بقلم: تينيولا ت تايو
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
تُوفِّر المبادرات الاستثمارية الإقليمية القائمة في إفريقيا دروسًا قيِّمة لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، علمًا بأن الإنشاء التاريخي لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية(ZLECAF) يهدف إلى تعزيز ازدهار الأفارقة من خلال زيادة حجم التجارة البينية الإفريقية وإزالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية. ورغم ذلك، هناك مسألة إنتاج السلع والخدمات التي ستكون موضوع هذه التجارة.
وستتطلب زيادة الإنتاج على نطاق أوسع ضخّ استثمارات محلية وأجنبية في مختلف قطاعات الاقتصاد الإفريقي، وعليه فإن الخطوة التالية في عملية تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية هي التركيز المنطقي على الاستثمار.
وفي هذا الصدد، تم تقديم مسودة بروتوكول منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية بشأن الاستثمار إلى قمة رؤساء دول الاتحاد الإفريقي في فبراير الماضي 2023م. علمًا بأن البروتوكول هو جزء من المرحلة الثانية من المفاوضات حول منطقة التجارة الحرة الإفريقية. وهي لا تهدف إلى تسهيل وحماية الاستثمار فيما بين البلدان الإفريقية فحسب، بل أيضًا إلى تعزيز جاذبية السوق الإفريقية الموحدة للاستثمار الأجنبي المباشر.
وتتطلع الخطة إلى إنشاء وكالة استثمار إفريقية لتنسيق وترويج الاستثمار بين الدول الأعضاء في منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، مع ضرورة استخلاص الدروس المستفادة من المحاولات السابقة لضمان نجاحها.
ضرورة إيجاد استثمارات عبر الحدود لسلاسل القيمة الإقليمية واتباع نهج منسق:
يسير هدف تطوير الصناعات الإفريقية جنبًا إلى جنب مع الاعتراف بدور سلاسل القيمة الإقليمية في منطقة التجارة الحرة. على سبيل المثال، حدَّدت أمانة منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية بعض سلاسل القيمة الرئيسية التي ينبغي إعطاؤها الأولوية بسبب إمكاناتها التصديرية، وضرورة أن تشمل قطاعات السيارات والمنسوجات والملابس والمستحضرات الصيدلانية والكاكاو.
هذه الشبكات الإقليمية هي أحد الحلول للمنافسة التي من المؤكد نشوؤها بين الدول الأعضاء في منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية في قطاعات محددة. ورغم ذلك تُشكِّل التناقضات بين السياسات الصناعية الوطنية وتطلعات منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية عقبات في المفاوضات.
ونظرًا لما قد تستدعيه سلاسل القيمة الإقليمية من استثمارات عبر الحدود؛ فمن الأفضل اعتماد منهج التنسيق التجاري بين الدول. وغالبًا ما يتم تنفيذ هذه الأنشطة الإقليمية لتشجيع الاستثمار مِن قِبَل وكالات الاستثمار التي ظلت تعمل في إفريقيا لبعض الوقت. وقد تم إطلاق بعض المبادرات مِن قِبَل تكتلات إقليمية ومحلية وأخرى مِن قِبَل المنظمات الدولية في شكل سياسات أو شبكات أو منتديات أو وكالات فعلية.
من جهة أخرى أنشأت السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا (الكوميسا) وكالة الاستثمار الإقليمية للكوميسا في عام 2006م. وإلى جانب الترويج للمنطقة، كان على الوكالة بناء قدرات الجهات والمؤسسات الوطنية للترويج لاستثمارات التي تقع ضمن اختصاصها. ومع ذلك، فقد واجهت العديد من المشكلات، بما في ذلك الافتقار إلى المصداقية السياسية والموارد.
التحديات الرئيسية للمبادرات الاستثمارية تتمثل في الاستدامة وتقييم أثرها:
أطلقت لجنة تشجيع الاستثمار النيجيرية البرنامج الوطني لشهادات الاستثمار الحكومية في عام 2016م على المستوى الوطني. ولضمان استعداد ولايات نيجيريا المختلفة للاستثمار، عزَّز المشرع قدراتها لتمكينها من التصديق على هياكل تشجيع الاستثمار الخاصة بها. لكنَّ أحد أهم التحديات يتمثل في التباينات المتعلقة بمستوى القدرة، وأنماط آليات تشجيع الاستثمار فيما بين الولايات؛ علمًا بأن البرنامج المعنيّ حظي بمحاولات حديثة لإعادة إطلاقه.
وفي هذا الصدد، أطلقت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) مبادرة ثالثة في عام 2001م تمثلت في شبكة وكالات ترويج الاستثمار في إفريقيا (AfrIPANet)، والتي تم إنشاؤها لتكون “منصة مشتركة لمناقشة وتصميم استراتيجيات تشجيع الاستثمار”، وقد حقَّقت العديد من النجاحات. وعلى الرغم من أن الشبكة الإفريقية لترويج الاستثمار تبدو الآن مُعلَّقة، فإن اليونيدو تُواصِل دعم وكالات ترويج الاستثمار الإفريقية من خلال مبادرتها “استثمر في إفريقيا والبحر الكاريبي والمحيط الهادئ”، وهي منصة رقمية للبيانات القائمة على الحوسبة السحابية.
بالإضافة إلى ذلك أنشأت الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إطارًا إقليميًّا لسياسة الاستثمار في عام 2007م يصعب تقييم نتائجه حتى الآن. ولدى جماعة شرق إفريقيا منتدى للأعمال التجارية والاستثمار، ولدى مصرف التنمية الإفريقي منتدى للاستثمار في إفريقيا يُعقَد سنويًّا.
وتتعلق التحديات الرئيسية التي تُواجه جميع هذه المبادرات باستدامتها وصعوبة قياس أثرها. وتصبح تعبئة الموارد للحفاظ على فعاليتها أكثر تعقيدًا بمرور الوقت، لا سيما بالنسبة لمشاريع مانحة محددة ذات دورات تمويل محدودة.
احتمال مواجهة وكالة الاستثمار الإفريقية تحديات بيروقراطية وسياسية ومالية:
على الرغم من القدرات المتفاوتة لوكالات تشجيع الاستثمار؛ إلا أن الإرادة السياسية تختلف من حيث تنفيذ الإصلاحات الضرورية التي تنادي بها المؤسسات الاقتصادية الإقليمية. من هنا خرجت دعوات تطالب بإنشاء وكالة الاستثمار لعموم إفريقيا، لكن المشكلة أنها تطالب بإنشائها في نفس النظام الإداري الذي تسوده المزالق البيروقراطية وضآلة الإرادة السياسية وقيود التمويل.
ورغم ذلك يتعين إنشاؤها، لتعزيز إمكانات الوكالة، بطريقة يمكنها من التعاون مع وكالات ترويج الاستثمار الإقليمية والوطنية القائمة لتجنب الازدواجية والاستفادة من الموارد بشكل أكثر كفاءة، الأمر الذي يستدعي إيجاد إطار للرصد والتقييم لتتبُّع التقدم وتحديد مجالات التحسين.
ويتعين أيضًا النظر في اعتماد نَهْج مرحلي مع إنشاء وحدة لتشجيع الاستثمار داخل أمانة منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية قبل إنشاء وكالة كاملة. ومن شأن ذلك أن يتيح مزيدًا من المرونة وتطبيق نهج تكراري لتنسيق جهود ترويج الاستثمار.
والمنصات الرقمية محورية في تبسيط الوصول إلى معلومات الاستثمار وتعزيز الشفافية. كما ستكون وكالة الاستثمار الإفريقية قادرة على إدارة مركزية البيانات، وتسهيل تبادل المعلومات بين أصحاب المصلحة المعنيين. وقد يؤدي ذلك أيضًا إلى تمكين التعاون الدولي بين وكالات ترويج الاستثمار الوطنية من خلال تعيين نقاط اتصال في كل دولة عضو في منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.
وعلى الرغم من أنه لن يكون من السهل تنسيق ترويج الاستثمار بين الدول الأعضاء في منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية البالغ عددها 54 دولة، إلا أنه من الضروري القيام بذلك من أجل حلّ التناقضات بين التطلعات القارية لاتفاقية التجارة الحرة والسياسات والاتجاهات الوطنية للدول الأعضاء؛ فضلاً عن لزوم فحص المعارف المكتسبة من المبادرات داخل القارة وخارجها لتحسين فرص النجاح.
______________________
رابط المقال: