أجرت موريشيوس انتخاباتها العامة خلال الشهر الماضي؛ والتي تَحدَّد على أساسها الأغلبية البرلمانية اللازمة لتشكيل الحكومة الجديدة في البلاد. ذاك الأرخبيل الصغير الواقع في المُحيط الهندي، والبالغ تعداد سكانه نحو 1.3 مليون نسمة على مساحة إجمالية تُقدَّر بنحو ألفي كلم فقط.([1])
وكثيرًا ما نُظِرَ إلى موريشيوس باعتبارها واحةً للديمقراطية في القارة الإفريقية التي تَعجّ أساسًا -من بين أزماتٍ أخرى- بأزمة ديمقراطية مُستعصيةٍ على الحل، وهو ما يُبرّر الحاجة لتسليط الضوء على تجربتها الديمقراطية من خلال تلك الانتخابات، والتعرُّف -عن كثب- على الملامح الأساسية التي صاحَبَت المشهد الانتخابي، والتداعيات المحتملة لنتائجها ليس فقط على الداخل، وإنما على المحيط الإقليمي؛ وبالتحديد على إمكانية “تصدير النموذج” لبلدان أخرى إفريقية تَرْغب في -أو تقول بأنها ترغب في- أن تُصبح يومًا ديمقراطية.
ضبابية المشهد الانتخابي:
اتسم المشهد الانتخابي في موريشيوس قبيل وفي أثناء الانتخابات العامة، بمظاهر دالّة على وجود حالة من الضبابية؛ يُمكن إجمال أهمّ مظاهرها على نحو ما يلي:
1- صدور قرار حكومي مُفاجئ بحجب وسائل التواصل الاجتماعي:
قررت هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في موريشيوس قبيل الانتخابات؛ حجب جميع وسائل التواصل الاجتماعي بدءًا من 1 نوفمبر وحتى 11 نوفمبر؛ أي لما بعد يوم واحد من موعد الانتخابات العامة في البلاد. وأرجعت حكومة “برافيند جوجنوث” حينها سبب هذا القرار إلى “المنشورات غير القانونية”؛ في إشارةٍ منها لفضيحة المكالمات المُسرَّبة التي هزَّت الأوساط المحلية في موريشيوس في ذلك الوقت؛ فيما رأت قوى المعارضة بقيادة “نافين رامجولام”؛ رئيس الوزراء الأسبق، والذي أعادته تلك الانتخابات لتولّي الحكومة الجديدة؛ بأن تلك الخطوة لا تعدو كونها “خدعة” لتجنُّب الهزيمة في الانتخابات.([2]) الأمر الذي دعا -في مجموعِه- قُوَى المعارضة لحشد الجماهير والضغط على حكومة “جوجنوث” من أجل ثَنْيها عن ذلك القرار.
2- عدول سريع عن قرار حجب وسائل التواصل الاجتماعي:
عدَلت حكومة “جوجنوث” عن قرار حجب وسائل التواصل الاجتماعي بعد يوم واحد فقط من إعلان قرارها؛ وذلك نتيجة الضغط الشعبي الكبير فور الإعلان عن القرار. وكانت هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قد برَّرت قرار الحجب؛ بأن تسجيلات المكالمات الهاتفية التي تم تسريبها؛ “مثّلت تهديدًا خطيرًا للأمن القومي والسلامة العامة”، والتي كان من بينها: محادثات شملت سياسيين وكبار ضباط شرطة وصحفيين ودبلوماسيين أجانب.
وفي إحدى تلك المكالمات، زُعم أن ضابط شرطة كبير؛ طلب من طبيب يعمل بالطب الشرعي؛ التلاعب في تقرير وفاة أحد الأشخاص أثناء احتجازه لدى الشرطة، وذلك بعدما بدأت السلطات تحقيقًا قضائيًّا حول أسباب الوفاة.([3]) وهو ما أظهَر حالةً من تخبُّط حكومة “جوجنوث” في إدارة الأزمة؛ سواء باتخاذها ذلك القرار أو بالعدول عنه بعد يوم واحد فقط من اتخاذها إياه، الأمر الذي استغلته قوى المعارضة للتدليل على أن حكومة “جوجنوث” باتت تلفظ أنفاسها الأخيرة، ولم تعد قادرةً على إدارة البلاد، والتعامل مع المواطنين بشفافية ومُكاشفة.
3- سوء تعاطي حكومي مع فضيحة المُكالمات المُسربة:
سلّطت مُنظمة “هيومن رايتس ووتش” الضوء على تعاطي حكومة “جوجنوث” مع فضيحة المُكالمات المُسربة؛ حيث قالت بأنه قد تم نشر حوالي 20 مُكالمة في منتصف شهر أكتوبر الماضي على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة من حساب مجهول يُدعى “Missie Moustass”؛ وصف نفسه بأنه “موظف مدني بسيط؛ طفح به الكيل ولم يعد بإمكانه الصمت أكثر من ذلك”.
في بداية الأمر، تتبّعت السُّلطات ذلك الحساب وقامت بحظره، ولكن مع استمرار النشر، وبعدما جذبت التسجيلات قطاعات جماهيرية واسعة؛ بدأت الرواية الحكومية تُصدّر فكرة أنها تسجيلات مُزيفة؛ تم التلاعب بها باستخدام الذكاء الاصطناعي، وبدلًا من أن تخرج الحكومة لتعلن إجراءها تحقيقًا في الجرائم التي كشفت عنها تلك التسجيلات؛ خرجت لتعلن إجرائها تحقيق مُضادّ في “إساءة استخدام البنية التحتية للاتصالات”.([4])
4- تنامي أزمة ثقة بين حكومة “جوجنوث” ومطالب الشارع:
كان لافتًا للنظر مستوى الارتباك الحكومي الذي أُصيبت به حكومة “جوجنوث” إزاء فضيحة المكالمات المُسربة، وذلك من عدة نواحٍ:
أوّلها، حين نفَت صحة التسريبات، وادَّعت زَيْفها قبل إجرائها لتحقيق جادّ فيما احتوت عليه.
وثانيها حين قالت بأن تلك التسجيلات تُمثِّل تهديدًا للأمن القومي والسلامة العامة، وكأنها في تلك الحالة أثبتت صحة ما جاء في تلك التسريبات؛ غير أنها رأت فقط أن تسريبها يمسّ الأمن القومي والسلامة العامة للمواطنين.
أمّا ثالثها فكان في عدولها السريع عن قرار الحجب، وهو ما أظهر -في مجموعِه- درجة من التخبُّط؛ يمكن القول بأنها أسهمت بدرجةٍ ما، في تنامي الشعور بالسخط الشعبي على حكومة “جوجنوث” في وقت دقيق قبيل إجراء الانتخابات.
5- تنامي الحديث عن “دوران النخبة الحاكمة” في موريشيوس:
تساءَلت صحيفة (The Japan Times) في تقرير لها عن أقصى ما يُمكن أن تُفرزه العملية الديمقراطية في موريشيوس؛ وخلُصَت إلى خفض سقف توقعاتها حيال ذلك بالنظر إلى عدة أسباب؛ أولها هو تنافس رئيس الوزراء في ذلك الوقت؛ “برافيند جوجنوث”، من أجل الحصول على ولاية ثالثة في ظل وجود طفرة اقتصادية وتآكل في ثقة الجمهور في المؤسسة السياسيّة على حد سواء.
وثانيها هو ماضي موريشيوس منذ استقلالها؛ حيث تولّت قيادة البلاد ثلاث عائلات فقط منذ حصولها على الاستقلال عن بريطانيا عام 1968م. وآخرها إلى ما قبل الانتخابات الماضية؛ عائلة جوجنوث، بتولّي جوجنوث الابن (برافيند جوجنوث) رئاسة الحكومة في عام 2017م بعد تنحّي والده، ثم احتفاظه بالمنصب في انتخابات عام 2019م، وقيادته لتحالف لي بيب (Lepep) الذي يضمّ حركته الاشتراكية، وأربعة أحزاب أخرى متحالفة معه.([5])
أما السبب الثالث، فرأت الصحيفة أنّ مُنافِس “جوجنوث” الأكثر جدية من بين جميع المرشحين؛ هو نافين رامجولام، وهو ما يُكرِّس للمعنى ذاته كونه رئيس وزراء أسبق لثلاث مرات، وابن أول زعيم للبلاد بعد الاستقلال. ويقود نافين رامجولام حاليًّا التحالف من أجل التغيير المكون من أربعة أحزاب؛ والذي يمثل رأس الحربة في جبهة معارضة جوجنوث وتحالفه؛ تحالف لي بيب.([6]) الأمر الذي لا يعني -في مجموعِه- إعادة إنتاج النظام بقَدْر ما يعني فقط؛ دوران النخبة الحاكمة، ووجود سقف مُحدَّد لأقصى ما يمكن أن تُفْضِي إليه التجربة الديمقراطية في موريشيوس وفق المعطيات الحالية.
جُملة تداعيات ناجمة عن نتائج الانتخابات:
أسفرت نتائج الانتخابات العامة في موريشيوس عن جُملة تداعيات داخلية وخارجية على نحو ما يلي:
1- عودة “رامجولام” وهزيمة ساحقة للتحالف الحاكم “لي بيب”:
تعرَّضَ تحالف “لي بيب” الذي يتزعمه رئيس الحكومة المنتهية ولايته “برافيند جوجنوث” لهزيمة ساحقة في الانتخابات العامة، بتحقيق “التحالف من أجل التغيير” الذي يتزعمه نافين رامجولام لانتصار كبير بنتيجة (60-صفر) في المقاعد التي يتم انتخابها مُباشرةً من القاعدة التصويتية التي تضم حوالي مليون ناخب موريشيوسي في 21 دائرة انتخابية. فيما اعترف رئيس الوزراء المُنتهية ولايته “برافيند جوجنوث” بالهزيمة، قائلًا: إن ائتلافه الحاكم تعرَّض لهزيمة فادحة.([7])
ومِن ثَم كتبت تلك النتيجة عودة من بعيد لنافين رامجولام إلى سُدَّة الحكم رئيسًا للحكومة الجديدة للمرة الرابعة. الأمر الذي سيفتح أمامه الباب لمعالجة العديد من التحديات الداخلية؛ يأتي على رأسها رصيد الثقة بين المواطنين والحكومة الجديدة، وضمان محاسبة المتورطين في فضيحة المكالمات المُسربة، وما كشفت عنه من جرائم في بعضٍ منها، فضلًا عن استعادة الأمن الداخل، وضمان تحقيق موريشيوس أقصى استفادة ممكنة من صفقة جُزر تشاجوس التي عقدتها مؤخرًا حكومة جوجنوث مع بريطانيا.
2- دروس مُستفادة من سقوط تحالف “جوجنوث”:
أسهم السقوط المدوي للتحالف الحاكم بقيادة رئيس الوزراء السابق “برافيند جوجنوث”؛ في تسليط الضوء على أهم الدروس المستفادة من وراء ذلك، والتي حصَرها البروفيسور جون ستانفيلد في عوامل ثلاثة: أولها، تسييس قضايا الصّالح العام من أجل حَصْد مزيد من الأصوات بدلًا من تحقيق المُساءلة وتنسيق الجهود المشتركة بين الحكومة وشركات القطاع الخاص والمجتمع المدني.
وثانيها، الحوكمة غير الرشيدة التي أثَّرت على جودة حياة المجتمع المحلي في موريشيوس، والتي لم تحظَ بعض قراراتها بتأييد مجتمعي كافٍ أثناء عملية صُنع قرارها، ومن بين ذلك: تداعيات مشروع مترو الأنفاق على مدن مثل كواتر بورنيس، وبناء مدن “إيبين” الذكية التي لم يتم التخطيط العمراني لها جيدًا.
أما ثالثها، فيتمثل في العلاقات المُتأرجحة لحكومة جوجنوث مع الدول الإفريقية، جنبًا إلى جنب مع الوقوع في أخطاء اقتصادية مؤثرة في سوق تجارة هشّ وهزيل مثل سوق التجارة الداخلي في موريشيوس؛ الأمر الذي أثَّر بشدة على التنافسية، وكفل ميزة نسبية للسلع والخدمات المستوردة على حساب مثيلتها في السوق المحلية.([8])
3- إعادة النظر في نظام “اختيار أفضل الخاسرين” في الانتخابات:
يتسم النظام الانتخابي في موريشيوس بقَدْر وافر من المُجازفة؛ بحيث يسمح للأحزاب والتحالفات الحزبية إما بأن تربح كل الأصوات المُتاحة دُفعةً واحدةً، أو أن تخسرها دُفعةً واحدة، وهو سرّ فوز التحالف من أجل التغيير الذي يتزعمه رئيس الوزراء الحالي نافين رامجولام بنتيجة (60-0) في الانتخابات الأخيرة. وبجانب ذلك، يفرض النظام الانتخابي آلية يحاول من خلالها ضمان تمثيل متوازن في الجمعية الوطنية (البرلمان) الموريشيوسية، وهي آلية اختيار أفضل الخاسرين “Best Losers system”، وهم أولئك الذين لم يفوزوا بمقاعد في البرلمان، ولكن بفارق ضئيل للغاية، وبحسب تمثيلهم كذلك للمكونات المختلفة للسكان في موريشيوس. ويسمح القانون الانتخابي في موريشيوس بأن تقوم مفوضية الانتخابات بتعيين أربعة إلى ثمانية مرشحين ضمن فئة “أفضل الخاسرين”، وهو ما جرى بالفعل بالنسبة لترشيح أدريان دوفال وجو ليسجونجارد من تحالف “لي بيب”، تحالف رئيس الوزراء السابق، إلى جانب هنرييت مانان وجاك إدوارد من تحالف التحرير الخاص بجزر رودريجز.
ورغم ذلك لا تزال هناك مُطالبات بتحسين جودة نظام اختيار أفضل الخاسرين في الانتخابات الموريشيوسية القادمة؛ بحيث يُعبِّر أكثر عن التنوع الإثني في تركيبة السكان وفق آخر المُعطيات المتاحة. حتى إن التحالف من أجل التغيير الذي قاده رامجولام وفاز به في الانتخابات الأخيرة؛ لم يكن ليفوز لولا تضافُر السلوك التصويتي الهندوسي مع السلوك التصويتي للكريول على سبيل المثال؛ بجامع سَخَطهما العام على أداء حكومة جوجنوث([9]). الأمر الذي سيفتح من جديد إعادة النظر في النظام الانتخابي في موريشيوس؛ بحيث يكون ممثلًا بدرجة أكبر عن تركيبة السكان الحالية.
4- مُراعاة التركيبة السُّكانية لموريشيوس في التشكيل الوزاري الجديد:
تتسم تركيبة السُّكان في موريشيوس بدرجة غير تقليدية من التنوع؛ فهم يتوزعون بين أصول إفريقية وهندية وصينية وأوروبية على نحو ما يلي: هنود موريشيوسيون، يمثلون حوالي ثلثي السكان، كريول (أصل إفريقي واحد جزئي على الأقل)، وصينيون موريشيوسيون، فرنسيون موريشيوسيون. الأمر الذي انعكس على اللغات المُستخدَمة والديانات المُتَّبعة كذلك، ففيما يخص اللغات نجد أن الكريولية الموريشيوسية تمثل 86.5%، والبوجبوريّة تمثل 5.3%، أما الفرنسية فتمثل 4.1%، بالإضافة للغات الأخرى فتمثل نحو 2.6%، وتشمل الإنجليزية. أما في الديانات فيأتي الهندوس في المرتبة الأولى بنسبة 48.5%، أي قرابة نصف عدد السكان الموريشيوسيين، ثم الروم الكاثوليك بنسبة 26.3%، ثم المُسلمون بنسبة 17.3%، ثم مسيحيّون من طوائف أخرى بنسبة 6.4%.([10])
وهو ما دعا رئيس الحكومة الجديد نافين رامجولام، للإعلان عن أسماء تشكيلته الوزاريّة في 22 نوفمبر الماضي، أي بعد قرابة أسبوعين من فوز تحالُفه بالانتخابات العامة؛ الأمر الذي كان له صدًى في الشارع الموريشيوسي الذي تذكَّر نماذج لتشكيل الحكومة الجديدة حول العالم بعد يومين أو ثلاثة على الأكثر من الفوز بالانتخابات، إلا أنه بادَر بطمأنة نفسه بأن هذا التأخير مردُّه فقط محاولة رامجولام الوصول لأقصى درجة من التوافق على أسماء المرشحين للحقائب الوزارية المختلفة.
5- مُحاولة تحقيق أقصى استفادة مُمكنة من صفقة “جزر تشاجوس”:
وقّعت موريشيوس اتفاقية تاريخية حول جزر تشاجوس المتنازع عليها لعقود فيما بينها وبريطانيا، وذلك في شهر أكتوبر الماضي. ولا تزال قضية جزر تشاجوس موضع جدل ليس فقط في موريشيوس وإنما أيضًا في بريطانيا، حيث واجه وزير الدفاع البريطاني لوك بولارد في مطلع شهر ديسمبر الجاري موجة تساؤلات واسعة خلال جلسة بمجلس العموم، وذلك بعد أن أثار وزير الدولة لشؤون الدفاع، المعارض جيمس كارتليدج مخاوفه من مُسارعة الحكومة البريطانية من أجل نَيْل التصديق على الصفقة، وهو ما رآه سابقًا لأوانه خاصّةً قبل تولّي الرئيس الأمريكي المُنتخب دونالد ترامب في العشرين من يناير القادم، وعلى هذا الأساس طلب من حكومته تعليق التصديق على الاتفاقية الموقعة مع موريشيوس لحين تولّي ترامب وإبدائه الرأي حول هذه الصفقة. فيما أكد النائب المحافظ برنارد جينكين أن نصّ الاتفاقية مع موريشيوس يجب أن يخضع لحوار مجتمعي قبل التصديق عليها.([11])
ومن المُفارقة أن رئيس الوزراء الموريشيوسي الجديد نافين رامجولام، طالب أيضًا بإجراء مُراجعة مُستقلة للاتفاقية؛ مُعتبرًا أنه من المهم تحليل الوضع في ضوء رأي سُلطات موريشيوس قبل الإقدام على تنفيذ هذه الصفقة المتعلقة بسيادة بلاده على جزر تشاجوس. وكان رامجولام في وقتٍ سابق قد أبدى تحفظات عن الاتفاقية؛ مُبديًا دهشته من إقدام سلفه برافيند جوجنوث، رئيس الوزراء السابق، بإبرام الصفقة قبل نحو شهر واحد فقط من الانتخابات العامة.([12])
وهو ما سيدفع باتجاه أن تحوز قضية جزر تشاجوس على اهتمام الرأي العام بعد تنصيب ترامب رسميًّا، ليس فقط بين بريطانيا وموريشيوس، طرفي الصفقة، وإنما كذلك بينهما والولايات المتحدة؛ وسط احتمالية أن يقوم ترامب بعرقلة هذه الصفقة في حال رأى أنها ستكون بوابةً خلفية لمزيد من النفوذ الصيني في المنطقة؛ باعتبار أنه يضع الصين على رأس مُهدِّدات الولايات المتحدة خلافًا للرئيس الأمريكي المُنتهية ولايته، جو بايدن.
من جُملة ما سبق، يُمكن القول: إنّ التجربة الديمقراطية في موريشيوس التي كشفت عنها الانتخابات الأخيرة، تمثل في مجموعها نموذجًا مُلهمًا للتجارب الديمقراطية في إفريقيا بما يمكن معه تصدير النموذج الموريشيوسي قدر الإمكان في البيئة الإفريقية المُجاورة، مع أهمية الأخذ بعين الاعتبار عدة عوامل حاكمة: أوّلها هو أن التجربة الديمقراطية في موريشيوس لم تقم بإعادة إنتاج النظام الحاكم، وإنما واصلت اعتمادها على “دوران النخبة الحاكمة” الأمر الذي يُفضي بطبيعة الحال إلى وجود سقف محدود أمام أقصى ما تستطيع التجربة الديمقراطية أن تكشف عنه؛ لذا سيتحتم على موريشيوس التحضير للانتخابات القادمة من الآن، بسبب بلوغ رئيس الوزرء الحالي نافين رامجولام سن السابعة والسبعين، واحتمالية اعتزال برافيند جوجنوث للعمل السياسي؛ ما سيدفع باتجاه ضرورة أن تشهد الساحة السياسية في موريشيوس وجود لاعبين جدد من خارج ثنائية عائلتي رامجولام وجوجنوث.
وثانيها، هو الطبيعة السياقية الخاصة بموريشيوس، من حيث كونها دولة جزرية صغيرة لا تتجاوز مساحتها ألفي كلم، ولا يزيد عدد سُكانها عن 1.3 مليون نسمة، وبرلمانها لا يتعدى 70 مقعدًا، وكُتلتها الناخبة لا تزيد عن مليون مواطن، وهو ما لا يمكن قياسه بغالبية الدول الإفريقية التي لديها كثافة في السكان، وفي التحديات الخاصة بتركيبتهم السكانية على مساحة أرض تزيد عن موريشيوس بأضعاف المرات، وبالتالي أصبح هناك حاجة كبيرة لمواءمة كل دولةٍ على حدة لما يتناسب مع بيئتها الإقليمية وبنيتها الداخلية وطبيعة ما تواجهه من تهديدات ومخاطر.
أما ثالثها، فيتعلق بأهمية متابعة تطلُّعات الدول الجزريّة الإفريقية، مثل موريشيوس ومدغشقر وسيشل، والتي باتت محطّ تنافس دولي كبير بين أقطاب كبرى ومتوسطة في ظل بيئة دولية وإقليمية شديدة الاضطراب.
……………………………….
[1] The World Fact Book, Country Profile: Mauritius (CIA: November 4, 2024) Available at: https://www.cia.gov/the-world-factbook/countries/mauritius/
[2] Villen Anganan, Mauritius blocks social media until after election, opposition and civil society groups cry foul (Reuters: November 1, 2024) Available at: https://www.reuters.com/world/africa/mauritius-suspends-social-media-until-after-election-communications-regulator-2024-11-01/
[3] Amu Mnisi, Mauritius Ends Social Media Ban ahead of Elections (Human Rights Watch: November 7, 2024) Available at: https://www.hrw.org/news/2024/11/07/mauritius-ends-social-media-ban-ahead-elections
[4] Idem.
[5] Kamlesh Bhuckory, Dynasties battle to lead Mauritius with Democracy out of favor (The Japan Times: November 10, 2024) Available at: https://www.japantimes.co.jp/news/2024/11/10/world/politics/dynasties-mauritius-election-democracy/
[6] Idem.
[7] Mauritius opposition wins country’s election by a landslide (Associated Press- AP: November 12, 2024):https://apnews.com/article/mauritius-election-results-opposition-victory-landslide-af70d3a8810f7992cef4d1d75bbef769
[8] Prof. John H. Stanfield II, It’s Different This Time: The Third Earth Shattering Election in Mauritius (Modern Diplomacy: November 28, 2024) https://moderndiplomacy.eu/2024/11/28/its-different-this-time-the-third-earth-shattering-election-in-mauritius/
[9] Idem.
[10] The World Fact Book, Country Profile: Mauritius, Op. Cit.
[11]\ Reshma Gulbul-Nathoo, L’urgence de Ratifier l’accord Chagos Avant le Mandat de Trump remise en question (Lexpress.mu: DÉCEMBRE 4, 2024) https://lexpress.mu/s/lurgence-de-ratifier-laccord-chagos-avant-le-mandat-de-trump-remise-en-question-540496?utm_medium=Social&utm_source=Facebook&fbclid=IwZXh0bgNhZW0CMTEAAR02Q9hTSifqBtJEwvYQND4jTwor8-e13aheHN9Cuk4mftwW2GJ4CuZqELU_aem_wPaZP9S6LKEigEV_i9KZSw#Echobox=1733325099
[12] Idem.