَّد مجتمع الأعمال الإفريقي خسارة كبيرة بسبب عمليات القرصنة بلغت ما يقرب من 3.5 مليار دولار([5]).
وفي ظل تنامي الهجمات السيبرانية على البنية التحتية للقارة، لا سيما البنية البحرية الخاصة بالموانئ، فقد تنامى القلق لدى شركات الشحن من خطر القرصنة نتيجة قدرة الجماعات على السيطرة على البيانات الخاصة بالشركات، وهو الأمر الذي أحدث قلقًا بالغًا في حركة الشحن في إفريقيا، كما تعرَّضت القارة لتنامي معدلات الهجمات السيبرانية وجرائم الإنترنت؛ إذ سجلت القارة في الربع الثاني من عام 2021م نمو هذه الهجمات؛ حيث بلغت ما يقرب من 59% في كينيا و32% في نيجيريا.([6])
كما يمكن القول: إن الهجمات الإلكترونية ليست جديدة على المجتمع الدولي والمجتمعات الإفريقية، لا سيما في عام 1999م بعدما تنامت الحرب الإلكترونية بين باكستان والهند؛ بسبب أزمة إقليم كشمير، كما لا تزال هناك العديد من مناطق العالم تتعرض لتنامي ملحوظ للأنشطة السيبرانية، وهو ما أدَّى إلى أن أصبحت السيبرانية أداة قوية داخل المجتمع الدولي، وظاهرة متنامية، أدت لتشكيل العديد من الجيوش الإلكترونية (السيبرانية)، والتي استخدمتها بعض الدول من أجل الحفاظ على تماسكها الدولي، والتصدي أيضًا للهجمات الإلكترونية التي قد تتعرض لها.([7])
فيما تعرضت القارة السمراء إلى سلسلة من الجرائم الإلكترونية؛ حيث أشارت التقديرات إلى أن هذه الجرائم من الممكن أن تؤثر على الاقتصاد العالمي بشكل كبير، وربما تكلفه ما يقرب من 10.5 تريليون دولار خلال عام 2025م، ومع تنامي الجهود الدولية الرامية إلى توسيع القدرات داخل القارة الإفريقية من أجل تخفيف تأثيرات الهجمات السيبرانية، وذلك من خلال الشراكات الدولية والإقليمية، لا سيما في ظل تصاعد وتيرة الهجمات السيبرانية الرامية إلى التأثير على البنية التحتية التكنولوجية في إفريقيا، وخصوصًا داخل الدول ذات الاقتصاديات النامية في القارة، مثل غانا وكينيا وجنوب إفريقيا، وتعمل هذه الحركات على استخدام بعض الأساليب غير المشروعة أيضًا مثل الاتجار بالبشر والاحتيال والابتزاز.([8])
وتعد اتفاقية مجلس أوروبا بشأن الجرائم الإلكترونية، والمعروفة باسم اتفاقية “بودابست”، واحدة من أهم المعاهدات الدولية الموجودة في الوقت الحالي من أجل تعزيز التعاون في مجال الأمن السيبراني، فضلًا عن ذلك يوجد اتفاقية الاتحاد الإفريقي بشأن الجرائم الإلكترونية، وكذلك لحماية البيانات الشخصية، وهي ما تُعرف باتفاقية مالابو، والتي تم صياغتها في عام 2011م، وتم اعتمادها بعد 3 سنوات، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في 8 يونيو 2023م، ولم تحظَ إلا بتصديق 15 دولة فقط من دول الاتحاد الإفريقي.
وفي هذا الصدد، لا تزال هناك بعض دول القارة التي ترى أن اتفاقية “بودابست تعد وثيقة أجنبية لا تتناسب مع القارة الإفريقية، لا سيما وأن اتفاقية مالابو لم تحظَ حتى الآن بتوقيع كل الدول الإفريقية([9])، وهو الأمر الذي يعرقل من جهودها وربما تفشل في تحقيق أهدافها ومصداقيتها، كما قد تجد الدول الموقِّعة على الاتفاقية صعوبة في تطوير الاتفاقية أو تعزيز مجالات عملها، فيما يتعلق بالأمن السيبراني الإفريقي. وفي سياق آخر، فإن الأمن السيبراني يعد هدفًا رئيسًا للقارة الإفريقية، لا سيما بعدما حظي باهتمام كبير ضمن جدول أعمال أجندة الاتحاد الإفريقي 2063م. رغم تعرُّض الدول الإفريقية خلال السنوات الماضية إلى حالة من الانتقادات الواسعة لانتقادات لتحديده ضمن أولوياتها.([10])
ووفقًا لمؤشر الأمن السيبراني العالمي لعام 2020م (Global Cybersecurity Index)، الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) ويصدر كل خمس سنوات، والذي يقيس مدى التزام 193 دولة بالأمن السيبراني، كما يعمل على تحديد مجالات التحسين وتشجيع البلدان على اتخاذ الإجراءات اللازمة؛ من خلال زيادة الوعي بحالة الأمن السيبراني في جميع أنحاء العالم، ووفقًا لتقرير “الأمن السيبراني العالمي” الأخير، جاءت الدول الإفريقية في مرتبة متأخرة داخل ترتيب الدول الأقل تطورًا في الأمن السيبراني، أبرزها ما يلي ([11]):
- غينيا الاستوائية (المرتبة 180 عالميًّا).
- إريتريا – جيبوتي – بورندي (المرتبة 179 عالميًّا).
- جمهورية إفريقيا الوسطى (المرتبة 176 عالميًّا).
- جزر القمر (المرتبة 175 عالميًّا).
- الكونغو الديمقراطية (المرتبة 170 عالميًّا).
- جنوب السودان (المرتبة 169 عالميًّا).
- ليسوتو (المرتبة 164 عالميًّا).
- ليبيريا (المرتبة 162 عالميًّا).
- غينيا بيساو (المرتبة 161 عالميًّا).
- مالي (المرتبة 160 عالميًّا).
وفيما يتعلق بأكبر الدول الإفريقية تهديدًا، جاءت نيجيريا في المرتبة 50 عالميًّا من حيث التهديدات عبر الإنترنت، وحلت جنوب إفريقيا في المرتبة 82، وجاءت كينيا في المرتبة 35 على القائمة العالمية، وخلال الربع الأول من عام 2023م، كشفت بعض التقارير أن برامج التجسس كانت أكثر أنواع التهديدات شيوعًا في جنوب إفريقيا؛ إذ تعرضت الدولة إلى نحو 106 آلاف محاولة هجوم، وتعرضت نيجيريا إلى نحو 46 ألف محاولة، وزادت هذه العمليات في كينيا، والتي وصلت إلى 143 ألف محاولة([12])، كما زادت نسبة التهديدات السيبرانية والجرائم الإلكترونية إلى 76% في بعض الدول الإفريقية خلال عام 2023م.([13])
المحور الثاني:
تصاعد تأثير التكنولوجيا في القارة الإفريقية
أصبحت تأثيرات التكنولوجيا داخل القارة تتنامى بشكل ملحوظ، لا سيما بعدما أصبح الأمن السيبراني يشكل تحديًا متزايدًا داخل القارة، وذلك بعد تنامي استخدامات التكنولوجيا ووسائل الاتصالات، وهو ما يجعل من تحديات الأمن السيبراني تتفاوت من دولة لأخرى، وفي سياق آخر فإن هناك عدة تقارير سلَّطت الضوء حول أنه يمكن استخدام التقنيات التكنولوجية كأداة في العمليات السيبرانية، والتي قد تهدّد أمن القارة، لذا فقد تم التركيز على “الحوكمة السيبرانية” ضمن الأولويات الخاصة بالمناقشات متعددة الأطراف، لا سيما في ظل ما قد يقود إليه غياب القدرات في معظم الدول الإفريقية لمواجهة الهجوم السيبراني، بالإضافة إلى وجود تحالفات مع الدول الغربية ضد روسيا من جانب وضد الصين من جانب آخر، وهو ما قد يزيد من الشعور بالحياد أو التوازن الإستراتيجي داخل القارة الإفريقية.
وإزاء هذه التحولات الكبرى داخل القارة الإفريقية قد تخشى بعض الأنظمة السياسية في القارة من خطر التعرض لهجوم سيبراني مفاجئ، لا سيما في ظل تزايد عمليات القرصنة الإلكترونية، واختراق العديد من الأنظمة القوية في بعض الدول الإفريقية، وربما يؤدي ذلك إلى تعطيل بعض العمليات التجارية؛ حيث لا تزال بعض الأنظمة الإفريقية تعاني من الديمقراطية الهشَّة، وربما تتعرض بعض الأنظمة الإفريقية إلى حملات مضللة تقودها جهات خارجية تخدم توجهات وأجندات معينة لمصالحها، وقد تعرضت عدة دول إفريقية لمثل هذه الممارسات خلال الانتخابات، لا سيما كينيا وجنوب إفريقيا ونيجيريا؛ حيث تقوم الدول الغربية بإنفاق مبالغ طائلة من أجل مواجهة التهديدات المحتملة للعمليات المعلوماتية في القارة، وذلك من أجل تفادي خطر تحوُّل إفريقيا لحلقة هشة في سبيل الجهود المبذولة لمراقبة الفضاء الإلكتروني.([14])
ويمكن القول: إن حجم سوق الأمن السيبراني داخل القارة قدر بنحو 0.6 مليار دولار أمريكي خلال هذا العام، وربما يشهد خلال الفترة المقبلة ارتفاعًا ملحوظًا ليصل لنحو 1.14 مليار دولار أمريكي خلال عام 2029م، لا سيما في ظل تنامي الرقمنة داخل القارة، في ظل ما يشهده الأمن السيبراني الإفريقي من اهتمام بالغ مؤخرًا؛ حيث يعمل الأمن السيبراني على منع الوصول غير الشرعي لأجهزة الحاسب الآلي والبرامج والبيانات، كما أصبحت الأنظمة الإفريقية والمنظمات الإقليمية تركز على ضرورة تعزيز النمو في مجال الأمن السيبراني، لا سيما تنمية البنية التحتية للأمن السيبراني لمواجهة مختلف التحديات الأمنية، والتصدي لعمليات القرصنة التي قد تتعرض لها القارة، لا سيما في ظل ما تكتسبه القارة من اهتمام كبير فيما يتعلق بالثورة الصناعية الرابعة، لا سيما في مجالات الاستثمارات الرقمية، والتكنولوجيا والابتكار؛ حيث أصبحت عدة دولة إفريقية من بينها كينيا وجنوب إفريقيا ونيجيريا تقوم بتنسيق السياسات والرؤى الرقمية، وذلك من أجل تحقيق التحول الرقمي للقارة.([15])
ولا تزال إفريقيا تعاني من عدة تحديات في مجال الأمن السيبراني؛ حيث تواجه العديد من الشركات في القارة من عدم القدرة على مواجهة التهديدات السيبرانية المتنامية، كما لا تزال هناك العديد من الدول التي لم تضع قوانين من أجل حماية الشركات والمستهلكين على حد سواء؛ حيث أوضح مؤشر الأمن السيبراني أن هناك 29 دولة إفريقية فقط وضعت تشريعات للأمن السيبراني، فضلًا عن ذلك فإن هناك 52% من الشركات العاملة في إفريقيا غير مُؤهَّلة للتعامل مع التهديدات السيبرانية، وذلك حتى عام 2022م، فيما ذكر التقرير الصادر عن الإنتربول الدولي حول “تقييم التهديدات الإلكترونية في إفريقيا” أن هناك حوالي 90% من الشركات في إفريقيا كانت تعمل دون وضع البروتوكولات الخاصة بالأمن السيبراني.([16])
فيما ذكر تقرير آفاق الأمن السيبراني العالمي لعام 2024م الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي أن هناك حالة تفاوت كبير بين المناطق الجغرافية في التعامل مع التهديدات السيبرانية؛ حيث إن المنظمات العاملة في القارة الإفريقية وأمريكا اللاتينية أكبر فجوة وأقل قدرة على الصمود في مواجهة التهديدات السيبرانية، ولا تتمتع بالمرونة الكافية مقارنة بالقارة الأوروبية وأمريكا الشمالية([17])، وفي هذا السياق، أوضح غالبية قادة إفريقيا أن هذه التهديدات أدَّت إلى خسائر فادحة لهم، لا سيما التأثير في حركة التجارة والإضرار بالعلامات التجارية، وطلب فدية نتيجة هذه العمليات.([18])
وفي هذا السياق، أوضحت African Business أن ما يقرب من 90٪ من الشركات الإفريقية تعمل بدون بروتوكولات للأمن السيبراني، وهو الأمر الذي يجعلها مُعرَّضة بشكل متزايد للتهديدات السيبرانية مثل القرصنة وهجمات البرامج المخربة، وهو نتيجة افتقار بعض الدول الإفريقية إلى البنية التحتية للأمن الرقمي؛ إذ من الضروري العمل على حماية البيانات الشخصية من أيّ نوع من أنواع الاختراق؛ حيث زادت الجريمة السيبرانية بنسبة 76٪ في بعض الدول الإفريقية خلال عام 2023م.([19])
ووفقًا لتقرير الجرائم الإلكترونية العالمية 2024م الصادر عن (MixMode Threat Research) والذي يوضح الدول الأكثر تعرضًا لمخاطر الجرائم الإلكترونية، والذي يستند لمجموعة مؤشرات مختلفة، بما في ذلك المؤشر الوطني للأمن السيبراني، ومؤشر التعرض للأمن السيبراني، ومؤشر الأمن السيبراني العالمي، ومؤشر المرونة السيبرانية، والنتيجة النهائية للسلامة السيبرانية، ويعتمد التصنيف على ترتيب 70 دولة عالميًّا من حيث الأقل تعرضًا للجرائم الإلكترونية؛ حيث شمل التصنيف 6 دول إفريقيا في مراتب مختلفة، أبرزها ما يلي:([20])
- مصر، وجاءت في المرتبة 36 عالميًّا.
- جنوب إفريقيا، وجاءت في المرتبة 39 عالميًّا.
- كينيا، وجاءت في المرتبة 48 عالميًّا.
- نيجيريا، وجاءت في المرتبة 51 عالميًّا.
- المغرب، وجاءت في المرتبة 55 عالميًّا.
- الجزائر، وجاءت في المرتبة 67 عالميًّا.
المحور الثالث:
أبرز صور التهديدات السيبرانية داخل القارة الإفريقية
تباينت أشكال التهديدات السيبرانية في القارة؛ حيث شكَّلت عدة صور أثَّرت على التنمية في إفريقيا، كما أصبحت تمثل تهديدًا كبيرًا لبعض الأنظمة الإفريقية الحاكمة، في ظل ما تعاني به هذه الأنظمة من هشاشة أمنية، ويمكن رصد أبرز هذه التهديدات فيما يلي:
- تنامي ظاهرة الفدية: إذ شكلت أبرز هذه الصور انتشارًا ونموًّا من بين أنواع الإرهاب السيبرانية؛ حيث تعرضت شركة “ترانسنت” (Transnet) بجنوب إفريقيا خلال عام 2021م لمجموعة من الهجمات السيبرانية، والتي تسبَّبت في تعطل الخدمات، وكلفت الحكومة ما يقرب من 447 ألف دولار أمريكي من أجل فك القيود عن البيانات التي تم سرقتها.
- تصاعد ظاهرة التلاعب والتحايل: حيث رصدت بعض التقارير أن التهديدات السيبرانية صورة من صور التحايل والتلاعب الإلكتروني، لا سيما بعدما قامت بعض التنظيمات بإنشاء منصات مزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل التواصل مع الأشخاص للوصول إلى أرصدتهم بالبنوك، أو بعض المعلومات الخاصة؛ حيث أشارت بعض الدراسات إلى أن وكالة “ترانس يونيون” (TransUnion) كشفت أن 68% من العينة التي قامت الدراسة عليها داخل جنوب إفريقيا، كشفوا عن تعرضهم لهذا النوع من التلاعب والنصب.
- محاولات الضغط والابتزاز: حيث تقوم بعض التنظيمات السيبرانية باستقطاب أهداف معينة من أجل خداعهم والضغط عليهم، وكذلك استخدام بعض المعلومات والبيانات الخاصة، لا سيما من خلال السيطرة على بعض منصات التواصل الاجتماعي.
- استخدام بعض العملات المشفّرة: حيث نَمَت مؤخرًا هذه الظاهرة، لا سيما بعدما أصبحت من أهم صور الاحتيال؛ وأصبحت جنوب إفريقيا واحدة من أبرز الدول في العالم التي تتعرض لهذا النوع؛ وفي عام 2021م أصبحت جنوب إفريقيا من أبرز 10 دول عالميًّا تتعرض لخطر السرقة الإلكترونية من خلال العملات المشفرة؛ حيث كشف “معهد الدراسات الأمنية” (ISS) أن جنوب إفريقيا تعرضت لواحدة من أكبر عمليات السرقة من خلال العملات المشفرة؛ حيث تم سرقة ما يقرب من 588 مليون دولار من بعض أفراد عن طريق استخدام “بيتكوين”([21]).
المحور الرابع:
تداعيات الحرب الأوكرانية على تنامي التهديدات السيبرانية في إفريقيا
سلَّطت الحرب الروسية الأوكرانية الضوء على الدمار الذي يمكن أن تسبّبه الحرب الإلكترونية بين دولتين متنازعتين؛ إذ نجد غيابًا للقدرات الهجومية السيبرانية في العديد من الدول الإفريقية، وهو ما يمكن أن يبرهن على وجود علاقة كبيرة بالشراكات والعلاقات الجيوسياسية مع الدول الغربية مثل روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية والهند والمملكة المتحدة مع العديد من الدول الإفريقية، لتعزيز الأمن السيبراني بالقارة؛ إذ أصبحت جنوب إفريقيا تمتلك ما يقرب من ثلاثة أرباع أكبر 100 شركة تعمل في الأمن السيبراني، ولكن من المهم أيضًا أن يأتي الاستثمار من داخل القارة الإفريقية؛ بحيث يكون هناك اعتماد أقل على دول “العالم الأول” لحماية البلدان الإفريقية على التداعيات السلبية للتكنولوجية الرقمية.([22])
تحديات مستقبلية:
لا تزال القارة الإفريقية تواجه مجموعة مختلفة من المشكلات المتعلقة بالأمن السيبراني، مقارنةً بالعديد من القارات والمناطق الأخرى في العالم، ولكنها لا تزال قادرة على تطوير تقنيات جديدة بموارد أقل بشكل ملحوظ ومحدودية الوصول إلى التكنولوجيا، وهو ما يثير الدهشة، على الرغم من أن العديد من البلدان الإفريقية تعاني من قيود وأنظمة الإنترنت الخاصة بالمنطقة، بالإضافة إلى السياسات المتداخلة التي تعطي الأولوية للسياسات بعيدًا عن الأمن السيبراني، ولا تزال إفريقيا قادرة على الحفاظ على نوع من الوجود في مجال الأمن السيبراني على المسرح العالمي([23])؛ حيث نجد اعتماد الحكومة النيجيرية إستراتيجية وطنية جديدة للأمن السيبراني، وذلك في سعيٍ منها لتعزيز التحول الرقمي في نيامي، ونجد أن هذه الإستراتيجية تهدف إلى ضمان تحول رقمي مستدام وفعّال للدولة، بالإضافة إلى تعزيز ثقة المستثمرين والجمهور في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، في مشروع قد يمتد لنحو 5 سنوات، والتي بدأت منذ العام الماضي.([24])
وتعتمد الاستراتيجية الأمنية على أربعة محاور رئيسة تتعلق بتعزيز الاستخدام الرقمي مِن قِبَل السكان، لتأسيس الإطار التشريعي والتنظيمي والمؤسسي، وحماية وتأمين البنية التحتية الحيوية الوطنية للدولة، وذلك من خلال بناء وتعزيز القدرات والهياكل التشغيلية والموارد البشرية، مع تعزيز الثقة والأمن في الاستخدامات التكنولوجية المعلوماتية والاتصالات، من أجل تنفيذ أنظمة لمنع وقمع الهجمات الإلكترونية وكشفها أيضًا، بالإضافة إلى سعيها لتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال الأمن السيبراني، مع تعزيز التعاون الوطني والإقليمي والدولي. يُذْكَر أن هذه الإستراتيجية تأتي بعد مرور عام على مساعي النيجر لتطوير أنظمة الإنترنت التي أطلقتها حكومة البلاد في أكتوبر 2021م، من أجل تمكين الحكومة من فهم البيئة والسياسات الوطنية للإنترنت بشكل واضح، مع قدرتها لتقييم الأنظمة الرقمية.([25])
أجندة إفريقيا لمواجهة التهديدات:
في الوقت الذي لا تزال فيه القارة الإفريقية تواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بالكفاءة السيبرانية للدول، إلا أن القارة تسعى إلى تعزيز الجهود لبناء إستراتيجية سيبرانية قوية من أجل تعزيز القدرات والإمكانيات الإفريقية، بما يتماشى مع مساعي القارة إلى التحول الرقمي، وتعزيز النمو الاقتصادي، وكذلك المضي قُدمًا نحو بناء مجتمع أمني وتكنولوجي متكامل بحلول عام 2030م، وكذلك العمل على استخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة لتعزيز التحولات التي تشهدها القارة.([26])
وتحتاج القارة إلى ضرورة مواجهة التصاعد الكبير للجريمة المنظمة، لا سيما في ظل الانتشار الواسع للفضاء الإلكتروني أمام التنظيمات العاملة في هذا المجال؛ حيث استغلت الجماعات الانتشار الواسع للإنترنت في القارة من أجل تنامي أنشطتها الإجرامية التي تتم عبر الإنترنت؛ حيث تقوم بالتجسس واختراق بعض الأنظمة الإفريقية للتحكم في البيانات والمعلومات، فضلًا عن ذلك فإن الأجندة الإفريقية تسعى إلى مجابهة ما تتعرض له الحكومات والأنظمة العسكرية لهجمات واسعة من التنظيمات السيبرانية، والتي تسعى لتدمير البينة التحتية والتكنولوجية الإفريقية، وفي ضوء ذلك، ظهرت مخاوف الدول الغربية من محاولات الصين في السيطرة على المجال السيبراني داخل القارة، ومِن ثَم سيطرتها على الأنظمة الإفريقية([27])، لا سيما في ظل التقارب المتنامي بين دول إفريقيا مع الصين وروسيا، مع حالة الرفض الإفريقي للوجود الغربي في القارة، فضلًا عن ذلك، تسعى الصين لفرض نفسها على الدول الإفريقية وتقديم خدمات أمنية وتكنولوجية بأسعار مناسبة لجذب أكبر عدد ممكن.([28])
وختامًا، لا تزال القارة في حاجة إلى تعزيز التعاون بين الدول، والتنسيق من أجل التحرك الجماعي، من أجل التصدي لتصاعد التهديدات السيبرانية، والعمل على الحفاظ على الأمن السيبراني داخل القارة؛ حيث يجب على الدول الإفريقية أن تعمل على تعزيز القدرات الداخلية، وكذلك المضي قُدمًا من أجل تعزيز التعاون الدولي والإقليمي، فضلًا عن تحقيق التكامل الأمني والرقمي في إفريقيا، وكذلك العمل على تحقيق التنمية في القارة، فيما لا تزال القارة تواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بملف الأمن السيبراني، لا سيما في ظل السياقات السياسية والاجتماعية والثقافية المتباينة بين الدول، فضلًا عن أن القارة لا تزال تعاني من حالة تهميش كبير من العالم؛ حيث تم تهميش القارة في عدة منتديات سابقة حول حوكمة الأمن السيبراني العالمي، رغم مساعي الدول الإفريقية لإظهار حالة الاهتمام بالمفاوضات الخاصة بالأمم المتحدة حول وضع اتفاق على معاهدة عالمية للجرائم السيبرانية.
……………………………………..
[1]. د. محمد الجندي، الأمن السيبراني وحماية البيانات، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مارس 2021م. https://www.idsc.gov.eg/DocumentLibrary/View/4559
[2]. أ. د. نــورهان الشيــخ، الإرهاب السيبراني ومستقبل العلاقات الأمريكية الروسية، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، أكتوبر 2021م. https://www.idsc.gov.eg/DocumentLibrary/View/6239
[3]. دينا عاطف عمر، الميليشيات السيبرانية: السياق الدولي وآليات المواجهة، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، أكتوبر 2021م. https://www.idsc.gov.eg/DocumentLibrary/View/6257
[4] New trends! Check Point Software’s Mid-Year Security Report, cyber talk, 3 August, 2022, https://bit.ly/3gmO8ZJ
[5] Nathaniel Allen, Africa’s Evolving Cyber Threats, africa center for strategic studies, January 2021, https://bit.ly/3S0Yc8u
[6]– أسماء فتحي، الأمن السيبراني… هاجس يجتاح العالم.. وإفريقيا تسير على الدرب، مصر 360، 24 أكتوبر، 2021م، https://bit.ly/3Bh7YMJ
[7]– دينا عاطف عمر، الميليشيات السيبرانية: السياق الدولي وآليات المواجهة، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، أكتوبر 2021م، https://bit.ly/3U9ObHN
[8] Karen Allen, Cyber diplomacy and Africa’s digital development, AFRICA REPORT 38, JANUARY 2022, Institute for Security Studies (ISS), P 7, https://bit.ly/3qDG8We
[9] Ibid, p 7 – 8
[10]– تحديات الأمن السيبراني في إفريقيا.. بناء جسور التكنولوجيا وتحقيق الاستدامة الرقمية، بوابة الأهرام، فبراير 2024م. https://gate.ahram.org.eg/News/4731124.aspx
[11] Global Cybersecurity Index, TUPublications, p25, https://www.itu.int/dms_pub/itu-d/opb/str/D-STR-GCI.01-2021-PDF-E.pdf
[12] Biodun Busari, Nigeria, South Africa, Kenya top African countries with highest cyber threats – Report, vanguardngr, 6 june 2023 https://www.vanguardngr.com/2023/06/nigeria-south-africa-kenya-top-african-countries-with-highest-cyber-threats-report/
[13] Amber Jackson, Cyber attack increase across Africa threatens digital growth, 5 july 2023, Cyber, https://cybermagazine.com/cyber-security/cyber-attack-increase-across-africa-threatens-digital-growth
[14] Cyber diplomacy and Africa’s digital development, AFRICA REPORT. P 8
[15]– تحليل حجم سوق الأمن السيبراني في إفريقيا وحصته: اتجاهات النمو والتوقعات (2024 – 2029م)، Mordor intelligence. https://www.mordorintelligence.com/ar/industry-reports/africa-cybersecurity-market
[16] Africa’s Chaotic Legal and Regulatory Cybersecurity Landscape Requires Harmonization, Forbes Technology Council, 2 Aug, 2022, https://bit.ly/3T6lydl
[17] Global Cybersecurity Outlook 2024, The World Economic Forum’s, p10, Jan 2024. https://www.weforum.org/publications/global-cybersecurity-outlook-2024/
[18] Global Cybersecurity Outlook 2024, p21.
[19] Amber Jackson, Cyber attack increase across Africa threatens digital growth, Cyber, July 2023. https://cybermagazine.com/cyber-security/cyber-attack-increase-across-africa-threatens-digital-growth
[20] Global Cybercrime Report 2024: Which Countries Face the Highest Risk?, MixMode Threat Research, 8 May 2024. https://mixmode.ai/blog/global-cybercrime-report-2024-which-countries-face-the-highest-risk/
[21] ibid
[22] Cyber Diplomacy: How Africa can Leverage its Position, Age and Talent, Nclose Advantage cyber security, https://www.nclose.com/cyber-diplomacy-how-africa-can-leverage-its-position-age-and-talent/
[23] Cyber Diplomacy: How Africa can Leverage its Position, Age and Talent, ibid
[24] Niger adopts a cybersecurity strategy to ensure “effective digital transformation, Ecofin Agency, 28 December 2022, https://www.ecofinagency.com/telecom/2812-44156-niger-adopts-cybersecurity-to-ensure-effective-digital-transformation
[25] Niger adopts a cybersecurity strategy to ensure “effective digital transformation, ibid
[26]– قمة أممية تحفز العمل من أجل التنمية في إفريقيا، أخبار الأمم المتحدة، 20 يوليو 2022م. https://bit.ly/3skjItN
[27]– ناورز خليل، الأزمة الأوكرانية والحرب السيبرانية.. أدواتها وإستراتيجياتها، سكاي نيوز عربية، 9 مارس 2022م، https://bit.ly/3elN7AC
[28] Understanding Africa’s Emerging Cyber Threats, Africa center for strategic center, https://bit.ly/3s0nuZu