بقلم: آن سوي رول
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
انطلقت حملة المغازلة الأمريكية للقارة السمراء من الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي إلى إفريقيا، ثم أعقبتها زيارة نائبة الرئيس، ومن المتوقع أن يزور الرئيس الأمريكي نفسه القارة السمراء في وقت لاحق من العام الجاري.
تشير هذه الموجة من الزيارات التي قام بها كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية إلى وعي متزايد بضرورة تعميق الولايات المتحدة علاقاتها ومشاركاتها مع القارة الإفريقية. كلّ هذه المساعي تأتي على خلفية المنافسة المتزايدة من القوى العالمية الأخرى؛ لا سيما الصين وروسيا.
بدأت نائبة الرئيس كامالا هاريس رحلتها -التي استغرقت تسعة أيام- إلى غانا يوم الأحد الماضي؛ حيث تم استقبالها بنشوة في مطار كوتوكو الدولي قبل توجُّهها إلى تنزانيا وزامبيا.
وقد شكَّلت غانا -التي تسعى جاهدة إلى تعزيز علاقاتها مع المغتربين الأفارقة في الخارج، والتي شهدت عدة عمليات انتقال ديمقراطي وسلمي للسلطة- نقطةَ انطلاق مثالية لـ هاريس.
وفقًا للبيان الرسمي؛ فإن رحلتها كانت تهدف إلى استكمال “البناء” على نتائج القمة الأمريكية الإفريقية التي عُقدت في ديسمبر 2022م في واشنطن العاصمة، والتي قال فيها الرئيس جو بايدن: إن الولايات المتحدة “ملتزمة تمامًا بمستقبل إفريقيا”.
لكن هذا المستقبل، الذي يحفّزه النمو المتزايد لعدد السكان، وخاصةً الأطفال والشباب، بالإضافة إلى الموارد الطبيعية الهائلة للقارة، هو الذي جذب العديد من القوى العظمى الأخرى التي تسعى إلى تأكيد نفوذها في إفريقيا.
وبينما ركّزت زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن الأخيرة إلى إثيوبيا والنيجر على المخاوف الأمنية لهذين البلدين؛ فإن جولة نائبة الرئيس ستأخذها إلى البلدان التي تُواجه تحديات اقتصادية خطيرة؛ على غرار اقتصاد غانا الذي يمرّ بأقسى أزمة مالية منذ عقود بعد كان مزدهرًا ذات يوم.
وتسعى غانا إلى إعادة هيكلة ديونها في سياق تضخم متسارع يزيد عن 50%، وقد قام وزير المالية كين أوفوري-أتا بزيارة سريعة إلى بكين لإجراء مفاوضات مع الحكومة الصينية. وقد غرّد وزير المالية بالقول: “حتى الآن، كانت الاجتماعات في الصين إيجابية للغاية ومشجّعة”، والذي أكد تفاؤله بأنه سيحصل على ضمانات خارجية “قريبًا جدًّا”؛ على حد تعبيره. والدولة بحاجة إلى هذه التأكيدات لإطلاق العنان للدعم المالي من IMF (صندوق النقد الدولي).
لكن ليس من الواضح ما هي المساعدة التي يمكن أن تقدّمها هاريس، إن وُجِدَت، لكنَّ البلاد ستقع تحت ضغط للعمل كشريك راغب بعد زيارة أوفوري-أتا للصين.
الولايات المتحدة صديقة على غرار الصين وروسيا:
لا يعتقد جودفريد ألوفار بوكبين -الاقتصادي البارز وأستاذ المالية بجامعة غانا- أن الزيارة ستحقق “مكاسب فورية” للمساعدة في تخفيف المشاكل المالية للبلاد. وأشار إلى أن “وجود الصين في المشهد أمر معقّد”، مشيرًا إلى أن زيارة هاريس كانت “مهمة للغاية” بالنسبة لغانا؛ لأنها “ترفع علاقتنا مع الولايات المتحدة إلى مستوى آخر.”
وقال لـ”بي بي سي”: إن اهتمام الولايات المتحدة بالبلاد وأزمة ديونها كانا “إيجابيين”، لكنه يشعر بالقلق مما وصفه بـ”شروط التبادل التجاري المعاكسة” مع الدول الدائنة.
زامبيا في وضع مماثل لوضع غانا:
أصبحت زامبيا -الدولة الغنية بالنحاس- أول دولة إفريقية تتخلف عن سداد ديونها عندما ضربت جائحة كوفيد-19. وهي تُجري محادثات مطوّلة مع الصين لإعادة هيكلة ديونها، وسعت أيضًا إلى الحصول على مساعدة مالية من صندوق النقد الدولي.
ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول أمريكي كبير قوله: إن هاريس “ستناقش أفضل السبل التي يمكن أن يقدمها المجتمع الدولي لمواجهة تحديات الديون التي تواجه غانا وزامبيا”.
وعلى حذو البروفيسور بوكبين؛ يعتقد المحلل الزامبي الدكتور سيشوا سيشوا أن الصين لديها نفوذ أكبر عندما يتعلق الأمر بإعادة هيكلة الديون، لكن الولايات المتحدة تريد أن يُنظَر إليها على أنها الشريك الأكثر موثوقية.
فيما تشعر القارة بشكل متزايد أن إفريقيا يجب أن تكون قادرة على اختيار علاقاتها مع بقية العالم بحرية، وفي هذا الصدد أشار سيشوا لـ”بي بي سي” إلى “أن زامبيا تنظر إلى الولايات المتحدة بنفس الطريقة التي تنظر بها إلى الصين وروسيا؛ كـ”صديق”، مضيفًا “عندما تتطلع دولة ما إلى الصين أو روسيا أو الولايات المتحدة للحصول على الدعم، فلا ينبغي أن يُنظَر إليها على أنها طريقة لتجاهل أيٍّ من القوتين الرئيسيتين”، وأضاف: “إن محاولات إقامة علاقات حصرية مع الدول الإفريقية قد تأتي بنتائج عكسية وغير مستدامة”.
وهذا يعكس تعليقات رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا خلال زيارته لواشنطن خلال العام الماضي بقوله: “لا ينبغي لأحد أن يُخبرنا بمَن نرتبط به”؛ على حد تعبيره.
وعلى الرغم من تأكيد مسؤولين أمريكيين كبار لـ”بي بي سي” عدم عزمهم على إعطاء التوصيات للدول الإفريقية في اختيار شركائهم، ومن يجب التعاون معهم؛ إلا أن الولايات المتحدة مُصِرَّة على التأكيد على الديمقراطية في علاقاتها مع الدول الإفريقية، وهي نقطة كان من المتوقع أن تتناولها نائبة الرئيس خلال زيارتها.
إن الديمقراطية هي إحدى القيم، إلى جانب حقوق الإنسان والحكم الرشيد، التي تقول حكومة الولايات المتحدة: إنها تدعم علاقتها مع القارة وتُميّزها عن الصين وروسيا.
التحفظات في إفريقيا:
تنتهج الصين سياسة عدم التدخل في الشؤون السياسية الداخلية للدُّول؛ مما سهّل علاقاتها مع الحكام المستبدين. كما أدّى الوجود الروسي في الدول الإفريقية التي شهدت انقلابات عسكرية مؤخرًا -بوركينا فاسو ومالي- إلى تدهور العلاقات بين هذه الدول والغرب، وخاصة فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، التي حافظت على علاقات وثيقة مع كلا البلدين.
لقد أعطى الغزو الروسي لأوكرانيا الدول الغربية -بلا شك- إحساسًا إضافيًّا بالإلحاح لغزو المزيد من الدول الإفريقية، وخاصةً بعد أن أدَّى تصويت الأمم المتحدة لإدانة الحرب إلى تقسيم الدول الإفريقية التي شكَّلت نصف الدول الممتنعة عن التصويت بما في ذلك تنزانيا التي تُشكّل أيضًا إحدى محطات هاريس؛ حيث تلتقي نائبة رئيس الولايات المتحدة، وهي أول امرأة تتولى هذا المنصب، بالرئيسة سامية سولو حسن، الرئيسة التاريخية للبلاد. وتثير هذه التجربة المشتركة للرائدات ضجَّة كبيرة في تنزانيا؛ حيث يرى الكثيرون في هذه الزيارة اعترافًا بالتقدم الذي أحرزته تنزانيا وتنامي ظهورها على المسرح الدولي.
ومنذ وقت ليس ببعيد، كانت تنزانيا منبوذةً في عهد الرئيس جون ماجوفولي، الذي كان يُنظَر إليه على أنه ذو ميول استبدادية، ويَحُدّ من تحركات المعارضة والنشاط الإعلامي المستقلّ.
وهاريس هي أرفع مسؤول أمريكي من إدارة بايدن يزور إفريقيا، والخامس منذ القمة الأمريكية الإفريقية في ديسمبر الماضي. والآخرون هم وزيرة الخزانة جانيت يلين، وسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد، والسيدة الأولى جيل بايدن، وأنتوني بلينكن.
ولكن مع هذا الاهتمام المتجدد بإفريقيا؛ تطالب القارة بمعاملة عادلة من القوى الكبرى. قال البروفيسور بوكبين، من غانا: “إن الاهتمام المتجدد بإفريقيا قُوبِلَ ببعض الشكوك؛ حيث يُعتقَد أن هناك سباقًا جديدًا على النفوذ في إفريقيا”؛ في إشارة إلى تقسيم القارة من قبل الدول الأوروبية في أواخر القرن التاسع عشر، مما أدّى إلى عقود من الاستعمار والاستغلال. وأضاف “هذا الالتزام يجب أن يؤكد على الاحترام المتبادل”؛ على حد وصفه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال: https://www.bbc.com/afrique/articles/c3g7z8g0wexo