يهدف هذا المقال إلى الوقوف على محطات أساسية، يمكن من خلالها تتبع المسارات المختلفة لحيثيات ما قبل الاعتراف الألماني بارتكاب إبادة جماعية في هذا القطر الإفريقي، ذلك الاعتراف الذي أعلن في 28 مايو 2021.
يفترض هذا المقال أنه ولفهم تطور قضية الإبادة الجماعية، التي ارتكبتها القوات الألمانية تجاه السكان الأصليين في ناميبيا في الفترة من 1904 إلى 1908- لا بد من تسليط الضوء على ثلاثة محاور أساسية، تتمثل في:
أولا: حيثيات ما قبل الدعوى القضائية، التي رفعها ممثلون لشعبي: الهيريرو والناما في مواجهة ألمانيا في يناير 2017، والتي تخصّ على وجه الخصوص تقديم تهمة الإبادة الجماعية.
ثانيا: الدعوى القضائية (يناير 2017).
ثالثا: حيثيات ما بعد الدعوى القضائية.
حيثيات ما قبل الدعوى القضائية: بداية رحلة الاعتراف والاعتذار:
في البدء لا بد من القول إن هناك أحداثا تمهيدية، مثّلت ما يمكن تسميته بالإرهاصات، التي عبّدت الطريق لتقديم الدعوى القضائية من قبل ممثلي شعبي الهيريرو والناما في مواجهة ألمانيا. وتعدّ تلك الدعوى علامة فارقة في الحصول على الاعتراف الألماني، لاحقا، بارتكاب ألمانيا إبادة جماعية في ناميبيا، ومعنى ذلك أن تلك الدعوى لم تكن تحمل عنصري المفاجأة والارتجال.
بعبارة أخرى، وحتى نفهم المسارات المهمة، التي سبقت تلك الدعوى- فإن الفترة التي سبقت تقديم الدعوى القضائية من قبل شعبي الهيريرو والناما في يناير 2017- شهدت مجموعة من الأحداث، التي مهّدت البيئة المحفزة لتقديم تلك الدعوى، ويمكن حصر أهم تلك الأحداث، مرتبة تاريخيا، في النقاط التالية:
أولا: تصنيف الأمم المتحدة في عام 1985- تقرير “ويتاكر” للمجازر (التي تمت في ناميبيا) على أنها محاولة لإبادة شعوب الهيريرو والناما في جنوب إفريقيا، وبالتالي واحدة من أقدم حالات الإبادة الجماعية في القرن العشرين[1].
ثانيا: زيارة الرئيس الألماني “رومان هيرزوك” ناميبيا في عام 1998، والتقاؤه زعماء الهيريرو، وإعرابه عن أسفه، وعدم اعتذاره، وإشارته إلى أن القانون الدولي، الذي يشترط التعويض لم يكن موجودا في عام 1907، وتأكيده التعهد بإعادة عريضة الهريرو(التي تطالب بالاعتذار والتعويض) إلى المحكمة الألمانية[2].
ثالثا: زيارة وزيرة التنمية الاقتصادية والتعاون الألمانية ناميبيا في 18 أغسطس 2004، في الذكرى المائة لبدء أعمال الإبادة الجماعية. وقد اعتذرت رسميا، وعبرت عن حزنها إزاء الإبادة الجماعية، معلنة في خطابها: “نحن الألمان نقبل مسؤوليتنا التاريخية…”. واستبعدت الوزيرة دفع تعويضات خاصة، لكنها وعدت بمواصلة المساعدات الاقتصادية لناميبيا، والتي تبلغ حاليا (2004)، 14 مليون دولار سنويا[3].
رابعا: إعادة ألمانيا في عام 2011، 20 جمجمة إلى ناميبيا على نحو رمزيّ، وتقديمها الوعود بتقديم مساعدات تقنية إلى ناميبيا، عوضا عن دفع التعويضات، من أجل تخفيف وطأة الممارسات الألمانية تاريخيا[4].
خامسا: بداية المحادثات بين الحكومتين الألمانية والناميبية في عام 2015، والتي استمرت لسنوات، وما تزال مستمرة، والتي من خلالها تعمل ألمانيا، وفقا للمتحدثة باسم الخارجية الألمانية، على إصدار إعلان مشترك بين البلدين، يتضمن نقاشا عاما بشأن الأحداث التاريخية، واعتذار ألمانيا عما حدث في ناميبيا، وقولها إن الاعتذار لن يترجم من الجانب الناميبي إلى ملاحقات قانونية[5].
سادسا: اعتزام ألمانيا الاعتذار رسميا عن الإبادة الجماعية للهيريرو، في 14 من يوليو 2016؛ وذلك على لسان وزيرة الخارجية الألمانية، التي قالت: إن برلين تعتزم الاعتذار رسميا لناميبيا عن الإبادة الجماعية، التي ارتكبتها قوات الاحتلال الألمانية لعرق الهيريرو في ناميبا، مطلع القرن العشرين[6].
انطلاقا من تلك الأحداث- يمكن القول إن الموقف الألماني خلال الفترة، التي سبقت الدعوى القضائية- اتسم بحسن النية، ومحاولة فتح صفحة جديدة في العلاقات مع ناميبيا، وتناسي مآسي ما تم خلال الحقبة الاستعمارية، على أن يتم ذلك بتدرج، على الرغم من صعوبة تنفيذ هذا الموقف. يبرهن على ذلك ما تم استعراضه من زيارة للرئيس الألماني إلى ناميبيا في العام 1998، وزيارة وزيرة التنمية الاقتصادية والتعاون إليها في العام 2004، بمناسبة مرور مائة عام على بدء عملية الإبادة الجماعية. إضافة إلى بدء محادثات جادة بين الحكومتين: الألمانية والناميبية.
ومن جانب آخر، نلحظ أنه وتحت ضغط تصنيف الأمم المتحدة لما حدث في ناميبيا بين عامي 1904 و1908 على أنه إبادة جماعية- أدركت ألمانيا وضعها المحرج، مما جعلها، في البدء، تعبر عن أسفها لما حدث، وتلحق ذلك الأسف بعدم الاعتذار، ثم رفض مبدأ التعويضات، وفي الوقت نفسه تعد بعرض هذه القضية في المحكمة الألمانية (ربما خوفا من تدويل القضية)، كان ذلك في العام 1998. وبمرور الوقت تهيأت البيئة لألمانيا؛ لتبدأ رحلة مع الاعتراف والاعتذار، حيث شهد العام 2004، مشاركة الحكومة الألمانية في الذكرى المائة للإبادة، وتقديمها اعتذارا رسميا، وإعلان مسؤوليتها التاريخية والأخلاقية لما حدث، وإصرارها على استبعاد دفع تعويضات، والاكتفاء فقط بمواصلة المساعدات، التي ظلت تدفعها سنويا لناميبيا.
ومما يمكن استنتاجه من تلك الأحداث- أن ألمانيا كانت تتطلع من الجانب الناميبي أن لا يترجم ذلك الاعتذار إلى ملاحقات قانونية، تمهيدا للاعتراف الرسمي بارتكاب تلك الإبادة الجماعية، الذي حدث بالفعل في الثامن والعشرين من شهر مايو 2021، وإن سبقت ذلك الاعتراف ملاحقة قانونية، تمثلت في رفع دعوى قضائية تمت في يناير 2017، فما كنه هذه الدعوي؟ وما التداعيات، التي ترتبت على الدفع بها؟
الدعوى القضائية: البدء في حصاد المكاسب المؤجلة:
تمت الإشارة من قبل إلى أن هناك مجموعة من الأحداث التمهيدية المهمة، التي وقفت وراء الدعوى القضائية، التي رفعها ممثلو شعبي الهيريرو والناما إلى محكمة أمريكية في مواجهة ألمانيا، بخصوص إبادة جماعية ارتكبت بحق الشعبين، وقد وفّرت هذه الأحداث البيئة الصالحة لرفع الدعوى.
المهم في الأمر أنه في الأسبوع الأول من شهر يناير 2017- ورد في الأخبار أن مجموعتين عرقيتين في ناميبيا، أقامتا دعوى قضائية في الولايات المتحدة الأمريكية ضد ألمانيا، بتهمة اقتراف جريمة الإبادة الجماعية بحقهما، في الفترة من 1904- 1908، إبان الحقبة الاستعمارية الألمانية لناميبيا.
وجاء في الخبر، الذي أوردته البي بي سي عربي- في السادس من يناير 2017 ما نصّه: “أقام ممثلون من مجموعتي الهيريرو والناما العرقيتين الناميبيتين- دعوى قضائية في نيويورك ضد ألمانيا، بتهمة اقتراف الأخيرة جرائم إبادة بحق المجموعتين. ويسعى المدعون للحصول على تعويضات، لما يعترف به الألمان أنفسهم بأنها كانت جرائم إبادة جماعية. كما يدْعون إلى حق تمثيلهم في المفاوضات (الجارية) بين ألمانيا وناميبيا. وقد أقيمت الدعوى لدى المحكمة المناطقية الأمريكية في مانهاتن بموجب قانون صدر عام 1979، يتم اللجوء إليه في القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان”[7].
ومما جاء في تفاصيل ذلك الخبر- أن ممثلي المجموعتين يقولون إنهم يسعون للحصول على تعويض؛ لأن ما بين 1884 و1903، صودر نحو ربع مساحات الأراضي العائدة للهيريرو والناما، دون تعويض من قبل مستوطنين بدعم رسمي، وما يزال أحفاد أولئك المستوطنين يستغلون بعضا من تلك الأراضي إلى يومنا هذا. وأن السلطة الاستعمارية الألمانية غضّت الطرف عن عمليات الاغتصاب، التي استهدفت نسوة وفتيات من الهيريرو والناما، كما تجاهلت العمالة الإجبارية، التي كان معمولا بها آنذاك[8].
ومما جاء في تفاصيل ذلك الخبر، أيضا، أنه ضمن الفظائع، التي ارتكبتها قوات الاستعمار الألمانية- إرسال جماجم قتلى المجموعتين إلى الجامعات الألمانية، حيث أجريت عليها دراسات[9].
كيف تعاملت ألمانيا مع هذه الدعوى القضائية، التي دفع بها ممثلون لشعبي الهيريرو والناما في يناير 2017، والتي يتهمون فيها ألمانيا، بارتكاب جملة من الجرائم، تتصدرها تهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بحقهما في ناميبيا؟
انتظرت ألمانيا نحو عام كامل لتقول إن الدعوى القضائية، التي رفعها شعبا الهيريرو والناما في مواجهتها، لا سند لها في القانون، وفي الوقت نفسه أفصحت ألمانيا عن اعتراف مبدئي بالمسؤولية التاريخية تجاه القبيلتين، بل جعلت من المفاوضات الجارية بينها وناميبيا، التي بدأت في العام 2015- غايتها التوصل إلى إعلان مشترك حول ما جرى من جرائم قتل واعتقال وتشريد … إبان الحقبة الاستعمارية الألمانية لناميبيا.
الشيء المهم أنه في بداية الأسبوع الثالث من شهر يناير 2018، بالتحديد في الخامس عشر منه- كشفت ألمانيا عن نيتّها بالكيفية، التي ستتعامل بها مع قضية الدعوى القضائية ضدها؛ حين ذكرت أن الدعوى القضائية، التي أقامتها اثنتان من القبائل في ناميبيا بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية بحقهما قبل مائة عام، غير مقبولة قانونيا، منوّهة باعتراف مبدئي لألمانيا بالمسؤولية التاريخية تجاه القبيلتين. وقالت متحدثة باسم الخارجية الألمانية إن هذا الرأي القانوني يستند على “مبدأ حصانة الدولة”؛ مضيفة أن محاميا مكلفا من الحكومة الألمانية بهذا الأمر رسميا في نيويورك[10].
وفي السياق ذاته- أكّد المتحدث باسم الحكومة الألمانية “شتيفن زايبرت”، الاعتراف المبدئي لألمانيا بالمسؤولية التاريخية تجاه قبيلتي الهيريرو والناما في ناميبا، موضحا أن المفاوضات السياسية الجارية حاليا بين ألمانيا وناميبيا- هدفها التوصل إلى إعلان مشترك حول هذا الأمر[11].
وبعد مضي عامين ونيف من تقديم الدعوى القضائية، وعام ونيف من التعامل الألماني معها على أنها غير قانوية، واستفادة ألمانيا من مبدأ حصانة الدولة- استطاعت ألمانيا أن تنجو من الإدانة بارتكاب إبادة جماعية في حق شعبي الهيريرو والناما، كما استطاعت أيضا أن تكسب جولة، ولكن أصحاب الدعوى القضائية، في ضوء المناخ الدولي المشجّع على التعاطي مع الحالات المشابهة- مصرون على الاستمرار في التقاضي، على الرغم من خسران هذه الجولة المهمة.
لقد حوت الأنباء الواردة في العشرين من مارس 2019- ما مفاده أن ألمانيا نجت من الإدانة أمام القضاء الأمريكي بالمسؤولية عن ارتكابها أول جريمة إبادة في القرن العشرين، والتي وقعت في ناميبيا. ولكن أحفاد ضحايا الإبادة لم ييأسوا، وقرروا الطعن على حكم المحكمة. وقدّم محامون ينوبون عن قبيلتي الهيريرو والناما، اللتين تسكنان ناميبيا في دعوى ضد ألمانيا؛ لارتكابها إبادة جماعية- طلبَ طعنٍ إلى محكمة الاستئناف في الولايات المتحدة، بعد رفض دعوى جماعية أقامتها الجماعتان أمام المحكمة الفيدرالية الأمريكية في نيويورك، بسبب جرائم مزعومة ضد الإنسانية. واستندت المحكمة في قرارها إلى مبدأ الحصانة السيادية، الذي يعني عدم جواز خضوع دولة بغير إرادتها لقضاء دولة أخرى، فلا يجوز لدولة ذات سيادة أن تفرض سيطرتها القضائية على دول أخرى ذات سيادة[12].
الحق أن الدعوى القضائية، التي رفعت في مواجهة ألمانيا، وإن نجت ألمانيا بعدم الإدانة بها في الجولة الأولى، فإن إصرار أصحاب المصلحة من شعبي الهيريرو والناما- على أنهم سيكسبون في جولات أخرى، ربما تكون ذات طبيعة سياسية أكثر منها قانونية- ربما يمثل دافعا مهما في الاستمرار بطرق جميع الأبواب، ذلك أن الدعوى القضائية، التي قدموها ستثمر، ولو بعد حين.
حيثيات ما بعد الدعوى القضائية: حصاد متلازمة الاعتراف والاعتذار:
مثلما شهدت الفترة التي سبقت تقديم الدعوى القضائية مجموعة من الأحداث المهمة، التي تمت الإشارة إليها على أنها مهّدت السبيل إلى دفع تلك الدعوى إلى الأمام- نجد أن الفترة التي أعقبت تلك الدعوى- شهدت أيضا مجموعة من الأحداث المهمة، التي جاءت بمثابة تداعيات لتلك الدعوى، ولعل أهم تلك الأحداث، يمكن رصده على النحو التالي:
أولا: شهد شهر مارس 2017، أي بعد نحو أقل من 3 أشهر من الدعوى القضائية- شهد دعوة ممثلين عن شعوب الهيريرو والناما الحكومةَ الألمانية والبرلمان، إلى الحوار والاعتراف رسميا بهذه الإبادة الجماعية، والاعتذار لشعبي الهيريرو والناما، ومطالبتهم بالعظام العائدة إلى النامبيين، المحفوظة في جامعات ألمانية، مثل: برلين وفريبورغ[13]. وهذا يعني أن شعبي الهيريرو والناما، لم يكتفيا فقط على المسار القانوني، لحلّ قضيتهم، حيث سلكوا طريقا آخر لتحقيق مطالبهم.
ثانيا: شهد شهر أغسطس 2018- إعادة ألمانيا رفات ضحايا أول إبادة جماعية، إذ سلمت إلى ناميبيا خلال حفل أقيم بكنيسة في برلين جماجم ورفات بشرية، لأفراد قبليين قتلوا خلال الحقبة الاستعمارية، واستخدمت الرفات خلال الحقبة الاستعمارية في تجارب لإثبات التفوق العرقي الأوروبي[14].
ويعد إجراء إعادة جماجم ورفات ضحايا امتداد للإجراء نفسه، الذي بدأ في العام 2011، أي قبل رفع الدعوى القضائية بنحو ست سنوات، ولكن الجديد هناك أن تتم عملية الإعادة في حفل يقام في كنيسة، وربما تم هذا الإجراء لصبغ الحادثة بصبغة دينية، حتى يكون وقعها أكثر تأثيرا على القطر الإفريقي، الذي يعتنق 90% من سكانه المسيحية.
ثالثا: شهد شهر مارس 2019- تصريح الرئيس الناميبي “هيج جينغوب” بأنه على ألمانية تقديم اعتذار مقبول عن الإبادة الجماعية، وذلك حين قال إن بلده تتوقع من ألمانيا أن تقدّم اعتذارا مقبولا للشعب الناميبي عن الدور، الذي لعبته في الإبادة الجماعية بين عامي 1905 و1908. وقال هذا الحديث عند إعادة نسخة من الكتاب المقدس وسوط لبطل المقاومة الناميبية “هيندريك ويتبوي” عندما تمت الإغارة على قريته[15].
ويفهم من هذا التصريح بأن هناك أكثر من محاولة، تمت لتقديم اعتذار عن تلك الإبادة الجماعية من قبل ألمانيا، ولكن فيما يبدو أنها لم تجد القبول من الشعب الناميبي، الذي عبّر بدلا عنه رئيسه.
رابعا: شهد شهر أغسطس 2020- رفض ناميبيا عرضا تقدّمت به ألمانيا، للتعويض عن جريمة الإبادة الجماعية، التي ارتكبت ضد سكانها في أوائل القرن العشرين، واصفة إياه بغير المقبول، وأفاد بيان صادر عن الرئاسة الناميبية أن ألمانيا امتنعت عن استخدام كلمة “تعويض”، وبدلا عنها ذلك فضّلت استخدام مصطلح “تضميد الجراح”، للمبلغ الذي يتعين دفعه، ووجدت ناميبيا أن هذا التعبير غير ملائم[16]. وقد اقترحت ألمانيا مبلغ عشرة ملايين يورو، تحت بند “تضميد الجراح”[17].
الحق أن ناميبيا نادت بحقها بالتعويض عن جريمة الإبادة الجماعية، منذ فترة سبقت تقديم الدعوى القضائية على لسان شعبي الهيريرو والناما، وظل هذا التعويض موضوعا مطالبا به باستمرار، وفي المقابل ظلت ألمانيا تستبعد هذا المطلب تماما، وعندما أصبح هذا المطلب أمرا ملزما، حاولت التحايل عليه بوسيلتين: الأولى تغيير مسماه إلى “تضميد الجراح”، والثانية تقديم مبلغ زهيد في مقابله. والواضح أن هذا التحايل لم يصادف قبولا عند الناميبيين.
خامسا: في الحادي عشر من شهر مايو 2021- كشْفَت تقارير ألمانية عن اتفاق على اتفاقية إطارية للمصالحة، وذلك بعد سنوات من التفاوض بشأن معالجة حقبة الاستعمار الألماني لناميبيا، وأوضحت إذاعة ألمانية أن الرئيس الألماني “فرانك فالتر ستاينماير”- يقترح التقدّم إلى الشعب الناميبي بطلب قبول اعتذار ألمانيا على عمليات القتل الجماعي، وذلك خلال حفل رسمي في برلمان ناميبيا[18]. وهذا الخبر، الذي كشفته التقارير الألمانية- يعدّ المرحلة قبل النهائية لاستحقاق ناميبيا حقّ الاعتراف الكامل من ألمانيا، بارتكابها إبادة جماعية، تخص شعبي الهيريرو والناما الناميبيين.
سادسا: شهد الثامن والعشرون من شهر مايو 2021- اعتراف ألمانيا رسميا بأن الجرائم، التي ارتكبها الاحتلال الألماني قبل أكثر من 100 عام بحق شعبي الهيريرو والناما في ناميبيا- هي جرائم إبادة جماعية، وقررت وفقا لتصريح وزير الخارجية الألماني “هايكو ماس” أنه: “في بادرة الاعتراف بهذه المعاناة الهائلة، التي لحقت بالضحايا- نعتزم دعم ناميبيا والأجيال اللاحقة للضحايا ببرنامج جوهري قيمته 1.1 مليار يورو؛ لإعادة البناء والتنمية[19].
وقد كان هذا الاعتراف الرسمي، والاعتذار الواضح نتيجة حتمية لقيادة الحكومة الناميبية، لا سيما شعبي الهيريرو والناما، أصحاب المصلحة- حملات متواصلة، في مسارات سياسية وقانونية وتوعوية، كللت بالنجاح، فهل تقدم ألمانيا، عمليا، في تنفيذ هذا الاعتراف، وذاك الاعتذار؟ الفترة القادمة كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال.
[1] موسوعة المعرفة (الموقع)، مدخل بعنوان: “الإبادة العرقية للسان والهريرو والناماكوا”، تاريخ الدخول: 30 مايو 2021، الساعة العاشرة صباحا.
[2] المرجع نفسه.
[3] المرجع نفسه، وانظر أيضا: المحور العربي (الموقع)، ملف بعنوان: “الاستعمار الألماني لناميبيا، جرائم تأبى النسيان”، نشر بتاريخ: 21 ماي 2021.
[4] هيئة الإغاثة الإنسانية (الموقع): تقرير بعنوان: “المجازر الجماعية في ناميبيا: تاريخ تخشاه ألمانيا”، إعداد: سرحات أوراكاجي، بتاريخ: 18 مايو 2017.
[5] فضائية سكاي نيوز عربية (الموقع): تقرير بعنوان: “ألمانيا ستعتذر عن إبادة جماعية في ناميبيا”، نشر بتاريخ: 15 يوليو 2016.
[6] صحيفة اليوم السابع (المصرية) (الموقع): خبر بعنوان: “ألمانيا تعتزم الاعتذار رسميا لناميبيا عن الإبادة الجماعية للهيريرو”، نقلا عن: وكالة (أ ش أ)، نشر بتاريخ: 14 يوليو 2016.
[7] هيئة الإذاعة البريطانية، البي بي سي عربي (الموقع): تقرير بعنوان: “مجموعتان عرقيتان في ناميبيا تقيمان دعوى ضد ألمانيا بتهمة اقتراف جريمة الإبادة الجماعية”، نشر بتاريخ: 6 يناير 2017.
[8] صحيفة المنار (الموقع): تقرير بعنوان: “مجموعتان عرقيتان في ناميبيا تقيمان دعوى ضد ألمانيا بتهمة اقتراف الإبادة الجماعية”، نشر بتاريخ: 7 يناير 2017.
[9] هيئة الإذاعة البريطانية، البي بي سي عربي (الموقع): تقرير بعنوان: “مجموعتان عرقيتان في ناميبيا…، مرجع سابق.
[10] ليبانون فايلز (الموقع): خبر بعنوان: “برلين تعتبر دعوى ناميبيا بشأن الإبادة الجماعية غير مقبولة قانونيا”، نشر بتاريخ: 15 يناير 2018.
[11] المرجع نفسه.
[12] عربي بوست (الموقع): تقرير بعنوان: “ألمانيا تنجو من الإدانة بارتكاب أول جريمة إبادة بالقرن العشرين وأحفاد الضحايا مصرون على ملاحقتها قضائيا”، نشر بتاريخ: 20 مارس 2019.
[13] هيئة الإغاثة الإنسانية (الموقع): تقرير بعنوان: “المجازر الجماعية في ناميبيا: تاريخ تخشاه ألمانيا… مرجع سابق.
[14] بوابة إفريقيا الإخبارية (الموقع): خبر بعنوان: “ألمانيا تعيد إلى ناميبيا رفات ضحايا أول عملية إبادة جماعية”، نشر بتاريخ: 30 أغسطس 2018.
[15] أبا نيوز apanews (الموقع): خبر بعنوان: “الرئيس الناميبي: على ألمانيا تقديم اعتذار مقبول عن الإبادة الجماعية”، نشر بتاريخ: 1 مارس 2019.
[16] وكالة الأناضول (الموقع): تقرير بعنوان: “ناميبيا ترفض عرضا ألمانيا للتعويض عن إبادة جماعية بحق شعبها ارتكبتها القوات الألمانية ضد شعبي الهيريرو وناما اللذين قاوماها ما بين 1904- 1908″، نشر بتاريخ: 12 أغسطس 2020.
[17] المنتدى العربي للدفاع والتسليح (الموقع): تقرير بعنوان: “ناميبيا ترفض عرض ألمانيا للتعويضات عن الإبادة الجماعية”، نشر بتاريخ: 13 أغسطس 2020.
[18] المحور العربي (الموقع)، ملف بعنوان: “الاستعمار الألماني لناميبيا، جرائم تأبى النسيان”، مرجع سابق.
[19] الجزيرة. نت (الموقع): تقرير بعنوان: “برلين تعترف وتعتذر: جرائم الاحتلال الألماني بحق شعب ناميبيا إبادة جماعية”، نشر بتاريخ: 28 مايو 2021.