الأفكار العامة:
- توجد العديد من العقبات أمام الهدنة الأخيرة بين السلطات الكونغولية وحركة 23 مارس.
- هدَّد التوسع الإقليمي الكبير لحركة 23 مارس في الأشهر الأخيرة استقرار جمهورية الكونغو الديمقراطية.
- المعطيات في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية ومواقف السلطات في العاصمة قد تضع جهود الوساطة القطرية على المحكّ.
- إعلان وفدي كينشاسا والتحالف من أجل الكونغو الديمقراطية عن عَزْمهما العمل على وقف إطلاق النار ومواصلة المفاوضات.
- تأثُّر بعض القادة الإقليميين بمظالم رواندا وحركة “إم 23″، وانتقاد آخرين للدعم الرواندي أو إظهار المزيد من الحياد.
- التداعيات الاقتصادية والثغرات الأمنية ونشاط حركات التمرد في شمال كيفو وفصائل الميليشيات في إيتوري وجنوب كيفو هي أهم أسباب انعدام الأمن في شرق البلاد.
- عدم الانضباط وتداخل تسلسل القيادة وسوء ظروف الخدمة والفساد التي تُواجه الجيش الكونغولي والتدخلات الخارجية من المعادلات الصعبة في حلّ الأزمة.
- اقتراح تشيسيكيدي على الولايات المتحدة: الثروة المعدنية مقابل الدعم الأمني.
بقلم: برام فيريلست*
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
التغيرات المتسارعة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي عاصمة البلاد أيضًا، قد تضع جهود الوساطة القطرية على المحكّ.
وقد أعلن وفدا كينشاسا والتحالف من أجل الكونغو الديمقراطية (الحليف السياسي لجماعة متمردي حركة 23 مارس) في 23 أبريل عن عزمهما العمل على وقف إطلاق النار ومواصلة المناقشات حول الأسباب الجذرية للصراع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. وقد تمَّت الهدنة بوساطة قطر التي بدأت المفاوضات في شهر مارس 2025م.
من جهة أخرى، فإن المحادثات المباشرة بين حركة 23 مارس والكونغو الديمقراطية -التي لطالما رفضتها كينشاسا-، والإعلان المشترك؛ تُعتبر خطوات إيجابية. لكنهما جزء من مشهد سياسي هشّ في كينشاسا؛ حيث تشوهت سمعة الرئيس فيليكس تشيسيكيدي، واستغلت المعارضة التمرُّد لكسب أرضية سياسية.
كما يُهدِّد التوسع الإقليمي الكبير لحركة 23 مارس، في الأشهر الأخيرة، استقرار جمهورية الكونغو الديمقراطية. فبعد استيلائها على مدينتي غوما وبوكافو الرئيسيتين، أنشأت الجماعة المتمردة إدارة موازية في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
وقد فقدت كينشاسا معظم حلفائها العسكريين بعد انسحاب قوات الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي، والقوات البوروندية، وشركات الأمن الخاصة. وحكومة الكونغو في مأزق؛ لأنها تعتمد على الجماعات المسلحة المحلية كمقاومة رئيسية ضد حركة 23 مارس.
في الجزء الشرقي من جمهورية الكونغو الديمقراطية، ينبع انعدام الأمن من الآثار الاقتصادية للحرب، والثغرات الأمنية، وأنشطة عدة جماعات مسلحة؛ مثل القوات الديمقراطية المتحالفة في كيفو الشمالية، وفصائل الميليشيات في إيتوري وكيفو الجنوبية. وقد أدَّت الأزمة إلى نزوح جماعي، داخل جمهورية الكونغو الديمقراطية وعبر حدودها، بما في ذلك إلى بوروندي وأوغندا؛ حيث وصل أكثر من 120 ألف لاجئ كونغولي منذ يناير الماضي.
هذا، ويؤدي الدور الغامض للأطراف الفاعلة الإقليمية إلى تعقيد الوضع. وقد عززت أوغندا وجودها العسكري في كيفو الشمالية وإيتوري؛ للتصدّي لانعدام الأمن واحتواء حركة 23 مارس. وعلى الرغم من أن القوات الأوغندية تمكَّنت من احتواء تقدُّم المتمردين شمالًا، تحاول أوغندا الحدّ من وجود رواندا في المناطق التي تعتبرها منطقة نفوذها.
تحوُّل تمرُّد حركة 23 مارس من انتفاضة حدودية إلى تحدٍّ مباشر على تشيسيكيدي:
يتأثر بعض القادة الإقليميين، مثل الرئيس الكيني وليام روتو، بمظالم رواندا وحركة “إم 23” في حين ينتقد آخرون الدعم الرواندي، أو يُظهرون المزيد من الحياد. وتعطلت الجهود الرامية إلى مواءمة عمليتي لواندا ونيروبي للسلام، وفشل الحوار الذي نظَّمته أنغولا بعد أن فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على قادة رواندا وحركة 23 مارس.
وقد مهَّد ذلك الطريق أمام الجهات الفاعلة الأخرى مثل تركيا التي تُقدِّم الدعم لجهود الوساطة. لكن اللقاء المفاجئ بين الرئيسين الكونغولي والرواندي في الدوحة في مارس الماضي أعاد إحياء آفاق المفاوضات. وتستضيف قطر حاليًّا محادثات السلام التي تُوِّجَت بإعلان وقف إطلاق النار. وقد يكون من الصعب الحفاظ على الهدنة من أجل التوصل إلى اتّفاق سلام.
التعبئة المسلحة والمفاوضات وتوسُّع العمليات العسكرية تُشكّل تحديات لعملية السلام
وسيتم تحديد العملية وفقًا لثلاثة عوامل تُحدّد ديناميات القوة في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
العامل الأول: استمرار التعبئة المسلّحة من كلا الجانبين. ومن أجل تعزيز القدرات العسكرية لكينشاسا، تقوم إدارة تشيسيكيدي بتجنيد المزيد من الجنود ودعم الجماعات المسلحة تحت راية “الوطنيون” باللغة السواحيلية.
بَيْد أن حملات التجنيد لن تحل مشاكل عدم الانضباط وتداخل تسلسل القيادة، وسوء ظروف الخدمة والفساد التي تُواجه الجيش الكونغولي. ويمكن أن تؤدي تعبئة الجماعات المسلحة إلى نتائج عكسية؛ نظرًا إلى تشتُّت قوات واساليندو إلى فصائل متنافسة بعضها مناوئ للحكومة، وقد ينضم إلى حركة 23 مارس.
ومن الصعوبة بمكان: تحييد القوات الديمقراطية لتحرير رواندا نتيجة تعاون بعض الجماعات في واساليندو مع القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، واندماج مقاتليها فيها. وتعارض العديد من فصائل واساليندو المفاوضات مع حركة 23 مارس، وانتهكت اتفاقيات وقف إطلاق النار السابقة، مما يُعقِّد التزام حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية بالهدنة.
ولا تزال الميليشيات المحلية تُشكّل الحصن الرئيسي ضد سيطرة حركة 23 مارس. ويؤثر هذا الوضع على توسع حركة 23 مارس، ويدفعها إلى تجنيد مقاتلين جدد بمساعدة رواندا، عطفًا على أسباب سياسية واقتصادية.
العامل الثاني يتمثل في المفاوضات السياسية: حيث يؤثر تمرد M23 على اللعبة السياسية للسعي إلى السلطة، مما يحوِّل تمردًا حدوديًّا إلى تحدٍّ لموقف تشيسيكيدي.
ويعتمد الرئيس على القمع السياسي للبقاء في السلطة. ولتعزيز دعمه، أطلق تشيسيكيدي سراح العديد من السجناء السياسيين، بما في ذلك زعيم المعارضة وذراعه اليمنى السابق جان مارك كابوند.
كما أعلن أيضًا عن مشاورات بشأن تشكيل حكومة وحدة وطنية لاحتواء الأزمة في شرق البلاد، لكن المعارضة رفضت الخطة لصالح مبادرة من الكنيسة لعقد ميثاق سلام يشمل حركة 23 مارس.
وتعتزم بعض الشخصيات المعارضة استخدام تمرد حركة 23 مارس لتغيير النظام. وأصبح الرئيس السابق جوزيف كابيلا مرة أخرى معارضًا شرسًا لتشيسيكيدي، بعد الإطاحة به من اتّفاق تقاسم السلطة في عام 2020م. كما انضم الأعضاء السابقون في حزب كابيلا إلى تحالف القوى من أجل التغيير، بما في ذلك الحاكم المتمرد لجنوب كيفو، مانو بيراتو.
ووفقًا لبعض التقارير، فقد التقى كابيلا مع زعيم تحالف القوى من أجل التغيير، كورنيل نانغا، وزار مؤخرًا مدينة غوما التي يسيطر عليها المتمردون. وعلى الرغم من عدم تأكيد هذه التقارير إلا أنها تُسلّط الضوء على ثِقَل التمرد في المفاوضات السياسية المحلية. على الرغم من إخفاقات تشيسيكيدي، لا تُعتبر شخصيات المعارضة مثل كابيلا ونانغا بدائل ذات مصداقية؛ نظرًا لماضيهما السياسي وعلاقاتهما بالفساد.
وترغب حركة 23 مارس “تحالف القوى من أجل التغيير”، وكابيلا في العودة إلى الاندماج إلى النظام السياسي بدلاً من إصلاحه. ومع انضمام قوى جديدة إلى التمرد، فإن حركة 23 مارس “تحالف القوى من أجل التغيير” تصبح منتدى للمنافسة السياسية، وهو ما قد يؤدي إلى التشرذم كما حدث مع حركات التمرد السابقة. ويعمل تحالف نهر الكونغو كمنصة تنسيقية أكثر من كونها منظمة متماسكة، وتظل غامضة عمدًا بشأن أجندتها السياسية.
وستُشكِّل المفاوضات الجارية مع الحكومة الكونغولية اختبارًا لمدى تماسك حركة “إم 23″، التي سيتعين عليها التوفيق بين مصالح متباينة، وخاصةً مصالح أعضاء المجموعة والقوى الأجنبية التي تدعمها.
العامل الثالث هو الانفتاح، والذي يتضمَّن تشكيل علاقات اعتمادية مع الجهات الفاعلة الخارجية من أجل تعزيز السلطة. ويُشكّل الانفتاح جزءًا من مشهد الصراع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. وستؤثر علاقات حركة “إم23” مع الرعاة الأجانب على المفاوضات، كما أن المنافسة بين رواندا وأوغندا قد تؤثر على التنافسات الداخلية.
ولاستعادة السيطرة على الأرض، يعرض تشيسكيدي على الولايات المتحدة إمكانية الوصول إلى الثروة المعدنية مقابل المساعدة الأمنية. وقد عين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رجل الأعمال “مسعد بولس” مبعوثًا خاصًّا له إلى المنطقة، ويقال: إن صفقة بمليارات الدولارات قيد الإعداد.
بَيْد أنه من غير المُرجَّح أن تؤدي إستراتيجية التعدين مقابل الدعم إلى تحقيق الاستقرار في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. فالولايات المتحدة ستُعطي الأولوية لمصالحها الاقتصادية، في حين أن التخفيضات في ميزانية المساعدات الإنسانية، التي تُغطّي أكثر من 70 في المائة من تمويل المساعدات في جمهورية الكونغو الديمقراطية، تَحُدّ من فوائد الشراكات الجديدة.
مع ارتفاع معدلات النزوح وانعدام الأمن الغذائي في الجزء الشرقي من جمهورية الكونغو الديمقراطية، يجب أن تتوصل محادثات السلام إلى وقف فوري لإطلاق النار، تعقبه اتفاقيات لإعادة فتح الطرق التجارية، وإقامة ممرات إنسانية، وتأمين المناطق الرئيسية.
ويتعين أيضًا استخلاص الدروس من التجارب السابقة؛ حيث لم يكن التوصل إلى اتفاق “صن سيتي” في عام 2002م ممكنًا، إلا بعد التوصل إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار الشامل وانسحاب القوات الأجنبية. وعليه يتعين وضع خارطة طريق مماثلة.
وأخيرًا، فإن العملية الشاملة التي يقودها الكونغوليون تُشكّل ضرورة أساسية لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع. ورغم ذلك، ففي كثير من الأحيان، يصبح تقاسم السلطة في جمهورية الكونغو الديمقراطية غايةً في حدّ ذاته، مما يؤدي إلى تأجيج العنف والصراع على المدى الطويل. وعليه ينبغي لمحادثات السلام تلافي تكرار الأخطاء ذاتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش:
* برام فيريلست، باحث أول، الوقاية وإدارة الصراعات وبناء السلام في منطقة البحيرات العظمى، معهد الدراسات الأمنية في نيروبي.
رابط المقال: https://issafrica.org/fr/iss-today/les-defis-de-la-derniere-treve-entre-kinshasa-et-le-m23