د. كمال محمد جاه الله(*)
تحاول هذه الورقة المدخلية رصد الحراك التنصيري في الأقاليم الإفريقية المختلفة, عبر رصد حركة التنصير في كلّ إقليم على حدة، لمعرفة الوسائل التي يستخدمها، والفئات التي يستهدفها، والمجالات التي يركّز فيها نشاطه.. إلخ.
ولكي تحقق هذه الورقة ما تهدف إليه؛ فإنها ستتناول المحاور الآتية:
حول مفهوم الحراك التنصيري.
إفريقيا والحراك التنصيري.
الحراك التنصيري في الأقاليم الإفريقية.
حول مفهوم الحراك التنصيري:
إن مفهوم «الحراك التنصيريChristian mobility » الذي يتصدّر عنوان هذه الورقة يتكوّن من كلمتين، أولاهما «الحراك mobility»، وهو من المصطلحات التي شاع استخدامها في مختلف العلوم، لا سيما الاجتماعي منها، وبقراءة فاحصة في عدد من المعاجم المتخصصة؛ نجد أن هذا المصطلح يعبّر عن حالة الحركة، ويُشار في بعض المعاجم إلى أنه مصطلح بيولوجي يدل على المقدرة على الحركة بانفعال ونشاط.
ولا يكتفي قاموس علم الاجتماع بالإشارة إلى هذا المصطلح (الحراك) وربطه بالدلالة على الحركة أو المقدرة على التحرك، وإنما يذهب إلى أن الاهتمامات العلمية بمسألة الحراك قد تجاوزت وصفه، إلى محاولة قياسه وحساب النتائج المترتبة عليه(1)، ومن جهة أخرى فإن هذا المصطلح لا تفهم أبعاده دون ربطه بمستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لأي مجتمع من المجتمعات(2).
أما الكلمة الثانية في مفهوم الحراك التنصيري فهي «التنصيري»، وواضح أنها كلمة منسوبة إلى التنصير، والتنصير في أبسط صورة هو حركة ظهرت إثر الحروب الصليبية، بغية نشر النصرانية بين الأمم المختلفة، خصوصاً بين المسلمين من أجل القضاء على الإسلام(3).
والنصرانية المشار إليها في هذا التعريف، في نظرنا نحن المسلمين، هي الدين الذي انحرف عن الرسالة التي أُنزلت على عيسى عليه السلام، مكمّلة لرسالة موسى عليه السلام، ومتمّمة لما جاء في التوراة(4).
وعلى ذلك، وإجرائياً، فإنني أعني بـ «الحراك التنصيري» الهمّة التي تدفع المنصّرين لتحقيق أهدافهم وأحلامهم، والحركة المستمرة لتذليل العقبات التي تقف أمامهم والصبر عليها, كما أعني به القدرة والمهارة على الاستعانة بالوسائل التي يتيحها عصر العولمة وتقنية المعلومات، بالإضافة إلى الجهود والمجهودات الجبارة التي يبذلونها، وانتهازهم للسوانح المختلفة للقيام بأعمالهم في مجال التنصير، وكلّ ذلك منطلقه معرفة دقيقة بإحداثيات تاريخية، وجغرافية، وديموغرافية.. إلخ عن المجتمع الذي يجري تنصيره.
إفريقيا والحراك التنصيري:
لم تعد قارة إفريقيا كما كانت في نظرة قدامى الأوروبيين، المستعمرين منهم والمنصّرين، مجرد منطقة يتحتم تأمينها بغية الوصول إلى خيرات جنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية، كما تحدّثنا كتب الجغرافيا, فقد أصبحت إفريقيا هدفاً في حدّ ذاته، بعد أن اتضح أنها قارة واعدة بالموارد الطبيعية والبشرية المختلفة، خصوصاً بعد أن أخذ الإسلام, ومعه الثقافة الإسلامية واللغة العربية، في القرون الأخيرة، ينتشر في الأقاليم المختلفة لقارة إفريقيا ويتبوأ مكانة متميزة.
إن عملية تحويل إفريقيا المسلمة إلى قارة مسيحية حلم قديم تقوده البابوية، وتدعمه الدول المسيحية ومجلس الكنائس العالمي، وكلّ الجهات المعادية القوية التي تعمل ضد الإسلام وعقيدته ودعوته في هذا العصر، منذ عهد الحروب الصليبية. ويستمد هذا المخطط قوته من الإمكانات الضخمة التي تُسخّر له, ومن الدعم المادي الكبير الذي يُقدّم له سنوياً لدعم أنشطته وإرسالياته في مختلف دول العالم، خصوصاً في المناطق الإسلامية الفقيرة التي تعاني مختلف الكوارث الطبيعية والبشرية، لغزوها بالمنصّرين بما في أيديهم من غذاء ودواء وكساء مقابل التنصّر واعتناق النصرانية(5).
إن عملية تنصير إفريقيا بكل أقاليمها شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً, تتم بتنسيق كامل بين الفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي وغيرهما من الهيئات التنصيرية من أجل تحقيق ذلك الحلم القديم، ولأجله قام البابا بولس الثاني بثلاث زيارات خلال خمس سنوات، زار فيها إفريقيا شرقاً وغرباً(6)، وقد حدّد البابا عام 2000م موعداً لتحقيق هدفه، وهو تحويل القارة الإفريقية إلى قارة مسيحية، وذلك نظراً لما يتمتع به القادة المسيحيون من سيطرة على شتى نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والتعليمية في عدد من دول القارة الإفريقية، وقد أعلن البابا هذا الهدف صراحة لدى استقباله وفداً من أساقفة إفريقيا، قائلاً: ستكون لكم كنيسة إفريقية منكم وإليكم، وآن الأوان لإفريقيا أن تنهض وتقوم بمهمتها الربّانية، وعليكم أيها الأساقفة تقع مسؤولية عظيمة، ألا وهي تنصير إفريقيا(7)!
وإذا كان حلم تنصير قارة إفريقيا كافة لم يتحقق في عام 2000م؛ فإن همّة المنصّرين لم تفتر، وحركتهم لم تتوقف، والزيارات البابوية إلى إفريقيا لم تنقطع، ولعل الزيارة الأخيرة التي قام بها بابا الفاتيكان الجديد بندكتوس السادس عشر Benedictus PP. XVI إلى قارة إفريقيا (إلى الكاميرون وأنغولا على وجه التحديد)، في الفترة من 17 – 23 مارس / 2009م، تكتسب قيمة وأهمية في مضمار الحراك التنصيري في القارة، انطلاقاً من الموضوعات التي ناقشها البابا في لقاءاته، وطبيعة الفعاليات التي تيسر له الاجتماع بها، كما سنشير لاحقاً.
لقد صرّح بابا الفاتيكان بجملة تصاريح تتدثر بثوب الدين والسياسة، وتلبس ثوب الشفقة والرحمة، كان مما قاله أمام الحشود التي هبّت إلى استقباله في ياوندي بالكاميرون: «أنطلق إلى إفريقيا مع علمي بأنني لا أمتلك شيئاً آخر لأقدّمه لمن ألتقي بهم، إلا المسيح والبشرى السارة في صليبه، وسرّ الحب الأسمى، الحبّ الإلهي الذي ينتصر على كل مقاومة بشرية، ويجعل الغفران وحب الأعداء أمراً ممكناً», وقوله في لواندا بأنغولا في 23 مارس / 2009م: «لا يمكن لقلبنا أن يعرف هوادة ما دام هناك إخوة يتألمون لأجل نقص الغذاء أو العمل أو المسكن، أو ما سوى ذلك من الخيور الأساسية»(8).
يتضح لنا من ذلك أن البابوية كانت – وما تزال – تولي قارة إفريقيا اهتماماً خاصاً، ويزداد هذا الأمر وضوحاً بتتابع الاجتماعات الكنسية للأساقفة (أو ما يُسمّى بالسينودس Synod(9)) التي عقدتها البابوية لتحقيق حلمها في تنصير قارة إفريقيا بجميع أقاليمها.
ولعلّ آخر هذه الاجتماعات الكنسية للأساقفة (السينودس)، الخاصة بإفريقيا، ذلك السينودس الذي عُقد في الفترة من 4 – 25 أكتوبر / 2009م تحت شعار «الكنيسة في إفريقيا في خدمة المصالحة والعدالة والسلام»، وذلك على أساس أن هناك عدداً من المشكلات المتداخلة التي تعانيها القارة الإفريقية، تتعلق بالحروب، والإرهاب، والاستغلال، والانقسام، ونقص الحوار، وعدم التسامح، والظلم، وأوضاع الفقر(10).
وقد حُدّد ضمن مسوّدة الرسالة الختامية للسينودس، المشار إليه، «أن الكنيسة لا يُعلى عليها في مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، والعناية بالمصابين في إفريقيا, وأن إفريقيا تتقدم والكنيسة تتقدم معها, مقدِّمة لها نور الإنجيل, قد تكون المياه مضطربة، لكننا قادرون على الوصول إلى ميناء المصالحة والعدالة والسلام من خلال النظر إلى المسيح الرب»؛ كما ورد في قائمة المقترحات النهائية لذلك السينودس، نقاط مهمة ذات صلة بالحراك التنصيري، يأتي ضمنها «أن السينودس يشجّع كافة المؤسسات والحركات الكنسية العاملة في مجال الصحة، وبخاصة مرض الإيدز، ويطلب من الوكالات الدولية الاعتراف بها ومساعدتها في مهمتها»(11).
وقبل أن نقسم قارة إفريقيا إلى أربعة أقاليم، شمالي وجنوبي وشرقي وغربي، لتوضيح عملية الحراك التنصيري، في كل إقليم على حدة، رأينا أن نسبق ذلك التقسيم باستعراض جدول يبيّن عدد النصارى في كل إقليم، ونسبتهم مقارنة بالسكان، ومقارنة بعدد النصارى عالمياً.
وفي البدء؛ لا بدّ من القول إن ما سنستعرضه من أرقام ونسب – هنا – مأخوذة عن موسوعة وكيبيديا Wikipedia، وهي موسوعة غير مُجمَع على دقة المعلومات التي توردها وقيمتها، ولكن تكتسب معلوماتها قيمة في غياب المعلومات في غيرها, على كلٍّ فإننا يمكننا أن نأخذ تلك النسب والأرقام على سبيل المؤشرات لا غير.
تقدّم موسوعة وكيبيديا إحصاءات مهمة جديرة بالنظر والتأمل عن النصارى في إفريقيا، بعد أن قسمت القارة إلى خمس مناطق رئيسة، وذلك على النحو الآتي:
المنطقة |
السكان |
المسيحيون |
نسبة المسيحيين |
من نسبة المسيحيين عالمياً |
شمال إفريقيا |
161.963.837 |
10.358.490 |
6.4% |
0.48% |
شرق إفريقيا |
225.488.566 |
105.851.560 |
46.94% |
4.87% |
غرب إفريقيا |
263.935.590 |
85.383.474 |
31.63% |
3.93% |
الجنوب الإفريقي |
137.092.019 |
80.278.746 |
58.56% |
3.7% |
وسط إفريقيا |
91.561.875 |
55.668.811 |
60.8% |
2.56% |
المجموع |
886.041.887 |
337.541.081 |
38.1% |
5.25% (12) |
إن القراءة الأولية للجدول أعلاه تعكس لنا الحقائق الآتية:
أولاً: أن نسبة المسيحيين في إفريقيا من جملة عدد سكان القارة هي 38.1%، و 5.25% من جملة المسيحيين عالمياً, والنسبة الأولى تدل على أن المنصّرين أفلحوا في أن ينصّروا أكثر من ثلث سكان القارة (ويأتي ضمنهم قدماء النصارى في مصر وإثيوبيا وغيرهما).
ثانياً: أن أكبر عدد للمسيحيين يوجد في إقليم شرق إفريقيا، يليه إقليم غرب إفريقيا، على الرغم من أن نسبتهم مقارنة بالسكان لكل إقليم تُعد أقل من إقليمي وسط إفريقيا والجنوب الإفريقي؛ اللذين يمثّلان أعلى نسبة للمسيحيين في إفريقيا مقارنة بعدد السكان لكل إقليم (60.8%، و 58.56% على التوالي)، وذلك أن إقليمي غرب إفريقيا وشرق إفريقيا يتفوقان على إقليمي وسط إفريقيا والجنوب الإفريقي من حيث عدد السكان، وتفوّق إقليمي شرق إفريقيا وغرب إفريقيا من حيث عدد المسيحيين ربما يرجع إلى قدم حضور المسيحية وكثرة السكان في الإقليم الأول، وكثرة السكان وكثافة نشاط المنصّرين في الإقليم الثاني.
ثالثاً: أن إقليم شمال إفريقيا يضم أقلّ المسيحيين عدداً ونسبة ضمن أقاليم قارة إفريقيا المختلفة، ويرجع هذا الأمر إلى عمليتي الأسلمة والتعريب اللتين انتظمتا، سلمياً، دول هذا الإقليم منذ وقت مبكر.
رابعاً: أن إقليم الجنوب الإفريقي يلي إقليمي شرق إفريقيا وغرب إفريقيا من حيث عدد المسيحيين؛ إذ يحرز المرتبة الثانية بعد إقليم وسط إفريقيا من حيث نسبة المسيحيين مقارنة بعدد السكان، وذلك أن إقليم الجنوب الإفريقي، كما سنعرف لاحقاً، لم تحظ دوله بانتشار الإسلام مثل بقية أجزاء القارة, كما أنه يُعَد من معاقل المسيحية بالقارة.
مهما يكن من أمر، وتسهيلاً لتتبع الحراك التنصيري نقسم القارة إلى أربعة أقاليم، ونتتبعه بشيء من التفاصيل في كل إقليم.
الحراك التنصيري في الأقاليم الإفريقية:
أولاً: الحراك التنصيري في إقليم شمال إفريقيا:
يكمن أهمية الموقع الجيوسياسي لإقليم شمال إفريقيا في كونه يجاور الأقطار الجنوبية لقارة أوروبا، ولا سيما غربها الذي يتصل بها عبر مضيق جبل طارق وشبه جزيرة إيبيريا، والذي يضم أقطاراً ذات أهمية في مجال نشر المسيحية في إفريقيا عبر القرون والعقود الماضية، مثل إسبانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا والبرتغال، كما تكمن أهمية هذا الموقع أيضاً في مجاورته لغرب إفريقيا ووسطها، وهما منطقتان تنتشر فيهما المسيحية بصورة واسعة، وقد هيأ هذا الموقع أن يكون هذا الإقليم تحت المرمى المباشر لحراك المنصّرين، وقد خلصنا في بحث سابق في هذا المجال إلى أن هذا الإقليم بأقطاره المختلفة يشهد حركة تنصير مختلفة في الدرجة والمقدار، تصل أعلى معدّلاتها في المغرب ومصر وتونس، وتصل أدنى معدلاتها في الجماهيرية الليبية العظمى(13).
ومما يدل على أن هذا الإقليم يشهد حراكاً تنصيرياً واسعاً؛ أنه خُصّ برصد مبالغ مالية مهمة تعكس الإصرار على جعل هذا الإقليم من المناطق النصرانية المتميزة.
ويأتي ضمن ذلك:
أولاً: رصدُ مبلغ مليار دولار من مجلس الكنائس العالمي (مقرّه الولايات المتحدة) لدعم التنصير بمصر، لإخفاقه في عمليات التنصير التي خطط لها منذ سنوات طويلة، وكذلك لمحاربة الأزهر الشريف الذي يعدّه العائق الأساس أمام عملية التنصير بالعالم الإسلامي(14).
ثانياً: رصد أكثر من 50 مليون دولار من الفاتيكان، كمرحلة أولى، لاختراق الأراضي التونسية(15).
ثالثاً: رصد مبلغ 4.000 يورو، إضافة إلى إغراءات بالهجرة إلى الخارج لتحصيل العلم والظفر بمنصب عمل محترم، عبارة عن هبة تُمنح لأي معتنق جديد للنصرانية في الجزائر(16).
وبجانب رصد المبالغ المالية يسعى المنصّرون في إقليم شمال إفريقيا، الذي يعد أقل أقاليم إفريقيا من حيث عدد المسيحيين – كما أشرنا – إلى استخدام وسائل جديدة غير تقليدية مستنبطة من عصر العولمة وتقنية المعلومات في جميع أقطار الإقليم دونما استثناء، من إنترنت وقنوات فضائية وإذاعات، وغير ذلك، بل توظيف بعض الأغاني التراثية وتحويلها إلى أغان تدعو للتحوّل إلى النصرانية، كما في حالة تحوير أغنية تراثية مغربية ذات مسحة صوفية إلى أغنية ترغّب في المسيحية.
وعبر هذه الوسائل وتلك الأساليب يتم استغلال شرائح في الإقليم يسود فيها الفقر والجهل والمرض، كما يحدث في مصر، حيث رصدت بعض التقارير أن القائمين على عملية التنصير يستغلون حالة الفقر في مصر لإغراء الفقراء الذين لديهم استجابة في دخول النصرانية في الإنفاق عليهم(17). وكما يحدث في المغرب، حيث تُوجه إلى مواطني المغرب الأصليين حملات تنصيرية قوية، تستغل الفقر وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الذي يعيش فيها بعض شرائحهم، مما ترتب عليه انسلاخ عدد غير محدد منهم عن دين الإسلام(18).
إن الحراك التنصيري في إقليم شمال إفريقيا تقف من ورائه واجهات ذات طبيعة خدمية إنسانية من مؤسسات وجمعيات غربية أو محلية منتشرة في جميع أقطاره، وتنشط في فترات الكوارث في الإقليم، وهي واجهات محددة الاستراتيجيات ومتعددّة البرامج لتحقيق أهدافها التنصيرية، فمصر التي يقع عليها العبء الكبير من الحراك التنصيري، لما لها من دور في العالمين الإسلامي والعربيّ، خصوصاً في مجال التعليم الديني، وربما لما تمثله من رمزية إسلامية وحضارية وتاريخية, تحظى بعدد كبير من الجمعيات التنصيرية، لعل أهمها:
1 – شبكة قمح مصر.
2 – جمعية أرض الكتاب المقدس (تنشط في الريف المصريّ).
3 – الجمعية الإنجيلية للخدمات الإنسانية (تعمل في إقامة مشروعات صغيرة لفقراء المسلمين عن طريق القروض الميّسرة).
4 – مؤسسة دير مريم (تقدّم خدمات الهجرة والسفر للمتنصّرين).
5 – مؤسسة بيلان (تدير شبكة مراسلة وتعارف بين الشباب في مصر والبلاد الأوروبية).
6 – مؤسسة حماية البيئة (تعمل بمنشأة ناصر أحد أفقر أحياء القاهرة).
7 – جمعية (الكورسات) بالإسكندرية (جمعية إنجيلية تقوم برعاية أطفال الشوارع)(19).
ولعل أخطر ما يقوم به المنصّرون في هذا الإقليم استغلال بعض الإحداثيات التاريخية، فبالإضافة إلى تركيزهم في فئة الشباب وطلاب الجامعات, وإغرائهم بالمال والجنس والسفر إلى الخارج للعمل، لكون هذه الفئة أكثر تسرعاً وحماسة للمغامرة، والتضييق على حركة الإسلام والإسلام السياسي والدعوة الإسلامية ومنظمات العمل الخيري الإسلامية، تارة بوصمها بالإرهاب، وتارة بوصفها بالأصولية؛ يقوم المنصّرون باستغلال بعض الإحداثيات التاريخية لخلق بؤر صراع في الإقليم، مثل إحداث فتنة بين البربر والعرب في الجزائر بناء على فكرة أن العرب دخلاء، ومثل المسألة القبطية في مصر، على فرضية أن المسيحيين هم أهل البلاد الأصليين, وهذا كله يشي بأن القائمين على حركة التنصير لديهم المعرفة الكافية بإقليم شمال إفريقيا تاريخياً وجغرافياً وبشرياً ودينياً.
الحق؛ أن عملية التنصير في أقطار شمال إفريقيا لم تستطع تحقيق أهدافها على الرغم من ضراوتها إلا في عدد غير مهم (وغير محدد بصورة قاطعة) من مواطني تلك الأقطار، لكن هذا لا يمنع قيام هذه الحركة باختراق النسيج الاجتماعي والعقدي لسكان شمال إفريقيا.
هناك محاولات لإيقاف هذه العملية قامت بها عدد من السلطات في شمال إفريقيا (مثل المغرب التي تنبّهت إلى هذا الأمر، وتمّت مناقشته على مستوى البرلمان) انطلاقاً من كونها تمس الأمن القومي، وتهتك النسيج الاجتماعي, وفي المقابل نجد بعض السلطات تحاربها بوصفها حالة ظرفية لا أكثر ولا أقل!
ثانياً: الحراك التنصيري في إقليم شرق إفريقيا:
لإقليم شرق إفريقيا أهمية ذات أبعاد خاصة، لها دور مباشر في عملية اجتذاب أنظار حركة التنصير العالمية إليه، فهذا الإقليم:
أولاً: يشتمل على عدد من الأقطار ذات الوزن الديني المقدّر على مستوى إفريقيا والشرق الأوسط، وربما العالمي، فإثيوبيا مثلاً تُعَد أقدم الدول التي دخلتها اليهودية والنصرانية والإسلام في إفريقيا, كما أنها أكبر الدول النصرانية التي ينتشر فيها المذهب الأرثوذكسي في إفريقيا. أما كينيا التي تُعَد من الدول المهمة والمحورية لقيادة حركة التنصير في إفريقيا وجنوب غرب آسيا، فتُعد من أكبر الدول الإفريقية التي ينتشر فيها المذهب البروتستانتي.
ثانياً: دول شرق إفريقيا مطلة ومشرفة على أهم الممرات المائية العالمية؛ حيث تتمتع تنزانيا وكينيا والصومال بسواحل ممتدة على المحيط الهندي, كما تتمتع جيبوتي وإرتيريا بموقع متميز على البحر الأحمر وباب المندب.
ثالثاً: ترتبط دول هذا الإقليم بعدد من الدول الغربية الكبرى، المؤثرة في إطار علاقات دينية وسياسية، فالحضور الأمريكي ظل مرتبطاً بأبعاده البروتستانتية والسياسية في كينيا، وجنوب إثيوبيا وتنزانيا, والحضور الفرنسي مرتبط بالكاثوليك والوضع السياسي والاقتصادي في جيبوتي, والحضور الإيطالي مرتبط بالكاثوليكيين الذين يشكّلون أقليات مقدّرة في كل دول شرق إفريقيا، وبخاصة إريتريا وجيبوتي وكينيا, أما الوجود البريطاني فقد ظل حاضراً في إثيوبيا وإريتريا والصومال وكينيا وتنزانيا.. إلخ(20).
وبعد أهمية الموقع المتميز لإقليم شرق إفريقيا؛ استفادت حركة التنصـير أيضاً من جملة السياسات المهمة التي اتخذتها دول مفتاحية في هذا الإقليم مثل كينيا وإثيوبيا, وقد كان لهذه السياسات التي ترتكز على إلزامية تسجيل الجمعيات والمنظمات، وربط الموافقة بمنح تراخيص المؤسسات الإعلامية بموافقة وزارات حكومية؛ الأثر الكبير في تكبيل الجمعيات والمنظمات الإسلامية، وفي فتح الباب على مصراعيه للمنظمات والجمعيات الكنسية.
وإذا اتخذنا إثيوبيا نموذجاً في هذا المضمار؛ فإن السلطات في هذه الدولة تشترط تسجيل الجمعيات الإسلامية، وتوجب التجديد لها كل ثلاث سنوات، بل نجد أن هذه السلطات تعيّن شخصيات ضعيفة في إدارة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية (الذي أُنشئ في عام 1998م), مما جعل هذا المجلس ضعيفاً، لا يقدّم للمسلمين والإسلام والتعليم الإسلامي ما يتناسب مع عددهم، ومع دورهم التاريخي والحضاري.
أما كينيا، وهي دولة محورية في الإقليم، تسيطر عليها حكومة مسيحية، فقد فرضت وألزمت كل المنظمات على القيام بالتسجيل لدى مسجّل المنظمات.
وقد خدمت هذه السياسة عملية التنصير في اتجاهين:
أولاً: فتحت الباب واسعاً للمنظمات والجمعيات المسيحية؛ لأنها تمثّل دين الدولة, خصوصاً المذهب البروتستانتي.
ثانياً: وضعت العقبات والعراقيل أمام تسجيل المنظمات والجمعيات الإسـلامية، ومن ثمّ وصمتها بعدم شرعيتها وخطر عملها(21).
هذا، ومن ضمن السياسات التي اتخذتها حكومة كينيا، والتي استفادت منها حركة التنصير، موافقة وزارة المعلومات والاتصالات الإقليمية على منح تراخيص البث الإذاعي والتلفزيوني لعدد من الجمعيات المسيحية والإسلامية، وعلى إثر ذلك قامت الكنيسة الكاثوليكية بعمل إذاعة، وأغلب الظن أن الإمكانات المادية وقفت حجرة عثرة أمام الجمعيات والمنظمات الإسلامية من الاستفادة من هذه السياسة.
إن المطّلع على أهم وسائل التنصير في إقليم شرق إفريقيا ليقف على وسيلتين مهمتين، هما:
1 – التنصير عن طريق التعليم.
2 – التنصير عن طريق الصحة والعلاج.
ففي هذا الإقليم تسيطر الكنيسة على مؤسسات التعليم المختلفة في غالبية الأقطار, كما وجدت المنظمات العالمية المختلفة بغيتها في استغلال أوضاع الإقليم، وما يتعرض له من كوارث طبيعية وبشرية.
إن التعليم في دولة مثل كينيا، وهي دولة تتميز بوجود أميّة عالية، كما تشير بعض المصادر، تسيطر عليه مؤسساتها الكنسية، مشيرة إلى أن 95% من البرامج التعليمية تقوم بها الكنيسة، فلا غرو أن نقرأ أن الكنيسة معنية ببناء المدارس, وتنحاز في بنائها بالمناطق ذات التمركز المسيحي, كما أن الكنيسة في كينيا مهمومة بدراسة اللغات المحلية لترجمة الإنجيل إليها.
ومن جانب آخر؛ نجد أن المنظمات العالمية تنشط في هذا الإقليم متخذة من القضايا والمشكلات التي يمر بها ذريعة للتدخل وممارسة عملية التنصير, ولا عجب بعد ذلك أن يكون هناك حضور كبير لمنظمات عالمية، مثل: الصليب الأحمر الدولي، وأطباء بلاد حدود، والرؤية العالمية.. إلخ، وكلها تقوم بالتبشير عبر تقديم خدمة الصحة والعلاج، وعبر بناء المستوصفات والوحدات العلاجية ودور كفالة الأيتام.
مهما يكن من أمر؛ فإن الحراك التنصيري يبلغ مداه في هذا الإقليم في دولتين هما إثيوبيا وكينيا، أما الأولى فلأنها أكبر الدول المسيحية، إفريقياً، في مجال المذهب الأرثوذكسي، بالإضافة إلى رمزيتها الدينية بصفتها أول دولة إفريقية تدخلها الديانات السماوية الثلاث، علاوة على كثرة سكانها وتنوعها الإثني. وأما كينيا فلأنها من الدول المحورية في هذا الإقليم, ولموقعها الاستراتيجي، إضافة إلى أنها أكبر الدول الإفريقية من حيث المذهب البروتستانتي.
ثالثاً: الحراك التنصيري في غرب إفريقيا:
يتميز إقليم غرب إفريقيا الذي يضم عدداً كبيراً من الأقطار بمميزات مهمة، يأتي ضمنها أن هذا الإقليم من مناطق قارة إفريقيا التي ظلت بمنأى عن المسيحية القديمة، غير الأوروبية المصدر, كما أن بعض مناطقه شهدت قيام مراكز إسلامية تاريخية كان لها الأثر الكبير ماضياً وحاضراً ومستقبلاً, هذا بالإضافة إلى أن هذا الإقليم يكثر فيه أتباع الديانات التقليدية.
يرى د. قيصر موسى الزين، الذي قدّم دراسة عن حركة التنصير في غرب إفريقيا، أن هناك تداخلاً بين المتغيرات من جغرافية وسكانية وتاريخية وسياسية واجتماعية وثقافية مع ظاهرة التنصير وتغلغل نشاط الكنيسة والمؤسسات ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة بها، وتأثير ذلك في مجتمعات غرب إفريقيا.
وأشار ضمن ذلك إلى أن خريطة التنصير وتأثيراته الاجتماعية والثقافية تزداد عادة باتجاه الجنوب الجغرافي في الإقليم، وذلك بسبب ضعف وجود التأثيرات الإسلامية ذات الجذور التاريخية التي تغلغلت في شمال الإقليم بحكم المجاورة للعالم الإسلامي القديم – قبل العصر الحديث –، خصوصاً من المغرب العربي(22)، وذلك أن دولاً مثل الكاميرون وغامبيا ومالي والنيجر ذات أغلبية مسلمة يضعف فيها التبشير المسيحي كثيراً؛ مقارنة مع دول أخرى في الإقليم مثل بنين وبوركينافاسو وغانا.
يتركّز الحراك التنصيري في هذا الإقليم بصورة أساسية في مضمار التعليم، خصوصاً في بنين، حيث يمثل التعليم أداة مهمة، وقد ساهمت الكنيسة الكاثوليكية في تأسيس مجتمع النخبة في البلاد, خصوصاً في توغو التي اعتمدت الكنيسة فيها على إنشاء المدارس، ووفقاً لكثير من المصادر؛ فإن النصيب الأكبر في هذا المجال للكاثوليك, وقد بلغ عدد المدارس الكاثوليكية في توغو عام 1976م 236 مدرسة ابتدائية، و 29 مدرسة ثانوية(23), ومن المتوقع أن يكون هذا العدد قد زاد زيادات واضحة في السنوات الأخيرة.
ولعل من أهم ما تقوم به الكنيسة وأخطره في إقليم غرب إفريقيا، والتي كسبت بمرور الزمن تقاليد راسخة في العمل التنصيري، أنها في الآونة الأخيرة دعت إلى مراجعة تلك التقاليد وتطويرها، خصوصاً بعد عام 2008م، وذلك طمعاً في اتّباع أساليب إبداعية جديدة تستلهم روح عصر العولمة وعصر المعلومات والإنترنت وغير ذلك لنشر المسيحية, وقد تبع ذلك، بل لازمه، إعلان حاجة الكنيسة القوية إلى منصّرين وقساوسة من ثقافات إفريقية، وذلك للمساعدة في توصيل المسيحية وكأنها جزء من الثقافة الإفريقية المحلية، وليس بوصفها ديناً قادماً من خارج القارة!
ولعل أهم ما طُرح في هذا المجال من مراجعات للتقاليد القديمة ما يمكن أن نسميه خطة جديدة لتنشيط حركة التنصير في الإقليم، وضخ دماء جديدة فيها.
ويمكن استعراض أهم ما طُرح في الآتي:
أولاً: إطلاق إذاعة تنصيرية جديدة قوية: ونعني به راديو حول العالم، الذي بدأ البث الفعلي من مركز بث قوي جديد يقع في جمهورية بنين، وذلك ابتداء من الأول من فبراير / 2008م، وهذه الإذاعة تُبث بأربعين لغة، وتصل إلى 63 مليون مستمع في إقليم غرب إفريقيا.
ثانياً: إعداد حملة تنصيرية مبتكرة: في شكل رحلة، في أكتوبر / 2010م، من مراكز في المغرب إلى كازابلانكا، إلى داكار في السنغال، وبانجول في غامبيا، وفري تاون في سيراليون، وغانا وغيرها من أقطار غرب إفريقيا, وقد تم استقطاب الدعم لإعداد البرنامج.
ثالثاً: الدعاية السوداء: تروّج بعض المواقع الإلكترونية التابعة للكنيسة أخباراً عن سوء معاملة القساوسة المسيحيين في غرب إفريقيا، إما بواسطة المسلمين، على المستوى الشعبي، أو بواسطة بعض الدول التي تضع قيوداًَ على نشاط الكنيسة لأسباب سياسية.
رابعاً: التغلغل الإسرائيلي في التنصير: هناك منظمة عاملة في غرب إفريقيا تنشط في الاهتمام بالدراسات اليهودية المسيحية، تسمّي نفسها «مسيحيون من أجل إسرائيل العالمية»(24).
خامساً: المؤتمرات: من بين أهم المؤتمرات التي عُقدت في العام 2008م بغرب إفريقيا «مؤتمر منظمة حركة لوساني للقادة الشباب»، وقد عُقد في أبوجا بنيجيريا، ومن أهم المحاور التي ناقشها المؤتمر: الأيتام والأطفال في أوضاع هشة، والصلاة من أجل نجاح التنصير في الإقليم (غرب إفريقيا)، والذين لم يتم الوصول إليهم لتحقيق خلاصهم(25).
وتبقى زيارة البابا بندكتوس السادس عشر إلى الكاميرون في مارس / 2009م من الزيارات المهمة التي تدفع حركة التنصير، ليس في الكاميرون وحدها، لكن في إفريقيا عموماً، وفي إقليم غرب إفريقيا على وجه الخصوص، وذلك أن البابا قابل فعاليات كثيرة، وتطرّق إلى موضوعات مهمة، وأظهر فيها انحيازاً واضحاً لمختلف القضايا الملحّة على ساحة قارة إفريقيا.
والذي يرصد تلك الزيارة لبابا الفاتيكان يعلم تمام العلم أن هذا الرجل استخدم في لقاءاته خطاباً دينياً مؤثراً وعاطفياً، حاول من خلاله امتلاك قلوب سامعيه عبر الإشارة المباشرة إلى ما تعانيه قارة إفريقيا التي ينتشر فيها، بحسب قوله، ضحايا المجاعات، والأمراض، والظلم، والصراعات الدموية بين الإخوة، وكل أشكال العنف التي ما زالت، وللأسف، تصيب الراشدين والأطفال، دون أن تستثني المرسلين، والكهنة والرهبان والراهبات والمتطوعين(26).
والراصد لتلك الزيارة التي استمرت عدة أيام يدرك خطورة الموضوعات التي تطرّق لها بابا الفاتيكان, ويأتي في جملتها، قضايا: المساواة بين المرأة والرجل، والتمييز ضد المرأة، والاستغلال الجنسي، وأعمال العنف، والبطالة، ومشكلة الإيدز، ومشكلات الأسرة، والبدع والخرافات، وأصحاب الحاجات الخاصة.. إلخ(27). وفي رأيي أن التطرّق إلى مثل هذه القضايا من شأنه أن يُكسب حركة التنصير مزيداً من الأنصار, كما يشي بمدى مواكبة الحراك التنصيري للقضايا الملحّة لإنسان إفريقيا الذي يعاني الأمرين، فأصبح كالغريق الذي يبحث عن أيّ أمل لنجاته.
رابعاً: الحراك التنصيري في إقليم الجنوب الإفريقي:
ينفرد إقليم الجنوب الإفريقي عن بقية أقاليم إفريقيا الأخرى من منظور موضوع دراستنا؛ باشتماله على مناطق ذات نفوذ مسيحي, كما أن الغالبية العظمى من الأقطار في هذا الإقليم لديها دساتير تحترم حق الممارسة الدينية وحرية العبادة وحرية تغيير الدين، هذا بالإضافة إلى أن دول الجنوب الإفريقي تعاني الكثير من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتمثلة في الحروب الأهلية والفساد والجفاف ونقص الغذاء وانتشار العديد من الأمراض التي من أخطرها مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز), ونسبة المصابين في هذه الدول هي الأعلى في العالم.
ويُضاف إلى المميزات المشار إليها سابقاً أن كل دول الجنوب الإفريقي لم تكن من تلك الدول التي حظيت بانتشار الإسلام فيها مثل بقية أجزاء القارة الإفريقية الأخرى, ويُعزى هذا إلى قسوة الطبيعة، وتفشي الأمراض، خصوصاً في منطقة البحيرات العظمى، حيث بقي السكان على دياناتهم التقليدية، وقد كسبت الكنيسة عدداً من الأتباع الإفريقيين, وقد كان جلّهم من بين أصحاب الديانات التقليدية(28).
ويمكن القول إن ما أسميناه بمميزات إقليم الجنوب الإفريقي كان لها دور مهم وبارز في إتاحة الفرصة للحراك التنصيري، فنشطت عملية التنصير التي اتخذت من المشكلات المختلفة التي يمر بها الإقليم ذريعة للتدخل، فقامت الجمعيات التنصيرية بمراقبة الوضع الديني وسط السكان, أو التدخل في الشؤون الداخلية والعمل التنصيري, ويظهر ذلك بوضوح في جميع المؤسسات الدينية المسيحية، والتي رغم اختلافاتها العقدية، كالبروتستانت والكاثوليك، نجدها تعمل متضامنة بعضها مع بعض فيما يخص مجال التنصير(29).
ووفقاً لعبد الوهاب دفع الله؛ فإن الجمعيات التنصيرية سلكت كعادتها الطريق التدريجي لبلوغ أهدافها، فبدأت بالصناعات اليدوية, وأخذت الإرساليات في مدارسها أوقاتاً وجهداً لكي يتقن التلاميذ النجارة والحياكة والبناء والحدادة وتطريز المنسوجات والتماثيل الخشبية والعاجية والفخارية, وقد كان هذا الاتجاه جديراً بأن يقابل بالترحاب من جانب الطلاب(30).
يأتي التعليم في مقدمة المجالات المهمة العديدة التي وجد المنصّرون من خلالها طريقة لممارسة أنشطتهم، ففي بتسوانا، مثلاً، يُعَد التعليم الديني المسيحي جزءاً من المناهج الدراسية في المدارس العامة.
ومن جانب آخر؛ يُعَد مجال انتشار مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) أحد المداخل التي ولجت من خلالها حركة التنصـير، وكسبت بها مسوغات وجودها، هذا بالإضافة إلى ارتفاع معدل التضخم والبطالة في أقطار هذا الإقليم كافة.
وإذا أخذنا زامبيا بوصفها واحدة من دول إقليم الجنوب الإفريقي المهمة؛ نجد أنها تعاني عدة مشكلات اقتصادية، على رأسها ارتفاع معدل التضخم والبطالة، وتعاني الأزمات السياسية، خصوصاً بعد تعرضها لانقلاب في عام 2003م. كما تعاني زامبيا، أيضاً، فساداً إدارياً وانتشار مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز), جميع هذه المشكلات دفعت بالكنائس للتدخل لمعالجة هذه الأمور بغرض الكسب الديني(31).
إن من الأحداث المهمة في مضمار الحراك التنصيري في إقليم الجنوب الإفريقي, تلك الزيارة التي قام بها بابا الفاتيكان لأنغولا في مارس / 2009م، بعد أن مكث عدة أيام في الكاميرون، وفي هذه الزيارة الدينية المهمة حاول، مثلما فعل في الكاميرون، التركيز في مناطق الجراح في قارة إفريقيا، ووعد بالحلول الناجعة لها وبالعلاج الكامل، حتى إنه ليقول في أحد اللقاءات: «لا يمكن لقلبنا أن يعرف هوادة ما دام هناك أخوة يتألمون لأجل نقص الغذاء أو العمل أو المسكن، أو ما سوى ذلك من الخيور الأساسية», كما وجّه في كثير من لقاءاته نداءً بتقسيم عادل لموارد الأرض، وأوصى الأفارقة بألا يُذعنوا لقانون الأقوى(32).
ولكي يوصل البابا رسالته التنصيرية التي قدم من أجلها؛ عقدت لقاءات مهمة مع عدد من الفعاليات، لعل أهمها: شباب أنغولا، والحركات الكاثوليكية لتعزيز المرأة، والسلطات المدنية، والسياسية، وأعضاء السلك الدبلوماسي(33)، ولا شك أن هذه الزيارة من شأنها أن تدفع بدماء جديدة لحركة التنصير، ليس في أنغولا وحدها، ولكن في معظم إقليم الجنوب الإفريقي.
بقي أن نشير إلى أن مظاهر الحياة الدينية والاحتفالات الرسمية، في الأقطار المختلفة لإقليم الجنوب الإفريقي، مثل يوم الجمعة العظيمة، وعيد الميلاد، وعيد الفصح، تؤكد سيطرة الدين المسيحي على أوجه الحياة العامة في هذا الإقليم، ومن ثم كان وجود الدين الإسلامي فيها دين أقليات.
خلاصة الورقة:
أثارت هذه الورقة جملة من النقاط عن الحراك التنصيري في أقاليم قارة إفريقيا المختلفة، وقد خلصت إلى الآتي:
أولاً: أن حركة التنصير تحاول قدر الإمكان الاستفادة من الموقع والمميزات لكل إقليم، واستثماره لمصلحة بث دعوتها.
ثانياً: أن حركة التنصير تستخدم وسائل جديدة غير تقليدية منسجمة مع عصر العولمة وتقنية المعلومات، من إنترنت وقنوات فضائية.. إلخ، وهو ما يدل على مواكبتها للتطورات.
ثالثاً: أن حركة التنصير تستهدف فئة الشباب وطلاب الجامعات، وتعمل على إغرائهم بالمال والجنس والسفر إلى الخارج للعمل، لعلمها بأن هذه الفئة أكثر تسرعاً وحماسة للمغامرة.
رابعاً: أن حركة التنصير تركز نشاطها في مجال التعليم ومجال الصحة والعلاج، لإدراكها بأن التعليم يقدّم نخباً يعوّل عليها لاحقاً، ولمعرفتها بأن الصحة والعلاج مدخلاً للاستقطاب.
خامساً: أن حركة التنصير تقوم بحالة مراجعة وتطوير للتقاليد القديمة في مجال التنصير، وإبدالها بتقاليد جديدة مستوحاة من روح العصر، فيها الكثير من التشويق والإغراء.
سادساً: أن حركة التنصير تستغل شرائح يسود فيها الفقر والجهل والمرض، أو شرائح تتعرض للكوارث الطبيعية والبشرية، عبر واجهات ذات طبيعة خدمية وإنسانية، ومؤسسات وجمعيات غربية ومحلية إفريقية, تستغلها لنشر النصرانية.
سابعاً: أن حركة التنصير، من منطلق معرفتها الجيدة بجغرافيا إفريقيا وتاريخها وديموغرافيتها.. إلخ، توظّف بعض الإحداثيات التاريخية وغيرها لإحداث فتن واضطرابات، مثل المسألة القبطية في مصر.
ثامناً: أن حركة التنصير تعمل على التضييق على حركة الإسلام والإسلام السياسي والدعوة الإسلامية ومنظمات العمل الخيري الإسلامي، تارة بوصمها بالإرهاب والأصولية، وتارة باستحداث سياسات خاصة بإلزامية تسجيلها، لكي تضع أمامها العراقيل لاحقاً.
تاسعاً: أن حركة التنصير تنشط في مضمار اللغات المحلية، لأغراض ترجمة الإنجيل إليها، تسهيلاً لعملية التنصير.
الإحالات والهوامش:
(*) نائب عميد الدراسات العليا – جامعة إفريقيا العالمية.
(1) محمد عاطف غيث (محرر) (1979م): قاموس علم الاجتماع، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص 291.
(2) السيد الحسين (1985م): مفاهيم علم الاجتماع، الدوحة: دار قطري بن الفجاءة، ص 243.
(3) انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (2003م)، الجزء الثاني، إشراف: مانع بن حماد الجهني، دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، ص 563.
(4) المرجع نفسه، الجزء نفسه، ص 564.
(5) انظر: أحمد أبو زيد: التنصير بالتبنّي أحدث صور استثمار الفقر، بتاريخ 20/10/2010م، على الموقع:
http://almoslim.net./node⁄8546/
(6) انظر: أحمد أبو زيد، غزو تنصيري لإفريقيا.. تحت مظلة الإغاثة ومحاربة الفقر والجهل والمرض، بتاريخ 12/10/2010م، على الموقع: http://www.alukah.net/culture/01775
(7) انظر: المرجع نفسه.
(8) انظر: رصد زيارة بابا الفاتيكان لإفريقيا للكاميرون وأنغولا، على الموقع: www.zenit.org
(9) السينودس Synod: هو مؤسسة كنسية مركزية تمثل الأساقفة الكاثوليك، لها أهداف عامة، تنحصر في تنشيط اتحاد أعمق وتعاون أكبر بين البابا والأساقفة في مختلف جهات العالم. أما أهداف السينودس الخاصة والمباشرة؛ فهي تبادل المعلومات، والتعبير عن وجهة النظر الخاصة حول المسائل التي من أجلها يُدعى من أجلها السينودس مرة تلو مرة.
(10) انظر: الموقع: http://www.vatican.va/roman. curia/synod/document
(11) انظر: الموقع: www.zeint.org
(12) انظر الموقع: www.wikipedia.org
(13) انظر: كمال محمد جاه الله (2010م): «التنصير في شمال إفريقيا في العقد الأول من الألفية الثالثة»، النشاط التنصيري في إفريقيا، دراسة تحليلية حول أنشطة الكنيسة في إفريقيا، مجموعة مؤلفين (تحرير)، معهد مبارك قسم الله للبحوث والدراسات، منظمة الدعوة الإسلامية، الخرطوم: مطابع السودان للعملة المحدودة، ص. ص (15 – 64).
(14) انظر: حسين العودة (2006م): صحيفة المصريون، على الموقع: www.deedat.world press
(15) انظر: أسامة عبد السلام: أجراس الكنائس تدق في تونس، على الموقع: www.tunis.online.com
(16) انظر: سليمان بوصوفه: الجزائريون: التنصير والتشيّع وفتنة الطائفية، على الموقع: www.sboussoufa.com
(17) انظر: حسين العودة (2006م)، مرجع سابق.
(18) انظر: كمال محمد جاه الله (2010م): «التنصير في شمال إفريقيا في العقد الأول من الألفية الثالثة»، النشاط التنصيري في إفريقيا، مرجع سابق، ص 55.
(19) انظر: الموقع: www.almolim.net
(20) طارق أحمد عثمان وعبد الوهاب الطيب بشير (2010م): التنصير في شرق إفريقيا، النشاط التنصيري في إفريقيا، مرجع سابق، ص. ص (67 – 116)، ص. ص (67 – 68).
(21) المرجع السابق, ص 97.
(22) قيصر موسى الزين (2010م): التنصير في غرب إفريقيا، النشاط التنصيري في إفريقيا، مرجع سابق، ص. ص (119 – 165)، ص 127.
(23) المرجع نفسه، ص 135.
(24) انظر: الموقع: www.c4israel.org⁄westafrica
(25) انظر: قيصر موسى الزين (2010م): «التنصير في غرب إفريقيا»، مرجع سابق، ص . ص (162 -163).
(26) للتفاصيل الكاملة لزيارة بابا الفاتيكان لإفريقيا (الكاميرون وأنغولا) في 17- 23 مارس 2009م، انظر الموقع: www.zenit.org
(27) انظر: الموقع نفسه.
(28) أحلام عبد الرحيم أحمد مصطفى: أوضاع المسلمين في إفريقيا المعاصرة (دراسة إحصائية تحليلية)، على الموقع: http: //www.mubarak-inst.org/stud_reas⁄research
(29) انظر عبد الوهاب دفع الله (2010م): «التنصير في دول الجنوب الإفريقي»، النشاط التنصيري في إفريقيا، مرجع سابق، ص. ص (169 – 211)، ص 211.
(30) المرجع نفسه، ص 177.
(31) انظر تفاصيل هذا الأمر على الموقع: http.// www.state.gov⁄g⁄drl/rls/irf/2008/08398.htm
(32) انظر: التفاصيل الكاملة لزيارة البابا لأنغولا على الموقع: www.zenit.org
(33) انظر: الموقع نفسه