تشارلز بمبروك
ترجمة: قراءات إفريقية
منذ أن تم انتخابه في أكتوبر، يواصل الرئيس التنزاني “جون ماغوفولي” تلميع سمعته الجدية في التقشف وإنجاز الأمور. بعد هزيمته لـ”إدوارد لواسا”, أحد أهم الشخصيات في “حزب الثورة” (CCM) الحاكم, ليحصل على تذكرة ترشحه للرئاسة بحملته لمكافحة الفساد. فقد قضى ماغوفولي أول يومه في منصبه كرئيس بزيارة مفاجئة لوزارة المالية التي وبخ مسئوليها علنا.
ومنذ ذلك الوقت، شوهد وهو ينظف الشوارع خارج القصر الرئاسي كجزء من عملية التنظيف العامة, وفي أكتوبر قام بإلغاء احتفالات عيد الاستقلال في محاولة لتوفير المال.
وفي غضون ذلك، تم منع الموظفين العموميين من الطيران بالدرجة الأولى في رحلاتهم إلى الخارج، أو حتى إرسال بطاقات عيد الميلاد على حساب دافعي الضرائب. كل ذلك مدعوم بحملة مكافحة الفساد المعلَنة بشكل واسع والتي أدت بالفعل إلى إقالة عدد من الشخصيات رفيعة المستوى.
الملقب بـ”الجرافة”، لقد أشيد بـ”ماغوفولي” كبداية جديدة لحزبه الذي تعرض لانتقادات متزايدة خلال إدارة الرئيس السابق “جاكايا كيكويتي” بتهمة الفساد والجمود.
وفي المقابل، اكتسب ماغوفولي سمعته باعتباره تكنوقراطيا فعالا خلال السنوات التي قضاها في مختلف الأدوار الوزارية بوزارة الأشغال العامة. وفي اختياره لحكومته، اختار ماغوفولي مجرد 19 وزيرا، العدد الذي يعتبر كنصف وزراء سلفه، مما يشكل دليلا آخر على التزامه بحجم صغير وأكثر كفاءة لطريقة الحكم.
وقد انعكس ذلك بشكل جيد مع كل من الشركات وجمهور الناخبين الذين أصيبوا بالإحباط بشكل متزايد بسبب نمط الحياة المترفة التي يعيشها موظفي القطاع العام في تنزانيا. وحتى سمعته عن التقشف ألهمت وسم تويتر (WhatWouldMagufuliDo#) لدعم النشرات التي تحاكي مبادرات الرئيس لتوفير التكاليف.
ولكن , بما أن تنزانيا تواجه تزايد رياح اقتصادية معاكسة مع انخفاض أسعار السلع العالمية وقرقرة الخلافات السياسية داخل الحزب الحاكم، فما بقي سوى الانتظار لنرى مدى إمكانية تنقل ماغوفولي بين المسار الذي يعرض نفسه الآن. فعائدات تنزانيا من أثمن التصدير، الذهب، انخفضت بنسبة 7٪ إلى 1.3 مليار دولار في السنة حتى أكتوبر 2015 وفقا للبنك المركزي، والحكومة تحت الضغط لإيجاد مصادر جديدة للدخل. وإذا كان علي ماغوفولي بناء أسس الاقتصاد الحديث الذي وعد به الناخبين، فسيتوقف الكثير على قدرته لاتخاذ إجراءات صارمة ضد الفساد وتعزيز الإيرادات الضريبية، دون إثارة قلق حرس حزبه القديم في هذه العملية.
حملة مكافحة الفساد
في القائمة الرئيسية من جدول الأعمال توجد حملة مكافحة الفساد الشهيرة التي أودت بالفعل بمناصب العديد من الشخصيات البارزة. في نوفمبر أقال ماغوفولي رئيس هيئة الإيرادات التنزانية “رشد باده” ، مع خمسة من كبار مسؤولي الجمارك بسبب اختفاء 349 حاويات الشحن من سجلات الهيئة بعد وصولها إلى ميناء دار السلام. ووفقا للحكومة, تم نقل الحاويات إلى محطة الحاويات الداخلية من دون دفع رسوم الاستيراد بتكلفة 37 مليون دولار في العائدات الضريبية المفقودة.
وأعقب ذلك إقالة رئيس مكتب مكافحة الفساد “إدوارد حوسيا” في ديسمبر على أساس “ضعف الأداء وعدم المسؤولية” فيما يتعلق بالفساد في ميناء دار السلام.
” لا يوجد شك في أنه عازم”، حسب قول “دونالد مماري” ، الذي يرأس (REPOA) المؤسسة البحثية في دار السلام. وأضاف, “لكنني أتمنى أن يتفهم الحاجة إلى بناء المؤسسات إذا كان يريد حقا محاربة الفساد . هذه ليست حربا يستطيع رجل واحد الفوز فيه” .
ولإحداث تغيير دائم، يرى “مماري” أن ماغوفولي سيكون بحاجة إلى أفراد ذوي مصداقية لإدارة أجهزة مكافحة الفساد في البلاد مع القوى المناسبة لإخضاع كل من موظفي القطاع العام وكبار رجال الأعمال للمساءلة ، وهذا لن يكون سهلا.
وقد أكد التحقيق في الحاويات المفقودة عمق مشكلة الفساد، بتورط عدد من الشخصيات البارزة والأفراد الأقوياء فيها، ومن بينهم “سعيد باخريسا”، أحد أغنى الرجال في تنزانيا، والذي كانت شركته “مستودع عزام للحاويات الداخلية” قيد التحقيق من قبل السلطات الضريبية فيما يتعلق بالحاويات المفقودة، ونفى ممثلي شركات “باخريسا” ارتكاب أي مخالفات.
وظهرت أيضا اتهامات في وسائل الإعلام المحلية أن سلف ماغوفولي ” كيكويتي” وعائلته, كانوا من بين الذين استفادوا من التهرب من دفع الضرائب في ميناء دار السلام، اتهامات نفاها الرئيس السابق بشدة. وما زال “كيكويتي” رئيسا للحزب الحاكم مما حذر المحللون من أن التحمس الشديد للحملة ومخاطرها يثير انشقاقات في الحزب والتي يمكن أن يضعف مكانة ماغوفولي في المدى الطويل.
البحث عن طرق أخرى لزيادة الضرائب
إن تركيز حملة مكافحة الفساد على الجمارك التنزانية ووكالات الضرائب هو جزء من مبادرة موسّعة لإصلاح تلك المؤسسات وتعزيز الإيرادات المحلية لدعم النمو الاقتصادي على المدى الطويل. فقد شهدت تنزانيا انهيارا طفيفا في عائدات الضرائب التي وضعها صندوق النقد الدولي وسيكون تبسيط هذه المؤسسات أمرا أساسيا لماغوفولي كي يحقق تعهدات حملته الطموحة. وهذه تشمل الزيادة في الإنفاق الاجتماعي، وخاصة في مجال التعليم والرعاية الصحية، وفي الوقت نفسه يستثمر في مشاريع بناء الطرق والطاقة المائية الكبرى لإنهاء النقص في الطاقة الكهربائية الدائمة بتنزانيا.
أعلنت الحكومة بالفعل بعض التقدم، مرجعة أسبابه إلى نظم جمع الضرائب والتي أدت إلى زيادة في الإيرادات المحلية إلى 1.4 تريليون شلن تنزاني (640 مليون دولار) في ديسمبر حيث ارتفع من 900 بليون شلن تنزاني (404 مليون دولار) عندما انتخب ماغوفولي في أكتوبر.
وادعى وزير المالية ووزير التخطيط “فيليب مبانغو” في 6 يناير أنه بإغلاق الثغرات الضريبية وإجبار الأغنياء على تحمل التزاماتهم الضريبية، سترتفع إيصالات الضرائب الشهرية قريبا إلى تريليونين شلن تنزاني (900 مليون دولار).
لقد واجه تصريحه هذا شكوكا من المحللين المستقلين والرسميين. وأشار محافظ بنك تنزانيا، “بينو ندولو” إلى أن العديد من الشركات الكبرى تدفع ضرائبها المستحقة في ديسمبر ومع ذلك من المرجح أن تنخفض معدلات التحصيل مرة أخرى في يناير.
“مازالت هيئة المحلفين مستمرة حول ما إذا كانت الحكومة ستأتي ببرنامج الإصلاح الضريبي الفعلي”، حسب قول “أنغوس ماكلارن”، المحلل مع شركة إدارة المخاطر البريطانية حماية المجموعة الدولية, والمقيم في دار السلام. مضيفا “لم يتم الاعلان عن أي خطوات ملموسة سوى خطط لفرض الضريبة على الأغنياء، والذي يمكن أن يجره في المواجهة مع ممولي حزبه الأثرياء. فبدون إصلاح نظام تحصيل الضرائب، فمن غير المحتمل أن يصل النشاط الحالي إلى أكثر سوى زخرفة الواجهات”.
بينما تخيم الشكوك على عائدات الضرائب، فإن الكثير من الأمل لا يزال يعتمد على التطوير المرتقب لاحتياطيات تنزانيا الهائلة من الغاز الطبيعي لتعزيز الاقتصاد.
وعلى أية حال، فإن التأخير في إصدار تشريعات حيوية لإدارة قطاع صناعات المنبع والشكوك المستمرة المحيطة حول بناء محطة لتصدير الغاز الطبيعي المسال، قد تعني أن أي شركات عاملة في تنزانيا لم تعلن بعد عن قراراتها النهائية للاستثمار. وعلى هذا المعدل، فليس من المتوقع أن يبدأ الإنتاج إلا في أوائل 2020 باعتبارها أقرب وقت ممكن ويعتقد الكثيرون أن انخفاض أسعار النفط والغاز في العالم قد يساهم في انزلاق المدة إلى أبعد من ذلك. وفي الوقت نفسه، على ماغوفولي تحقيق وإدارة آمال الجمهور المترقبين في الظروف الاقتصادية الصعبة. ولن تكون مهمة سهلة.
يمكن الاطلاع على المقال الأصلي من هنا