تمهيد:
إن المتتبع لتطور العلاقات الاقتصادية والتجارية بين بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، و”إسرائيل”، ليجد بما لا يداع مجالا للشك أن تلك العلاقة في محصلتها في تنامي وإن كان بطيئا، على الرغم من مرورها بمد وجذر، وهو ما ظهر جليا في موقفه اتجاه العدوان الأخير على غزة.
وعلى الرغم من وجود تفاصيل كثيرة عند قراءة منحنى العلاقة والدوافع وراء هذا التطور الخطير في مواقف البلدان الإفريقية تجاه القضية الفلسطينية، إلا أن الأمر ليعد بمثابة جرس انذار للعرب والمسلمين وللأفارقة والانسانية جمعاء. فبد مرور عقد واحد من آخر اختبار لموقف البلدان الإفريقية (حرب غزة 2009)، تبدلت المواقف ودوافعها.
حيث اختارت اسرائيل أين تركز في إفريقيا، وأي الاقطاعات الاقتصادية والخبرات التي تتمكن من خلالاها في التأثير على مواقف تلك البلدان، في ظل تراجع الدور العربي والاسلامي في القارة.
ومن المعروف أن في كل صراع رابحون وخاسرون، ومنه تحاول تلك الدراسة الموجزة الوقوف على التداعيات الاقتصادية للعدوان الاسرائيلي على غزة بعد مرور عامه الأول من خلال:
المحور الأول: الموقف المتراجع لبلدان إفريقيا جنوب الصحراء تجاه العدوان الاسرائيلي على غزة ودوافعه.
المحور الثاني: التداعيات الاقتصادية للعدوان الإسرائيلي على إفريقيا جنوب الصحراء.
المحور الثالث: اضطراب الملاحة في البحر الأحمر وانعكاساته على إفريقيا جنوب الصحراء.
المحور الرابع: البراجماتية الاقتصادية وجني المكاسب على دماء الأبرياء: أمثلة لبعض بلدان إفريقيا.
خاتمة.
المحور الأول
الموقف المتراجع لبلدان إفريقيا جنوب الصحراء تجاه العدوان الاسرائيلي على غزة ودوافعه
أولًا: تطور الموقف الافريقي من دعم القضية الفلسطينية
مهد الفشل في التوصل إلى وقف إطلاق النار الطريق للتصعيد الإقليمي الحالي والحرب التي تبدو بلا نهاية في غزة، حيث استشهد أكثر من 41700 شخص خلال عام من الحرب بينهم أكثر من 16 ألف طفل. وأصيب ما يقرب من 100 ألف شخص آخرين، وأكثر من عشرة آلاف في عداد المفقودين ويُفترض أنهم ماتوا تحت الأنقاض، وتم تهجير حوالي 1.9 مليون شخص – 90٪ من السكان – من منازلهم قسراً، مرات عديدة، ويواجه ما يقرب من نصف مليون شخص انعدام الأمن الغذائي، وتم تدمير البنية التحتية الحيوية في غزة، والاقتصاد، والأراضي الزراعية، وأساطيل الصيد([1]).
وقد أثار الصراع مناقشات في بلدان القارة حول كيفية التوفيق بين أهدافهم الاقتصادية والتجارية وواقعهم السياسي والثقافي. ولكن في حين أن العديد من الدول الإفريقية أقامت منذ فترة طويلة علاقات عميقة الجذور مع فلسطين ونضالاتها، تمكنت إسرائيل في السنوات الأخيرة من التأثير على الآراء في أجزاء من القارة باستخدام نفوذها الاقتصادي والتكنولوجي. ومع مواجهة الاقتصادات الإفريقية لخسائر فادحة بسبب الصراع، فقد تشعر بعض الحكومات بأنها لا تستطيع تحمل صدمة عالمية أخرى([2]).
ولقد تباينت مواقف بلدان إفريقيا جنوب الصحراء من العدوان؛ فمثلا أعربت كينيا وغانا ورواندا والكونغو الديمقراطية عن بعض أشكال الدعم لإسرائيل، بينما أعربت الجزائر وتونس وجنوب إفريقيا والسودان عن بعض أشكال الدعم لفلسطين. واتخذت نيجيريا وأوغندا موقفًا محايدًا([3]).
وفي نهاية ديسمبر 2023، رفعت جنوب إفريقيا دعوى قضائية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، وذهب رئيس جزر القمر غزالي عثماني إلى حد التنديد بالإبادة الجماعية، وحظي رئيس وزراء السلطة الفلسطينية بمكانة شرفية في قمة الاتحاد الإفريقي، في حين لم تتم دعوة أي وفد إسرائيلي. وأخيراً، صوتت 38 دولة إفريقية لصالح قرار الأمم المتحدة الداعي إلى وقف فوري لإطلاق النار. ولكن على النقيض من حرب يوم الغفران (التي علقت خلالها معظم الدول الإفريقية علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل)، والانتفاضة الثانية (التي قطعت خلالها تونس والمغرب علاقاتهما مع إسرائيل)، وحرب غزة الأولى في عام 2009 (حيث طردت موريتانيا السفير الإسرائيلي)، تجنب الأفارقة إلى حد كبير اتخاذ خطوات دبلوماسية جذرية ضد إسرائيل. حتى الدول ذات الأغلبية المسلمة لم تتجاوز الإدانة العلنية. كما امتنع عدد من دول الاقليم ــ مثل توغو، والرأس الأخضر، والكاميرون، وجنوب السودان ــ عن التصويت لصالح قرار وقف إطلاق النار، وكانت القاضية الأوغندية جوليا سيبوتيندي هي الوحيدة في لاهاي التي عارضت كل الاتهامات الموجهة إلى إسرائيل خلال جلسات الاستماع التمهيدية في يناير([4]).
ثانيًا: دوافع الموقف الإفريقي المتراجع
إن هذا الموقف متجذر في علاقة قديمة امتدت حتى قبل إنشاء إسرائيل عندما أعرب ثيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، عن اهتمامه بمصير إفريقيا. وبعد قيام الدولة؛ تطور التعاون بشكل عفوي وبسرعة. حتى أطلق على فترة الستينيات “العصر الذهبي” للعلاقات الإسرائيلية الإفريقية. حيث كان لإسرائيل ثلاثة وثلاثين سفيراً في إفريقيا، وتجاوزت مساعداتها الإنمائية مساعدات معظم أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. كما عرضت على إفريقيا نموذجاً لإنهاء الاستعمار، عندما نجحت في تأمين حق تقرير المصير من البريطانيين، والتغلب على تحديات الاكتفاء الذاتي والتنمية. وقد استلهم نيلسون مانديلا نفسه من الجماعات شبه العسكرية الصهيونية مثل إرجون في قيادة الجناح المسلح للمؤتمر الوطني الإفريقي. كما أسس النموذج الاشتراكي الذي تبناه زعماء إسرائيل الأوائل منذ البداية نموذجاً للتعاون “المساواتي” مع البلدان الإفريقية، والذي اختلف كثيراً عن نهج القوى الاستعمارية. ومع اندلاع حرب يوم الغفران شهدت إسرائيل انهيار علاقاتها مع معظم بلدان إفريقيا. وشعر زعماءها بالخيانة، فتراجع نشاطها في القارة حتى الثمانينيات عندما أعرب الافارقة من احباطهم من الدول العربية التي لم تف بوعودها لهم مقابل مقاطعة إسرائيل خاصة في مجال الطاقة([5]).
وفي سياق اتفاقيات أوسلو أعيد تأسيس تلك العلاقة تدريجيا، ومنذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأ أفيجدور ليبرمان، وزير خارجية اسرائيل في تنويع التحالفات الدبلوماسية في القارة. وفي عام 2016، زار بنيامين نتنياهو شرق إفريقيا، وفي يونيو 2017 دعته الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لإلقاء كلمة في قمتها. وعاد إلى كينيا في نوفمبر 2017 للقاء 11 زعيمًا إفريقيا لمناقشة التعاون الأمني في منطقة القرن الإفريقي. ولكن حتى عام 2024، افتقرت إسرائيل إلى سياسات اقتصادية ودبلوماسية طموحة لتطوير علاقاتها مع إفريقيا. فليس لديها اليوم سوى 13بعثة دبلوماسية و3 تمثيلات اقتصادية وملحق عسكري واحد فقط في إفريقيا. ويمكن أن يعزى هذا إلى مزيج من استراتيجية إسرائيلية محدودة، وموارد ضيقة مخصصة لعلاقتها بإفريقيا، أو حقيقة أن الدول الإفريقية كانت تركز جهودها على تطوير الروابط مع الجهات الفاعلة الدولية الأخرى.
وتعمل العديد من الديناميكيات التي نشأت في العقدين الماضيين على تغذية تسارع العلاقات بين إفريقيا وإسرائيل ([6]):
- عدلت اتفاقيات إبراهيم النموذج الذي منع إسرائيل من الاندماج في المنطقة دون معاهدة سلام مع الفلسطينيين. وفي أعقاب هذه الاتفاقيات، تمكنت من إجراء مناقشات تطبيع مع دول أخرى، حيث أجرت محادثات أولية مع الصومال وجزر القمر والنيجر. وافتتحت بعثة دبلوماسية في رواندا واعترفت بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية. وافتتحت مالاوي سفارة في تل أبيب، في حين أعلنت سيراليون والكونغو الديمقراطية عن نيتهما القيام بنفس الشيء. وتعهدت إسرائيل بإعادة فتح تمثيل في كينشاسا بعد غياب 30 عامًا. وفي مايو 2022، تم تنظيم أول مؤتمر دبلوماسي حول إفريقيا وإسرائيل في باريس. وفي يناير 2023، بدأت شركة العال، الخطوط الجوية الوطنية الإسرائيلية، أولى رحلاتها إلى غرب إفريقيا، لخدمة مدينتي أبوجا ولاغوس النيجيريتين. كما أن احتمال توسيع التطبيع مع اسرائيل، برغم الحرب الحالية، قد يزيد من تسريع التطبيع مع الدول الإفريقية ذات الأغلبية المسلمة.
- كانت إسرائيل نشطة على المستوى المتعدد الأطراف حيث استعادت في البداية وضعها كمراقب في الاتحاد الإفريقي في عام 2021، والذي فقدته في عام 2002 تحت الضغط الليبي. وقبل الأزمة الحالية، بدأت حملة في الأمم المتحدة لإقناع دول إفريقية محددة بالابتعاد عن حركة عدم الانحياز. وقد أظهرت هذه الجهود علامات نجاح أولية قبل أن تؤدي الحرب الحالية إلى توقفها.
- بعد تجربة نفوذ القوى الاستعمارية السابقة، ومنافسي الحرب الباردة، والدول النفطية القوية، تعمل دول إفريقيا الآن على تلميع سياساتها الخارجية المستقلة تمامًا، وبدأ النفوذ السياسي للقارة يصبح محسوساً على المستوى العالمي، كما تتنافس القوى الكبرى مع بعضها البعض لإقامة شراكات محلية. وعلى هذا أصبحت أقل عُرضة للضغوط الخارجية التي أدت إلى الإغلاق الدبلوماسي في حرب أكتوبر والانتفاضة الثانية. وتبدو إسرائيل في نظر العديد من هذه الدول شريكاً عملياً تشكل خبرته في مجالات مثل الزراعة والمياه والتكنولوجيا أهمية بالغة للتنمية.
كذلك تستخدم اسرائل ملف المياه لتحقيق أهداف تجاه دول القرن الإفريقي والبحيرات، وقدمت دراسات تفصيلية لبناء ثلاثة سدود لإحكام السيطرة على مياه البحيرات العظمى وقامت باختبارات للتربة في رواندا، ووقعت في عام 2000 اتفاقا مع أوغندا لتنفيذ مشاريع ري في 10 مقاطعات متضررة من الجفاف بالقرب من الحدول الاوغندية السودانية([7]).
وتقع القارة في المرتبة الرابعة في مبيعات الأسلحة الإسرائلية، وأحد الموردين الرئيسيين للأسلحة الخفيفة، مما مكنها من إقامة علاقات استرايجية مع العديد من بلدان القارة مع تصاعد قيمة الصادرات الأمنية الاسرائلية إلى القارة في عام 2019. وقد تبلور هذا التنامي في العلاقة في نشر قوة بحرية قادرة على مواجهة التهديدات المفاجئة تضم قوارب صاروخية وطائرات مروحية وغواصات في مواقع مهمة في البحر الأحمر. ولكن على الرغم من ذلك، وإعلان مالاوي عام 2020 نقل سفاراتها إلى القدس وتبعتها غينيا الاستوائية عام 2021 ، قررت قمة الاتحاد الإفريقي 36 في فبراير 2023 بالإجماع تعليق قرار منح اسرائيل صفة مراقب، وتم طرد الوفد الاسرائيلي من مراسم افتتاح القمة ([8]).
المحور الثاني
التداعيات الاقتصادية للعدوان الإسرائيلي على إفريقيا جنوب الصحراء
كان من المتوقع أن تؤدي تداعيات حرب غزة إلى تعطيل الاقتصادات الإفريقية التي لم تتعافى بعد من أزمات المناخ وكورونا والحرب الروسية الاوكرانية، وفي ظل محدودية الاحتياطيات القادرة على امتصاص صدمات خارجية جديدة، وارتفاع درجات المخاطرة وهروب المستثمرين نحو الأمان؛ الدولار والذهب، مع اعتماد تلك الاقتصادات بشكل كبير على السلع الأساسية التي قد تتعرض لتقلبات جامحة؛ لمن شأنه أن يخلف تأثيرا واضحا على ميزان المدفوعات والمواقف المالية. مع تهديد تدفقات الطاقة العالمية بعد ظهور مضيق هرمز كهدف استراتيجي، فضلا عن تعطل الملاحة في البحر الأحمر. مع تحذيرات البنك الدولي من أن الصراع قد يؤدي إلى إحداث “صدمة” اقتصادية عالمية.
أولًا: التداعيات على الذهب والطاقة
سيكون هناك رابحون وخاسرون من الصراع، وسوف يستفيد منتجو الذهب مثل جنوب إفريقيا وغانا وتنزانيا، حيث ستعزز ارتفاعات الأسعار الكبيرة أرباحهم من النقد الأجنبي. غير أن أسعار النفط المرتفعة سيكون لها تأثير سلبي على الاقتصادات المستوردة للنفط مثل كينيا وموزمبيق، حيث تكافح العديد منها لتغطية فواتيرها الخارجية بسبب انخفاض قيمة العملة ونضوب احتياطيات النقد الأجنبي([9]).
ومن ثم ستكون تكاليف الطاقة المرتفعة ضربة قوية للاقتصادات كمنطقة شرق إفريقيا، التي توقعها البنك الإفريقي للتنمية بأنها المنطقة الأسرع نمواً في القارة، بمعدل نمو يبلغ 5.1% هذا العام، قد تتابع عن كثب التطورات في صراع غزة نظراً لعلاقاتها الثنائية مع كل من الدول الغربية والعربية. كما أن أحد التأثيرات المحتملة هو خفض الولايات المتحدة لتدفقاتها الدولارية إلى العالم العربي، مما يؤثر بشكل غير مباشر على دول القرن الإفريقي، التي تعتمد على هذه الدول للحصول على الدعم الاقتصادي([10]).
ثانيًا: الأثر على حركة التجارة الخارجية
تأثرت تجارة السلع في القارة بالصراع، تلك التي حققت نموًا مذهلاً بنسبة 15.93 % محققة 1.4 تريليون دولار في عام 2022، ارتفاعًا من 1.2 تريليون دولار في عام 2021، منكمشة بنسبة 6.3 % إلى 1.3 تريليون دولار في عام 2023. ويعزى انخفاض معدل نمو تجارة السلع في إفريقيا إلى عدة عوامل، بما في ذلك التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، والتي تعكسها الحرب المطولة في أوكرانيا واندلاع الصراع بين إسرائيل وغزة مؤخرًا. حيث غذت هذه الصراعات حالة عدم اليقين في السياسات، مع استمرار ارتفاع أسعار الفائدة مما أثر على الاستثمارات. وقد أدى هذا، إلى جانب النمو البطيء في الصين وفي بعض الاقتصادات المتقدمة الكبرى، إلى إضعاف الطلب العالمي على السلع الأساسية وخفض صادراتها. وقد عوضت الزيادة في فاتورة الواردات في إفريقيا عن ارتفاع أسعار الوقود، في قارة 87 % من بلدانها مستوردة صافية للنفط. وقد أدى هذا إلى تقييد أداء تجارة إفريقيا. وبعد ارتفاع حاد في نمو الصادرات من 12.6 % في عام 2020، شهدت السنوات اللاحقة تقلبات في أداءها. وأثرت الاتجاهات المتغيرة في النمو السنوي للصادرات والواردات بشكل كبير على التجارة داخل المنطقة، التي تباطأت بنحو 3.2 % في عام 2023([11]).
ثالثًا: الضغوط التضخمية
إن تفاقم الاختناقات في سلاسل التوريد ووضع المزيد من الضغوط على أسعار الطاقة سيؤدي إلى إضعاف الدخول الحقيقية وتقليص الاستهلاك الخاص مع تأثيرات سلبية على النمو. وعلاوة على ذلك، فإن ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة من شأنه أن يرفع فاتورة الواردات لدى الحكومات، مما يقيد قدرتها على الاستثمار في تطوير السلع العامة لدعم النمو. كما أن ارتفاع التضخم يعني ارتفاع أسعار الفائدة، مما يقيد القدرة على الوصول إلى الائتمان والاستثمارات([12]).
رابعًا: العواقب الجيوسياسية والأمنية
وضعت العواقب الجيوسياسية للتصعيد في غزة إفريقيا في مأزق جيوسياسي ناجم عن الصراع في أوكرانيا. ويتعين على البلدان أن تختار بين حليف في النضال ضد الاستعمار وفي نفس الوقت محسنين رئيسيين من الغرب- وهما لا يجتمعان- في حين تتصارع مع المعضلات الأخلاقية المتمثلة في الانحياز إلى أي منهما. وهناك أيضاً الجدل الدائر حول عدم الانحياز نفسه([13]).
وبالمثل، فإن إثيوبيا ومصر في وسط حقل ألغام “السياسة الواقعية”. ويتعين على كل منهما خدمة مصالحها مع كتلة البريكس التي تضم إيران والعديد من الحلفاء للقضية الفلسطينية، مع الحفاظ على علاقات قوية مع الغرب وإسرائيل. كما أن الصراع يختبر أيضًا الديناميكيات السياسية والأمنية الهشة. حيث ارتفعت التوترات الاجتماعية في البلدان التي تضم مزيجا من السكان المسلمين والمسيحيين واليهود، مثل نيجيريا. فضلا عن زيادة مخاطر الإرهاب في العديد من المناطق، حيث تستخدم الجماعات الصراع لتبرير الهجمات، وتحويل المشاعر العامة ودفع التجنيد في الجماعات المتمردة. كحركة الشباب التي حاولت وضع نفسها في نفس سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويمتد خطر مماثل عبر منطقة الساحل([14]).
كما تستغل روسيا والعديد من الدول في الشرق الأوسط، بما في ذلك إيران، الصراعات التي نشأت في السودان والصومال لتنمية المشاركة العسكرية مع بعض الفصائل المشاركة في الأزمات, حيث تعمل هذه الدول على تعزيز أهدافها الاقتصادية والعسكرية والسياسية في منطقة القرن الإفريقي ومنطقة البحر الأحمر الكبرى على حساب مصالح السكان المحليين. وتدعم إيران وروسيا أطرافًا مختلفة في الحرب الأهلية في السودان لتعزيز مصالحها في المنطقة، ولجأت الصومال إلى مصر وتركيا للمساعدة في مواجهة اتفاقية القاعدة البحرية بين إثيوبيا ومنطقة أرض الصومال؛ مما أدى إلى زيادة خطر اندلاع صراع إقليمي أوسع نطاقا([15]).
المحور الثالث
اضطراب الملاحة في البحر الأحمر وانعكاساته على إفريقيا جنوب الصحراء
أولًا: التأثيرات قصيرة المدى لاضطراب الملاحة في البحر الأحمر
إن الاضطرابات الحالية في حركة الملاحة في البحر الأحمر ستؤثر في المقام الأول على طرق التجارة وسلاسل التوريد بين أوروبا وآسيا، والبلدان الإفريقية لن تفلت من العدوى. لكن الدول الذكية قد تستمد بعض الفوائد التجارية والاستراتيجية من الاضطرابات.
ويمر حوالي 12٪ من التجارة العالمية و30٪ من حركة الحاويات عبر هذه المنطقة سنويًا. ومع الجفاف في قناة بنما وحصار البحر الأسود، فإن الوضع الحالي يزيد من تعقيد ديناميكيات الشحن. وتشير التقارير إلى أن أكثر من 18 خط شحن يتجنب قناة السويس. صحيح كان رد فعل أسعار السلع الأساسية أقل من المتوقع، حيث أدت مدفوعات التأمين لشركات الشحن إلى تأخير تغييرات الأسعار من خلال امتصاص العبء الذي كان لينتقل إلى المستهلكين. ولكن قد يؤدي التوتر بين إيران والغرب إلى امتداد الصراع في أماكن أخرى. فضلا عن التوترات بين الصومال وإثيوبيا وأرض الصومال بشأن صفقة الموانئ قد تضيف بعدًا آخر إلى الأزمة. وهو ما يشكل ضررا ماليا كبيرا، ومن ثم صدمات تضخمية من خلال ناقلات التكلفة. وقد ترتفع تكلفة السلع التي تتطلب مدخلات من آسيا والشرق الأوسط. وسوف تكون إفريقيا، وهي مستورد رئيسي للسلع النهائية، في طليعة المتأثرين. وقد يؤدي ارتفاع أسعار السلع الأساسية أيضا إلى صدمة سعرية ثانية؛ فالرحلات البحرية الأطول تعني المزيد من الطلب على الوقود؛ والقيود المفروضة على الشحن في البحر الأحمر تعني المزيد من القيود على العرض. وهذا يعني في مجموعها توافرا محدودا وتكاليف أعلى لكل وحدة. وحتى في ظل الحديث عن وقف إطلاق النار، كانت أسعار النفط ترتفع باطراد منذ بدء الصراع. وقد تزحف نحو 75 دولارا للبرميل الذي شهدناه في أواخر يناير([16]).
وقد يؤدي كل هذا إلى زيادة مخاطر سداد الديون، في عام تواجه فيه إفريقيا استحقاقات متعددة. حيث أثارت الأزمة شعوراً بالتكرار ــ إنها أوكرانيا ثانية. ولكن هذه المرة، أصبحت الأدوات المالية والنقدية التي تمكن من تحمل صدمة كبرى أخرى محدودة. وفي الوقت نفسه، بلغت أسعار الفائدة المرجعية مستويات مرتفعة تاريخية، ومن المرجح أن تؤدي الزيادات الإضافية إلى استنزاف نشاط جانب الطلب الهش. كما أصبح المناخ السياسي أكثر حساسية مما كان عليه في أوائل عام 2023. ومع وجود نحو 20 انتخابات هذا العام، يتعين على صناع السياسات أن يوازنوا بين عزل الاقتصادات عن المخاطر المتزايدة، والحفاظ على المشاعر العامة. كما يبدو أن التقلبات في البحر الأحمر قد أحيت شبح القرصنة البحرية أيضا، فقد ينشأ فراغ يستغله القراصنة([17]).
أيضا سيكون هناك رابحون وخاسرون ومن بين المستفيدين موريشيوس ومدغشقر وإلى حد ما ناميبيا. وتقع الدول الثلاث عند منعطفات استراتيجية على طول الطريق البحري بين آسيا وأوروبا، مما يجعلها محطات خدمة مثالية. ومن المؤكد أن جنوب إفريقيا سوف تستفيد أكثر من غيرها، نظراً لموقعها والبنية التحتية المتطورة للموانئ والخدمات اللوجستية. ومع ذلك، فقد تم التخلي عن المكاسب المحتملة بسبب بعض الاخفاقات في موانيها. والواقع أن البلدان الواقعة على طول ساحل المحيط الهندي مثل كينيا وتنزانيا وأنجولا تتمتع بموارد أفضل من موريشيوس ومدغشقر وناميبيا ــ ولكنها تقع خارج ممرات الشحن التقليدية حول كيب تاون. ومن المؤكد أن موزمبيق تتمتع بموقع أفضل، ولكن التحول في التجارة العالمية يأتي مع بدء البلاد في تجديد موانئها([18]).
لقد أثرت أزمة البحر الأحمر أيضًا على الموانئ الإفريقية وتسببت في الازدحام، حيث يستلزم إعادة التوجيه الحاجة إلى المزيد من السفن للرسو في الموانئ بما في ذلك خدمات التزويد بالوقود. وهذه الموانئ ليست مستعدة دائمًا لخدمة السفن الإضافية وتلبية احتياجات السفن الأكبر حجمًا. في الوقت الذي كشفت فيه الاضطرابات في عامي 2020 و2022 في مجال الخدمات اللوجستية العالمية والحرب في أوكرانيا عن ضعف سلاسل التوريد الممتدة في مواجهة الاضطرابات وكشفت عن حالات من سوء الاستعداد. وبالنسبة للتجارة الإفريقية، فإن تعطيل قناة السويس له أهمية كبيرة؛ لأن السوق الأوروبية هي الشريك التجاري الأكثر أهمية حيث تمثل 26٪ من جميع الواردات إلى القارة، والسوق الأولى لـ 26٪ من جميع الصادرات الإفريقية. وتعتمد تجارة العديد من دول شرق إفريقيا بشكل كبير على قناة السويس. وتشير التقديرات إلى أن 31٪ من التجارة الخارجية من حيث الحجم لجيبوتي تمر عبر القناة. ولكينيا، تبلغ الحصة 15٪، ولتنزانيا فهي 10٪. و34% من تجارة السودان. تسبب تعطيل قناة السويس في نقص ليس فقط في الحاويات القابلة للتلف ولكن أيضًا العادية بسبب زيادة وقت تسليم البضائع مثل الأفوكادو في شرق إفريقيا وسلاسل توريد الشاي والقهوة([19]).
يضيف إعادة توجيه السفن حول القارة الإفريقية حوالي 12 يومًا إلى رحلة السفينة من آسيا إلى أوروبا ويعمل كصدمة إمداد سلبية تعادل زيادة بنحو 30٪ في أوقات العبور. وتشير التقديرات إلى أن مسافات السفر الممتدة وأوقات العبور تقلل من سعة الشحن العالمية للحاويات الفعالة بنحو 9٪. وتستغرق الرحلة ذهابًا وإيابًا بين الهند وأوروبا -مثلا- 56 يومًا و8 سفن. وإذا استغرقت الرحلة 63 يومًا، فستكون هناك حاجة إلى سفينة إضافية. والانخفاض في عبور السفن عبر قناة السويس هائل، حيث انخفض بنسبة 42٪ مقارنة بالذروة في عام 2023. ومن ثم فإن التحول من خليج عدن إلى رأس الرجاء الصالح كبير؛ فقد انخفضت حمولة السفن الداخلة إلى خليج عدن بأكثر من 70% بين النصف الأول من ديسمبر 2023 والنصف الأول من فبراير 2024. وبحلول الأسبوع الأول من مارس 2024، زادت الحمولة الإجمالية للسفن القادمة إلى رأس الرجاء الصالح بنسبة 85% (متوسط التحرك لمدة 7 أيام) مقارنة بالنصف الأول من ديسمبر 2023. كما زادت أعداد سفن الحاويات الوافدة إلى رأس الرجاء الصالح من حيث الحمولة الإجمالية بنسبة كبيرة بلغت 328% ([20]).
ثانيًا: تعزيز الطرق البديلة من الشرق إلى الغرب
يمكن أن يؤدي هذا الوضع إلى زيادة التركيز على رفع مستوى تيسير التجارة الرقمية وزيادة الاستثمار في البنية التحتية في المناطق الداخلية من إفريقيا. وفي حين صادقت معظم الدول على اتفاقية تيسير التجارة لمنظمة التجارة العالمية التي تم تبنيها في عام 2014، فإن التنفيذ لا يزال منخفضًا للغاية، وينعكس في انخفاض القدرة على التكيف مع التغييرات غير المتوقعة. بالإضافة إلى تسريع تخليص الواردات والصادرات والسلع العابرة، يسمح تيسير التجارة بمزيد من القدرة على التنبؤ والتكيف مع الصدمات من خلال تحديث عمليات وكالات الحدود بحلول رقمية وأنظمة إدارة مرنة ومنسقة. ويتراوح معدل تنفيذ اتفاقية تيسير التجارة في العديد من البلدان الإفريقية بين 20٪ و79٪. وأعلنت ثلاث دول فقط، وهي بنين وجمهورية الكونغو الديمقراطية وموزامبيق، أنها نفذت اتفاقية تيسير التجارة بالكامل([21]).
أيضا قد يوفر الارتفاع في الطلب على خدمات التزويد بالوقود فرصة إضافية لتعزيز أجندة إزالة الكربون البحري. وقد يؤدي زيادة الاتصال البحري ونشاط الموانئ إلى زيادة الضغوط نحو التحول الأخضر في إفريقيا، الأمر الذي يتطلب توفير الوقود البديل، وقد يؤدي إلى تطوير ممرات الشحن الخضراء([22]). وتعتبر ناميبيا وجنوب إفريقيا من بين الممرات الخضراء الـ 44 التي حددها المنتدى البحري العالمي ([23]). وقد بدأت بعض البلدان الإفريقية بالفعل في التحول نحو الموانئ الخضراء([24]).
أدى أيضا إعادة توجيه الشحن العالمي إلى زيادة الطلب بشكل كبير على خدمات التزويد بالوقود وإعادة التخزين في بعض الموانئ الإفريقية، وخاصة تلك الواقعة في مواقع استراتيجية على الطريق البحري حول رأس الرجاء الصالح. حيث استفادت الموانئ في جنوب إفريقيا، وخاصة ديربان، مقارنة بالعديد من الموانئ الإفريقية الأخرى. على الرغم من أن موانئها كانت مقيدة بعدم الكفاءة والازدحام وقضايا إمدادات الطاقة التي منعت المشغلين من استغلال أزمة أمن البحر الأحمر بشكل كامل وزيادة تدفق حركة المرور البحرية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن خدمات التزويد بالوقود في جنوب إفريقيا في خليج ألجوا المحمي نسبيا متوقفة إلى حد كبير بسبب تحقيق ضريبي يجريه مصلحة الضرائب في جنوب إفريقيا([25]).
لقد دفعت محنة موانئ جنوب إفريقيا -التي كانت هناك جهود لحلها- بعض شركات الشحن التي تستخدم طريق كيب للتجارة بين الشرق والغرب إلى البحث عن أماكن أبعد للحصول على خدمات إعادة التخزين والتزويد بالوقود. وقد استفاد من هذا بشكل مباشر مدغشقر (تواماسينا)، وموريشيوس (بورت لويس)، وناميبيا (خليج والفيس)، والتي تقع في موقع استراتيجي على طريق الشرق والغرب الذي يربط آسيا بأوروبا. بينما تقع الموانئ الرئيسية في شرق إفريقيا بما في ذلك مومباسا (كينيا)، ودار السلام (تنزانيا)، وبيرا (موزمبيق) خارج ممرات الشحن التقليدية التي تربط آسيا بأوروبا، ولكنها استفادت من زيادة حركة المرور من وإلى الموانئ الواقعة في الخليج العربي والتي تتجنب البحر الأحمر وتبحر بدلاً من ذلك عبر كيب. ولكن هذه الدول الواقعة في شرق إفريقيا تعتمد على قناة السويس باعتبارها طريقاً مهماً إلى الموردين والأسواق الرئيسية في شمال إفريقيا وخاصة أوروبا ــ وهو ما يعني تكاليف أعلى وتأخيرات أطول واضطرابات لشركات الشحن ومشغلي الموانئ. وعلى ساحل غرب ووسط إفريقيا، كان التأثير الإيجابي لأزمة البحر الأحمر أقل بروزاً، ومن المرجح أن يؤدي إلى زيادة التأخيرات والتكاليف للتجارة الإفريقية المتنامية بسرعة مع نظرائها الآسيويين أو الشرق الأوسط. وربما تكون الموانئ الرئيسية في أنجولا (لواندا)، وعلى طول خليج غينيا في الكاميرون (دوالا)، ونيجيريا (لاجوس)، وغانا (تيما)، وكوت ديفوار (أبيدجان)، وفي السنغال (داكار) غنية بالموارد ولكنها بعيدة كل البعد عن ممرات الشحن التقليدية من الشرق إلى الغرب حول رأس الرجاء الصالح لتقديم خدمات إعادة التخزين والتزويد بالوقود بتكلفة فعّالة لحركة المرور المحولة في البحر الأحمر([26]).
المحور الرابع
البراجماتية الاقتصادية وجني المكاسب على دماء الأبرياء: أمثلة لبعض بلدان إفريقيا
انعكس التنامي في تطور العلاقات الإسرائيلية الإفريقية، في عقد اتفاقيات في ظروف حالكة كالحرب التي يشنها الكيان على غزة ومنها:
أولًا: تجنيد طالبي اللجوء
وفقا لصحيفة هآرتس؛ سعت إسرائيل إلى تجنيد طالبي اللجوء الأفارقة لعمليات حرب غزة، حيث يقدم مسؤولو الأمن الإسرائيليون حافز الحصول على وضع الإقامة الدائمة لطالبي اللجوء الذين يوافقون على المشاركة في عمليات عسكرية([27]). حيث يعيش في إسرائيل حوالي 30 ألف طالب لجوء، معظمهم من السودان وإريتريا، اعتبارًا من عام 2020، ولكن أقل من 1% من تلك الطلبات تتم الموافقة عليها([28]).
ثانيًا: محادثات التهجير الطوعي
أصبح إعادة التوطين “الطوعي” للفلسطينيين من غزة تدريجيا سياسة رسمية رئيسية للحكومة الإسرائيلية، حيث صرح مسؤول كبير أن إسرائيل عقدت محادثات مع عدة دول لاستيعابهم المحتمل. وأن ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يجري اتصالات سرية لقبول آلاف المهاجرين من غزة مع الكونغو، بالإضافة إلى دول أخرى([29]).
ثالثًا: تصدير العمالة الإفريقية إلى إسرائيل
بعد طرد العمال الفلسطينيين، لجأت “إسرائيل” إلى تجنيد العمال من دول في آسيا وإفريقيا، حيث تتطلع إلى توظيف ما يصل إلى 20 ألف عامل لقطاع البناء. كما يواجه قطاع الزراعة في إسرائيل، الذي يشكل محور الأسطورة الصهيونية الاستعمارية الاستيطانية “جعل الصحراء تزدهر”، “أكبر أزمة له منذ1948”. حيث إن ما يقدر بنحو 10 آلاف عامل مهاجر تايلاندي غادروا. فلجأت إسرائيل إلى دول في إفريقيا. في نوفمبر 2023، أرسلت مالاوي 221 شابًا للعمل في المزارع الإسرائيلية، حيث أعلنت الحكومة أنها سترسل 5000 شخص إضافي. حيث أقلعت أول طائرة على متنها عمال بعد أسابيع فقط من تسليم إسرائيل حزمة مساعدات بقيمة 60 مليون دولار إلى مالاوي([30]).
ويتجه آلاف العمال الزراعيين من الدول الإفريقية إلى إسرائيل لسد الفجوات التي خلفتها الحرب. وفقًا للحكومة الإسرائيلية، فإن ما بين 30 ألفًا و40 ألف عامل “مفقودون من مزارعها”، وقد أرسلت مالاوي وكينيا بالفعل عمالًا، ومن المقرر أن يحصلوا على راتب شهري قدره (1500 دولار) بموجب عقود قابلة للتجديد تمتد لثلاث سنوات. وفي وقت سابق أعلن الرئيس المالاوي لازاروس تشاكويرا إن البلاد ستسعى إلى إرسال 100 ألف من عمالها الشباب كجزء من اتفاق مخطط له مع الحكومة الإسرائيلية. وقال: “الأمر الأكثر إثارة هو أننا الآن في طريقنا لتوقيع مبادرة واتفاقية بين حكومتين مع إسرائيل، تهدف إلى تصدير 100 ألف مزارع للعمل هناك، وهو ما سيترجم إلى 6 ملايين دولار في شكل تحويلات مالية”. وكجزء من الاتفاقية، تلقت الدولة الإفريقية بالفعل أكثر من (700 ألف دولار)، وأرسلت مالاوي بالفعل 400 عامل في ديسمبر -بالإضافة إلى 221 السابق ذكرها في نوفمبر([31]). وقالت كينيا أنها سترسل 1500 عامل زراعي إلى إسرائيل، بعدما أعلن الرئيس الكيني ويليام روتو أن حكومته ستعمل على إرسال ما يصل إلى 5000 كيني إلى الخارج للعمل كل أسبوع كوسيلة لمعالجة أزمة البطالة في البلاد، حيث أقامت إدارته علاقات وثيقة مع إسرائيل، ووصف وزير استخبارات الاحتلال، الذي حضر حفل التنصيب الرئاسي، كينيا بأنها دولة “ذات أهمية استراتيجية” بالنسبة لإسرائيل. حتى قبل الإدارة الحالية، تعاونت الدولتان في مجالات رئيسية بما في ذلك الدفاع والأمن. وخلال زيارة قام بها إلى نيروبي في يوليو 2023، شكر وزير الخارجية الإسرائيلي السابق إيلي كوهين حكومة روتو “على جهودها لتعزيز موقف إسرائيل في القارة”، مضيفًا أن “عضوية كينيا في مجلس إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية تسمح لها بالتأثير على الإشراف الدولي على الانتهاكات الإيرانية”([32]).
خاتمة:
على الرغم من أن الاقتصادات الإفريقية لم تتعافى بعد من الصدمات الخارجية التي تعرضت لها جراء أزمات كوفيد، والحرب الروسية الأوكرانية، وأزمات المناخ التي لا ناقة فيها ولا جمل، حل العدوان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية، واختارت بلدان القارة- إلا قليلا- التمركز الاستراتيجي لمواجهة المخاطر الاقتصادية المختلفة.
ويبدو أنها تمارس الحكمة الاقتصادية واللباقة الجيوسياسية للحد من الاضطرابات الناجمة عن الحرب، نظراً للتفاعل بين المخاطر والمكافآت الاقتصادية والسياسية والأمنية، فهي لا تستطيع أن تربح من الديناميكيات السائدة، ولكن ما يمكنها أن تفعله هو تقليص الخسائر من خلال ضمان وضعها في وضع أفضل لمواجهة المخاطر المالية والنقدية ومخاطر ميزان المدفوعات وتجنب التخريب الذاتي والتحديات التي فرضها اضطراب الملاحة في البحر الأحمر على التجارة الدولية والاستقرار الإقليمي والتعافي الاقتصادي، على خلفية الضغوط التضخمية وعدم اليقين الاقتصادي الكلي.
وخلاصة القول إن مواقف بلدان إفريقيا جنوب الصحراء تتبدل تدرجيا تجاه القضية الفلسطينية، وإن بلغت مرحلة البارجماتية الاقتصادية المتطرفة، وجني الأرباح على دماء آلاف الشهداء، بل والوقوف في خندق الكيان الإسرائيلي صراحة. وهو الأمر الذي يجب أن يتنبه إليه صانعي السياسة في العالمين العربي والاسلامي. مما يطرح سؤلا: ماذا سوف يكون موقف البلدان الإفريقية تجاه القضية الفلسطينية بعد عقدين أو نصف قرن، بالنظر إلى منحنى العلاقة المتطور بين تلك البلدان وإسرائيل؟
………………………………..
[1] ) Eric Reidy, One year of war in Gaza, 4 October 2024.at:
https://www.thenewhumanitarian.org/feature/2024/10/04/one-year-war-gaza
[2] ) North Africa Post, African policy-makers worry about economic impact of Israel-Hamas conflict. October 19, 2023.at: https://northafricapost.com/72244-african-policy-makers-worry-about-economic-impact-of-israel-hamas-conflict.html
[3] ) republic, the Popularity Contest of War.at: https://republic.com.ng/africa-2/africa-israel-palestine-conflict/
[4] ) Anne-Sophie Sebban-Bécache and Simon Seroussi, Why Israel’s ties with Africa will survive the war in Gaza, May 3, 2024.at: https://www.atlanticcouncil.org/blogs/africasource/why-israels-ties-with-africa-will-survive-the-war-in-gaza/
[5] ) Idem.
[6] ) Anne-Sophie Sebban-Bécache and Simon Seroussi,Op.cit.
[7] ) د. نجلاء مرعي، تداعيات حرب غزة على النفوذ الاسرائيلي في افريقيا، مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية أغسطس 2024. متاح على الرابط: https://www.dimensionscenter.net
[8] ) المرجع الإلكتروني السابق.
[9] ) Menzi Ndhlovu and Ronak Gopaldas, What does the Israel-Hamas conflict mean for Africa?, 2 December 2023.at: https://issafrica.org/iss-today/what-does-the-israel-hamas-conflict-mean-for-africa
[10] ) Aggrey Mutambo & James Anyanzwa, African economies face heavy toll of the Israel-Hamas conflict in Gaza.at: https://www.thecitizen.co.tz/tanzania/news/africa/african-economies-face-heavy-toll-of-gaza-crisis-4403980
[11] ) African Export-Import Bank, African Trade and Economic Outlook 2024 A Resilient Africa: Delivering Growth in a Turbulent World(Cairo: African Export-Import Bank,2024)p.19.
[12] )Ibid.p.37.
[13] ) Menzi Ndhlovu and Ronak Gopaldas, Op.cit.
[14] ) Menzi Ndhlovu and Ronak Gopaldas, Op.cit.
[15] ) Liam Karr, Africa File Special Edition: External Meddling for the Red Sea Exacerbates Conflicts in the Horn of Afric. Sep 23, 2024.at: https://www.understandingwar.org/backgrounder/africa-file-special-edition-external-meddling-red-sea-exacerbates-conflicts-horn-africa
[16] ) Daniel Van Dalen and Menzi Ndhlovu and Ronak Gopaldas, Impact of Red Sea crisis on Africa – red flag or red herring?.at: https://issafrica.org/iss-today/impact-of-red-sea-crisis-on-africa-red-flag-or-red-herring
[17] ) Daniel Van Dalen and Menzi Ndhlovu and Ronak Gopaldas, Op.cit.
[18] ) Idem.
[19] ) Céline Bacrot and Marc-Antoine Faure, Red Sea Crisis and implications for trade facilitation in Africa.AT: https://unctad.org/news/red-sea-crisis-and-implications-trade-facilitation-africa
[20] ) Céline Bacrot and Marc-Antoine Faure, Op.cit.
[21] ) Ibid.
[22] ) GOV.UK, Policy paper COP26: Clydebank Declaration for green shipping corridors Updated 6 December 2023.at:
https://www.gov.uk/government/publications/cop-26-clydebank-declaration-for-green-shipping-corridors/cop-26-clydebank-declaration-for-green-shipping-corridors
[23] ) Global Maritime Forum, 2023 Annual Progress Report on Green Shipping Corridors.at: https://globalmaritimeforum.org/report/2023-annual-progress-report-on-green-shipping-corridors/
[24] ) Ricardo & Environmental Defense Fund, South Africa: fuelling the future of shipping.at: https://assets.ctfassets.net/gk3lrimlph5v/3OKtDnkd04lgMcohxemnx5/2b0ce4397401fc203ca80d7019af2baa/South_Africa_fueling_the_future_of_shipping.pdf
[25] ) eiu, Red Sea crisis affects African ports Thu, 29th Feb 2024.at: https://www.eiu.com/n/red-sea-crisis-affects-african-ports/
[26] ) Idem.
[27] ) Haaretz | Israel News, Israel Is Recruiting African Asylum Seekers for Life-threatening Gaza War Operations, Promising Permanent Legal Status.aat: https://www.haaretz.com/israel-news/2024-09-15/ty-article/.premium/israel-is-recruiting-asylum-seekers-for-war-effort-offering-promise-of-permanent-status/00000191-f1f9-da43-a1db-f9fb07cf0000
[28]) https://www.france24.com/en/middle-east/20240916-israel-military-recruits-african-asylum-seekers-for-gaza-strip-war-hamas-sudan-eritrea
[29] ) Shalom Yerushalmi, Israel in talks with Congo and other countries on Gaza ‘voluntary migration’ plan, 3 January 2024.at: https://www.timesofisrael.com/israel-in-talks-with-congo-and-other-countries-on-gaza-voluntary-migration-plan/
[30] ) Tanupriya Singh, After expelling Palestinian workers, Israel turns to the Global South for labor. January 26, 2024.at: https://peoplesdispatch.org/2024/01/26/after-expelling-palestinian-workers-israel-turns-to-the-global-south-for-labor/
[31] ) humanrights, Gaza war: Thousands of Africans head to Israel to fill in on farms.at: https://www.business-humanrights.org/en/latest-news/gaza-war-thousands-of-africans-head-to-israel-to-fill-in-on-farms/
[32] ) Tanupriya Singh, Op.cit.