جيدو ألفاني وكورماك أوغرادا – ذي كونفرسيشن([1])
منذ ثلاثة عقود، وبالتحديد عام 1990م، صُنِّفت مجاعة الصومال بأنها أكبر مجاعة في التاريخ الحديث، والتي وقعت بين عامي 1991 و1992م، وتكررت بين عامي 2010 و2012م، والآن يقول برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة: إن ما يقرب من سبعة ملايين صومالي سيواجهون صعوبة في العثور على ما يَكفيهم من الغذاء في الأشهر الأخيرة من عام 2022م؛ حيث تواجه منطقتا بيدوا وبورهاكابا في منطقة خليج الصومال أعلى مستوى من المجاعة، ما لم تصل مساعدات غذائية كافية، كما تهدّد أزمة جنوب الصومال بتكرار ما حدث في 1991-1992م و2010-2012م، عندما تسبَّبت المجاعة في مقتل مئات الآلاف. ولكنْ، تظل هناك دروس وعِبَر يمكن أن نتعلّمها ممَّا حدث من قبل، لكي لا تتكرر تلك المأساة:
1- المساعدة الدولية أمر حيويّ
كل العالم يتذكر الأغنياء، ولكن الفقراء لا يتذكرهم أحد، فحتى الآن فإن المعلومات عن إحصائية مجاعة الصومال في 1991 و1992م غير محددة؛ حيث كان اقتصاد الصومال يعد ثالث أو رابع أفقر اقتصاد في العالم طبقًا للبنك الدولي، ومِن ثَمَّ ستكون المساعدات الإنسانية حاسمة للغاية للتخفيف من أزمات المستقبل، لكن لتكون المساعدات فعَّالة يجب أن يتحقق السلام. وحتى الآن هناك من المؤشرات التي تبعث على الأمل أن الوضع الأمني الحالي أفضل مما كان عليه قبل عقد من الزمان، وأن المجتمع الدولي ملتزم بمساعدة الحكومة على استعادة القانون والنظام.
وقد ساعد ذلك على زيادة تدفق المساعدات الإنسانية والإنمائية الدولية في السنوات الأخيرة؛ حيث جمعت الأمم المتحدة بالفعل 1.4 مليار دولار للصومال (حوالي خمس الناتج المحلي الإجمالي الحالي للصومال) في نداء أخير لكنّها تعتقد أنها بحاجة إلى مليار دولار أخرى لدرء خطر المجاعة.
2- الحرب تُصعّب إيصال المساعدات
التجربة التاريخية التي تظهر أن الحرب يمكن أن تؤدي إلى المجاعة تنطبق أيضًا على الصومال الحديث. منذ عام 1990م، أدَّت الحرب الأهلية إلى تقييد الاقتصاد الصومالي، وتعطيل خدمات الرعاية الصحية والتعليم، وإعاقة توزيع الإغاثة الإنسانية من الخارج عدة مرات، بما في ذلك خلال المجاعات 1991-1992م و2010-12م. كما جعلت الحرب من الصعب نقل المساعدات إلى حيث تشتد الحاجة إليها. وبالنسبة لموظفي المنظمات غير الحكومية وغيرهم، فكانت مهمتهم خطيرة للغاية.
كما أوقفت منظمة أطباء بلا حدود الصحية غير الحكومية عملياتها في الصومال في ذروة مجاعة 2010-2012م، منهية 22 عامًا من النشاط المستمر في البلاد. وقد جاء هذا القرار بعد مقتل بعض عمال الإغاثة واختطاف آخرين. والآن عادت منظمة أطباء بلا حدود إلى الصومال منذ عام 2017م بعد أن قررت أن بإمكانها العمل بأمان وفعالية مرة أخرى. واليوم، يمكن توقع أن يلعب عامل إضافي مرتبط بالحرب دورًا مهمًّا، وهو الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي يضرّ بإنتاج الغذاء وعمليات تصدير اثنين من أكبر منتجي الحبوب في العالم، ومن المؤكد أن لها عواقب عالمية قد تكون الصومال أول مَن يعاني منها.
3- أمراض طويلة الأمد للناجين
تاريخيًّا، كلّفت المجاعات واسعة النطاق مئات الآلاف من الوفيات، وكان أسوأها عدة ملايين، ولكن ما يتم التقليل من شأنه في كثير من الأحيان هو الأمراض طويلة المدى للناجين. وقدَّر تحقيقٌ -استُشهد به على نطاق واسع في عام 2013م- أن عدد القتلى في الصومال خلال 2010-2012م بلغ 260 ألف قتيل. ربما تكون التقديرات السابقة التي تتراوح بين خمسين ومائة ألف أكثر منطقية؛ لأنه من الصعب التوفيق بين الرقم الأعلى والشهادات السردية التي تم جمعها في أعقاب المجاعة.
ويظل السؤال الرئيسي الذي يجب الإجابة عليه، هو:
ما إذا كانت تلك المجاعة المرتقبة أكثر فتكًا من سابقتها 1991-1992م؟ فقد كان عدد الأشخاص الذين نجوا من المجاعة أعلى بكثير من عدد الوفيات، ولكنهم تعرّضوا للآثار الجسدية والنفسية بشكل دائم.
اليوم، يعاني حوالي ثلث السكان الصوماليين من مشكلات متعلقة بالصحة النفسية، كما أن علاج الضرر الذي يلحق بالصحة العقلية للبالغين والأطفال بسبب التجربة المؤلمة للمجاعة هو مجال يجب أن يجذب اهتمامًا أكبر مما كان عليه في الماضي، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية لخدمات الصحة النفسية أن ذلك العلاج نادرًا ما يوجد في الصومال، ومِن ثَمَّ يمكن للمساعدة الدولية أن تفعل الكثير لتصحيح هذا الوضع.
4- المهاجرون والأقارب في الخارج يمكن أن يُقدِّموا العون
الهجرة بحثًا عن المساعدة هي نتيجة قديمة ومتكررة نتيجة للمجاعة، فعادةً، من المتوقع أن يعود معظم المهاجرين إلى ديارهم بعد انتهاء الأحداث السيئة، وهم بالفعل يفعلون ذلك؛ فخلال المجاعة الصومالية عام 2012م، عبَر أكثر من مليون صومالي الحدود إلى كينيا وإثيوبيا، وأصبح مجمع اللاجئين في داداب في شرق كينيا الأكبر في العالم لبعض الوقت، ولكن بسبب مشاكل الصومال مع الجفاف وانعدام الأمن، فإن العديد من اللاجئين منذ عقد مضى لم يعودوا بعدُ إلى ديارهم، مما سبَّب مشكلات للسلطات الكينية.
وفي مثل تلك الظروف فإن تكرار الهجرة في حالة حدوث مجاعة صومالية أخرى سيكون محل شك؛ بسبب الوجود الكبير للمهاجرين الصوماليين في دول الجوار، وبذلك فإن للهجرة الجماعية مشكلات وقيود، ومِن ثَمَّ فنحن بحاجة إلى فَتْح الحدود لتوفير ملجأ آمن لأولئك المُعرّضين لمخاطر المجاعة، ويجب المشاركة الدولية في تحمُّل تكلفة تلك الهجرة بدلاً من أن تتحملها بالكامل دول الجوار، ومِن ثَمَّ فإن مساهمة ودعم المجتمع الدولي ستكون مهمة للغاية.
وغالبًا ما يحاول الصوماليون الذين يعيشون في أوروبا والولايات المتحدة مساعدة عائلاتهم في الوطن الأم، ففي ذروة المجاعة في 2010-2012م كان وجود أقارب في الخارج ميزة واضحة، فقد سمحت الأموال المُحوَّلة إلى الصومال لبعض الأُسَر بالبقاء في قراها، كما تمكنت التحويلات من المرور عندما لم تتمكن وسائل الإغاثة الأخرى من الوصول إلى مناطق المجاعة، ولذلك يجب تأمين وتعزيز الآلية المستخدَمة لتحويل الأموال من العائلات في الخارج.
وعبر التاريخ، كان السبب المباشر والأكثر شيوعًا للمجاعة هو الطقس القاسي الناجم عن التغير المناخي السريع، ولقد أضعفت سنوات الجفاف والظواهر المناخية المتطرفة الأخرى قدرة الصومال على زراعة الغذاء، ومن المرجح أن تظل هذه مشكلة متكررة.
ونادرًا ما تم ذكر هذه التهديدات في 2010-2012م أو 1991-1992م، وربما يكون الجانب الأكثر إثارة للخوف في المجاعة الصومالية التي تلوح في الأفق هو أنها قد تكون الأولى في سلسلة من الكوارث المتتالية؛ حيث من المتوقع أن يستمر الاحترار العالمي في التسبب في عدم استقرار الأحوال الجوية لعدة عقود قادمة.
وفي جميع أنحاء العالم، نحن بحاجة إلى الاعتراف بأن قدرتنا على التعامل مع خطر المجاعة غير كافية، وكما أوضحت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة مؤخرًا، فإنها تزداد سوءًا بشكل مطرد.
[1] على الرابط التالي: https://theconversation.com/somalia-four-lessons-from-past-experience-of-dealing-with-famine-192067