جيتاشوا رضا([1]) ذي كونفرسيشن([2])
ترجمة:قراءات إفريقية
من المستبعَد أن نصل إلى حلّ سلمي قريب للأزمة الإثيوبية الحالية؛ فقد اشتعلت حرب الإبادة الجماعية الطاحنة لإثنية التيجراي، وحتى كتابة تلك السطور، لا تزال المناطق الغربية من الإقليم تحت الاحتلال الوحشي من القوات الإقليمية في أمهرة وراعيها الإريتري، كما يتعرّض الأهالي في المناطق الغربية من الإقليم كذلك إلى حملات تطهير عرقي ممنهجة مِن قِبَل القوات الغازية للإقليم؛ فقد تم تهجير مئات الآلاف من السكان بصورة قسرية من منازلهم، في حين يواصل الجيش الإريتري احتلال أجزاء من المناطق الشرقية والوسطى والشمالية الغربية من تيجراي، منتهكًا القوانين الإنسانية الدولية وقوانين حقوق الإنسان في المناطق الواقعة تحت احتلاله الوحشي.
من جانبه؛ يواصل نظام آبي أحمد هجومه الذي لا هوادة فيه على تيجراي من خلال حصار شامل. وحتى بعد الهدنة الإنسانية التي طال انتظارها؛ فإن المساعدات التي تصل إلى تيجراي ليست كافية على الإطلاق لتلبية الاحتياجات الهائلة على الأرض، في حين أدَّى الحظر المفروض على الوقود، إلى جانب القيود المفروضة على التدفقات النقدية، إلى إجبار وكالات الإغاثة على تقليص حجم ونطاق العمليات الإنسانية في إقليم تيجراي.
سلام! أي سلام؟
ما أدَّى إلى تفاقم هذه الأزمة التي هي من صنع الإنسان بشكل خطير هو تعليق الخدمات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية، مثل البنوك والكهرباء والاتصالات. ولقد كان تعليق الخدمات المصرفية ضارًّا بشكل خاص؛ حيث مُنع الملايين من تيجراي من الوصول إلى مدخراتهم التي حصلوا عليها بشقّ الأنفس، وتم تعريضهم لمشقة شديدة، وانتهاك حقهم الأساسي في الحياة، وهو حقّ غير قابل للانتقاص بموجب القانون الدولي، ومن ثم فإن السؤال: أي عملية سلام تلك التي لا تراعي هذه الحقائق؟، إنها عملية محكوم عليها بالفشل، ومن المضلل الادعاء بأن الحل السلمي للصراع الحالي وشيك.
أما على مستوى الاتحاد الإفريقي؛ فقد تم إحاطة مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي مِن قِبَل الممثل السامي للقرن الإفريقي، الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانجو بتطورات الوضع على الأرض، وبعدها زعم الاتحاد الإفريقي أن هناك أملًا في تحقيق اختراق دبلوماسي وشيك فيما يتعلق بالسلام، وعقد محادثات بين ممثلي تيجراي ونظام آبي أحمد. ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أننا لم نقترب حتى من وقف إطلاق النار عن طريق التفاوض والتسوية السياسية الشاملة مقارنةً بما كان عليه الوضع وقت تعيين السيد أوباسانجو قبل عام، ومِن ثَمَّ فإن تلك التقييمات المتفائلة تُمثِّل انفصالاً مقلقًا عن الواقع، بما يشير إلى أن الاتحاد الإفريقي يتلمَّس طريقه في الظلام.
وفي الوقت ذاته؛ فإن التقييمات الحالمة للاتحاد الإفريقي للوضع في تيجراي تتناقض مع توصيات مفوضية الاتحاد الإفريقي “بالترحيب” باحتضان نظام آبي أحمد لعملية سلام بقيادة الاتحاد الإفريقي، و”تشجيع” الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي على أن تفعل الشيء نفسه. وتثير هذه التوصية الغريبة بعض الأسئلة؛ فمنذ أن انخرط السيد أوباسانجو في دبلوماسيته المكوكية المستمرة منذ عام، فما هو الأساس المنطقي لجهوده إذا لم يعتقد الاتحاد الإفريقي أن حكومة تيجراي كانت ملتزمة بصدق بتقديم مقترحات سلام جادة؟
ثانيًا: إذا كانت مفوضية الاتحاد الإفريقي لا تعتقد أن أطراف النزاع متَّفقون على دور الاتحاد الإفريقي في أيّ عملية سلام، فلماذا نستنتج أن اختراقًا وشيكًا يمكن أن يحدث، ويُفتَرض أن يكون تحت رعايته؟ يمكن فقط لمفوضية الاتحاد الإفريقي الإجابة عن هذه الأسئلة.
وفي الوقت ذاته أوضح نظام آبي أحمد أنه على استعداد للمشاركة فقط في مبادرة سلام يقودها الاتحاد الإفريقي، ولكن مثل كل الأنظمة القمعية التي تُفضّل القيام بعملها غير المسؤول دون أيّ تدقيق؛ فإن نظام آبي أحمد يتحاشى إمكانية مشاركة الغرب بشكل مباشر أو غير مباشر في عملية الوساطة.
آبي أحمد يختبئ خلف الاتحاد الإفريقي:
إن استمرار قيام حكومة آبي أحمد بمنع الدبلوماسيين والمبعوثين الخاصين للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة من زيارة تيجراي حتى وقت قريب يعكس خوفها من إجبارها على تحقيق السلام على الأرض، ولكن في المقابل فمن المفهوم أن نظام آبي أحمد يرى في مفوضية الاتحاد الإفريقي حليفًا له؛ لأنها تحت قيادة موسى فقي محمد وفَّرت موافقة ضمنية على هجوم الإبادة الجماعية الذي شنَّه النظام على تيجراي. وبالتالي، لم يتخذ نظام آبي أحمد أي خطوات عملية لإظهار التزامه الصادق بالسلام، كما لم تفعل حكومته أي شيء يفيد بأنها تريد أن ينجح السيد أوباسانجو في مهمته، ومن خلال هذا المنظور، فإن افتقار السيد أوباسانجو إلى الإنجازات الجوهرية لإظهار جهوده حتى الآن ليس مفاجئًا.
كما عمل نظام آبي أحمد على تقويض جهود السيد أوباسانجو مرارًا وتكرارًا، مما يضمن عدم حدوث تقدُّم في دبلوماسيته المكوكية التي استمرت لمدة عام من خلال تجاهل مطالباته بالحصول على بعض علامات حسن النية.
كما أن نظام آبي أحمد فشل ببساطة في الرد على بادرة حسن النية من خلال إطلاق سراح الآلاف من أبناء تيجراي الأبرياء الذين تم اعتقالهم فقط بسبب هويتهم واحتجازهم في معسكرات الاعتقال في جميع أنحاء إثيوبيا، في حين نفَت حكومته أن لديها أسرى حرب في تيجراي، فعلى ما يبدو أن آبي أحمد كان من الأهون عليه أن يتنصل من جنوده، وأن يتخلى عنهم، بدلاً من الاعتراف بالنكسات في ساحة المعركة أو الحاجة إلى تقديم تنازلات من أجل السلام.
للأسف، ظل السيد أوباسانجو والاتحاد الإفريقي صامتين في وجه هذا الإنكار الوقح لوجود آلاف أسرى الحرب الذين تم أسرهم أثناء شنّ النظام حرب الإبادة الجماعية على تيجراي، والأسوأ من ذلك، أن السجناء يقبعون في معسكرات الاعتقال في منطقة عفار، ولا يبدو أن أحدًا يقول كلمة واحدة في الدفاع عنهم.
وقد شجّع هذا النوع من الصمت النظام بلا شك على الاستمرار في إطلاق الخطابات المخادعة، مع تقويض جهود السلام في الممارسة العملية، وعلى الرغم من بادرة حكومة تيجراي المحفوفة بالمخاطر السياسية، ولكن الجريئة بحسن نيتها، بدا أن مفوضية الاتحاد الإفريقي والسيد أوباسانجو مفتونان بوعود نظام آبي أحمد الفارغة وحِيَله لممارسة حملات العلاقات العامَّة.
وينبغي أن يكون واضحًا أن تعيين السيد أوباسانجو كممثلٍ سامٍ لم يكن عرضًا لمنصب رسميّ يتم الاحتفاظ به بأيّ ثمن، فقد تم تعيينه بمهام محددة، وبالتالي، فإن طول فترة ولايته هي اختبار حقيقي لمدى قدرته على تحقيق نتائج محددة؛ ولكن حتى الآن، أثبتت الأيام أن هذه النتائج بعيدة المنال. فإذا لم تحدث تغييرات جذرية في طبيعة عملهم فلن يستطيع السيد أوباسانجو والاتحاد الإفريقي تغيير الصورة النّمطية السائدة عنهم بأنهم ينحنون بشكل مفرط، ويتراجعون إلى الوراء لاستيعاب نظام يبعث على الازدراء، وكلّ ذلك على حساب مصداقيتهم، فبدون أن يتحلَّى السيد أوباسانجو بثقة الاتحاد الإفريقي وقدرته على اتخاذ قرارات ورسم خطوط حمراء؛ فسيستمر نظام آبي أحمد في المماطلة وإطالة أمد العملية إلى أجل غير مسمى.
وفي ظل هذه الظروف، فمن الأفضل أن يغادر المرء ورأسه مرفوعة عن الانخراط في محاولة يائسة لاستخلاص نتائج من نظامٍ يُعارض بشدة نجاح تلك المهمة. وفي الواقع، هناك أيضًا مُؤشّرات واضحة على أن نظام آبي أحمد يرى أن التعبير الروتيني عن اهتمامه بمحادثات السلام هو وسيلة للخروج من المأزق الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي الذي يجد نفسه فيه، في حين ترك النظام وراءه إرثًا طويلاً من الموت والفوضى والدمار.
[1]– عضو اللجنة التنفيذية والمتحدث باسم جبهة تحرير شعب تيغراي (TPLF).
[2]– على الرابط التالي: https://www.theafricareport.com/234090/ethiopia-the-african-union-cannot-deliver-peace-to-tigray/