تسود حالة من الترقب والقلق في جنوب إفريقيا، وخاصةً بين رجال الأعمال والمستثمرين، وذلك على خلفية تصاعد الانقسام داخل الحكومة الائتلافية التي يتزعمها حزب المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC)، والذي يختلف معه حزب التحالف الديمقراطي (DA) ثاني أكبر حزب في الائتلاف الحاكم، حول العديد من القضايا، وعلى رأسها الخلاف حول إقرار الميزانية الوطنية، والذي وصل إلى ساحات المحاكم، مما يُنذر بإمكانية تفكُّك حكومة الوحدة الوطنية الائتلافية؛ إذا ما قرر حزب التحالف الديمقراطي الانسحاب منها، أو إذا أجبره حزب المؤتمر الوطني الإفريقي على الخروج منها.
ومن خلال هذه المقالة، يمكن عرض أسباب انقسام الحكومة الائتلافية في جنوب إفريقيا، والتداعيات التي أسفر عنها ذلك الانقسام، والسيناريوهات المستقبلية المتعلقة بتماسك الحكومة أو تفككها، وذلك فيما يلي:
أولًا: أسباب انقسام حكومة الوحدة الوطنية الائتلافية
بدايةً نُوضّح أن الحكومة الائتلافية الحاكمة الآن في جنوب إفريقيا تشكَّلت يوم 30 يونيو 2024م، وذلك بعد 16 يومًا من إعادة انتخاب سيريل رامافوزا رئيسًا للبلاد، وقد تأخَّر الإعلان عن تشكيل هذه الحكومة نتيجةً لتراجع أداء حزب المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC) الذي يتزعم المشهد السياسي في جنوب إفريقيا منذ سقوط نظام الفصل العنصري في تسعينيات القرن الماضي، وذلك بعد خسارته للأغلبية المطلقة التي تمتع بها لسنوات؛ نتيجة لحصوله على حوالي 40% فقط من الأصوات في الانتخابات العامة التي أُجريت في 29 مايو 2024م، مما أدَّى إلى اضطرار حزب المؤتمر الوطني الإفريقي إلى الدخول في مشاورات مع باقي الأحزاب السياسية من مختلف ألوان الطيف السياسي، وعلى رأسها الأحزاب التي فازت بمقاعد في انتخابات الجمعية الوطنية؛ حيث نجح الحزب في تشكيل حكومة ائتلافية أطلق عليها حكومة الوحدة الوطنية (GNU)، والتي ضمَّت عشرة أحزاب سياسية.([1])
ويمكن عرض الأحزاب المكوّنة لهذه الحكومة في الجدول التالي:
المصدر من إعداد الباحث
ورغم الاختلاف الأيديولوجي بين الأحزاب السياسية التي شكَّلت حكومة الوحدة الوطنية؛ إلا أنها نجحت حتى الآن في الحفاظ على تماسك الائتلاف الحاكم، ومنعه من التفكك، وذلك حفاظًا على المصالح الشخصية لكل حزب من أحزاب هذه الحكومة، غير أنه نظرًا لتزايد تناقض المواقف والرؤى بين هذه الأحزاب خلال الفترة الأخيرة؛ فقد تصاعدت الانقسامات بين الأحزاب الرئيسية المكوّنة لهذه الحكومة، وهو ما يُهدِّد بسقوط الحكومة الائتلافية.
وتتمثل أبرز الأسباب التي أدَّت إلى تصاعد الانقسام بين أحزاب الحكومة فيما يلي:
1-الخلاف الحاد بشأن الميزانية الوطنية للسنة المالية 2025 – 2026م:
حيث تتصاعد الانقسامات الحادة بين حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وحزب التحالف الديمقراطي، وهما أكبر حزبين في الحكومة الائتلافية، وهو ما يجعل مستقبل هذه الحكومة محفوفًا بالمخاطر؛ وذلك بسبب الخلاف حول قانون الميزانية الوطنية؛ حيث صوَّت حزب التحالف الديمقراطي ضد الإطار المالي “وهو جزء أساسي من الميزانية يتم بموجبه تحديد السياسة الاقتصادية، وتوقعات الإيرادات، والحدود المفروضة على الإنفاق الحكومي”؛ بجانب رفضه لزيادة ضريبة القيمة المضافة، والمطالبة بخفض الإنفاق في جميع الإدارات الحكومية، ومن جانبه رفض حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الرضوخ لمطالب التحالف الديمقراطي بشأن ميزانية التقشف، كما استطاع حزب المؤتمر الوطني الإفريقي يوم 2 أبريل الجاري 2025م الفوز بدعم عدد كبير من الأحزاب الصغيرة داخل الحكومة وخارجها لإقرار الإطار المالي في البرلمان والتصويت لصالحه بأغلبية 194 صوتًا في مقابل رفضه مِن قِبَل 182 صوتًا؛ أي بفارق 12 صوتًا فقط.([2])
وقد أثارت ميزانية وزير المالية إينوك جودونجوانا المنتمي إلى حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، -والذي يُعدّ أحد زعماء الحزب- الجدل عند عرضها للمرة الأولى في فبراير 2025م؛ مما جعله يُؤخِّر عرضها لمدة تقترب من شهر، ومع عرض مقترح الميزانية للمرة الثانية فقد أُثيرت ردود فعل عنيفة من مختلف الأطراف، بما فيها بعض الأحزاب المكوّنة لحكومة الوحدة الوطنية، التي تحتجّ وترفض خطة وزير المالية الخاصة بزيادة ضريبة القيمة المضافة، وذلك بحجة أنها ستؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات في وقتٍ يعاني فيه أبناء جنوب إفريقيا بشدة بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة.
وعقب سلسلة من الاجتماعات بين أحزاب الحكومة قام وزير المالية جودونجوانا بإعادة تقديم مشروع الميزانية واصفًا إياها بأنها ميزانية جريئة وعملية، وقد حاول الوزير استرضاء شركاءه في حكومة الوحدة الوطنية؛ وذلك من خلال إعلانه تنفيذ ضريبة القيمة المضافة على مدى عامين؛ حيث كان قد اقترح في البداية زيادة ضريبة القيمة المضافة من 15% إلى 17%، لكنه اقترح الآن رفعها إلى 16% على مرحلتين، مع تقديم توصية غير ملزمة للخزانة الوطنية بأن تدرس وضع طرق بديلة لجمع الإيرادات.([3])
وقد برَّر وزير المالية رؤيته لزيادة الضرائب بقوله: إنها ضرورية لمعالجة ضغوط الإنفاق المستمر في الصحة والتعليم والنقل والأمن، موجهًا لومه للأحزاب الرافضة لها، قائلًا لهم: “عليكم اتخاذ قرار، هل نغلق المدارس والمستشفيات والعيادات؟ هل نطرد الموظفين؟ هذا هو القرار الذي علينا اتخاذه، وهو ليس قرارًا صائبًا”. مضيفًا أنه اختار تبنّي زيادة ضريبة القيمة المضافة بدلًا من الضرائب الشخصية وضرائب الشركات؛ لأن فرضها قد يضرّ بالاستثمار وفرص العمل والنمو الاقتصادي؛ حيث ذكرت وزارة المالية أن ضرائب الشركات مرتفعة في جنوب إفريقيا مقارنةً بالمعايير الدولية، وأن زيادتها قد تُعيق الاستثمار وتعيق النمو الاقتصادي، كما أن رفع معدلات ضريبة الدخل الشخصي من غير المُرجَّح أن تُحقّق الإيرادات المستهدفة؛ لأن الأثرياء سيجدون طرقًا للتهرب مِن دَفْع الضرائب.([4])
ورغم نجاح حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في تمرير وإقرار الإطار المالي للميزانية الوطنية في البرلمان؛ إلا أن حزب التحالف الديمقراطي ثاني أكبر حزب في الحكومة الائتلافية لا يزال مُصمِّمًا على رأيه الرافض لمشروع الميزانية الوطنية، مما يُهدِّد بتفكك الحكومة الائتلافية وسقوطها.
2-الخلاف حول إدارة البنية التحتية الحيوية في جنوب إفريقيا:
حيث يُعدّ الخلاف المتعلق بالسيطرة على بعض القطاعات الرئيسية في اقتصاد جنوب إفريقيا من أكبر الأسباب الكامنة خلف الكواليس لانقسام الحكومة الائتلافية، وهو ما يتضح من وجود خلاف كبير بين كل من حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وحزب التحالف الديمقراطي يتعلق بمستقبل إدارة البنية التحتية الحيوية في البلاد، وعلى رأسها عملية خصخصة السكك الحديدية والموانئ؛ حيث إن حزب التحالف الديمقراطي قد طلب إدراج ميناء كيب تاون ضمن الجهات المستهدفة بالخصخصة الجزئية؛ تماشيًا مع إستراتيجية جديدة للشراكة بين القطاعين العام والخاص، ويُعدّ هذا الميناء ثاني أكبر ميناء في جنوب إفريقيا بعد ميناء ديربان، ويُعتبر مركزًا رئيسًا لتصدير الفاكهة الطازجة والعصائر.([5])
بجانب تطلُّع حزب التحالف الديمقراطي إلى نقل مسؤولية الإشراف على ميناء كيب تاون من الحكومة الوطنية إلى مقاطعة كيب الغربية التي يسيطر عليها حزب التحالف الديمقراطي وحده، لكنّ حزب المؤتمر الوطني الإفريقي يخشى تسليم هذه المؤسسات الاقتصادية إلى حزب التحالف الديمقراطي، وكذلك لم يوافق على مطالب حزب التحالف الديمقراطي المتعلقة بخصخصة الموانئ والسكك الحديدية، لكنه حاول استرضاءه من خلال تقديم تنازلات تتمثل في تقليل الزيادة في ضريبة القيمة المضافة بواقع نقطة مئوية بدلًا من نقطتين سابقًا، وأعلن أيضًا أحد مسؤولي الحزب أنهم مستعدون لتقديم تنازلات أخرى تشمل زيادة ضريبة الدخل الشخصي، وإلغاء الإعفاءات الضريبية للمساعدات الطبية.
ونظرًا لعدم استجابة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي لمطالب حزب التحالف الديمقراطي المتعلقة بالخصخصة؛ فقد عارض إقرار الميزانية، مع استخدامه كذلك لهذه الخطوة كورقة ضغط على حزب المؤتمر الوطني الإفريقي حتى يسمح له بلعب دور أكبر في الإشراف الإستراتيجي على عملية فوليندليلا، وهي مبادرة مشتركة بين الرئاسة ووزارة المالية الوطنية لإزالة القيود في قطاعات اقتصادية محددة. ويُذْكَر أن خُطَط الإصلاح الهيكلي واسعة النطاق التي وضعتها الحكومة الائتلافية تهدف إلى رفع كفاءة البنية التحتية اللوجستية في جنوب إفريقيا من خلال جذب شركاء من القطاع الخاص للاستثمار فيها.([6])
3-محاولة الضغط على حزب المؤتمر الوطني الإفريقي لتحقيق مكاسب سياسية:
حيث تسعى بعض الأحزاب إلى تحقيق مكاسب سياسية من خلال الضغط على حزب المؤتمر الوطني الإفريقي من خلال رفض مشروع الميزانية الوطنية، وعلى رأسها حزب التحالف الديمقراطي، وهو حزب من يمين الوسط ومؤيد لقطاع الأعمال في جنوب إفريقيا كان قد قَبِلَ الدخول في الحكومة الائتلافية بضغط من رجال الأعمال الممولين للحزب؛ وذلك لضمان الاستقرار الاقتصادي في البلاد، لكن على المستوى العملي فإن هذا الحزب يتبنَّى العديد من السياسات التي يختلف فيها مع رؤية وسياسات حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، ولذلك يسعى إلى استغلال موضوع الميزانية الوطنية للحصول على مكاسب سياسية لصالحه؛ حيث وجدت تصريحات تشير إلى أن حزب التحالف الديمقراطي عرض على حزب المؤتمر الوطني الإفريقي خلال الجولة الأولى من المفاوضات بينهما إمكانية الموافقة على زيادة ضريبة القيمة المضافة بشرط قيام رئيس الجمهورية بسحب قانون نزع الملكية الذي يرفضه حزب التحالف الديمقراطي.([7])
كما يسعى حزب التحالف الديمقراطي إلى إعادة مناقشة العديد من القضايا الخلافية العالقة بين الحزبين لسنوات، من أجل تعزيز مكاسبه السياسية بعد خسارة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي لأغلبيته المطلقة، وحاجته إلى أحزاب أخرى لتشكيل حكومة ائتلافية، وعلى رأس تلك القضايا مطالب حزب التحالف الديمقراطي بإلغاء ممارسات حزب المؤتمر الوطني الإفريقي المتعلقة بتعيين الموظفين العموميين في المناصب العليا غير المنتخبة في القطاع العام من المنتمين للحزب، وهو ما يَعتبره طمسًا للحدود بين الحزب والدولة، وقد علَّل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي هذه الممارسات من أجل ضمان تنفيذ الموظفين العموميين أجندته السياسية بأمانة، وتنفيذ الاتجاه السياسي للحكومة، ونظرًا لأن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي لم يعد هو صاحب الأغلبية المطلقة فإن حزب التحالف الديمقراطي وغيره من الأحزاب السياسية سواء في الحكومة والمعارضة تسعى لوقف ممارسات التوظيف التي يتبناها حزب المؤتمر الوطني الإفريقي.([8])
ثانيًا: تداعيات انقسام حكومة الوحدة الوطنية:
أدَّى تصاعد الخلاف داخل حكومة الوحدة الوطنية الائتلافية إلى مجموعة من التداعيات المتمثلة فيما يلي:
1-التداعيات السياسية:
أ-من جانب حزب التحالف الديمقراطي:
فقد تقدّم إلى المحكمة للطعن في عملية التصويت على الإطار المالي للميزانية الوطنية الذي تم داخل البرلمان، مدعيًا أن العملية كانت معيبة من الناحية الإجرائية، بدعوى أن جلسة لجنة المالية البرلمانية لم تكن متوافقة مع القواعد المنظمة للهيئة التشريعية؛ حيث لم تُؤخَذ مقترحات جميع الأحزاب في الاعتبار وهو عيب قانوني أُحيل إلى الجمعية الوطنية، كما أضاف أن الصلاحيات الممنوحة لوزير المالية بفرض زيادة لضريبة القيمة المضافة غير دستورية، ليكون هذا هو التحدي القضائي الرابع أمام المحاكم الذي يتبنَّاه حزب التحالف الديمقراطي ضد تشريعات يسعى حزب المؤتمر الوطني الإفريقي لتنفيذها بما فيها قانون نزع الملكية والإصلاح الزراعي، وقانون التأمين الصحي الشامل؛ حيث وصفه حزب التحالف الديمقراطي بأنه قانون غير دستوري وباهظ التكلفة، فضلاً عن اعتراض الحزب على تعديلات قوانين التعليم، مدعيًا أنها سوف تؤثر على المدارس الناطقة باللغة الأفريكانية التي يهيمن عليها البيض.([9])
كما قام زعماء الحزب بعقد مجموعة من الاجتماعات لاتخاذ قرارات بشأن مدى بقائهم في حكومة الوحدة الوطنية أو الخروج منها، وحتى اللحظة لم يخرج حزب التحالف الديمقراطي من الحكومة، كما أنه ينتظر صدور قرار من المحكمة في القضية التي رفعها بخصوص قانون الميزانية، كما اتهم المتحدث باسم حزب التحالف الديمقراطي ويلي أوكامب، حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بأنه ارتكب مخالفات خطيرة، وأنه تجاوز الخطوط الحمراء، كما أشار عدد من زعماء الحزب أنهم يدرسون جميع الخيارات، ولن يتسرعوا في اتخاذ القرار، مضيفين أنهم يعلمون أن الانضمام إلى ائتلاف يتطلب تقديم تنازلات ولا يمكن تحقيق كل شيء، ولكن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي لا يستطيع تحقيق كل شيء أيضًا، متهمين إياه بأنه يرفض رفضًا قاطعًا تقاسم السلطة، ومن جانب “جون ستينهويزن” زعيم حزب التحالف الديمقراطي، والذي يتولى منصب وزير الزراعة في الحكومة الائتلافية؛ فقد أشار إلى أن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي منفصل عن عامة الشعب، وإذا قام قادة وزعماء الحزب بالنزول إلى محلات البقالة، واشتروا بقالتهم بأنفسهم سوف يدركون مدى غلاء المعيشة التي يعيشها الناس على أرض الواقع. ويرى البعض أن حزب التحالف الديمقراطي يسعى من خلال سياساته هذه إلى الحصول على دور أكبر في صنع السياسات الاقتصادية في جنوب إفريقيا، بعد أن فشل في تحقيق رؤيته في قوانين التأمين الصحي، وقوانين التعليم، كما أن زعماء حزب التحالف الديمقراطي يقولون: إنهم يريدون مناقشة تقاسم السلطة بصورة أكبر مع حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وأن ذلك نتيجة طبيعية لانتخابات 2024م التي خسر فيها حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الأغلبية المطلقة التي احتفظ بها منذ سقوط نظام الفصل العنصري. وأضاف زعماء الحزب أن الناخبين أرسلوا رسالة واضحة خلال الانتخابات الماضية مفادها أن حكم الحزب الواحد قد انتهى، ولا يحق لأيّ حزب أن يُملي على الباقين اتجاه سياساتهم؛ حيث يرى حزب التحالف الديمقراطي أن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي يريد فرض شروطه عليهم كما لو كان قد فاز في الانتخابات، ويريد من شركائه في الحكومة الائتلافية دعمه، مضيفين أن جنوب إفريقيا بحاجة إلى حقبة من الحكم المشترك مبنية على تنفيذ إصلاحات جريئة داعمة للنمو، وتوفر فرص عمل وتعيد الاستقرار المالي للبلاد.([10])
ب- من جانب حزب المؤتمر الوطني الإفريقي:
فقد انتقد موقف حزب التحالف الديمقراطي؛ حيث قام مدوميسيني نتولي زعيم المجموعة البرلمانية لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي باتهام حزب التحالف الديمقراطي بالخيانة الكاملة؛ بسبب انفصاله عن شركائه في حكومة الوحدة الوطنية، مضيفًا أنه لا يعلم ما هو مستقبل حزب التحالف الديمقراطي داخل التحالف، معلنًا أن حكومة الوحدة الوطنية لا تزال قائمة؛ في إشارة إلى أن الأحزاب الأخرى في الحكومة الائتلافية لا تزال متمسكة بها.
كما انتقد فينسنت ماجوينيا المتحدث باسم الرئيس سيريل رامافوزا موقف حزب التحالف الديمقراطي قائلاً: “لا يمكنك أن تكون جزءًا من حكومة تعارض إقرار ميزانيتها”؛ حيث صوَّت حزب التحالف الديمقراطي ضد الميزانية بجانب اثنين من أكبر أحزاب المعارضة، وهما حزب رمح الأمة MK)) بزعامة الرئيس السابق جاكوب زوما، وحزب مقاتلي الحرية الاقتصادية (EFF) بزعامة جوليوس ماليما، رغم أن هذين الحزبين يدعوان إلى تأميم القطاعات الرئيسية للاقتصاد، وهما عدوان لدودان لحزب التحالف الديمقراطي المؤيد لحرية الأعمال التجارية، لكن هذه الأحزاب الثلاثة اتحدت في معارضتها لزيادة ضريبة القيمة المضافة، معتقدة أنها سوف تؤثر على الفقراء بشدة.([11])
وفي ذات السياق، انتقد الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي فيكيلي مبالو سلوك حزب التحالف الديمقراطي داخل حكومة الوحدة الوطنية، لتعامله المزدوج داخل الحكومة، وتصرُّفه بسوء نية وخداع، ولجوئه للتفاوض مع شريكه الرئيسي في الحكومة، وهو ما يُقوِّض فكرة الحكم الجماعي، مشيرًا إلى أن حزب التحالف الديمقراطي عمل كقوة معارضة داخل الحكومة بعد معارضته للعديد من التشريعات الرئيسية، وعلى رأسها قانون نزع الملكية، وقانون التأمين الصحي الوطني، ومشروعات تعديل قوانين التعليم الأساسي، منتقدًا أيضًا لموقفه الرافض لزيادة ضريبة القيمة المضافة، رغم أن الوزراء المنتمين لحزب التحالف الديمقراطي سيستفيدون من نفس مخصصات الميزانية التي رفضوها، وأضاف أن الحزب متمسك بحكومة الوحدة الوطنية مع استمرار المفاوضات لمعالجة المأزق المتعلق بالميزانية، نافيًا وجود خطة لطرد حزب التحالف الديمقراطي من حكومة الوحدة الوطنية، مؤكدًا على أهمية إعادة بناء الثقة بين أحزاب الائتلاف الحاكم، وضمان أن يكون لكل شريك في الحكومة صوت، على أن يكون هناك قواعد تحكم وتضبط عمل حكومة الوحدة الوطنية وليس فقط حسن النية، ورغم تصريحاته هذه فقد أكد أن إعادة ضبط الأمور لا تعني التنازل عن مبادئ حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، بل إن الحزب سيظل ثابتًا على أجندته السياسية الأساسية بما فيها مبادراته البارزة كبرنامج الصحة الوطني، وقانون الإصلاح الزراعي، مع استمرار الانخراط في حوار فعَّال وشامل لضمان استفادة جميع مواطني جنوب إفريقيا من الإصلاحات.([12])
كما أن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي دافع عن زيادة ضريبة القيمة المضافة المحددة بنسبة 0.5% هذا العام، و0.5% العام المقبل 2026م، بوصفها ضرورية لزيادة الإيرادات، وتمويل الخدمات العامة وعلى رأسها الصحة والتعليم؛ حيث سيوفر زيادة ضريبة القيمة المضافة نحو 75 مليار راند، أي ما يعادل 4 مليارات دولار على مدى ثلاث سنوات، وخلال المناقشات حثت رابطة المحاربين القدامى في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي على النظر بواقعية للإصلاحات المالية، محذرة من أن إلغاء زيادة ضريبة القيمة المضافة دون وجود مصادر دخل بديلة من شأنه أن يؤدي إلى اتخاذ تدابير تقشف كبرى بما فيها خفض التوظيف في قطاعات الشرطة، والرعاية الصحية، والقطاع العام، مؤكدين على أن عملية تحسين تحصيل الضرائب وتقليص فاتورة الأجور من الحلول المهمة، لكن مسألة زيادة ضريبة القيمة المضافة أصبحت مسألة حتمية، داعين كذلك إلى إعادة هيكلة مؤسسات الدولة بشكل عاجل، وتقليص الوزارات وإصلاح الشركات المملوكة للدولة، ومكافحة الفساد.([13])
ونظرًا لاستمرار حالة الانقسام فقد قام حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بعقد مجموعة من الاجتماعات مع الأحزاب السياسية الرافضة لقانون الميزانية الوطنية، وذلك من أجل رأب الصدع والحفاظ على حكومة الوحدة الوطنية؛ حيث أعلن الحزب عن تفاؤله بأن الأحزاب داخل حكومة الوحدة الوطنية سوف تصل إلى أرضية مشتركة، في ظل استمرار المناقشات والمفاوضات حول مأزق الميزانية، وقد قام حزب المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC) بعقد مجموعة من الاجتماعات مع حزب التحالف الديمقراطي (DA)، وحزب جبهة الحرية بلس ((FF+، وهما حزبان من الأحزاب المكونة للحكومة، وحزب مقاتلي الحرية الاقتصادية (EFF)، وهو من أحزاب المعارضة.
وقد وصف حزب المؤتمر الوطني الإفريقي المفاوضات بأنها قوية وبنَّاءة، وخاصةً مع حزب التحالف الديمقراطي؛ حيث كانت اللجنة التنفيذية الفيدرالية لحزب التحالف الديمقراطي قد قامت بتعيين فريق تفاوضي للتفاوض مع حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، والتقى الوفدان في جوهانسبرج، وبحسب التصريحات المعلنة فقد تحدث الجانبان عن ضرورة الوصول لحل لمأزق الميزانية، وتعزيز التعاون بين الطرفين في إطار حكومة الوحدة الوطنية، كما أكَّد حزب التحالف الديمقراطي على موقفه من مسألة زيادة ضريبة القيمة المضافة، رافضًا لها في ظل غياب إصلاح جادّ من شأنه تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل، مضيفًا أن الحزب ملتزم بإيجاد حلول تخدم المصالح العليا لشعب جنوب إفريقيا، سواء ما يخص مسألة الميزانية أو تعزيز حكومة الوحدة الوطنية.([14])
ومن جانبه، فقد أعلن المتحدث باسم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي أنه سيواصل التعاون مع جميع شركاء حكومة الوحدة الوطنية، والمجتمع المدني، وأصحاب المصلحة الآخرين، من أجل الحفاظ على استقرار الحكومة، مع وضع مصلحة جنوب إفريقيا في قلب جميع قراراتها.
ورغم هذه المفاوضات المستمرة وإعلان حزب المؤتمر الوطني الإفريقي عن أنه ملتزم بالتمسك بحكومة الوحدة الوطنية رغم الخلاف حول الميزانية الوطنية، إلا أنه لا تزال الشكوك مستمرة حول مستقبل تماسك حكومة الوحدة الوطنية، وذلك خوفًا من عدم تقديم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي لتنازلات كبيرة، رغم مهارته ومرونته في المفاوضات وعقد الصفقات إلا أنه كان قد قدَّم العديد من التنازلات سابقًا، وخاصةً لصالح الفصائل الأفريكانية التي كانت تُهدِّد بعرقلة الديمقراطية في جنوب إفريقيا، وكذلك نظرًا لوجود سوء نية لدى بعض الأحزاب التي تتفاوض مع حزب المؤتمر الوطني الإفريقي فقد تفشل المفاوضات وتسقط الحكومة، فمثلاً نجد أن أساس الخلاف هو قانون الإطار المالي للميزانية الوطنية، لكن حزب التحالف الديمقراطي استغل الوضع للمساومة على قضايا أخرى كان يشكو منها مثل قانون نزع الملكية وغيره من قضايا.
ج- من جانب أبرز الأحزاب السياسية الأخرى:
فقد أيَّدت الأحزاب السياسية الصغيرة داخل الحكومة الائتلافية رؤية حزب المؤتمر الوطني الإفريقي المتعلقة بالميزانية، وقامت بدعمه في التصويت لصالحها وعلى رأسها ثالث أكبر حزب في الحكومة الائتلافية حزب إنكاثا للحرية (IFP)، مما يشير إلى نهاية التحالف الذي شكَّله مع حزب التحالف الديمقراطي في الفترة التي سبقت الانتخابات من أجل إبعاد حزب المؤتمر الوطني عن البقاء في السلطة دون جدوى، كما أن هناك حزبين من خارج الحكومة الائتلافية دعمت تمرير الميزانية، وهما حزب بناء جنوب إفريقيا الواحدة (BOSA)، وحزب Action SA))، في حين أن حزب جبهة الحرية بلس ((FF+ الذي هو جزء من الحكومة الائتلافية، ولديه ستة مقاعد في البرلمان قد صوَّت ضد الإطار المالي للميزانية منحازًا لرأي حزب التحالف الديمقراطي، كما أن العديد من أحزاب المعارضة الأخرى رفضت زيادة ضريبة القيمة المضافة؛ مدعية أنها سوف يتحملها الفقراء مما يزيد من فقرهم.([15])
وكذلك فإن حزب Action SA)) رغم دعمه لتمرير الإطار المالي للميزانية إلا أنه أعلن عن وجود اتفاق ضمني مع حزب المؤتمر الوطني الإفريقي يقضي بسحب زيادة ضريبة القيمة المضافة خلال 27 يومًا، مع البحث عن طرق بديلة لزيادة الإيرادات الحكومية، رغم أنها ستدخل حيّز التنفيذ بحلول الأول من شهر مايو المقبل، معلنًا عن تحميل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي المسؤولية إذا لم يُنفّذ اتفاقه معه، مهددًا بأنه إذا لم يلتزم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بتعهُّده فلن يتم دعمه في مشاريع القوانين المالية التي سيتم التصويت عليها الفترة المقبلة؛ حيث إن الإطار المالي الذي تم إقراره الأسبوع الماضي ما هو إلا الخطوة الأولى في مشروع قانون الميزانية، بما فيها مشروع القانون المتعلق بالضرائب، ورغم أن حزب Action SA)) كان قد أعلن سابقًا عن أنه سوف يُعيد النظر في قراره بالانضمام إلى حكومة الوحدة الوطنية إذا خرج منها حزب التحالف الديمقراطي، إلا أن موقفه قد تغيَّر لاحقًا؛ حيث صرَّح “مايكل بومونت” زعيم الحزب أن حزبه غير راغب في الانضمام إلى حكومة الوحدة الوطنية حتى لو تم توجيه دعوة إليه بعد دعمه المشروط للميزانية مؤخرًا في البرلمان.([16])
ويأتي ذلك في الوقت الذي تتوقع فيه بعض أحزاب المعارضة حصول حزب Action SA))، وحزب (BOSA)، وحزب رايز مزانسيRISE) ) على مقاعد وزارية في حالة حدوث تعديل وزاري أو تشكيل حكومة ائتلافية جديدة كمكافأة لهذه الأحزاب الثلاثة على دعمها لرؤية حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في تمرير الإطار المالي للميزانية داخل البرلمان، كما أن حزب (BOSA) هو الآخر رغم تصويته الداعم للإطار المالي إلا أن زعيم الحزب صرح بأنه يبحث عن سُبُل قانونية لإلغاء هذه الزيادة، متطلعًا إلى وضع إطار مالي مُنقَّح أو حدوث تدخُّل تشريعي، محذرًا من الحلول القائمة على فكرة التقشف؛ لأن البلاد تحتاج خطة للنمو، وليس مجرد خفض للإنفاق، ولا يزال حزب المؤتمر الوطني الإفريقي مستمرًّا في مفاوضاته مع جميع الأحزاب السياسية من أجل الوصول إلى حلّ وسط لمنع انهيار الحكومة، وتخفيف حدة المعارضة لسياساته.([17])
2-التداعيات الاقتصادية:
لقد أدَّى تصاعد الانقسام داخل حكومة الوحدة الوطنية واحتمال تفككها إلى حدوث مجموعة من التداعيات الاقتصادية السلبية؛ حيث أثار ذلك الاحتمال قلق المستثمرين، وأثَّر سلبًا على قيمة العملة المحلية الراند؛ حيث انخفض الراند بنسبة 2.3% يوم التصويت على الموازنة، مسجلًّا أدنى انخفاض يومي له على الإطلاق منذ أغسطس 2023م، وذلك نتيجة لمخاطر انهيار الحكومة الائتلافية الحاكمة المؤيدة لاقتصاد السوق وقطاع الأعمال، واهتزاز الثقة في حالة الاستقرار المالي في البلاد، بجانب تأثر قيمة الراند سلبًا بسبب الحرب التجارية التي يشنّها الرئيس الأمريكي من خلال فرضه رسومًا جمركية جديدة على الاقتصادات الكبرى المنافسة للولايات المتحدة، وكذلك انخفض مؤشر بورصة جوهانسبرج لأفضل 40 شركة بنسبة 2% عند افتتاحه، وكذلك انخفض سعر سندات الحكومة المرجعية لعام 2030م، كما أن جلسات التداول كانت متقلبة للغاية، ولا يوجد علامات على أن هذا التقلب سينتهي في ظل استمرار حالة الانقسام داخل الحكومة، رغم محاولات طمأنة المستثمرين وتهدئة مخاوف الشركات من احتمالات الانهيار المحتمل للحكومة التي تشكلت قبل أقل من عام.([18])
وخوفًا من تفاقم التداعيات الاقتصادية السلبية نتيجة لتفكك الحكومة، وزيادة ضريبة القيمة المضافة فقد انتقد بعض الخبراء في جنوب إفريقيا موقف حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، مدعين أنه اتخذ الخيار الأكثر كسلاً من خلال اقتراح زيادة ضريبة القيمة المضافة، والتي سوف تؤثر على السكان بأكملهم، وتزيد من ارتفاع تكاليف المعيشة، وارتفاع معدلات البطالة، مما يزيد من حدة التوترات الاجتماعية، ويرفع معدلات الجريمة في البلاد، ويرى البعض أنه كان من الممكن استهداف أغنى شريحة من السكان من خلال فرض ضريبة الثروة عليهم بدلاً من زيادة ضريبة القيمة المضافة. كما أشار خبير آخر إلى أن الميزانية الوطنية تمثل حماقة؛ لأن وزير المالية كرر العديد من الوعود القديمة بتعزيز النمو الاقتصادي، وخلق فرص عمل في بلد يبلغ معدل البطالة فيه أكثر من 30%، في الوقت الذي انخفض فيه معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد باستمرار على مدار السنوات الثلاثة الماضية؛ حيث لم يتجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي نسبة 1%، ولذلك من المهم وضع خطة لجذب الاستثمارات ومنع هجرة الاستثمار الأجنبي المباشر.([19])
ثالثًا: السيناريوهات المستقبلية لحكومة الوحدة الوطنية:
السيناريو الأول: تماسك حكومة الوحدة الوطنية:
ففي حالة نجاح المفاوضات التي يقوم بها حزب المؤتمر الوطني الإفريقي مع الأحزاب الرافضة لزيادة ضريبة القيمة المضافة داخل الحكومة الائتلافية، وذلك من خلال عقد صفقات سياسية معها تنطوي على تقديم تنازلات في قضايا أخرى تحقق رغبات هذه الأحزاب أو حتى إقناعها بتمرير مشروع قانون الميزانية الوطنية بصورة كاملة، والتغاضي عن زيادة ضريبة القيمة المضافة، وقانون الإطار المالي، وكسر الجمود المتعلق بهذه القضايا الخلافية، وتقديم المصلحة الجماعية لحكومة الوحدة الوطنية على المصالح السياسية الضيقة والأجندات الفردية لكل حزب من أحزاب الائتلاف الحاكم، فيمكن أن تستمر وتتماسك هذه الحكومة، وتنتهي العقبات والانقسامات التي تُهدّد بسقوطها وانهيارها، بل من الوارد أن يتنازل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، ويتراجع عن فكرة زيادة ضريبة القيمة المضافة؛ نتيجةً للضغوط التي تمارس عليه مقابل الحفاظ على حكومة الوحدة الوطنية ومنع انهيارها، كما أنه من مصلحة حزب التحالف الديمقراطي البقاء في حكومة الوحدة الوطنية؛ لأن انسحابه منها سيشكل انتصارًا باهظ الثمن لصالح حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الذي تَحظى حكومته الائتلافية بدعم قطاع الأعمال والشركات الكبرى وأسواق الأموال، وهو ما سيجعل حزب التحالف الديمقراطي يخسر غطاءه التسويقي في وقتٍ يعاني فيه الاقتصاد نتيجة تباطؤ النمو، وتداعيات الحرب التجارية التي تشنّها الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن انسحاب الحزب من التحالف سيجعل قادة الحزب يخسرون السلطات التي يتمتعون بها داخل الحكومة الائتلافية، فضلاً عن خسارتهم لمقاعدهم الوزارية الستة التي يتولون مسؤوليتها، ويمكن أن يستخدمها الحزب مستقبلًا في حال تحقيق نجاحات في إدارتها لإظهار سجل إنجازاته أمام الناخبين في الانتخابات القادمة، وكذلك يرى بعض قيادات الحزب أنه يجب أن يحافظ على بقائه في الحكومة من أجل تعزيز نفوذه أمام قرارات الحكومة، بينما يرى فصيل داخل الحزب أنه يجب على الحزب الانسحاب من الحكومة لإعادة تأكيد هوية الحزب المستقلة، لكن يرى آخرون أن عملية خروجه من التحالف سيجعله يخسر العديد من المكاسب التي حققها بدخوله في الحكومة الائتلافية، لكن في نفس الوقت نظرًا لتعمق الخلاف بينه وبين حزب المؤتمر الوطني الإفريقي فإن بقاءه في الحكومة أشبه بفكرة الزواج التعيس بين طرفين غير راضيين عن بعضهما البعض، ولا تجمعهم سوى المنافع المتبادَلة، دون أن يشعر أيّ منهم بالسعادة من وجود الطرف الآخر.([20])
السيناريو الثاني: انهيار حكومة الوحدة الوطنية:
وهذا السيناريو من المقرر أن يحدث في حالة انسحاب حزب التحالف الديمقراطي من الحكومة الائتلافية طواعية أو طرده منها مِن قِبَل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وبالتالي انضمامه إلى أحزاب المعارضة؛ حيث يمتلك حزب التحالف الديمقراطي 87 مقعدًا من مقاعد الجمعية الوطنية البالغ مجموع مقاعدها 400 مقعد، وفي حالة تركه للحكومة الائتلافية ستؤدي هذه الخطوة إلى تقليص الائتلاف الحاكم إلى 200 عضو في البرلمان، وذلك في حالة عدم انسحاب أيّ حزب من باقي الأحزاب الثمانية المنخرطة في الحكومة، وفي هذه الحالة سوف يلجأ حزب المؤتمر الوطني الإفريقي إلى عقد تحالف جديد مع الأحزاب السياسية الأخرى من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من التشتُّت داخل المشهد السياسي، ويمكن أن يتحالف حزب المؤتمر الوطني الإفريقي مع بعض الأحزاب السياسية الصغرى مثل حزب Action SA)) الفائز بستة مقاعد في الجمعية الوطنية، وحزب (BOSA) الفائز بمقعدين في الجمعية الوطنية، وبالتالي تشكيل حكومة ائتلافية بعدد 208 مقاعد، كما يمكن كذلك أن يتحالف حزب المؤتمر الوطني الإفريقي مع بعض الأحزاب اليسارية لتشكيل حكومة ائتلافية جديدة مثل حزب مقاتلي الحرية الاقتصادية (EFF) الذي فاز بعدد 39 مقعدًا في الجمعية الوطنية، لكنَّه قد يتصادم مع بعض الأفكار والسياسات التي يتبناها هذا الحزب الذي يتزعمه جوليوس ماليما، مما يُشكِّل خطرًا جديدًا على حزب المؤتمر الوطني الإفريقي نفسه وعلى الحكومة المشكلة نتيجة هذا التحالف؛ حيث ستكون حكومة غير مستقرة، وأخيرًا ستحدد المفاوضات والمناقشات الجارية الآن مسار ومستقبل حكومة الوحدة الوطنية الحالية، وستظهر الأيام المقبلة أي سيناريو يمكن أن يكتب له النجاح من السيناريوهات السابقة.([21])
……………………………..
([1])-Tannur Anders ; ” Which parties make up South Africa’s unity government? “، at، https://www.reuters.com/world/africa/which-parties-make-up-south-africas-unity-government-2024-06-24، 24/6/2024.
([2])-Mathias Hammer ; ” SAfrica passes contentious budget without ANC securing top coalition partner’s support “، at، https://www.semafor.com/article/04/02/2025/south-africa-passes-contentious-budget-without-anc-securing-top-coalition-partners-support، 2/4/2025.
([3])-Khanyisile Ngcobo ; ” South Africa in ‘uncharted waters’ as budget splits coalition government “، at، https://www.bbc.com/news/articles/cd92z3823qyo، 13/3/2025.
([4])-Emsie Ferreira ; ” Godongwana clings to VAT increase but halves initial proposal “، at، https://mg.co.za/business/2025-03-12-godongwana-clings-to-vat-increase-but-halves-initial-proposal، 12/3/2025.
([5])-Sam Mkokeli ; “The power struggle behind South Africa’s budget delay “،at، https://www.semafor.com/article/04/01/2025/the-power-struggle-behind-south-africas-budget-delay، 1/4/2025.
([6])-Terence Creamer ; ” Cabinet to consider new Economic Growth Plan, as it mulls including gas in Operation Vulindlela “، at، https://www.engineeringnews.co.za/article/cabinet-to-consider-new-economic-growth-plan-as-it-mulls-gas-insertion-to-operation-vulindlela-2025-03-27، 27/3/2025.
([7])-Alpha Ramushwana ; ” GNU parties need to put political interests aside to break budget deadlock – Analysts “، at، https://www.ewn.co.za/2025/04/13/gnu-parties-need-to-put-political-interests-aside-to-break-budget-deadlock-analysts، 13/4/2025.
([8])-Vinothan Naidoo ; ” The constitutionality of cadre deployment is a symptom of a bigger problem “، at، https://www.dailymaverick.co.za/article/2024-04-18-constitutionality-of-cadre-deployment-symptom-of-a-bigger-problem، 18/4/2024.
([9])-Sam Mkokeli ; ” South Africa’s coalition in jeopardy as budget row deepens “، at، https://www.semafor.com/article/04/03/2025/south-africas-coalition-in-jeopardy-as-budget-row-deepens، 3/4/2025.
([10])-Farouk Chothia ; ” Is South Africa’s coalition government about to fall apart? “، at، https://www.bbc.com/news/articles/cy70d2504r3o، 3/4/2025.
([11])-Ferial Haffajee ; ” GNU 2.0 loading — ‘You can’t be part of a government whose Budget you opposed,’ says Presidency “، at، https://www.dailymaverick.co.za/article/2025-04-02-gnu-2-0-loading-you-cant-be-part-of-a-government-whose-budget-you-opposed-says-presidency، 2/4/2025.
([12])-Nellie Peyton ; ” South Africa’s ANC committed to coalition despite budget disagreements “، at، https://www.reuters.com/world/africa/south-africas-anc-hold-more-talks-with-coalition-partners-over-budget-2025-04-08، 8/4/2025.
([13])-Thabo Makwakwa ; ” DA loses negotiating power in GNU as ANC stands firm on VAT increase “، at، https://www.iol.co.za/news/politics/da-loses-negotiating-power-in-gnu-as-anc-stands-firm-on-vat-increase-6d9aeced-27ca-4210-9a3b-7904beac519c، 9/4/2025.
([14])-Alpha Ramushwana ; ” Discussions around ongoing budget deadlock set to resume this week “، at، https://www.ewn.co.za/2025/04/14/discussions-around-ongoing-budget-deadlock-set-to-resume-this-week، 14/4/2025.
([15])-Lindsay Dentlinger ; ” ActionSA threatens to abandon agreement if ANC doesn’t withdraw VAT hike “، at، https://www.ewn.co.za/2025/04/08/actionsa-threatens-to-abandon-agreement-if-anc-doesn-t-withdraw-vat-hike، 8/4/2025.
([16])-Queenin Masuabi ; ” ActionSA prefers GNU overhaul as VAT hike threatens stability “، at، https://sundayworld.co.za/politics/actionsa-prefers-gnu-overhaul-as-vat-hike-threatens-stability، 13/4/2025.
([17])-Boitumelo Kgobotlo، ” ANC, ActionSA meet over budget deadlock, avoid GNU topic “، at، https://sundayworld.co.za/politics/anc-actionsa-meet-over-budget-deadlock-avoid-gnu-topic، 9/4/2025.
([18])-Tannur Anders ; ” South African rand hits record low on new tariffs and coalition risk “، at، https://www.reuters.com/markets/currencies/south-african-rand-near-record-low-tariff-war-coalition-friction-2025-04-09، 9/4/2025.
([19])-Ralph Mathekga ; ” South Africa’s growth falters as policy issues mount “، at، https://www.gisreportsonline.com/r/south-africa-budget، 8/4/2025.
([20])-Sam Mkokeli ; ” South Africa’s ANC seeks coalition ‘reset’ amid budget row “، at، https://www.semafor.com/article/04/08/2025/south-africas-anc-seeks-coalition-reset-amid-budget-row، 9/4/2025.
([21])-Paul Vecchiatto ; “South Africa Coalition at Risk After Parliament Backs Budget Law “، at، https://www.bloomberg.com/news/articles/2025-04-02/south-african-parliament-approves-budget-law-testing-alliance، 2/4/2025.