الأفكار العامة
- رَصْد حصيلة السنة الأولى للثنائي فاي-سونكو على سُدَّة الحكم في السنغال بين الإنجازات والوعود بالمزيد.
- أولويات السلطات الجديدة تتمثل في مكافحة الفساد، وخفض تكاليف المعيشة، وتحقيق السيادة الاقتصادية والنقدية، وإصلاح منظومة العدالة، والقطيعة مع الماضي، وإنعاش السياسات العامة، ومكافحة البطالة.
- اتخاذ التدابير والمبادرات الجريئة في مكافحة الفساد، وتعزيز أُسُس الحوكمة الرشيدة والمساءلة.
- تدابير السلطات، على غرار تخفيض أسعار السلع الأساسية لاحتواء الغلاء المعيشي، تصطدم بواقع السوق.
- أطلق الرئيس “فاي” عمليات تدقيق في قطاعات رئيسية مثل النفط والغاز والتعدين، وفي الحسابات العامة للوزارات بهدف تعزيز الشفافية.
- إعادة التفاوض في عقود الطاقة، والشروع في مشاريع الغاز، وطي عقد صيد السمك مع الاتحاد الأوروبي، وغيرها من تدابير حماية مصلحة البلاد والصيادين المحليين.
- وبينما يرى مؤيدو الثنائي في التدابير والمبادرات بأنها واعدة، يرى المناوئون بأن العدالة ذات ازدواجية المعايير.
بقلم: عثمان باديان
ترجمة: سيدي. م. ويدراوغو
في الثاني من أبريل 2024م، أي قبل عام تقريبًا، أدى باشيرو ديوماي فاي اليمين الدستورية رسميًّا كخامس رئيس لجمهورية السنغال بعد انتخابه في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 24 مارس 2024م، بحصوله على ما يزيد قليلاً عن 54% من الأصوات. وكانت هذه بداية عهد جديد بالنسبة للسنغال، التي أوصلت إلى السلطة أصغر رئيس دولة في تاريخها.
وألقى رئيس الدولة الشابّ، الذي أدى اليمين الدستورية أمام جمهور من الزعماء من المنطقة الجغرافية، خطابه الافتتاحي الذي حدَّد فيه رؤيته وأولوياته لفترة ولايته الممتدة لخمس سنوات.
وتصدّرت في خطابه بشكل بارز قضايا مكافحة الفساد، وخفض تكاليف المعيشة، وتحقيق السيادة الاقتصادية والنقدية، وإصلاح منظومة العدالة، فضلاً عن إصلاح السياسات العامة ومكافحة البطالة بين الشباب.
ولتلبية تطلعات الشعب السنغالي؛ وعد باشيرو ديوماي فاي -الذي جاء إلى السلطة تحت وصاية زعيمه السياسي عثمان سونكو، الذي أصبح رئيس وزرائه- بحكم يقوم على القطيعة مع الماضي، وتحقيق العدالة الاجتماعية تحت ختم الثلاثية الولوفية -اللغة الأكثر انتشارًا في السنغال- “جوب، جوبال، جوبانتي”، والتي يمكن ترجمتها بـ”النزاهة والشفافية والإصلاح”.
وبعد مرور عام على توليه منصبه، تُسلِّط “بي بي سي إفريقيا” الضوء على العام الأول للرئيس السنغالي في السلطة.
القرارات الرئيسية والإعلانات القوية
نتيجة فوزه بأكثر من 54% من الأصوات؛ تم إعلان فوز الرئيس الجديد باشيرو ديوماي فاي في الانتخابات الرئاسية، والذي جاء بناء على وعود بتغييرات كبيرة، وخصوصًا في الجوانب الاجتماعية وتعزيز فرص العمل.
وقد صرَّح الرئيس الشاب بأنه يدرك الرغبة العميقة في التغيير لدى مواطنيه، والذي عاش الـ12 شهرًا الأولى مشحونة محليًّا ودوليًّا.
اتخذ ديوماي فاي، الذي انتُخِبَ لولاية مدتها خمس سنوات (2024- 2029م)، عدة مبادرات تهدف إلى تحويل السنغال إلى “دولة ذات سيادة وعادلة ومزدهرة ومتجذرة في القيم القوية”.
منذ الأسابيع الأولى من ولايته، أظهر الزعيم السنغالي الجديد رغبة في القطيعة مع الماضي، والعمل الجاد، ومضاعفة التدابير والجهود، بأسلوب مختلف عن سلفه “ماكي سال”.
الاقتصاد والتدابير الاجتماعية
لطالما كان انخفاض أسعار المواد الغذائية الأساسية أحد الإجراءات الأكثر ترقبًا من جانب السنغاليين منذ تولي “باشيرو جوماي فاي” السلطة.
في يونيو، أعلنت الحكومة عن خفض أسعار السلع الأساسية مثل الخبز والزيت والسكر، مما يُلبِّي توقعات السكان من غلاء المعيشة.
في الأسابيع والأشهر التي تلت ذلك، تغلبت حقيقة السوق على رغبة النظام الجديد في خفض أسعار السلع الاستهلاكية.
وقد أدَّت صعوبة إنفاذ هذا الانخفاض في الأسعار مِن قِبَل التجار إلى العودة إلى الوضع الأصلي والمضاربة على بعض السلع الأساسية.
مكافحة الفساد والحوكمة
في الأسابيع الأولى من رئاسته؛ أطلق الرئيس “فاي” عمليات تدقيق في قطاعات رئيسية مثل النفط والغاز والتعدين، وكذلك في الحسابات العامة للوزارات، مؤكدًا التزامه بتعزيز الشفافية ومواجهة الفساد.
مشاريع النفط والغاز الكبرى
أطلقت السنغال مشاريع مثل حقل سانغومار النفطي، ومشروع الغاز جراند تورتو أحميم(GTA) ، والذي تتقاسمه مع موريتانيا. وتهدف هذه المبادرات إلى زيادة الإنتاج الوطني من الهيدروكربونات.
بدأت البلاد بتكرير نفطها بنفسها، بإنتاج أولي يبلغ 90 ألف طن. ويهدف هذا النهج إلى تعزيز أمن الطاقة وتقليل الاعتماد على الواردات من المنتجات البترولية النهائية.
إعادة التفاوض على عقود الطاقة
قامت الحكومة بقيادة عثمان سونكو بإعادة التفاوض على جميع عقود النفط والغاز والتعدين التي وقَّعتها الحكومة السابقة؛ للحصول على عوائد أفضل للبلاد. وتثير هذه المبادرة مخاوف بشأن التأثير المحتمل على جاذبية السنغال للمستثمرين الأجانب.
ومن خلال اعتماد هذه التدابير؛ تهدف السنغال إلى تحويل مواردها من النفط والغاز إلى روافع للتنمية، مع ضمان وجود الإدارة المسؤولة التي تعود بالنفع على المواطنين.
عدم تجديد اتفاقيات الصيد
بعد انتهاء اتفاقية الشراكة في مجال مصايد الأسماك المستدامة في نوفمبر الماضي، والتي ربطت السنغال بالاتحاد الأوروبي لمدة خمس سنوات، قررت السلطات السنغالية عدم تجديد هذه الاتفاقية، مما أثار ارتياح الصيادين السنغاليين، الذين يواجهون منافسة من السفن الأجنبية وانخفاض موارد مصايد الأسماك.
المالية العامة في المنطقة الحمراء
أبرزت عملية الانتقال بين نظامي ماكي سال (2012 – 2024م)، وباشيرو جوماي فاي (منذ مارس 2024م) اختلافات كبيرة في إدارة وشفافية المالية العامة. وتشير الأرقام الموروثة من النظام السابق إلى خلل مالي ووضع اقتصادي سيئ.
في عهد ماكي سال (أبريل 2012 – مارس 2024م)، بلغ الدَّيْن العام 76% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024م، أو ما يقرب من 14800 مليار فرنك إفريقي، مما يثير المخاوف بشأن الاستدامة المالية للبلاد. وتشير الأرقام الرسمية إلى عجز في الميزانية بنحو 5% في عام 2023م.
وتواجه السنغال، في عهد الرئيس باشيرو جوماي فاي (منذ أبريل 2024م)، تباطؤًا في النمو الاقتصادي وعجزًا متزايدًا في الميزانية.
وكشفت مراجعة المالية العامة التي كلفت بها الحكومة الجديدة أن عجز الموازنة لعام 2023م تجاوز في الواقع 10%، وأن الدَّيْن العام بلغ 99.67% من الناتج المحلي الإجمالي، أو 18.558.91 مليار فرنك إفريقي.
واستجابة لهذه النتائج، أجرت الحكومة تعديلات على الميزانية، بما في ذلك خفض الإيرادات المخطط لها إلى 4075 مليار فرنك إفريقي، وزيادة الإنفاق العام إلى 6437 مليار فرنك إفريقي، مما أدى إلى خفض العجز إلى 11.6% من الناتج المحلي الإجمالي.
رؤية “السنغال 2050”
تم إطلاق هذه الخطة الطموحة في أكتوبر 2024م، والتي تستهدف تحقيق نمو سنوي بنسبة 6.5%، وخفض عجز الموازنة إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي، ومضاعفة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050م.
وفي كلمته التي قدم فيها هذه الأجندة الجديدة للتحول الاقتصادي والاجتماعي؛ أشار الرئيس “بسيرو جوماي فاي” إلى أن الاقتصاد السنغالي” ظل لفترة طويلة مُحاصَرًا في نموذج استغلال المواد الخام دون التنمية المحلية أو التحويل”.
لقد خصصنا وقتًا لتشخيص الخلل في نظامنا بدقة، وللتشاور والتحليل، والأهم من ذلك، لصياغة حلول فعّالة لتحقيق تحوُّل جذري. هذا الإطار هو خارطة طريقنا للسنوات الخمس والعشرين القادمة، مقسمة إلى إستراتيجيات تمتد لخمس وعشر سنوات، مما يسمح لنا بقياس جهودنا وتعديلها وتحسينها آنيًّا.
ونتيجة للتناقضات الميزانية التي تم اكتشافها، تم تعليق برنامج القروض البالغة 1.8 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي، والذي تم الاتفاق عليه مبدئيًّا في يونيو 2023م، في انتظار تصحيح المخالفات التي تم تحديدها.
الاقتصاد المتعثر: أزمة في قطاع البناء
منذ انتخاب الرئيس باشيرو جوماي فاي في مارس 2024م، يشهد قطاع البناء والأشغال العامة في السنغال أزمة كبيرة، بسبب تعليق المشاريع العقارية، وانخفاض الطلب على الإسمنت، والصعوبات المالية التي تواجهها الدولة.
علاوة على ذلك، تقوم الدولة بتراكم الديون غير المسددة على الشركات الخاصة في قطاع البناء. ويبلغ الدَّيْن المحلي أكثر من 300 مليار فرنك إفريقي، وفقًا لاتحاد مقاولي البناء والأشغال العامة.
انخفاض إنتاج واستهلاك الإسمنت:
وفي الربع الرابع من عام 2024م، انخفض إنتاج الإسمنت بنسبة 9.3%، ويرجع ذلك أساسًا إلى انخفاض الطلبات الخارجية بنسبة 26.8%. وانخفض الطلب المحلي أيضًا بنسبة 5.4%، نتيجة توقُّف العديد من مشاريع البناء في مختلف أنحاء البلاد.
تعليق المشاريع وتراكم الفواتير غير المدفوعة:
أوقفت الحكومة مشاريع البناء في المناطق الحساسة، وخاصةً على ساحل داكار، من أجل تنظيم تخصيص الأراضي.
ورغم أن هذا الإجراء يهدف إلى إرساء إدارة أفضل للأراضي، إلا أنه أدى إلى شلّ العديد من مواقع البناء، مما يُعرِّض آلاف الوظائف في هذا القطاع للخطر.
وتُوظّف صناعة البناء ما بين 500 ألف و600 ألف شخص في السنغال. ويؤثر انخفاض الدخل في القطاع بشكل مباشر على الأسر التي تعتمد بشكل مباشر أو غير مباشر على النشاط في معيشتها.
ويجد آلاف المهندسين والعمال والفنيين أنفسهم عاطلين عن العمل، وفي أوضاع محفوفة بالمخاطر، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاجتماعية.
إجراءات حكومية لإنعاش القطاع
وإدراكًا للعواقب الاقتصادية والاجتماعية لهذه الأزمة؛ أمر الرئيس باشيرو جوماي فاي بإجراء جرد لجميع المشاريع غير المكتملة، واقترح خطة لإحياء النشاط، مع الالتزام بقواعد الشفافية والكفاءة.
وأعلنت الحكومة أيضًا عن تحسين تنظيم تخصيصات الأراضي لتأمين الاستثمارات، ودعم شركات البناء من خلال سداد ديون الدولة، واتخاذ تدابير تحفيزية لجذب استثمارات جديدة.
علاوةً على ذلك، تلتزم دولة السنغال بحماية حقوق المستثمرين وخلق بيئة مواتية للشراكات بين القطاعين العام والخاص، بهدف تحفيز الاقتصاد وإنعاش النمو.
ويرى موريس سوديك ديون، المحاضر والباحث في جامعة جاستون بيرجر في سانت لويس، أن الإرادة السياسية للشفافية التي أظهرتها السلطات الجديدة أمر يجب الترحيب به؛ وأضاف: “أعتقد أن ثمة العديد من الأمور تم إنجازها؛ أولًا، لم يكن الأمر سهلًا؛ إذ وصل الثنائي (باشيرو جوماي فاي وعثمان سونكو) إلى السلطة في ظل الظروف التي نعرفها (إطلاق سراحهما من السجن قبل عشرة أيام من الانتخابات الرئاسية). لقد أنجز الرئيس باشيرو جوماي فاي عملًا رائعًا منذ انتخابه. كان من الضروري إجراء تدقيق شامل لإدارة النظام المنتهية ولايته، وهو أمر لم يكن سهلًا في جميع المجالات. والأهم من ذلك، كان علينا معالجة جانب واحد يبدو في غاية الأهمية بالنسبة لي: المساءلة والشفافية والحوكمة. ولتحقيق ذلك، كان من الضروري التحقيق في جميع أعمال الفساد والتحايل أو جميع الأعمال المُرتكَبة التي تتعارض مع المصالح العليا للسنغال وكشفها. ولم تكن مهمة سهلة. كما يجب القول: إن الرئيس بادر بإجراء العديد من المشاورات، التي اعتبرها شعار ولايته. وقد وجَّه هذا النهج المشاورات المتعلقة بالعدالة والمياه والتجارة والصناعة، وكذلك تلك المتعلقة بإصلاح القطاع العام، الجارية حاليًّا، وجميع المشاورات الأخرى القادمة. وهذا يدلّ على أن هناك بُعْدًا حقيقيًّا لتأطير ومعايرة العمل العام والسياسي وفقًا لاحتياجات ومخاوف المواطنين السنغاليين”.
انخفاض نشاط الموانئ
وبحسب تقرير صادر عن الوكالة الوطنية للإحصاء والديموغرافيا (ANSD)، سجَّل نشاط ميناء داكار المستقل (PAD) انخفاضًا كبيرًا في ديسمبر 2024م.
وانخفضت حركة النقل البحري بنسبة 17.1% مقارنة بالشهر السابق، نتيجة انخفاض عدد السفن الواصلة إلى الميناء بنسبة 24.9%، وانخفاض عدد السفن الصاعدة إلى الميناء بنسبة 5.0%.
وتشير تقارير ANSD إلى انخفاض النشاط البحري في منطقة المحيط الهادئ بنسبة 14.7% على مدار عام 2024م بالكامل مقارنة بعام 2023م، مع انخفاض إجمالي حجم التجارة من 22.4 مليون طن في عام 2023م إلى 19.1 مليون طن في عام 2024م.
وهذه الأرقام، على الرغم من أنها مقدّمة مِن قِبَل وكالة حكومية معروفة بموثوقية إحصاءاتها، محل نزاع من قبل الإدارة العامة لميناء داكار المستقل.
وبحسب الهيئة، من المتوقع أن يزيد نشاط الموانئ بنسبة 6% ليصل إلى 24 مليون طن. وبحسب إدارة الميناء، فإن التقلبات الشهرية هي نتيجة لعوامل موسمية ودورية، مثل التباطؤ المؤقت في التجارة البحرية الدولية بسبب التوترات الجيوسياسية والاضطرابات اللوجستية.
إصلاح العدالة والحوكمة
“إن السنغاليين لديهم توقعات عالية لإصلاح وتحديث نظام العدالة”، هذا ما صرح به باشيرو جوماي فاي في إطلاق المشاورات حول العدالة في مايو 2024م.
إن الضعف البنيوي والوظيفي للنظام القضائي، والأزمة السياسية والقضائية العميقة التي شهدتها البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية، والأهم من ذلك، انعدام الثقة المتزايد لدى السكان تجاه النظام القضائي، كلها عوامل ساهمت في تشويه صورة هذه السلطة التي من المفترض أن تنظم حياة الأمة في الظروف العادية.
لقد تم الإعلان عن نتائج الحوار الوطني بشأن إصلاح وتحديث القضاء، لكن الانتقادات تتزايد بسبب بطء وتيرة التنفيذ.
وعقب تنصيبه في الثاني من أبريل، أي بعد شهر من شهر مايو، نظَّم الرئيس المؤتمر القضائي. وهذا يعني أن الإرادة السياسية لا تزال قائمة لتطبيق الإصلاحات. أما في الوقت الراهن فيشكل التوقيت السياسي تحدِّيًا. وهناك ثِقَل كبير في الدولة، وكثرة في التحكيم، مما يعني أنه لا يمكننا اعتبار الإصلاحات غير مُنفَّذة؛ لأنه لتنفيذها، كان من الضروري بالفعل تنصيب الجمعية الوطنية الجديدة، والذي تم في ديسمبر. بعد ثلاثة أشهر، أعتقد أنه من السابق لأوانه القول: إن الأمور لا تسير بسرعة، مع كل القرارات التي يتعين اتخاذها، وكل هذا الضغط، وعمق التفكير، ولكن أيضًا مع الحكمة التي تليق برجل دولة في إدارة مسائل حساسة مثل تلك المتعلقة بالعدالة. يقول موريس سوديك ديون، الأستاذ المشارك في العلوم السياسية بجامعة جاستون بيرغر في سانت لويس: “أعتقد أننا ما زلنا ضمن إطار زمني معقول”.
الدبلوماسية والتكامل الإقليمي
وعلى الصعيد الدولي، أعاد الرئيس تعريف وزارة الخارجية باعتبارها وزارة التكامل الإفريقي والشؤون الخارجية، مع التركيز على التكامل الإقليمي والدبلوماسية القريبة.
وقام بزيارة العديد من البلدان في المنطقة الفرعية، وتم اختياره وسيطًا في المناقشات بين المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وتحالف دول الساحل.
ويشير جيل يابي، المحلل السياسي ومؤسس مركز الأبحاث غرب إفريقياWATHI ، إلى وجود” تغيير واضح للغاية في الاتجاه السياسي للحكومة الجديدة، مع إعادة التركيز على السنغال والقضايا الاقتصادية والاجتماعية الداخلية”.
وحتى الآن، استطاعت السلطة الجديدة في السنغال الحفاظ على أُسُس الدبلوماسية السنغالية. إنها دبلوماسية، في رأيي، نجحت على المدى الطويل في إبراز السنغال على الساحة الدولية. يتجاوز بكثير ما يمكن توقعه بالنظر إلى واقعها، وخاصةً في الجانب الاقتصادي، أي أن الثقل الدبلوماسي للسنغال كان دائمًا، إلى حد ما، أكبر من ثقلها الاقتصادي، حتى على المستوى القاري. صحيح أن السنغال ليست من الاقتصادات الكبرى في القارة، لكنها لطالما كانت من أكثر الدول حضورًا على الساحة الدولية، وأكثرها شهرةً بمشاركتها في المبادرات الدولية الكبرى، وكذلك، على سبيل المثال، في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وبشكل عام، بسبب تميُّز دبلوماسييها. وأعتقد، بشكل عام، أنه لا يوجد ما يشير إلى تراجع في كفاءة الدبلوماسية السنغالية، وهذا أمر بالغ الأهمية.
وكان الرئيس “ديوماي فاي” قد شارك شخصيًّا في حلّ الصراع بين دول تحالف الساحل والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، لكن دون جدوى.
ورغم ذلك، لا يمكن اعتبار عدم وجود توافق في الآراء بشأن هذا الملف بين ECOWAS وAES فشلاً للرئيس باشيرو جوماي فاي، وفقًا لجيل يابي.
أعتقد أنه كان من الصعب للغاية تحقيق نتائج على المستوى الإقليمي، خاصةً إذا كان الهدف إقناع دول الساحل الثلاث بالتراجع عن قرارها بالانسحاب من المنظمة الإقليمية “إيكواس”، وأعتقد أن الرئيس باشيرو جوماي فاي كان حذرًا للغاية منذ البداية عندما أُسندت إليه هذه المهمة، مُعلنًا أنه سيبذل كل الجهود الممكنة في هذه الاتجاهات، ولكنه في الوقت نفسه، وبشكل أساسي، لن يكون هناك أيّ التزام بتحقيق نتائج محددة.
في هذا المستوى، لا يمكننا بالضرورة الحديث عن فشل، لأنه كان يدرك منذ البداية أن جزءًا كبيرًا من القرار يقع على عاتق قادة دول الساحل الثلاث. لم نلحظ أيّ استعداد لتغيير موقفهم إطلاقًا. ويشير جيل يابي إلى أنه “نظرًا لمواقف القادة العسكريين للدول الثلاث وأسبابهم المختلفة وراء قرار انسحاب دولهم من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وبغض النظر عن حسن نية السنغال والجهات الفاعلة الأخرى، لم يكن هناك أي ضمان للنتائج”.
المراجعات الرئيسية
لكن يشير معارضو نظام جوماي فاي بشكل رئيسي إلى “الافتقار إلى الرؤية والوضوح في الحكم، والبطء في التعامل مع المخاوف الاقتصادية والاجتماعية، والتراجع في قضايا الحرية والعدالة”.
يرى ثيرنو ألاسان سال، الوزير السابق وعضو الجمعية الوطنية، أنه لم يتم تحقيق أيّ تقدُّم ملحوظ خلال الأشهر الاثني عشر الأولى من حكم باشيرو جوماي فاي.
ولا شك أن السنغاليين، بمن فيهم مَن لم يصوتوا لجوماي، كانوا يتوقعون تغييرات جوهرية ومقنعة، على الأقل إصلاحًا شاملًا للنظام، من خلال تولي زمام ما كان يتطلع إليه السنغاليون بشدة منذ سنوات، وتحديدًا منذ انعقاد المؤتمرات الوطنية؛ كأن يتحقق حكم ديمقراطي أكثر وضوحًا، وعدالة أكثر حرية، وتقدم اقتصادي أكثر حساسية، يُفيد مختلف شرائح المجتمع. شخصيًا، لم تكن لديَّ أيّ أوهام. ولذلك لم يكن لديَّ أيّ تعاطف خاص مع باستيف. لكنني مع ذلك لم أتوقع أيّ انتكاسات في قضايا الحرية والعدالة، يُندّد ثيرنو الحسن سال بما يعتبره “عدالة ذات ازدواجية المعايير” في ظل نظام باستيف.
اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، تخضع العدالة لمعسكر السلطة. ووفق المنتصرين والمستبدين، تم تعيين قضاة المحكمة، على سبيل المثال، في تحدٍّ صارخ لجميع القواعد، دون أن يُحرّك أحد ساكنًا. أُرسل القضاة المسؤولون عن قضية أدجي سار إلى تامباكوندا، قضاة المحكمة الذين اعتُبروا غير قابلين للعزل. يُعتقل المعارضون، وتُهدِّد الصحافة. الأمر ببساطة: الحريات لا تُكلّف مالًا، ولا تتطلب تمويلًا خاصًّا، ولا ميزانية خاصة. الأمر يتطلب فقط قوة إرادة. وهنا تتجلى الرغبة في إحداث التغييرات الموعودة للشعب السنغالي.
يرسم الأمين العام لحزب جمهورية القيم، الذي انتقد بشدة أجندة 2050، صورة قاتمة إلى حد ما للوضع الاقتصادي في البلاد.
“من الناحية الاقتصادية، لا بد أن الجميع لاحظوا أنه على الرغم من كل الوعود التي قدموها ببناء السنغال الأفضل، فإن الوضع صعب للغاية بالنسبة لجميع السكان، وخاصة بالنسبة للغالبية العظمى من الذين ينتمون إلى الطبقات الاجتماعية المتوسطة والدنيا من الناحية الاقتصادية”؛ يؤكد سال.
قدموا بوعود ضخمة وضجة كبيرة عن أجندة 2050 التي يُفترض أن تُغيِّر وجه السنغال، وأعقبها مباشرةً بيان السياسة العامة لرئيس الوزراء، الذي كان بمثابة شبكة من الوعود الكبرى والمبادرة. وبعد شهرين، يطلبون من السنغاليين الاستعداد لمزيد من التقشف؛ إذ سيُقرِّون ميثاق استقرار وطني في ضوء الوضع المالي الحرج للبلاد، بناءً على تقرير ديوان المحاسبة. وكأنهم لم يكونوا على دراية بالوضع الحقيقي في البلاد عند توليهم السلطة أو خلال الأشهر القليلة الأولى. ويتابع النائب غير المُوالي “لم تُدرك هذه الحكومة الوضع الحقيقي في البلاد وتُفكِّر في إحداث تغيير جذري إلا في فبراير 2025م.
التحديات التي تنتظر الثنائي جوماي-سونكو
“إن السياسات العامة والقطاعية التي ستنفذها حكومتي سيكون هدفها الوحيد هو تلبية احتياجات الشعب السنغالي بشكل عاجل، وخاصة الاحتياجات التي تخنق الغالبية العظمى من الشعب السنغالي بشكل يومي، وهي الغذاء والصحة والعمل والإسكان والتعليم، من بين أمور أخرى؛ هكذا أعلن باشيرو جوماي فاي خلال أول ظهور علني له بعد انتخابه رئيسًا للسنغال.
وبعد مرور عام واحد، يسود البلاد شعور مختلط.
بعد الانتصارات الانتخابية التي جاءت على شكل استفتاء (انتخابات رئاسية والتشريعية المبكرة 2024م)، يواجه النظام، في ظل وضع مالي عام خطير، تحديات متعددة الجبهات.
ويظل معدل البطالة مرتفعًا (20%)؛ حيث إن 75% من السكان تقل أعمارهم عن 35 عامًا. وهناك توقعات عالية بشأن خلق فرص العمل والوصول إلى الفرص الاقتصادية.
كما يؤدي ارتفاع تكاليف المعيشة وارتفاع الأسعار إلى تفاقم الأزمة الاجتماعية التي تعمل على توسيع الفجوة بين الطبقة المتوسطة والطبقة العاملة.
والجبهة الاجتماعية في حالة من الاضطراب، والأزمة تختمر في العديد من القطاعات المتعثرة (الصحة، والتعليم العالي، والإعلام، وغيرها)، وتطالب القاعدة الانتخابية لحزبPASTEF ، التي تتكون من أغلبية من الشباب، بإجراء إصلاحات سريعة، وإلغاء قانون العفو المتعلق بالعنف السياسي الذي هزَّ البلاد بين عامي 2021 و2024م.
لقد أصدر رئيس الدولة وحكومته العديد من التصريحات بشأن الوضع الصعب للمالية العامة، وأكدوا في كل تصريح عام رغبتهم في القطيعة مع الماضي، واستعادة استقرار البلاد في سياق العجز في الميزانية وانعدام “مجال المناورة”.
ولا يزال تحقيق بعض الوعود الانتخابية الكبرى في مرحلة التخطيط.
ولا يزال الشعب السنغالي ينتظر تحسنًا في حياته اليومية، على الرغم من أن الرئيس “باشيرو جوماي فاي” لا يزال يبدو أنه يتمتع بثقة أغلبية السكان الذين ما زالوا منتبهين للمراحل التالية من ولايته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال:
https://www.bbc.com/afrique/articles/ckg1nzjr1dko