مقدمة:
شهدت ممالك السودان الغربي (غربي إفريقيا)، وإمارات الهوسا (في نيجيريا حاليًا) أنماطًا للحكم امتزجت فيها الموروثات المحلية بالنمط العربي الإسلامي الذي تطوَّر وجوده مع خضوع المنطقة للمؤثرات العربية الإسلامية، بفضل جهود الفقهاء والعلماء المسلمين؛ سواءٌ من مصر أو من بلاد المغرب الإسلامي؛ الذين حرصوا على الاتصال بسلاطين تلك الممالك وحُكّامها؛ بهدف مناقشة مدى ارتباط الموروثات المحلية التي كان لها تأثير على نُظُم الحكم بالشريعة الإسلامية، وإبقاء بعض التقاليد التي لم تصطدم بنصوص الشريعة وضوابطها.
جاء هذا التحول نتيجة اجتهاد بعض السلاطين في السودان الغربي وإمارات الهوسا في تطبيق مبدأ “الشورى”، أو نظام الشورى المعروف في الإسلام، فحرصوا على عقد الاجتماعات الدورية في قصورهم للمشورة وتقصّي أحوال الرعية، والتأكُّد من تنفيذ توجيهاتهم الصادرة إلى الجهات المكلفة بالتنفيذ.
إن الناظر لهذه المسألة ليجد أن البلاط اعتمد منذ عهد مملكة غانة على العلماء والتجار المسلمين في تسيير شؤون المملكة، لكن دون وجود نظام رسميّ يقنّن هذه المشارَكة، أو دون تدخُّل واضح مِن قِبَل تلك الأطراف في النظام السياسي، ثم يُلاحظ ذلك التطور في الاعتماد على العلماء المسلمين في أمور الحَلّ والعَقْد الخاصة بالنظام السياسي في عهدي مملكتي مالي وصنغي، ثم في الإمارات الإسلامية ببلاد الهوسا؛ حيث أصبح هناك مجلس رسميّ للشورى مُؤلّف من كبار العلماء والوزراء وقادة الأقاليم للتعبير عن رؤيتهم في إدارة شؤون المملكة، وكانت هذه التحولات المهمة على نظام الحكم بفضل جهود بعض العلماء والفقهاء المسلمين من الشمال الإفريقي.
وتعد دراسة التأثيرات الفكرية والتنظيرية لعلماء الغرب الإسلامي وأثرها في ممالك إفريقيا جنوب الصحراء في العصر الوسيط من الموضوعات ذات الأهمية البالغة؛ ذلك أن الجهود التي اضطلع بها أولئك العلماء كان لها بالغ الأثر في سيرورة انتشار الإسلام، ومدى تغلغله في المجتمع الإفريقي في العصر الوسيط.
ولقد كان لبعض العلماء المسلمين، لا سيما من أتباع المذهب المالكي، جهود دعويَّة كبيرة في منطقة السودان الغربي وبلاد الهوسا، وكانت كتاباتهم تُمثّل قِبْلة مهمة يقصدها السودانيون ويجعلونها مرجعية لهم في جوانب حياتهم كافة، وكان من بين أولئك العلماء: الفقيه محمد بن عبد الكريم المغيلي التلمساني الذي جاءت جهوده مختلفةً عن غيره؛ من حيث كونه لم يتوقف عند حد مخاطبة ومراسلة علماء السودان وعامتهم، بل كانت له مراسلات مهمة مع حكامهم، كما أنه من القلائل الذين تمكّنوا من زيارة المنطقة، ووقفوا على أوضاعها عن قُرب؛ وهو ما طبَع مؤلفاته وجهوده في المنطقة بطابع خاص، وكان لها صداها القويّ على مستوى نُظُم الحكم والإدارة.
وقبل أن نتناول دور الشيخ المغيلي لا بد أن نذكر تعريفًا ووصفًا جغرافيًّا لمنطقة السودان الغربي وبلاد الهوسا.
أولاً– التعريف بمنطقة السودان الغربي وإمارات الهوسا:
يمكن القول: إن مصطلح السودان الغربي هو ذلك المصطلح الذي أطلقه الجغرافيون العرب على المنطقة التي تقع جنوب الصحراء الكبرى والممتدة بين المحيط الأطلنطي غربًا وبحيرة كوري (بحيرة تشاد) شرقًا، شمال خط الاستواء وجنوب الصحراء الكبرى بين خطي عرض 11 ْ و 17 ْ شمالاً([2]).
وتمثل هذه المنطقة المجال الموازي لبلاد المغرب، وتفصل بينهما الصحراء الكبرى. وبذلك فإن هذه المنطقة تمتد بين خط الاستواء جنوبًا، ومدار السرطان شمالاً، وهي منطقة شبه استوائية مرتفعة الحرارة تكثر بها الأمطار، ويجري بها نهرا السنغال والنيجر([3]).
وتبلغ هذه المنطقة في مساحتها نحو سبعة ملايين كيلو متر مربع([4]). وقد شهدت هذه المنطقة قيام ثلاث ممالك سودانية؛ هي: مملكة غانة([5])، ثم تلتها مملكة مالي([6])، وأخيرًا مملكة صنغي التي تُعدّ أعظم هذه الدول الثلاث([7]).
أما إقليم الهوسا بإماراته السبع Hausa Bokoi وهي كانو، وكشن (كاتسينا)، وزاريا، وغوبر، ورانو، ودورا، وبيرام، فهو من الأقاليم المهمة بين القرنين الثامن والعاشر للهجرة وما بعدهما؛ بحكم وجود هذا الإقليم بين منطقتين حضاريتين؛ الأولى في الشرق (السودان الأوسط)، والتي شهدت قيام مملكتي الكانم والبرنو، والثانية في الغرب (السودان الغربي)، والتي شهدت بزوغ نجم مملكة صنغي التي ورثت مملكتي غانة ومالي. وقد ارتبطت بلاد الهوسا بإقليم السودان الأوسط الذي كان يضم المناطق المحيطة ببحيرة تشاد، ويحد من الشمال الصحراء الكبرى عند خط عرض 22 شمالاً، أما في الجنوب فتحده الغابات الاستوائية عند خط عرض 10 شمالاً، وفي الشرق يحده إقليم دارفور عند خط عرض 10 شرقًا، وهو كان يتبع السودان الشرقي جغرافيًّا، ومن الغرب يحده إقليم الهوسا على خط طول 15 غربًا([8]).
وبهذا فإن إقليم الهوسا يقع ضمن الإطار الجغرافي المنحصر بين الصحراء الكبرى شمالاً؛ حيث يحدد بجبال العير، ويستمر في امتداده إلى السفح الجنوبي لهضبة حوص، وصولاً إلى خليج غانة جنوبًا؛ حيث يضم في داخله هضبة حوص، وفي الشرق يحده البرنو ككيان سياسي مستقل، وتنتهي حدوده الغربية عند ثنية نهر النيجر([9]).
ثانيًا– انتشار الإسلام بالسودان الغربي وبلاد الهوسا:
كان دخول الإسلام إلى منطقة السودان الغربي مرتبطًا أشد الارتباط بطبيعة العلاقات بين شمال الصحراء وجنوبها، والتي كان لها أكبر الأثر في دخول الإسلام من شمالي إفريقيا باتجاه الصحراء الكبرى إلى بلاد السودان الغربي([10]).
وقد لعبت الصِّلات التجارية دورًا مهمًّا في توسيع شبكة الاتصالات بين الجانبين، ومِن ثَم تسرب الإسلام إلى بلاد السودان. وترجع هذه الصلات إلى ما قبل الفتح الإسلامي لبلاد المغرب؛ فالاتصالات التجارية عبر الصحراء الكبرى أكّدتها مجموعة من النقوش الصخرية التي يظهر من خلالها عربات تجرّها الخيول، كما يظهر طريق يبدأ من وادي درعة([11]) مرورًا بإدرار في موريتانيا الحالية لينتهي في الدلتا الداخلية لنهر النيجر([12]).
وهناك طريق آخر أشارت إليه تلك النقوش الصخرية، هذا الطريق يعبر الصحراء الكبرى من جنوب تونس وخليج سرت، ويمر بجبال الأحجار في الجزائر الحالية ليصل إلى نهر النيجر نحو مدينة جاو التي تُعدّ أقدم حواضر السودان الغربي([13]).
وكانت النتيجة الأبرز للفتوحات الإسلامية لبلاد المغرب أن تدفق الإسلام إلى الصحراء الغربية([14])، ومنها إلى بلاد السودان الغربي على يد التجار والدعاة([15]). وهو ما يبين بجلاء أهمية دور العلماء المسلمين من شمال إفريقيا في مجتمع السودان الغربي.
لقد كان انتشار الإسلام في بلاد السودان الغربي قديمًا قِدَم الصلات التجارية التي ترجع إلى أوائل القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي؛ إذ إن ظاهرة اقتران الإسلام بالتجارة ظاهرة معروفة في إفريقيا جنوب الصحراء، لا سيما وأن الإسلام انتشر بين الرعايا تدريجيًّا، ولم يُثِرْ هذا الأمر فضول أصحاب المصنّفات الذين نستند إليهم. وفي الوقت نفسه كان اعتناق واحد من الحكام للإسلام يلفت دائمًا انتباههم بوصفه حدثًا يستحق التسجيل باعتباره نصرًا للإسلام، لذلك لدينا معلومات أوفى عن إسلام الأُسَر الحاكمة دون الرعية([16]).
أما عن انتشار الإسلام بإقليم الهوسا، فيمكن القول بأن هذه المسألة من القضايا الخلافية التي لم تُحسَم بين جمهور الباحثين، فبعضهم يرى أن الونقارة هم من أدخلوا الإسلام، وفريق آخر يرى أن الإسلام جاء عن طريق الكانم والبرنو في الفترة ما بين القرن الخامس إلى الثامن للهجرة من خلال هجرات كثيرة، وبعض الباحثين يرون أن البربر من سكان الصحراء هم مَن نشَروا الإسلام في بلاد الهوسا، وآخرون يرون أن الفولاني هم مَن نشروا الإسلام في الإقليم([17]). ولهذا الأمر دلالة مهمة تشير إلى الانتشار السِّلمي للإسلام، والدور الكبير الذي لعبه التجار والدعاة.
وبعد أن عرضنا للتحديد الجغرافي لمنطقة السودان الغربي وبلاد الهوسا، والكيفية التي انتشر بها الإسلام في تلك المنطقة، حَرِيٌّ بنا أن نُلقي الضوء على طبيعة العلاقة بين العلماء المسلمين والسلطة في السودان الغربي، أو بمعنى آخر: ما مدى اهتمام حكام السودان الغربي بالعلم والعلماء؟، وهو ما نستطيع أن نلمس من خلاله تأثير الدور الذي لعبه الفقيه المغيلي في مملكة صنغي أشهر ممالك السودان الغربي؛ من خلال صلاته بحاكمها الأسكيا الحاج محمد الكبير.
ثالثًا- علاقة حكام السودان الغربي وإمارات الهوسا بالعلماء والفقهاء:
لقد تنافس الحكام والسلاطين ببلاد السودان الغربي في تشجيع العلم والعلماء؛ فابن عسكر ذكر عن أهل السودان الغربي أن “.. مَلِكهم على الغاية في تعظيم العلم والعلماء، وإجلال أهل البيت..”([18]). كما كان سلطان كياك يقوم بنفسه في ليلة القدر بطبخ الطعام، ثم يجعله في قدحٍ كبير أو مائدة، ويحملها فوق رأسه، وينادي قراء القرآن وطلاب العلم ويأكلون والقدح على رأسه، “.. يحمله وهو قاعد وهم قائمون يأكلون؛ تعظيمًا لهم..”([19]).
وكان التشجيع والكرم اللذين أسبغهما سلاطين السودان الغربي -لا سيما في عهد مملكة صنغي- على العلماء وطلاب العلم نابعًا من إيمانهم بالعلم وقيمته في تقدُّم الأمم، بل كان بعض هؤلاء السلاطين من العلماء، فقد أراد الأسكيا الحاج محمد الكبير كسب وُدّ العلماء ومصادقتهم والإحسان إليهم وكسب تأييدهم بعد أن تدهورت العلاقة بين العلماء والسلطة في مملكة صنغي في عهد سلفه سني علي الذي اضطهد كثيرًا من العلماء([20]).
ومن هنا يمكن القول بأن الأسكيا محمد الكبير أدرك التحولات المهمة التي كان يمر بها مجتمع السودان الغربي، والذي كان يشهد مرحلة فاصلة من إقبال السودانيين على الدين الإسلامي واتباع تعاليمه، وتعظيم العلماء المسلمين والالتفاف حولهم، ولهذا كان من الأولويات التي حرص عليها الأسكيا محمد الأول بعد وصوله إلى الحكم هو مصاحبة العلماء، والأخذ بمشورتهم في تنظيم شؤون مملكته، بل إن وصوله إلى الحكم كان بدَعْم من العلماء المسلمين، وهو الأمر الذي انعكس على طبيعة العلاقة بين الطرفين. وهكذا أسَّس الأسكيا الحاج محمد آلية التعامل مع الفقهاء؛ تلك السياسة التي سار عليها جميع الأساكي من بعده، فأصبح الفقهاء والعلماء يُسألون النصيحة والمشورة في المسائل المهمة والمتعلقة بالسياسة ونُظم الحكم والإدارة ([21]).
ولم يكن المغيلي بمعزل عن ذلك الصدام السياسي الثقافي بين العلماء والسلطة في عهد سني علي، والذي امتدت آثاره إلى المرحلة اللاحقة من حكم الأساكي الذين غيّروا من طبيعة التعامل مع العلماء، وفي هذا الصدد وصف الأسكيا محمد الأول أخطاء سني علي وتجاوزاته في حق الدين الإسلامي وفي حق العلماء، للفقيه المغيلي. وعلى أيّ حال فإن إدانة سني علي تحتاج إلى إعادة النظر؛ فمصادر إدانته والمتمثلة في كل من كعت والسعيدي، وكذلك الأسكيا محمد من خلال أسئلته التي طرحها على المغيلي لا يمكننا أن نعوّل عليها كثيرًا، فمحمود كعت والسعيدي إنما هما من جملة العلماء، ولذلك تعاطفوا مع العلماء الذين كانوا في خلاف مع الرجل، كما أن الامتيازات التي تمتعوا بها في عهد الأسكيا محمد ولم يحظوا بها في عهد سني علي جعلتهم يُمجّدون الأول، ولم يكن يتسنَّى لهم ذلك إلا بالحطّ من قَدْر وشأن الثاني([22]).
أما أسكيا محمد؛ فإن ما ساقه من أوصاف بشأن سني علي يتأرجح بين ذكر الحقيقة وتشويهها، كما جمعت أوصاف أسكيا محمد لسني علي بين الكثير من التناقضات، وهو ما أدَّى إلى تحفُّظ الإمام المغيلي في إجابته، فقال: “.. إن كان الأمر كما ذكرتم فهو كافر..”([23]). وهي إجابة تنمّ عن فقيه لا يُصْدِر أحكامًا مطلقة، وإنما امتاز المغيلي بالرَّوية والتثبُّت من الأخبار التي كان يُفتي فيها.
لقد كان هناك توازن بين سلطة الأساكي الذين يريدون تسيير دفة الحكم دون عوائق، وبين العلماء الذين أصروا على أن الشريعة وتطبيقها فوق أي سلطة حتى ولو كانت سلطة الحاكم. وقد سعى العلماء لمواجهة هذا التحدي عن طريق تقديم المشورة للنخبة الحاكمة في المسائل المتعلقة بالنواحي القضائية والسياسية، وكان ذلك هو الدور الذي اضطلع به بعض العلماء الأجلّاء([24]) من أمثال المغيلي، وأحمد بابا.
وما من شك في أن الاعتماد على الفقهاء والعلماء كجزء من السلطة السياسية إنما كان يُحدث نوعًا كبيرًا من التقارب بين العامة والسلطة الحاكمة. وبذلك يلعب الفقهاء والعلماء دور الوسيط بين العامة والسلطة، وهو ما يؤدّي في كثير من الأحيان إلى اهتمام السلطة بتلك الطبقة الكادحة والنظر إليها برعاية، وذلك وفقًا لتوجيهات طبقة العلماء المحيطة بالسلطة؛ طالما عُرفت هذه الطبقة بصلاحها، وهو ما أكّد عليه المغيلي مطالبًا الحاكم بالاهتمام برعيته، وضرورة سماعه لشكواهم، وهو ما أوجزه المغيلي بقوله: “.. ورأس كل بلية احتجاب السلطان عن الرعية..”، ونجد هذه الجملة تحديدًا مكررة عدة مرات عند المغيلي في رسالته المذكورة؛ حيث كتب ثمانية أبواب، مذيلاً بهذه الجملة نهاية كل باب([25]).
ولم تختلف طبيعة العلاقة بين العلماء والسلطة في بلاد الهوسا عما كان عليه وضعها في بلاد السودان الغربي، فقد كان لعلماء بلاد الهوسا دور مهم في مساندة الحكام وتقديم النصائح لهم، بل إنهم رافقوا الحكام في غزواتهم، وساهموا بنصائحهم في إيقاف الكثير من الحروب والخلافات بين أمراء بلاد الهوسا، وهو ما يدل على المكانة الكبيرة التي حظي بها أولئك العلماء في نظر حكام بلاد الهوسا([26]).
هكذا كان وضع الأرضية والبيئة التي انغرست فيها جهود الفقيه محمد بن عبد الكريم المغيلي وكان لها أثرها في المسارين الديني والسياسي بالمنطقة، فمن هو الفقيه المغيلي؟، وما طبيعة الدور الذي اضطلع به؟
رابعًا- الإمام المغيلي.. مولده ونشأته:
هو أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي التلمساني، من أعلام القرنين التاسع والعاشر الهجريين/ الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين، وُلِدَ في تلمسان في عائلة بربرية من قبيلة مغيلة([27])، وهناك خلاف حول تاريخ مولده، لكنَّ أرجح الآراء تشير إلى أنه وُلِدَ عام 820 هـ/ 1417م، ورأي آخر يشير إلى مولد المغيلي عام 831هـ/ 1427م([28]). أما وفاة الإمام المغيلي فكانت سنة 909هـ/1503م([29]).
نشأ الإمام المغيلي في أحضان عائلة مغيلة التي اشتهرت بالعلم والتقوى والتصوف، ونبغ من تلك العائلة العديد من العلماء الذين كان لهم أثر كبير في نشأة المغيلي وتكوينه الفكري، ومن أشهرهم الشيخ موسى بن يحيى بن عيسى المغيلي المازوني، وأيضًا شيخ قبيلة مغيلة محمد بن أحمد بن عيسى المغيلي الشهير بالجلاب، فحفظ على يديه القرآن الكريم، وتعلَّم أصول الفقه من أمهات كتب المذهب المالكي، كالرسالة ومختصر خليل، وابن الحاجب وابن يونس. وعكف بعدها المغيلي على دراسة العلوم العربية الإسلامية، واللغوية، والدينية، والعقلية والنقلية، وهو ما دفَعه إلى مغادرة مدينة تلمسان إلى مدينة بجاية التي مثَّلت آنذاك قِبْلة ثقافية يَعُجّ إليها طلاب العلم الوافدين من كل جهة، وكانت هذه هي الرحلة الأولى للمغيلي لطلب العلم.
ولم يبقَ المغيلي كثيرًا بمدينة بجاية؛ حيث خرج منها قاصدًا جزائر بني مزغنة، لكي يلتحق بمدرسة الإمام عبد الرحمن الثعالبي الشهيرة، فنزل عنده لطلب العلم والمعرفة، وأخذ على يديه علم الحديث والتفسير والقرآن، وعلم التصوف([30]).
وعندما كان شابًّا أقام المغيلي لبعض الوقت في توات، وله كتابات عديدة يُحذّر فيها المسلمين من خطر اليهود، وهذا ما جعل الكثيرين يتَّهمونه بالتعصب والتشدد، ثم رحل إلى بلاد التكرور والتقى بأسكيا محمد، وألَّف له مؤلفات أجابه فيها عن بعض المسائل، ثم دخل بلاد تكدة واجتمع بأصحابها، ثم دخل بلاد كنو، والتقى بأميرها محمد ريمفا، وترك لها رسائل مهمة، ودخل أيضًا بلاد وكشن([31]).
ونتيجة لتلك الجهود المتواصلة والحركة الدؤوبة للإمام المغيلي بين موطنه بالمغرب الأوسط، وممالك السودان الغربي؛ عُدَّ الإمام المغيلي من أبرز علماء المغرب الأوسط في النصف الثاني من القرن التاسع الهجري، والعقد الأول من القرن العاشر الهجري، وهو أحد أبرز العلماء وأشهرهم ممن كانت لهم رؤية ثاقبة وجهودًا إصلاحية، وشارك في إثراء الحياة السياسية والدينية والثقافية في منطقة توات، والسودان الغربي، وكان المغيلي شديد الشكيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر([32]).
وبعد أن عرضنا للتعريف بالشيخ المغيلي ونشأته، ننتقل للحديث عن جهوده الدعوية والإصلاحية وانعكاساتها على ممالك السودان الغربي.
خامسًا- جهود المغيلي في إرساء قواعد الحكم والإدارة بمملكة صنغي في السودان الغربي:
كان للعلاقات الودية والطيبة التي جمعت بين الأساكي، لا سيما الأسكيا محمد الكبير والعلماء، أثرها في الدور الذي لعبه العلماء في مجتمع السودان الغربي، وكان من أشهرهم الفقيه المغيلي، وكان هذا الدور نتاجًا طبيعيًّا لحرص الأسكيا محمد على استشارة العلماء والأخذ برأيهم، ولقد كان المغيلي أحد المنظّرين والمضطلعين بتصحيح مسار الدعوة الإسلامية، وكان المغيلي أيضًا ناصحًا أمينًا في حلّ بعض المشكلات التي واجهت السلطة الحاكمة؛ سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية، وهو ما يُستشفّ من تلك الرسالة التي أرسلها الأسكيا محمد الكبير إلى الفقيه محمد بن عبد الكريم المغيلي، وحوت مجموعة من الأسئلة التي أجاب المغيلي عنها، ولأجوبته أهمية كبيرة؛ لأن المغيلي قام بزيارة صنغي عام (908هـ/ 1502م)، وبالتالي كانت نصائح وفتاوى المغيلي تتوافق إلى حدّ كبير مع طبيعة المجتمع في السودان الغربي([33]).
وإذا عرضنا لجهود المغيلي وإصلاحاته على المستوى السياسي في مملكة صنغي، فيمكن أن نشير إلى مطالبة المغيلي للأسكيا الحاج محمد الكبير في إحدى رسائله ببعض الصفات التي يجب أن يتحلَّى بها، ومنها “.. فعلى كل أمير أن يرتدي رداء الهيبة في الحضور والغيبة، فأظهر حبّ الخير وأهله، وأبغض الشر وأهله.. لا تُقرّب لمجلسك ناقصًا في أعين الناس؛ فإن دائرة المرء لباسه، فاختر خير لباس..”([34]).
وبهذه الكلمات والنصائح الموجزة نجد أن الإمام المغيلي قد رسم صورة محكمة لشكل الحكومة التي تحيط بالسلطان من أعوان وأمراء، والصفات التي يجب أن يتبعها السلطان في اختيار هذه الحكومة، وهي نصائح يجب أن يتّبعها أيّ حاكم في أيّ زمان ومكان، وهو ما يُفسّر اعتماد علماء السودان الغربي في فترات لاحقة، من أمثال الفقيه عثمان بن فودي وغيره، على فتاوى المغيلي ونصائحه. ويتضح من خلال النص السابق أيضًا أن جهود المغيلي لم تقف عند الحد الدعوي أو التعليمي والتثقيفي فحسب، وإنما كان مُنظّرًا في النواحي السياسية أيضًا.
من هنا جاءت إصلاحات المغيلي مؤثرة بحقّ، ضاربة بجذورها في أعماق المجتمع، ولم يخشَ أبدًا من توجيه نصائحه للحكام السودانيين، لذلك نبَّه المغيلي قائلاً فيما يجب على الحاكم: “.. أن يتحفظ على العمال في جميع الأعمال، ويتدبّر أقوالهم، ويختبر أحوالهم، ويُحصي قبل الولاية أعمالهم، وكل مَن تكررت به الشكوى من غير بيان أبدله إن وجد بدله، وإلا كان لهم كمُسلِّم الدار لربّها، وكماسك قرون البقرة لحالبها.. فمن عمال السوء جميع الفساد في كل البلاد..”([35]). كما يجب على الحاكم الكفُّ عمّا في أيدي الناس، وعدم الطمع في أموالهم([36]).
إنَّ مَن يُمعن النظر في هذه الوصايا والنصائح يجدها تسير نحو تحقيق العدل، وأيّ عدل يوازي عدل السلطان في المحكومين، أو الراعي في رعيته، ويجدها مُعبّرة في الوقت ذاته عن اتجاه إصلاحي من عالم مصلح حقًّا، وليس من أولئك العلماء الذين يداهنون السلاطين ويتقربون إليهم ويُفتون بما يتوافق مع أهواء أولئك السلاطين لا بما يقتضيه صحيح الشريعة الإسلامية.
وقد ارتبط بالنصائح السياسية للإمام المغيلي أيضًا فتاواه الخاصة بالجهاد ضد الوثنيين، فقد كان حثّه للأمراء على الجهاد في سبيل الله، وضرورة وجود جيش دائم يدافع عن أرضهم ويحارب الوثنيين؛ من العوامل المهمة وراء سياسة الفتوحات والجهاد وكثرة الحروب، التي انتهجها بعض حكام صنغي؛ حيث طالَبهم بعض الفقهاء بالجهاد المُسلّح كوسيلة مهمة من وسائل إصلاح المجتمع؛ خاصةً في ظل تفشّي بعض العادات السيئة في هذا المجتمع، ولنشر الدعوة الإسلامية بين الوثنيين، الذين وقف كثير منهم عقبةً أمام سهولة انتشار الإسلام بالسودان الغربي([37]).
كان المغيلي من بين المنادين بضرورة الجهاد كوسيلة لمحاربة الوثنيين الذين لا يقبلون اعتناق الإسلام، ولا يروق لهم في الوقت ذاته انتشاره بينهم، بل وهاجموا الممالك المسلمة، لذلك قال المغيلي موجهًا رسالته للأسكيا الحاج محمد الكبير: “.. وحصن حصين مكفي بالخزين، وخيل عتيدة قوية شديدة، ورجال شجعان حاضرة في كل أوان، وعُدد كثيرة متينة وأطباء عارفة أمينة، ومن ذلك أيضًا في الحروب وزراء يجمعون الرجال ويخفّفون الأثقال ويحملون الجند على الحذر وحمل السلاح..” ([38]).
ويحاول أحد الباحثين المستشرقين التقليل من الدور الجهادي للأسكيا محمد الكبير، والدور الإصلاحي للفقيه المغيلي، فيطلق على سلسلة الحروب التي خاضها الأسكيا محمد اسم “حروب التبشير الإسلامي”، وهو مصطلح غير مقبول، وأشار إلى أن الأسكيا محمد ركَّز في هذه الحروب على نَهْب البلاد التي يدخلها، متخليًا بذلك عن حربه الجهادية المقدَّسة، كما أن هذا المستشرق يصف الفقيه المغيلي بـ”البربري المتشدد”، وهي إيماءات نرفضها تمامًا، فقد كان هدف هذه الحملات في المقام الأول هو تنقية المجتمع المسلم من العادات المخالفة، ودعوة بعض الحكام الوثنيين إلى الإسلام بدعوة سلمية في البداية؛ إما الإسلام وإما الجزية، وذلك من منطلق الغلبة السياسية للمسلمين في منطقة السودان الغربي، فكان تعنُّت هؤلاء الحكام يدفع الأسكيا الحاج محمد للدخول في هذه الحروب، مثلما حدث مع نعسر سلطان الموشي([39]).
وهاجم مستشرق آخر حملات الجهاد التي قام بها أسكيا محمد الكبير، فرأى أن أسكيا محمد قد صنع لنفسه مجدًا بعدوانيته ضد الوثنيين من الموشي الذين كان كل ذنبهم -على حد تعبيره- هو رفضهم الانصياع للأسلمة، بمعنى أنه يُلمّح إلى انتشار الإسلام بحدّ السيف، وهو ما يخالف الواقع تمامًا([40]).
كما وصفت بعض كتابات المستشرقين الفقيه محمد بن عبد الكريم المغيلي “بالمتشدد” و”الثوري”، ونحن نستبعد هذه الصفات على الفقيه الإصلاحي الذي حارب الفساد. لكن يجب التأكيد على أن المغيلي كان قد تأثَّر بشكلٍ كبيرٍ بالأحداث السياسية في دار الإسلام في أواخر القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي، خاصةً فقدان الأندلس وخروج المسلمين منها، وأيضًا النشاط الاقتصادي اليهود المخالِف للشريعة الإسلامية في بلاد المغرب الإسلامي، ولذلك نجد آراءه تدعو إلى عدم التهاون في التعامل مع أهل الذمة، ومع الأسرى الذين يقعون في أيدي المسلمين على خلفية ما حدَث للمسلمين في الأندلس([41]).
والراجح أن السبب في اتهام المغيلي بالتشدد هو موقفه من اليهود؛ حيث هاجر بعد عام 898هـ/ 1492م مدينة توات، والتقى في جاو بالأسكيا محمد، ونقل إليه خبر مقتل ابنه عبد الجبار على أيدي يهود توات، وطلب المغيلي من الأسكيا وقف نشاط يهود توات الموجودين في جاو، وذلك انتقامًا لموت ابنه، وبالفعل قام الأسكيا بالقبض على اليهود الموجودين في جاو وزجَّ بهم في السجن، لكن تدخَّل بعض الفقهاء ومنهم محمود بن عمر أقيت الذي اعترض على إيقاف نشاط اليهود وسجنهم؛ لأنهم لم يفعلوا شيئًا؛ لأن يهود جاو لا ذنب لهم، ومن هنا طلب المغيلي من الأسكيا الإفراج عن أولئك اليهود، فامتثل الأسكيا لطلب المغيلي([42]).
على أي حال فإن الأسكيا الحاج محمد الكبير عندما أراد أن يقود حملته ضد نعسر سلطان الموشي([43])، كان معه أحد الفقهاء المصلحين، وهو مور صالح جور الذي أمر الأسكيا بأن يجعل هذه الحملة جهادًا في سبيل الله، وبيَّن له جميع أحكام الجهاد؛ فلم يخالفه في ذلك، وطلب الأسكيا من الفقيه أن يكون سفيرًا بينه وبين سلطان موشي([44]). وهو ما يؤكد تأثير الفقهاء في حثّ الحكام على الجهاد وإرساء مبادئه لديهم، وأصبح بعض الحكام يستشيرون الفقهاء فيما يخص حروبهم وحملاتهم الجهادية.
وقد استشار الأسكيا الحاج محمد الكبير، الفقيه المغيلي في محاربة حُكّام بعض المدن الذين ادعوا الإسلام وساروا في حكمهم على نحوٍ يخالف الشريعة الإسلامية، فأفتاه المغيلي بضرورة محاربتهم([45]). ولذلك كان للنصائح التي قدّمها المغيلي للأسكيا محمد أثر كبير في قيام أسكيا محمد بحملاته الجهادية ضد الوثنيين([46]).
وبذلك وضع الأسكيا الحاج محمد الكبير أهدافًا أيديولوجية عقائدية فكرية جديدة للجيش، فأصحبت الحروب والمعارك التي يخوضها جهادًا في سبيل الله وإعلاء لكلمته، ونشرًا للمفاهيم والقيم الإسلامية، ويؤكد ذلك الأسئلة التي بعثها الأسكيا الفقيه محمد عبد الكريم المغيلي متسائلاً: “هل كان في بلاد المسلمين سلاطين أو كبراء، كلهم أو جُلهم يظلمون ويفسدون ولا يصلحون ولا يردعون المحاربين ونحوهم، فيطلب مني بعضهم أن أُعينه على الإصلاح وقطع الفساد عن المسلمين، فهل يجوز لي أن أُعينه أم لا؟ وهل الجهاد في هؤلاء الكفار الذين هم بقربنا ولكن لا يغزون بلدًا من بلاد المسلمين، ولا مضرة منهم عليهم؛ أم الجهاد في هؤلاء الكفار أفضل، وهم جُهّال لا يعرفون خالقهم -جل وعلا-…”([47]).
ونتيجة لذلك أصبحت هناك حروب جهادية ساهَم فيها مسلمو السودان الغربي، بعد أن كانت أغلب هذه الحروب تنشب بين الممالك الإسلامية ذاتها لأسباب سياسية واقتصادية، فتركز الجهد على شنّ الحروب الجهادية التي حققت في الوقت ذاته كثيرًا من الأهداف السياسية والاقتصادية فضلاً عن الدعوية؛ حيث ساهم مسلمو صنغي في المعارك الجهادية التي قادها الجيش الصنغي، خاصةً تلك المعارك والحروب التي قادها الأسكيا محمد الكبير ضد نعسر سلطان الموشي سنة (904هـ/1499م)، ونجح في إدخالهم الإسلام، لكنَّه لم ينجح في فرض السيطرة عليهم، وضد تنيض سلطان فوت الذي ادَّعى النبوة سنة (918هـ/1512م)([48]).
هكذا كانت جهود المغيلي الإصلاحية على المستوى السياسي راسمة صورة مهمة من صور الإصلاح التي قادها أحد أبرز علماء المغرب الأوسط في ممالك السودان الغربي، متجاوزًا بذلك حدود الدور الدعوي والثقافي الذي لم يتعدَّاه أقرانه من علماء المغرب الإسلامي إلى حدّ التوجيه السياسي الذي كان لا يقل أهميةً عن الدور الدعوي، بل إنه لم يكن ينفصل عنه.
أما عن جهود المغيلي في النواحي الاقتصادية؛ فقد سجلت حضورًا بارزًا، سيما في ظل وجود مخالفات داخل الأسواق، منها قيام بعض البائعين بالغشّ في الموازين، فيُطفّف البائع الميزان بأن يستوفي لنفسه وزن السلعة التي يشتريها، وينقص وزن السلعة التي يبيعها([49])، ولذلك كانت توجيهات المغيلي للأسكيا الحاج محمد الكبير تؤكد على ضرورة تعيين محتسب لضبط الأسواق ومنع الغش([50])، وهو ما انعكس أثره فيما بعد على حرص بعض الأساكي على مراقبة العمال، وعلى الرفق بالرعية وتخفيف عبء الضرائب عنهم، فقد قام أسكيا الحاج محمد الأول بتعيين عامل لجمع الزكاة ثم يقوم بتوزيعها على مستحقيها، وحرص قبل أن يقوم بذلك على استشارة الفقهاء، فاستشار المغيلي، وقد أجاز له ذلك([51])، وهو ما يتأكد من خلال إشارة المغيلي الذي نبَّه الأسكيا قائلاً: “.. وعمال يجبون حق الله..”، كما نبَّه إلى ضرورة وجود “… محتسبين يكشفون عن الظلم ويصلحون…”([52]).
وإلى جانب تطفيف الكيل، ظهرت حالات عديدة للغش في البيوع؛ فكان البعض يخلط الشحم باللحم، ويخلط اللبن بالماء([53]). وازدادت حالات الغش هذه في أوقات الفوضى، وهو حدَث عندما تعطل منصب القضاء في تنبكت لمدة سنة ونصف بعد وفاة القاضي العاقب بن القاضي محمود بن عمر أقيت عام (991هـ/1583م)؛ فظهرت حالات الغش والاحتيال في المعاملات التجارية ([54]).
وبالإضافة إلى المعوقات السابقة، سجلت أسئلة الأسكيا التي وجّهها للمغيلي ما يشير إلى تعرض بعض التجار للمماطلة في الحصول على ثمن سلعهم في بعض الأحيان، فكان البعض إذا اشترى السلعة وحازها، ذهب بها قبل أن يدفع ثمنها لصاحبها، فإذا لم يبعها بربحٍ، وطلب صاحبها الثمن، ردّ عليه سلعته أو يطالبه بمدّ فترة السداد حتى يستطيع بيع السلعة([55]).
ولم يَغِب المغيلي بالفتيا والرأي عن معالجة المِحَن والمشكلات الاقتصادية التي تعرَّض لها أهل السودان الغربي، والتي كان من بينها: جَوْر العُمّال وجامعي الضرائب، فعلى الرغم من حرص بعض الأساكي على اختيار العمال وجامعي الضرائب بدقة، بفضل توجيهات المغيلي وأقرانه من العلماء المصلحين([56])؛ إلا أنه قد حدثت بعض التجاوزات مِن قِبَل جُبَاة الضرائب([57])، ففي الغالب كان الجباة والولاة يتولون وظيفتهم بشكلٍ وراثيّ، وكان قيام الوالي بتقديم الهدايا في المناسبات والأعياد للأسكيا عند مروره بمنطقة ذلك الوالي، يُعدّ دليلاً على استقامة الوالي وإخلاصه في نظر الحاكم، وهو ما جعل الولاة يتبارون في أداء هذه الهدايا، ولعل ما ذكره المغيلي يوضّح ما في هذا الأمر من مفسدة حينما قال: “إذا دخلت الهدية على السلطان خرج عن العدل والإحسان”([58])، ولذلك فإن بعضهم لهذا السبب أثقل كواهل العامة بالضرائب إيفاءً بهذه الالتزامات([59]). وهذا يعني أن المغيلي لم يكن مداهنًا للسلاطين السودانيين بل إنه كان يصدع بالحق وبما تقتضيه الشريعة الإسلامية.
لقد كانت الضرائب المفروضة على الفلاحين في عهد سني علي باهظة وثقيلة، فالأسكيا محمد يوضح في رسالته للمغيلي أن سني علي كان ظالمًا، وكان يأخذ أموال المسلمين بغير وجه حق([60]).
ومن هنا كانت المسائل والنوازل الفقهية وإجاباتها معبّرة عن دور مهم للفقيه المغيلي ليس على المستوى السياسي والديني فحسب، وإنما على المستوى الاقتصادي أيضًا، فلم يكن المغيلي بمعزل عن أحوال المجتمع السوداني، ولذلك ساهم مع غيره من الفقهاء المسلمين كالسيوطي، وفقهاء أسرة أقيت وبغيع وأندغ محمد وغيرهم في رسم صورة لوضعية المجتمع السوداني التي كانت قائمة، والصورة التي يجب أن يكون عليها ذلك المجتمع بحسب الشريعة الإسلامية.
سادسًا- جهود المغيلي في إرساء قواعد الحكم والإدارة بإمارات الهوسا:
1- جهود المغيلي في مملكة كنو (كانو):
عدت سلطنة كنو أكبر سلطنات الهوسا “هوسا بوكوي”؛ أي أنها أغناها وأكثرها نشاطًا وتعدادًا. أما تاريخ تأسيس السلطنة فهناك تواريخ وروايات وآراء كثيرة؛ فمنها رأي يذكر أنها تأسست عام 208هـ/823م، ومنها ما يقول: إنها تأسست عام 330هـ/941م ، وقيل أيضًا: في عام 444هـ/1053م، وقيل أيضًا: 460هـ/1067م، كما ترجع بعض الروايات أن أصل اسم عاصمة السلطنة جاء من اسم إحدى أميرات سلطنة دورا وتدعى بكنو، والتي يُعد ابنها بغودا هو مؤسس هذه السلطنة([61]).
وعلى الرغم من أن دخول الإسلام إلى ممالك الهوسا ومن ضمنها سلطنة كنو قديم إلا أنه لا يزال محل جدل واسع، فقد أرجع آدم عبد الله الألوري دخول الإسلام في هذه المنطقة إلى القرن الأول الهجري/ السابع الميلادي. وهناك مَن يُرجع دخوله إلى ما قبل القرن الثامن الهجري، القرن الرابع عشر الميلادي، وآخرون يُرجعونه إلى النصف الثاني من القرن الثامن الهجري/النصف الثاني من القرن الرابع عشر الميلادي([62]).
وقد اهتم بعض حاكم كنو باستقدام العلماء المسلمين وأخذ مشورتهم، لا سيما في عهد حاكمها الساركن محمد ريمفا (867-904هـ/1463-1499م)([63])؛ حيث جاء إلى السلطنة في عهد هذا الأخير العديد من الفقهاء والعلماء، وعلى رأسهم العالم الفقيه محمد بن عبد الكريم المغيلي، والذي سكن في البداية في قرية فانيسو([64])، وبعد مدة انتقل إلى داخل حصن كنو بدعوة من الساركن محمد ريمفا، وقام المغيلي بتحديد وتعميق مفاهيم ومبادئ وقيم الإسلام في السلطنة، بل في ممالك السودان الأوسط والغربي، كما كتب رسالة فيها العديد من النصائح والفتاوى الفقهية التي يجب على السلاطين والحكام تطبيقها ضد البدع والخرافات التي تمس جوهر الشريعة الإسلامية([65]).
وقد أشار أحمد بابا التنبكتي إلى أن المغيلي اجتمع بسلطان كانو، وكتب له رسالة في أمور السلطنة يحضّه فيها على اتباع الشرع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقرر له أحكام الشرع وقواعده([66]). وقد كانت كتابة المغيلي لهذه الرسالة بطلب من أمير كانو محمد بن يعقوب ريمفا الذي طلب من المغيلي أن يكتب له رسالة في شؤون الإمارة يُطْلعه فيها على واجبات الأمير ومهامّه، ويُعلّمه كيف يُسيّر إمارته وفق الشريعة الإسلامية([67]).
ولهذا الأمر دلالة مهمة تؤكد على ذيوع صيت الإمام المغيلي وشهرته، ومدى ثقة حكام وسلاطين وأمراء ممالك السودان الغربي والأوسط في المغيلي ونصائحه، ولهذا كان ارتحاله للإمارات والممالك السودانية بدعوة من حُكّامها، وكانت رسائله والتراث الفكري والإصلاحي الذي دوَّنه بطلب من أولئك الحكام أيضًا.
نتيجة لما سبق؛ اعتمد على فتوى وآراء المغيلي الفقهية أغلب ملوك وسلاطين السودان الغربي والأوسط على مدار عدة قرون، أمثال أسكيا محمد الكبير، وساركن كنو محمد ريمفا، ومن بعدهما المجدد عثمان فودي وأخوه عبد الله وابنه محمد بلو([68]). وكان محمد ريمفا أمير كانو لا يصدر أيّ قرار إلا بعد استشارة المغيلي، سواء في الأمور الدينية أم الدنيوية([69]).
لقد استفاد محمد ريمفا من المغيلي؛ حيث اتخذه مستشارًا له، وولَّاه القضاء والإفتاء في الفترة التي قضاها ببلاده، وكتب له رسالة في الإمارة وشروطها يحضّه فيها على اتباع الشرع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورسالة أخرى فيما يجوز للحاكم في ردع الناس عن الحرام. وبهذا أعطى المغيلي في رسائله لسلاطين وحكام السودان بيانًا شافيًا وتصوُّرًا لا لَبْس فيه للمفاهيم الإسلامية التي يجب أن يلتزم بها الحاكم والمحكومون من وجوب استشعار أن الإمارة خلافة من الله ونيابة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ووجوب إحسان النية فيها، وما يجب على الأمير في خاصة نفسه ومجلسه وبطانته وترتيب مملكته.
وإلى جانب وظيفة المستشار، أوكل ريمفا للمغيلي مَهمة الإفتاء العام والقضاء بكانو، فكان مُفتيها العام، واستطاع أن يبيّن لأمير كانو الأُسس التي يجب أن تقوم عليها الدولة، وإعادة تنظيمها بإنشاء المجالس والدواوين، وتحديد المواصفات فيمن يتولى المناصب العليا، وكيفية اختيارهم، وتطبيق الشريعة الإسلامية، لا سيما في المسائل الاجتماعية والأحوال الشخصية؛ كمسائل الزواج والطلاق، وغيرها([70]).
وقد توطَّن الإمام المغيلي بكانو، وبنى مدرسته المعروفة في مدينة كانو بـ”مدرسة الشيخ المغيلي”، وتصدى للتدريس بها، وذاع صيته، وقصده الطلبة من مختلف الجهات، وانتفع بعلمه جمع غفير، وتخرج على يديه علماء من أبناء السودان([71]).
2 – جهود المغيلي في مملكة كشن (كاتسينا):
تعد سلطنة كشن من سلطنات بلاد السودان الغربي والأوسط التي انتشر فيها الإسلام طوعًا في زمن مبكر، وهي إحدى ممالك الهوسا السبع([72])، والتي كانت خاضعة لسيادة صنغي قبل استيلاء الأسكيا الحاج محمد الكبير على عرش مملكة صنغي عام 893هـ/1493م. وتقع هذه السلطنة في الجنوب الشرقي لمملكة صنغي، إلا أنها تمتعت بحكم ذاتي مستقل، وكان عادةً يتم تنصيب الملك وفق التقاليد والأعراف المحلية، ويقوم هذا الملك بدَوْره بدفع الضرائب المفروضة عليه إلى الأسكيا في كاغ (جاو)([73]).
وكانت سلطنة كشن من بين السلطنات والممالك التي اختصها الإمام المغيلي بتوجيه رسائل إصلاحية إلى سلاطينها؛ حيث سجَّل لنا الشيخ عثمان بن فودي على صفحات إحدى مخطوطاته خبرًا يُفيد بأن المغيلي وجَّه بعض النصائح الدعوية والفقهية لسلطان كشن ماحي إبراهيم، عام (897هـ/1491م)؛ إذ نصحه بمنع الكفار من إظهار أكل أو شرب أو نحوه في نهار شهر رمضان؛ لأنهم يخالطون المسلمين في الأسواق والمنازل، “.. فلو تُركوا لإظهار شرك أو شرب خمر أو فِطْر في رمضان أو زنى أو غير ذلك من المنكرات وأنواع ضلالهم؛ لكان ذلك ذريعة لأن يَعمل بفعلهم ضعاف العقول من العامة والنساء والصبيان..”([74]).
ويدل النص السابق على مدى التأثير الذي تركه الفقيه المغيلي في مجتمع السودان الغربي حكامًا ومحكومين، بدليل أن الشيخ عثمان بن فودي أحد علماء السودان الغربي في القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي، يقتبس من نصائح الإمام المغيلي، ويشدّد على ضرورة اتباعها.
وقد تولى المغيلي الإمامة والقضاء في كشن، وقام بالدور نفسه الذي قام به في البلاد التي مر بها، وأثمرت مشاوراته مع حاكم كشن عن تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد([75]).
خاتمة:
تأكد من خلال هذه الورقة البحثية أهمية الدور الذي لعبه الإمام محمد بن عبد الكريم المغيلي في إرساء قواعد الحكم والإدارة في ممالك السودان الغربي، وممالك الهوسا؛ حيث جاءت نصائح وفتاوى المغيلي مُعبِّرةً عن أهداف إصلاحية، كما أن الأسئلة التي وُجِّهت إليه مِن قبل الحكام السودانيين دلَّت على مكانة المغيلي العلمية والإصلاحية، وفضلاً عن هذا لم يكن المغيلي ممن قدم نصائحه وإرشاداته بالمراسلة مع السلاطين السودانيين فقط، وإنما تَميَّز المغيلي عن غيره بارتحاله إلى المنطقة، ووقوفه على أوضاعها عن قرب، الأمر الذي جعل فتاوى المغيلي ونصائحه ومكاتباته تجيء متَّسقة مع المجتمع الذي تُخاطبه هذه الفتاوى والنصائح، ومتَّسقة مع طبيعة الذهنية السودانية حكامًا ورعيةً على السواء، وهو الأمر الذي أكسب المغيلي أهمية كبرى كفقيه مسلم ناصح مرشد في نظر الحكام السودانيين الذين أخذوا يراسلونه يطلبون حضوره إلى ممالكهم، لكي يضع لهم نموذج الحاكم المسلم المتميز، ونموذج المجتمع المحافظ على الشريعة الإسلامية. وقد عبَّر هذا عن الحضور القوي للثقافة العربية الإسلامية؛ سواء في ممالك السودان الغربي أو في ممالك الهوسا، وقوة تفاعل السودانيين مع تلك الثقافة الوافدة.
وقد ثبت من خلال هذه الورقة أن المغيلي وقف من سلاطين السودان الغربي وبلاد الهوسا موقف الناصح المرشد والمصلح، وليس موقف التزلُّف للسلطان أو المداهنة له، أو الطامع في الجاه والمال، وهو ما يُؤكّد مدى تأثير رسائل المغيلي على سلاطين السودان الغربي وبلاد الهوسا، ومدى غيرة المغيلي على الإسلام والمسلمين، ومدى عِلْمه، وكونه فقيهًا وإمامًا وداعيًا، ظهر أثره في توجيه المجتمع السوداني.
لقد ساهم المغيلي في تصحيح المفاهيم المغلوطة، وساعد على توطيد شؤون الممالك والإمارات السودانية وفقًا لأسس الشريعة الإسلامية، مبينًا واجبات الحاكم تجاه مَحكوميه وواجبات المحكومين تجاه حاكمهم.
وتنوعت جوانب الإصلاح عند المغيلي؛ إذ لم تقف عند حد الدعوة والإصلاح على المستوى الديني والثقافي فحسب، وإنما ساهم المغيلي في رسم خريطة سياسية للحاكم المسلم في السودان الغربي وممالك الهوسا لكي يسير على معالمها، وحارب المغيلي بكتاباته أَوْجه القصور في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقدَّم نصائح مهمة لمعالجة هذا القصور.
تأكَّد من خلال الدراسة أن المغيلي شأنه شأن أيّ فقيه مسلم يحمل مهمة الإصلاح على عاتقه، تعرَّض لهجوم حادّ مِن قِبَل الباحثين المستشرقين، والكتابات الاستعمارية التي عدَّته مُحرّضًا على الحروب والعنف، وعلى إدخال الوثنيين السودانيين في الإسلام قهرًا وليس إقناعًا، وأنه كان يحمل موقفًا عدائيًّا لليهود، ولكن الدراسة أثبتت أن المغيلي اتَّبع الأسس الشرعية الصحيحة للدعوة إلى الإسلام سِلْمًا، ومحاربة مَن يصدّ عن الدعوة في سبيل الله، أو يمنع الناس من الدخول في دين الله، كما أن مساوئ اليهود في العالم الإسلامي كانت مدعاة لأن يُحذّر المغيلي عامة المسلمين وحُكّامهم من شرور اليهود، بمعنى أنه لم يكن موقفًا موجّهًا أو عداءً شخصيًّا بقدر ما كان تحذيرًا من فئة اعتادت استغلال بلدان المسلمين. ولهذا فإن الباحث المُدقّق عليه ألا ينساق وراء كتابات مُغرضة لا تعمد إلى تحرّي الحقيقة والموضوعية بقدر ما تعمد إلى كتابة ما يخدم منطلقات أيديولوجية معينة انطلقت منها مسبقًا.
[1])) أستاذ التاريخ الإسلامي المساعد –كلية الدراسات الإفريقية العليا- جامعة القاهرة.
[2])) ابن سعيد: كتاب الجغرافيا، تحقيق إسماعيل العربي، المكتب التجاري للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 1970، ص10؛ حسن أحمد محمود: الإسلام والثقافة العربية في إفريقيا، دار الفكر العربي، القاهرة، 1998، ص137؛ حسين مراد: الصلات بين المغرب والسودان الغربي (خلال القرن 2ـ6هـ /8ــ12م) جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، ليبيا، الإسلام في إفريقيا، الكتاب الحادي عشر، 2006، ص373.
([3]) Hunwick, John: A Region of the mind: medieval Arab views of African geography and ethnography and their legacy, Sudanic Africa, No.16, (2005), pp.111-112.
إبراهيم أحمد العدوي: ابن بطوطة في العالم الإسلامي، دار المعارف، القاهرة، 1954، ص142.
[4])) محمد أنور توفيق أبو علم: دولة سنغاي الإسلامية تطورها الاقتصادي والاجتماعي والحضاري، رسالة ماجستير غير منشورة، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة 1977، ص19.
[5])) غانة: بفتح الغين المعجمة، وألف، ثم نون مفتوحة، وهاء في آخرهاـ هي بلد بأرض السودان، وليست هي غانا الحديثة التي تحمل هذا الاسم حاليًا؛ إذ إن غانا الحديثة كانت تسمى ساحل الذهب، ثم تسمَّت باسم غانا تيمنًا؛ فهي تقع على بُعد نحو ألف ميل جنوبي غانة القديمة. أما موقع غانة القديمة فهو محل خلاف، وقد ورد في المصادر أنها مدينتان على ضفتي نيلها؛ إحداهما يسكنها المسلمون، والثانية يسكنها الكفار، انظر: البكري: المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، وهو جزء من كتاب المسالك والممالك، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، د. ت، ص175؛ الإدريسي: نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، تحقيق روبيناتشى، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 1994، جـ1، ص17، 18. ويذكر دكتور إبراهيم طرخان أن أطلالها تقع اليوم بالقرب من الحدود الجنوبية لجمهورية موريتانيا الحديثة، وتقع ضمن أراضي جمهورية مالي الحديثة، وهي على طريق القوافل الغربي القادم من مراكش. والمكان الصحيح يبعد عن مدينة تنبكت بمسيرة بضعة أيام إلى الجنوب الغربي منها، وعلى بُعد نحو مائتي ميل شمالي باماكو عاصمة جمهورية مالي الحديثة، للمزيد حول دولة غانة في عهدها الإسلامي. انظر إبراهيم طرخان: إمبراطورية غانة الإسلامية، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، 1970، ص30-33.
[6])) أنشئت دولة مالي الإسلامية على يد شعب الماندنجو (628- 894هـ/ 1230- 1488م)، وكان أول ملوكها سندياتا (628- 653هـ/ 1230- 1255م) الذي حارب الصوصو، وانتصر عليهم، فكان هو المؤسِّس الحقيقي للدولة. غير أن منسا موسى يعد من أشهر ملوك مالي قاطبة، للمزيد حول هذه الدولة الإسلامية انظر ابن خلدون: العبر وديوان المبتدأ والخبر، ضبطه ووضع حواشيه الأستاذ خليل شحادة، دار الفكر العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2001، الجزء السادس، ص266- 268؛ ارجع أيضًا إلى إبراهيم طرخان: دولة مالي الإسلامية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1973، ص74.
[7])) جميلة التكيتك: مملكة سنغاي الإسلامية في عهد الأسكيا محمد الكبير، منشورات مركز جهاد الليبيين، طرابلس، الطبعة الأولى، 1998، ص26.
[8])) خالد علي عبد القادر: انتشار الإسلام في إمارات الهوسا بالنيجر ونيجيريا وأثره على الحياة الاقتصادية والاجتماعية، دار الفكر العربي، القاهرة، 2014، ص31-34.
[9])) حسين مراد: دولة كانو الإسلامية وتطورها السياسي والحضاري، نشرة دورية محكمة يصدرها معهد البحوث والدراسات الإفريقية، رقم 47، القاهرة، 1997م، ص5؛ خالد عبد القادر: مرجع سابق، ص34-35.
[10])) محمد المفتي (مرحبا): فتح الحنّان المنّان بجمع تاريخ بلاد السودان، مخطوطة بمعهد البحوث في العلوم الإنسانية، نيامي، النيجر، تحت رقم 108، ورقة 24 ب.
[11])) درعة مدينة خصبة في جنوب المغرب الأقصى وراء جبال الأطلس، وتقع شرقي إقليم السوس، ويخترقها نهر يعرف بوادي درعة، ويوفر جبل درعة وجبل درن للمدينة الحصانة، والمدينة عامرة بها أسواق جامعة. انظر البكري: مصدر سابق، ص350، 351.
([12]) Norris, H. T: Ṣanhājah scholars of Timbuctoo, Bulletin of the School of Oriental and African Studies, University of London, Vol. 30,No. 3, Fiftieth Anniversary Volume, (1967), p. 634.
([13]) Hunwick, John: Les rapports intellectuels entre le Maroc et L’Afrique Sub-Saharienne à travers les ages, Chaire du Patrimoine Maroco-Africain, Université Mohammed V, Rabat, 1990, p. 8.
[14])) حسين مراد: دولة أودغست الإسلامية من القرن الثاني إلى القرن الخامس للهجرة، القرن الثامن إلى الحادي عشر للميلاد، مجلة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، العدد 46، القاهرة، 2008، ص5.
[15])) أحمد الشكري: الإسلام والمجتمع السوداني إمبراطورية مالي، إصدارات المجمع الثقافي، أبو ظبي، 1999، ص86، 87.
[16])) انظر البكري: مصدر سابق، ص175، 178؛ حسين مراد: الصلات بين بلاد المغرب وبلاد السودان الغربي، ص394.
[17])) انظر حسين مراد: دولة كانو، ص22-23؛ مهدي رزق الله أحمد: حركة التجارة والإسلام والتعليم الإسلامي في غربي إفريقيا قبل الاستعمار، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض، 1998، ص391-394؛ خالد عبد القادر: مرجع سابق، ص51.
([18]) دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر، تحقيق محمد حجي، دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر، الرباط، الطبعة الأولى، 1976، ص132.
[19])) تاريخ الفتاش في أخبار البلدان والجيوش وأكابر الناس، نشره هوداس ودولافوس، مطبعة إنجي، باريس، 1913، ص180.
[20])) المصدر السابق، ص14، 49، 50؛ السعيدي: ملوك السودان أهل سنغي وقصصهم وأخبارهم وسيرهم وغزواتهم وذكر تنبكت ونشأتها ومن ملكها من الملوك، نشره هوداس، مطبعة أنجي، باريس، 1898، ص22، 24.
Levtzion, Nehmia: Islam in West Africa, religion, society and politics to 1800, Ashgate Publishing Limited, Britain, p. 482, Michael A Gomez: Timbuktu under Imperial Songhay: A reconsideration of autonomy, The Journal of African History, No. 31, (1990), p.8.
بطل شعبان غرياني: العامة في دولة صنغي 869- 1000هـ/ 1464- 1591م، رسالة ماجستير غير منشورة، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة، 2011، ص167.
([21]) المغيلي: مصباح الأرواح في أصول الفلاح، تحقيق رابح بونار، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1968م، ص53-69؛ محمود كعت : مصدر سابق، ص13-15.
[22])) بانيكار: الوثنية والإسلام تاريخ الإمبراطوريات الزنجية في غربي إفريقيا، ترجمة أحمد فؤاد بلبع، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1995، ص220.
[23])) انظر المغيلي: مصدر سابق، ص34: 41.
Kaba, Lansine: The pen, the sword, and the crown: Islam and revolution in Songhay reconsidered 1464-1493, The Journal of African History, Vol.25, No.3,(1984), p. 236,
Blum, Charlotte, and Fisher, Humphrey: Love for three oranges, or the Askias dilemma, the Askia, Almaghili and Timbuktu C 1500 A.D, The Journal of African History, Vol. 34, No. 2, (1994), pp. 85-86, Fisher, Humphrey: The Western and Central Sudan, in: The Cambridge history of Islam, Holt, P. M (Editor), Vol. 2, Cambridge University Press, London, 1978, p. 347.
[24])) المغيلي: استنصاح السودان أحد فقهاء توات وتلمسان، تحقيق أحمد العلمي حمدان، مجلة كلية الآداب بفاس، عدد خاص حول العلاقات المغربية الإفريقية، 1989، ص98، 99.
[25])) فيما يجوز للحكام في ردع العامة عن الحرام، مخطوطة بالمركز الثقافي بمدينة صكتو، نيجيريا، تحت رقم 364/44، ورقة 5؛ استنصاح السودان أحد فقهاء توات وتلمسان، ص99، 103، 105.
[26])) خالد عبد القادر: مرجع سابق، ص222.
[27])) أحمد بابا التنبكتي: نيل الابتهاج بتطريز الديباج، تحقيق الدكتور علي عمر، مكتبة الثقافة الدينية، الطبعة الأولى، القاهرة، 2004، المجلد الثاني، ص264، 268؛ ابن عسكر: مصدر سابق، ص130، 131.
Bovill. E. W: Mohammed El Maghili, Journal of the royal African society, Vol.34, No. 134 ( Jan 1935), p.28, Batran, Abd Al-Aziz Abd Allah: A contribution to the Biography Of Shaikh Muhammad Ibn Abd Al-Karim Ibn Muhammad Al-Maghili Al-Tilmisani, The Journal of African History, Vol.14, No.3(1973), pp.381- 382.
[28])) حاج أحمد نور الدين: المنهج الدعوي للإمام المغيلي من خلال الرسائل التي بعثها للملوك والأمراء والعلماء، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الحاج لخضر، باتنة، الجزائر، 2010- 2011، ص27.
[29])) أحمد بابا: مصدر سابق، المجلد الثاني، ص264، 268؛ ابن عسكر: مصدر سابق، ص130، 131.
[30])) حاج أحمد نور الدين: مرجع سابق، ص27، 28.
[31])) أحمد بابا: مصدر سابق، المجلد الثاني، ص264، 268؛ ابن عسكر: مصدر سابق، ص130، 131.
Bovill. E. W: Mohammed El Maghili, p.28, Batran, Abd Al-Aziz Abd Allah: Op.Cit, pp.381- 382.
[32])) ابن عسكر: مصدر سابق، ص130.
([33]) Myrven, Hiskett: An Islamic tradition of reform in the Western Sudan from the sixteenth to the eighteenth century, Bulletin of the School of Oriental and African Studies, University of London, Cambridge University Press, Vol. 25, No. 1/3 (1962 ), p. 578.
[34])) المغيلي: استنصاح السودان أحد فقهاء توات وتلمسان، ص99.
[35])) استنصاح السودان أحد فقهاء توات وتلمسان، ص100، 102. وقد أكد المغيلي في نفس الرسالة على ضرورة اختيار الصالحين من العمال بأسلوب بليغ، وأكد على ذلك المعنى بأبياتٍ شعرية قال فيها:
إذا كنت في أمرٍ فقم فيه ناصحًا ***** وإن تستنب فاختر خيارًا لأهله
ومن يأت بالكلب العقور لبابه ***** فعقر جميع الناس من سوء فعله
انظر المغيلي: تاج الدين فيما يجب على الملوك والسلاطين، تحقيق محمد خير رمضان يوسف، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى، 1994، ص36، 37.
[36])) المغيلي: فيما يجوز للحكام في ردع العامة عن الحرام، مخطوطة بالمركز الثقافي بمدينة صكتو، نيجيريا، تحت رقم 364/44، ورقة 27.
[37])) المغيلي: استنصاح السودان أحد فقهاء توات وتلمسان، ص100.
Triaud, Jean Louise: Book review: John Hunwick: Shariaa in Songhay, the replies of Almaghili to the questions of Askia Al-Hajj Mohammed, Annales Economies, Societes, Civilisations, Annee 1988, Vol. 43, Nume`ro. 6, p. 1378.
[38])) المغيلي: استنصاح السودان أحد فقهاء توات وتلمسان، ص100.
[39])) جوزيف كي زيربو: تاريخ إفريقيا السوداء، ترجمة عقيل الشيخ حسين، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، ليبيا، الطبعة الأولى، 2001، ص220- 221.
([40]) Glover, John: Sufism and jihad in modern Senegal the Murid order, University Of Rochester Press, USA 2007, pp. 23- 24, Levtzion, Nmehmia: Commerce et Islam Chez les Dagomba du Nord-Ghand, Annales Histoire, Science Sociales, 23e Anne, No. 4, (Jul-Aug. 1968), p. 724.
([41]) Hunwick, John: Al-Mahîlî and the Jews of Tuwât : the demise of a community, Studia Islamica, No. 61, (1985), p. 160.
([42]) Oliel, Jacop: Les Juifs au Sahara le Touat au moyen age, Bibliotheque Centre De Documentation Saharienne Ghardaia, Paris, 1994, pp. 122- 123.
[43])) ظهرت دولة الموشي في منعطف نهر النيجر، وكانت ذات تنظيم سياسي وعسكري، وأهل موشي من المحاربين، انظر: ميشيل إيزرارد: شعوب وممالك منعطف النيجر وحوض الفولتا من القرن الثاني عشر إلى القرن السادس عشر، تاريخ إفريقيا العام، المجلد الرابع، اليونسكو، طبعة 1988، ص223-225.
[44])) محمود كعت: مصدر سابق، ص70؛ السعيدي: مصدر سابق، ص74.
[45])) المغيلي: أسئلة الأسقيا وأجوبة المغيلي، تحقيق عبد القادر زبادية، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1974، ص47.
([46]) Fisher, Humphrey: The Western and Central Sudan, p. 353.
([47]) المغيلي: أسئلة الأسقيا وأجوبة المغيلي، ص47؛ محمود كعت: مصدر سابق، ص12؛ السعيدي: مصدر سابق، ص72.
[48])) محمود كعت: مصدر سابق، ص70، 76- 77؛ السعيدي: مصدر سابق، ص74-78؛ عبد القادر زبادية: مملكة سنغاي في عهد الأسيقيين 1493 – 1591م، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1971، ص38.
Hunwick, John: Timbuktu and the Songhay empire Al- Sadi`s Tarikh Alsudan down to 1613, Brill 2003, p. xli, Collins, Robert: African history, University Of California, Santa Barbara, New York, 1971, p. 32.
[49])) المغيلي: أسئلة الأسقيا وأجوبة المغيلي، ص62 – 63؛ سوزي أباظة: صورة لمجتمع غرب إفريقيا من خلال أسئلة اللمتوني والأسكيا، ندوة: الإسلام والمسلمون في إفريقيا، جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، طرابلس، 1999، ص66.
[50])) استنصاح السودان أحد فقهاء توات وتلمسان، ص100.
[51])) المغيلي: أسئلة الأسقيا وأجوبة المغيلي، ص53، 54.
[52])) فيما يجوز للحكام في ردع العامة عن الحرام، ورقة 10؛ انظر أيضًا: تاج الدين فيما يجب على الملوك والسلاطين، ص26.
[53])) المغيلي: أسئلة الأسقيا وأجوبة المغيلي، ص62– 63؛ سوزي أباظة: مرجع سابق، ص66.
[54])) محمود كعت: مصدر سابق، ص125 – 126؛ السعيدي: مصدر سابق، ص118 – 119.
Saad, Elias: Social history of Timbuktu 1400- 1900, the role of Muslim scholars and Notables, PhD, Field Of History, North Western University, United States of America 1979, pp. 46 – 47.
[55])) المغيلي: أسئلة الأسقيا وأجوبة المغيلي، ص63.
[56])) فيما يجوز للحكام في ردع العامة عن الحرام، ورقة 10؛ تاج الدين، ص26.
[57])) الوزان: وصف إفريقيا، الجزء الثاني، ترجَمه عن الفرنسية محمد حجي ومحمد الأخضر، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1983، ص170.
[58])) فيما يجوز للحكام في ردع العامة عن الحرام، ورقة 29.
[59])) عبد القادر زبادية: مرجع سابق، ص60.
[60])) المغيلي: أسئلة الأسقيا وأجوبة المغيلي، ص47، 49؛ سوزي أباظة: مرجع سابق، ص64.
([61]) محمد السنوسي: نظام الحكم والإدارة بمملكة صنغي في عهد الأساكي 898 – 1000هـ/1493- 1591م، رسالة دكتوراه غير منشورة، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة، 2011، ص117.
([62]) أحمد بابا: كتاب الكشف والبيان لأصناف مجلوب السودان، مخطوطة بمعهد أحمد بابا التنبكتي، مدينة تنبكت، مالي، تحت رقم 25، ورقة 6-7؛ مهدى أدامو: الهوسا وجيرانهم بالسودان الأوسط، تاريخ إفريقيا العام، حـ4، اليونسكو، لبنان، 1994م، ص294؛ محمد السنوسي: مرجع سابق، ص117.
([63]) مجهول: تاريخ أرباب هذا البلد المسمى كنو، مخطوطة بالمكتبة المركزية، جامعة بايرو، نيجيريا، رقم 38، ص23-26.
([64]) فانيسو قرية تبعد عن مدينة كنو أقل من 15كم، وجاء اسم القرية من فناء السوء، وذلك بعد مجيء العالم الفقيه المغيلي وتجديد وتعميق مبادئ الشريعة الإسلامية، انظر محمد السنوسي: مرجع سابق، ص117.
([65]) المغيلي: فيما يجوز للحكام في ردع الناس عن الحرام، ورقة 18-19.
([66]) المصدر السابق، ورقة 18-19؛ مجهول: مخطوطة تاريخ أرباب هذا البلد المسمى كنو، ص25.
([67]) حاج أحمد نور الدين: مرجع سابق، ص63.
([68]) انظر: عثمان فودي: تعليم الإخوان بالأمور التي كفّرنا بها ملوك السودان، مخطوطة بالمركز الثقافي بمدينة صكتو، نيجيريا، رقم 28/5، ورقة رقم 6؛ محمد السنوسي: مرجع سابق، ص133.
([69]) حاج أحمد نور الدين: مرجع سابق، ص52.
([70]) المرجع السابق، ص52.
([71]) المرجع السابق، ص52-53.
([72]) أحمد بابا: كتاب الكشف والبيان لأصناف مجلوب السودان، ورقة 6، 7؛ عبد القادر بن المصطفى: بعض أخبار هذه البلاد الحوسية والسودانية، وطرف أخبار ملوكها وسلاطينها، مخطوطة بقسم المخطوطات العربية والأعجمية، جامعة نيامي، النيجر، تحت رقم 1415، ورقة 3.
([73]) محمد السنوسي: مرجع سابق، ص115.
[74])) عثمان بن فودي: تنبيه الإخوان على أحوال أرض السودان، مخطوطة بمعهد البحوث في العلوم الإنسانية، نيامي، النيجر، تحت رقم 265، ورقة 15، 16.
([75]) حاج أحمد نور الدين: مرجع سابق، ص53.