الأفكار العامة:
– إعادة الفوز الكاسح للحزب الحاكم في الانتخابات التشريعية يسهم في صياغة المشهد السياسي السنغالي من جديد، ويؤدي إلى إضعاف الأحزاب التقليدية رغم التحديات.
– مساهمة الإرادة الشعبية والإدارة المتمرسة في الهندسة الانتخابية في ترسيخ الروح الديمقراطية في السنغال رغم إرث الانتخابات الرئاسية الشائبة في مارس 2024م.
– التَنقُّل المفرط للعديد من السياسيين، بعضهم في منتصف الحملة، بين الأحزاب -وفقًا لميل رياح مصالحهم على حساب قناعاتهم السياسية- من مثالب الإرث السياسي في إفريقيا.
– انضمام العديد إلى حزب “باستيف” بمثابة هروب من المساءلة نتيجة ضلوعهم في التجاوزات أو الاختلاسات المرتبطة بإدارتهم السابقة.
– إعادة التركيب السياسي وتوقُّع سخونة في مناقشات الملفات بين المخضرمين المتمرسين من المعارضة وبين المبتدئين الذين يُشكّلون نصيب الأسد من برلماني باستيف.
– تساؤلات حول تباين أساليب الزعيمين: أسلوب ديوماي هادئ وثابت مقابل أسلوب سونكو النشط والحيوي.
بقلم: تيديان ديهو*
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
مقدمة:
من المتوقع أن يؤدي نجاح الحزب الحاكم في الانتخابات التشريعية إلى إعادة صياغة المشهد السياسي السنغالي من جديد، وإضعاف الأحزاب التقليدية. ورغم ذلك، فإن إدارة فاي-سونكو تبدو مليئة بالتحديات؛ حيث التزم الناخبون السنغاليون بالمسار؛ فبعد سبعة أشهر من انتخابهم، في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، باشيرو ديوماي فاي، المرشح البديل لحزب “الوطنيون الأفارقة في السنغال للعمل والأخلاق والأخوة“(باستيف)، ها هم أيضًا يمنحونه الأغلبية الساحقة في الجمعية الوطنية.
ومع حصول حزب “باستيف” على 130 مقعدًا من أصل 165، أصبح في حيازة رئيس الدولة السنغالي جميع الأوراق لإحداث التغييرات اللازمة، وتنفيذ الإصلاحات الموعودة.
كانت الانتخابات، بالنسبة للسنغال، تجربة ناجحة أخرى، وهي الرابعة من نوعها خلال أربع سنوات، بعد الانتخابات البلدية في يناير 2022م، والانتخابات التشريعية في يوليو 2022م، والانتخابات الرئاسية في مارس 2024م. لم تهدأ بعدُ روح الديمقراطية السنغالية التي لا تزال على قيد الحياة وبصحة جيدة، مدعومة بإدارة متمرسة في الهندسة الانتخابية. وقد تركت الانتخابات الرئاسية الفوضوية في مارس 2024م البلاد منقسمة، وكشفت الانتخابات التشريعية عن مجتمع منقسم، ومظهر عنف شديد، وتلاسن، واستعراض العضلات والتهديدات واتهامات بالخيانة.
التنقل بين الأحزاب:
يتعين، من الآن فصاعدًا، وفي كل انتخابات، إلصاق عبارات “فرانسوا ميتران” على كل جدار في السنغال: “في طريق الخيانة، لا بد من عبور نهر العار”. في موطن العالم النحوي ليوبولد سيدار سنغور، أصبحت كلمة “التنقّل بين الأحزاب” جزءًا من الأعراف السياسية. وهي تشير إلى السياسيين الذين لا مبدأ لهم ولا قانون، والذين ينضمون بالسلاح والحقائب إلى أيّ سلطة جديدة يتم تنصيبها، وذلك مقابل إنكار مُضاعَف لأفكارهم وقناعاتهم السياسية التي كانت سائدة بالأمس.
في هذه الحالة، فإن “المتنقلين” البارزين الذين أدانوا بالأمس -إلى جانب ماكي سال- عثمان سونكو بالنسيان، انضموا إليه بالسلاح والحقائب. ويُشتبه في أن العديد منهم انضموا إلى “باستيف” للهروب من صرامة القانون، اقتناعًا منهم بأنهم مسؤولون عن بعض التجاوزات أو الاختلاسات المرتبطة بإدارتهم السابقة.
عثمان سونكو، الذي أقسم ذات مرة أن حزبه السياسي لن يرحب أبدًا بمثل هذه الشخصيات، تبنَّى الآن موقفًا أكثر دقة بشأن هذه القضية. وذكَّرنا، من الناحية العملية، بأنه لن تتم حماية أيّ شخص إذا ثبتت إدانته. سنبقى في حالة تفاؤل إذن.
تبقى الحقيقة أن الظاهرة اتخذت أبعادًا مقلقة. فقد انضم المرشحون الذين رشَّحتهم تحالفات المعارضة إلى الحزب الحاكم في منتصف الحملة الانتخابية. ولأن السياسة فوق كل الحسابات الانتخابية، فلا شك أن مساهمة هؤلاء “المتنقلين” كانت ذات وزن كبير في فوز الحزب الحاكم “باستيف”.
هذا الأسلوب الجديد في “ممارسة السياسة” مثل “ممارسة الأعمال التجارية” زعزع استقرار السنغاليين العاديين، وأحبطت معنويات السنغاليين، الذين ينظرون نظرة قاتمة للغاية إلى وصول هؤلاء النشطاء المتطفلين. ومن المؤكد أن الحياة السياسية السنغالية تستحق التطهير.
إعادة التركيب السياسي:
لقد أظهرت هذه الانتخابات، أكثر من أيّ وقت مضى، ما كان يكتبه كاتب هذه السطور هنا في اليوم التالي للانتخابات الرئاسية التي جرت في 24 مارس الماضي. فقد بدَّد حزب باستيف، الذي أصبح اليوم حقيقة اجتماعية لا يمكن إنكارها وقوة سياسية كبيرة في السنغال اليوم، المواجهة بين الاشتراكيين الديمقراطيين والليبراليين التي تخللت الحياة السياسية في البلاد منذ عام 1960م.
وفي مواجهة التراجع الحادّ للأحزاب التقليدية التي لم تقل كلمتها الأخيرة بعد، وموجة الباستيف القوية التي تبدو في الوقت الراهن غير قابلة للتوقف، يظهر شكل جديد من المعارضة في شكلين على الأقل:
على جانب الشارع، وهؤلاء هم رجال ونساء يعتقد معظمهم بحسن نية أن الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لعام 2024م، لو حدثت، كانت ستضمن توازنًا أفضل للقوى السياسية. تعمل هذه المعارضة الجديدة على هامش المجتمع المدني ووسائل الإعلام. ويتعهد أعضاؤها، الذين يُنصّبون أنفسهم حُراسًا للديمقراطية، بالوقوف في وجه عثمان سونكو. ويشتبهون في أنه بمجرد انتهائه من ترويض الأحزاب السياسية وامتصاص المجتمع المدني، فإن أجندته الخفية هي إضعاف المجموعات الصحفية الرئيسية، وفرض منظومة إعلامية جديدة أكثر انصياعًا.
على الجانب الآخر من الحديقة، من المرجّح عدم تفوّق المعارضة في العدد على المعارضة السابقة، على الرغم من تمثيلها المنخفض جدًّا في الجمعية الوطنية الجديدة. فرجال الدولة المتمرسون، والبرلمانيون المخضرمون، وأصحاب الإرادة القوية والمتذمرون الذين سترسلهم المعارضة إلى الجمعية الوطنية سيكونون قادرين على الوقوف في وجه نواب الباستيف المبتدئين في الغالب. ومن المرجَّح أن تكون المناقشات حامية الوطيس.
هل سونكو هو حقًّا ديوماي؟
السنغال اليوم مختبر سياسي غير مسبوق، وسيتوقف مستقبل البلاد إلى حد كبير على طبيعة العلاقة بين الرئيس باشيرو ديوماي فاي ورئيس وزرائه عثمان سونكو. وقد استُخدم شعار الحملة الانتخابية الرئاسية الذي أصاب كبد الحقيقة “سونكو هو ديوماي” بشكل ثانوي خلال الانتخابات التشريعية. يختلف أسلوب رئيس الدولة السنغالي، الذي يتولى المنصب الأعلى ببطء ولكن بثبات، عن أسلوب رئيس الوزراء الحماسي.
في الأسابيع الأخيرة، اتخذت بعض التعليقات التي أدلى بها الرئيس السنغالي في الأسابيع الأخيرة مظهر التوضيح والدعوة إلى النظام، وهي موجّهة بشكل غير مباشر إلى رئيس وزرائه ومرشده السياسي. ومع ذلك، فإن صعود حزب باستيف إلى السلطة وانتصاراته الواضحة في الانتخابات الرئاسية في مارس 2024م، ثم في الانتخابات البرلمانية هو أولًا وقبل كل شيء من عمل رئيس الوزراء عثمان سونكو الذي أوصل حزبه بمفرده إلى السلطة على مدى عقد من الزمن؛ حيث كان هو الألف والياء، والبوصلة والدفة. لم تكن آلة باستيف هي التي أوصلت عثمان سونكو إلى السلطة.
ولهذا السبب، فإن مكان عثمان سونكو في التركيبة المؤسسية المستقبلية، والتشكيل المحتمل للحكومة الجديدة وتوازنات التحالف والولاء التي تلعبها الأغلبية في الجمعية الوطنية ستكون حاسمة بالنسبة للرئيس “فاي”.
ــــــــــــــــ
الهامش:
* تيديان ديهو: مستشار دولي، كان أكاديميًّا وصحفيًّا سابقًا في مجلة جون أفريك وقناة تي في 5موند، وعمل موظفًا مدنيًّا دوليًّا لمدة 20 عامًا.
رابط المقال:https://www.lepoint.fr/afrique/les-lecons-de-dakar-25-11-2024-2576167_3826.php