بدأت في رواندا مراسم إحياء ذكرى مرور 30 عاما على إبادة العام 1994 التي ارتكبها متطرفو الهوتو ضد أقلية التوتسي على مدى مئة يوم.
من أجل ذلك، تُنكّس الأعلام على مدى أسبوع من الحداد تشهده البلاد. إذ سيكون من غير المسموح خلال هذه الفترة عزف الموسيقى في الأماكن العامة أو على الإذاعة فيما مُنع على التلفزيونات بث الفعاليات الرياضية والأفلام، ما لم تكن على صلة بمراسم إحياء الذكرى.
وقُتل أكثر من 800 ألف رجل وامرأة وطفل آنذاك، معظمهم من التوتسي من الهوتو المعتدلين في المجازر التي انقلب فيها أفراد العائلة الواحدة والأصدقاء على بعضهم بعضا في إحدى فصول التاريخ الأكثر قتامة في أواخر القرن العشرين.
وكما كل عام، أشعل الرئيس بول كاغامي، زعيم الجبهة الوطنية الرواندية الذي أطاح في يوليو 1994 نظام الهوتو الذي ارتكب الإبادة الجماعية، شعلة في نصب جيسوزي التذكاري في كيغالي.
وقال في خطاب له إن المجتمع الدولي “خذلنا جميعا” في فترة الإبادة الجماعية للتوتسي، “سواء بسبب الازدراء أو الجبن”.
وصرح كاغامي “كانت رحلتنا طويلة وشاقة. والدروس التي تعلمناها محفورة بالدم”.
من جهته، قال رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد خلال المراسم “لا يمكن لأحد ولا حتى للاتحاد الإفريقي، أن يبرر تقاعسه وقت الإبادة الجماعية. لنتحلى بالشجاعة للاعتراف بذلك وتحمل المسؤولية”.
وبعد ثلاثة عقود، أعادت الدولة الصغيرة بناء نفسها في ظل حكم الرئيس بول كاغامي ، لكن ما زال صدى إرث الإبادة الصادم يتردد في أنحاء المنطقة.
وقبيل الذكرى، اتخذّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي اعترف عام 2021 بـ”مسؤوليات” فرنسا في الإبادة الجماعية، خطوة إضافية بقوله إن فرنسا “كان بإمكانها وقف الإبادة الجماعية التي وقعت عام 1994… مع حلفائها الغربيين والأفارقة”، لكنها “لم تكن لديها الإرادة”.
ويقام هذا الحدث في حضور زعماء ومسؤولين أجانب من أبرزهم بيل كلينتون الذي كان رئيسا للولايات المتحدة أثناء المجازر، ووزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، ووزير الدولة لشؤون البحر هيرفي بيرفيل، المولود في رواندا.
خلال هذه المناسبة، تؤذن المراسم بدءا من الأحد بأسبوع الحداد الوطني إذ سيتوقف كل شيء في رواندا وستُنكس الأعلام.
بالتزامن مع ذلك، ستقام مراسم أيضا في الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وغيرها لإحياء الذكرى.
وتضمنت رسالة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بمناسبة الذكرى “هذه السنة، نذكر أنفسنا بجذور الإبادة المتعفنة: الكراهية”. وتابع “لأولئك الذين يسعون لتقسيمنا، علينا إيصال رسالة واضحة وقاطعة وعاجلة: لن يتكرر الأمر”.
وواجه المجتمع الدولي انتقادات شديدة لفشله في حماية المدنيين إذ خفضت الأمم المتحدة عدد قوتها لحفظ السلام بعد فترة قصيرة من اندلاع أعمال العنف.
ويعود اندلاع هذه المأساة إلى اغتيال الرئيس المنتمي إلى الهوتو جوفينال هابياريمانا ليل السادس من أبريل عندما أُسقطت طائرته فوق كيغالي، ما أثار موجة غضب في أوساط متطرفي الهوتو وميليشيا “إنترهاموي”.
وقتل ضحاياهم بإطلاق النار عليهم أو ضربهم أو طعنهم حتى الموت في عمليات قتل غذتها الحملة الدعائية المناهضة للتوتسي التي تم بثها على التلفزيون والإذاعة. وتشير التقديرات إلى تعرض ما بين 100 ألف إلى 250 ألف امرأة للاغتصاب، وفق أرقام الأمم المتحدة.
وفرّ مئات آلاف الأشخاص، معظمهم من عرقية الهوتو الذين شعروا بالخوف من الهجمات الانتقامية في أعقاب الإبادة إلى بلدان مجاورة بينها جمهورية الكونغو الديمقراطية. وما زالت المقابر الجماعية تُكتشف في رواندا حتى اليوم.
ومنذ 30 عاما، تقوم رواندا بمبادرات للمصالحة الوطنية، من بينها إقامة محاكم أهلية في العام 2002 حيث يمكن للضحايا الاستماع إلى “اعترافات” أولئك الذين اضطهدوهم.
وتفيد السلطات الرواندية بأن مئات المشتبه بهم في الإبادة ما زالوا فارين، بما في ذلك في جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا المجاورتين. وحتى الآن، تم تسليم 28 فقط إلى رواندا على مستوى العالم.
ودعت منظمات حقوقية بما فيها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، إلى تسريع محاكمة المسؤولين عن الإبادة الجماعية. وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك “أدعو دول العالم إلى مضاعفة جهودها لمحاسبة جميع الجناة المشتبه بهم الذين ما زالوا على قيد الحياة (…) ومكافحة خطاب الكراهية والتحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية”.
واليوم، لم تعد بطاقات الهوية الرواندية تذكر إن كان الشخص من الهوتو أو التوتسي. ويتعلم طلاب المدارس الثانوية عن الإبادة في إطار منهج دراسي خاضع لرقابة مشددة.
وتفيد السلطات الرواندية بأن مئات المشتبه بهم في الإبادة ما زالوا فارين، بما في ذلك في جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا المجاورتين.