بقلم: محمد صالح النظيف
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
في تحليلات محمد صالح النظيف، الممثل الخاص لأنطونيو غوتيريش في غرب إفريقيا والساحل، حول تحديات الرئاسة السنغالية للاتحاد الإفريقي، أشار إلى أن رئاسة السنغال للاتحاد الإفريقي تثير آمالًا هائلة، ويُتوقّع منها الكثير في القارة لسببين: صورة السنغال على السَّاحة الدولية كملاذ مثالي للاستقرار والتناوب الديمقراطي، بالإضافة إلى التوقُّعات الهائلة الناجمة عن شخصية الرئيس ماكي سال كصوت قوي يحظى بالاحترام سواء على المستوى الإفريقي أو لدى شركاء إفريقيا؛ وعليه سيواجه الرئيس سال تحديات ورهانات جسيمة.
ولمعرفة المزيد عن هذه القضايا والتحديات القائمة يتعين التذكير ببعض التواريخ والإجراءات الرئيسية التي ميزت تطور منظمة الوحدة الإفريقية/ الاتحاد الإفريقي، ولا سيما في 25 مايو 1963م مع التوقيع على ميثاق إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية (32 دولة) في أديس أبابا، ثم إعلان سرت في 9 سبتمبر 1999م قبل التوقيع على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي في 11 يوليو 2000م وأخيرًا إطلاقه في 9 يوليو 2002م في ديربان بجنوب إفريقيا.
واعتبارًا من عام 2013م، الذكرى الخمسين لإنشاء منظمة الوحدة الإفريقية/ الاتحاد الإفريقي، اعتمد الاتحاد الإفريقي رؤية استراتيجية من خلال أجندة 2063 بعنوان “إفريقيا التي نريدها”، والتي تدور حول التطلعات السبعة التي تنسجم تطلعاتها 6 و7 مع التحديات وقضايا الرئاسة السنغالية للاتحاد الإفريقي.
ويتطلع الطموح رقم ستة ضمن هذه الأهداف إلى “إفريقيا التي تشكل الشعوب محور تنميتها والاعتماد على إمكانات شعوبها، وخاصة النساء والشباب، وتهتم برفاهية الأطفال”، بينما الهدف رقم سبعة ينص على “إفريقيا التي تعمل كفاعلة قوية وشريكة موحدة ومؤثرة على المسرح العالمي .”
بالإضافة إلى التطلعات 6 و7 التي حدّدت رؤية وطموحات قارتنا، فقد شخَّصت مجالين يركزان على أكبر عدد من التحديات التي تواجه إفريقيا. هذه، من ناحية، قضايا تتعلق بالسلام والأمن، ومن ناحية أخرى، القضايا المتعلقة بالحكم الديمقراطي، والتي تُضاف إليها بعض التحديات الأخرى التي سيتعين على الرئيس ماكي سال التركيز عليها أولًا.
تحديات السلم والأمن:
تأتي قضية السِّلم والأمن على صدارة أولويات “إفريقيا التي نريدها” هي إفريقيا التي يسودها الأمن والسلام والأمن قبل كل شيء، وعليه تعتبر Apsa (هيكل السلام والأمن الإفريقي) أهم آلية في الاتحاد الإفريقي القائمة على خمس ركائز على ضوء ما تم تحديده في البروتوكول بشأن إنشاء مجلس السِّلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي:
1-PSC (مجلس السلم والأمن (
وهي الهيئة الدائمة لصنع القرار لمنع النزاعات وإدارتها وحلها، وهي الآلية للأمن الجماعي والإنذار المبكر، وتتمثل صلاحيته في المشاركة في البحث عن استجابات سريعة وفعَّالة لحالات الصراع والأزمات في إفريقيا.
2 – هيئة الحكماء
هيئة الحكماء هي هيئة استشارية تتألف من خمسة أعضاء يتم تعيينهم لمدة ثلاث سنوات، وهي المخوّلة بتقديم توصيات إلى مجلس السلم والأمن بشأن المسائل المتعلقة بمنع النزاعات وإدارتها وحلها.
3- نظام الإنذار المبكر القارّي
وهي مسؤولة عن جمع البيانات وتحليلها وللوفاء بمسؤولياتها يتعين أن تتعاون مع الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الدولية الأخرى ذات الصلة ومراكز البحوث والمؤسسات الأكاديمية والمنظمات غير الحكومية.
4- القوة الإفريقية الاحتياطية
هي قوة حفظ سلام إفريقية مجهزة مسبقًا، وعلى أهبة الاستعداد في بلدان المنشأ وجاهزة للنشر بسرعة، وتتكون من وحدات عسكرية مشتركة، وتتدخل في الأزمات الإفريقية تحت قيادة الاتحاد الإفريقي، وهدفها الأساسي هو قدرة الرد السريع التي من شأنها أن تسمح للأفارقة بالاستجابة الفورية للأزمة.
5 – صندوق السلام
الغرض من صندوق السلام هو تمويل عمليات السلام والأمن التابعة للاتحاد الإفريقي، وتشمل الأنشطة التنفيذية: الوساطة والدبلوماسية الوقائية، وتعزيز المؤسسات وعمليات دعم السلام.
بالإضافة إلى هذه الآلية المؤسسية، فإن RECs (المجموعات الاقتصادية الإقليمية) المنبثقة عن خطة عمل لاغوس (1980م) ومعاهدة أبوجا (AEC) لعام 1991م، هي جزء لا يتجزأ عنApsa .
وللتذكير، هناك ثمانية منها معترف بها مِن قِبَل الاتحاد الإفريقي وهي: إيكواس (المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا)، وECCAS (الجماعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا)، وSADC (الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي)، وUMA (اتحاد المغرب العربي)، وEAC (جماعة شرق إفريقيا)، وIGAD (الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية)، وComesa (السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا)، عطفًا على CEN-SAD (تجمُّع دول الساحل والصحراء).
تحدّي الحكم الديمقراطي:
إلى جانب قضية السِّلم والأمن، سيتعين على الرئيس سال أيضًا معالجة مسألة الحكم الديمقراطي؛ حيث يمثل الميثاق الإفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم الرشيد أهمّ آلية.
علمًا بأنه تم التوقيع على الميثاق المعني في 30 يناير 2007م (ودخل حيز التنفيذ في فبراير 2012) وهو مستوحى من الأهداف والمبادئ المنصوص عليها في القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، ويترجم الإرادة لتقنين نموذج ديمقراطي للانضمام إلى السلطة السياسية والحفاظ عليها.
في الواقع، الاتحاد الإفريقي هو المنظمة الإفريقية الوحيدة التي لديها تفويض سياسي لوضع معايير قارية حول أجندة الحوكمة الواسعة، ويتم تطبيق هذه المعايير القارية على مستوى المجموعات الاقتصادية الإقليمية على غرار البروتوكول الإضافي للجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بشأن الديمقراطية والحكم الرشيد وفقًا لمبدأ التبعية.
وهذه الاعتبارات هي التي توحي بأن الرئاسة السنغالية تأتي في لحظة محورية؛ حيث يشكل الاضطراب الذي يميز حاليًا الحكم الديمقراطي في إفريقيا اختبارًا بالحجم الطبيعي لمبرّر وجود مؤسساتنا الإفريقية في حين أن سكان القارة يبدون تزايد انعدام الثقة في المؤسسات لعجزها عن حماية الشعوب من انعدام الأمن والظلم الاجتماعي.
ومن ناحية أخرى، لمدة عام تقريبًا، انضم فريق من المفوضين المنتخبين حديثًا إلى رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، ويستقرون تدريجيًّا. ساهمت القيود المرتبطة بجائحة كوفيد-19 في إبطاء أداء المؤسسات في أديس أبابا، الأمر الذي أدَّى بلا شك إلى إعاقة الرئاسة الحالية إلى حدّ ما؛ علاوة على ذلك؛ فإن الرئاسة السنغالية للاتحاد الإفريقي يُؤمّل منها بشكل كبير الخروج من حالة الركود.
التغلب على العراقيل الحالية:
تشمل التحديات الرئيسية التي تواجه قارتنا في الوقت الحاضر ما يلي:
• التحديات الأمنية (الساحل، القرصنة البحرية، الصراع في إثيوبيا ببُعد أمني وبُعد سياسي، الصراع في موزمبيق، محاولات الانفصال في الكاميرون، أزمة حوض بحيرة تشاد، قضية بوكو حرام).
• التحديات الديمقراطية (الانقلابات العسكرية في مالي والسودان وتشاد وغينيا وبوركينا فاسو).
• التحديات المتعلقة بتغير المناخ، والتي تبرز الصدامات بين الرعاة والمزارعين، والتي غالبًا ما تأخذ دلالة مجتمعية.
• كوفيد-19 وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية المأساوية.
موضوع الهجرة.
إرسال إشارات قوية للالتزام جنبًا إلى جنب مع السكان:
بالإضافة إلى ما سلف ذكره، يتزامن بدء رئاسة السنغال مع انعقاد قمة الاتحاد الإفريقي/ الاتحاد الأوروبي المقرر عقدها في الفترة من 17 إلى 18 فبراير 2022م في بروكسل في وقت تترأس فيه فرنسا الاتحاد الأوروبي للأشهر الستة الأولى من عام 2022م (مقارنة بالرئاسة لمدة عام واحد للاتحاد الإفريقي)؛ كما أن الاتحاد الأوروبي يظل شريكًا مهمًّا وتقليديًّا للاتحاد الإفريقي.
وتعتبر التحديات المتعلقة بالسِّلم والأمن هي الأكثر إلحاحًا؛ مما يتعين على الرئيس الحالي اتخاذ مبادرات واضحة فيما يتعلق بمختلف مسارح الأزمات (ربما إثيوبيا وموزمبيق والكاميرون) لإجراء التشخيص والتشاور الإقليمي الرئيسي والشركاء الدوليين بهدف خَلق ظروف أكثر ملاءمة للوساطة والمساعي الحميدة، مع إشارات قوية على غرار زيارة البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية عسكرية (السودان وتشاد ومالي وغينيا وبوركينا فاسو).
كما يجب عدم إعاقة مبدأ تبعية العمل الدبلوماسي للاتحاد الإفريقي كمنظمة لعموم إفريقيا؛ باعتبار أن تطلعات السكان في التزام الاتحاد الإفريقي أكثر بكثير مما نتخيل، وتلك التوقُّعات المخيّبة للآمال تساهم في الانتقادات التي يمكن سماعها من حين لآخر. وفي السياق ذاته، يجب على الرئيس الحالي أيضًا، فيما يتعلق بالأمن، أن يدافع عن تمويل وزيادة قوات مجموعة G5 الساحل، عطفًا على القوة الاحتياطية الإفريقية.
الأمن البحري والجدار الأخضر العظيم والهجرة:
بخصوص موضوع الأمن البحري؛ يجب عدم نسيان ميثاق السلامة والأمن البحريين والتنمية في إفريقيا (ميثاق لومي، 15 أكتوبر 2016م) في وقت كانت العلاقة بين انعدام الأمن في منطقة الساحل والقرصنة البحرية في خليج غينيا أصبحت تتضح بشكل متزايد، غير أن من أصل 34 دولة موقعة لم تصادق عليه سوى 3 دول فقط لغاية الآن.
ويتعلق هذا الملف بوسط وغرب إفريقيا معًا، وسيكون من الضروري عقد قمة الجماعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا للمضي قدمًا في هذا الملف مثل ملف السور الأخضر العظيم (فيما يتعلق بتغير المناخ)، ولكن أيضًا ملف الهجرة الذي ينبغي أن يكون لإفريقيا موقف موحد تجاه أوروبا، فضلًا عن الاستجابة لتداعيات الوباء الاقتصادية والصحية.
حمل صوت كل إفريقيا:
تتمثل إحدى خصائص رئاسة الاتحاد الإفريقي في أنها توفّر منصة مع الشركاء؛ لأنه غالبًا ما تتم دعوة الرئيس لحضور اجتماعات دولية مثل G7 أو G8 (مجموعة من الدول الأكثر تصنيعًا)، أو اجتماعات بريتون وودز؛ حيث إن رئيس الاتحاد الإفريقي (A ) يتمتع بشرعية كافية فيما يتعلق بمسألة الديون.
كما تشكل المنصات الأخرى مثل قمم الصين وإفريقيا وتركيا وإفريقيا، إلخ… فرصًا لرفع صوت إفريقيا حال تبنَّت القارة مواقف مشتركة بشأن القضايا الجوهرية. ومن المتوقع عقد قمة الاتحاد الأوروبي/ الاتحاد الإفريقي في الفترة من 17 إلى 18 فبراير، والتي ستشكل فرصة للتعبير عن مخاوف إفريقيا بشأن الهجرة ومكافحة جائحة كوفيد-19، وتغيّر المناخ والقضايا المتعلقة بالديون الدولية.
كل هذه القضايا تحظى بأهمية كبيرة ونحن مقتنعون بأن الرئيس ماكي سال سيكون خير محامٍ لقارتنا لما يحظى به صوت السنغال من القبول والمصداقية في كل هذه القضايا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال: