المصدر: معهد الدراسات الأمنية
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
الأفكار العامة:
- وضوح موقف الاتحاد الإفريقي حيال الإبادة الجماعية التي يتعرض لها أهل غزة.
- هل بمقدور الاتحاد الإفريقي لعب دور في إطار الجهود الدولية لاحتواء الأزمة في غزة؟
- هل من شأن مشاركة الاتحاد في حل الأزمة أن يُعزِّز نفوذه المتنامي على الصعيد الدولي؟
- ضرورة التوازن بين دعم الاتحاد للقضية الفلسطينية وبين علاقات بعض أعضاء الاتحاد بإسرائيل.
- إدانة الاتحاد لاعتداء إسرائيل على غزة.
خلافًا لموقفه الغامض من الحرب الروسية على أوكرانيا؛ فإن موقف الاتحاد الإفريقي بشأن تدمير غزة كان واضحًا.
وعلى الرغم من أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليس أزمة إفريقية؛ إلا أنه يؤثر على القارة، ولا ترى بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي أن التدخل الإفريقي ضروري؛ حيث تعتبرها قضية خارجية رغم آثارها وتهديداتها العالمية على إفريقيا.
ولكن هل يتعين على الزعماء الأفارقة أن يلعبوا دورًا في الجهود الدولية الرامية إلى وقف إطلاق النار في غزة؟ وهل يمكن أن تسهم مشاركاتهم في تعزيز النفوذ المتنامي للاتحاد الإفريقي على الساحة الدولية؟
في الواقع، يؤثر الصراع بشكل مباشر وغير مباشر على المشهد الاقتصادي والدبلوماسي والأمني في إفريقيا. وقد أدت مظاهرات التضامن مع الشعب الفلسطيني إلى تدهور العلاقات المتوترة بالفعل بين قوات الأمن والمتظاهرين في العديد من البلدان. ففي كينيا، على سبيل المثال، تعاملت الشرطة بوحشية مع مظاهرة مرخّصة مؤيدة للفلسطينيين، كما وقعت احتجاجات مماثلة في جنوب إفريقيا دعمًا لأهل غزة.
لكن ثمة مخاوف تُثار حول احتمال إعاقة التعافي الاقتصادي في إفريقيا حال استمرار الأزمة لأمد طويل في الشرق الأوسط. علمًا بأن القارة الإفريقية تأثرت بالفعل بجائحة كوفيد-19، إضافةً لتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية.
في الواقع، تُهدّد الحرب الدائرة في غزة بتدهور العلاقات بين الدول الإفريقية ومواطنيها، وزيادة تعرُّض الدول الهشَّة لعدم الاستقرار السياسي وتعطيل حركة التجارة، وتُسبِّب اضطرابات في أسعار النفط والغاز، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الاستيراد الذي يُشكِّل مصدرًا للقلق.
تعقيد العلاقات بين الاتحاد الإفريقي وإسرائيل:
كما تؤدي أزمة غزة إلى تعقيد العلاقات بين الدول الإفريقية والاتحاد الإفريقي وإسرائيل، وبين إفريقيا وحلفاء إسرائيل. وكما هو الحال مع الحرب الروسية الأوكرانية، فإنها تؤدي إلى تفاقم الانقسامات داخل الاتحاد الإفريقي بين أولئك الذين يدافعون عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وأولئك الذين يمنحون الأولوية لحماية حياة الفلسطينيين الأبرياء.
ويتمثل التحدي الذي يُواجه الاتحاد الإفريقي في التوفيق بين دعمه الطويل الأمد لفلسطين، وتعزيز العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول الإفريقية منذ أكتوبر المنصرم عندما قامت حماس بالهجوم على إسرائيل. وقد أدت الأزمة إلى صرف انتباه شركاء التنمية والمجتمع الدولي عن احتياجات إفريقيا.
ولاحتواء الأزمة السودانية، قامت العديد من الدول، على غرار الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، بلعب دور مركزي في الجهود الدبلوماسية لحل الحرب الأهلية في السودان، والتي أدّت إلى تفاقم الصراع وقتل أكثر من 15000 شخص، وتعرُّض مليون شخص إلى “مجاعة كارثية”. فمنذ بداية حرب غزة، تضاءل التركيز على حل الأزمة السودانية وغيرها من المخاوف الإفريقية.
وهذا التحوّل عن الأزمات الإفريقية يمكن أن يُعيق نشر وتمويل عمليات حفظ السلام في القارة. وعلى الرغم من اعتماد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2719 لتحسين تمويل بعثات السلام الإفريقية؛ فإن الموارد المخصصة للسلام والأمن ستكون محدودة.
إن زيادة الإنفاق العسكري على إسرائيل مِن قِبَل أكبر مساهم في الأمم المتحدة، ألا وهي الولايات المتحدة الأمريكية، يؤدي إلى دعم العمليات العسكرية وليس الدبلوماسية لحل الصراع. ويضيف إلى الزيادة المثيرة للقلق نفقات الأصول العسكرية العالمية، والتي اقتربت من 2.2 تريليون دولار أمريكي في عام 2023م. وقد أصبح التأثير واضحًا بالفعل في وضع الكونجرس الأمريكي حدًّا أقصى لتمويل عمليات حفظ السلام ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وتم تقدير التكلفة الباهظة لإعادة إعمار غزة بـ50 مليار دولار، ومن الممكن أن يكون لذلك عواقب وخيمة على الاستقرار والتنمية في إفريقيا.
الاتحاد الإفريقي كجهة فاعلة عالميًّا:
يأتي الصراع في غزة في وقتٍ يكتسب فيه دور الاتحاد الإفريقي المزيد من الاعتراف كجهة فاعلة عالميًّا، وهذا من أهداف أجندة 2063.
ولتعزيز التوجُّه المعنيّ، يتعين على الاتحاد الإفريقي أن يُثبت أهميته من خلال الاستجابة للقضايا المتعددة الأطراف، وأزمة غزة تُوفِّر لإفريقيا فرصة للمساهمة في البحث العالمي عن السلام والاستقرار.
وخلافًا لردّه الغامض على الحرب بين روسيا وأوكرانيا؛ فإن موقف الاتحاد الإفريقي بشأن غزة كان واضحًا. وقد أدان رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي “موسى فقي محمد” أعمال العنف، ودعا إلى وقف الأعمال العدائية، وشدَّد على ضرورة التعاون الدولي لتقديم المساعدات الإنسانية لأهالي غزة، وإنهاء الحصار ومصادرة الأراضي الفلسطينية من إسرائيل عبر الاستيطان، وفقًا للقرارات الدولية.
وفي القمة السابعة والثلاثين للاتحاد الإفريقي، أدان الزعماء الأفارقة الهجوم الإسرائيلي على غزة، ودعموا شكوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية. وتحدث وفد ممثل الاتحاد الإفريقي خلال جلسات استماع محكمة العدل الدولية حول الوضع القانوني للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، كما حثَّ الاتحاد الإفريقي إسرائيل على الالتزام بقرارات محكمة العدل الدولية، ورفع الحصار عن قطاع غزة وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار.
وعلى الرغم من دعم الاتحاد الإفريقي طويل الأمد لفلسطين -والذي يمكن القول بأنه متجذّر في هويته الإفريقية-؛ فإن المنظمة من الممكن أن تلعب دورًا مفيدًا على المدى القصير، بالإضافة إلى إضافة صوتها إلى الدعوات إلى وقف إطلاق النار. ومن الممكن أن يشجّع حركة حماس ومؤيديها على تخفيف موقفهم بشأن إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين. وهذا من شأنه أن يساعد في حلّ أحد أهمّ النقاط الرئيسية للصراع بالنسبة لإسرائيل.
الجهود الإفريقية في التدخل بين طرفي الصراع:
يستطيع الاتحاد الإفريقي أن يعتمد على علاقات إسرائيل الودية مع أغلب الدول الإفريقية لتخفيف مقاومة تل أبيب لوقف إطلاق النار. تماشيًا مع المادة 7 (ك) من بروتوكول مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، وقد تنظر في ممارسة الضغط على مستوى الأمم المتحدة لتعزيز المشاركة الدولية باستخدام شبكاتها الدبلوماسية وثلاثة أعضاء أفارقة في مجلس الأمن. ويمكن أن يشمل ذلك تقديم المساعدات الإنسانية والوقود، وتعزيز الجهود الدبلوماسية لمنع المزيد من تصعيد الأزمة.
وينبغي لرؤساء الاتحاد الإفريقي ومفوضية الاتحاد الإفريقي أن يقودوا هذه الجهود، بالاعتماد على الجهود الإفريقية السابقة في التدخل بين طرفي الصراع الروسي الأوكراني. ومن الممكن أن تساعد هذه المبادرة في تجنُّب وقوع كارثة في غزة، والتخفيف من آثارها على إفريقيا، وتعزيز مصداقية القارة على الساحة الدولية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال: