عشية احتضان العاصمة الأنجولية لواندا مباحثات سلام مباشرة تجمع حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية وحركة 23 مارس المتمردة؛ فرَض الاتحاد الأوروبي عقوبات على كبار قادة “التمرد” إلى جانب مسؤولين كبار من رواندا المجاورة التي تُثار حولها اتهامات بدعم متمردي شرق الكونغو.
كان من المفترَض أن تستضيف لواندا، محادثات مباشرة توسَّط فيها الرئيس الأنجولي جواو لورينسو بتفويض من الاتحاد الإفريقي؛ تهدف إلى التوصل إلى تفاهمات بين كينشاسا وحركة 23 مارس؛ بَيْد أنّ العقوبات الأوروبية دفعت المتمردين إلى الانسحاب قبل ساعات من المحادثات المرتقبة.
إن إعلان العقوبات الأوروبية قبل ساعات من انطلاق مباحثات لواندا يثير تساؤلات حول دلالات هذا التزامن وأبعاده، خاصةً أنه استبق مفاوضات مباشرة هي الأولى من نوعها تجمع الحكومة والمتمردين لحل الصراع الأهلي في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
جدير بالذكر أنه عقب فشل مباحثات لواندا؛ اتفق الرئيسان الرواندي بول كاجامي والكونغولي فيليكس تشيسيكيدي، على عقد لقاء مباشر بالدوحة، برعاية قطرية، مع التزام جميع الأطراف بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار([1]).
خلفية الأزمة ومستجداتها:
تشكلت حركة 23 مارس، من متمردي إثنية التوتسي الكونغوليين، وتُعدّ واحدة من بين أكثر من 120 جماعة مسلحة تنشط في المنطقة، وبشكل رئيسي في شرق الكونغو، المنطقة الغنية بالمعادن، وقد استمدت اسمها من اتفاق السلام المُوقَّع في 23 مارس 2009م بين سلفها “المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب”، وحكومة كينشاسا.
وخرجت الحركة إلى النور عام 2012م بدعوى “مظالم تتعلق بتنفيذ هذا الاتفاق”، وظلت نشطة حتى هزيمتها أواخر عام 2013م، ومع ذلك، أُعيد إحياؤها -بعد نحو عقد من الهدوء النسبي- أواخر عام 2021م، وما زالت تعمل في المنطقة؛ حيث تشتبك بانتظام مع الجيش الكونغولي وجماعات مسلحة أخرى.
وتعود مستجدات الصراع الراهن إلى صيف 2022م، حين سيطرت الحركة على مساحات شاسعة في مقاطعة شمال كيفو، وتقدَّمت نحو عاصمتها جوما، مع ارتفاع وتيرة عسكرة المنطقة، ودخول بلدان مجاورة على خط الأزمة.
وفي موازاة ذلك، تصاعدت التوترات بين كينشاسا وكيجالي؛ إذ لازمت الحكومة الكونغولية اتهامها لرواندا بدعم المتمردين، في وقتٍ دعم فيه محققو الأمم المتحدة هذا الاتهام مع نفي رواندي متكرر.
وسبق لأنجولا أن رعت هدنة تقضي بانسحاب حركة 23 مارس ووقف النار أواخر 2022م، فيما عُرف بـ”عملية لواندا”، ورغم أن حركة 23 مارس لم تكن طرفًا فيها، إلا أنها وافقت عليها دون أن تنحسب من الأراضي التي احتلتها، ولم تدم الهدنة طويلاً، بعد أن وقعت أعمال عسكرية بين رواندا والكونغو مطلع 2023م.
وفي يناير 2025م سيطر متمردو 23 مارس على جوما كبرى مدن شرق الكونغو، وهددوا بالتقدم صوب العاصمة كينشاسا مقابل تأهب عسكري كبير للجيش الكونغولي، أدَّى إلى تعقد المشهد الإقليمي وتوجيه اتهامات مِن قِبَل الكونغو الديمقراطية وجنوب إفريقيا لرواندا بدعم المتمردين وإعلان الحرب، أعقب ذلك إعلان تحالف المتمردين -المعروف باسم “نهر الكونغو”، ويضم 23 مارس-، وقف النار والتراجع عن السيطرة على مزيد من الأراضي([2]).
وفي 13 مارس الجاري، قررت مجموعة التنمية للجنوب الإفريقي (SADC) إنهاء تفويض بعثتها العسكرية في الكونغو الديمقراطية، والتي تم نشرها لمساعدة الحكومة الكونغولية في طرد المتمردين، دون أن تفلح في ذلك، وسط انتقادات رواندية بكونها بعثة حرب بدلاً من السلام، في حين قدم رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا تفسيرًا مغايرًا لإنهاء تفويض البعثة، التي تُعدّ بلاده عضوًا بارزًا في المجموعة.
وقال رامافوزا في تصريح مصوَّر نشره على حسابه بمنصة (X) يوم الاثنين الماضي: إنه ينبغي فهم هذه الخطوة على أنها إجراء لبناء الثقة، يهدف إلى ضمان السلام والاستقرار في شرق الكونغو. ويمثل مرحلة انتقالية نحو عملية سلام مستدام ووقف دائم لإطلاق النار.
وشدد على ضرورة انسحاب جميع القوات الأجنبية من الأراضي الكونغولية، داعيًا إلى حوار شامل يضم الحكومة الكونغولية، ونظيرتها الرواندية، وحركة 23 مارس؛ من أجل التوصل إلى حل سياسي قابل للتطبيق([3]).
علاوة على ذلك، كان من المنتظر أن تضع محادثات لواندا حدًّا للصراع في شرق الكونغو، الذي راح ضحيته منذ يناير الماضي ما لا يقل عن سبعة آلاف شخص، ونزح ما لا يقل عن 600 ألف شخص بسبب القتال منذ نوفمبر، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وتصاعد الصراع بشكل ملحوظ هذا العام؛ حيث اكتسبت 23 مارس مساحة واسعة لم تسيطر عليها من قبل، بما في ذلك أكبر مدينتين في شرق الكونغو ومجموعة من المناطق الأصغر.
العقوبات الأوروبية:
فرض مجلس الاتحاد الأوروبي، عقوبات على رواندا وحركة 23 مارس، عن أعمال قال: إنها تُشكّل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في الكونغو الديمقراطية، متعلقة بالهجوم الجديد الذي تشنه الحركة -التي تخضع أيضًا لعقوبات أممية- وتحالف نهر الكونغو المنضوية فيه، بدعم من قوات الدفاع الرواندية.
وتشمل الأسماء المدرجة المرتبطة بالمتمردين الكونغوليين: زعيم 23 مارس برتراند بيسيموا، وأربعة آخرين من كبار قادة الحركة والتحالف، من بينهم جوزيف موسانغا باهاتي، الذي تم تعيينه “حاكمًا” لإقليم شمال كيفو في “الإدارة” التي فرضها المتمردون.
إلى جانب ثلاثة من القادة العسكريين في قوات الدفاع الرواندية، والرئيس التنفيذي لهيئة المناجم والنفط والغاز الرواندية، فرانسيس كامانزي؛ حيث اتهمه “مجلس الاتحاد” بأنه يتحمل المسؤولية عن استغلال الصراع المسلح من خلال التجارة غير المشروعة بالموارد الطبيعية، تحديدًا المعادن المستخرجة من مناطق الصراع.
كما شملت القائمة مصفاة “جاسابو” للذهب، التي تتخذ من كيجالي مقرًّا لها، بدعوى تورطها في الاستيراد غير القانوني للذهب من المناطق الخاضعة لسيطرة 23 مارس في الكونغو، وبالتالي مساهمتها في استمرار الصراع وعدم الاستقرار وانعدام الأمن في البلاد.
وبهذه الإجراءات تطال العقوبات الأوروبية -حتى الآن- 32 فردًا وكيانين اثنين، يخضع المدرجون في القائمة لحظر السفر وتجميد الأصول، كما يُمنع المواطنون والشركات الأوروبية من توفير أموال أو موارد لهم.
وكان الاتحاد الأوروبي قد تبنى الإجراءات التقييدية الفردية المستقلة له لأول مرة عام 2016م؛ ردًّا على “انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وعرقلة العملية الانتخابية في جمهورية الكونغو الديمقراطية”.
وفي ديسمبر 2022م، قرر تعديل معايير الإدراج للسماح بفرض إجراءات تقييدية ضد الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين أو الكيانات أو الهيئات التي تُسهم أو تدعم أو تستفيد من الصراع أو عدم الاستقرار أو انعدام الأمن في الكونغو الديمقراطية.
وتُكمل قائمة العقوبات الأوروبية قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة، والتي تضم حاليًّا 53 فردًا وكيانًا بسبب الوضع في الكونغو الديمقراطية([4]).
انسحاب المتمردين:
وردًّا على العقوبات الأوروبية، أعلن تحالف نهر الكونغو عن انسحابه من المفاوضات المباشرة التي من المقرر أن ترعاها لواندا الثلاثاء، متهمًا في بيان، الاتحاد الأوروبي بـ”تقويض جهود السلام عمدًا، وعرقلة المحادثات المرتقبة”.
وقال التحالف: “إن العقوبات المتعاقبة المفروضة على أعضائنا، بما في ذلك تلك التي تم فرضها عشية محادثات لواندا، تعيق بشدة الحوار المباشر وتجعل تحقيق أي تقدُّم مستحيلاً”، وحذّر من أن “هذا الموقف غير المفهوم والمبهم لا يؤدي إلا إلى تشجيع تشيسكيدي على مواصلة حملته العسكرية… وفي ظل هذه الظروف، أصبحت المحادثات غير قابلة للاستمرار؛ ونتيجة لذلك، لم يعد بالإمكان المشاركة في المفاوضات”([5]).
وفي السياق ذاته، انتقد زعيم 23 مارس برتراند بيسيموا، العقوبات الأوروبية بشدة، معتبرًا أنها تعرقل عملية السلام في المنطقة، وفي تصريح له على موقع (X) تساءل عن “مدى إدراك الجهات التي تفرض العقوبات لتأثير قراراتها على توازن العملية السلمية”.
وحذَّر من أن “معاقبة طرف واحد في النزاع يؤدي إلى تعنُّت الطرف الآخر وتصلُّبه في مواقفه، مما يُسهم في إجهاض جهود السلام”، مشددًا على أن “تحقيق السلام في إفريقيا لا يمكن أن يتم عبر النظارات والأقلام الأوروبية، بل يجب أن يكون مسارًا إفريقيًّا خالصًا؛ حيث يقتصر دور الأطراف الخارجية على المساندة دون فرض رؤيتها على القارة”([6]).
وبدوره اعتبر كورنيل نانجا زعيم تحالف نهر الكونغو، العقوبات الأوروبية “تعطل جهود حل الأزمة بدلاً من المساهمة في حلها”، قائلاً: “كما تم الإعلان عن وقف إطلاق النار، لا ينبغي لأي طرف اتخاذ إجراءات أو الاستفادة من قرارات تضعف الطرف الآخر في النزاع.”
وأضاف أن “هذا النهج الذي اعتمده الاتحاد الأوروبي، والذي يشبه سياسة الكيل بمكيالين، يضع تحالف نهر الكونغو أمام ضرورة إعادة النظر في مشاركته في محادثات لواندا حتى إشعار آخر”.([7])
وكانت حركة 23 مارس قد أكَّدت في وقت سابق من يوم الاثنين الماضي، مشاركتها في محادثات لواندا، موضحة أنها تنوي إرسال خمسة مندوبين، مبدية ترحيبها لجهود الرئيس الأنجولي في التوصل إلى حل سلمي للصراع الدائر في الكونغو الديمقراطية([8]).
كينشاسا ملتزمة بالمباحثات وتُرحّب بالعقوبات:
ورغم الإعلان المفاجئ بانسحاب 23 مارس من محادثات لواندا، أكدت الرئاسة الكونغولية، مشاركتها، وقالت المتحدثة باسم الرئيس تشيسيكيدي، تينا سلامة: “إن وفد الكونغو الديمقراطية سيستجيب بالفعل لدعوة الوسيط، الرئيس لورينسو، في لواندا”([9]).
كما رحبت الحكومة الكونغولية بالعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على حركة 23 مارس ورواندا، معتبرةً أن موجة العقوبات الأخيرة التي فرضها الاتحاد الأوروبي، إلى جانب العقوبات التي أعلنتها مؤخرًا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وكندا ضد رواندا “تُعزّز القناعة الدولية بشأن المسؤولية المباشرة لحكومة رواندا عن تدهور الوضع الأمني في شرق الكونغو”.
واتهمت الحكومة في بيان لها، القوات الرواندية بانتهاك وحدة أراضيها وسيادتها، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، كما أكدت التزامها التام بالعمليات الدبلوماسية الجارية للتوصل إلى حل دائم وسلمي للصراع المستمر([10]).
رواندا.. ضغوط دولية متواصلة:
جاءت عقوبات الاتحاد الأوروبي على مسؤولين روانديين في خضم ضغوط دولية متواصلة على كيجالي، إلى جانب زيادة التوترات الدبلوماسية غير المسبوقة بين الحكومة وبلجيكا؛ بسبب صراع شرق الكونغو، ففي اليوم نفسه الذي تم فيه الإعلان عن العقوبات، قطعت رواندا علاقاتها الدبلوماسية مع بلجيكا، أعقبه إعلان بلجيكا أن “دبلوماسيي رواندا أشخاص غير مرغوب فيهم”.
وذلك بعد يوم من اتهام الرئيس كاجامي بلجيكا بالترويج لعقوبات دولية على بلاده، قائلاً في تجمع جماهيري في العاصمة كيجالي، الأحد: إن “بلجيكا، بصفتها المستعمر السابق لرواندا، لها تاريخ في تقويض البلاد، واستولت على جزء كبير من أراضي رواندا، ومنحتها للكونغو أثناء الحقبة الاستعمارية، مما جعل رواندا تبدو أصغر من بلجيكا”([11]).
الوسيط الأنجولي:
ووفقًا لبيان صادر عن الحكومة الأنجولية، الاثنين الماضي، وصل وفد الكونغو الديمقراطية إلى العاصمة لواندا؛ للمشاركة في المباحثات، مشيرًا إلى أنه من المتوقع وصول وفد 23 مارس صباح الثلاثاء، بعدما كان مقررًا وصوله في اليوم نفسه (الاثنين).
ورغم إعلان المتمردين انسحابهم، أكد بيان الحكومة الأنجولية أن جميع الظروف مهيَّأة لبدء المباحثات المباشرة “كما هو مخطط لها”، وذلك بعد أن دعا الرئيس الأنجولي، بصفته وسيطًا في عملية السلام، أطراف النزاع إلى وقف الأعمال العدائية اعتبارًا من منتصف ليل الأحد الماضي؛ وذلك لتسهيل سير المفاوضات.
وشدد على ضرورة أن يشمل وقف إطلاق النار جميع الأعمال العدائية المحتملة ضد السكان المدنيين، ومنع الاستيلاء على مواقع جديدة في منطقة النزاع؛ على أمل أن تُسهم هذه المبادرات وغيرها في خلق مناخ يتيح بدء محادثات سلام([12]).
لغم أوروبي يفجر طاولة لواندا:
إلى حد بعيد، لا تبدو العقوبات الأوروبية شديدة الوطأة على رواندا أو حلفائها من المتمردين، بالنظر إلى عدد وحجم الأفراد والكيانات المشمولين فيها، في وقت لا يزال كاجامي حليفًا إستراتيجيًّا لا غنى عنه للمصالح الأوروبية، خاصةً في تسهيل الوصول إلى المعادن وحفظ السلام الإقليمي.
كما أن طبيعة الصراع الكونغولي -الذي أصبح يُشكّل في جوهره شبكة معقّدة من التحالفات والصراعات الإقليمية والدولية، تغذيها وتحفزها عولمة الموارد الطبيعية-؛ تحتم على البلدان الأوروبية –وفق السلوك المتعارف عنها- ترجيح كفة مصالحها على حساب مبادئ حقوق الإنسان.
على سبيل الاستشهاد، لم تقترب العقوبات من مذكرة التفاهم الموقعة بين الاتحاد الأوروبي ورواندا في فبراير 2024م، المتعلقة بالمواد الخام والمعادن الحيوية، بل اكتفى قادة الاتحاد بـ”التلويح بمراجعتها”([13]). وهذه المذكرة تنص على التعاون الوثيق بين الطرفين، وتعكس تعزيز شراكتهما لتحقيق تكامل أكبر في سلاسل قيمة المواد الخام([14]).
هذا التعاون يأتي على الرغم من أن معظم المواد الخام الحيوية تقع شرق الكونغو الديمقراطية، ويُعتقد أن رواندا تصدر مواد خام ذات منشأ كونغولي؛ حيث تستفيد 23 مارس المدعومة من رواندا من عمليات الاستخراج غير المشروعة، ما يدعم الفكرة القائلة بأن تحقيق السلام في الكونغو الديمقراطية يرتبط بإنهاء عمليات التعدين غير القانوني([15]).
وبالنظر إلى اعتماد الاقتصاد الرواندي على تصدير المعادن، لا سيما الكولتان والذهب، فإن أيّ توتر في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي قد يدفع كيجالي إلى التقارب مع منافسين آخرين، أقل التزامًا بقضايا حقوق الإنسان.
على سبيل المثال: تمتلك الصين استثمارات ضخمة في قطاع التعدين الكونغولي، مما يجعلها أحد أبرز الفاعلين الاقتصاديين في البلاد، كما أن الشركات الغربية والصينية تتنافس على استغلال الثروات المعدنية، مما يزيد من التوترات السياسية والأمنية([16]).
وقد اتخذ الاتحاد الأوروبي، خلال السنوات الأخيرة عدة قرارات مثيرة للجدل فيما يتعلق بالصراع الكونغولي ورواندا، فعلى سبيل المثال، قدَّم عبر مرفق السلام الأوروبي (المعني بتمويل ودعم البعثات والأنشطة العسكرية للشركاء)، دعمًا ماليًّا بقيمة 20 مليون يورو مرتين للجيش الرواندي في عامي 2022 و2024م، لدعم عمليات حفظ السلام في موزمبيق، رغم الانتقادات بشأن الوجهة الحقيقية لهذه الأموال، ووسط مخاوف من استخدامها لتمويل الحرب في الكونغو بدلًا من عمليات حفظ السلام في موزمبيق([17]).
وفي نهاية عام 2023م، أعلن الاتحاد الأوروبي أيضًا عن استثمار بقيمة 900 مليون يورو في رواندا عبر برنامج “البوابة العالمية” (إستراتيجية أوروبية جديدة لتعزيز الروابط الذكية والنظيفة والآمنة)، وبالنظر إلى أن هذه الاتفاقيات أُبرمت بينما كان دعم رواندا لحركة 23 مارس واضحًا، فقد أثارت احتجاجات واسعة في الكونغو([18]).
خلاصة القول:
تشير العقوبات الأوروبية المفروضة على رواندا وحركة 23 مارس إلى أنها تستهدف وقف تجارة المعادن غير المشروعة في شرق الكونغو، والتي يُعتقَد أنها تُسهم في تزايد وتيرة الصراع. ومع ذلك؛ فإن توقيت صدورها -عشية انطلاق مباحثات سلام هي الأولى من نوعها، في لواندا-، تحمل الكثير من علامات الاستفهام، خاصة وأن كيجالي أصبحت في وضع أفضل في مواجهة العقوبات الغربية، التي دفعتها إلى قطع دعمها لمتمردي 23 مارس عام 2013م.
علاوة على ذلك، تعكس هذه العقوبات اعترافًا أوروبيًّا مباشرًا بدور المكاسب التجارية من معادن الكونغو الديمقراطية في تورط رواندا في الصراع، مما يُعزّز الشكوك حول نية أوروبا تقويض مباحثات لواندا للسلام قبل أن تبدأ، ويبدو أن هذه العقوبات، رغم إعلانها لن تؤثر بشكل جوهري على المصالح الرواندية أو الغربية في المنطقة، ما يسمح بمواصلة الاستثمار غير المشروع في معادن الكونغو على حساب دماء مواطنيه.
وفي الأخير، رغم إعلان تحالف المتمردين انسحابه من مباحثات لواندا، لا تزال هناك بادرة أمل في احتواء الصراع الأهلي والإقليمي في شرق الكونغو، يُعزّز ذلك الوساطة القطرية بين كاجامي وتشيسيكيدي، وتراجع كينشاسا عن موقفها السابق المتشدد برفض التفاوض المباشر مع حركة 23 مارس، بعدما كانت تصف هذه المحادثات مع الحركة التي تعتبرها “إرهابية” بأنها “خط أحمر”، وقد يُسهم هذا التحول في وضع حد لمعاناة المدنيين جراء استمرار الصراع، وتهدئة التوترات الإقليمية المتصاعدة منذ عدة أشهر.
…………………….
[1] – الخارجية القطرية، بيان مشترك بين دولة قطر وجمهورية رواندا وجمهورية الكونغو، 18 مارس 2025م:
https://x.com/MofaQatar_AR/status/1902062294919737599
[2] – ربيع محمد محمود، الصراع في شرق الكونغو الديمقراطية من منظور مقاربة مُركب الأمن الإقليمي، قراءات إفريقية، 5 فبراير 2025م
https://qiraatafrican.com/26911/%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%b1%d8%a7%d8%b9-%d9%81%d9%8a-%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%88%d9%86%d8%ba%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%85%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b7%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%85/
[3] – متاح على: https://x.com/CyrilRamaphosa/status/1901613980763725860
[4] Council of the European Union, Council Implementing Decision (CFSP) 2025/510 of 17 March 2025 implementing Decision 2010/788/CFSP concerning restrictive measures in view of the situation in the Democratic Republic of the Congo, Document ST/6580/2025/INIT, 17 March 2025
https://eur-lex.europa.eu/legal-content/EN/TXT/?uri=OJ:L_202500510
[5] Communiqué Officiel de l’Alliance Fleuve Congo du 17 mars 2025
https://x.com/LawrenceKanyuka/status/1901688074289205303
[6] – متاح على الرابط التالي: https://x.com/bbisimwa/status/1901649603956498473
[7] – متاح على الرابط التالي: https://x.com/CNangaa/status/1901703023573041550
[8] – متاح على الرابط التالي: https://x.com/LawrenceKanyuka/status/1901552143414276140
[9] Agence Congolaise de Presse, Médiation :Kinshasa confirme sa présence à Luanda malgré l’absence des supplétifs du Rwanda, 17 mars 2025. https://acp.cd/nation/mediation-kinshasa-confirme-sa-presence-a-luanda-malgre-labsence-des-suppletifs-du-rwanda/
[10] – متاح على الرابط: https://x.com/Com_mediasRDC/status/1901778318413766869/photo/1
[11] – قراءات إفريقية، رواندا تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع بلجيكا وتطرد جميع دبلوماسييها، 17 مارس 2025م، على الرابط التالي:
https://qiraatafrican.com/27912/%d8%b1%d9%88%d8%a7%d9%86%d8%af%d8%a7-%d8%aa%d9%82%d8%b7%d8%b9-%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa%d9%87%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%a8%d9%84%d9%88%d9%85%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d8%b9-%d8%a8/
[12] Angolan Press Agency, Négociations pour la paix de la RDC entre gouvernement et M23 débutent mardi, 17 March 2025 https://angop.ao/fr/noticias/politica/negociacoes-para-paz-da-rdc-entre-governo-e-m23-iniciam-terca-feira/
[13] – قراءات إفريقية، الأوروبي يفرض عقوبات على تسعة أشخاص على خلفية أعمال العنف في الكونغو، 17 مارس 2025م، على الرابط التالي: https://qiraatafrican.com/27901/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A-%D9%8A%D9%81%D8%B1%D8%B6-%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AA%D8%B3%D8%B9%D8%A9-%D8%A3%D8%B4%D8%AE%D8%A7%D8%B5-%D8%B9%D9%84/
[14] European Commission, EU and Rwanda sign a Memorandum of Understanding on Sustainable Raw Materials Value Chains, 19 Feb 2024 https://ec.europa.eu/commission/presscorner/detail/en/ip_24_822
[15] Pax for peace, Europe, end the partnership with Rwanda, 5 February 2025
https://paxforpeace.nl/news/europe-end-the-collaboration-with-rwanda/#content
[16] – ربيع محمد محمود، م س ذ.
[17] Kristof Titeca and Erik Kennes, The EU’s unwavering support for Rwanda must end now, EUobserver, 4 Feb 2025. https://euobserver.com/africa/arce9b9340
[18] Ibid.