د. بشير علي عمر (*)
عادت دولة نيجيريا إلى (الحكم الديمقراطي) في نهاية شهر مايو عام 9991م، وسط ترحيب حارٍّ من الدول الغربية، وأصبحت تلك هي تجربتها الثالثة للحكم المدني منذ استقلالها عام 1960م، ولم يمضِ أكثر من خمسة أشهر، من إجراء الانتخابات وتسلُّم الحكومات المنتخبة لزمام الحكم في البلد، حتى أعلن حاكم ولاية «زمفرا» – الواقعة في شمال غرب نيجيريا – عن عزمه على تطبيق «الشريعة الإسلامية» في ولايته.
وتجمّع المسلمون بمناسبة ذلك في تجمّع لم يُرَ مثله في تاريخ نيجيريا الحديث، وقُدِّر الحضور بأكثر من مليونَي شخص من أنحاء نيجيريا كافّة والدول المجاورة، الآلاف منهم تجشَّموا عناء قطع عشرات الأميال على الأقدام لحضور تلك المناسبة، وتسجيل تأييدهم لها وتضامنهم مع ولاية «زمفرا» وحاكمها، ولم تشهد دولة نيجيريا في تاريخها منذ نشأتها عام 1914م حادثاً عبَّر فيه شعب من شعوبها عن اختيارهم في رسم مصيرهم وتثبيت هُوِيَّتهم مثل هذا.
وقد تسبّب هذا في تنفيذ بقية «الولايات الشمالية» ذات الأغلبية المسلمة قضية تطبيق الشريعة، بعضها اختياراً من حكّامها لما شاهدوه بأعينهم من المسلمين الذين يمثّلون جمهور ناخبيهم، وبعضهم خضوعاً من الحكام لمطالب الناخبين، فأصبح عدد الولايات التي تبنَّت قضية تطبيق الشريعة الإسلامية 12 ولاية، كلّها في شمال نيجيريا، وكذلك تحرك المسلمون في «جنوب غرب نيجيريا» يطالبون حكوماتهم بإنشاء محاكم شرعية تحكم فيهم بالشريعة الإسلامية.
وقد أوقعت هذه القضية المسلمين في نيجيريا في وسط أوضاع مليئة بالتحديات والمخاوف، فإنه مما لا يخفى على كلّ مراقب للمسرح النيجيري أن الجماهير من المسلمين في نيجيريا قد أثبتوا بتأييدهم لقضية التطبيق أن ولاءهم المطلق للإسلام، وما أجمعوا على شيء مثل إجماعهم على المطالبة بتطبيق «الشريعة الإسلامية»، وما ذلك إلا من أجل أملهم في أن «الشريعة الإسلامية» هي التي تضمن لهم الكرامة في هذه الحياة، وتحقّق لهم الأمن والاستقرار، وتقضي على الفساد الذي طالما ذاق مرارةَ نتاجه جميعُ فئات المجتمع، كما يؤمِّلون أن الإسلام سينتشر ويقوَى بتطبيق الشريعة، وأنه هو الحلّ الذي يُخرِجهم من الحضيض الذي تردَّوا فيه بسبب ابتعادهم منه منذ أيام الاستعمار إلى يومهم هذا.
فهل لدى الحكومات التي تبنَّت قضية التطبيق، وعلماء المسلمين، والمؤسّسات العلمية والدعوية التي تخدم وتدعم قضية التطبيق – الرؤية والعزيمة والقدرة المطلوبة لتحقيق المقاصد العالية من تطبيق الشريعة الإسلامية، فتتحقق من ثَمّ طموحات عامّة المسلمين الذين أبدَوا استعدادهم لتقديم كلّ التضحيات من أجل نجاح هذه العملية؟ وهل لدى تلك الجهات المذكورة الاستعداد المطلوب لمواجهة الاستعمار القديم والجديد وأذنابه من الشخصيات والمؤسّسات العلمانية، الذين قد بذلوا جهوداً جبارة ومضنية – ولا يزالون – في احتواء الشريعة الإسلامية في نيجيريا، ومن ثَم ترويضها، وفي النهاية القضاء عليها؟ وهاهم أولاء قد فوجئوا بعودة الشريعة وقيمها بعد يقينهم بأن (العلمنة) التي أسّسوها وشيدوا بناءها، ستظل حريصة على الإجهاز على تطبيق الشريعة، فهذان الأمران من أهمّ ما يواجه قضية التطبيق من تحديات.
وأما المخاوف؛ فأعظمها مخافة الإخفاق في هذه القضية، فضريبة الإخفاق لا شك أنها ستكون عظيمة، وستظلّ الأمّة الإسلامية في نيجيريا تدفع الثمن لفترة زمانية طويلة، نسأل الله العافية.
وقبل الحديث عن مستقبل تطبيق الشريعة في نيجيريا، في إطار ما أشرنا إليه من التحديات والمخاوف، لا بد من الحديث حول حقيقة التطبيق، مع التمهيد له بذكر الخلفية التاريخية للقضية.
أولاً: الخلفية التاريخية لقضية تطبيق الشريعة الإسلامية في نيجيريا:
حالة الشريعة قبل جهاد الشيخ عثمان بن فودي:
لم تكن قضية تطبيق «الشريعة الإسلامية» وليدة الساعة في منطقة ما يُسَمّى الآن «نيجيريا»، وقِدَمها قِدَم انتشار الإسلام في الدويلات التي نشأت في المنطقة(1)، ففي مملكة «كانم برنو»، التي تُعَدّ إحدى كبرى ممالك بلاد السودان في العصور الوسطى، وكانت متاخمة لبحيرة تشاد، انتشر الإسلام فيها على يد مَلِكها «همي جلمي» (1075م – 1086م)، فتقول إحدى المحارم(2): «هذا المكتوب عن دخول الإسلام في جميع بلدان جيمي برنه (أي بلد برنو)؛ ليعلم أن السلطان (همي) دخل في الإسلام، ونشره بالتعاون مع (العالم) محمد بن ماني وسعيد بن مريم».
ثم قرأ هذا السلطان القرآن من البقرة إلى الناس، ورسالة ابن أبي زيد القيرواني في الفقه المالكي على الفقيه المذكور محمد بن ماني، وأجازه بمنحه مائة من الإبل، ومائة من الذهب والفضة والعبيد؛ اعترافاً بجميله، حيث أقرأه القرآن والفقه، وكتب ذلك في وصية (أو ما يُسَمّونه محرم).
فانتشر الإسلام في عهده، وتابع السلاطين من سلالته – وهم السيفيون – نشر الإسلام، واستمروا في مواصلة العلماء بكتابة وصايا الامتيازات لهم وخدمتهم، وذكر أنهم بنوا في القاهرة سكناً لطلبة العلم من أهل «كانم برنو» الذين كانوا يقصدون مصر للتعليم، وذلك في فترة ما بين (1242م - 1252م) الموافق لـ (640ه – 650ه)(3)، ولا شك أن أولئك السلاطين لم يُولُوا نشر الإسلام والعلم الشرعي هذه العناية إلا من أجل تحكيم الشريعة في رعاياهم، وفي سنة 1484م أصبح سلطان مملكة «برنو» يلقّب بالخليفة.
وقد نصّب السلاطينُ القضاة والشرطة والوزراء وأمراء الجيش؛ لتقوم أمور الدولة على الشرع، ويشهد على ذلك أن السلاطين عند كتابتهم لوصايا الامتيازات كانوا يُشهدون عليها أصحاب هذه المناصب، ومن تلك الوصايا النص الآتي: «كتبت هذه الوصية خوفاً من النسيان، ولإعلام كلّ مَن وصلت إليه من الأمراء والشرطة والحكام والعلماء والقضاة والوزراء والرعايا ومعاشر المسلمين»(4).
قام «مي إدريس ألوما» (1571م – 1603م) بإجراء إصلاحات في نظام الحكم والقضاء على ضوء الشريعة الإسلامية(5).
ومملكة «برنو» قد امتدت جنوباً إلى منطقة «آدماوا»، كما دان لها المناطق المتاخمة لبحيرة تشاد شرقاً وغرباً، ووصلت حدودها الغربية إلى القرى المتاخمة لـ «كانو» في بلاد «هوسا»، وإن لم تخلف «برنو» أثراً ملموساً من آثار العمل بالشريعة في جميع المناطق الخاضعة لها، إلا أن تراثها كان له أثر بالغ في ذلك، من أبرزه بقاء معظم أهل المنطقة في الإسلام، حتى إن بعض الباحثين المَعْنِيين بالدراسة الأنثروبولوجية لأهل المنطقة بالغ وادَّعى أن من آثار «برنو» الإسلامية أنه لا يوجد وثني في قبيلة «كانوري»، وذكر أن أكثر المجالات تأثراً بالإسلام في ثقافة أهل «برنو» هو مجال القانون والتعليم والنّظم الاجتماعية(6).
وأما دويلات «هوسا»، فكانت سبع دويلات: «كانو»، «كاتسينا»، «زاريا»، «دورا»، «غوبر»، «رنو»، «بروم»، وقد امتدَّ نفوذ تلك الدويلات في الأقوام المجاورة لها، فأخذوا لغتها وثقافتها حتى أصبحوا يُعَدون من «الهوسا» لكن بالدرجة الثانية، ومن أهم أولئك الأقوام أهل «زمفرا» و «كيببي» و «ياوري».
وتُعَدّ «كانو» و «كاتسينا» في القرن الرابع عشر الميلادي قلبَ بلاد «هوسا»، فالأولى لكونها مركزاً للتجارة، والثانية لشهرتها بالعلم، وكلاهما كانا على طريق القوافل التجارية من شمال إفريقيا عبر الصحراء الكبرى، وقوافل الحجّ من أقصى غربي إفريقيا إلى المشرق، وهاتان المدينتان كانتا أقدم بلاد «هوسا» إسلاماً(7).
في «كانو» انتشر الإسلام في عهد ملكها «علي ياجي» (1349م – 1385م)، ولم يكن بأول ملوكها إسلاماً، فقد أسلم قبله الملك «تزاميا» الذي قام بتدمير معبد صنم «كانو» آنذاك، وكان أول مَن أُثِر عنه استعمال عبارة «إن شاء الله»(8).
وفي عهد «ياجي» وفد على «كانو» مجموعةٌ من العلماء الماليين من «ونغراذ»، وأدخلوا مجموعة من كتب الفقه والحديث، وذلك في عام 1380م، وكان يَلِي القضاء في ذلك العهد أحد أولئك الماليين وهو الشيخ «عبدالرحمن زيتي»، وبعده بقرابة قرن في عهد الملك يعقوب (1460م)، ذكرت الوثائق أن الدُّعَاة الفلانيين قاموا إلى «كانو» بكتب العقيدة واللغة، وساعد في انتشار كتب العلم والعلماء كون «كانو» – وكذلك «كاتسينا» – على طريق قوافل الحج والتجارة كما تقدَّم.
وتوالت حركة العناية بالعلم من ملوك «كانو» حتى شَهِدت الدولة حركة إصلاحية قوية من ملكها محمد رومفا (1463م - 1499م)، وصادف ذلك قدوم الفقيه المفسِّر «محمد بن عبدالكريم المغيلي التلمساني» من جنوب الجزائر، وكان كثير الترحال والتنقل في أرجاء المغرب الكبير، وفي «إقليم السودان الغربي» وهو غرب إفريقيا الآن، وكان لهذا العالم أثر كبي في إصلاح مجتمع بلاد «هوسا» على ضوء الشريعة الغرَّاء، وامتد أثره غرباً إلى مملكة «صنغاي»، وقد عمل مستشاراً سياسيّاً لـ «محمد رومفا»، فألّف له كتاب (الوصية)، وكتاب (تاج الدين فيما يجب على الملوك والسلاطين)، أرشده فيه إلى المؤهلات والواجبات المكلَّف بها كلّ مَن تولّى مقاليد الحكم، وعرض ذلك في ثمانية أبواب: الخمسة الأولى منها فيما يجب على الأمير أن يقوم به في كل أحواله: من حسن النية، وترتيب مملكته، والحذر بالحضر والسفر، والكشف عن الأمور الخاصة برعيته، أما الأبواب الثلاثة الأخيرة، فهي: فيما يجب على الحكام من العدل في الأحكام، وفي جَبْي الأموال من وجوه الحلال، وفي مصارف أموال الله(9)، فذكر على سبيل المثال في (باب ما يجب على الحكام من العدل في الأحكام) أن الأمير يجب أن يكون عدلاً في معاملاته كلها، وألا يميز بين المتداعين في مجلس القضاء، كتمييز بعضهم بمجلس خاص أو في مخاطبتهم، وذكر الشروط المعتبرة في الشهود، وما يجب في حقهم من العدالة والقوة العقلية، ووجوب البحث والنظر قبل تنفيذ الحكم، وأن القضاء يجب أن يوافق أحد المذاهب الأربعة، وأن كلّ قضاء لا يستند إلى ما عليه أحد هذه المذاهب، فهو جَوْر ويجب نقضه(10).
ولم يقتصر أثر «المغيلي» في «كانو» فحسب، بل امتد إلى «كاتسينا»؛ حيث عمل بها قاضياً(11)، وانتشار الإسلام في «كاتسينا» كان قريباً منه في «كانو»(12).
وقد ترك «المغيلي» ميراثاً ثريّاً لمنطقة بلاد «هوسا»، أثرَى حركة الإصلاح وقضية تطبيق الشريعة، وكان ذلك واضحاً في كثرة نقولات الشيخ «عثمان بن فودي» من تواليفه، وخصوصاً من أجوبته عن أسئلة «أسكيا محمد» ملك مملكة «صنغاي»، وكتاب (تاج الملوك)، كما يُنسب إلى «المغيلي» أيضاً أنه أول من أدخل كتاب (مختصر خليل) في الفقه المالكي إلى المنطقة، ويُعَدّ هذا الكتاب من أكبر مصادر علم القضاء على المذهب المالكي لدى أهل المنطقة.
ومن كتب القضاء التي يرجع انتشارها إلى هذه الفترة كتاب (تحفة الحكّام) لابن عاصم،
وكتاب (التبصرة) لابن فرحون، و (فتح العلي المالك)، و (قوانين الأحكام الشرعية) لابن جزي، وقد كان لهذا التراث إسهام فاعل في توطيد دعائم العمل بالشريعة في شمال نيجيريا.
وأما سائر مناطق شمال نيجيريا كمنطقة «نوفي»، ومنطقة «جنوب غرب نيجيريا» (وهي بلاد يوربا)، فما ذكرتْه المصادر التاريخية فيما يتعلق بقضية «تطبيق الشريعة» يرجع إلى فترة بعد هذه الفترة بكثير.
جهاد الشيخ عثمان، وخلافة سوكوتو:
ومع ما تقدَّم ذكره من جهود بعض ملوك «هوسا»، وكذلك «كانم برنو» في نشر الإسلام والعمل بالشريعة، فلم تكن تلك الجهود كافية لإصلاح المجتمع من جذوره إصلاحاً يشمل جميع فئات المجتمع، فالعلماء كانوا قلّة، والتجَّار – الذين لم يزل دورُهم في نشر الإسلام فعَّالاً – ليس لهم من العلم ما يؤهِّلهم لشرح القواعد الأساسية للإسلام، ولا المعاني الدقيقة لهذا الدين التي يحتاج إليها لبناء شخصية المسلم، فنتج من هذا أن بقي كثير من العامّة يمارسون ما يشبه جاهليتهم من التعلق بغير الله، والذبح للجن والأشجار، وإتيان الكهنة والسحرة والتطيّر، وإدمان الخمر، وتبرج النساء، وغير ذلك، مع أدائهم لبعض شعائر الإسلام كالصلاة والصوم، ثم بمرِّ العصور أصبح السلاطين يكتفون بادّعاء الإسلام من أجل مصالحهم الخاصة، من دون الإيمان به حق الإيمان، فانتشرت أعمال الجاهلية، وفشا الظلم والجور، واستبدل السلاطين استرقاق الجناة، أو فرض الضرائب الثقيلة والمرهقة عليهم بإقامة الحدود.
حتى جاء الشيخ «عثمان بن فودي» (1755م - 1817م، الموافق 1196م – 1259هـ)، فقام بالدعوة إلى الله، وإلى ترك أمور الجاهلية والبدع في الدين، والرجوع إلى السنّة، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وتجوَّل في دعوته في «بلاد قوبر» التي كانت تشكّل حدود بلاد «هوسا» الشمالية، وبلاد «زمفرا» حدودها الغربية، ونَصَر الدين، واجتمع معه أنصار لدين الله، فكانوا جماعة اجتمعوا على العلم ونشره وإحياء السنّة ومحاربة البدع وأعمال الجاهلية، والنصيحة للخلق، فحاربهم ملوك «هوسا»، فأعلن الشيخ الجهاد، ونصرهم الله على عدوهم فأصبحوا ظاهرين.
وقد أسّس الشيخ بعد تمكين الله له مجتمعاً إسلاميّاً، ونصب الأمراء على المناطق التي دانت له، ودخلت في طاعته(13)، وهي بلاد «هوسا» قاطبة، وأجزاء كبيرة من مملكة «برنو»، فشمل سلطانه جميع ما يعد الآن شمال نيجيريا إلى أهداب كاميرون، وامتد عبر نهر «نيجا» إلى بلاد «يوربا»؛ حيث سقطت عاصمة مملكة «أويو» اليورباوية، وأصبحت إحدى إمارات خلافة «سوكوتو»، وهي مدينة «إلورن».
وقد أدرك الشيخ أن «الشريعة الإسلامية» هي الوسيلة الوحيدة لإصلاح المجتمع، وبه تتحقق مقاصد الجهاد، وأن المفاسد الاجتماعية وغيرها المنتشرة في بلاد «هوسا» قبل الجهاد، كان سببها غياب الشريعة الإسلامية، فتعيَّن أن الحلّ الوحيد يكون بتطبيق الشريعة، وقد ذكر الشيخ بيان مرسومه للحلّ في «وثيقة أهل السودان»، التي أعلن فيها الجهاد، فقال: «بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا محمّد وآله وصحبه وسلّم تسليماً، الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإيمان والإسلام، وهدانا بسيدنا ومولانا محمّد عليه من الله – تعالى – أفضل الصلاة وأزكى السلام، أما بعد، فهذه وثيقة من ابن فودي أمير المؤمنين إلى جميع أهل السودان وإلى مَن شاء الله من الإخوان في البلدان، وهي وثيقة نافعة في هذه الأزمان، فأقول وبالله التوفيق: فاعلموا يا إخواني! أن الأمر بالمعروف واجب إجماعاً، وأن النّهي عن المنكر واجب إجماعاً، وأن الهجرة من بلاد الكفر واجبة إجماعاً، وأن موالاة المؤمنين واجبة إجماعاً، وأن تأمير أمير المؤمنين واجب إجماعاً، وأن طاعته وجميع نوَّابه واجبة إجماعاً، وأن الجهاد واجب إجماعاً، وأن تأمير القضاة واجب إجماعاً، وأن تنفيذهم أحكام الشرع واجب إجماعاً».
وقد أقبل الشيخ وأعوانه من العلماء والنواب – ومن أبرزهم شقيقا الشيخ «عبدالله بن فودي» وابنه أمير المؤمنين «محمد بللو بن الشيخ عثمان» رحمة الله عليهم أجمعين – على بناء النظام الاجتماعي الجديد، فأسّسوا مؤسّسات يعتمد عليها تطبيق «الشريعة الإسلامية»، وفصلوا نظم إدارتها، وألّفوا مؤلفات في تحرير ذلك وتقريبه للناس من أجل العمل به، فألّف الشيخ عثمان: (بيان وجوب الهجرة على العباد، وتحريم موالاة الكفار، ووجوب موالاة مؤمني الأمة، ووجوب نصب الإمام ونوابه)، و (نجم الإخوان)، وكلاهما في السياسة الشرعية، وألّف الشيخ عبدالله كتاب (ضياء الحكام فيما لهم وعليهم) في القضاء والسياسة الشرعية، كما ألّف كتاب (ضياء السياسات والفتاوى النوازل مما هو في فروع الدين من المسائل)، وألّف أمير المؤمنين «محمد بللو» كتاب (التحرير في قواعد التبصير للسياسات)، وكتاب (الغيث الوابل في سيرة الإمام العادل)(14)، وكلاهما في السياسة الشرعية.
ومن أمثلة هذه المؤسّسات الإسلامية تلك المَعْنِية بإدارة القضاء، وكانت ثلاث مؤسّسات: القضاء، وولاية المظالم، والحسبة:
أما «القضاء»: فكان القاضي يختص بالفصل بين المتنازعين بالصلح أو بالحكم القضائي، وبرد الحقوق إلى أهلها، والنظر في أموال اليتامى والمحجور عليهم، وتعيين الناظرين لهم، والولاية في النكاح لمَن لا ولي لها من النساء أو عضلها وليها، ونظارة الأوقاف، وتنفيذ الوصايا، وإقامة الحدود، والنظر في مصالح المسلمين، وإقامة التعزيرات والقصاص.
وأما «ولاية المظالم»: فقد كان الغرض منها الفصل في قضايا الظلم والجور، والتي يكون المدّعى عليه فيها من الشخصيات ذات المناصب في الدولة التي قد تستعصي على سلطة المحاكم القضائية العامة، وكانت تلك الولاية تسند في «سوكوتو» إلى الخليفة نفسه، وفي المناطق إلى الأمراء، وترفع إليها كذلك القضايا التي يدَّعى فيها وقوع ظلم وجور من المحاكم القضائية أو من محاكم الأمراء.
وأما «المحتسب»: فهو الذي كان يلي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان مسؤولاً عن مراقبة التجار في الأسواق في موازينهم وأمدادهم، وفي المنع من الاحتكار والمؤامرة لرفع الأسعار، كما يعاقب على الغش والفساد(15).
فهذه المؤسّسات – بالإضافة إلى الشرطة – كانت هي أسس نظام تطبيق الشريعة، ومحاربة الظلم والفساد في خلافة «سوكوتو»، بعد جهاد الشيخ عثمان إلى مجيء الاحتلال البريطاني.
وقد كان لاشتراط الفقه في الدين لتولية الولايات أثر كبير في النهضة العلمية في المنطقة، والعلم باللغة العربية، فقد كانت اللغة العربية هي وسيلة المراسلات بين الأمراء ومقر الخلافة، وبين الأمراء بعضهم إلى بعض، وبها كانت تُكتب سجلات المحاكم الشرعية، والمراسلات بين القضاة، والصكوك الشرعية والعقود والمواثيق.
وقد استتبَّ الأمن في المنطقة، واستقامت الأمور بعد إقامة حكم الله فيها، حتى شهد بذلك شهود عيان، منهم الرحَّالة البريطاني كلابرتن الذي زار «سوكوتو» مرتين (مرّة في 19/3/1824م، والمرة الثانية في 1825م) في عهد أمير المؤمنين «محمد بللو»، فذكر كما في يوميات رحلته: «كانت شريعة القرآن في عهد بللو تطبّق بكلّ صرامة، حتى إن البلاد كلّها – إذا لم تكن في حالة الحرب – كانت تعيش حالة الأمن، حتى إنه ليقال: إن المرأة يمكنها أن تسافر حاملة على رأسها تابوت جواهرها مملوءاً ذهباً من طرف بلاد الفلاني إلى طرفه الآخر»(16).
وفي عهد «بللو» نفسه يقول مؤلف (تقييد الأخبار في تاريخ مدينة كانو) الذي كان أيضاً شاهد عيان، يقول عن أمير «كانو» «إبراهيم دابو»: «لقد أقام العدل، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وحارب البغاة وقطَّاع الطرق، وقطع أيدي السرَّاق، وهدم بيوت الدعارة، فاستتب الأمن، حتى إن الناس لا يقفلون أبوابهم في الليل، والأنعام ترعى بدون راعٍ إلا في مواسم الأمطار، وقد يسَّر الله السبل في عهده، فتسير الفتاة من كوكاوا (وهي مدينة ميدغري الآن) إلى كوارا (وهي مدينة إلورن) من غير أن تتعرض لأي أذى»(17).
وكذلك قدَّم الولاة في خلافة «سوكوتو» نموذجاً رائعاً في العدالة وحسن التصرف في الحكم، فذكر مؤرِّخ المملكة «هيوستن» عن أمير المؤمنين «محمد بللو»: «وإذا نظرنا إلى كون بللو مع كونه أقوى إنسان في جميع بلاد السودان على الإطلاق، ولمدة عشرين سنة، ثم مع ذلك لم يتطرق إليه الفساد من أجل الملك والسلطة ألبتة، ويحق لنا أن نعدَّ هذا أكبر إنجازاته»(18)، وعاش «مدبوا آدما» (توفي 1848م) أمير «آدماوا» ولم يجمع شيئاً من الدنيا، ومات ولم يترك ميراثاً إلا مصحفاً(19).
وبهذا أثبت التاريخ الحديث للمنطقة فعالية تطبيق «الشريعة الإسلامية» في إصلاح المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية، ثم جاء الاحتلال البريطاني، فتغيرت الأوضاع إلى الأسوأ.
قال ويشموند بالمر – وقد زار المنطقة في بداية القرن العشرين -: «إنه لمن المؤسف أنه مما لا يمكن إنكاره أنّ وقائع الإجرام، وبالأخص السرقة والسلب والسطو، قد ازدادت سوءاً منذ الاحتلال البريطاني»(20).
حالة الشريعة في بلاد يوربا:
وهذه المنطقة – وهي الواقعة في جنوب غرب نيجيريا – قد دخلها الإسلام وانتشر فيها، خصوصاً بعد الجهاد وسقوط عاصمتها على أيدي المجاهدين، ففي عهد أحد ملوك «إيوو» في سنة 1860م إلى 1906م، كانت هناك محاكم شرعية، وكذلك أثر وجود قضاة شرعيين في بعض مدن المنطقة في بداية القرن العشرين، مثل «إكيرون»، و «ايدي»(21)، في مرحلة الاحتلال.
حالة تطبيق الشريعة في مرحلة الاحتلال البريطاني:
احتل الاستعمار البريطاني منطقةَ شمال نيجيريا في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، وفرض سيطرته على أقصى أطرافها الشمالية عام 1902م، وقد عدّ المسلمون هذا الاحتلال حرباً على الدين، وأنه من علامات قرب قيام الساعة، وقاوَمُوه بشتّى الطرق، ولم يستسلموا إلا من أجل الضرورة، فأدرك المحتل سبب المقاومة، والروح الإبائية الكامنة في نفوس أهل المنطقة في كلِّ ما يمسّ دينهم وعقيدتهم، ومدى استعدادهم للحفاظ على هُوِيتهم ومؤسّساتهم الدينية، ومن أعظمها الشريعة، فاعتمد المحتل نظام الحكم غير المباشر لفرض سيطرته على المنطقة وإدارتها، فتركوا الإدارة المباشرة للبلاد بيد السلطات الإسلامية لكن تحت مراقبتهم، وبعد استيلائهم على حقّ تعيين «أمير المؤمنين» – الذي غيّروا لقبه إلى اللقب العلماني «سلطان سوكوتي» – وكذلك أمراء مناطق الخلافة.
وتعاهد حاكم الاحتلال الأول «فريدريك لوغارد» للأمراء بألا تتدخل حكومة الاحتلال في شؤون دينهم، وأنها ستحافظ على المؤسّسات الدينية، وأن المحاكم المحلية (ويعني بها المحاكم الشرعية) ستستمر في تنفيذها للقضاء وَفْق «قوانين وأعراف البلد»، فاعتبرت السلطات الإسلامية هذا الميثاق بمثابة الاحتفاظ بنظام القضاء الإسلامي، وفسّروا أي تدخل لاحق في عملية تطبيق الشريعة نقضاً للعهد البريطاني.
وبالرغم من ميثاق المحتل، وبقاء مؤسّسات الخلافة، من الإمارة ومجلسها والمحاكم الشرعية والقضاة والولاة والسعاة، محفوظةً في الظاهر، فقد أدرك المحتل أن الشريعة الإسلامية هي العائق الوحيد أمام مخطّطه للسيطرة التامة على المنطقة، وفرض نظامه وثقافته على الشعب، فعزم البريطانيون على إحكام السيطرة على الشريعة ومؤسّساتها، واحتوائها، ثم القضاء عليها، وقد أدركوا أن ذلك لا يمكن عن طريق المواجهة والمجابهة، ولا عن طريق الابتزاز بدعوى وضع الحلّ للفساد المتفشي في نظام القضاء؛ لأن الفساد لم يكن، ولأن حاكم الاحتلال «لوغارد» نفسه قد ألفى الأمراء والقضاء أهل علم وعدل وحنكة، وأنهم محلّ تقدير واحترام في عيون رعاياهم لمراعاتهم لمصالحهم وحفظهم لحقوق الضعفاء من اليتامى والأرامل(22)، بغضِّ النظر عن منصبهم الديني الذي هو محلّ تقدير ديانة بالأصالة.
ومن أجل ذلك اتجه البريطانيون إلى سياسة التدرّج في التغيير والإخضاع، ومن أهم أهداف هذه السياسة إخضاع المحاكم الشرعية للسلطة العلمانية وعلمنتها تدريجيّاً، واستخدموا استراتيجيتينِ لتحقيق هذا الهدف:
الأولى: كانت موجَّهة للمحاكم الشرعية، سواء التي كانت في مجالس الأمراء، أو التي كانت تحت قضاتهم، فاتجهوا نحو تحويل هذه المحاكم إلى محاكم علمانية، وذلك عن طريق «تفطيمها» تدريجيّاً من جميع آثار الشريعة الإسلامية، وعلمنة الموظفين فيها، وتحويل القوانين والإجراءات القضائية لتوافق نظام القانون البريطاني، وعزلها عن بقية آثارها الإسلامية، فتتشرَّب المحاكم الإسلامية بالتدريج قوانين القضاء الإنجليزي وإجراءاته، وعن طريق تدريب القضاة ورجال القانون، والإشراف عليه وعلى معاهده، يتم تحويل القضاء الإسلامي في قوانينه وأنظمته بالكامل إلى القضاء الإنجليزي في المحاكم الشرعية.
والثانية: جعلوا المحاكم الشرعية تحت سيطرة سلطات الاحتلال البريطاني، فالمحكمة التي في مجلس الأمير صارت تحت مراقبة الحاكم المحلي لحكومة الاحتلال وسيطرته، وكان في الغالب مجرد موظف إداري لا خبرة له بأمور القضاء، وأسّسوا محاكم إنجليزية، وجعلوها مهيمنة على المحاكم الشرعية، وفي حالة الاختلاف لا شك أن القضاء يكون لما ذهبت إليه المحكمة الإنجليزية(23).
وقد تم لهم تنفيذ هذه السياسة فأصدروا بيانات قضائية، وإجراءات نظامية أخرى؛ من أهمها:
1 – بيان نظام المحاكم المحلية الذي صدر في عام 1900م، ومن أهم ما تضمّنه:
أ – إعطاء حاكم الاحتلال المحلي حقّ تأسيس المحاكم المحلية، لكن بموافقة الأمير أو رئيس المنطقة.
ب – للمحاكم المحلية – وتندرج تحتها المحاكم الشرعية – حقّ القضاء في الأمور الجنائية والشخصية حسب القوانين والأعراف المحلية، ولهم حقّ عقاب الجناة بأي نوع من العقوبة، بشرط ألا يكون فيها تمثيل أو تعذيب، وألا تكون عقوبة تشمئز منها العدالة المطلقة أو الإنسانية، وكذلك ليس لها حقّ تنفيذ عقوبة الإعدام، وهذا ما سمّوه «مبدأ السلامة من معارضة العدالة المطلقة».
ج – للأمير أو الرئيس المحلي حقّ تعيين القضاة، لكن بشرط موافقة حاكم الاحتلال المحلي.
د – لحاكم الاحتلال المحلي صلاحية دخول المحاكم، وإجراء التفتيش لأعمالها، وتحويل الدعاوى من محكمة إلى أخرى، وله حقّ إعادة النظر في أحكامها، أو المطالبة بإجراء محاكمة ثانية، أو تعديل الحكم الذي تصدره.
هـ – ستعمل المحاكم المحلية بالقوانين والأعراف المحلية في أنظمتها وإجراءاتها القضائية؛ بشرط أن تكون خاضعة للقوانين التي يصدرها حاكم الاحتلال للمنطقة(24).
2 - حق الاستئناف، فأعطيت المحاكم الإنجليزية حقّ القضاء الاستئنافي، حتى في القضايا التي حكمت فيها المحاكم الشرعية، وأول ما استُخدم هذا الإجراء لتقويض الشريعة كان في عام 1947م، في قضية قاتل حكمت عليه المحكمة الشرعية بالإعدام قصاصاً؛ لكونه قتل عمداً، فاستؤنف الحكم في المحكمة الإنجليزية فمنعت من تنفيذ الحكم على الجاني؛ استناداً إلى القانون الجنائي البريطاني الذي لا يقضي بالإعدام في مثل هذه الجريمة(25)، ودعم هذا الحكم بإجراء تشريعي في عام 1956م نصَّ على أنه ليس لأي محكمة محلية – وهذا يشمل المحاكم الشرعية – حقُّ إصدار عقوبة تتجاوز العقوبة المسموح بها لدى القانون الجنائي البريطاني أو قانون مسنون آخر(26).
وهذا الإجراء، بالإضافة إلى مبدأ «سلامة الحكم من معارضته للعدالة المطلقة أو الإنسانية أو الضمير»، استُخدم غير مرة حتى بعد الاستقلال؛ لسحب البساط من الشريعة، وهناك ما يدل على أن الشريعة هي المقصودة بهذا الإجراء، وليست بقية القوانين والأعراف المحلية الوثنية، وأوضح مثال على ذلك قضية المرأة المسمّاة «ميري بايكي ومالم أبا» (1943م)، كانت المرأة نصرانية، وجاءت تطلب ميراثها من أبيها المسلم، فحكم قاضي «محكمة كانو» بأن لا ميراث لها؛ لأنه لا يتوارث أهل ملتين شتّى، فاستأنفت الحكم في المحكمة العليا، وسمعت دعواها، وحكمت لها المحكمة، وقالت: «إن قانون الإسلام في الميراث تشمئز منه العدالة المطلقة والإنصاف والضمير»!
وفي مقابل هذا لمّا جاءت قضية «داودو مع دامولي» (1962م) في ميت ترك تسعة أولاد وأربع بنات، فقسمت التركة بناءً على عُرف قبيلة «يوربا»؛ أنّ التركة تقسم على زوجات الميت الذي مات وهنّ في عصمته، هنّ وأبناؤهنّ، فالولد الذي خرجت أمّه من عصمة والده ليس له حقّ في ميراث أبيه، فاستأنف «داودو» الحكم، ولكنه لم ينجح، وحكمت جميع محاكم الاستئناف أنه ما دام ذلك عرفهم فإنه يجب تنفيذه (يعني ليس ذلك مما تشمئز منه العدالة المطلقة والإنصاف والضمير)(27)!
وذنب «داودو» كونه اعترض على عُرف مبني على دين وثني، وأما «ميري» فمصدر قوتها أنها اعترضت وطعنت في الإسلام، فنجحت بينما أخفق هو، وإلا فأي شيء تبغضه العدالة المطلقة والإنصاف والضمير في أن تمنع ميري من ميراث أبيها، وهو نفسه ممنوع من ميراثها لو أنها كانت هي المتوفَّاة، لكنه الكيل بمكيالين واتباع الهوى.
وقد نجحت سياسة المحتل البريطاني تجاه الشريعة في نيجيريا في تلك المرحلة من عدة أوجه؛ منها:
1 – ضعفت هَيبة المحكمة الشرعية، وذهبت مصداقيتها وفعاليتها، حتى أصبح كثير من أهل العلم والفضل يرفضون الدخول في القضاء.
2 – ضعفت معارضة الأمراء والقضاة لمطالب المحتل، بينما كان الأمراء في بداية عصر الاحتلال يعارضون أي تدخل في أمر القضاء الشرعي، ويعدُّونه نقضاً للميثاق الذي تعهّد به المحتل، ففي أواخر عصر الاحتلال كسرت شوكة تلك المقاومة، وأكبر دليل على ذلك أنه لمّا جاءت حكومة الاحتلال بنظام القانون الجنائي بديلاً للتشريع الجنائي الإسلامي، وذلك عشية يوم الاستقلال، استطاعت الحكومة أن تجنّد الأمراء والقضاة للتدريب على العمل بالقانون العلماني الجديد.
3 – القيام بفصل عدد من القضاة العارفين بأحكام الشريعة الإسلامية من عملهم.
4 – نجحت السياسة البريطانية في إحكام سيطرة المحاكم الإنجليزية على المحاكم الشرعية سيطرة تامّة، وأصبح قضاتها هم الحكم الأخير في جميع قضايا الشريعة الإسلامية، فكان إليهم المنتهى في القضايا التي يحقّ للمحاكم الشرعية أن تنظر فيها، وفي حقّ مَن ومتى وأين، كما اغتصبوا حقّ تفسير أحكامها وأنظمتها مع جهلهم المطبق بالشريعة، فضيقوا مجال العمل بالشريعة، وقلّلوا من صلاحيات محاكمها، وفي كثير من الأحيان حرّفوا أحكامها.
والخطوة الأخيرة التي اتخذها المحتل للقضاء على الشريعة في نيجيريا هو استبدال القانون الجنائي بالشريعة الإسلامية، كما كانت تنفذ في شمال نيجيريا، وقد بدأ التمهيد لذلك في مؤتمر لندن لكتابة دستور عام 1960م، المنعقد في سنة 1958م؛ حيث اقترح ممثلو الاحتلال ترك العمل بأي نظام جنائي لم يتم تقنينه ولا تدوينه، وعندما عرض الاقتراح للنقاش أيَّده ممثلو جنوب نيجيريا وعارضه الشماليون، فتوصلوا إلى حلٍّ وسط، وهو ألا يحكم على أي شخص بجريمة جنائية إلا إذا كانت الجريمة مقنّنة في قانون مدوَّن، وأثبت هذا في دستور عام 1960م، والمستهدف به هو الشريعة الإسلامية، فإن المحتل وخلفاءه يعدون الشريعة كما كانت تحكم بها المحاكم الشرعية في شمال نيجيريا غير مقنّنة، بالرغم من أنها مدوّنة في كتب الفقه؛ مثل (رسالة ابن أبي زيد)، و (تحفة ابن عاصم)، و (مختصر سيدي خليل).
فشكّلت حكومة شمال نيجيريا لجنة لإعادة النظر في النّظم القضائية في المنطقة، فأوصت بأن الحلّ الذي يرضي المحتل البريطاني هو إزالة القضاء الشرعي واستبدال ما يسمّى «القانون الجنائي» به، قام بتقنين هذا «القانون الجنائي» محامٍ بريطاني في جامعة أوكسفورد، وجرّب في الهند والباكستان وليبيا والسودان، وتم تقنينه بحيث يتوافق والنظام الجنائي الشرعي فيما يُعَدّ جريمة، لكنه يخالفه في العقوبات المترتبة عليها.
وقد أجريت لقاءات كثيرة مع قادة المسلمين في الشمال من الأمراء والقضاة والعلماء لعرضه عليهم، فعارضوه معارضة شديدة، فشكّلت لجنة من العلماء وأهل القضاء لإجراء دراسة شاملة للقانون، وظلّ العديد من جوانبه محلّ اعتراض هؤلاء العلماء، ولم يتوصلوا فيها إلى حلٍّ، لكن الضغوطات البريطانية على القادة الشماليين كانت شديدة جدّاً، وقد أشار إليها الزعيم الشمالي «أحمد بللو»، كانت تلك الضغوطات سياسية واقتصادية، حتى إنها وصلت إلى حدّ الابتزاز والتهديد بمنع دخول رؤوس الأموال والاستثمار الخارجي إلى المنطقة، كلّ ذلك لانتزاع موافقته لتغيير القوانين الإسلامية، فرفض، وأخيراً تمّت مساومته لقبول القانون الجنائي الجديد؛ ليكون ذلك ثمناً لاستقلال نيجيريا فتمّ لهم ذلك، وقد صدر المرسوم الخاص بالعمل بهذا القانون عشية إعلان الاستقلال، وكان من نية «أحمد بللو» أن يعدل القانون بعد الاستقلال فوافته المنية قبل أن يتمكّن من ذلك.
حالة تطبيق الشريعة بعد الاستقلال:
لم يتم الاستقلال حتى تم إقصاء الشريعة من حياة المسلمين، فصارت المحاكم الشرعية تحكم بالقانون الجنائي في القضايا الجنائية، لكن بقيت الأحوال الشخصية للمسلمين يُحكم فيها بالشريعة الإسلامية.
وأهم ما استجد في هذه الفترة خصوصاً في الأمور التشريعية؛ ما يأتي:
– قرّرت حكومة شمال نيجيريا، بناءً على توصية اللجنة المشكّلة للنظر في مدى نجاح ما أسمته بالإصلاحات التشريعية لعام 1958م، نجاح العمل بالقانون الجنائي، وأن القانون قد وجد قبولاً واسعاً واحتراماً في جميع مناطق أمراء الشمال ما عدا منطقة واحدة، خلافاً لما كان يخاف منه من معارضة ومقاومة عنيفة للقانون.
– صدر مرسوم الحكومة في عام 1960م بإقامة محكمة شرعية للاستئناف، يرفع إليها قضايا الأحوال الشخصية الخاصة بالمسلمين فقط، وكذلك في الدعاوى التي طلب كلا الخصمين الفصل فيها بموجب الشريعة الإسلامية، وكانت تُعَدّ المحكمة النهائية التي تُستأنف فيها الدعاوى المذكورة، إلا إن كانت الدعوى تتعلق بحقوق الإنسان، أو تفسير دستور جمهورية نيجيريا، فيكون هناك حقّ الاستئناف في المحكمة العليا العلمانية.
– في عام 1967م صدر قرار بإلغاء المحاكم الشرعية التي كانت تعقد في مجالس الأمراء المحليين، وهي التي كانت تلي ولاية المظالم في عهد ما قبل الاحتلال والاستقلال، كما تم تغيير أسماء المحاكم الشرعية إلى محاكم محلية، فأصبحت هناك محاكم محلية أولية، ومحاكم محلية عالية، وسحبت المحاكم من سلطة الأمراء المحليين، وجعلت كلّها تحت سلطة كبير القضاة في الإقليم، وهو رئيس أكبر محكمة مدنية في المنطقة.
– وبعد الحرب الأهلية (1967م – 1970م)، وتقسيم نيجيريا إلى ولايات، وصارت للمنطقة ست ولايات، شكّلت محكمة شرعية للاستئناف في كلّ ولاية من الولايات الشمالية.
– عندما أرادت الحكومة العسكرية التي كانت تحكم البلد من عام 1966م تسليم السلطة إلى حكومة مدنية شكّلوا لجنة لكتابة الدستور، وفي مسوَّدة الدستور التي خرجت في عام 1976م أوصت اللجنة بإبقاء المحاكم الشرعية للاستئناف وصلاحيتها في النظر في كلّ قضية اختار الخصمانِ فيها الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية، وأوصت ثانياً بتشكيل محكمة شرعية عليا للاستئناف على المستوى الفيدرالي؛ للبَتِّ في قضايا الأحوال الشخصية للمسلمين، وما اختار الخصمانِ فيها الاحتكام إلى الشريعة، فاشتدَّ اعتراض النصارى بحجّة أن ذلك يؤدي إلى اعتماد نظامين مستقلين للقضاء في دولة واحدة، وبعضهم اعتبر ذلك تحويل البلد إلى دولة إسلامية، وفي صفوف المسلمين وُجد من العلمانيين الاشتراكيين مَن أيَّد موقف النصارى، بدعوى أن في ذلك القرار تفضيلاً للمسلمين على غيرهم من أهل البلد!
ولما عُرِض الدستور على الجمعية التشريعية المشكّلة لإقرار الدستور في شهر إبريل 1978م رفض الأغلبية عند التصويت قرار تشكيل المحكمة الشرعية العليا للاستئناف، وأما فيما يتعلق بما كان على مستوى الولايات؛ فقد وافق الأعضاء على أن تبقى المحاكم الشرعية للاستئناف على ما كانت عليه في السابق، فيما يتعلق بمستواها وبالدعاوى التي هي من صلاحيتها.
– توجد مواد في دستور نيجيريا لا صلة لها بالأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية ووضع المحاكم الشرعية، أمكن للمسلمين الانطلاق منها لاحقاً للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية.
وخلاصة ما تضمنته تلك المواد، كما أثبتت في دستور عام 1999م، ما يأتي:
1 – من حقّ كلّ ولاية سنّ القوانين التي تراها مناسبة لرعاياها.
2 – لكلّ نيجيري حقّ اختيار ما يحلو له من الأديان والمعتقدات، ومن حقّه على الدولة أن تدافع عنه، وتوفّر له الأمن؛ حتى يتمكن من القيام بتعاليم دينه الذي يعتقده.
3 – تنصّ المادة الرابعة من الدستور على أن لكلّ ولاية صلاحية إقامة محاكم تقوم بالنظر في تطبيق القوانين التي تم سنّها من برلمان الولاية، وهذا مما استند إليه دعاة تطبيق الشريعة في إقامتهم لمحاكم ابتدائية شرعية.
4 – تنصّ المادة السابعة على أن لكلّ ولاية صلاحية إقامة محكمة استئنافية شرعية في الولاية تُرفع إليها القضايا المتعلقة بالقوانين الشرعية من المحاكم الصغرى.
– ولتفادي وجود التعارض بين ما تسنّه كلّ ولاية من القوانين وما تسنّه السلطات التشريعية الفيدرالية، وضع حلّ، وهو الآتي: قسمت «المادة الرابعة من الدستور» الجانب التشريعي بين السلطات التشريعية الفيدرالية والولائية إلى ما يأتي:
1 – قضايا تختص السلطات التشريعية الفيدرالية بتسنين قوانينها، وتوجد قائمة بذلك، ومنها: قضايا الأمن والدفاع، والشؤون الخارجية والمصارف، والجمارك، ونظام الشهادة في المحاكم، وإصدار العملات، وتنظيم الإجراءات المتعلقة بالقانون الإجرائي والمدني… إلخ.
2 – قضايا مشتركة بين السلطتين التشريعيتين (الفيدرالية والولائية)، وتوجد قائمة بذلك؛ منها: الضرائب، والكهرباء، والسدود، وتنمية الحركة التجارية والصناعية والزراعية، وتأسيس مراكز البحث العلمي والتقنية، وإنشاء المدارس والمعاهد والجامعات، والرقابة على الأفلام… إلخ، هذا وللولايات سنّ قوانينها، بشرط عدم تعارض ذلك مع القوانين الفيدرالية، وفي حال التعارض تكون القوانين السارية هي القوانين الفيدرالية.
3 – قضايا غير مدرجة في قوائم الفقرتين الأولى والثانية، وهذه من صلاحيات السلطات التشريعية في الولايات، ومن هذه المواد انطلق حاكم ولاية «زمفرا» لإعلان تطبيق الشريعة.
جهود المسلمين في نيجيريا في المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية:
سبقت الإشارة في مطلع المقال إلى أن قضية تطبيق الشريعة الإسلامية في نيجيريا لم تكن وليدة اليوم، فقد قام المسلمون في نيجيريا بعديد من المساعي لإعادة تطبيقها منذ أن أرغم المحتل أهلّ المنطقة بتحكيم القانون الجنائي؛ فمن ذلك:
- دور «أحمد بللو» رئيس الإقليم الشمالي (ت 1966م)، فقد كان في آخر حياتِه يرغب في تطبيق الشريعة، وكان يَبِيت آخرَ ليالي حياتِه يتقلَّب أسفاً على خضوعه لضغوطات المحتلين في مطالبته بإقصاء الشريعة واستبدال القوانين الوضعية بها، ولكن نتيجة قلَّة علمه، وشدة ضغوط النصارى عليه في الإقليمين الجنوبي الشرقي والغربي، قَبِل بقصر ذلك على قانون الأحوال الشخصية.
- عندما شكِّلت الجمعية التشريعية لإقرار دستور عام 1977م، وقرّرت الجمعية بالأغلبية عدم اعتماد المادة التي سمحت بإقامة محكمة شرعية استئنافية على المستوى الفيدرالي، اعترض على القرار النواب المسلمون، ومعظمهم من السياسيين البارزين، وفيهم من صار رئيساً لنيجيريا لاحقاً (الحج شيهو شاغاري: رئيساً من 1979م – 1983م)، وقاطعوا جلسات الجمعية، وأخيراً استسلموا للضغوطات التي مُورِست عليهم، واستمروا في أعمال الجمعية، وحتى الأمراء التقليديين مارسوا دوراً ملموساً في المطالبة، فقال «أمير نوفي عمر سندا إنداياكو»: وجود محاكم شرعية تتولى قضايا المسلمين لا يجعل المسلمين في موضع التفضيل، كما ذهب إلى ذلك بعض العلمانيين من المسلمين، بل إذا كانت نيجيريا تحترم علمانيتها حقّاً؛ فعليها أن تمنح جميع رعاياها حقوقهم، ما دامت تلك لم تنتهك حقوق الآخرين.
وكذلك خرج الطلاب المسلمون في «جامعة زاويا» في مظاهرات حاشدة مطالبين بصدور قانون يسمح بتطبيق الشريعة في الشمال النيجيري، ولم يقتصروا على قضية إنشاء المحاكم الشرعية الاستئنافية فحسب، ومثل موقفهم هذا موقف المؤتمر المنعقد في بداية أغسطس 1978م عن (الإسلام ومسوَّدة الدستور)، وآخر في نهاية الشهر نفسه عن (الشريعة وحرية الصحافة)؛ حيث طالب كلا المؤتمرين بتطبيق الشريعة كليّاً، وليس فقط في أمور الدين، بل في جميع أمور الحياة، وذكروا أن القانون الوضعي الإنجليزي المبني على القانون الروماني الوثني مستوردٌ وأجنبي بالنسبة لمسلمي نيجيريا، وعليه فلا يلزمهم الاعتراف به والعمل به، وهذا حقّ للمسلمين لو كانوا أقلية، فكيف وهم يشكّلون 75% من مجموع سكان نيجيريا على حسب تقرير المؤتمرين!
- حين بدأت الدعوة تتسع في أوساط الناس، وبخاصة شباب الجامعات، انتشر في أوساطهم التدين والوعي شيئاً فشيئاً، وكان من أبرز رواد الدعوة والمؤثرين في الصحوة التي بدأت في تلك الفترة – إن لم يكن رائدها على الإطلاق – الشيخ «أبو بكر جومي».
ومع مرور الزمن قويت مطالبة المسلمين بقضية تطبيق الشريعة، واعتبارها الطريقة المثلى لاستعادة الهُوِيَّة وتثبيتها، وازدادت وتيرة الأمر بإعلان النميري تطبيق الشريعة في السودان، نتيجة لقرب المكان وقوة الصلة بين الشمال النيجيري والسودان، وخصوصاً عن طريق البعثات التعليمية منذ عهد بعيد.
ثم أخذت فكرة تطبيق الشريعة تنمو وتزداد مع مرور الوقت، لتبنِّي كثير من الدعاة وطلاب العلم والعديد من المنظمات المحلية لها، لكن لم يكن يدور في خلد أحد أن الأمور ستصل إلى ما وصلت إليه في هذا الوقت، بل كان غاية ما يسعى إليه القوم بذل الجهد إعذاراً إلى الله – سبحانه -، ولعل تلك (الأمنية) تتحقّق في يوم ما.
جهود مسلمي يوربا في المطالبة بالشريعة:
يشكّل المسلمون الأغلبية في عدد من ولايات منطقة «يوربا» في نيجيريا، وبخاصة «أويو»، و «لاجوس»، ومع وجود الملايين من المسلمين في تلك الولايات، بالإضافة إلى «أوغن» و «أوندو»، لا توجد محاكم شرعية تحكم فيهم، حتى في الأحوال الشخصية، بل إنها تُرفع إلى محاكم تقليدية، فاشتدت مطالبة المسلمين من أهل المنطقة بإقامة محاكم شرعية تحكم فيهم، فطلب المسلمون في «لاجوس» إقامة محاكم شرعية لهم منذ عام 1923م من حاكم الاحتلال حينذاك، عقب قضية حكم فيها بالجور على أحد المسلمين في محكمة إنجليزية، وكذلك طلب مجموعة من العلماء وطلاب العلم إقامة محاكم شرعية في «إبادن» في عام 1938، وفي عام 1958م طلب مؤتمر مسلمي «إجيبو أودي» من اللجنة المشكّلة للنظر في إجراء الإصلاحات القضائية قبل الاستقلال تحكيم الشريعة الإسلامية فيهم، لكن لم يُجْدِ طلبهم شيئاً.
وكذلك طلب «اتحاد الجمعيات الإسلامية» في المنطقة من لجنة كتابة دستور عام 1977م إدخالَ الشريعة في دستور نيجيريا، وقاطع المسلمون جلسات الجمعية التشريعية السالفة الذكر، وكان من النواب الذين قاطعوا الجلسات الحاج «باباتوندي جوسي» من مسلمي «يوربا».
وجهود المسلمين في المطالبة بالشريعة في تلك الفترة قد أسفرت عن تأسيس «اللجنة الوطنية للمطالبة بتطبيق الشريعة»، وساهم في تأسيسها القائد اليورباوي المسلم «مسعود أبيولا» (توفّي)، ولم تزل هذه اللجنة تواصل جهودها في المطالبة بالشريعة، وكذلك «اللجنة الوطنية للجمعيات الإسلامية للشباب»، وهذه اللجنة الأخيرة قد كثّفت جهودها في المطالبة بالتطبيق بعد إعلان «زمفرا»، ونظراً لكون الحزب الحاكم في ولايات المنطقة كان امتداداً لحزب «أوولوو» الزعيم اليورباوي الراحل – وكان معروفاً بعدائه للإسلام والمسلمين في المنطقة – أخفقت تلك الجهود في الحصول على أي نجاح، فقرَّرت اللجنة بعد التحرك الواسع في أوساط المسلمين في المنطقة إقامةَ محكمة شرعية مستقلة، مقرُّها في جامع مدينة إبادن الكبير، وأنشئت في أول يوم من مايو 2002م بمحضر آلاف المسلمين من مختلف أنحاء نيجيريا، وكان لـ «حسبة ولاية كانو» دور ملموس في تنظيم الجماهير يوم الاجتماع.
وقد كان وزير العدل النيجيري السابق «بولا إيغي» – وكان من أهل المنطقة من النصارى – يحلف بأنه: لا يمكن تطبيق الشريعة على مسلمي جنوب غرب نيجيريا وهو في قيد الحياة، فاغتيل يوم 23/1/2001م، وبرّ في قسمه!
وكانت حصيلة عمل المحكمة بعد مرور سنة على إقامتها ما يأتي: حكمت في 95 قضية، 70% منها هي قضايا النكاح والطلاق، و 15% تتعلق بالخصومات في أمور التجارة، 14% في الميراث، و 10% قضايا أخرى مختلفة، منها 3 قضايا جنائية شهد الجناة فيها على أنفسهم.
واقع التطبيق وحقيقته:
بعد إعلان حاكم ولاية «زمفرا» (الحاج أحمد ثاني) عزمه على تطبيق الشريعة، تحرك المسلمون من مختلف أنحاء نيجيريا للمطالبة بتطبيق الشريعة في مناطقهم، فتضامن العلماء والدعاة والجمعيات الإسلامية بمختلف توجهاتهم ومناطقهم وقبائلهم، ووحدوا صفوفهم، وبذلوا الجهود في المطالبة بقضية التطبيق والدفاع عنها، وقام بمساندتهم النخبة من المحامين والصحافيين والكتَّاب.
ولم تُرَ قضية وحّدت صفوف المسلمين كهذه، فأثمرت تلك الجهود، فتتابعت ولايات شمال نيجيريا في الإعلان عن عزمها على تطبيق الشريعة، وكان في مقدمتها ولاية «نيجا»، وكان حاكمها «عبدالقادر كوري» ممن حضر ذلك الاجتماع التاريخي بمناسبة إعلان «زمفرا»، وقد تأثر بما شاهده من الولاء المطلق للإسلام ولشريعته، الذي هو التعبير الصحيح والعنوان الوحيد لذلك التجمّع العظيم، فكان أول مَن أعلن عزمه على التطبيق بعد والي «زمفرا»، وكان ذلك برغبة ذاتية منه وليس خضوعاً لمطالبة المسلمين في ولايته بذلك.
وأما بقية الولايات؛ فقد تجاوبوا مع القضية نتيجة الجهود المبذولة في المطالبة بالتطبيق وما رأوه من مدى نجاح تجربة «زمفرا»، واستقرار الأمور فيها، وعدم قدرة الحكومة الفيدرالية على تنفيذ تهديداتها تجاهها، وبعض الحكام تجاوبوا نتيجة الضغوطات الدينية والسياسية والإعلامية التي مُورِست عليهم من لجان المطالبة بالتطبيق، فأصبح عدد الولايات التي تبنّت تطبيق الشريعة اثنتي عشرة ولاية من ولايات نيجيريا الست والثلاثين – تسع عشرة منها في الشمال.
وفيما يلي جدول توضيحي لتواريخ تبنِّي الولايات لقضية التطبيق:

وأما عن حقيقة قضية التطبيق:
ففي بداية الإعلان لم تتجاوز القضية في الظاهر العزمَ على إعادة صياغة القانون الجنائي، بحيث يتوافق والشريعة الإسلامية في جميع أبواب الجنايات ما عدا الردّة، ثم إنشاء المحاكم للعمل به، وذلك استثماراً للمنفذ الموجود في دستور عام 1999م، (وهي فقرة 7 من مادة 4)، الذي سمح لكلّ ولاية بوسيلة سلطتها التشريعية أن تسنَّ قوانين تضمن أمن الولاية واستقرارها وسلامة رعاياها ورفاهيتهم، وحقّ الولاية في أن تؤسّس محاكم ابتدائية واستئنافية لها سلطة النظر في الدعاوى المتعلِّقة بالقوانين التي قامت الولاية بتسنينها (فقرة 5 ك من مادة 6).
وتمّ فعلاً إعادة صياغة القانون الجنائي، (قام بذلك العمل مركز الدراسات الإسلامية القانونية بجامعة أحمد بللو زاريا، بالتعاون مع المركز الإسلامي الوطني بزاريا أيضاً)، وبعد عرضه على برلمان الولاية ودراسته وافق عليه البرلمان، ثم رُفع إلى الحاكم فوقّع عليه، وصار قانوناً للولاية(28)، ثم أُعِيد بناء المحاكم الشرعية وتشكيلها؛ لتعمل بالنظام القضائي الجديد، وبدأ تنفيذ الحدود على الجناة.
وهذه هي ظاهرة قضية التطبيق أول ما بدأت في «زمفرا»، وكذلك في بقية الولايات، حتى أصبح التطبيق مرادفاً لتنفيذ الحدود، غير أن المسلمين بقيادة الدعاة وسائر الإسلاميين لا يرون اقتصار القضية على هذا، بل يريدون الانطلاق منها إلى أسلمة المجتمع، واستجاب لهم الولاة، فدخلت قضية التطبيق عدة مجالات، وإن كانت تختلف من ولاية إلى أخرى، كما تختلف مدى جدية الولاة بعضهم من بعض.
وأما مجالات تطبيق الشريعة الإسلامية، فهي ما يأتي:
1 – تفعيل دور المجتمع في عملية الحسبة وقمع الفساد الخلقي: ومن أهم مظاهر ذلك: منع الدعارة وإغلاق أماكنها، وإغلاق حانات الخمر وحظر تناولها في الأماكن العامة، ومنع بيعها وتخميرها واستيرادها، وإلغاء تراخيص ذلك، وهذا من أهم مجالات التطبيق، وكاد تجتمع عليه جميع الولايات التي تبنّت التطبيق، ومن آثاره الإيجابية تخفيف نسبة الإجرام في تلك الولايات، فقد كانت تلك الأماكن مأوى لعصابات السرقة والسطو وقطَّاع الطرق، حتى ذكرت إحدى الصحف المحلية أن المجرمين والمومسات هجموا على ولايات المنطقة الوسطى التي لا تطبق الشريعة؛ فراراً من الولايات التي أعلنت التطبيق، فازدادت نسبة السرقة وقطع الطرق فيها من قِبَل العصابات المسلَّحة، وكثرت شكاوى أهلها، ومن أبرزها ولايات (بلاتوا، ونصراوا، وبينوي، وكوغي، وترابا، والعاصمة أبوجا)(29).
2 – إعادة تنشيط الجانب الاجتماعي للشريعة، ومن ذلك:
– تفعيل دور الزكاة، ووضع آلية لجمعها وتوزيعها على المستحقين، وهذا المجال أيضاً اهتمت به معظم الولايات التي أعلنت التطبيق، لكن أبرزها: «زمفرا»، و «كانو»، و «جيغاوا».
– ضبط بعض العمليات التجارية، ووضع معايير للأمداد والموازين واستعمالها في عمليات البيع، وقد كان ذلك غائباً في معظم الأسواق.
– بدأت الولايات التي قامت بالتطبيق جهوداً نحو تأسيس بنك إسلامي للقضاء على جريمة الربا في المعاملات المالية، وتضامنت في ذلك، حتى تم إصدار الترخيص لإقامة أول بنك إسلامي برأس مال معظمه من بعض الولايات التي طبقت الشريعة، (وهي ست ولايات: زمفرا، كانو، بوشي، كدونا، نيجا ويوبي).
– تكثير فرص العمل، وتقديم القروض للمزارعين وأصحاب الحرف البسيطة، ومن ذلك تقديم القروض لبائعات الخمور في ولاية بوشي للبحث عن تجارة بديلة، ومن أمثلة ذلك أيضاً ما قدّمته ولاية «زمفرا» للمومسات التائبات من مساعدات مالية وقروض؛ ليستعين به على مؤنِ الزواج والعفاف، وبلغ عدد فرص العمل التي وفرتها حكومة «كانو» خلال بضعة أشهر من تولّي حاكمها الحالي للسلطة 5000 وظيفة، وكذلك قامت ولاية «كانو» بوضع برنامج لتأهيل المومسات اللائي تركن هذه الرذيلة.
– ردّ الحقوق إلى أصحابها، وهذا ما امتازت به حكومة ولاية «كانو»؛ حيث صرفت للمتقاعدين مستحقاتهم، وقد مضى على بعضهم أكثر من عشرين سنة دون أن يتقاضوا شيئاً من ذلك، وقد بلغ عدد ما صرفه من هذه الاستحقاقات في سنة واحدة ما يعادل 5% من مجموع دخل الولاية.
3 – زيادة الأنشطة الدعوية، ورفع مستوى الوعي والتديّن لدى العامة: فسخرت وسائل الإعلام لنقل البرامج الدينية، وجنّد الدعاة لتوعية الناس في المدن والقرى والأرياف.
4 – العناية بالتعليم، ومحاولة أسلمته، وتسخيره لخدمة قضية التطبيق: فكلّفت ولاية «زمفرا» بالتضامن مع ولاية «سوكوتو» كلية التربية التابعة لـ «جامعة عثمان دان فودي» بإعادة كتابة المناهج الدراسية للمستويات الابتدائية والمتوسطة والثانوية، كما اعتنت بتدريب قضاتها بشكل دوري ومستمر في مركز الدراسات الإسلامية القانونية بـ «جامعة أحمد بللو بزاريا»، وكذلك ولاية «كانو»؛ حيث اعتنت بكلية أمين كانو للدراسات الإسلامية القانونية، ووافقت الحكومة على أن ترفع مستواها بحيث يكون لها صلاحية منح درجة البكالوريوس، بينما كانت في السابق تمنح درجة الدبلوم فقط، وازدادت أنشطتها العلمية بإقامة ندوات وورش عمل عن الوسائل الاقتصادية الحديثة وموقف الشرع منها، وكيفية تنظيم أعمال الحسبة، وكذلك وظّف أكثر من ألفي مدرس للمرحلة الثانوية لرفع مستوى التعليم الثانوي.
وأما ولاية «بوشي»؛ ففرضت تعليم اللغة العربية والدراسات الإسلامية على جميع مدارس الولاية حتى المدارس الخاصة، وهي خطوة مهمة جدّاً؛ نظراً لكون معظم أولاد النّخبة يدرسون في المدارس الخاصة، ولا تدرس فيها تربية إسلامية فيكونون عرضة لطمس هُوِيَّتهم الإسلامية، فهذا القرار يقضي على هذا الخطر إن شاء الله.
5 – العناية الخاصة بالتعليم الإسلامي: وما زالت الدراسات قائمة في ولاية «كانو» و «زمفرا» لكيفية إصلاح تعليم القرآن والتربية الإسلامية في الخلاوي والمدارس الأهلية، وهي جهود صادقة يُرجَى أن يسفر عنها تفعيل دور هذه المدارس وإصلاحها؛ لتؤدي رسالتها كما ينبغي، ووضع هذه المدارس من أيام الاحتلال لم يَزْدَد إلا سوءاً، فطلابها يشكِّلون معظم جند المتسولين، وليس هناك برنامج يَعتنِي بالمتخرِّجين فيها.
6 – أسّست مؤسّسات تُعنَى بتطبيق الشريعة في مختلف المجالات؛ وهي كالآتي:
– ففي «زمفرا» أسّست وزارة الشؤون الإسلامية لوضع البنية التحتية للدعوة والإشراف عليها.
– كوّن مجلس العلماء – وهو مجلس استشاري للحاكم – يرجع إليه في أمور الحكم والتشريعات التي تصدر في الولاية.
– وفي «كانو» أسّست المؤسسات الآتية:
«اللجنة الاستشارية لتطبيق الشريعة»: وكان من أهم أعمالها القيام بصياغة قانون الشريعة الجنائي، وتمّ بتعاون نخبة من العلماء والقضاة المحنَّكين والمحامين، وهي التي تقوم بالإشراف على جميع المؤسّسات المَعْنِية بالتطبيق في «كانو»، وإجراء المقابلات التأهيلية للقضاة الشرعيين.
«لجنة الشريعة»: وهي المكلَّفة بوضع رؤية لعملية التطبيق، ودفع عجلة العملية، ورسم مسارها، وهي أيضاً موجودة في الولايات الأخرى مثل «بوشي».
«لجنة الزكاة والأحباس»: وهي المَعْنِية بجمع الزكاوات وتوزيعها، والنظر على الأوقاف.
«هيئة الحسبة»: وهي عامّة في كثير من الولايات التي تقوم بالتطبيق، ومهمتها تعقّب الأعمال المنافية للشريعة والفساد الخلقي، واقتضت الحكمة تأسيسها؛ لأنه لا يمكن الاعتماد على الشرطة لتعقب الفساد؛ لأن الشرطة بيد الحكومة الفيدرالية، ولا تخضع خضوعاً تامّاً لحاكم الولاية، وإن كان هو مسؤول الأمن الأول في ولايته، فبدأت هيئة الحسبة كهيئة تطوعية بتنظيمٍ فيه أعضاء في جميع أنحاء الولايات ابتداءً من الأحياء إلى المستوى الولائي، وقد نجحت نجاحاً كبيراً في مجالها، لكن بسبب قلّة العلم، وقلّة التدريب لدى أعضائها، سجّلت عليها بعض التجاوزات، فأعيد تشكيلها بشكل قانوني بحيث يوجد في مجالس إدارتها أعضاء من الشرطة والمباحث الجنائية، ومن أهم نجاح هيئة الحسبة دورها في تحريك مشاعر العامة ضد مَن يُرَى أنه من المناوئين للشريعة، وقد عدَّ هذا بعضُ المراقبين أنه من أكبر عوامل سقوط حاكم «كانو» السابق في الانتخابات الماضية.
«هيئة التوجيه والإرشاد»: وهي هيئة إعلامية أسّست في ولاية «كانو» قريباً، ومهمتها توعية العامة ببرامج التطبيق.
7 – تحسين أوضاع قضاة المحاكم الشرعية، وتفعيل دور المفتين في المحاكم: الذي طالما نسي وترك التعيين لهذا المنصب المهم.
8 – محاربة الفساد في الدوائر المختلفة في بعض الولايات.
9 – برامج تدريب الإداريين وأصحاب مواقع القرار في الدوائر المختلفة في بعض الولايات على واجبات الموظَّف المسلم وسلوكياته في بيئة إسلامية: حيث يتم اختيار عدد منهم وتكلّف جهة إسلامية أو مجموعة من الدعاة لإقامة مخيّم تدريب لهم.
مستقبل التطبيق في نيجيريا:
والحديث عن مستقبل تطبيق الشريعة في نيجيريا ينبني على الإجابة عن الأسئلة الآتية – سبق ذكرها في المقدمة -: هل لدى الجهات المَعْنِية بالتطبيق الاستعداد والقدرة المطلوبَين لتحقيق المقاصد للشريعة، ومن ثَم تحقيق طموحات المسلمين في أن يجدوا في الإسلام الحلّ الأمثل لوضعهم المتردي؟ وما مدى استعداد تلك الجهات لمواجهة الحرب الشرسة على الشريعة، خصوصاً في وسط المتغيرات الآن في الساحة الدولية، وهل لدى المسلمين في نيجيريا الإحساس بالخوف من دفع ضريبة الإخفاق في هذه المسيرة؟ وما الخطوات الفعلية التي خطوها لمواجهة هذا الخوف؟
والإجابة عن هذه الأسئلة مرتبطة بالنظر في عوامل القوة التي تتمتع بها قضية التطبيق، وكيفية تثبيتها، وتشييد بنائها، وعوامل الضعف، والتحديات التي تواجهها، وهي بمثابة العوائق على طريقها، لكي تتبينَ السبل لتجاوزها، والفرص المتاحة، وسبل السعي إلى انتهازها.
عوامل القوة لقضية التطبيق:
1 – كثرة عدد المسلمين في نيجيريا: ففي نيجيريا يوجد أكبر عدد للمسلمين في القارة الإفريقية، وهم يشكِّلون أغلبية السكان في الدولة، فعلى حسب تقديرات الاستخبارات الأمريكية – والتي يعتمدها كثيرٌ من المؤسّسات الدولية – يشكِّل المسلمون 50% من السكان، ويعني هذا أكثر من 65 مليون نسمة، والنصارى 40%، وأصحاب الديانات الإفريقية 10%، ويرى المؤتمر الإسلامي المنعقد للمطالبة بتطبيق الشريعة عام 1977م أن نسبة المسلمين في البلد 75%.
2 – العاطفة الدينية الجياشة: وتبنِّي غالب المسلمين القوي – في الشمال والجنوب – لقضية التطبيق، وأكبر دليل على ذلك خضوع أغلب حكام الولايات التي أعلنت التطبيق لضغوطات المسلمين، وكذلك عجز الحكومة الفيدرالية عن اتخاذ خطوات صارمة لمنع قضية التطبيق أول ما أُعلنت في «زمفرا».
3 – الروح الإبائية في فئات كثيرة من المسلمين: التي تجعلهم يعبّرون عن مشاعرهم بكلّ وضوح وقوة، وأكبر شاهد على ذلك موقف أهل «كانو» في الإطاحة بحاكمها في الانتخابات الماضية، بسبب ما يُرى من معارضته للتطبيق، وعدم اتخاذ الحكومة الفيدرالية خطوات للتلاعب بنتيجة الانتخابات؛ خوفاً منها من ردّ فعل عنيف يعرض العملية الديمقراطية بأكملها للخطر والموت، وكذلك ردّ فعلهم على المجازر الجماعية التي تعرَّض لها المسلمون في بداية هذا العام في إحدى المناطق ذات الأغلبية النصرانية، مما كان له إسهام كبير في تنحية حاكم المنطقة النصراني، وإعلان حالة الطوارئ فيها من قِبَل الحكومة الفيدرالية تجاوباً منها لتحرك المسلمين في «كانو».
4 – إسهام إعلان تطبيق الشريعة في رفع مستوى التدين(30): وإيجاد أرضية دعوية خصبة، وإزالة العديد من العراقيل، وفتح الكثير من الأبواب التي كانت أمام الدعاة موصدة.
5 – إسهام التجمّع الكبير بمناسبة الإعلان في استعادة ثقة مسلمي نيجيريا بربهم: وثقتهم بهُوِيَّتهم الإسلامية، وبث روح الأمل في نفوسهم.
6 – تقارب العاملين للإسلام: وتقليل جوانب الخلاف بينهم تحت مظلة تطبيق الشريعة.
7 – ارتفاع صوت دعاة أهل السنّة، وتزايد أثرِهم في المجتمع.
8 – تزايد الكراهية الشديدة للغرب وتقاليده لدى كثير من المسلمين في الشمال والجنوب.
9 – تحقيق بعض المكاسب المعنوية: كتصريح رئيس الدولة النصراني بأن نيجيريا ليست دولة علمانية لا علاقة لها بالدين، وإنما هي دولة ذات أديان متعدّدة، وهذا مما يساعد المسلمين في بيان حقّهم في تطبيق الشريعة.
10 – تحقيق العديد من النجاحات والمكتسبات في الولايات التي أعلنت التطبيق، ومن ذلك:
– توسيع نطاق تطبيق الشريعة؛ إذ بينما كان التطبيق والمطالبة به في السابق مقتصراً على قانون الأحوال الشخصية، وإقامة محكمة شرعية استئنافية على المستوى الفيدرالي، تم اليوم مراجعة القانون الجنائي وصياغته صياغة تتوافق والشريعة الإسلامية، وهذه قفزة كبيرة.
– تشكيل وزارة للشؤون الدينية في «زمفرا»، وهيئات إسلامية في غيرها من الولايات لمراقبة تطبيق الشريعة، والعديد من الهيئات واللجان والمجالس المَعْنِية بتطبيق الشريعة – كما تقدّم -، ولم يكن يوجد من قبلُ جهة مختصة بالشؤون الدينية والشرعية في أي ولاية.
- تأسيس هيئات ولجان لجمع الزكاة وتوزيعها، والإشراف على الأوقاف، وهذا يكاد يكون حاصلاً في جميع الولايات التي تطبّق الشريعة، وقد سجّلت بعض هذه اللجان نتائج طيبة في تقوية روح التكافل الاجتماعي الإسلامي وخفض مستوى الفقر.
– تشكيل لجان للحسبة في بعض الولايات مثل: (زمفرا، وبوشي، وكانو، وجفاوا)، وقد تقدّمت الإشارة إلى أعمالها وشيء من إنجازاتها.
– افتتاح محاكم شرعية ابتدائية، وعقد دورات تأهيلية للقضاة، وزيادة رواتبهم، ومحاربة الرشوة، وعزل مَن ليس بكفء منهم في بعض الولايات.
– ازدياد المحاضرات والحِلَق والمدارس الشرعية، وارتفاع الوعي والمعرفة الدينية في أوساط الذكور والإناث – مقارنة بما سبق – بصورة ملحوظة(31).
– إقامة بعض الحدود الشرعية (قطع يد السارق – جلد الزاني – جلد شارب خمر).
- دعم الدعاة والأئمة، وزيادة أعدادهم، وتحسين أوضاعهم في بعض الولايات.
- العمل على سيادة العدالة، والقيام بمحاربة المحسوبية والفساد المالي والإداري في بعض الولايات(32).
– انتشار الحجاب، وفصل الذكور عن الإناث في مراحل التعليم، وفي سيارات النقل العام(33) في بعض الولايات.
– محاربة المنكرات العامة بشكل بيِّن (بيوت الدعارة – محلات القمار – بيع الخمور – الغش التجاري والتطفيف في الموازين…).
– استتباب الأمن، وقلة جرائم القتل والسرقة والاغتصاب بصورة ملاحظة، وهذا من أهم المجالات التي تركت قضية التطبيق بصماتها فيها.
– محاربة الفقر، من خلال رفع الحدّ الأدنى للرواتب، وتوظيف العديد من الشباب(34)، وتقديم المساعدات والقروض للأفراد والاتحادات والنقابات المختلفة في ولاية «زمفرا» وغيرها، مثل (بوشي، ونيجا).
– بناء العديد من المساجد(35) والمدارس الإسلامية والمحاكم الشرعية وصيانة القديم منها.
– إصلاح المناهج الدراسية لتتوافقَ مع روح الشريعة في ولايتي (زمفرا و سكتو).
– اعتناء كثير من الولايات التي أعلنت تطبيق الشريعة بإقامة مشاريع البنية التحتية(36).
– إلزام القطاعين العام والخاص بالسماح للمسلمين بأداء الصلاة في أوقاتها، وإيقاف العمل في الدوائر الحكومية قبل الواحدة ظهراً يوم الجمعة، وبث الأذان في مواعيده من خلال شبكات التلفاز والقنوات الإذاعية في بعض الولايات.
فهذه العوامل يجب تثبيتها ودعمها، والدور الأكبر في ذلك للحكومات والعلماء والدعاة والنّخبة من المثقفين ورجال الفكر، ولجان وهيئات التطبيق.
عوامل الضعف:
وهذه العناصر بعضها عامّة بالنسبة لوضع المسلمين، وبعضها خاصة بوضعية التطبيق.
وهي على ما يأتي:
1 – الجهل المتفشِّي في المسلمين: وغيابهم شبه الكامل في مجال العلم والتعليم في نيجيريا، فأصبح المسلمون هم المتأخرين في البلد، فهم أكثر فئة المجتمع النيجيري تعرضاً للفقر والظلم، فنسبة الأمِّية فيهم أعلى من غيرهم في البلد، وإذا قُورِن عددُ الحاصلين على درجة الأستاذية في جامعات المناطق ذات الأغلبية المسلمة بالمناطق التي أغلب أهلها النصارى تكون النتيجة مفزعة، فمجموع عدد الأساتذة في أربع جامعات في الشمال – وهي جامعات أحمد بللو، وبايرو، وميدغري، وعثمان دان فودي – 339 أستاذاً، بينما عددهم في جامعة إبادن 291، وفي جامعة إنسوكا 226، وفي جامعة لاجوس 225، وفي جامعة أوبا فيمي أوولوو 215(37)، وهذا الجهل يشمل أمور الدين بصورة أولية، وهو أخطر ما يكون.
2 – قلّة العلماء والدعاة: وإذا قورن عددهم بعدد مَن ينبغي أن يقوموا بتعليمهم وتوجيههم نجد عالماً واحداً لمئات الألوف من المسلمين، وإذا كانوا قلّة على مستوى نيجيريا ففي بعض الولايات التي أعلنت التطبيق هم أقلّ من القليل.
3 – ضعف المستوى العلمي في العلماء والدعاة: فأقسام الدراسات الإسلامية في جامعات نيجيريا لا تخرّج العلماء، بل ولا مَن يصلح لمواصلة التحصيل العلمي بالبحث والتعليم الذاتي،؛ لأن التعليم فيها مبنِيٌّ على مناهج ضعيفة مِن وضع مَن تخرج على أيدي المستشرقين، وأيضاً الدراسة فيها باللغة الإنجليزية، والتي لا يمكن بها دراسة بعض علوم الوسائل؛ كعلوم الحديث، وأصول الفقه، وعلم القراءات، وعلوم اللغة برسوخ، وحتى الحاصلين على درجات علمية عالية ممن درسوا على هذه المناهج تجد بضاعتهم في علوم الشرع مزجاة.
وأما العلماء القدماء الذين درسوا في مجالس العلماء، فهم على وشك الانقراض، ولا تكاد تجد عالماً بارزاً يخلفه أحد بعد موته فتستمر مدرسته، فأصبحت تلك المدارس لم تَعُد تُخرِج العلماء، والذين يشار إليهم بالبنان حاليّاً هم المتخرِّجون في الجامعات الإسلامية في البلدان العربية، وجُلُّهم ممن اقتصرت دراسته على المرحلة الجامعية، وعاقهم الانشغال بأمور العامّة من الدعوة والتوجيه، والسعي للقمة العيش، عن مواصلة البحث والتكوين العلمي المطلوب؛ لكي يتأهلوا لاحتلال منزلة الزعامة الدينية بحقّها.
4 – انشغال كثير من طلبة العلم بتتبع الغرائب في مسائل العلم: وتطويل النفس فيما ليس تحته عمل، وقلة فقههم في الخلاف في مسائل الخلاف، فقد يصل الخلاف في مسألة من المسائل التي يسوغ فيها الخلاف كجلسة الاستراحة إلى التدابر والتقاطع، وأن يُنسب المخالف إلى الابتداع.
5 – الانطلاق بحماس وارتجال دون تخطيط ودراسة للجوانب المختلفة المتعلقة بالتطبيق(38): ودون أن يكون هناك تهيئة للأرضية المناسبة للتطبيق، فلم تكن هناك رؤية استراتيجية واضحة لقضية التطبيق حتى الوضع الراهن.
6 – تفرّق دعاة تطبيق الشريعة بسبب الاختلافات في التوجهات.
7 – عدم كفاءة كثير من العاملين الفاعلين في حقل تطبيق الشريعة: بسبب غياب العلم الشرعي، وضعف الالتزام الديني، وقلّة الوعي بالمخاطر والتحديات، وتصدُّر مَن لا يصلح للأمر.
8 – عدم قدرة دعاة تطبيق الشريعة على إدارة الصراع: وما يتطلبه من كرٍّ وفرٍّ وترتيب للأعداء والأولويات(39).
9 – غياب القيادة العلمية والدعوية التي توحِّد الجهود وتقود المسيرة.
10 – ضعف استثمار الدعاة لحماس الناس بما يَعُود عليهم بمزيد من الإيمان والعلم والفائدة.
11 – ضعف الحمى الأمني للدعوة والتفكير الجاد بمستقبلها لدى الدعاة.
12 – ضعف البِنْية التحتية الدعوية.
13 – ضعف التواصل والإقناع لفئات المجتمع من غير الشباب والعامّة: وبخاصة المرأة والمثقفون وطلاب الجامعات.
14 – ضعف المساندة العلمية والمادية للدعوة والدعاة الصادقين.
15 – فقدان بعض دعاة التطبيق للحكمة والاتزان.
16 – متاجرة الكثير من الدَّاعِين للتطبيق بالقضية: وكذا بعض العاملين في هذا المجال، بهدف تحقيق مصالح شخصية(40).
17 – تقاعس بعض العلماء والدعاة الصادقين عن العمل لتعزيز التطبيق وإنجاحه.
18 – ضعف التنسيق بين الأفراد والهيئات المتبنِّية لتطبيق الشريعة.
19 – ضعف الباعث لدى كثير من العامة الذين تحمّسوا للمناداة بتطبيق الشريعة بسبب الجهل(41).
20 – قيام الولاة بتعيين أشخاص في لجان تطبيق الشريعة ممن لديهم قصور في الفهم: أو غير مهتمين بتطبيق الشريعة أصلاً، بل قد يكون بعضهم من أعداء تطبيقها في الباطن.
21 – عدم جدية غالب الولاة في تبنّي تطبيق الشريعة: نظراً لكون إعلانهم لذلك، وسنّهم لبعض القوانين، وتشكيلهم لبعض اللجان، كان استجابة لضغط الجماهير دون رغبة حقيقة لديهم بذلك.
22 – عدم رغبة بعض القضاة بالقيام بتطبيق الشريعة بشكل جاد: لتعارض ذلك مع مصالحهم الشخصية.
23 – أن مسؤولية تنفيذ الأحكام القضائية موكول إلى رجال الأمن: وجهاز الأمن يقع تحت سيطرة الحكومة الفيدرالية، أضف إلى ذلك أن كثيراً من رجال الأمن نصارى، وعامّة المسلمين الموجودين غير متدينين ولا عارفين بالشرع(42).
24 – ضعف المسلمين في مجال الصحافة والإعلام: فليس للمسلمين إلا صحيفة يومية واحدة؛ بالمقارنة بعشرات الصحف والمجلات اليومية والأسبوعية للنصارى، وكلها معارضة لقضية التطبيق(43).
وهناك عوامل ضعف أخرى لقضية تطبيق الشريعة تتعلَّق بوضعها تجاه الدستور النيجيري، وذلك أن منطلق القضية هو الاعتماد على بعض النصوص الدستورية، ولا يخلو هذا من ضعف، وتلك العناصر هي:
1 – مَرَدُّ تفسير موادِّ الدستور التي اعتمد عليها المسلمون في تطبيق الشريعة إلى المحكمة الفيدرالية العليا، وهي تتكون من: نصارى، ومسلمين ليسوا على معرفة جيدة بالشرع، وقد ذهب رئيس المحكمة السابق القاضي «محمد بللو» إلى أن قرار تطبيق الشريعة موافق للدستور، فعارضه جمع من رجال القانون النصارى في تفسيره ذلك للدستور.
2 – أن صلاحيات الحكومة الفيدرالية وَفْق الدستور كبيرة، وهذا مما يحدُّ من مجال تطبيق الشريعة من جهة، ويعوق من جدية التنفيذ من جهة ثانية.
3 – أن الدستور يمنع الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات من اتخاذ ديانة رسمية(44)، ويجعل من مسؤولياتها تمكين كلّ فرد من القيام بواجباته الدينية.
وعليه؛ فالعائق الدستوري كبير، وإنما لم تستخدمه الحكومة الفيدرالية مع كثرة مناداة المناوئين للقضية لوضع حلّ لها عن طريق القضاء مخافة الاضطرابات، فتتعطل العملية الديمقراطية بأكملها، فاكتفت بتكرار ندائها لإيجاد حلٍّ سياسي للقضية، فنجاح التطبيق مرهون بإخلاص دعاته، وجهدهم في العمل على إبقاء ولاء المسلمين لدينهم والمحافظة عليه، ولو تمّ الركون إلى مجرد النصوص الدستورية، فلن يتحقق لهم شيء، والله أعلم.
التحديات:
هناك أمور تقعد بالمرصاد للمسلمين في نيجيريا تجاه قضية التطبيق، ومن أهمها:
1 – الفُرْقة بين المسلمين: فيمكن أن يستغلها أعداء التطبيق من النصارى، وأسيادهم وأذنابهم من العلمانيين، في إحداث المواجهات بين المسلمين وإثارة الفتن، فينشغلوا بها – علماء وعامة – عن قضية التطبيق والسعي في تحقيق مصالحها، وما تقدَّمت الإشارة إليه من قلّة فقه الخلاف وفقه التعامل مع المخالف في صفوف كثير من طلبة العلم، وقلّة الإحساس بالأمن لدى بعض الدعاة، كلّها من العوامل المهيِّئة لوقوع هذا الشر.
2 – ما يسمّى بالحرب على الإرهاب الجارية في الساحة الدولية: فيتخذ مطية للتضييق على الدعاة والمؤسّسات الإسلامية، والضغط على الحكومات لإرغامها على ترك ما يخدم قضية التطبيق.
3 – تحويل قضية تطبيق الشريعة إلى مجرد رسوم وأسامٍ لا حقيقة تحتها.
وفي ظلّ هذه العوامل والتحديات؛ فلا شك أن العبء الكبير والمسؤولية العظمى على العلماء والدعاة، والنخبة من المثقفين ورجال الفكر الغيورين على الإسلام؛ للاستمرار في العمل الجاد لقضية التطبيق، والاجتهاد في وضع الحلول، خصوصاً للنوازل والحالات المستجدات.
وقد أخذ الاستعمار قرابة قرن من الزمن في محاربة الشريعة، والسعي للقضاء عليها، ولم يكن طريقهم إلى ذلك مفروشاً بالورود، وكذلك العمل في إنقاذ ما بَنَوه، وإعادة بناء صرح الشريعة الشامخ، لا بد أن يكون طويلاً ودؤوباً، ولا بد أن تكتنفَه الأخطاء والصعوبات، لكن النجاح مضمون ما دام العمل بصدق وتقوى؛ لأن العاقبة للمتقين.
الخاتمة:
مهَّدت قضية تطبيق الشريعة للمسلمين في نيجيريا الطريقَ إلى:
1 – استعادة هُوِيَّتهم الإسلامية وتثبيتها، خصوصاً في ظلّ الفرص المتاحة في الوضع الراهن، فعامّة المسلمين مع علمائهم ودعاتهم وحكامهم الصادقين منهم في تطبيق الشريعة الإسلامية، وهم معهم ما داموا صادقين مع الله – سبحانه – في القضية، ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ (محمد : 38) .
2 – أنه لم يحصل للمسلمين في الولايات التي تطبّق الشريعة – وبخاصة ولايات (زمفرا وكانو ونيجا وبوشي ويوبي) – مثل ما حصل لهم الآن من التوحد والتضامن بين السلطة السياسية والقيادة الدينية والعامة، ويحصل للأمة بهذا السبب خير كثير.
3 – أن الحكومة الفيدرالية فقدت مصداقيتها كليّاً، فلم تترك وراءها إلا الفضائح، حتى إن المؤسسات الدولية؛ مثل الشفافية الدولية جعلتها الدولة الثانية في مستوى الفساد الإداري والرشوة؛ يعني: أسوأ من المستوى 27 الذي كانت تتبوؤه أيام الحكم العسكري في عهد «جينرال ثاني أباتشا»، فالأرضية خصبة لدى الولايات لإثبات جدارتها وصلاحية الشريعة الإسلامية في هذا الزمن لتحقيق مقاصدها؛ من جلب المصلحة وتكثيرها، ودفع المفسدة وتقليلها.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.
الإحالات والهوامش:
(*) باحث نيجيري، خريج كلية الحديث بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
(1) القس جيوسيف كينيي: الشريعة والنهضة الإسلامية في نيجيريا.
Joseph Kenny OP, Sharia and Islamic Revival in Nigeria, Bulletin on Islam and Christian – Muslim Relations in Africa (Birmingham), 4:1 (1986) ,www.diafrica.org
(2) هي وثيقة الامتياز التي كانت ملوك (برنو السيفيون) يكتبونها لبعض العلماء والصالحين والأشراف، تنص على حرمتهم وحرمة ذراريهم وأموالهم وكل من انتسب اليهم، وكذلك لجميع أهل القرى التي أسسوها، فلا يؤخذ منهم الضرائب ولا يطالبون بالخدمة العسكرية؛ انظر: حامد بوبويي: العلاقة بين العلماء والملوك السيفيين في مملكة برنو.
Hamidu Bobboyi, Relations of the Bomo Ulama and the Saifawa Rulers: the role of the Mahrams, in Sudanic Africa, 4, 1993 PP 175-204.
(3) تاريخ الإسلام في غرب إفريقيا، ص 115.
(4) انظر: حامد بوبوي: Sudanic Africa: 1993: P 190.
(5) الدولة والمجتمع في الممالك السودانية الثلاثة، مأخوذ من مكتبة الكونغرس الأمريكي، دراسة عن دولة تشادAndrers J.BJ?rkelo, state and society in Three Sudanic Kingdoms, Bergen, Norway , 1976, P5 Excerpted from chad: A country study, US Library of Congress. http://countrystudies.us/chad.
Martin Malone , Culture summary on the Kanuri.
(6) Martin Malone , Culture summary on the Kanuri .
(7) انظر: عن دويلات هوسا: هيوستن، مملكة الفلاني في سوكوتو، ص 7 ، 9.
H.A.S. Houston, The Fulani Empire of Sokoto, Oxford University Press, London, Ibadan, Nairobi. 1967
(8) انظر: إبراهيم آدو كوراوا: الشريعة ووسائل الإعلام في نيجيريا، 2000م، نقلاً من (تاريخ كانو).
Ibrahim Ado Kurawa, Shari`ah and the press in Nigeria, 2000:P217, citing H.R.palmer, 1928 Sudanese Memoirs: The Kano Chronicle
(9) انظر: مقال د. حسني الطنطاوي: تاج الدين فيما يجب على الملوك والسلاطين، في مجلة المجتمع العدد 1534، 1/1/2003م.
(10) انظر: إبراهيم آدو كوراوا: الشريعة ووسائل الإعلام في نيجيريا، ص 285 – 286.
(11) د. عثمان محمد بغاجي: فكرة التجديد في غرب إفريقيا.
(12) انظر: Houston, 1967 P 9.
(13) وقد كان الشيخ يعقد الألوية، ويقدِّمها لممثل كلّ منطقة من تلاميذه، ويأمره بإقامة حكم الله في المنطقة، وجملة ما عقد من الألوية 12 لواء: لواء لابنه محمد بللو الذي ولي سوكوتو، وأخيه عبدالله الذي ولي قاوندو، ولكتسينا، وكزوري، وكانو، وززو، وهديجا، وكتاقم، وقومبي، وميسو، وأمادوا، وبوشي؛ انظر: هيوستن.
(14) كتاب (بيان وجوب الهجرة) حقّقه وترجمه إلى اللغة الإنجليزية د. فؤاد مصري في رسالة الدكتوراه في جامعة الخرطوم 1978م، وحقق كتاب (ضياء الحكم) وترجمه إلى اللغة الإنجليزية شيخ ياموسي، وهو من مطبوعات الأكاديمية الإسلامية بسوكوتو، وحقّق كتاب (الغيث الوابل)، وترجمه د. عمر بللو في رسالة الدكتوراه من جامعة لندن 1984م.
(15) انظر: محمد تابع: القانون والتغيير الاجتماعي في خلافة سوكوتو، في كتاب: المجتمع والدولة في خلافة سوكوتو، تحرير: أحمد محمد كاني، وكبير أحمد غندي، سلسلة دراسات جامعة عثمان دان فوديو.
Muhammad Tabi`u, Law and Social Change in the Sokoto Caliphate, in State and Society in the Sokoto Caliphate, eds: Ahmed Muhammad Kani and Kabir A- med Gandi, Usmanu Danfodio University Series 1990.
(16) نقله إبراهيم آدو كوراوا في كتابه عن احتواء وترويض الشريعة في نيجيريا.
Ibrahim Ado Kurawa, 2002, Domestication of the Shari`ah in Nigeria, P16 Citing Clapperton, 1829, Journal of a Second Expedition to Africa, P 206.
(17) إبراهيم آدو كوراوا: الجهاد في كانوا دراسة تحليلية وترجمة لكتاب تقييد الأخبار للقاضي محمد بن صالح زنقي.
Ibrahim Ado Kurawa ,1989, The Jihad in Kano.Translation and Analysis of Taqyeed al Akhbaar of Qadi Muhammad Ibn Salih, Kano.
(18) Houston. The Fulani Empire of Sokoto ,P104
(19) المصدر نفسه، ص 69.
(20) نقلاً من: Kurawa :2002, Domestication of the shari’ha in Nigeria,17 Rashid 1986, Islamic law in Nigeria P 91..
(21) Kurawa :2000, Shari’ah and the press in Nigeria, 282 and Ishaq Kunle sanni, Independent shari’ah court
(22) ذكر كريستلو أن مجلس أمير كانو عباس، وكان أول أمير نصبه الاحتلال البريطاني، كان معروفاً بحفظه لحقوق النساء، وأن ذلك كان من منطق عادته المعروفة في حفظ أموال اليتامى وحقوقهم؛ انظر: : Kurawa: 2002, Domestication of the shari’ah in Nigeria P 21: citing Christelow, 1991, P 139: women and law in Early Twentieth century Kano, in close, C and Mack, B (eds) hausa Women in the Twentieth Century, Madison, Wisconsin.
(23) انظر: مقالة د. محمد تابع في المؤتمر الدولي عن الشريعة الذي نظّمته ندوة مسلمي نيجيريا بالمملكة المتحدة، 14/4/2001م، لندن.
Dr. Muhammad Tabi’u sharia , Federalism and Nigerian Constitution ,p3.
(24) نقلاً من مقالة د. سليمان كومو عن وضعية الشريعة تحت حكم الاحتلال، ص 7.
Kurawa ,2000: p291-292 Kumo , Sulaiman 1993, shari’ah Under colonialism in Alkali N.et al (eds) islam in Africa: proccedings of Islam in Africa conference p7.
(25) انظر:
Joseph Kenny: 1986 citing ND. Anderson, “Conglict of laws in Northern Nigeria” Journal of Africa law, 1 (1957), pp. 82-83
(26) انظر:
Joseph Kenny: 1986 citing J.N.D. Anderson, “low and custom in Muslim areas in Africa, recent developments in Nigeria” Civilizations, 7 (1957), p.28
(27) انظر: Kurawa: 2000, p313-314
(28) انظر موقع: www.zamfaraonline.com.
(29) Post Experss (Lagos), July 26, 2000.
(30) من الملاحظ بعد إعلان «تطبيق الشريعة» امتلاء المساجد بالشباب، وعودة الروح إلى المدارس القرآنية، والتفاعل الجيد مع القضايا الإسلامية، ومن ذلك قيام حكومة «زمفرا» – وبعض الهيئات الإسلامية المحلية – بتأسيس صندوق لدعم الانتفاضة الفلسطينية، وإقامة العديد من المسيرات لدعم قضايا الأمة، ووجود العديد من المطالبات الجيدة؛ كإقامة مصارف إسلامية، والدعوة لافتتاح جامعة إسلامية، وقد تمّ كلاهما بفضل الله، وإنشاء محطات إذاعية وتلفازية؛ لتبصير الناس بأحكام الشريعة… إلخ.
(31) على سبيل المثال: يقام في عاصمة ولاية زمفرا (غسو) في كلّ جمعة لموظفي الدولة – كجزء من الدوام – من الساعة: (10 – 12) درسان، أحدهما للرجال والآخر للنساء.
(32) أوقفت حكومة «زمفرا» ظاهرة تقاضي الحاكم عمولة 10% من كلّ عقود المشروعات في الولاية.
(33) اشترت ولاية «زمفرا» أكثر من 100 حافلة لهذا الغرض، ومنعت نقل النساء المسلمات على الدراجات البخارية، كما خصّصت ولايتا (كانو، وكسنة) سيارات نقل للنساء، لكن عددها دون الكفاية، والمسألة تحتاج إلى توعية من جهة، ومشاركة أثرياء المسلمين من جهة ثانية.
(34) في ولاية «زمفرا» تمّ توظيف أكثر من 2000 شاب، وكان الحدّ الأدنى للرواتب: 1500 نيرا، وبعد إعلان تطبيق الشريعة تمّ رفعه إلى 8500 نيرا.
(35) تم في «زمفرا» صيانة أكثر من 50 مسجداً بمناسبة مرور عام على انطلاق تطبيق الشريعة في الولاية.
(36) مثلاً في «زمفرا» تمّ إنجاز 24 طريقاً عموميّاً، و 1500 وحدة سكنية، وشبكة لمياه الشرب النّقي لعدد من المدن والقرى الكبيرة، ومشروع مجمع الوزارات في الولاية، وتشجير الشوارع والمناطق الصحراوية في الولاية، وتقدّر مساحة ما تم تشجيره بـ: 100 كم2، ويتم حاليّاً التنقيب عن الموارد الطبيعية في الولاية، واستيراد بذور الفواكه والمزروعات من الدول ذات المناخ المتطابق مع الولاية، وفي هذه الفترة الثانية لحاكم «زمفرا» أنشئت مشاريع جبارة لتوفير البنية التحتية، ويحتل هذا المشروع الموقع الأول في اهتمام الحكومة في هذه الفترة.
(37) انظر: مقال إبراهيم أدو كوراوا: State Failure and the Collapse of the Educational System in the North , ، نقلاً من إحصائيات اللجنة الوطنية للتعليم الجامعي عن واقع التعليم الجامعي في نيجيريا.
(38) قضية تطبيق الشريعة جاءت فجأة وبمبادرة فردية، ولم يكن في حسبان أحد – من المسلمين والنصارى – أن الأمور ستصل إلى هذا الحد.
(39) وبعبارة أخرى: فواقع المنادين بتطبيق الشريعة يدل على أنهم ليسوا على مستوى التحدي الذي يتطلبه المُضِي في تطبيق الشريعة عبر مراحل عدة لا مرحلة واحدة.
(40) توجد فئات محسوبة على المنادين بتطبيق الشريعة والعاملين فيه، تريد أن تجعل من تطبيق الشريعة مطية للشهرة والتصدر، وتحقيق العديد من المكتسبات المعنوية والمادية.
(41) وهذا وإن كان عامل ضعف، إلا أن هناك عامل قوة يعارضه، ويقضي عليه على المدى القريب، وهو العاطفة الدينية الجياشة لدى العامة.
(42) من هنا جاءت فكرة تكوين جهاز للحسبة في الولايات التي أعلنت تطبيق الشريعة من أجل الإسهام في حلّ جزء من هذه الإشكالية، ولكن المشكلة باقية حتى داخل إطار الحسبة لجهل كثير من العاملين بالأحكام الشرعية.
(43) انظر: كتاب ابراهيم آدو عن الشريعة ووسائل الإعلام في نيجيريا، وقد بدأ تحرك المسلمون في معالجة هذا الأمر، فأسّس مجموعة من التجَّار إذاعة الحرية في «كانو» التي يصل بثها شمالاً إلى أجزاء من جنوب دولة نيجر المجاورة، ولا تزال تسعى في تطوير إمكانياتها.
(44) تطبيق الشريعة مقتصر على الجوانب التي للولايات سنّ قوانينها؛ بشرط أن يتم تسميتها بقوانين الولاية الفلانية، لا القوانين الشرعية.