بقلم: هادريان دي جيورجي
ترجمة: سيدي.م. محمود
الأفكار العامة:
– اتخاذ أوكرانيا، في سياق حملتها الدبلوماسية المضادة، العديد من الخطوات في إفريقيا.
– فتح سفارات جديدة في العديد من البلدان الإفريقية لمواجهة النفوذ الروسي في القارة.
– البحث عن موطئ قدم في منطقة أصبحت بؤرة اهتمام كل القوى العالمية.
– تبنّي الإستراتيجية المتمثلة في تكثيف الشراكة الاقتصادية مع البلدان الإفريقية.
– عدم استبعاد التعاون الأمني مع الدول الإفريقية.
تمهيد:
في إطار حملتها الدبلوماسية المضادة الرامية إلى كبح جماح الطموحات الروسية، خصوصًا في إفريقيا جنوب الصحراء، قامت أكرانيا بالعديد من الخطوات المتتابعة، شملت فتح سفارات جديدة وعقد شراكات اقتصادية وعسكرية مع العديد من الدول في القارة السمراء.
وفي هذا السياق، تسرّعت أوكرانيا في الأشهر الأخيرة (في أبريل الماضي في أبيدجان، ومايو في نواكشوط) في نشر دبلوماسيتها الإفريقية؛ عبر افتتاح سفارات جديدة في سياق حرب هجينة مع روسيا، يبدو أنها ستطول أمدها، لكن “كييف” تنوي التأكيد على مصالحها في منطقة تطمع فيها موسكو بشدة. وبحسب يوري بيفوفاروف، سفير أوكرانيا في السنغال، فإن إفريقيا سترجع إلى بؤرة القضايا الأوكرانية المهمة.
الصراع والطوارئ الدبلوماسية:
يرى العديد من المحللين أن سبب الاهتمام المتجدد بإفريقيا يرجع إلى تفاقم الصراع الذي اندلع قبل أكثر من عامين، والذي أُطلِق عليه أيضًا اسم “العملية العسكرية الخاصة” مِن قِبَل موسكو. ففي مارس 2022م، كان التصويت في الأمم المتحدة لإدانة الغزو الروسي قد أوحى بقارة إفريقية منقسمة على الأقل حول هذا الموضوع: من بين 54 دولة، قررت 17 دولة الامتناع عن التصويت.
في هذا المشهد المتناثر، لم تتردد العديد من بلدان غرب إفريقيا في إدانة العدوان. وكان بإمكان أوكرانيا الاعتماد على دعم موريتانيا وسيراليون وليبيريا وساحل العاج وغانا وبنين ونيجيريا، التي لم يتغير موقفها خلال تصويت آخر على انسحاب القوات الروسية في فبراير 2023م.
من جهته فإن يوري بيفوفاروف، السفير الأوكراني في السنغال منذ عام 2021م، والمسؤول السابق عن منطقة إفريقيا والشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأوكرانية، يؤكد هذا الأمر، ويقول: «لقد شعرنا بخيبة أمل بسبب عدم شجاعة بعض الدول التي اعتقدنا أنها حليفة. وما زال من غير المتصور بالنسبة لنا أن لا تدين البلدان الإفريقية هذه الأعمال التي تقوم بها روسيا، على الأقل من الناحية الأخلاقية. فعدم الرد هو بمثابة تشجيع لروسيا على ارتكاب المزيد من الجرائم».
ويلخّص الدبلوماسي -الذي أمضى 30 عامًا في وزارة الخارجية الأوكرانية- قائلاً: “إن أوكرانيا تحاول تعويض الوقت الضائع في إفريقيا”.
بحلول نهاية عام 2024م، تعتزم “كييف” بالفعل الوصول إلى عشرين سفارة في القارة، مقابل أربعين سفارة لروسيا. فيما يتعلق بكوت ديفوار، كانت أبيدجان حتى ذلك الحين موطنًا لتمثيل قنصل أوكراني، ويدل إنشاء سفارة على تعزيز العلاقات بين البلدين. هذا ما يؤيده بيفوفاروف الذي يؤكد أيضًا أنه سيتم تعيين سفير دائم ومستشار اقتصادي لبلاده قبل نهاية العام الجاري.
الاقتصاد على الواجهة:
ومن بين العناصر الرئيسية لهذه الإستراتيجية: تكثيف التجارة الاقتصادية مع البلدان الإفريقية. على الرغم من أن العلاقات يجب تعزيزها سياسيًّا، إلا أن أوكرانيا لديها بالفعل بعض الخبرة في الشراكة الاقتصادية مع القارة. وحتى في سياق الصراع، لا يزال اقتصاد البلد يعتمد على السوق الخارجية من خلال المواد الخام المنتجة بكثافة مثل الحبوب والزيوت الحيوانية والنباتية والمعادن الحديدية. وفي عام 2023م، قدر البنك الدولي حصة الصادرات الأوكرانية بأكثر من 28% من الناتج المحلي الإجمالي.
في نهاية المطاف، فإن العديد من البلدان الإفريقية لديها طلب كبير على هذه السلع، لا سيما بعد معاناة شعوبها من ارتفاع الأسعار على مدى العامين الماضيين. ويتعلق الأمر باستهداف البنية التحتية للموانئ والحصار الذي تفرضه القوات الروسية على البحر الأسود منذ بداية النزاع.
وللتذكير وعلى سبيل المثال، كانت التجارة الثنائية بين أوكرانيا وكوت ديفوار قبل الحرب تتمتع بميزان تجاري متوازن نسبيًّا؛ حيث كانت الشركات الإيفوارية تُصدّر الكاكاو والمطاط في المقام الأول. لكن بين عامي 2021م و2022م، تدهورت الصادرات إلى هذا البلد الواقع في غرب إفريقيا بشكل كبير، من 99 مليون دولار إلى 17 مليون دولار أمريكي. وهي تعدّ خسارة فادحة في الأرباح، وخاصةً في اقتصاد الحرب؛ حيث إنّ كل دَخْل يعتبر مهمًّا للغاية.
في هذا الصدد، أكد يوري بيفوفاروف، أن سنة 2023م كانت بدايةً للتعافي؛ حيث “ارتفع التبادل التجاري بين بلدينا بنسبة 46 في المائة لتصل إلى 114 مليون دولار”. وراء هذا الزخم الجديد، إعادة فتح ممرات لتصدير المنتجات، لا سيما من ميناء أوديسا في البحر الأسود. لكنّ بعض الخبراء يُقلّلون من أهمية هذا التقدم من خلال التأكيد على أن الموانئ لا تزال تواجه تهديدات روسية، وأن زيادة الصادرات ستنعكس جزئيًّا على المخزونات التي لم يتم التخلص منها خلال الحصار. وعليه، فقد يتباطأ النشاط التجاري في نهاية المطاف.
وعلى الرغم من ذلك، فقد حددت السلطات الأوكرانية هدفًا بقيمة 200 مليون دولار للتبادل التجاري مع كوت ديفوار بحلول عام 2024م. من أجل تحقيق هذا الهدف، يمكن لكييف التشجيع على إنشاء شركات في المنطقة دون الإقليمية على غرار شركة ياندكس الروسية العملاقة وشركتها الفرعية يانغو التي تقدم خدمات مرتبطة بالنقل. من دون الكشف عن مزيد من التفاصيل، تحدث الدبلوماسي عن ثلاثة توجهات إستراتيجية؛ هي: التكنولوجيا، والصناعة الزراعية، وقطاع الأدوية.
مواجهة روسيا على أرض النفوذ:
على هامش المسار الاقتصادي البحت؛ تلبّي الجهود الدبلوماسية الأوكرانية أيضًا الحاجة إلى نفوذ مضادّ. لكن روسيا –الأكثر حضورًا تاريخيًّا في القارة– تُروِّج روايتها الخاصة للصراع من خلال وضع نفسها كجهة فاعلة غير منحازة في معارضة مع الكتلة الغربية.
قال بيفوفاروف: إنه يقع على عاتق أجهزته “قول الحقيقة حول أوكرانيا لشركائنا الأفارقة”. وبعبارة أخرى، الدفاع عن مشروعية الرد على عدوان دولي متميز. وهذا ليس بالأمر السهل في بيئة رقمية تتزايد فيها الأخبار المزيفة، على غرار هذه الوثيقة الملفقة التي نُشرت في مايو الماضي، والتي ألمحت إلى أن أوكرانيا تعتزم تجنيد الإيفواريين للقتال على الجبهة الشرقية لأوروبا.
من مجالات النفوذ الأخرى التي تستثمرها روسيا: مجال الأمن؛ من خلال شبكتها من الشركات العسكرية الخاصة، التي ثبت وجودها في فترات مختلفة في حوالي 10 بلدان في إفريقيا.
في هذا الصدد، يتوخى السفير بيفوفاروف الحذر، لكنّه لا يستبعد تطوير التعاون في هذا المجال، معترفًا بأن “عددًا من الدول الإفريقية قد أعربت بالفعل عن اهتمامها بتجربتنا في الحرب”. هناك فرص كثيرة على غرار تدريب الأخصائيين والشراكات في مجال إنتاج الأسلحة. ويتعين الاعتراف بأن هذا العقد من الصراع، الذي تفاقمت حدته باستمرار، جعل الجيش الأوكراني واحدًا من أكثر القوات تقدمًا من حيث الخبرة العسكرية والصراع المعاصر.
تلبّي هذه الإستراتيجية الإفريقية أخيرًا الحاجة إلى زيادة عدد الشركاء في وقتٍ تُبدي فيه بعض الآراء معارضة للدعم المقدَّم إلى كييف. حول نتائج الانتخابات الأوروبية التي شهدت صعود اليمين المتطرف. وأضاف الدبلوماسي الأوكراني: “ما زلت متمسكًا بفكرة أن الأوروبيين سيواصلون الدفاع عن أوكرانيا على مستوى برلماناتهم”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال: