د. محمد تلوزت بن علا (*)
نَجَم عن الاحتلال الفرنسيّ للجزائر ردودُ فعلٍ قوية في المغرب، سواء لدى الجهاز المخزنيّ المغربيّ أو لدى السكان، تمحورت كلها حول مناصرة الأهالي في هذا القُطْر، ودعم المقاومة الشعبية، وانتصبت القبائل المغربية، في التخوم الشرقية والجنوب الشرقية، ضدّ التسرّب الاستعماريّ الفرنسي، ومن أهمّ هذه القبائل قبائل «تافيلالت»، وتحديداً: قبيلة «ذوي منيع» و قبيلة «أولاد جرير»، حيث دخلتَا في مناوشات مع القوات الفرنسية بعد احتلالها لوهران وشرعت في التوسّع إلى الواحات الشرقية، مثل: توات وتيديكلت، ثمّ سيطرت على تومبوكتو، أي المجال الطبيعي لتنقل هذه القبائل.
بدأت المناوشات عفوية منذ نهاية القرن التاسع عشر إلى مطلع القرن العشرين، فكانت مقاومة «بوعمامة»، ثمّ توسّعت مع مقاومة «ذوي منيع» و «أولاد جرير»، الذين بدؤوا يُغيرون على القوات الفرنسية أينما وُجدت حتى في السودان الغربي، وخلال عامَى 1904م/1905م نظّم «ذوي منيع» و «أولاد جرير» حملةً على القوات الفرنسية في تومبوكتو لمباغتتها والنيل منها.
فمَن هم «ذوي منيع» و «أولاد جرير»؟ ومن تزعّم هذه الحملة؟ وما النتائج التي ترتبت عليها؟
التعريف بقبيلتَي ذوي منيع و أولاد جرير:
تستوطن قبائل أولاد جرير وذوي منيع (1) مجالاً شاسعاً مشتركاً متجاوراً، فقبيلة ذوي منيع من أهمّ قبائل شرق المغرب وجنوب شرقه، وهي قبيلة عظيمة، ولقبها يعبّر عنها، حيث تحمل اسمَيْن: «زكدو» و «ذوي منيع»، وهما اسمان مرادفان للقوة والعدد الكثير، فذوي منيع مصطلح يعبّر عن نفسه، ويعني: القبيلة المنيعة الحصينة المدافعة، أما «زكدو»: فهو لفظٌ مشتقٌّ من زغد، ونزغد وَزَغَدَ السِّقَاءَ: عصَرَهُ حتى يُخْرِجَ الزّبَدَ من فمِه وقد ضاقَ به، وتُنطق في الصحراء: نزكد، ومعناها: الكثرة ككثرة النمل (2).
يمتدّ موطن ذوي منيع، في الفترة المدروسة، بين الحدود المغربية الجزائرية الحالية، من منطقة تافيلالت إلى بفكيك، وسمّت مجالها الترابي الذي تستوطنه: «بلاد الموكحلا»؛ أي بلاد البندقية، وهي قبيلة شبه رحّل، تتنقل بين أعالي واد كير تارة، ثم سافلته تارةً أخرى، ويضمّ: فكيك وتوات وكورارة وبني مزاب وتافيلالت، بحثاً عن المراعي. وتنظّم قوافل سنوية للتجارة، تنطلق من تافيلالت إلى مشارف تلمسان لبيع سلعها، ويُكري بعض أفرادها بعيرهم لأصحاب القوافل (3).
ويرتبط ذوي منيع بعلاقات تجارية مع أهالي تافيلالت وفكيك والقبائل المجاورة، تبيع لها الشعير والجلود التي تأتي بها من تافيلالت، وتقتني منها حاجاتها من التمر، وتصعد شمالاً إلى مشارف وهران وتلمسان، وأهمّ مراكزها سنة 1881م كانت هي: بني كومي وزوسفانة والقنادسة وبني عباس وسكيلي.
وتنقسم إلى أربعة فروع: أولاد بلقيز، وأولاد بوعنان، وأولاد سليمان، وأولاد بن ممار.
ولتبيان قوتها يمكننا القول بأنه كان بإمكانها تجييش زهاء ألف فارس وألفين من المشاة سنة 1881م، ومن أشهر معاركها ضدّ القوات الفرنسية الراسخة في ذاكرة الضباط الفرنسيّين: معركة سنة 1870م ضدّ الجنرال ويمبفون (4) Wimpffen؛ الأمر الذي جعل الجنرال ليوطي، وهو في جنوب وهران، يتودّد كثيراً لشيوخها لاستمالتهم، بل يمنحهم الأمان مع مطلع القرن العشرين، فقد اقترح على حكومة بلاده سنة 1903م منح الأمان لقبيلتَي ذوي منيع وأولاد جرير لاستقطابهما إلى جانبه وتحويلهما إلى حاشيةٍ حقيقيةٍ تحميه من التهديدات التي تأتي من تافيلالت (5)؛ تمهيداً لإنشاء فرقٍ عسكريةٍ أهليةٍ (كوم Goums) من بين المجموعات التي أعلنت خضوعها للفرنسيّين؛ لأنّ أكثر منافعهم تقع حول واد كير، وتقترب من مناطق نفوذ فرنسا.
التعريف بقبيلة أولاد جرير:
هي قبيلة عربية من حميان، وهي إحدى القبائل التي أسّست الأسرة الحاكمة لبني زيان في تلمسان (6)، وهُم رحّل كذوي منيع، وقد استقرت في مجالٍ يمتد من تافيلالت إلى تخوم الجزائر منذ حوالي سنة 1285م، وهذا المجال الذي تحكّم فيه قبيلة أولاد جرير منذ القدم، وبحكم قلّة عددها، تخلّت عن أسلوب مواجهة خصومها، ولجأت إلى بعض الأماكن الصعبة للاستيطان فيها، كالأماكن الجبلية في غرب فكيك.
ودخلت في وئامٍ مع ذوي منيع، وأصبحت من حلفائها في الدفاع والهجوم ضدّ بعض القبائل الخصوم مثل: بني جيل وأولاد سيدي الشيخ، ومن فروعها: العساسة والمفالحة.
هذا، وقد ارتبطت القبيلتان بالمخزن المغربي، حيث كان السلطان يعيّن قائداً على كلٍّ منهما منذ سنة 1893م، فكانا يجمعان الأعشار والوظائف المخزنية ويحملانها إلى فاس أو وجدة.
وينتمي أولاد جرير روحيّاً إلى زاوية القنادسة، فقد كانوا يحتكمون لمقدّمها، ويقدّمون له «الزيارات والهبات»، كما كان لزاوية بوعمامة أتباع في قبيلة أولاد جرير، أما قوتها العسكرية فكانت ضعيفة، ففي سنة 1881م كان بإمكانها فقط توفير حوالي ستّين فارساً (7).
واكتسبت قبيلتا ذوي منيع وأولاد جرير أهميةً كبرى من خلال دَوْرهما في مجابهة التسرّب الفرنسيّ في الجنوب الشرقي للمغرب، وصراعهما المرير مع القوات الفرنسية في مجالٍ رعويٍّ خصب، يمتد من واد كير غرباً من تافيلالت، إلى واد زوسفانة شرقاً- بالجزائر حاليّاً (8)-، كما جلب هذا المجال الاستراتيجيّ لهما الكثير من المشكلات، فعاشت في صراعٍ دائمٍ مع القبائل الأخرى المنافسة، ومع القوات الفرنسية عند وصولها للمنطقة، وحين زحفت قواتها نحو جنوب الجزائر للاتصال بالسودان الغربي. ويتحكم هذا المجال في شبكةٍ من المسالك والطرق التي ترتبط مع واحة توات، وجنوباً مع تومبوكتو (9) ومع تافيلالت، وهذا ما سيعجّل باصطدامها مع ذوي منيع وأولاد جرير؛ لأنها ستدخل إلى مجالها التجاري الحيوي، فتافيلالت تحديداً تتحكم عبر واد كير في المسالك التجارية الآتية (10):
– إلى تافيلالت.
– إلى قصر الحجوي وقصر على واد زلمو Zelmou.
– إلى القنادسة وبشار.
– إلى واد زوسفانة وصولاً إلى فكيك وعين الصفرة.
– إلى بنى كومي.
– إلى إيكلي وقصور الساورة.
وقد استهوى هذا المثلث، الممتد من تافيلالت إلى توات ثمّ تومبوكتو، أي مجال التجارة الصحراوية، الأوروبيين للسيطرة عليه، فقد تطلّعوا منذ القرن الخامس عشر الميلادي للسيطرة على تجارة الصحراء، بدءاً من البرتغاليّين ثمّ الإسبان ثمّ الهولنديين والفرنسيين والإنجليز، عبر إقامة مراكز للتجارة على الساحل الغربي لإفريقيا، مبهورين بسراب التّبر وسحر تومبوكتو، وهو الأمر الذي جعل الفرنسيّين يسعون بعد احتلال الجزائر لتحقيق هذا الحلم، وفَتْح طرق التجارة بين البحر الأبيض المتوسط وبلاد السودان، ومزاحمة الأهالي حول هذه التجارة العجيبة، فشرعت السلطات الفرنسية في الجزائر منذ 1860م في اتخاذ سلسلةٍ من التدابير والإجراءات للتوسّع جنوباً، فتوجّه العقيد كولونيو Colonieu مع النقيب بوران Burin إلى توات مع قافلةٍ جزائريةٍ من الأهالي، للتعرّف عمّا اذا كانت تلك الواحات ترغب في السلع الفرنسية التي تصل إليها من طرابلس والمغرب (11)، غير أنّ السكان رفضوا التعامل معها ما دام فيها فرنسيون، بل تمّ طرد المبعوثين الجزائريّين، الذين بعثوا إلى قصر تيمي Timmi، وسط التهديد بالقتل (12)، ومنذ هذه اللحظة نشأ عداءٌ للفرنسيين، حيث اعتبروهم مهدّدين لمصالحهم التجارية في منطقة الدراسة (13)، الأمر الذي يصرّح به الضباط الفرنسيين أمثال: دو لامرنيير ولاكروا، وكذا بعض المستكشفين الأوروبيين، حيث اعتبروا أنّ هذه المنطقة من أكثر الأماكن التي تكنّ العداء للفرنسيّين في شمال إفريقيا.
هذا، وقد ساهمت الزاوية السنوسية والطريقة الدرقاوية بنفوذها الروحيّ في بلورة هذا الشعور لدى السكان، ومن أهمّ المناوشات التي جرت بين هذه القبائل والقوات الفرنسية (14):
• الأولى: جرت سنة 1859م، حين هاجمت قبائل مهاية Mshaia والأنجاد Angad وبني يزناسن Beni Snassen القوات الفرنسية في مدينة مغنية، بعد إرسال جزءٍ منها إلى إيطاليا.
• الثانية: حين هاجمت قبائل نمور، بقيادة محمد بن عبد الله، القوات الفرنسية في الواحات الشرقية.
• الثالثة: سنة 1870م، حين هاجم كلٌّ من: (بنو كيل Beni-Guil وأولاد جرير وذوو منيع) القوات الفرنسية جنوب وهران، الأمر الذي انتهى باحتلال القوات الفرنسية لعين الشعير.
• الرابعة: سنة 1900م، حين هاجمت قبائل من تافيلالت القوات الفرنسية على الحدود المغربية، ثمّ كرّرت هجومها سنة 1901م للسيطرة على تيميمون، ثمّ هاجمت واحتَيْ أدرار وتاغيت.
• الخامسة: سنة 1903م، حين هاجموا القوات الفرنسية في واحة كورارة.
وتعزّزت المقاومة بين القبائل ضدّ الغزاة الفرنسيّين في هذا المجال، تحديداً منذ 1883م، حين لجأ محمد بن العربي (المعروف ببوعمامة) إلى فكيك، واستقرّ في قصر الحمام الفوقاني مسقط رأسه، وشيّد به زاوية، عُرفت بزاوية بوعمامة، وكانت هذا الزاوية لا تبعد سوى 25كم عن الحامية الفرنسية وراء الحدود. وينتمي بوعمامة نفسه، حسب رواية البير نوبي (15)، إلى قبيلة أولاد سيدي الشيخ، الذين كانوا من خدّام سلطان فاس، واتصل بقبيلتَيْ ذوي منيع وأولاد جرير لمواجهة الفرنسيّين (16).
أسباب توجيه قبائل تافيلالت لحملتها ضدّ القوات الفرنسية المحتلة لتومبوكتو:
انطلقت هذه الحملة من تافيلالت بأعدادٍ واستعدادٍ جيدَيْن، مندفعةً بعدّة أسبابٍ تتعلق بأوضاع هذه المنطقة.
سياسيّاً؛ كانت تافيلالت تتمتع بمكانةٍ متميزةٍ في النظام الإداريّ للدولة المغربية، فهي مَهْد الدولة العلوية، ومرّ منها في تدبير شؤونها عددٌ مهمٌّ من رجالات الدولة، بل أقام فيها السلطان مولاي عبد الرحمن مدةً طويلةً قبل تولّيه الحكم، ويمثل المخزن فيها أفرادٌ من الأسرة الحاكمة، يتمتعون بسلطةٍ تكاد تكون مستقلةً عن الحكم المركزي. وفي سنة 1905م كان خليفة السلطان هو مولاي رشيد، وكان للشرفاء دَوْرٌ في تدبير الأمور الدنيوية مع السكان، وكان منهم التجار الذين اختلطت مصالحهم مع مصالح الرعية، خصوصاً في التجارة.
وممّا لا شك فيه أنّ تجارة تافيلالت التي تستفيد منها كثيرٌ من العائلات قد تضرّرت بالأحداث الجديدة في الجزائر التي احتلت سنة 1830م، ثمّ تومبوكتو سنة 1893م، فلتافيلالت موقعٌ استراتيجيٌّ في التجارة الداخلية للمغرب، وتجارة القوافل مع السودان، حيث تأتي قوافلها إلى فاس لبيع بضائعها من التمر، وتعود محمّلة بمنتجات فاس المغربية أو بضائع مستوردة من أوروبا، وتوزّعها شرقاً نحو الجزائر، وجنوباً نحو السودان، حيث ترتبط به بواسطة مسلكَيْن. وبحكم قربها وارتباطها بشرق المغرب؛ بدأت تتأثر بالتسرّب الفرنسي فيه، حيث تراجعت مصالحها مع هذه المناطق، فبدأ العداء لفرنسا يستشري بين الناس، فهذا المولى الرشيد يعقد اجتماعاً مع أعيان المنطقة وأعيان البربر، ويخبرهم أنّ مولاي عبد العزيز مصمّمٌ على تقديم عرضٍ للحكومة الفرنسية بشأن توترات الصحراء، وأنه إذا لم يتلق منها ردّاً مقبولاً؛ فإنه سيُعلن الجهاد عليها (17).
ولم تعدم السلطات الفرنسية بالجزائر من القيام بأعمالٍ استفزازيةٍ تجاه القبائل على الحدود الجزائرية، فقد شرعت في إرسال حملات لغزوها: مثل حملة واد كير سنة 1870م (18)، وأحدثت في أغسطس سنة 1904م تغييرات إدارية لبعض الدوائر الترابية بالجزائر، فنقلت المركز الإداري من تاغيت إلى تاغده (كولومب- Colomb)، وقسّمت وألحقت قبائل رحّل من ذوي منيع وأولاد جرير بسلطة حاكمها بعد إنشاء حاميةٍ عسكريةٍ فيها (19)، كما شرعت في شقّ طريقٍ يربط بين بني ونيف وفكيك، وقد عارضها بقوةٍ عامل فكيك: السيد محمد بن المجذوب (20).
ومن مصائب الاستعمار الفرنسيّ وجرائمه في حقّ قبائل المغرب: ما أوردته رسالة (21) جونار حاكم الجزائر إلى وزير شؤون خارجية فرنسا سنة 1906م، يخبره فيها أنّ الوزير رينيو M. Regnault، وهو في طنجة، في طريقه إلى فاس، مؤكّداً له أنّ فرنسا ستتمسك بإلحاق ذوي منيع وأولاد جرير بنفوذها في الجزائر، وأنّ غالبية أفرادها آثروا العيش في الجزائر سنة 1902م بحضور لجنة رسم الحدود، وبحضور محمد الجباص ممثل المخزن، وممثل للسلطان عن بني ونيف، وأنّ لجوء عددٍ من العائلات بخيامها إلى المغرب لا يبرّر التخلّص من فرض السلطة الفرنسية عليهم، وأنّ الرحّل الذين ينزلون بخيامهم في حمادة كير يجب اعتبارهم رعايا جزائريّين وليسوا مغاربة، وعلى المخزن تطبيق البند الخامس من بروتوكول سنة 1901م وأن يبعدهم من الحدود، أي من كير وتافيلالت، وأنّ وجودهم هناك يشكّل خطراً على القبائل الخاضعة لفرنسا وسبباً للفوضى.
وخلص إلى أنّ فرنسا بعد هذا ستتصرف بكلّ حرية، سواء قبل السلطان الاقتراحات المقدّمة إليه، أو عبّر عن عجزه في ذلك، كما سيبرّر ذلك التدابير المتخذة لمنع القبائل الخاضعة لفرنسا من المتاجرة مع تافيلالت.
ومردّ هذا الموقف ليس حبّاً في هذه القبائل؛ وإنما الموارد العظيمة التي تتوفر عليها كلٌّ من هاتَيْن القبيلتَيْن؛ من رؤوس المواشي، حيث تعتبران أكبر مزوّد للمراكز الفرنسية على الحدود، عبر مركز بني ونيف الذي أقامته بالقرب من فكيك لاستقطاب القبائل، وأوجدت به مخازن حرّة للبضائع ومستودعات (22)، فخلال سنة 1904م زوّدت القبائل المذكورة بني ونيف بحوالي عشرين ألفاً من الضأن، وخمسة عشرة ألفاً من الإبل، وُجهت لمراكز القوات الفرنسية (23).
وبالنظر للوثيقة السابقة؛ تتضح لنا أهداف السياسة الفرنسية في تافيلالت، فقد عملت على تطويقها وخنقها تجاريّاً، وتفكيكها بشريّاً.
هذا، وقد دافع الجنرال ليوطي عن هذه السياسة بشراسةٍ منذ تعيينه قائداً في وهران، من خلال مواقفه ومراسلاته مع الحكومة الفرنسية، فمن خلال كتابه نحو المغرب: Vers le Maroc، يكشف لنا أطماع فرنسا في المغرب، وفي تافيلالت تحديداً.
فما ردّ فعل قبائل ذوي منيع وأولاد جرير وتافيلالت على ذلك؟
دَوْر بوعمامة:
يشير ليوطي بإصبع الاتهام لشخصية بوعمامة- السابق الذكر- في الوقوف وراء تنظيم حملة تافيلالت على القوات الفرنسية، ففي رسالةٍ بعث بها إلى قيادته، بتاريخ 24 يونيو 1904م، يعترف فيها بأنه يواجه مشكلةً كبيرةً تؤرّقه في الجنوب (جنوب وهران)، حيث تهدده تافيلالت فيه، مما جعله بين المطرقة والسندان (24)، حيث يواصل بوعمامة تجييش أتباعه جنوب وجدة، مما يشكّل خطراً على الفرنسيّين في الجهة الأخرى من الحدود، فوجد ليوطي نفسه لأول مرّة مقيداً بالبند الرابع من معاهدة مغنية والاتفاق الودي الفرنسي الإنجليزي، فلا يستطيع مهاجمته لأنه داخل حدود الدولة الشريفة. ويتابع ليوطي وصفه للأوضاع على الشكل التالي: «أنا في وهران منذ ثمانية أيام لأتتبع- عن قرب- تشكيل قوة عسكرية أعدّها قرب رأس العين Ras el Ain؛ لأنّ بوعمامة نزل بالقرب منّا، جنوب وجدة، حيث لا يمكننا الذهاب لمهاجمته بسبب غموض الحدود المغربية، وأصبح في تلك المنطقة خطيراً جدّاً، حيث يشكّل نواةً جاذبةً للتمرّد… ويؤثر في جميع القبائل، ويبحث عن ردود فعلٍ مخلّة منّا بشأن الحدود لمهاجمتنا. ومن الضروري وضع فرقة عسكرية متحركة تراقبه، وتمنعه من أن يتقوّى ويطفح علينا ويتجاوز الحدود، ويستميل القبائل التي خضعت لنا مثل بني مطهر. وبوعمامة لا يجرؤ أن يهاجم قواتنا دون ذريعة، فهو يستغل الاتفاق الودّي الفرنسي الإنجليزي ضدّنا، وأصبح خطيراً جدّاً، ويهدف إلى تفكيك وجودنا على الحدود» (25).
ممّا لا شكّ فيه أنّ بوعمامة كان له تأثيرٌ كبيرٌ في قبيلتَيْ ذوي منيع وأولاد جرير، ولهما مكانةٌ كبيرةٌ في قلبه، فهاتان القبيلتان هما من أخلص أتباعه؛ مع قبيلتي غزناية Rezaina وأولاد داوودOulad Daoud الذين بطشت بهم القوات الفرنسية وأذلتهم حينما سيطرت على معاقل مقاومة بوعمامة في الجزائر، ففروا ولجؤوا إلى ذوي منيع في تافيلالت فاحتضنوهم (26). ومن المستبعد أن يشارك ذوي منيع وأولاد جرير في حملة عامَي 1904م/1905م دون استشارته، فقد كان وعي بوعمامة بخطورة الأوضاع على الحدود المغربية الجزائرية، وأنه في وضع «وقف إطلاق النار» يمكنه من غزو تومبوكتو, فقد كانت تلك الظروف تشكّل له أحسن فرصة لمهاجمة القوات الفرنسية خارج مجال سيادة الدولة المغربية؛ فلا يحرجها، وينال من فرنسا في السودان الغربي، ويتجنّب غضب المخزن المغربيّ وإثارته، خصوصاً أنّ المغرب تعرّضت في هذه الفترة لضغوطات فرنسية لإتمام رسم الحدود المغربية الجزائرية، وتشكّلت لجنة شرعت في يناير 1902م في إنجاز عملها في تعيين نقط الحدود، غير أنها واجهت صعوبات كبيرة كلّما تقدّمت جنوباً باتجاه فكيك، بسبب امتناع القبائل من التعاون معها، وتهديد ذوي منيع بالهجوم عليها؛ ممّا أجبرها على وقف عملها، ووقّع الوزير محمد الجباص والوزير الفرنسي كوشميز Cauchemez اتفاقاً في مدينة الجزائر لإتمام معاهدة 1844م و 1845م، غير أنه لم ينشر ذلك علنياً (27).
دَوْر زين العابدين الكونتي:
يصرّح بول مارتي Paul Marty، وهو رئيس المكتب العربيّ في إدارة الجزائر، في مؤلّفه: (دراسات حول الإسلام والقبائل في السودان)، أنّ الذي قاد هذه الحملة هو «أبدين» (28) (عابدين).
فمَن هذا الرجل؟ وكيف ارتبط بهذه الحملة؟
وُلد زين العابدين ابن سيدي محمد الشيخ الكونتي حوالي سنة 1848م، في موسا بانكو قرب تومبوكتو، وهو عكس ما تقول به الوثائق الجزائرية بأنه وُلد في زاوية كونتا في توات، غير أنه عاش فيها زمناً، ودرس في كونتا بالأزواد ما بين عامَي 1875م و 1885م، عاش دَهْراً من الزمان بمعيّة أعمامه زين العابدين نتيني بن البكاي سونغا، وزين العابدين بن الشيخ سيدي البكاي في كونتا Kounta، وطالت مدّة غيابه حين حجّ إلى بيت الله الحرام، فعرج على الزاوية السنوسية الأمّ في جربوده Djaraboud، ويضفي عليه البعض البركة التي تلقّاها من الشيخ محمد المهدي زعيم هذه الزاوية… غير أنّ أهله ينكرون ذلك؛ لأنه على الطريقة القادرية، هذا ويصفه بول مارتي بأنه: «من أشدّ أعداء فرنسا» (29).
وتنقّل بين عدّة أماكن، ليستقر سنة 1890م في منطقة الهكار، ومنها توجّه شمالاً إلى تيدشرت Tidchart ثمّ توات، غير بعيدٍ عن موطن أجداده منذ ثلاثة قرون، وفي هذه الأماكن أقام علاقات وطيدة مع شيوخها، وشارك أهلها عدّة غارات على القبائل، وفي سلب القوافل، غير أنّ عداءه الشديد للفرنسيّين حوّله من زعيم سلب إلى وليٍّ دينيٍّ يدعو إلى جهاد الغزاة الفرنسيّين ومَن يواليهم من القبائل، وبدأ صيته ينتشر منذ سنة 1892م، وتوسّع مجال نفوذه بدعوته الناس إلى التوحّد ضدّ الفرنسيّين، فتشكّلت لديه قوة دائمة من المحاربين من الأتباع، وأعلن الجهاد ضدّ فرنسا بعد احتلال قواتها لتومبوكتو، وشرع في توجيه غاراته على حامياتها.
فقد أدى توغّل القوات الفرنسية في الصحراء، وتحكّمها في هذه الجهات، بزين العابدين إلى التوجّه إلى الشمال الغربي؛ ليتصل بذوي منيع وأولاد جرير الذين استقبلوه بحفاوةٍ وشكّلوا عصبته، كما قدم إليه في تافيلالت شيوخٌ من جهات تومبوكتو، لتجديد الصلة به، وبدأ ولداه بابا سيدي لامين وسيدي حاما يقودان الغارات التي يعدّها من تافيلالت على الفرنسيّين في الواحات التي احتلوها.
وفي سنة 1904م؛ كانت له اليد الطولى في تنظيم الحملة بمعية ذوي منيع وأولاد جرير على تومبوكتو، قادها رجاله الذين لا يمكنهم فعل شيء دون علمه (30)، وتدخل هذه الغزوة ضمن مشروعه في مهاجمة القوات الفرنسية في حوض النيجر الأوسط، كما ساهم منذ فترة في عصيان مملكة سوكوتو Sokoto التي قام بها الطوارق (31)، فكان لزين العابدين نفوذٌ عظيم، يمتد من تافيلالت الى توات وتوبوكتو وحوض النيجر، ودليل ذلك: هذا الموقف الذي عبّر عنه العقيد كلوب Le colonnel Klobb- أحد الضباط الفرنسين الذين غادروا تومبوكتو سنة 1899م-: «الموت هو وحده الذي سيخلّصنا منه» (32)، وبهذا فإنّ احتلال تومبوكتو لم يمسّ فقط أهل السودان الغربي؛ وإنما أثّر في الأوضاع العامّة من تافيلالت إلى توات وتومبوكتو، فهذا المجال كان جِسماً بشريّاً واحداً.
تجميع وتنظيم الحملة/الحرْكة في تافيلالت:
لا تسعفنا الوثائق التي بين أيدينا فى تحديد الجهة التي دعت بشكلٍ مباشرٍ لتنظيم هذه الحملة بفعل السرّية التي تميّزت بها، حيث تشير المعلومات إلى أنّ منادي (براح) طاف في القبائل يعلن النفير لهذه الحملة، فاستجاب ذوي منيع المقيمون في تافيلالت بسرعةٍ للنداء، وقدّم أولاد جرير كلّ وسائل التنقل والنقل، وحصل كلّ فرد من مفالحة على جملٍ بعُهدة اقتسام الغنيمة.
وتجمّعت الحملة ابتداءً من منتصف أغسطس 1904م في أوديكة Oudika مركز واد الداورة، بعد التقاء نهر غريس وزيز، ووضعت خطّة لسير قافلة الحملة، وقُسّمت إلى مجموعتَيْن حسب مسارهما: حملة الغرب، وحملة الشرق (33).
حملة الغرب:
ضمّت هذه المجموعة حوالي 300 محارب، يمتطون 300 جمل، ثلثهم من ذوي منيع من أولاد بوعنان، والثلث الآخر من أولاد بلكيز Ouled-Belguiz، يقودهم بعض أفرادٍ من الساحل، كمرشيدين، مثل بويا أحمد، وانطلقت هذه الحملة قبل تحرّك الحملة الثانية بيومٍ واحد، وأوهمت أنها تخرج لمهاجمة مواشي قبائل الساحل التي تنزل في الغرب، ثمّ استمرت عبر تاودني Taoudeni (34).
حملة الشرق:
بعد يومٍ واحدٍ من انطلاقة الحملة الأولى تحرّكت هذه الحملة من أوديكة، وكان هدفها الظاهريّ مهاجمة قبائل الساحل النازلة في الجهة الشرقية، ومرّت عبر اماتليت Amatlit، وضمّت هذه الحملة 400 محارب يمتطون الجمال، نصفهم من ذوي منيع، إضافة إلى أفراد من أولاد بوعنان وأولاد بلقيز، أما النصف الثاني فيتكوّن من أولاد جرير والمفالحة وبني امحمد وبربر ومتطوعين آخرين، وبعد أيامٍ من المسير تمّ اختيار زعيم هذه الحرْكة ليقودها، وهو محمد بن مبارك، من أولاد جرير المفالحة، فانشق عن مجموعة أولاد الهواري، وبلغ عددها مائة وخمسين محارباً، وعشرين من أهل الساحل، وثلاثين نفراً آخر متطوعين.
واستغرق سير هذه الحملة سبعة أشهر، من أغسطس 1904م إلى فبراير 1905م، وسارت حملة الشرق خلال النهار، باستثناء مسيرة واحدة خلال الليل بعد تاودني، لأنها تحتاج إلى الماء، فأرادت مضاعفة السير. وكانت الحملة تنطلق باكراً، ثمّ تتوقف منتصف النهار، ثمّ تخصّص بقية النهار للاستراحة وللقنص للاقتصاد في المؤن، فكلّ فرد كان يحمل معه فقط حزمةً من التمر وقليلاً من الطحين والقديد، أي ما يكفي لتموين شخصٍ لمدة شهرين أو ثلاثة، وبالنسبة للتزوّد بالماء، فكان كلّ فردٍ يختار عدد القرب لتخزين ما يكفيه.
وكانت القافلة تتوقف يوماً واحداً كلّ ثلاثة أيام في المتوسط، للاستراحة والتزود بحاجاتها الضرورية، إلى أن وصلت إلى عرق إكيلد Iguild، وكانت الحملة تخيّم خلال الليل، فتضع أمتعتها بشكلٍ دائري، وكان كلّ محاربٍ ينام فوق أمتعته، وينصبون الخيام في الوسط، ويعقلون جمالهم فيه لحراستها، وكلّ واحدٍ يحرس مكانه، وكان رأي شيخ الحملة نافذاً، لكن قد يستشير في القرارات الحاسمة «هيئة الأربعين»، وهي عبارة عن مجلس يمثّل فيه كلّ ممثل عشرة أفراد في الحملة، ويُعقد لمعاقبة بعض المخالفين، أو طردهم من القافلة، أو حتى إعدامهم.
عند مرور القافلة بأحد القصور كانت ترسل إليه مبعوثاً للتزود بحاجاتها دون دخوله، أما أسلحتها فكانت متنوعة من صنف بنادق نوع: (1874) و (1883) و (1892)، يحملها الحراس دائماً، ولم يكن المهاجمون على علم دقيقٍ بهدف الحملة. وكانت القافلة تسير بشكل مستقيم نحو «بحر» النيجر بمعدل 20 إلى 25كم في اليوم، وتتحكم فيها منابع الماء، وعند مرورها بالقرب من تاودني تزوّدت منها بحاجاتها، وبعد اثنتي عشرة مرحلة منها جنوباً توقفت القافلة في قصر أروان Araouan، وهي زاوية يسكنها الزنوج وبعض البربر، من أيت خباش؛ لهم مخازن بيع الملح.
عند خروجها من أروان انحرفت شرقاً طيلة ثلاث مراحل، وتوقفت بقصر بوجبيهة، حوالي 90كم إلى الجنوب الشرقي للقصر السالف، وهو يقع في خطّ مرور القوافل، وبه مخزنٌ لبيع الملح. وبعد مسيرة 15 يوماً وصلت إلى أدغال تبعد 30كم عن نهر النيجر وقريبة من تومبوكتو، وعندها أخبر مرشدو القافلة من السواحل أنهم وصلوا إلى بلاد إخوانهم من أرضٍ تابعة لنفوذ تومبوكتو، وأنهم لن يقوموا بأيّ فعلٍ قد يُعاقبون عليه فيها.
وقرّر شيخ القافلة حينها أن ينعرج نحو الغرب ويمر عبر أرض البرابش Berabech، فأرسل دليلاً إلى شيخ قبيلته ليطمئنه، ويطلب منه أن يسمح له بالمرور في بلاده للتوجّه أكثر نحو الغرب. وفي المساء فرّ أحد العبيد، وذهب ليخبر السلطات الفرنسية في تومبوكتو بالحملة. ثمّ وجّه شيخ القافلة نائباً عنه إلى قبيلة أولاد دحمان للأمن، وضرب معسكراً له، ثمّ وجّه البعير للارتواء من مياه النهر، وبقي معه 80 محارباً فقط. وفي هذه الأثناء تلقّت قبائل أولاد دحمان أمراً من سلطات تومبوكتو بمهاجمة معسكر الحملة، وجرت مناوشات بين أهل تافيلالت والسكان عند النهر، استمرت إلى الليل، وفقد المهاجمون عدداً من جمالهم.
ثمّ جرت معركة مع القوات الفرنسية التي وصلت تعزيزاتها، وبسرعة تمّ الاستيلاء على المعسكر، حيث باغتت القوات الفرنسية المجموعة التي ذهبت للنهر مع الجِمال، حيث كانت القوات الفرنسية على علمٍ بالحملة، وترصدت تحركاتها، انتهت المعركة بوقوع 20 قتيلاً من المفالحة، و 40 من ذوي منيع، كما استُشهد خلال القتال شيخ القافلة محمد بن مبارك، ثمّ انسحب المهاجمون وسط الفوضى، وعادوا أدراجهم نحو تاودني، حيث فقدوا أكثر من ثلثَي جِمالهم، وتوقّفوا فيها مدة، إلى أن ساعدهم سكانها للرجوع لأهاليهم، عندها اجتمعت مع حملة الغرب التي وصلت متأخرة، وشكلتا قافلةً واحدة، ورجعت أدراجها إلى موطنها فى تافيلالت عند منتصف شهر فبراير من سنة 1905م. وقد انفصلت عنها مجموعة ضمّت خمسين محارباً، كلّهم من أولاد جرير، لعدم رضاها عن نتيجة الحملة، فاتجهت نحو الساقية الحمراء للاستقرار فيها بشكلٍ كلّي.
نتائج الحملة في التخطيط الاستعماري الفرنسي:
دفعت هذه الغزوة القوات الفرنسية إلى وضع خطّة لتحركها في المجال الصحراوي من الجنوب الجزائري إلى مالي، إلى جنوب المغرب، حيث تكرر الهجوم مثلاً من بامبة Bamba وبوروم Bourroum، وبدأت تنظّم دوريات استطلاعية للمناطق المحاذية للحاميات ومراكز القوات الفرنسية، في شكل سريات تتكوّن من ضباط فرنسيّين وخيالة سودانيين، مدعّمة بمدافع، كما عززت من قواتها في تومبوكتو، ووضعت خطّة للسيطرة على نقط ومنابع المياه في هذه المسالك لمنع المحاربين من التحرك عبرها.
ولم تتوقف مقاومة عز الدين عند هذه الغزوة، وإنما وجّه حملةً أخرى سنة 1907م لتوادني وهاجم القوافل التي تتعامل مع مناطق النفوذ الفرنسي. وحاولت سلطات الجزائر تحقيق السلام معه؛ لكنه قام في سنة 1909م بحملةٍ جديدةٍ مستعيناً فيها بأولاد جرير وذوي منيع، فتشكّلت الحملة من جديدٍ في تافيلالت في أغسطس، ثمّ انطلقت نحو حنق أكيدي، وانقسمت بدَوْرها إلى شطرَيْن، هاجم الشطر الأول تكنة واد النون في الغرب، وتوجّه الشطر الثاني برئاسة ولدَيْه: بابا أحمد وسيدي لامين، جنوباً للهجوم على القوات الفرنسية في تاودني، وانتهت بمقتل 16 جنديّاً فرنسيّاً، من بينهم قائد الفرقة الفرنسية (35).
خاتمة:
عند احتلال القوات الفرنسية للجزائر وتوسّعها في جنوبها، ولجت إلى فضاء جغرافيٍّ صحراوي، محكوم بحُكمٍ شبه ذاتي، له خصوصياته التنظيمية، ويتركب من فسيفساء بشريٍّ قبليٍّ يتحكّم التاريخ في روابطه، ولم تعمل هذه القوات على السيطرة فقط على هذا المجال، بل سعت إلى إعادة تنظيمه في كيانات للتحكم فيه أكثر، بفصل وتقسيم القبائل وترحيلها وإبعادها عن مواطنها.
كان احتلال توات وتومبوكتو لا يعني خضوع قبائل هذا المجال لقوةٍ أجنبيةٍ جبارة، وهي التي ألفت أن تعيش جامحة، وكان طبيعيّاً أن تقف جميع هذه القبائل، مهما تباينت مواقفها، ضدّ هؤلاء الغزاة المدجّجين بأحدث وسائل الغلبة والقهر، فناصرت قبائل تافيلالت جميع القبائل التي استغاثت بها، وهاجمت الأعداء عند سيطرتهم على مجال تحركها وتهديدهم لمصالحها.
ولهذا، لم تكن حملة تافيلالت ضدّ القوات الفرنسية فى تومبوكتو عملاً طائشاً عدوانيّاً، بل كان عملاً أملته العادات والقيم القبلية، وقضت به علاقات قبائل تافيلالت وامتداداتها وارتباطها البشريّ والروحيّ بهذه الأماكن، فقد باركتها جميع الفئات، ورحّبت بها الزوايا، ولا سيما الطريقة القادرية، التي رأت أنّ القوات الفرنسية تسيطر على أماكن ترتبط بها روحيّاً. ولهذا تحرّكت الحملة فوق مجال سيادة الدولة المغربي التاريخي، ولم تخرج لسبَي أو غنيمة، بل لم تذكر الوثائق على الإطلاق أنها هاجمت قبيلةً ما واستولت على أموالها، بعكس باقي الحملات الأخرى، ونظراً لحُسن تنظيمها ودقّة هدفها؛ لم تكن هذه الحملة هي الأخيرة لتافيلالت في صراعها مع الغزاة، بل تحتاج هذه الحملات إلى مزيدٍ من الدراسة والبحث.
الهوامش والاحالات :
(*) باحث في التاريخ المعاصر – المغرب.
(1) De La Marinière et N . Lacroix, 1896, «Document pour servir à l’étude du Nord Ouest Africain». Gouvernement Générale d’Algérie, Service des Affaires Indigènes.2, p.544 à 695.
(2) Le lieutenant Colonel Dumas , 1945 Le Sahara Algérien», Paris, p.270.
(3) De La Martinère et N. Lacroix, 1896, «Document pour servir à l’étude du Nord Ouest Africain». Gouvernement General de l’Algérie, T2, Imprimerie L.,Danel , Lille, p.270
(4) F. Gaurgeot, 1881, «Situation politique de l’Algérie» , Paris, p. 67.
(5) Lyautey, «Vers le Maroc. Lettres du Sud-Oranais 1903-1906». Librairie Armand Colin, Paris, p.16.
(6) H.M.P De La Martinère et N. Lacroix, «Document pour …», Op.cit, p.576.
(7) F. Gaurgeot, 1881, «Situation politique de l’Algérie», Paris.
(8) لمزيد من المعلومات حول هاتين القبيلتين ومجالهما، انظر:
– De La Martinère et N. Lacroix, «Document…., Op.cit p.p544 à 695.
(9) De Colomb (Lieutenant Colonel) , 1860 «,Notice sur les oasis du Sahara». In Revue Algérienne et Coloniale, juillet, p.31.
(10) De La Martinère et N. «Lacroix, Document…», T2, Op.cit. p.563.
(11) Henri Schirmer, 1893, «Le Sahara. Librairie Hachette», Paris, p.380.
(12) Ibid., p.380.
(13) Ibid., p.580.
(14) Capitaine Girard, «Etude sur le Maroc . Librairie R. Chapelot , Paris, p.88 et 89.
(15) Albert Noyer, 1901, «Questions Coloniales ; Les Oulade-Sidi- Cheikh et Bouamama». Imprimerie Gaston Lamaury, p.6.
(16) Albert Noyer, «Les Ouled-Sidi- Cheikh ….», Op.cit, p.9.
(17) lettre du M Jonnart (Gouverneur général de l’Algérie) à M. Delcassé (ministre des affaires étrangères Français) , Alger,24janvier 1905, In Documents Diplomatiques- Affaire du Maroc 1901-1905, Paris, p.193 et 194.
(18) A chille Fillias, 1880, «L’expédition de L’ Oued Guir 1870», Alger, p.3 à 32.
(19) —, «Modification dans l’organisation de circonscriptions territoriales du sud de l’Algérie». In Revue du Cercle Militaire, 17 décembre 1904, p.638.
(20) lettre du M Jonnart (Gouverneur général de l’Algérie) à M. Léon Bourgeois (ministre des affaires étrangères Français) , Alger, 7 avril 1906, In Documents Diplomatiques- Affaire du Maroc 1906-1907, Paris, p.8 et 9.
(21) lettre du M Jonnart (Gouverneur général de l’Algérie) à M. Léon Bourgeois (ministre des affaires étrangères Français) , Alger, 7 avril 1906, In Documents Diplomatiques- Affaire du Maroc 1906-1907, Paris, p.40 à 42..
(22) Henri Faucher et Jean Du Taillis, 1904, «Les Entrepôts Franc. In Les intérêt Economiques de la France Coloniale» (Rapport) . Paris, p.251 et 252.
(23) — , «Renseignements Economiques», In Revue Questions Diplomatiques et coloniales. 9 année, 1905, p.459.
(24) Lyautey, «Vers le Maroc. Lettres du Sud-Oranais 1903-1906». Librairie Armand Colin ,Paris, p.75.
(25) Ibid., p.76.
(26) E. Graulle (Commandant) , 1881 «Insurrection de Bou-Amama» . Paris avril 1905, p.101.
(27) انظر نص هذا الاتفاق في:
Revue Archives Diplomatique. Paris,. n°4, avril 1903, p.6 à 10.
(28) Paul Marty, «Etudes sur L’Islam et les tribus du Soudan». In Revue du Monde Musulmans, volume 37, 1918-1919, p.100.
(29) Ibid. p.100.
(30) Paul Marty, «Etudes sur L’Islam et les tribus du Soudan», Op.cit., p.106
(31) Ibid., p.107.
(32) Ibid., p.113.
(33) L. Mercier (officier interprète) ,Harka des Doui-Mania et Ouled-Djerir vers le Sahel, Colomb-Bechar, février 1905, In Renseignement Coloniaux Supplément au Bulletin du comite de l’Afrique française, de juillet 1905.p.265 à 267.
(34) Ibid., p.106.
(35) Paul Marty, «Etudes sur L’Islam et les tribus du Soudan…», Op.cit p.107.