بقلم/ روجي موسانجي (*)
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
عرفت إفريقيا شخصيات ورؤساء عدة في تاريخها المعاصر ابتداء من فترة ما بعد الاستعمار عبورا بعهد الاستقلال وانتهاء إلى عصر الديمقراطية في عام 1990م ، وتلك شخصيات أثرت في تاريخ إفريقيا من خلال إنجازاتها ومواقفها وتفانيها في خدمة بلادها وإفريقيا عموما، كما ناضلت في تحرير إفريقيا من قبضة الاستعمار.
كما أنه هناك شخصيات كان تأثيرها بشكل سلبي أو مزدوج تجاه القارة الأفريقية وذلك نتيجة لتعاونها مع الاستعمار أو لاستبدادها في إدارة بلادها.
وخلال هذا المقال نسلط الضوء على (8 ) شخصيات تعد الأكثر تأثيرا في التاريخ الحديث لإفريقيا جنوب الصحراء وبالتحديد خلال الخمسين سنة الأخيرة – والشخصيات المعنية ليست حصرا- غير أن اختيارنا وقع عليها وذلك لتأثيرها الكبير في تاريخ إفريقيا والعالم.
1- نيلسون مانديلا:
انضم نيلسون مانديلا إلى حزب “المؤتمر الوطني الإفريقي” (ANC ) وهو في الخامسة والعشرين من العمر وكان حزبا مناوئا للتمييز العنصري ومدافعا عن مصالح السود ذات الأغلبية ضد مصالح الأقلية العنصرية وقد أدى عزمه وحماسته في النضال إلى اعتقاله في عام 1964م وحبسه بالسجن المؤبد وذلك بتهمة الإثارة، وقد نجى بأعجوبة من عقوبة الإعدام غير أنه قضى 27 عاما في السجن.
وخلال فترة حبسه تم خضوعه للأعمال الشاقة في السجن على غرار كسر الصخور والتعرض للشمس والغبار طوال السنين ، الأمر الذي أثر على تدهور صحته ، في وقت كان التمييز العنصري دبَّ حتى إلى السجون، غير أن مانديلا استمر في نضاله محاولا الغوص في أعماق عقلية العنصريين من خلال الاطلاع على تاريخهم ولغتهم ومن ثم محاورتهم.
لكن مُكثه الغير الاعتيادي في السجن أكسبه شهرة عالمية وساهم نضاله إلى اعتبار التمييز العنصري جريمة ضد الإنسانية في الأمم المتحدة في عام 1971م ، ثم أعقبت ذلك ضغوطات محلية ودولية على حكومة جنوب إفريقيا العنصرية إلى إطلاق سراحه في فبراير 1990م فتم رفع الحظر عن حزب ANC من طرف الرئيس فريدريك دي كليرك، ثم انتُخب مانديلا رئيسا لجنوب إفريقيا في عام 1994م بعد فوز كاسح لحزبه في الانتخابات العامة متعددة الأعراق.
وتولى مانديلا قيادة الحكومة الأولى غير العنصرية بائتلاف بين المؤتمر الوطني وحزب زولو نكاتا ودعا إلى التصالح بين أطياف الأعراق؛ لكنه امتنع عن الترشح مرة ثانية بعد نهاية الفترة الرئاسية الأولى التي دامت خمس سنوات مفضلا الابتعاد عن المسرح السياسي 1999م والتركيز على أقاربه ومؤسسته الخيرية.
على أن تلك الجهود والنضال جعلته رمزا يحتذى به في التصالح على مستوى العالم، واعترافا بفضله، توافدت الشخصيات العالمية إلى جنازته في 5 ديسمبر 2013م.
2- باتريس لومومبا
كان رئيس الوزراء السابق للكنغو الديمقراطية ، وهو من الذين تركوا بصمات في تاريخ إفريقيا المعاصر ، حيث كرَّس حياته في النضال لتحرير الشعب الكونغولي من الهيمنة الاستعمارية إلى جانب جهوده المبذولة في بلورة فكرة الوحدة الإفريقية وفي هذا السياق شارك في مؤتمر الوحدة الإفريقية المنعقد في أكرا(غانا)عام 1958م واجتمع بكُوامي انكروما.
ويشار إلى أن ذاك الاجتماع عمق فكرة الوحدة الإفريقية في وجدان الكونغولي ومتن علاقته ببقية القادة الأفارقة من أمثال جمال عبد الناصر و أحمد سيكو توري وكوامي نكروما. وقد سُجل نضال لومومبا لاستقلال كونغو بماء الذهب في صفحات التاريخ الإفريقي المعاصر كما طالت جاذبيته أرجاء بلاده وخارجها لتعم القارة بأكملها، لكن حضوره في كافة الميادين النضالية الهادفة إلى استقلال بلاده جعله عرضة للاعتقالات المتكررة ودخول السجن.
والمبادئ التي تميز بها نضاله لتحقيق الاستقلال اتسمت بالسلمية ونبذ العنف والشجاعة وقوة الإرادة ساعيا وراء تحقيق العدالة الاجتماعية ورافضا حضور المستعمر ونهب ثروات البلدان الإفريقية مشيرا إلى ” أن الحرب التي نتعرض لها من القوى الاستعمارية تحت الذرائع الواهية وبدعوى الحرب على الشيوعية إنما هي تخفي نوايا حقيقية غير معلنة لكون هذه القوى الاستعمارية لا تتعاطف إلا مع عملائها من القادة الأفارقة الذين خانوا شعوبهم، وما حلَّت بربوعنا في إفريقيا إلا لنهب ثرواتنا وذلك بالتآمر مع هؤلاء القادة الفاسدين”.
وتم اغتيال باتريس لو مومبا بأمر من المستعمرين في 17يناير 1971م حيث قتل عن عمر يناهز (53عاما) ، غير أنه يظل راسخا في تاريخ إفريقيا المعاصر وذلك اعترافا لنضاله ومواقفه المشرفة.
3- توماس سنكارا
هو الرئيس الثوري البوركيني الراحل والمناهض للإمبريالية حتى النخاع والمناضل من أجل الوحدة الإفريقية ، وكان أول عمل قام به إثر توليه الحكم هو تغيير اسم الدولة من فولتا العليا إلى بوركينافاسو (وهو اسم مشتق من مزج لغتين هما الأكثر شيوعا في البلاد ويعني: موطن الشرفاء).
وعند توليه الحكم عام 1984م تبنى توماس سنكارا سياسة تهدف إلى تحرير الشعب البو ركيني ، حيث شرعت حكومته في إدخال إصلاحات محورية تمثلت في مكافحة الفساد الإداري وتعزيز الشعور بالانتماء وتحسين المجال التربوي والزراعي وتحسين مكانة المرأة لاجتماعية.
على أن سنكارا كان من رواد حركة عدم الانحياز – الدول التي تبنت موقفا حياديا بين القطبين الأمريكي والروسي- إبان الحرب الباردة، ومن مناهضي الاستعمار وذيوله – لذلك كان يرفض استمرار استخدام بلاده لعملة (فرنس أفرك)- وهو أحد قيادي الثورات الأخيرة التي شهدتها القارة ، مما اعتبره الكثير تشي جيفارا الإفريقي.
كان نضاله لتحرير إفريقيا ومواقفه المناوئة للاستعمار ونهب ثروات القارة يهدد مصالح الاستعمار؛ فتربصت به فرنسا وتآمرت في اغتياله وذلك إبان الانقلاب العسكري الذي تمطى به بليز كومباوري الحكم في 15 أكتوبر 1987م.
4- شيخ أنتا جوب
هو مؤرخ سنغالي وأنثروبولوجي ورجل سياسة وقد كرس جهوده في إثبات إسهامات إفريقيا السمراء في إثراء الثقافة والتراث الإنساني العالمي.
وعلى الرغم من أن جُلّ بحوثه يفتقر إلى أسس علمية قوية – وخاصة فيما يتعلق بمصر القديمة- فقد كان له دور الريادة في إثبات مكانة إفريقيا في التاريخ، وفي هذا السياق ألف كتابا بعنوان “شعوب الزنوج والثقافة” ويعتبر نصا رئيسا فيما يخص عالم السود.
وقد نجح في إعادة اختراع فكرة جذور انتماء تراث الفراعنة إلى الأصول الإفريقية وذلك في وقت احتد فيه صراع الهوية بعد الحرب العالمية الثانية وتلك الجهود جاءت بعد أعمال الجمايكي إدوار وليموت بَليدين ومرقش جارفي.
لكنه يعتبر مُرمِّم الوعي الإفريقي في تاريخ العالم في وقت همش فيه الدور الإفريقي كما شكلت بحوثه نقطة انطلاق لانتعاش الوعي الإفريقي التاريخي، داعيا إلى استمرار مكافحة العنصرية بجميع أنواعها.
5- كوامي نكروما ، رائد فكرة الولايات المتحدة الإفريقية
هو من الشخصيات الإفريقية التي دافعت عن الاستقلال وروجت لفكرة الاتحاد الإفريقي وناضلت كثيرا ضد الاستعمار الإنجليزي حتى استقلال غانا. وقد تولى نكروما قيادة دولته بصفته رئيسا للوزراء في فترة ما بين عامي ( 1957-1960م ) ، ثم بصفته رئيسا للدولة في الفترة (1960-1966م ) ، إلى أن أطيح به إثر انقلاب عسكري.
على أن الرئيس الغاني كان أحد رواد فكرة الوحدة الإفريقية حيث شارك في تنظيم مؤتمر الوحدة الإفريقية عام 1945م وكانت الإجراءات التي اتخذها فور توليه على رئاسة الوزراء تسعى لإسناد إدارة البلاد إلى المواطنين وترويج فكرة الاتحاد الإفريقي ومكافحة الاستعمار.
كما قام بتطوير البنى التحتية لدولته بزيادة إيرادات تجارة كاكاو وقام بتغيير اسم بلاده من (ساحل الذهب) وهو الاسم الذي اختاره المستعمر لها إلى اسمها الحالي (جمهورية غانا) في 6مارس 1957م ، على اسم الدولة التاريخية المعروفة بإمبراطورية غانا.
و طالب باستقلال إفريقيا ، داعيا في الوقت ذاته إلى تكوين هوية واسعة النطاق تحت اسم “الولايات المتحدة الإفريقية “وذلك لتكون القارة قوة عالمية، وفي هذا السياق شارك في 6مارس 1963م وبشكل فعال في تحرير ميثاق منظمة الاتحاد الإفريقي على الرغم من عدم تبني فكرته المتعلقة بتكوين حكومة مركزية على مستوى القارة؛ غير أن الفكرة المعنية لم تزل تطفو على السطح ، على الرغم من التجاوزات الاستبدادية التي مارسها خلال حكمه وأدت إلى الإطاحة به.
6- جوزيف ديزيريه مابوتو
ترك جوزيف مابوتو بصمته على صفحة تاريخ إفريقيا في بداية حكمه حيث جعل لومومبا رمزا وطنيا باعتباره الضحية الأولى لاستقلال اقتصاد بلاده، ثم شرع في تبديل أسماء كبريات شركات المناجم المحلية التابعة لبلجيكا باسم لومومبا في 1966م.
وفي عام 1971م ” 3 Z” أعاد تسمية كل من الدولة والنهر والعملة ب “زائير” رغبة منه في استعادة الهوية الثقافية لبلاده ونفض غبار الاستعمار عن التراث المحلي، وتلك الخطوات السياسية الرامية إلى استعادة الأصالة أعطت انطباعا عن التزامه بالقومية.
لكنه بدأ يخرج عن المسار متدرجا في الانهيار وفي الاستبدادية ابتداء من الثاني من يونيو عام 1966م ، حيث أعطى أوامره لاعتقال 4 من الوزراء السابقين بتهمة التآمر وتوقيف إيفرست كيمبا رئيس الوزراء السابق مما خلق أجواء من القلق لدى المواطنين؛ فبدأت شعبيته تنهار.
وقد أعقب ذلك خطوات سلبية حيث قام بقمع تظاهرات طلابية في 1969م مات فيه الكثير ورُميت بالجثث في قبور جماعية وحبس 12 طالبا في السجن المؤبد ثم أُغلِقت الجامعة الأهلية لمدة سنة كاملة وتجنيد طلابها البالغ عددهم 2000طالبا بدعوى تلاقي الدرس في الخنوع.
ومن هنا أسس نظاما استبداديا من حزب واحد “حركة الثورة الشعبية” ثم رفع نفسه إلى رتبة مشير مستوليا على الرئاسة في نفس الوقت في عام 1982م ومُتبنِياًّ منهج عدم الاكتراث بحقوق الإنسان والديمقراطية مما جعله عرضة لضغوط الشعبية اشتدت حدتها بعد سقوط جدار برلين عام 1990م؛ فاضطر إلى تنظيم مؤتمر الشعب المستقل. ومن ثم وجد نفسه بين مطرقة مرض السرطان وسندان ضغوط معارضيه ، لتتم الإطاحة به في النهاية من قبل لوران ديزيريه كابلا.
لكن الاعتقاد السائد حياله على مستوى القارة هو أن مبوتو لم يكن عنصرا إيجابيا لصالح إفريقيا نتيجة استبداده وقمعه لشعبه وتواطؤه مع المستعمرين للقضاء على لو مومبا المشهود له بالقومية الحقة وطيلة حكمه كان يتآمر –باستمرار-مع القوى الغربية لدحر الحركات الاستقلالية المناوئة للاستعمار على مستوى القارة وخاصة أنجولا.
7- روبرت موجباي
ناضل الرئيس موجباي لاستقلال بلاده زمبابوي -كان اسمها رو ديسي خلال فترة الاستعما- التي كانت تحت وطأة النظام العنصري خلال فترة حكم إيان سميث ، وخلال السنين التي قضاها في المنفى في غانا تأثر بفكرة الوحدة الإفريقية لكوامي نكروما مما ساهم في استقلال زمبابوي.
وقد تمكن من طرد البريطانيين بالسلاح وعميلهم الدكتاتوري .
ويشار إلى أنه لعب دورا كبيرا في استقلال منطقة إفريقيا الجنوبية وبلورة فكرة النضال فيها –ومع الأسف- طفق نظامه ينحرف إلى تجاوزات استبدادية وانتهاك حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة.
8- لوبولد سيدار سنغور
هو شاعر موهوب وكاتب متميز ورجل سياسة وأول رئيس لجمهورية السنغال ومعزز مفهوم “الزنجية” الذي أسسه إيمي سيزار، وقد بلور فكرة تطوير الحركة الزنجية. ويعتبر سنغور أحد المتحمسين لفيدرالية الدول الإفريقية حديثة الاستقلال.
جدير بالذكر أن سنغور ألف النشيد الوطني السنغالي (الأسد الأحمر) وحكم البلاد بمفهومه للديمقراطية الذي اكتسبه من فرنسا من خلال توليه مناصب وزارية فيها قبل عودته إلى البلاد، و كان يأمل أن تحقق القارة” الاستقلال الثقافي والاقتصادي عن الاستعمار” لكون ثروات القارة تتعرض للنهب الإمبريالي، لكن لوبولد سنغور كان يجسد التناقض؛ فبينما يعتبره الموالون له نموذجا للشراكة بين فرنسا ومستعمراتها القديمة ذهب المناوئون إلى اعتباره من أذناب فرنسا وعملاء الاستعمار.
(*) هذا المقال جزء من مادة منشورة في موقع (oeil dafrique ) ، يمكن الاطلاع على المقال الأصلي من هنا