د. عمر عبد الفتاح (*)
إثيوبيا من الدول التي تتعدد فيها اللغات واللهجات، ويتراوح عدد اللغات الوطنية بها ما بين 70 – 80 لغة، ومن بين هذه اللغات هناك أربع أو خمس لغات ذات أهمية كبيرة، وهذه اللغات تنال أهميتها إما بسبب عدد متحدثيها كلغة أمّ، وإما بسبب أهميتها السياسية والثقافية والدينية، وإما بسبب حجم استخدامها كلغة ثانية
وتأتي اللغة الأمهرية في مقدمة هذه اللغات, فهي اللغة الرسمية لدولة إثيوبيا, وهي لغة الإدارة والمصالح الحكومية، كما تُستخدم في المدارس الحكومية وخاصة في مراحلها الأولى, وتصدر بها غالبية الصحف في إثيوبيا. وتُعد اللغة الأمهرية اللغة الأم لما يقرب من 10 – 12 مليون نسمة(1), وذهب بعضهم إلى أن عدد متحدثيها يصل إلى 30 مليون نسمة تقريباً(2), وكذلك تعد لغة ثانية لقطاع عريض من الإثيوبيين, وربما تكون اللغة الثانية لبقية الشعب الإثيوبي، حيث تُعد اللغة الأمهرية هي لغة التعاملLingua franca بين سكان إثيوبيا.
ومن اللغات المهمة أيضاً اللغة الأورومية, وهي لغة قبائل الأورومو (الجالا), ويزيد عدد متحدثيها عن 7 ملايين متحدث(3)، كما تُعد اللغتان التيجرينية والصومالية من اللغات المهمة أيضاً في إثيوبيا.
أما باقي لغات إثيوبيا؛ فإنها تشمل العديد من اللغات التي تتحدثها فئات صغيرة, غالباً ما تتكون الواحدة منها من عدة آلاف، وهناك حوالي 12 لغة محلية في إثيوبيا, يتحدث بها أكثر من مائة ألف متحدث كلغة أم لكل واحدة منها(4), ومن هذه اللغات اللغة العفرية والهررية والجوراجية والبيجا وغيرها.
وبالإضافة للغات المحلية الإثيوبية؛ هناك عدة لغات أجنبية ذات أهمية ومكانة خاصة في إثيوبيا, وتأتي اللغة الإنجليزية على رأس هذه اللغات من حيث الأهمية، فعلى الرغم من العدد القليل الذي يتحدثها كلغة أم في إثيوبيا؛ فإنها تتمتع بمكانة كبيرة, حيث تُعد اللغة الرسمية الثانية لإثيوبيا، فهي لغة التعليم في المدارس الثانوية الحكومية, وفي التعليم الجامعي، كما أن لها أهمية كبيرة في مجال التجارة والاتصالات الدولية(5)، ويمكننا أن ننظر إليها من هذه الناحية كإحدى اللغات المهمة في إثيوبيا.
كذلك تتمتع اللغة الإيطالية بأهمية ما في إثيوبيا، فقد دخلت إثيوبيا منذ ما يقرب من قرن من الزمان، واستُعملت في عدة مجالات مهمة، فقد صارت لغة وطنية لعدد من الإيطاليين الذين استقروا في إثيوبيا واستوطنوا بها، ولغة ثانية لعدد من الإثيوبيين، كذلك تم استعمالها لغة للتعامل في مجال العمل والصناعة(6).
أما اللغة العربية؛ فإنها تتمتع بمكانة متميزة على الخريطة اللغوية لإثيوبيا، فقد استقرت اللغة العربية في إثيوبيا منذ وقت طويل؛ يسبق دخول اللغات الأوروبية إلى إثيوبيا، وتحدّث بها عدد كبير من الإثيوبيين, وانتشرت بينهم انتشاراً كبيراً.
وفي السطور التالية ستتناول هذه الورقة البحثية وضع اللغة العربية في إثيوبيا، حيث ستبدأ بإلقاء الضوء على الخلفية التاريخية لانتشار اللغة العربية في إثيوبيا (مراحل الانتشار، عوامل الانتشار، مظاهر الانتشار)، ثم تنتقل إلى بيان الوضع الحالي للغة العربية في إثيوبيا, واستخداماتها المختلفة, ووضعها في وسائل الإعلام الإثيوبية, وفي التعليم, ويلي ذلك الحديث عن أسباب انحسار اللغة العربية في إثيوبيا, ومعوقات انتشارها, وتختتم الورقة بالخاتمة والخلاصة.
الخلفية التاريخية لانتشار اللغة العربية في إثيوبيا:
مرت اللغة العربية بمرحلتين أساسيتين من الانتشار في إثيوبيا؛ المرحلة الأولى هي مرحلة التهيوء, وتشمل الفترة السابقة لظهور الإسلام حتى بدء انتشاره الحقيقي في إثيوبيا.
والمرحلة الثانية هي مرحلة الازدهار, وهي الفترة التي بلغ الإسلام فيها أوج ازدهاره وانتشاره, وشهدت الحبشة (إثيوبيا) قيام ممالك إسلامية بها, وهذه المرحلة شهدت ازدهاراً حقيقياً للغة العربية في إثيوبيا.
أولاً: مرحلة التهيوء:
عرفت اللغة العربية طريقها إلى الحبشة منذ فترة بعيدة، فالجوار الجغرافي بين شبه الجزيرة العربية والحبشة أدى إلى قيام علاقات متعددة بين الجانبين، وقد ساعد على ذلك أن الفاصل بينهما هو البحر الأحمر الهادئ, والذي تضيق شواطئه وتتقارب, وتكاد يلامس بعضها بعضاً عند مضيق باب المندب.
وقد تبادل الجانبان العلاقات، فقامت علاقات تجارية وسياسية وهجرات متبادلة؛ مما أحدث نوعاً من التأثير والتأثر، فقد هاجرت بعض القبائل العربية إلى الحبشة وأثرت فيها أيّما تأثير؛ حيث كان هؤلاء المهاجرون أكثر تقدماً ورقياً من أهل البلاد الأصليين, فأثّروا في المناطق التي نزلوا بها؛ حتى أن اسم الحبشة ذاته مأخوذ من اسم إحدى هذه القبائل العربية المهاجرة إلى الحبشة، والتي تسمى (حبشة) أو (حبشات)(7)، كما أن لغة الحبشة القديمة (اللغة الجعزية) اكتسبت اسمها من اسم إحدى القبائل العربية المهاجرة, وهي قبيلة (الأجاعز) أي الأحرار(8).
كذلك قامت علاقات تجارية بين الجانبين، فقد كانت الحبشة منذ أقدم الأزمنة سوقاً تجارية مهمة، وكانت مورداً لا ينضب لتجارة الرقيق الذي كان مطلباً من أهم مطالب الدول القوية القديمة، كما كانت غنية بالأخشاب والتوابل وسن الفيل والجلود.
وقد قام التجار العرب, وبخاصة اليمنيون, بدور كبير في تصريف هذه التجارة، فقد اتخذوا من ساحل إفريقيا الشرقي موطناً لهم، وعملوا على نقل هذه المواد إلى الدولة الرومانية الشرقية عبر مكة ويثرب, وإلى الدولة الفارسية عبر اليمن وحضرموت(9).
وقد تحولت هذه العلاقات إلى علاقات سياسية وحربية في كثير من الفترات، حيث عملت الحبشة على حماية طرق تجارتها, فغزت اليمن أكثر من مرة, واحتلتها في الفترة ما بين سنة 300 – 378 م, حتى استطاع اليمنيون طرد الأحباش، وكرر الأحباش الأمر مرة أخرى, واستمرت العلاقات بين الجانبين في توتر وشد وجذب لمدة طويلة حتى قبيل ظهور الإسلام.
ويلاحظ أن اللغة العربية في هذه المرحلة لم يتعد استخدامها في الحبشة نطاق المعاملات التجارية مع العرب, ولم تتجاوز الساحل الشرقي للحبشة, ولم تتوغل داخلها، ولذا يمكننا أن نعد هذه المرحلة التي سبقت ظهور الإسلام بواكير وإرهاصات لدخول اللغة العربية إلى الحبشة وانتشارها.
ثانياً: مرحلة الازدهار:
مع ظهور الإسلام شهدت اللغة العربية مرحلة جديدة من مراحل الانتشار في إثيوبيا، حيث حمل الإسلام اللغة العربية معه حيثما حلَّ وأينما ارتحل, وسارت اللغة العربية بجانب الإسلام تنتشر حيث ينتشر وتستقر حيث يستقر, فمع ظهور الإسلام في شبه الجزيرة العربية بدأت قريش تضطهد المسلمين, فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى الحبشة, واستقر المهاجرون المسلمون هناك فترة من الزمن، وإذا كانت هذه الهجرة لم تترك أثراً يذكر في نشر الإسلام أو نشر اللغة العربية في الحبشة؛ فإنها كانت بمثابة تعريف للأحباش بهذا الدين الجديد الوافد من جزيرة العرب.
وبعد أن انتشر الإسلام في شبه الجزيرة العربية دانت بلاد العرب للمسلمين، وأصبحوا يتحكمون في طرق القوافل داخل الجزيرة العربية, فأسهموا بنشاط كبير في التجارة الشرقية بين مصر والهند عن طريق البحر الأحمر، وعبرت مجموعة قليلة من تجار العرب الساحل الغربي للبحر الأحمر، كما اخترق عدد من هؤلاء الحدود الحبشية وأسسوا لهم مراكز استقرار بالتدريج على الساحل الحبشي(10).
وبدأ العرب في الظهور كقوة فتية على الساحة العالمية، كما أخذ الإسلام يسير بخطى واسعة, واستقر في الساحل الشرقي للحبشة, وتكونت للمسلمين مراكز استقرار على طول الساحل الشرقي لإفريقيا, وامتزج المسلمون العرب بالوطنيين وصاهروهم, فأخذ الإسلام واللغة العربية ينتشران تدريجياً, واعتنق كثير من سكان الحبشة الإسلام, مثل قبائل الساهو والعفر في شرق الحبشة, والسيدامو وشوا في جنوبها, كما تأثرت به أيضاً القبائل الصومالية ودخل كثير من البيجا في الإسلام(11).
وكان كلما انتشر الإسلام في مكان أسرع إليه الفقهاء والعلماء, فأقاموا الكتاتيب لتحفيظ القرآن الكريم ولتعليم اللغة العربية ومبادئ الدين الإسلامي، وقد كان لهذه الحركة التعليمية أثر كبير في انتشار اللغة العربية بين هذه القبائل التي اعتنقت الإسلام, حيث استخدموها لغة دينية ووسيلة لإقامة شعائر دينهم، فكان كل داخل في الإسلام بحفظ ما يستطيع أن يقيم به صلاته, ثم يمضي إلى تعلم اللغة العربية ليزداد تفقهاً في الدين.
كما استخدم الأحباش اللغة العربية لغة تعامل مع التجار العرب المسلمين، كما استخدمت اللغة العربية – لغة القرآن الكريم التي جعلها الإسلام لغة عالمية للتفاهم – لغة تعامل (Franca Lingua) مشتركة بين هذه القبائل؛ لأن كل قبيلة من هذه القبائل لها لغتها الخاصة بها, والتي لا تفهمها القبائل الأخرى, فأضفت اللغة العربية على هذه القبائل نوعاً من الوحدة الثقافية.
ولم يتوقف انتشار اللغة العربية على الساحل الشرقي للحبشة فقط بل امتد إلى داخل الحبشة نفسها، حيث حملها التجار العرب والدعاة والمعلمون إلى الداخل, وحملتها القبائل العربية المهاجرة والطرق الصوفية إلى أعماق الهضبة الحبشية.
وقد شهدت اللغة العربية مرحلة من الانتشار والازدهار الكبير, وقد ارتبط ذلك بالتوسع الإسلامي الكبير في الحبشة، ومن أبرز مراحل التوسع الإسلامي في الحبشة المـدة ما بين القرنين 10 – 12 م؛ إذ تُعد هذه المدة مرحلة التوسع المنظم للإسلام ديناً ودولة, حيث ظهرت الممالك الإسلامية في الحبشة، وشهدت ازدهاراً لنشر العقيدة الإسلامية, وتدعيم سلطان الممالك الإسلامية داخل الوطن الإثيوبي, وهذه الممالك اشتهرت وذاع صيتها وعُرفت باسم (ممالك الطراز الإسلامي), واشتهرت في هذا الطراز إمارات سبع هي: أوفات، دارداو، أرابيني، هدية، شرخا، بالي، دارة.
وقد اتسم تكوين هذه الممالك بصفة عامة بالطابع السلمي التجاري؛ إذ امتلك المسلمون ناصية التجارة الداخلية والخارجية, وقد ارتبطت هذه الممالك بالعالم الإسلامي الخارجي عن طريق التجارة والحج, وانتقال طلاب العلم للدراسة في المدينة المنورة ودمشق والقاهرة(12). وقد اهتمت هذه الممالك بالتعليم الإسلامي, فأُنشئت المدارس المختلفة لتحفيظ القرآن الكريم وتعليم اللغة العربية, بالإضافة إلى تدريس العلوم الإسلامية؛ كالفقه والحديث والتفسير وغيرها.
وقد انتشرت اللغة العربية في هذه الممالك بشكل كبير, فكان أهاليها يتكلمون اللغة العربية إلى جانب لغاتهم المحلية، فكان أهل أوفات مثلاً يتحدثون العربية إلى جانب لغاتهم الحبشية(13), كما ذكر أحد الكتاب أنه في أثناء زيارته لمدينة دارداو وجد أن اللغة العربية في هذه البلدة هي اللغة السائدة, وأنها اللغة الأولى التي يتكلم بها أهلها حتى النساء والأطفال الصغار بفصاحة, حتى يخيل إليك إن سمعتهم أنك في بلد عربي(14).
وشهدت اللغة العربية مرحلة أخرى من الازدهار في القرن السادس عشر, وهذه المرحلة ارتبطت بالموجة الجديدة لانتشار الإسلام، فقد شهدت حركة انتشار الإسلام أكبر قوة لها مع ظهور الإمام أحمد بن إبراهيم الذي استطاع توحيد مسلمي إثيوبيا, وأخذ يستولي على المدن الإثيوبية الواحدة تلو الأخرى, حتى دانت له البلاد بالولاء والطاعة, ودخلت أغلب أقاليم إثيوبيا في طاعته وتحت سيطرته ما عدا أجزاء محدودة منها، واستمر جهاد الإمام أحمد بن إبراهيم حوالي 15 عاماً قبل أن يتدخل البرتغاليون في ساحة الصراع والأحداث التي انتهت بمقـتله.
وبدأت سلطة المسلمين بعد ذلك في الضعف والتقلص؛ بعد أن وصلت إلى أوج ازدهارها وأقصى توسعها، وكان لهذه المرحلة من التوسع أثر كبير في توطيد قواعد الإسلام ونشر اللغة العربية في أنحاء إثيوبيا، حيث امتد الإسلام ووصل إلى أرض ومناطق لم يكن قد وطئها من قبل.
وقد شهدت اللغة العربية نهضة أخرى في القرن التاسع عشر في أثناء عصر الفوضى الذي ساد الحبشة، فقد كان الإسلام في أول القرن التاسع عشر يمر بفترة ركود, فَقَـدَ فيها حماسه ونشاطه في التقدم والانتشار, ولكنه استعاد نشاطه من جديد في تلك الفترة, وتمكنت مدينة هرر من استعادة نشاطها كمركز للإشعاع الإسلامي، وانتشر الإسلام في منطقة عروسي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. أما مملكة الحبشة نفسها (فوق الهضبة الحبشية)؛ فقد بلغ انتشار الإسلام فيها مبلغاً كبيراً عن طريق إسلام قبائل الجالا (الأورومو) الذين استقروا فوق الهضبة(15).
وإذا كان التعليم الإسلامي قد انحصر وجوده، منذ عهد بعيد, في المدن الساحلية ومدينة هرر فقط؛ فإنه في خلال القرن التاسع عشر كان للنهضة الإسلامية أثر كبير في انتشار الإسلام واللغة العربية في كل الأنحاء، حيث قام المشايخ بتأسيس جميع أنواع المدارس في المدن والمراكز الإسلامية(16), وذلك من أجل تعليم الدين الإسلامي واللغة العربية.
عوامل انتشار اللغة العربية في إثيوبيا:
هناك عدة عوامل تضافرت معاً وأدت إلى انتشار اللغة العربية في إثيوبيا؛ من أهمها:
1 – العامل الديني:
يأتي العامل الديني في مقدمة عوامل انتشار اللغة العربية في إثيوبيا، فقد أخذ الإسلام ينتشر شرقاً وغرباً, فدخلت بلاد العرب في الإسلام, ولحقت بها الشام والعراق وفارس وغيرها من البقاع، وسارت اللغة العربية مع الإسلام جنباً إلى جنب، فحيثما انتشر الإسلام واستقرت قواعده انتشرت اللغة العربية، فمع اعتناق الفرد للدين الإسلامي لا بد له من الإلمام، على الأقل، ببعض الآيات القرآنية حتى يؤدي بها صلاته وواجباته الدينية، ولذلك فإنه لا بد أن يكون على علم ولو ضئيل باللغة العربية، أما مَن يريد أن يفهم دينه ويتبحر فيه؛ فلا بد له من الإلمام الجيد باللغة العربية حتى يستطيع قراءة القرآن الكريم وفهمه, وقراءة شروحه وتفاسيره، وبهذه الطريقة حمل الإسلام اللغة العربية معه حيثما حل وأينما ارتحل؛ على نحو يجعل للعربية درجة من الانتشار في كل المناطق التي تضم جماعات مسلمة، ولم تكن الحبشة بمعزل عن هذا الأمر، فانتشار الإسلام بها أدى إلى انتشار اللغة العربية.
2 – دور التجار:
أدى التجار دوراً قوياً في انتشار اللغة العربية في إثيوبيا، فإذا كان بعض التجار العرب قد استقروا قبل الإسلام على الساحل الشرقي للحبشة وعملوا في التجارة؛ فإنه بعد الإسلام كثر عددهم بشكل كبير, وأقاموا مراكز استقرار لهم على طول الساحل، كما نشأت كثير من المدن الساحلية التي تحولت إلى مراكز تجارية مهمة.
ولم يكن من المعقول أن يظل النفوذ العربي الإسلامي حبيساً في هذه المدن الساحلية، بل كان لا بد أن ينفذ إلى المناطق الداخلية، فكان هؤلاء التجار هم الوسيلة والعدة في نشر الدعوة الإسلامية واللغة العربية، فكانوا يرحلون إلى المناطق الداخلية التماساً للتجارة، ويقيمون بها بعض الوقت ثم ينحدرون إلى الساحل من جديد، وفي أثناء إقامتهم كانوا يخالطون الناس ويتعاملون معهم وينشرون الإسلام؛ وهو ما يستتبع نشر اللغة العربية.
كما كانت هذه المدن الساحلية أسواقاً ضخمة يقصدها أبناء البلاد الأصليين لبيع حاصلاتهم، وشراء ما يحتاجون إليه, أو بقصد الإقامة والتماس فرص العمل, فكان اختلافهم إلى هذه المدن يتيح لهم الاحتكاك بالحياة الإسلامية والثقافة العربية من قريب؛ مما يدفعهم إلى اعتناق الإسلام ومن ثم نشره بين ذويهم إذا عادوا لبلادهم.
كما أن المعاملات التجارية في مثل هذه الأسواق كانت تتم في الغالب باللغة العربية أو بالعربية المختلطة بلغات البلاد المحلية؛ مما أتاح لهؤلاء الأفراد أن يعرفوا قدراً من اللغة العربية من خلال هذه المعاملات؛ مما كان له أثر ما في نشر اللغة العربية بين السكان الأصليين؛ حتى إذا ما اعتنقوا الإسلام صار واجباً عليهم الإلمام ولو بشكل قليل باللغة العربية.
كما قام العديد من التجار الأثرياء بفتح الكتاتيب والمدارس لتحفيظ القرآن الكريم وتعليم اللغة العربية، كما كانوا يرسلون الطلاب المتفوقين إلى الحرمين أو دمشق أو القاهرة لإتمام تعليمهم(17), وكان لهذا الأمر أثر كبير في نشر اللغة العربية في إثيوبيا.
3 – دور الهجرات العربية:
كان للهجرات العربية وتحركات القبائل دور مهم في نشر اللغة العربية في إثيوبيا، فقد خرجت هجرات متعددة من القبائل العربية بعد هجرة المسلمين الأولى فقصدت الحبشة واستقرت بها, ومن هذه الهجرات هجرة أقوام من ربيعة وقحطان واستقرارهم في مناطق البيجا(18)، كذلك هاجرت أقوام من قبيلة بني مخزوم القرشية, وأقامت إحدى الممالك الإسلامية بزعامتها في منطقة شوا الشرقية في نهاية القرن التاسع الميلادي تقريباً، وقد هاجر أسلاف هذه الأسرة عبر البحر الأحمر في عهد خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه(19).
كذلك هاجر العديد من المسلمين لأسباب اقتصادية أو سياسية من شبه الجزيرة العربية أو من مصر ووصلوا إلى الحبشة, فبعد قيام الخلافة الأموية وفي أثناء تثبيتها لحكمها في الحجاز هاجر العديد من العرب فراراً من الأمويين، وتكررت مثل هذه الهجرة وعلى النمط نفسه عندما قامت الخلافة العباسية، ففر كثير من معارضيها وانتشروا في شمال إفريقيا والأندلس، ومنهم عدد لا بأس به وصل إلى الشاطئ الإفريقي(20), ومنهم من توغل إلى الحبشة.
ولم تتوقف الهجرات العربية عند ذلك التاريخ فقط بل توالت واستمرت على مدار السنين؛ نتيجة للجوار الجغرافي أو نتيجة للظروف السياسية أو للعوامل الطبيعية، وإن أخذت شكلاً أقل حدة وأقل تدفقاً من ذي قبل, حيث يذكر فيرجسون أن هذه الهجرات استمرت, حتى أنه يذكر أن هناك عدداً من المجموعات المسلمة المتحدثة بالعربية نزحت من السوادن إلى إثيوبيا في القرن التاسع عشر(21).
وكان للهجرات دور مهم في نشر اللغة العربية بين السكان الأصليين؛ نظراً لأن هذه القبائل العربية اختلطت بالسكان الأصليين واندمجت معهم وصاهرتهم، كما أن هذه القبائل كانت على قدر من التقدم والرقي؛ مما جعلها من عناصر التأثير فيمن حولها من السكان الأصليين.
4 – العامل الحضاري:
ومن العوامل التي ساهمت في نشر اللغة العربية في إثيوبيا أيضاً العامل الحضاري، وهذا العامل يعني أنه إذا التقت لغة ذات تراث حضاري متفوق بلغة أخرى حظها من ذلك التراث قليل؛ فإن الأمر ينتهي بتغلب اللغة الأولى وسيطرتها(22), وقد حدث هذا مع اللغة العربية في إثيوبيا؛ فإثيوبيا بها عدد كبير من اللغات المحلية ذات التراث الحضاري المتواضع, وقد اصطدمت هذه اللغات باللغة العربية التي كانت في تلك الفترة لغة الحضارة الإسلامية, الحضارة التي ازدهرت في العصر الأموي والعباسي وبلغت شأناً كبيراً, وأدى ذلك إلى سيطرة اللغة العربية فأصبحت هي لغة التعامل.
5 – عامل المصلحة الشخصية:
كما أن هناك عاملاً آخر جعل للعربية هذا الشأن في إثيوبيا, وهو عامل مصلحة الأفراد الشخصية، فالعربية هي اللغة التي يستطيع أن يصل الأفراد عن طريقها إلى الوظائف الرفيعة، وذلك عن طريق التعامل مع العرب المسلمين الذين يتمتعون بمكانة اجتماعية مرموقة، فقد كانوا سادة التجار والماسكين بزمام الحياة الاقتصادية في البلاد؛ لذا كان من مصلحة الأفراد الأحباش أن يتعلموها, ليس فقط لأنها لغة دينهم؛ ولكن لأنها أيضاً وسيلة للتكسب والارتزاق، بعد أن صارت الوظائف التي تتطلب خبرة خاصة ومستوى ثقافياً معيناً لا يشغلها سوى المسلمين المتعلمين؛ لذا فقد التزم كل مسلم بتعليم أبنائه القراءة والكتابة بالعربية(23).
وبالإضافة إلى هذه العوامل؛ فإن الطرق الصوفية والدعاة والمعلمين قاموا بجهود صادقة في نشر الإسلام واللغة العربية عن طريق التعليم والدعوة الصادقة، كما قاموا بإنشاء المساجد وفتح المدارس, كما صاهروا أهل البلاد واندمجوا فيهم.
مظاهر انتشار اللغة العربية في إثيوبيا:
لانتشار اللغة العربية في إثيوبيا مظاهر عدة ؛ منها:
1 – اللغة العربية لغة تعامل:
تحدث كثير من الإثيوبيين اللغة العربية واحتفظوا بها إلى جانب لغاتهم الأصلية, فغالبية المدن الإسلامية اتخذت اللغة العربية لغة للدين والثقافة, واستخدموها لغة تعامل فيما بينهم؛ فأهل أوفات على سبيل المثال كانوا يتحدثون اللغة العربية إلى جانب لغاتهم الحبشية(24)، كما أن اللغة العربية صارت اللغة السائدة أو اللغة الأولى في مدينة دارداو التي يتكلم بها أهلها, حتى النساء والأطفال الصغار, وتكلموا بها بفصاحة يخيل للمرء إذا سمعها أنه في بلد عربي(25).
وقد ذكر أحد الزائرين الأوائل للحبشة في القرن التاسع عشر؛ أنه لاحظ أن عدداً كبيراً من الصوماليين والدناكل الذين لم يستقروا في قرى أبداً؛ لديهم القدرة على قراءة اللغة العربية وكتابتها, وقد ذكر مراقب آخر أنه في الغرب في جيما يوجد كثير من المسلمين يستطيعون قراءة القرآن الكريم باللغة العربية(26).
2 – اقتراض اللغات المحلية الإثيوبية كثيراً من الألفاظ العربية:
اقترضت اللغات المحلية الإثيوبية كثيراً من الألفاظ العربية، فقد كانت اللغة العربية لغة ذات تراث كبير وحضارة راقية؛ بينما كانت اللغات الإثيوبية أقل منها في هذا الجانب, فاقترضت منها الكثير من ألفاظ الحضارة وغيرها من المفردات، وقد أورد كثير من العلماء قوائم بهذه المفردات المقترضة من اللغة العربية(27).
ولم يقتصر تأثير اللغة العربية على مسلمي إثيوبيا فقط بل تعداهم إلى النصارى أيضاً، وذلك عن طريق تأثير الكنيسة المصرية التي ارتبطت بها الكنيسة الحبشية, وقد تحقق ذلك التأثير عن طريق الكتب الدينية التي تمت ترجمتها ونقلها من العربية إلى الجعزية أو الأمهرية، وخاصة بعد أن حلت اللغة العربية محل اللغة القبطية في مصر، فقد اتخذ الأقباط في مصر من اللغة العربية لغة للكنيسة, ونقلوا إليها الكتب الدينية, كما ألفوا باللغة العربية.
وبعد ذلك أخذ الأحباش ينقلون هذه الكتب من العربية إلى الجعزية, ثم إلى الأمهرية, فنقلوا قصصاً تروي أعمال الرسل، وقصة آدم وحواء, وكتباً عن معجزات السيد المسيح, وعجائب مريم العذراء، وحياة القديسين والشهداء وعجائبهم, كما تُرجمت كتب خاصة بخدمة القداس وطقوس العماد والدفن والصلوات والعظات وغير ذلك، كما نقل الأحباش كتباً في اللاهوت كانت قد دونت بالعربية، كما تُرجم عن العربية إلى الجعزية أيضاً العديد من الكتب في القرن السابع عشر للدفاع عن المذهب اليعقوبي(28), واستمرت حركة الترجمة والنقل هذه مدة طويلة.
ونظراً لأن الأحباش النصارى ظلوا قروناً عديدة ينقلون آدابهم عن اللغة العربية؛ فقد كان طبيعياً أن تؤثر اللغة العربية في لغة المترجمين إلى حد بعيد، حيث ظهرت في الكتب المترجمة إلى الحبشية آثار عربية واضحة في كثير من العبارات والصيغ والألفاظ، كما تظهر في هذه النصوص الحبشية عبارات أخذها المترجمون الأحباش بنصها كما هي في اللغة العربية, ومن هذه الألفاظ: الحبس، الحكيم، المنار، القارورة، الوباء، الخف، الورد، الجنين، ضابط الكل، الدر, وغيرها من الألفاظ العربية(29). وبدون شك فإن هذا يوضح مدى تأثر الأحباش النصارى بالثقافة القبطية العربية.
3 – كتابة اللغات الإثيوبية بالحرف العربي:
تمت كتابة كثير من اللغات المحلية الإثيوبية بالحرف العربي, فقد كتبت اللغة الهررية بالحرف العربي، وهي لغة يُتحدث بها في مدينة هرر في شرق إثيوبيا, واسمها المحلي أدارAdare . وعلى الرغم من أنها محاطة من جميع الجهات بلغة الجالا (الأورومو) والصومالي, وهذه اللغات تركت أثرها في اللغة الهررية, ولكن التأثير الكبير في مجال المفردات أحدثته اللغة العربية, ويرجع ذلك إلى التأثير الإسلامي الطويل فيها, حيث تعد مدينة هرر أول مدينة إسلامية في إثيوبيا(30).
كذلك كتب الصوماليون في الحبشة لغتهم بالحرف العربي، كما أن متحدثي لغات العفر والبيجا من الجماعات البدوية المسلمة يفضلون استخدام العربية كلغة مكتوبة لهم(31). كما استخدم الحرف العربي في كتابة اللغة الأورومية (لغة الجالا) منذ زمن بعيد في كتابة النصوص الدينية والأذكار والمدائح(32).
4 – كتابة مؤلفات العلماء الأحباش باللغة العربية:
ظهر العديد من العلماء والفقهاء من بين المسلمين الأحباش، نبغوا في العلوم الدينية وعلوم اللغة العربية، وبلغوا فيها شأناً كبيراً، حتى إنهم وضعوا العديد من المؤلفات بلغاتهم المحلية وباللغة العربية أيضاً، ومن هؤلاء العلماء الشيخ سيد فقيه زبير, من ياجو (ت 1242هـ), وضع أربعين مقالة تعليقية على الآجرومية، وجمال الدين محمد, من أنّا Anna (ت 1882هـ)، وضع كتاباً كاملاً في الفقه بعنوان (كفاية الطالبين في معرفة مهمات الدين)، والشيخ إبراهيم عبد الرازق الذي ألف تعليقات على ألفية بن مالك، والشيخ جوهر بن حيدر, من شونقي, وضع كتاباً في الفقه بعنوان (عناية الطالبين)، كما كتب الشيخ محمد أمان من داري تعليقاً على الآجرومية بعنوان (المقاصد الوافية في شرح الآجرومية)(33).
ومن العلماء المشهورين أيضاً الشيخ حسن بن حبيب الحنفي الجبرتي من والو، وله مؤلفات ومصنفات كثيرة؛ منها (تفسير القرآن الكريم), (شرح وقاية الرواية)، (شرح كنز الدقائق)، (شرح مختصر القدوري)، وشرح تحفة الملوك الذي سماه (منهج السلوك)، وله تصنيفات وشروح أخرى كثيرة(34).
الوضع الحالي للغة العربية في إثيوبيا:
واجهت اللغة العربية هزات متعددة ومعوقات كبيرة, أدت إلى تراجع مكانتها وتقلص انتشارها، وعلى الرغم من ذلك فما تزال تحتفظ بمكانة ووضع متميز في إثيوبيا، ولا يزال لها نوع من الوجود على الساحة الإثيوبية, وبيان ذلك فيما يأتي:
1 – اللغة العربية لغة دين:
لا تزال اللغة العربية هي اللغة الدينية لمسلمي إثيوبيا، فعدد المسلمين الكبير لا يزال من أهم عوامل استقرار اللغة العربية هناك وثباتها, والعربية هي لغتهم المقدسة, لأنها لغة القرآن الكريم, وهي اللغة المستخدمة في إقامة شعائرهم الدينية، وتعلمها ملازم لحفظ القرآن الكريم وفهمه, وضروري لفهم تعاليم الإسلام من مصادره الأساسية.
ويشير فيرجسون إلى دوراللغة العربية في إثيوبيا فيذكر أن المسلم بصرف النظر عن لغته الأم؛ لا بد له من الإلمام ببعض العبارات العربية، مثل الشهادتين (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله), أو عبارة التحية (السلام عليكم)، أو البسملة أو غيرها، كما يجب عليه حفظ الفاتحة وبعض الآيات القرآنية باللغة العربية حتى يستطيع أن يؤدي صلاته, ومن أراد أن يزداد تفقهاً في شؤون دينه فعليه أن يزداد علماً باللغة العربية؛ ليطلع على المؤلفات الدينية في الفقه والشروح والتفاسير والحديث وغيرها.
ولذا نجد أن الأفراد يختلفون في مدى إلمامهم وإتقانهم للغة العربية, فمنهم من يفهمها ويتحدثها بشكل تام, ويستطيع استخدامها في الحياة اليومية، ومنهم من يستطيع تلاوة القرآن الكريم والحديث في الأمور الدينية, ويمكنه فهم الخطب باللغة العربية؛ لكنه لا يستطيع استخدامها في حياته اليومية, ومنهم من تقتصر معرفته بها على إقامة الشعائر الدينية فقط, ويتوقف كل ذلك على مقدار ما تعلمه من اللغة العربية في المساجد أو في المدارس الإسلامية التي يتم فيها تعليم اللغة العربية(35).
2 – اللغة العربية لغة تعامل:
اللغة العربية إحدى أهم لغات التعامل في إثيوبيا، حيث تُعد هي واللغة الأمهرية من لغات التعامل والاتصال واسعة الانتشار في إثيوبيا(36)، وتظهر هذه الأهمية بشكل خاص بين مسلمي إثيوبيا الذين يتحدثون لغات مختلفة, فالعربية هي وسيلة التفاهم المشتركة بينهم جميعاً, ولها وجود واضح في المدن الإسلامية مثل هرر, وجيما, وعروسي, وغيرها من المدن الإسلامية بإثيوبيا, ويجب هنا أن نشير إلى أنه من النادر أن تجد من الإثيوبيين غير المسلمين من يتحدث اللغة العربية بوصفها لغة تعامل، فهي مرتبطة إلى حد كبير بالأقاليم والجماعات المسلمة في إثيوبيا.
واللغة العربية المستخدمة في الحديث في إثيوبيا تميل إلى اللهجة اليمنية أو السودانية, ولكنها تتأثر أحياناً باللهجات المحلية، كما أن هناك عدداً من المسلمين الذين تأثروا باللغة العربية الفصحى نتيجة لدراستهم لها في المدارس أو المساجد أو عن طريق الإذاعة أو القراءة؛ فاستخدموها في معاملاتهم(37).
ولا تزال اللغة العربية مفهومة في الأسواق الإثيوبية بشكل كبير؛ بسبب سيطرة العرب قديماً على التجارة الإثيوبية، والتي أدت إلى انتقال كثير من المفردات العربية في هذا المجال، والتي لا تزال موجودة حتى الآن، إلا أن وضع اللغة العربية بوصفها لغة تعامل آخذ في التراجع أمام سيادة اللغة الأمهرية من ناحية, وأمام التقدم والانتشار الكبير للغة الإنجليزية من ناحية أخرى.
3 – اللغة العربية في وسائل الإعلام الإثيوبية:
تتمتع اللغة العربية بوجود ملحوظ على الساحة الإعلامية الإثيوبية، فالإذاعة الإثيوبية تُخصِّص ساعة من إرسالها تُقدم باللغة العربية يومياً، وتتناول هذه الفترة الأخبار المحلية والعالمية, كما تتضمن بعض البرامج والأغاني العربية.
كما تصدر عدة صحف إثيوبية باللغة العربية، مثل صحيفة (العلم) التي تصدر في أديس أبابا، ويزيد عمرها عن نصف قرن، ولم تتوقف عن الصدور منذ نشأتها في عام 1942م حتى الآن، وهي صحيفة حكومية تصدر عن وزارة الإعلام الإثيوبية، والهدف منها إعلام الشعوب العربية والمجتمع الدولي بالنشاطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لإثيوبيا، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين إثيوبيا وبلدان العالم العربي المجاورة(38).
وهناك صحف أخرى ومجلات عربية وإسلامية تصدر في إثيوبيا؛ مثل مجلة (بلال)، وهي مجلة إسلامية شهرية تعبر عن وجهة النظر الإسلامية والمجتمع المسلم في إثيوبيا، وكذلك تصدر مجلة (الرسالة)، وهي مجلة إسلامية تصدرها جمعية إسلامية باللغتين العربية والأمهرية، وكان المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية قد أصدر صحيفة نصف شهرية باللغتين العربية والأمهرية، إلا أنها توقفت عن الصدور لأسباب مالية(39). وبلا شك؛ فإن صدور مثل هذه الصحف يدل دلالة واضحة على أن اللغة العربية في إثيوبيا لها أرض وخلفية ثابتة؛ بحكم ذلك العدد الكبير من المسلمين, وبحكم الجوار العربي.
4 – اللغة العربية في التعليم الإثيوبي:
ولأهمية الحديث عن وضع اللغة العربية في نظام التعليم الإثيوبي؛ فسوف أتناوله بشيء من التفصيل، وأشير أولاً إلى أن إثيوبيا بها نوعان من التعليم:
1 – تعليم حكومي.
2 – تعليم غير حكومي (محلي ـ خاص).
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يتم تدريس اللغة العربية في أيٍّ من مراحل التعليم الحكومي, أما في التعليم غير الحكومي؛ فنجد أن اللغة العربية يتم تعليمها بشكل كبير في المدارس القرآنية التقليدية, وكذلك في بعض المدارس الإسلامية الخاصة محدودة الانتشار.
ويلاحظ أن الهدف من تعليم اللغة العربية في إثيوبيا يختلف من منطقة إلى أخرى، ففي المناطق الريفية أو المناطق البدوية يكون الهدف دينياً وثقافياً في المقام الأول, من أجل تمكين الأطفال من تلاوة القرآن الكريم وقراءة النصوص الدينية الأخرى المكتوبة بالعربية. أما في المناطق الأكثر تمدناً؛ فإن اللغة العربية تستخدم لغة تعامل ووسيلة اتصال؛ على الأقل في المعاملات التجارية وفي تدوين الحسابات أو كتابة العقود وما شابه ذلك(40), لذلك نجد أن مستوى إلمام الإثيوبيين المسلمين باللغة العربية يختلف من منطقة إلى أخرى.
وتدرّس اللغة العربية في مدارس تسمى (المدارس القرآنية), وهي مدارس أهلية لا تخضع لإشراف الحكومة ولا تحظى باعترافها, وهي مدارس بدائية إلى حد كبير، وتنقسم الدراسة فيها إلى مرحلتين؛ هما:
أولاً: مرحلة التهجي Tehaji :
كلمة (تهجي) كما هو واضح كلمة ذات أصل عربي(41), وهذه المرحلة تشبه إلى حد بعيد نظام التعليم الديني الذي كان قائماً في كثير من البلاد العربية والإسلامية, والذي يعرف في مصر، على سبيل المثال، باسم (الكُتَّاب), والذي لا تزال آثاره باقية حتى الآن في بعض القرى المصرية وغيرها.
وهذه المرحلة لها هدفان أساسيان هما:
1 – تعليم الحروف العربية.
2 – قراءة القرآن الكريم.
ولتحقيق هذين الهدفين لا بد أن يمر الطالب بعدة خطوات, ففي البدء يجب عليه أن يتعلم الحروف العربية, فتكتب على ألواح خشبية, ويقوم المعلم أو أحد التلاميذ القدامى بقراءتها, ويظل الطفل يرددها حتى يحفظها.
والخطوة التالية يتعلم فيها الأطفال النقاط التي توضع فوق الحروف أو تحتها, ثم يتعلم الطفل النطق الصحيح للحروف, ثم يتعلم علامات الشكل الأربعة (الفتحة, الكسرة, الضمة, السكون), ثم يتعلم أصوات المد (ا ، و ، ي), وهذه الخطوات مهمة جداً بالنسبة إلى هؤلاء الأطفال؛ لأن الهدف الرئيس في هذه المرحلة هو قراءة القرآن الكريم المكتوب مصحوباً بهذه الحركات, والعربية لغة أجنبية لديهم، ومن ثم لن يستطيعوا أن يقرؤوا أو يكتبوا دون معرفة هذه الحركات.
وبعد ذلك يتعلم الطلاب كيفية الربط بين الحروف, وكيفية قراءتها وكتابتها مجمعة(42)، وبعد ذلك يتدربون على قراءة الآيات القرآنية بطريقة التهجي، وربما اكتسبت هذه المرحلة تسميتها من هذه العملية، حيث يبدأ الطالب بنطق الحروف وحركاتها واحد تلو الآخر, ثم يقرأها بعد ذلك معاً, فيبدأ بتحديد الحرف الأول من الكلمة, ثم يحدد الحركة, وبعد ذلك ينطق الصوت الناتج من اتحادهما معاً, ويتكرر هذا في الحرف الثاني ثم الثالث حتى تنتهي الكلمة, ثم ينطق الكلمة كلها دفعة واحدة.
وبعد مدة من التدريب ينتقل الطلاب إلى حفظ سور وأجزاء من القرآن الكريم, ويتمكن بعضهم من حفظ القرآن الكريم كاملاً, بينما تكتفي غالبيتهم بحفظ عدة أجزاء منه فقط, ويتوقفون بعدها عن الذهاب إلى المدرسة, وبذلك يصل تعليم الطفل إلى نهايته في هذه المرحلة(43).
ثانياً: المدارس العالية “علم” Ilm :
بعد أن ينهي الطلاب مرحلة التهجي يتوقف كثير منهم عن مواصلة الدراسة، وبخاصة الذين يسكنون المناطق الريفية والبدوية، ويكتفون بما حصلوه من معرفة، أما الطلاب الذين يريدون مواصلة دراستهم فإنهم يلتحقون بالمدارس الإسلامية العالية التي تسمى (علم).
وفي هذه المرحلة يتم تقديم دراسة مكثفة للفقه الإسلامي، مع دراسة التوحيد والتفسير والحديث, وكذلك دراسة المنطق.
وحتى يتمكن الطلاب من دراسة هذه العلوم وتحصيلها؛ فلا بد لهم من دراسة النحو وقواعد العربية، ويعد النحو من أهم العلوم اللغوية التي يتم تدريسها في هذه المرحلة, ومن الكتب التي تدرس في هذا الفرع: (الآجرومية) و(مطالعة العرب) و(ألفية بن مالك) و(المجيب) و(مغني اللبيب)، كذلك هناك علوم لغوية أخرى يتم تدريسها؛ مثل الصرف والعروض والبيان والبديع والبلاغة(44).
وكما يكتفي معظم الطلاب في المناطق الريفية والبدوية بالمرحلة الأولى؛ يكرس عدد قليل في المناطق المتمدنة أوقاتاً لدراسة رسمية كهذه، حيث يعمل أغلب المسلمين بالتجارة، لكن معظمهم يتعلمون شيئاً من التفسير أو الفقه وغيره من العلوم الدينية الإسلامية في أوقات فراغهم في المساء, حيث يذهبون إلى المسجد ويستمعون إلى الدروس التي تلقى هناك(45).
ونظراً لأن المدارس القرآنية, المذكورة سابقاً والتي تقوم بتعليم اللغة العربية والقرآن الكريم، لا تفي بمتطلبات العصر الحديث, حيث إن مناهجها تخلو من المواد الدراسية الحديثة كالتاريخ، والجغرافيا، والكيمياء، واللغة الإنجليزية وغيرها، كما أنها لا تعلم الأطفال اللغة الأمهرية لغة الدولة الرسمية؛ فإنها لم تستطع أن تنافس المدارس الحديثة، ولم يعد لها مكان في نظام التعليم الحديث.
لذا أصبح من الواجب إيجاد موائمة بين مناهج المدارس القرآنية ومناهج المدارس الحديثة في المناطق ذات الكثافة المسلمة، ومن أجل هذا ظهرت المدارس الخاصة التي تعرف باسم (مدرسة Madrasa)، وهذه المدارس عادةً ما تقوم بتعليم اللغة العربية وقراءة القرآن الكريم، بالإضافة إلى أنها تتبع مناهج وزارة التعليم ومقرراتها. وهذا النوع من المدارس منتشر إلى حد ما، سواء في القرى الصغيرة أو في المدن الكبيرة, حيث توجد ست مدارس منها في مدينة هرر، وعشرون مدرسة في ديرداو, وعشر مدارس في أديس أبابا, وأعداد صغيرة أخرى في غيرها من المدن(46).
لكن يُؤخذ على هذه المدارس ازدحام المناهج, فالطلاب في هذه المدارس يجب أن يتعلموا اللغة العربية والقرآن الكريم, بالإضافة إلى تعلم اللغة الأمهرية واللغة الإنجليزية, إلى جانب المواد الأخرى التي تُدرس في المدارس الابتدائية العادية، كذلك يُؤخذ على هذه المدارس أنها عادةً لا تقدم برنامجاً تعليمياً كاملاً، ونتيجة لذلك فإن الظاهرة السائدة هي أن يترك التلاميذ هذه المدارس في الصف الثالث أو الرابع، ويلتحقون بمدارس أخرى؛ من أجل تعليم أفضل, وفرص أكبر لاجتياز هذه المرحلة والوصول إلى المرحلة الثانوية.
وبالإضافة إلى هذين النوعين من المدارس التي تقوم بتعليم اللغة العربية (المدارس القرآنية، المدارس الإسلامية الخاصة)؛ يوجد نوع ثالث من المدارس, وهو المدارس الخاصة بالجاليات العربية والإسلامية في إثيوبيا، وهذه المدارس تابعة لبعض الدول أو الأفراد من العرب والمسلمين, وتقوم بتعليم اللغة العربية والدين الإسلامي بالإضافة إلى المواد الأخرى, وهذه المدارس ذات مستوى تعليمي أفضل من غيرها, وتتمتع بإمكانيات تعليمية متقدمة؛ لذلك تلقى إقبالاً كبيراً من مسلمي إثيوبيا.
أسباب انحسار اللغة العربية وتراجعها في إثيوبيا:
حينما نطالع الوضع الذي وصلت إليه اللغة العربية في إثيوبيا, ونرى مدى تراجع مكانتها والانحسار الذي ألمّ بها؛ يتبادر إلى أذهاننا تساؤل عن الأسباب التي أدت إلى ذلك الوضع!
لقد تضافرت عدة أسباب معاً وأدت إلى هذا التراجع، ويأتي على رأس هذه الأسباب تأثير اللغات الأوروبية والاستعمار, فبدءاً من القرن الخامس عشر وحتى القرن العشرين حاول الاستعمار الأوروبي, الذي بسط سيطرته ونفوذه على غالبية دول القارة، الحيلولة دون انتشار الإسلام وتغلغل الثقافة العربية في إفريقيا, وبدأ الصراع بين الثقافتين العربية والأوروبية، وكان محل التنازع اللغة التي هي وسيلة نقل الثقافة(47).
وقد عمل الاحتلال الأوروبي على تأسيس امتداد لغوي وثقافي وفكري غربي له في إفريقيا, فانتشرت اللغات الأوروبية في دول القارة بشكل كبير، وحظيت اللغة الفرنسية بانتشار كبير في إفريقيا, حيث توجد أربع وعشرون دولة إفريقية تنتشر بها الفرنسية، وتعد اللغة الفرنسية اللغة الرسمية بجانب لغة أو لغتين في الدول التي كانت مستعمرات فرنسية، كما انتشرت اللغة الإنجليزية أيضاً, حيث توجد إحدى وعشرون دولة إفريقية تعد اللغة الإنجليزية فيها أكثر اللغات انتشاراً, وبعض الدول اتخذتها لغة رسمية لها، كذلك انتشرت اللغة الإسبانية واللغة البرتغالية في المستعمرات التي كانت تابعة لهما(48).
وإذا كان الاحتلال الإيطالي لإثيوبيا لم يؤد إلى نشر اللغة الإيطالية بها على نطاق واسع؛ نظراً لقصر المدة التي قضاها فيها, ولم تتح له الفرصة للقيام بمثل هذا التأثير الكبير؛ فإن الإيطاليين قد تركوا أثراً لغوياً غير هيّن, حيث انتشرت اللغة الإيطالية بين عدد من سكان إثيوبيا, واسُتعملت الإيطالية لغة تعامل, وخاصة في مجال العمل والصناعة(49).
ولم تكن إيطاليا وحدها هي التي مارست دوراً في نشر اللغات الأوروبية في إثيوبيا, فقد سبقها في هذا المجال البرتغاليون، كما أن ظروف إثيوبيا السياسية أدت إلى تدخل قوى أجنبية أخرى, وبخاصة الإنجليز والفرنسيون، وكل قوة من هذه القوى عملت على نشر اللغات الأوروبية، كل حسب توجّهه، وكان كل ذلك على حساب اللغة العربية.
وقد لجأت القوى الاستعمارية إلى وسائل مختلفة لتحقيق أهدافها؛ من أهمها:
1 – إطلاق يد البعثات التنصيرية, وتخصيص الإمكانيات الكبيرة لها، وترجمة الإنجيل إلى كل اللغات الإفريقية المحلية، فتمت ترجمة الإنجيل إلى لغات إثيوبيا المحلية المختلفة، فتُرجم إلى الأمهرية والأورومية والتيجرينية وغيرها من اللغات المحلية الأخرى.
2 – محاولة تشويه صورة العلاقات العربية الإثيوبية من ناحية, والعلاقات الإسلامية بالنصارى في إثيوبيا من ناحية أخرى، وذلك عن طريق إظهار العرب كأنهم كانوا تجار رقيق ومستعمرون، والعمل على إحياء نزعة التعصب الديني بين المسلمين والنصارى في إثيوبيا. بالإضافة إلى إهمال المسلمين وحرمانهم من فرص التعليم وفرص العمل المناسبة؛ مما أدى إلى تأخرهم وتخلفهم.
3 – تعطيل كتابة اللغات الإثيوبية التي كانت تكتب بالحرف العربي، واستبدال الحرف اللاتيني بالعربي، فتم التوسع في كتابة اللغات الإثيوبية بالحرف اللاتيني, كما حدث مع اللغة الصومالية في إثيوبيا, ولغة الأورومو، وكتابة هذه اللغات بالحرف اللاتيني يعني ربط هؤلاء الأقوام بالثقافة الغربية من ناحية, وفصل الإثيوبيين عن تراثهم المسجل بالحرف العربي, وعزلهم عن ماضيهم من ناحية أخرى.
4 – فرض اللغات الأوروبية لغات للتعليم في المدارس الحكومية، وكان الهدف من ذلك القضاء على اللغة العربية نهائياً واستبدال اللغات الأوروبية بها، وقد حدث ذلك في إثيوبيا حينما تم إقرار اللغة الإنجليزية لغة للتعليم الحكومي في المرحلة الثانوية والتعليم العالي(50).
كذلك ساعدت السياسة اللغوية في إثيوبيا على سحب البساط من تحت أقدام اللغة العربية؛ مما أدى إلى تراجع مكانتها وضعف انتشارها، ذلك أنه تم منع استخدام اللغة العربية في المدارس الحكومية، كما صدرت قرارات تمنع استعمال اللغة العربية في المحاكم الشرعية الخاصة بالمسلمين(51).
وكذلك تم فرض اللغة الأمهرية لغة للتعليم في المرحلة الأولى, وفرض اللغة الإنجليزية لغة للتعليم الحكومي في المرحلة الثانوية والتعليم الجامعي؛ مما أدى إلى تقلص المساحة التي كانت تحتلها اللغة العربية في كل أنحاء إثيوبيا, بعد أن كانت لغة العلم والثقافة.
والحقيقة أن انحسار اللغة العربية في إثيوبيا لم يكن فقط نتيجة لسياسة الاحتلال الأوروبي المعادية، ولا السياسة اللغوية المضادة التي اتُـبعت في إثيوبيا، وحدهما، وإن كان لهما الدور الكبير في هذا الجانب، فهناك عامل آخر له أهمية كبيرة, وهو الوضع الحضاري والثقافي للعرب, ففي الوقت الذي كانت فيه أوروبا تتقدم وتُرسخ أقدامها في إفريقيا كلها؛ كان العرب في حالة من التأخر والتخلف الحضاري, وقد أثر ذلك بشكل كبير في الدور الثقافي للعرب في هذه المنطقة, كما أدى إلى فقدان الكثير من الأرض التي كانت اللغة العربية قد كسبتها في الماضي, وخلاصة الأمر أن انتشار اللغات وتقدمها أمر مرهون بتقدم أصحابها وتفوقهم.
الخاتمة:
يجب أن نلاحظ أن إثيوبيا بها أرض خصبة لنشر اللغة العربية، وذلك لكثرة عدد المسلمين بها, كما أن غالبية هؤلاء المسلمين لهم شغف بالإسلام, وفي حاجة إلى معرفة شؤون دينهم، الأمر الذي لن يتحقق إلا بمعرفة ولو جزئية باللغة العربية؛ لذلك فإن عامل الإقبال على تعلم اللغة العربية موجود ولا يحتاج إلا لتفعيل واستثارة فقط.
ولكننا نلاحظ أيضاً أن هناك أمراً قد يعوق ذلك الإقبال, وهو ارتباط مصلحة الأفراد بتعلم اللغات الأوروبية, حيث إنها تتيح فرصاً أكبر للوصول إلى الوظائف الرفيعة في المجتمع, في حين ارتبطت اللغة العربية بالماضي, ويُنظر إليها كلغة دينية يقتصر دورها على إقامة الشعائر الدينية فقط, لذلك لا بد من وجود الحافز الذي يشجع الإثيوبيين على تعلم اللغة العربية, وذلك بأن تُخصص لهم المنح الدراسية في الجامعات العربية والإسلامية, على أن تكون هذه المنح في مختلف التخصصات, وليست مقصورة على العلوم اللغوية والدينية فقط.
كما يجب أن يزداد نشاط نشر الثقافة العربية في إثيوبيا عن طريق إيجاد مدارس عربية إسلامية ذات مستوى مرتفع؛ لأن المستوى المتواضع للمدارس الإسلامية في إثيوبيا لا يؤهل طلابها لمستوى علمي متقدم؛ ولن يتحقق ذلك إلا بنوع من التنسيق بين الجهود العربية والإسلامية وبين مسلمي إثيوبيا لإيجاد نوع من التعليم يضمن الحفاظ على الهوية الإسلامية لهم, ويساعد على نشر اللغة والثقافة العربية من جهة ثانية, ويخرج طلاباً على مستوى علمي لائق من جهة ثالثة.
كما يجب تزويد الإثيوبيين بالكتب العربية المتطورة، وإمدادهم بالمدرسين ذوي المستوى العلمي الجيد, كذلك يمكن افتتاح مراكز ثقافية عربية في إثيوبيا على غرار المراكز الثقافية الأوروبية والأمريكية.
وقد تبدو هذه الاقتراحات مكلفة مادياً, إلا أن ذلك يُعد أفضل استثمار للمال العربي والإسلامي؛ لأن هذا الاستثمار هو استثمار للعقول, وهذا الجهد والمال لن يذهب سدى لو استطعنا استثماره جيداً.
وفي النهاية يمكننا أن نقول باختصار: إن هناك صراعاً حضارياً ثقافياً بين الحضارة العربية الإسلامية من جهة وبين الحضارة الأوروبية الأمريكية من جهة أخرى, والمنتصر فيه هو من تستطيع حضارته وثقافته وقيمه أن تستوعب الحضارات والثقافات الإفريقية, وتضيف إليها ما يخدم الأفارقة أنفسهم.
الاحالات والهوامش
(*) مدرس بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية – جامعة القاهرة.
(1) Appleyard, David, “Colloquial Amharic”, p.2.
وانظر أيضاً: ( Ferguson, C.A., “The Role of Arabic in Ethiopia”, p.112)
(2) المهدي، فايز محمد: الإذاعات المصرية الموجهة إلى شرقي إفريقيا، ص 68.
(3) Bender, M.L., “Language in Ethiopia”, p.12 .
(4) Ibid, p.12 .
(5) Ibid, p. 300.
وانظر أيضاً: ( Ferguson, C.A., “The Role of Arabic in Ethiopia”, p.115)
(6) Ibid, pp. 171 – 170
(7) طرخان، إبراهيم علي: الإسلام والممالك الإسلامية في الحبشة في العصور الوسطى، ص 5.
(8) المصدر السابق، ص 7.
(9) الحيمي، حسن أحمد: سيرة الحبشة، ص 18.
(10) طرخان، إبراهيم علي: الإسلام والممالك الإسلامية في الحبشة في العصور الوسطى، ص 28.
(11) المصدر السابق، ص ص 29 – 30.
(12) المصدر السابق، ص 33.
(13) المصدر السابق، ص 39.
(14) العبودي، محمد بن ناصر: في إفريقية الخضراء، ص 158.
(15) غيث، فتحي: الإسلام والحبشة عبر التاريخ، ص ص 182 – 183.
(16) حسن، إبراهيم حسن: انتشار الإسلام والعروبة فيما يلي الصحراء الكبرى، ص 162.
(17) محمود، حسن أحمد: الإسلام والثقافة العربية في إفريقيا، ص ص431 – 432.
(18) طرخان، إبراهيم علي: الإسلام والممالك الإسلامية في الحبشة في العصور الوسطى، ص 31.
(19) المصدر السابق، ص 32.
(20) غيث، فتحي: الإسلام والحبشة عبر التاريخ، ص 76.
(21) Ferguson,C.A.,” The Role of Arabic in Ethiopia “,p.118 .
(22) محمود، حسن أحمد: الإسلام والثقافة العربية في إفريقيا، ص52.
(23) المصدر السابق، ص 488.
(24) طرخان، إبراهيم علي: الإسلام والممالك الإسلامية في الحبشة في العصور الوسطى، ص 39.
(25) العبودي، محمد بن ناصر: في إفريقية الخضراء، ص 158.
(26) Bender, M.L., “Language in Ethiopia”, p.310 .
(27) أورد العلماء كثيراً من قوائم المفردات التي اقترضتها اللغات الإثيوبية من اللغة العربية, ومن المقالات التي تناولت هذا الجانب نجد:
– Leslau,W.(1957): “Arabic Loanwords in Amharic”, BSOAS, vol.19, pp.221 – 44 .
– Leslau,W.(1957): “Arabic Loanwords in Argobba”, JAOS, vol.77, pp.36 – 9 .
– Witold Kazimierz Brzuski: “Arabic Loanwords in Amharic connected with extiles, Leather products and Jewelry” in African Bulletin No5 – 1974 . — : ” Arabic Loanwords in the old and modern Amharic Language” in African Bulletin, No35 – 1988 . .
(28) عابدين، عبد المجيد: بين الحبشة والعرب، ص ص 231 – 233.
(29) المصدر السابق، ص 337.
(30) Ullendorff, E. “The Ethiopians”, p.130 .
(31) Hess, Robert, “Ethiopia, The modernization of Autocracy”, pp. 18 – 19 .
(32) محمد، حسن مكي: الأورومو (الجالا) دراسة تحليلية, ص 90.
(33) Ahmed, Hussein, “Traditional Muslim Education in Wallo”, p.101.
(34) إبراهيم، عبد العزيز عبد الغني: أهل بلال، ص 85.
(35) Ferguson, C.A., “The Role of Arabic in Ethiopia”, pp.119 – 120.
(Bender, M.L., “Language in Ethiopia”, p.12 (36)
(37) Ferguson,C.A., “The Role of Arabic in Ethiopia”, pp. 120 – 121.
(38) يلي، صادق: أديس أبابا زهرة إثيوبيا الجديدة، ص ص 50 – 51.
(39) المصدر السابق، ص 52.
(40) Bender, M.L., “Language in Ethiopia”, p. 350.
(41) تختلف تسمية مرحلة “التهجي” من منطقة إلى أخرى داخل إثيوبيا، فبينما تعرف باسم “التهجي” في والو وإيفات، نجد أنها تسمى “مجلس قرآن” Mejilis Qoran في مدينة هرر وجيما وإقليم عروسي, في حين تعرف باسم مدارس “الشيخ” Sheikhyفي معظم المراكز المتمدنة.
(42) Ahmed, Hussein, “Traditional Muslim Education in Wallo”, p.99 .
(43) Bender, M.L., “Language in Ethiopia”, p.352.
(44) Ahmed, Hussein, “Traditional Muslim Education in Wallo”, pp.100 – 101.
(45) Bender, M.L., “Language in Ethiopia”, p. 353.
(46) Ibid, p. 360.
(47) سليم، رجاء إبراهيم: التبادل الطلابي بين مصر والدول الإفريقية في الفترة من 1952 – 1985، ص 24.
(48) المصدر السابق، ص ص 29 – 30.
(49) Bender, M.L., “Language in Ethiopia”, p. 171 .
(50) سليم، رجاء إبراهيم: التبادل الطلابي بين مصر والدول الإفريقية في الفترة من 1952 – 1985، ص ص 30 – 31.
(51) العبودي، محمد بن ناصر: في إفريقية الخضراء، ص 159.
المراجع:
أولاً: المراجع العربية:
1 – إبراهيم، عبد العزيز عبد الغني (1994): “أهل بلال”، الطبعة الأولى، الدار السودانية للكتب – السودان.
2 – حجازي، محمود فهمي (بدون تاريخ): “علم اللغة العربية”، مكتبة غريب – القاهرة.
3 – حسن، إبراهيم جسن (1957): “انتشار الإسلام والعروبة فيما يلي الصحراء الكبرى”، معهد الدراسات العربية – القاهرة.
4 – الحيمي، حسن أحمد (1958): “سيرة الحبشة”، القاهرة.
5 – سليم، رجاء إبراهيم (1989): “التبادل الطلابي بين مصر والدول الإفريقية في الفترة من 1952إلى 1985″، مركز البحوث والدراسات السياسية – جامعة القاهرة.
6 – طرخان، إبراهيم علي (1959): “الإسلام والممالك الإسلامية في الحبشة في العصور الوسطى”، المجلة التاريخية المصرية، المجلد الثامن ص ص 3 – 68، الجمعية المصرية للدراسات التاريخية – القاهرة.
7 – عابدين، عبد المجيد (1949): “بين الحبشة والعرب”، دار الفكر العربي – القاهرة.
8 – العبودي، محمد بن ناصر (بدون تاريخ): “في إفريقية الخضراء”، دار الثقافة – القاهرة.
9 – غيث، فتحي (بدون تاريخ): “الإسلام والحبشة عبر التاريخ”، مكتبة النهضة المصرية – القاهرة.
10 – محمد، حسن مكي (1987): “الأورومو (الجالا) دراسة تحليلية” في “دراسات إفريقية ” ص ص 87 -108 ، المركز الإسلامي الإفريقي – الخرطوم.
11 – محمود، حسن أحمد (1963): “الإسلام والثقافة العربية في إفريقيا”، الجزء الأول، الطبعة الثانية – القاهرة.
12 – المهدي، فايز محمد (1990): “الإذاعات المصرية الموجهة إلى شرقي إفريقيا”، المكتبة الثقافية (463)، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
13 – يلي، صادق (1994): “أديس أبابا زهرة إثيوبيا الجديدة”، في مجلة العربي – عدد 429، ص ص 42 – 57، وزارة الإعلام – الكويت.
ثانياً: المراجع الأجنبية:
1 – Ahmed, Hussein (1988): “Traditional Muslim Education in Wallo” in “proceedings of the Ninth international congress of Ethiopian studies”, pp. 94 -106, NAUKA publishers, MOSCOW.
2 – Appleyard, David (1995): “Colloquial Amharic”, first published, Rutledge – New York .
3 – Bender, M.L. (1976): “Language in Ethiopia”, Oxford University Press – London.
4 – Ferguson, C. A. , (1972): “The Role of Arabic in Ethiopia : A Sociolinguistic perspective.” In : J.B.Pride and Janet Holmes (Eds.) Sociolinguistics selected readings .penguin Books Ltd, England. pp.112-124.
5 – Hess Robert (1970) Ethiopia, The Modernization of Autocracy first published, Cornel University
6 – Ullendorf E. (1960): The Ethiopians, an Introduction to Country and People Oxford University – London .