بقلم: محمد منصور كابا*
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
تُوصَف القارة السمراء بانتظام بتراخيها في مكافحة الفساد، فضلاً عن أنها ضحية الممارسات السيئة التي يمارسها الغرب أو الشركات الغربية. ولكن التساؤل: هل ستظل إفريقيا بطل الفساد الأبدي؟ فمن خلال التصنيف بعد التصنيف، والإحصاءات على الإحصاءات، والتقارير تلو التقارير.. يبدو أن الأرقام تعزز الصورة النمطية للانتشار الفساد في إفريقيا.
والنسخة الأخيرة لمؤشر قياس الفساد (IPC) التي نشرتها منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية (TI) في يناير2020م، ليست استثناءً لهذه القاعدة المحزنة؛ حيث تظهر القارة مرة أخرى طالبًا سيّئًا.
ومع أن ثلاث دول إفريقية التحقت بأوائل 50 مرتبة حسب ترتيب مؤشر قياس الفساد لعام 2019م؛ إلا أن معظمها في ذيل الترتيب.
وعليه فإن نيجيريا أكبر اقتصاد إفريقي احتلت مرتبة (146 من أصل 180 دولة تمت دراستها)، والكاميرون (153)، وجمهورية الكونغو الديمقراطية (163)، وغينيا الاستوائية (173)، فضلاً عن أنجولا التي تواجه فضيحة “لواندا ليكس” تحتل المرتبة 146 المثيرة للشفقة، وتظل -بحسب منظمة الشفافية الدولية- “دولة يجب مراقبتها”.
حملات إفريقية مكثفة لمكافحة الفساد
ومع ذلك، فلا يشكّل ذلك عائقًا أمام بعض هذه البلدان لمواجهة المشكلة وجهًا لوجهٍ، أو شنّ حملات واسعة النطاق، مثل الغابون، لمكافحة الفساد. وقد قامت السلطات الغابونية التي تمَّ توجيه أصابع الاتهام إليها بانتظام لتراخيها في مسألة الاختلاس، في نهاية نوفمبر 2020 بحملة مذهلة ضد الفساد أدت إلى اعتقال حوالي عشرين شخصًا بما في ذلك الناطق الرسمي للحكومة والمدير التنفيذي لشركة النفط الوطنية.
وفي أنجولا تمثّل القضية المترامية الأطراف المرتبطة بابنة الرئيس السابق إيزابيل دوس سانتوس اختبارًا حقيقيًّا لخليفته جواو لورينسو الذي جعل محاربة الفساد أولوية قصوى لحكومته. ولكن يتساءل الكثيرون عن الكيفية التي سيواصل بها الرئيس لورينسو حملته لمكافحة الفساد، وضمان إنهاء الإفلات من العقاب؛ حسب تقديرات الممثل المحلي لـ TI صفحات جان أفريك.
قضية دوس سانتوس: دور الشركات والشخصيات الأوروبية
بالنسبة للناشط رافائيل ماركيز، الذي كان لفترة طويلة الخصم الشرس للرئيس السابق خوسيه إدواردو دوس سانتوس، تشهد الجهود التي بذلتها أنجولا على “الرغبة الحقيقية في السيطرة على البلاد؛ لأن الدولة سبق خصخصتها لعائلة دوس سانتوس وأصدقائه”؛ هؤلاء “الأصدقاء” الذين بِدُونهم -بلا شك – لن يكون من مقدور عائلة دوس سانتوس، التي اتُّهِمَتْ باختلاس مليارات الدولارات والتي تم تجميد أصولها في أنجولا والبرتغال، أن تكدّس مثل هذه الثروات.
كشف “الأصدقاء” بمن فيهم “لواندا ليكس” عن الدور المركزي الذي لعبته في إنشاء تراث إيزابيل دوس سانتوس، والذي تقدر مجلة فوربس قيمته بأكثر من ملياري دولار. غير أن أولئك “الأصدقاء” كلهم أو جميعهم تقريبًا سواء كانوا من الشركات أو الأفراد ليسوا من أصول إفريقية.
ويُشتبه في أن PwC (شركة برايس ووترهاوس كوبر) مدققة حسابات طويل الأمد لشركات إيزابيل دوس سانتوس والرئيس التنفيذي العالمي الخاص بها، بوب مورتز، قد ساهمت في بناء ثروة ما يسمى بـ “الأميرة”. وربما لهذا السبب، قررت برايس ووترهاوس كوبرز إجراء تحقيق داخلي، وينبغي، وفقًا للعديد من المراقبين، أن تنفصل عن شريكين مقربين من ابنة الرئيس الأنغولي السابق.
و”قد ساهمت الشركات الأوروبية إلى حد كبير في النظام الذي أنشأته إيزابيل دوس سانتوس” حسب ما أكده البروفيسور جون شوبرت، من جامعة برونيل (لندن) الذي أشار إلى أن “الجميع بما في ذلك الأجنبي أراد نصيبه من “الكعكة” الأنغولية.
كما أن البنوك وشركات المحاسبة الدولية المرموقة ليست الوحيدة التي تظهر أسماؤها في “لواندا ليكس”. كما كان يحوم عدد من رجال الأعمال ذوي سمعة غير طيبة حول عشيرة سانتوس، واستفادوا من كرمها.
وللمزيد عن هذا الموضوع يمكن مطالعة الكتاب المكتوب بشكل رائع والموثق جيدًا من قبل استيل موشيون، مراسلة وكالة الأنباء الفرنسية وإذاعة فرنسا الدولية السابق في لواندا، والذي نشرته مؤخرًا إصدارات كارتالا بعنوان “شركة دوس سانتوس: السيطرة على أنجولا”.
ونجد في خضم هذا المدعو فينسنت ميكلت، وهو رجل أعمال مُلاحَق اليوم من القضاء في لواندا؛ حيث يشتبه في أن الأخير اختلس حوالي 400 مليون دولار. يقال: إن فينسنت ميكليت التقى بالجنرال مانويل هيلدر فييرا دياس، الشريك السابق الذي انقلب عليه اليوم، بواسطة الصحفي مارك فرانسيليه الذي تحول إلى رجل الأعمال لاحقًا.
وكان مارك فرانسيليس قد فتح اتصالاته الأنغولية مع إيف بوفييه، تاجر الفن السويسري الذي يجر وراءه كمًّا هائلاً من الإحالات والملاحقات القضائية. وبناء على توصية من مارك فرانسيليه، استثمر إيف بوفييه عشرة ملايين يورو في أنجولا في مشاريع تتعلق بالصحة وصناعة الأغذية، وفي المقابل، ربح إيف بوفييه ما يقرب من 250 مليون يورو من الرئيس دوس سانتوس، واستغل اتصالاته بين الوزراء الأنغوليين للترويج لمينائه الحر في سنغافورة.
إن هذه الأمثلة، التي تبدو كأنها قصص خيالية، هي رمز للإدراك الذي لا يزال يصنعه العديد من رجال الأعمال الغربيين في إفريقيا كقارة؛ حيث يُسمح بكل شيء ولا يعرف البحث عن الربح أيّ حواجز.
كيف نحارب الفساد الأجنبي في إفريقيا؟
إن الأحكام المسبقة سيئة بشدة، وتُظهر الحقائق أنه إذا انتشر الفساد في القارة الإفريقية، فإنه غالبًا ما يُنسب إلى الشعوب أو الشركات الغربية التي تعتبر إفريقيا منطقة خارج القانون، والأمثلة في ذلك لا تحصى، ولا سيما خلال الآونة الأخيرة: مثل مجموعة بوربون، أو شركة توتال المتعددة الجنسيات المتورطة في قضايا عديدة المتعلقة بـ”الهدايا على النمط الإفريقي”، ويشير هذا المصطلح، مثل مصطلح دعم القرار، إلى ممارسة تفضيل دفع رشاوى سخية للموظفين العموميين بدلاً من دفع حصتهم العادلة من الضرائب.
هل إفريقيا محكوم عليها بأن تبقى جنة الفساد؟
ومع ذلك، هناك عدد معين من الاتفاقات والاتفاقيات تمنع هذه الظاهرة على غرار اتفاقيات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي أو الاتحاد الإفريقي التي تُذكِّر الشركات والدول بالتزاماتها في مكافحة الفساد؛ لكن هذه اتفاقيات “قانون مرِن” غير ملزمة.
ومن أجل تعزيز الاستجابة لهذه الآفة المزمنة، يُترك الأمر للمجتمع المدني الإفريقي لتناول هذه المواضيع من خلال عرض قضايا الفساد على المحاكم المختصة، كما يتحتّم على الدول الإفريقية اعتماد أحكام قانونية تلزم الشركات متعددة الجنسيات بمكافحة الفساد علمًا بأنَّ التعبئة العامة وحدها هي القادرة على وضع الحدّ لهذه الآفة وتغيير النظرة الغربية لإفريقيا والقارة التي لم يعد يُسمح لها بالقيام بكل شيء مع الإفلات من العقاب.
* محمد منصور، الوزير السابق، ورئيس حزب عموم إفريقيا لغينيا.
رابط المقال: