زينب مصطفى رويحه
باحثة في العلوم السياسية
تستعد تنزانيا لخوض الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها يوم 28 أكتوبر 2020م؛ وفقًا لما حدّدته اللجنة العليا للانتخابات، وتدور المنافسة بين 14 مرشحًا يمثلون أحزابًا مختلفة، وقد بدأت الحملة الانتخابية نشاطها منذ 26 أغسطس، والمقرر استمرارها حتى 27 أكتوبر، فيما أعلن الرئيس الحالي “جون ماجوفولي” ترشّحه لولاية ثانية ممثلاً عن الحزب الحاكم “تشاما تشا مابندوزي” (CCM)؛ حيث تولى مقعد الحكم في عام 2015م، ويُتيح الدستور تولّي الرئاسة لمدة ولايتين، وبالتالي فإنَّ هذه الانتخابات تعكس مدى رضا الجماهير عن السياسات الحاكمة والأوضاع العامة في البلاد.
أولاً: المشهد السياسي في تنزانيا
يمكن قراءة ملامح المناخ السياسي العام في تنزانيا، والذي يُعتبر المحرّك الرئيسي الذي يرسم أفكار وتوجهات الأفراد خلال هذه العملية الانتخابية من خلال عدة دلالات:
أ- سيطرة الحزب الحاكم
على الرغم من أن الدستور أقرَّ التعددية الحزبية منذ التسعينيات، إلَّا أنَّ حزب “تشاما تشا مابيندوزي” ظل قابضًا على السلطة منذ ستينيات القرن الماضي وحتى الوقت الراهن، والذي بدوره لم يسمح بفتح المجال للمعارضة، وهذا ما يبرّر ظهورها بشكلٍ هشّ وغير متماسكٍ.
وفي الآونة الأخيرة ونتيجةً لسياساته الاستبدادية وتحكُّمه في كافة شؤون المواطنين؛ تناقصت شعبيته، وظهر ذلك جليًّا في الانتخابات الرئاسية لعام 2015م، ولذلك حاول ماجوفولي مرشّح حزب تشاما صياغة برنامج انتخابي يحقّق طموحات الجماهير، لذلك رفع راية مكافحة الفساد، وركَّز الاهتمام نحو المشاريع التنموية، والاهتمام بالبنية التحتية؛ بهدف جذب الجماهير، والحفاظ على سيطرة الحزب الحاكم على مقعد السلطة.
ب- قمع المعارضة
اتَّبع ماجوفولي استراتيجية واضحة تستهدف قَمْع الحريات، والتضييق على المعارضة بوسائل مختلفة؛ سواء بطريقة قانونية أو غير قانونية، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال:
– بالنسبة لحرية الإعلام: اعتمد سياسة تكميم الأفواه، وتضييق الخناق على الوسائل الإعلامية، والاعتقال القسري لبعض الصحفيين الناقدين لسياسات الحكومة، على سبيل المثال الاختفاء القسري للصحفي الاستقصائي Azory Gwanda. بالإضافة إلى اللجوء إلى سَنّ تشريعات لتبرير السياسات القمعية؛ مثل قانون الجرائم الإلكترونية، أيضًا قانون الإحصاء الوطني الذي ينص على عقوبة السجن عن نشر أيّ بيانات تهدف إلى إبطال الإحصاءات الرسمية أو تشويهها أو تشويه سمعتها. ونتيجةً ذلك؛ تعددت حالات الانتهاكات وفقًا لتقارير هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، وساهمت هذه العوامل في خروج المشهد الإعلامي بصورة متردية لا تعبّر عن الواقع الفعلي في البلاد وطموحات المواطنين أو المهتمين بالشأن العام، كما تراجعت تنزانيا في مؤشّر حرية الصحافة السنوي لمنظمة “مراسلون بلا حدود” من المرتبة 70 إلى المرتبة 124 خلال فترة حكم الرئيس ماجوفولي([i]).
– استهداف عناصر للمعارضة: لم يكتفِ النظام بممارسة استبداده على الكيانات الإعلامية، ولكن امتدَّ ليشمل كافة عناصر المعارضة، وعرقلة التجمُّعات، واستخدم سياسة الاضطهاد بالمقاضاة من خلال توجيه الاتهامات إليهم، وركّز على التُّهَم الاقتصادية مثل غسيل الأموال أو التهرُّب الضريبي أو الفساد، مثلما حدث مع “تندو ليسو” الذي واجَه اتهامات عديدة وتعرَّض لمحاولات اغتيال، وأيضًا “السيد كابينديرا” نتيجة انتقاده لماجوفولي، يُواجه مجموعة من التُّهَم الاقتصادية([2]).
– التضييق على عناصر المجتمع المدني: سعى النظام إلى ممارسة استبداده على أعضاء المجتمع المدني ومجتمع الأعمال، وشرعن ذلك من خلال حثّ البرلمان على إصدار قوانين شاملة تمنح الحكومة سلطات تقديرية لتعليق عمل منظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، وإملاء لائحة عملها الداخلي، كما تم التشكيك في جنسيات بعض عناصر المجتمع المدني غير الموالية للحكومة، على سبيل المثال زعيم الطلاب “عمر نوندو”، ومدير تحالف المدافعين عن حقوق الإنسان في تنزانيا “أنسمو أولي نغوروموا”، والأسقف الكاثوليكي “سيفيرين نيوي موجيزي”([3]).
– التدخل في عمل السلطة القضائية: ظهر القضاء بشكل غير مستقل نتيجة تدخلات السلطة التنفيذية، على سبيل المثال: تعيين بعض الأفراد دون فحص برلماني مستقل، كما انحازت المحاكم التنزانية إلى جانب الدولة في كل قضية رئيسية محل نزاع. فعلى سبيل المثال في عام 2016م، رفضت محكمة متوارا العليا طلبًا قدمته جماعات حقوق الإنسان للطعن في قانون الخدمات الإعلامية الذي يفرض قيودًا صارمة على النشر، وفي سبتمبر 2019م، ألغت محكمة دار السلام العليا التماسَ زعيم المعارضة توندو ليسو ضد إلغاء وضعه كعضو في البرلمان بينما كان يتعافى في الخارج من محاولة اغتياله.
ثانيًا: العملية الانتخابية
بحسب الهيئة الانتخابية، أقرت المفوضية القومية للانتخابات اعتماد 14 مرشحًا للتنافس على مقعد الرئاسة، ويبلغ عدد المواطنين في تنزانيا ما يزيد عن 60 مليون نسمة، ويمكن تناول عناصر العملية الانتخابية كالآتي:
أ- المرشَّحون
بدايةً بجون ماجوفولي الذي تقدّم بالترشح لولاية ثانية ممثلاً عن الحزب الحاكم Chama Cha Mapinduzi( (CCM، وليوبولد ماهونا ممثلاً عن التحالف الوطني للخلاص (NRA)، ويمثل جون شيبودا التحالف الديمقراطي التنزاني (ADA-Tadea)، كما يمثل جيريما ماجان-جا المؤتمر الوطني للإصلاح الدستوري (NCCR)، أيضًا يمثل الجبهة المتحدة المدنية (CUF) إبراهيم ليبومبا، وترشَّح برنارد ميمبي كممثل عن التحالف من أجل التغيير والشفافية -حزب وزالندو ACT-Wazalendo، وتقدّم عن Chama cha Demokrasia na Maendeleo (CHADEMA) تندو ليسو، وتُمثّل كوين سينديجا حزب ((ADC، وهاشم رونيجي عن (Chaum- ma)، وخالفان مازوري عن ( UMD)، و Seif Maalim (AAFP)، وTwalib Kadege ( (UPDP، وفيليبو فومبو (DP)، وموتامويجا مجايوا (SAU)، سيسيليا مباغا عن (DM).
– الرئيس ماجوفولي: يحاول الرئيس الظهور بشكل شعبوي، والتقرب من المواطنين؛ من خلال القيام بزيارات في أنحاء مختلفة من البلاد والتفاعل مع الجمهور، كما يعتمد على الجهود التي أطلقها في القطاعات الاقتصادية المختلفة في جذب المواطنين، على سبيل المثال رفع لواء الحرب على الفساد؛ حيث أنشأ قسمًا خاصًّا في المحكمة العليا للتعامل مع قضايا الفساد، كما وجَّه إصلاحات نحو صناعة التعدين؛ حيث قرَّر الابتعاد عن شركات التعدين الأجنبية بمزاعم بسرقة الأموال من التنزانيين من خلال ممارسات ضريبية غير مشروعة، كما اهتمَّ بالقطاع الصحي، والطرق الجديدة والسكك الحديدية ومحطات الطاقة.
– ليسو: من العناصر الفاعلة في حزب المعارضة “تشاديما”، ويُعْرَف بأنه من أنشط عناصر المعارضة لسياسات الرئيس ماجوفولي، انتُخِبَ لعضوية البرلمان في قائمة Chama cha Demokrasia na Maendeleo (حزب الديمقراطية والتقدم) في عام 2010م، وقد تعرض لمحاولات استهدافٍ مِن قِبَل مجهولين، ويُقدّم برنامجًا يميل إلى الأفكار التحررية وتطبيق الديمقراطية مناقضًا لسياسة ماجوفولي. ونظرًا لاشتغاله بالمحاماة فقد شارك في الكشف عن عدة وقائع فساد؛ أهمها وثيقة “قائمة العار” التي كشفت عن تورّط كبار المسؤولين في الدولة في نهب الأموال العامة، وتم اعتقاله 6 مرات في عام 2017م بتهمة إهانة الرئيس، وتعكير صفو النظام العام، وتم إرساله إلى المنفى لمدة 3 سنوات، ويمثل عودته وقراره بشأن خوض الانتخابات إنعاشًا للحياة السياسية.
والجدير بالذِّكْر أنَّ اللجنة الوطنية للانتخابات (NEC) قرَّرت تعليق الحملة الانتخابية لتندو ليسو من 3 أكتوبر 2020م، بحجة خَرْقه مدونة أخلاقيات الانتخابات([4]).
– إبراهيم ليبومبا: هو رئيس الجبهة المدنية المتحدة المعارضة CUF، وقد وجّه العديد من الانتقادات للحكومة بشأن زيادة حالات انتهاكات حقوق الإنسان، وطرَح فكرة عقد حوار سياسي شامل مع الجهات الفاعلة الرئيسية قبل الانتخابات العامة لعام 2020م، وأعرب عن استعداد حزبه للحوار. وحذَّر من أن عدم فتح باب التعبير للمعارضة سوف يدفع الأفراد للعزوف عن المشاركة السياسية؛ لعدم وجود تمثيل حقيقي، كما أنه يؤمن بضرورة مشاركة الأفراد في تقرير مصير بلادهم، وأنه شرط أساسي لضمان الديمومة لجهود التنمية، وحثّ الحكومة على التحقيق في حوادث الاختطاف القسري وتقديم الجناة إلى العدالة([5]).
– ميمبي: ويمثل التحالف من أجل التغيير والشفافية – حزب وزالندو ACT-Wazalendo المعارض. وقد تولَّى منصب وزير الخارجية في عهد الرئيس جاكايا كيكويتي في الفترة من 2007 إلى 2015م، وكان له نشاط بارز خلال فترة رئاسة مجموعة العمل الوزارية للكومنولث.
ب- الأحزاب
ويمكن تناول الأحزاب الرئيسية التي تلعب دورًا بارزًا في خريطة التفاعلات في الداخل التنزاني، بداية من الحزب الحاكم، وبالنسبة للأحزاب المعارضة اعتبارًا من انتخابات أكتوبر 2000م، كان هناك 12 حزبًا معارضًا مسجلاً بشكل دائم:
– حزب (CCM) Chama Cha Mapinduzi الحاكم: يتمتّع بتاريخ سياسيّ طويل؛ حيث كان في السلطة منذ استقلال تنزانيا في عام 1961م. وحاول مِن خلاله بَسْط نفوذه على كافة أركان الدولة، ممَّا سبَّب في ظهوره بشكل سلطويّ استبداديّ لا يؤمن بالديمقراطية ومبادئ الحريات، وعلى الرغم من إقرار مبدأ التعددية الحزبية في التسعينيات إلا أن الحزب ظل قابضًا على السلطة، ممَّا أدَّى إلى تراجع شعبيته، وظهَر ذلك في انتخابات الجمعية العامة عام 2015م؛ حيث حصل على نسبة 55% بعد أن كانت في انتخابات 2010م بحوالي 60.20%، وكان اختيار ماجوفولي مرشحًا عن الحزب في انتخابات 2015م بمثابة إعادة إنتاج الحزب لنفسه، باعتبار أن ماجوفولي صاغ برنامجًا انتخابيًّا تنمويًّا يحارب الفساد بكلّ صوره، ولكن حدث العكس. وانخفض الدعم المقدم لـCCM نتيجة ظروف البيئة القمعية.
وتحاول الأحزاب المعارضة توظيف ذلك لصالحها بعرض برامج أكثر تحررًا؛ إيمانًا بحقّ المواطنين في التعبير وممارسة حرياتهم السياسية، ويحاول الحزب الترويج لإنجازاته الماضية للحفاظ على دوره في الحياة السياسية ومكتسباته مثل التغيرات التي طرأت على الوضع الاقتصادي، وتحفيز قطاع التعدين من خلال قانون التعديل المتنوع للقوانين المكتوبة (2019م) الذي غيَّر هيكل ملكية شركات التعدين متعددة الجنسيات، ونصَّ على اتفاق مربح للجانبين بشأن الفوائد، وأكَّد الحزب في برنامجه الانتخابي على مواصلة جهوده في إنعاش الاقتصاد، كما وعد الحزب بمواصلة الثورة الزراعية والتصنيع بدعم من الحكومة.
– حزب CHADEMA) Chama cha Demokrasia na Maendeleo): يمثل حزب المعارضة الرئيسي في تنزانيا، كما أنه ثاني أكبر حزب في الجمعية الوطنية، في الانتخابات الرئاسية عام 2015م حصل مرشح الحزب على ما يقرب من 40% من جملة الأصوات، كما زادت حصة الحزب في الجمعية العامة في العام ذاته إلى 31.75%، ويمتلك الحزب قاعدة جماهيرية واسعة في تنزانيا.
وقد تقدم ليسو ممثلاً عن الحزب في الانتخابات الرئاسية باعتباره من أكثر اللاعبين السياسيين نشاطًا في الحياة السياسية، وحاول استغلال سياسات الحزب الحاكم لصالحه خاصةً في ظل اعتراض المواطنين على السياسات الاقتصادية للحكومة، وتعهّد بإقرار نظام ضريبي أقل حدَّة مع إمكانية الإعفاء، وتطوير وثيقة حقوق دافعي الضرائب، كما يتبنَّى أيديولوجية السوق الحرة بإشراك المواطنين في المشاريع الخاصة، وتوحيد ضريبة القيمة المضافة بنسبة 16% لتتماشى مع بلدان مجموعة شرق إفريقيا الأخرى، كما أنه يؤكد على ضرورة الارتقاء بحقوق الإنسان والحكم الرشيد([6]).
– التحالف من أجل التغيير والشفافية – حزب وزالندو ACT-Wazalendo: من الأحزاب الناشئة في تنزانيا؛ حيث يعود تأسيسه إلى عام 2014م، وسارع في التعريف بنفسه من خلال الترشح للانتخابات الرئاسية في عام 2015م بتقديم “آنا مغويرا”، ويرأسه حاليًا زيتو كابوي الذي انضم رسميًّا للحزب في مارس 2015م بعد أن كان عضوًا في تشاديما([7])، ويتبنَّى اتجاهًا معارضًا لسياسات الحكومة، ويؤكد على أن الحكومة لا تُتيح المساحة للتعبير والمشاركة.
وقرَّر المشاركة في الانتخابات من خلال ميمبي، ويرى الحزب ضرورة توحيد جبهة المعارضة، والتوصل إلى اتفاق على التوحّد خلف مرشح رئاسيّ واحد، كما يرفع شعار “Kazi na Bata” بمعنى التركيز على رفاهية المواطن، ووعد بتغييرات جذرية في السياسات الاقتصادية، وخاصةً في الصناعات الاستخراجية (الصناعة والتعدين)، أيضًا يقترح سياسة الخصخصة باعتبار أن القطاع الخاص أكثر دراية بإدارة الشركات الحكومية وأكثر قدرة على توفير التمويل اللازم والدعم الفني والتقني على أساس أن بعض الشركات المملوكة للدولة مقيدة للغاية من الناحية المالية وضعيفة من الناحية التكنولوجية. ويؤكّد على ضرورة تمكين المواطنين من المشاركة مباشرة في امتلاك اقتصادهم الخاص.
– حزب الجبهة المتحدة المدنية / تشاما تشا وانانتشي (CUF) Civic United Front secretary general: تأسس عام 1992م، ويتمتع CUF بقاعدة شعبية واسعة النطاق في زنجبار، وزاد عدد الأعضاء المنضمين إليه، وهو من أنصار النظرية الليبرالية، وفي وقت سابق قرَّر مقاطعة الانتخابات الرئاسية في عام 2015م، وحصل على 8% من إجمالي عدد المقاعد في انتخابات الجمعية العامة في 2015م، ويتبنَّى مبادئ الديمقراطية وإعلاء قِيَم حقوق الإنسان، والحريات الأساسية.
إلى جانب عددٍ من الاحزاب المشاركة، على سبيل المثال: الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية (NLD)، وحزب شعب تنزانيا (TPP)، والتحالف الديمقراطي التنزاني (TADEA)، والتحالف الوطني للخلاص (NRA)، والحزب الوطني الشعبي (PONA)، والحزب الديمقراطي المتحد (UDP)، وحزب العمل التنزاني (TLP). والمؤتمر الوطني للإصلاح الدستوري (NCCR-Mageuzi)، والاتحاد من أجل الديمقراطية المتعددة الأحزاب (UMD).
ج- الناخبون
وفقًا للجنة الانتخابية الوطنية، فقد قام أكثر من 30 مليون ناخب بتحديث معلوماتهم في سجل الناخبين منذ يوليو 2019م؛ مقارنةً بحوالي 23 مليون ناخب مسجل في عام 2015م. ووفقًا للبيانات الإحصائية فقد انخفضت نسبة رضا الجماهير على الرئيس من 96% في عام 2016م إلى 55% في عام 2018م، إلى جانب أيضًا سَخط المواطنين على أداء الحكومة وأعضاء البرلمان والمجالس بشكلٍ عامّ. كما أكَّد الشعب التنزاني على ضرورة إتاحة الفرصة لحرية الرأي وانتقاد أداء الحكومة، وضرورة بثّ الجلسات البرلمانية على الهواء مباشرة، وأن يتمّ منح المواطنين وصولاً أفضل إلى المعلومات للحد من الفساد.
ثالثًا: سيناريوهات مستقبلية:
من خلال استعراض الوضع السياسي في تنزانيا، يمكن التنبؤ ببعض الدلالات بشأن العملية الانتخابية:
أ- بشأن نزاهة العملية الانتخابية: تُثار بعض الشكوك بشأن مدى الشفافية التي ستُدار بها العملية الانتخابية، خاصةً وأن اللجنة الوطنية للانتخابات تخضع لمكتب الرئيس، كما أن تعيين الأعضاء فيها تتدخل فيه السلطة التنفيذية، إضافةً إلى المزاعم بشأن عدم تحديث سجل الناخبين، أيضًا لا يسمح النظام الانتخابي في تنزانيا بالطعن في نتائج الانتخابات الرئاسية أمام المحكمة، بجانب أن الحكومة أعلنت عدم خضوع الانتخابات للمراقبة سواء الدولية أو بإشراف المجتمع المدني؛ حيث أمرت الحكومة الشهر الماضي المركز القانوني وحقوق الإنسان (LHRC) بوقف أنشطته تحت مظلة اتحاد المجتمع المدني التنزاني لمراقبة الانتخابات (TACCEO)، وهو أكبر اتحاد مجتمع مدني محلي يراقب الانتخابات في تنزانيا.
ب- بالنسبة للثقافة السياسية للمواطنين: تشير الإحصائيات إلى عدم رضا المواطنين على السياسات الاستبدادية التي تتّبعها الحكومة، كما أنَّ تقليص مساحات المعارضة والتضييق على المجتمع المدني أصاب المشهد السياسي بالقصور، والابتعاد عن المشاركة السياسية خوفًا من الوقوع تحت مظلة العقاب، وبالنسبة للورقة الاقتصادية التي يراهن عليها الرئيس ماجوفولي، فقد أفاد البنك الدولي أن مليوني تنزاني أصبحوا تحت خطّ الفقر خلال فترة ماجوفولي، كما انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 47٪، وتراجعت معدلات النشاط السياحي، ممَّا هدَّد حوالي 1.4 مليون فرصة عمل. كما أن الحملة على الفساد أدَّت إلى صعوبة إبرام الصفقات الاقتصادية، كما أدَّى قمع الحريات المدنية إلى قيام بعض شركاء التنمية بوقف التمويل، بينما أدَّى زيادة نسبة الضرائب المفروضة إلى زيادة الضغط على الفقراء.
ج- مدى تمكُّن الحزب الحاكم: يحاول الحزب الحاكم الحفاظ على مقعده في السلطة، كما أن ماجوفولي يبذل جهودًا استبدادية واسعة بغرض عدم السماح بظهور أيّ منافس، ولكنه بذلك عمل على تقويض جهود التنمية، وإغلاق المجال العام.
وعلى الصعيد الدولي، لا يحظى بدعم المجتمع الدولي؛ نظرًا لتبنّيه خطابًا معاديًا للغرب، كما أنه لا يشارك في الأحداث الدولية، وتعرَّض لكثيرٍ من الانتقادات مِن قِبَل منظمة هيومن رايتس وتش وعدد من المنظمات الدولية نتيجة تدهور وضع الملف الحقوقي في تنزانيا، وفي عهد ماجوفولي، توقفت تنزانيا عن العمل مع المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
وعلى الرغم من المشروع الاقتصادي للرئيس ماجوفولي إلا أن ذلك لم يكن بالتوازي مع ضمان حريات الأفراد، وحماية المعارضة، وتحقيق التمثيل الشامل لكافة عناصر المجتمع، وإشراكهم في صنع القرار، وأدَّى إلى دَحْض الجهود التنموية، خاصةً وأن معدل النمو ظل متواضعًا، بل إن المعارضة أكَّدت أن السياسات الاقتصادية اتُّخِذَتْ ذريعةً لملاحقة منتقدي النظام وتوجيه الاتهامات إليهم.
د- موقف المعارضة: تكافح المعارضة من أجل الحصول على المساحة الكافية والمشاركة في العملية السياسية، ويعد تشاديما الحزب المعارض الأكثر تأثيرًا وتمثيلاً في البرلمان، ومثلت مشاركته في الانتخابات الرئاسية إنعاشًا للحياة السياسية، ولكنَّ المقاومة التي تواجهها المعارضة مِن قِبَل السلطات الحاكمة من حيث عمليات الاعتقال والاغتيالات وحظر الوسائل الإعلامية التي لا تتماشى مع سياسات الحكومة عرقلت من ممارسة نشاطها، وظهرت بشكل غير منظم ولا يمتلك رؤية واضحة موحدة تجاه النظام الحاكم، وإن كانت تحاول استغلال سخط المواطنين على تدنّي مستوى المناخ السياسي العام.
أيضًا لجأ عددٌ من النشطاء السياسيين إلى المجتمع الدوليّ للضغط على الحكومة، وعلى إثر ذلك في يونيو 2018م، أمرت محكمة العدل لشرق إفريقيا (EACJ) الحكومة بإلغاء حظرها على صحيفة يومية محلية ““Mseto، كما صدر حكم عن EACJ في مارس 2019م بإلغاء قانون الخدمة الإعلامية، كما تنظر محكمة العدل الإفريقية في 100 قضية تقدم بها المواطنون بشأن انتهاكات الحكومة ضدهم.
وعلى الرغم من تراجع شعبية الحزب الحاكم، خاصةً وأنه يواجه انتقادات مِن قِبَل المواطنين، والمعارضة، والمجتمع الدولي، إلا أنه الأقرب للفوز بمقعد الحكم؛ حيث إن الأحزاب المعارضة ليست مؤهَّلة للفوز بالانتخابات في ظل الأوضاع الحالية، كما أن ماجوفولي سيبذل أقصى جهده من أجل الحفاظ على مقعده في الحكم بمختلف الوسائل الممكنة.
ختامًا:
تتمتع تنزانيا بتاريخ سياسي طويل؛ حيث إنها من الدول الأوائل التي حصلت على الاستقلال، وتعتبر هذه الانتخابات هي الخامسة منذ إقرار التعددية الحزبية، وتحتاج النخبة الحاكمة إلى إدراك ضرورة إقرار الحريات العامة مثل حرية الرأي والتجمعات، وتخفيف حدة الرقابة على الوسائل الإعلامية بما يسمح بنضج التجربة السياسية في تنزانيا، وتحقيق الرضا العام للمواطنين، والذي يُلقي بظلاله على كافة جوانب الحياة لا سيما القطاعات الاقتصادية بمختلف تخصُّصاتها.
المراجع:
[i] Tanzania, Where Magufuli Is Waging a War on Democracy متاح على
https://www.cfr.org/blog/tanzania-where-magufuli-waging-war-democracy
[2] Tanzania Was East Africa’s Strongest Democracy. Then Came ‘The Bulldozer. متاح على
[3] Subverting Democracy in Tanzania and Zambia متاح على
https://africacenter.org/spotlight/subverting-democracy-in-tanzania-and-zambia/
[4] Tanzania electoral body suspends Tundu Lissu’s presidential campaign متاح على
[5] Tanzania: Prof Ibrahim Lipumba Calls for Political Dialogue متاح على
[6] Private sector role a major divide for Tanzania political parties متاح على
[7] NEC opens doors to Bunge aspirants متاح على