أ. بوزيدي يحيى (*)
ظلّت إفريقيا مستغلّة من القوى الدولية والإقليمية طيلة القرون الأربعة المنصرمة، فمع الكشوفات الجغرافية وبدء موجة الاستعمار الأوروبي شهدت القارة أكبر عمليات نهب واستنزاف لثرواتها، حتى لم تسلم منه شعوبها، حيث كان كثير من أبنائها مورداً لتجارة الرّق!
وبرغم نَيْل الدول الإفريقية استقلالها؛ استمرت القوى الاستعمارية السابقة تستنزفها من خلال المعاهدات التي ربطتها بها، إلى جانب ما ورثته من مشكلات بنيوية وقفت عائقاً أمامها في عملية بناء الدولة الحديثة، لكن التحولات الدولية، والتراجع الأمريكي، وبروز قوى إقليمية جديدة، أضاف معطيات جديدة لمعادلة التنافس الدولي على القارة، يأتي في مقدمتها – إلى جانب الصعود الصيني والعودة الأوروبية – دور كلٍّ من تركيا وإيران، خصوصاً بعد وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في أنقرة سنة 2002م، حيث تضاعف الاهتمام التركي بالقارة، في حين سبقتها إيران قبل عقدين تقريباً؛ أي منذ نجاح ثورة الخميني عام 1979م.
ستحاول هذه الدراسة المقارنة بين السياستين الإيرانية والتركية في إفريقيا، من خلال إبراز الأهمية القارة الجيوسياسية للطرفين، والآليات والمداخل التي تحاول كلٌّ منهما الاستناد عليها لتحقيق أهدافها، إلى جانب الخصائص المميزة لاستراتيجيتهما.
أولاً: أهمية القارة الإفريقية الجيوسياسية لكلٍّ من إيران وتركيا:
تمتلك القارة الإفريقية العديد من الخصائص الجيوسياسية، كونها ترتبط بكثير من المراكز البحرية والبرية المهمّة في العلاقات الدولية، وتزخر سواحلها الغربية – القريبة من القارة الأمريكية – بكثير من حقول النفط، ما جعلها محطّ أنظار الولايات المتحدة، فضلاً عن الموارد الطبيعية المتنوعة والمتعددة التي تزخر بها القارة، إضافة إلى عدد سكانها الكبير وحاجياتهم الغذائية والخدمية التي تجعل منها سوقاً واعدةً للدول التي تحاول أن تجد لنفسها موطئ قدم في القارة.
إيران:
تأتي أهمية إفريقيا بالنسبة لإيران من كونها(1):
– بوابة للخروج نحو العالم عبر المياه الدولية.
– نطاقاً جغرافياً يمكن أن تلتف به حول دول الجوار في الاتجاهين الغربي والجنوب الغربي.
– كما أنها توفّر محطات تجارية وغير تجارية على المحيطين الهندي والأطلنطي.
فنظراً لاشتراك إيران مع القارة في الإطلالة على المحيط الهندي؛ يُعَدّ شرق القارة مهمّاً بالنسبة لإيران من الناحية الجيوسيساسة، وبخاصة القرن الإفريقي الذي يتحكم في منافذ بحرية مهمّة (البحر الأحمر، خليج عدن، المحيط الهندي)، وتبعاً لذلك يتحكم في طرق التجارة الدولية، ونقل البترول من الخليج العربي إلى أوروبا الغربية والولايات المتحدة، كما تشتمل المنطقة على غالبية دول حوض نهر النيل، والتي يتحكم بعضها في منابعه، وأدى اكتشاف البترول في المنطقة إلى زيادة الاهتمام الدولي بها.
هذه الأهمية تتضاعف عند الأخذ في الاعتبار تأثير (القرن الإفريقي) على (أمن الخليج)، والفرص التي يمنحها لإيران، فهو – بمفهوم المخالفة – خاصرة الأمن الخليجي، والصراع بين دول مجلس التعاون وإيران، وفي مقدمتها المملكة السعودية، الذي تجلّى في الاضطرابات الأمنية والسياسية التي انتقلت إليها من اليمن في حرب الحوثيين السادسة، بعد فتحهم جبهة السعودية (نوفمبر 2009م)، ومعلوم أنّ جماعة الحوثيين ذراع لإيران في المنطقة، فحسب تقرير صادر عن (ستراتفور) تنقل إيران أسلحة من ميناء عصب الإريتري، إلى مدينة شقراء التي تقع على ساحل جنوب اليمن، ومن هناك تتحرك الأسلحة برّاً إلى مدينة مأرب شرقي اليمن، وبعدها إلى محافظة صعدة على الحدود السعودية – اليمنية(2).
واستغلت إيران الفشل الأمريكي في حوض النيل ودول البحيرات والقرن الإفريقي؛ ولعبت على نغمة (نصرة الاستضعاف، والاهتمام بالحلفاء الجدد الذين يعاقبهم العالم)، سواء في السودان أو إريتريا أو موزمبيق، فانبجست سياسات اقتصادية إيرانية جاذبة، حقّقت كثيراً من الفتوحات، واضطرت الدول الإفريقية أحياناً إلى التنازل في ملفات استراتيجية، حتى أصبح الحديث عن قواعد عسكرية لإيران على البحر الأحمر، حديثاً، يروّج بلا خجل.
تركيا:
تبرز أهمية القارة الإفريقية بالنسبة لتركيا بانفرادها – حسب داود أوغلو – عن باقي الدول المحورية بقربها من إفريقيا من خلال البحر المتوسط؛ على عكس ألمانيا وروسيا وإيران(3).
ويكمن الفرق في الأهمية الجيوسياسية للقارة بين تركيا وإيران في أن الأخيرة يفصلها عن إفريقيا المحيط الهندي؛ بينما يفصل تركيا عن القارة فقط البحر المتوسط، وباستثناء هذا الفارق فإنه كما يأتي شرق إفريقيا في المرتبة الأولى من حيث الأهمية بالنسبة لإيران؛ فإنّ الأمر نفسه ينطبق على شمال إفريقيا بالنسبة لتركيا التي يعتبرها داود أوغلو من بين ساحات التأثير الجيوسياسي المهمّة التي يتوجب الاعتماد عليها في استراتيجية تركيا الخارجية للانفتاح على المحيط الدولي(4)، وهي تعوّل عليها بوصفها مدخلاً لتحقيق أهدافها، والمساعدة على تجاوز العقبات التي تعترضها في القارة، إذ تحاول أن تنسّق مع مصر للولوج إلى شرقها، وعلى الدول المغاربية لغربها، وقد عبّر القادة الأتراك عن ذلك في جلّ زياراتهم للمنطقة، كما تعوّل أنقرة على الروابط التاريخية والحضارية التي تجمعها مع شعوب شمال إفريقيا في ذلك.
ومن الناحية الأمنية؛ فإنّ دول الشمال الشرقي، وتحديداً مصر وليبيا، لهما أهمية كبيرة بالنسبة لتركيا، خصوصاً في ظلّ صراعها التاريخي مع اليونان والأزمة القبرصية؛ حيث ساهمت طرابلس في دعم أنقرة إبّان حربها في قبرص سنة 1974م، فكانت الطائرات الحربية التركية تتزود بالوقود وغيره من مطار بنغازي العسكري، وساعدت ليبيا تركيا لتجاوز العقوبات في الحصول على طائرات وصواريخ بطرق سرية من إيطاليا ودول أوروبية أخرى(5).
أما بالنسبة لمصر؛ فقد تطوّر التعاون والتنسيق بينها وبين تركيا في البحر المتوسط؛ حيث أجريت في المياه الإقليمية المصرية أربع مناورات مشتركة على التوالي بين 2009م و 2012م(6)، مع العلم بأنّ أنقرة زادت من حضورها العسكري في البحر المتوسط لضمان مصالحها ودورها فيه على خلفية تصاعد الأزمة السورية من جهة، والمبادرات المتعلقة بحفر الآبار والتنقيب عن النفط من الجانب القبرصي الرومي من جهة أخرى(7).
ثانياً: الأهمية السياسية:
لم يتراجع التنافس الدولي في إفريقيا، وإنما حصل تغيّر في القوى فقط، فبينما كان التنافس حكراً على القوى الاستعمارية حتى الحرب العالمية الثانية، أصبح خلال الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، وبعدها – ومع بروز قوى دولية وإقليمية جديدة – أضحى التنافس أكثر تنوعاً بعودة أوروبا وصعود الصين، ومحاولة روسيا صياغة استراتيجية مغايرة، إلى جانب إيران وتركيا اللتين تحاولان إيجاد مساحة وموطئ قدم لهما في القارة.
إيران:
تأثرت سياسة إيران الخارجية تجاه إفريقيا بخصوصيات نظامها السياسي الجديد، وأيديولوجية قادته الجدد، وفي مقدمتهم الخميني الذي رسم خطاً سياسياً ما زالت السياسة الخارجية الإيرانية تسير عليه، ويُعَدّ شعار (حماية المستضعفين، ومواجهة الاستكبار العالمي) أحد أهم المحدّدات الأيديولوجية الخمينية لإيران.
وعلى هذا الأساس؛ ارتبطت إيران بتحالفات استراتيجية مع خصوم واشنطن في كلٍّ من أمريكا اللاتينية وإفريقيا، هذا البعد الصراعي ذو الطابع الثوري لإيران جعل علاقاتها مع الدول الإفريقية مرتبطة أساساً بالعمل الثوري، حيث كانت تنظر لإفريقيا بوصفها قارة المستضعفين، وتمثّل ثلث مقاعد الأمم المتحدة، وتشكّل نصف مجموعة عدم الانحياز، وهو ما يعني أنها حليف محتمل لها، كما أنها في الوقت نفسه تمثّل ساحة مناسبة لتبنّي أفكار الثورة الإيرانية.
تسبّبت الحرب العراقية – الإيرانية بين 1980م وحتى 1988م في انشغال إيران عن الاهتمام بإفريقيا، فحاولت استدراك ذلك بعد نهاية الحرب، خصوصاً عند تولي هاشمي رفسنجاني الرئاسة(8)، حيث حطت طائرته عام 1991م في السّودان التي كانت تعيش عامها الثاني في ظلّ نظام محاصر من قِبَل المجتمع الدولي، وقد صرّح في هذه الزيارة بأنهم سيشعلون إفريقيا بثورات كالثورة الخمينية انطلاقاً من السودان، وقد سبق أن زار الرئيس السوداني عمر البشير إيران في 10/12/1990م، وصرّح البشير يومئذ بأنّ «ثورة إيران نبراس يضيء الطريق أمام المسلمين في العالم»!، تلا ذلك زيارة رفسنجاني للخرطوم في 15/12/1991م، بعد حوالي ستة أشهر من زيارة محمد خاتمي للخرطوم في 25 أيار / مايو 1991م، وكان حينها وزيراً للثقافة والإرشاد، وهذا وحده كاف للتعبير عن مضمون الزيارة، وهو (تصدير الثورة الإيرانية)، فخاتمي الذي يوصف بالاعتدال – زوراً وبهتاناً – يُعَدّ من أكبر المتحمّسين لتصدير الفكر الشيعي للعالم الإسلامي، ولكن عن طريق العلاقات الثقافية والغزو الفكري، تعزّز هذا المسار بعد وصول محمد خاتمي لرئاسة الجمهورية، فواصل نهج رفسنجاني وزار القارة مرات عديدة.
ومع مطلع الألفية الجديدة، واحتدام التنافس على الأسواق بين القوى الصاعدة، أخذت العلاقات الإيرانية الإفريقية نفَساً جديداً؛ حيث تمّ تنظيم (المؤتمر السنوي الأول للعلاقات الثقافية والحضارية الإيرانية الإفريقية) بين 30/4 و 2/5/2001م، وفي مارس 2003م عقدت إيران (منتدى التعاون الإيراني الإفريقي) بمشاركة 18 دولة إفريقية، وممثلين عن الاتحاد الإفريقي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وشكّلت دول القرن الإفريقي ثلث الدول المشاركة، وعقبه أنشأت (المجلس التنفيذي الإيراني الإفريقي) بوصفه آلية لتنفيذ المشاريع المشتركة بين الطرفين، و (صندوق تنمية إيران – إفريقيا)، و (بنك إيران – إفريقيا).
وبعد وصول أحمدي نجاد للسلطة أصبح ينظر إلى إفريقيا بوصفها بديلاً عن الحصار الغربي، وفرصة لاكتساب مناطق نفوذ جديدة، إلى جانب البعد النووي، حيث تسعى إيران إلى الحصول على اليورانيوم من الدول الإفريقية، وهو ما استهدفته زيارة نجاد لكلٍّ من أوغندا وزيمبابوي، وإن كان المعلن عنه دائماً حقّ إيران في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وكثّف المسؤولون الإيرانيون من زياراتهم للدول الإفريقية فبلغت في 2009م نحو 20 زيارة(9).
وعموماً يمكن اعتبار إفريقيا – إضافة إلى أمريكا اللاتينية – ساحة مواجهة ثانية بين الولايات المتحدة وإيران، من ثمّ فإنه يُنظر لإفريقيا بوصفها منطقة ذات أهمية استراتيجية عند صانع القرار الإيراني بمدى ما تطرحه من فرص في الهروب والمناورة مع الضغط الأمريكي والأوروبي، في المقابل من الممكن تصوّر – بناءً على العلاقات المتميزة بين إيران وروسيا، وبين إيران والصين، وبين إيران والهند – نوعٍ من التنسيق الرباعي المشترك بين هذه الدول تجاه إفريقيا.
تركيا:
برغم أنّ تركيا – بعد تأسيس الجمهورية بقيادة أتاتورك – بدأت علاقاتها الدبلوماسية بإفريقيا عام 1926م بفتح سفارة في أديس أبابا(10)؛ فإنها كانت طيلة مرحلة الحرب الباردة وتأثراً بالمبادئ الكمالية مولية وجهها شطر الغرب كلياً، وترى أنّ الالتفات باتجاه آخر تراجع وتخلّف، سواء مع محيطها القريب أو البعيد، لذلك لم تول أهمية للقارة الإفريقية في تلك الفترة.
وبرغم أنّ التحول في سياستها الخارجية بدأ مع نهاية الحرب الباردة، وتحديداً في فترة الرئيس تورغوت أوزال؛ فإنّ انفتاحها على إفريقيا تأخر حتى 1998م، حيث تبنّت الحكومة التركية وثيقة بعنوان (سياسة الانفتاح على إفريقيا)، وكان ذلك جزئياً ردّاً على رفض الاتحاد الأوروبي ترشيحها لعضويته في قمّة 1997م، فسعت لتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية المستقبلية مع البلدان الإفريقية، وقدّمت الوثيقة بعض التوصيات التي أصبحت المبادئ التوجيهية في السنوات التالية، غير أنّ المشكلات اللوجستية، إضافة إلى الاضطرابات السياسية (ثلاث حكومات ائتلافية)، والأزمة الاقتصادية الحادة في تركيا (2000م، 2001م)، حالت دون التنفيذ الكامل للخطة(11).
وبوصول حزب العدالة والتنمية للسلطة قامت حكومته بتنفيذ جلّ ما تضمّنته الخطة من مشاريع، وكانت البداية الفعلية لهذه السياسة في 2005م، عندما أعلنت الحكومة (سنة إفريقيا) في شهر مارس، ثم جاءت زيارة رئيس الوزراء التركي رجب أردوغان إلى إثيوبيا وجنوب إفريقيا، في أول زيارة رسمية يقوم بها رئيس وزراء تركي إلى بلد من جنوب خط الاستواء(12).
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ زيارة الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي لسبع دول إفريقية في 2005م تزامنت مع انعقاد (المؤتمر التركي – الإفريقي)، الأمر الذي يعكس وجود مساع تركية لموازنة الدور الإيراني.
وكانت تركيا بدأت من السنة نفسها أيضاً بتنظيم استضافة لعدد كبير من زعماء دول إفريقيا، ما ساعد على إدخالها إلى مجلس الأمن الدولي عام 2008م، وساهم في إنجاح مرشحها أكمل الدين إحسان أوغلو في تولّي منصب الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي عام 2005م(13)، وأصبحت تركيا عضواً مراقباً في منظمة الاتحاد الإفريقي عام 2003م، ثم رفعت درجة هذه العضوية إلى مرتبة الشريك الاستراتيجي في 2008م(14).
والتوجه التركي نحو القارة يهدف إلى الدفاع عن بقاء مصالحها في المنطقة، وذلك من خلال فكّ طوق العزلة الأوروبية المفروضة عليها سياسياً واقتصادياً، وتجاوز المسرح الإقليمي إلى ما ورائه (إفريقيا)، والحصول على أكبر تأييد دولي لوجودها وسياساتها من جانب، فضلاً عن السعي لإيجاد تيار مناهض لمنافسيها في إفريقيا من جانب ثان.
وتراهن أنقرة لتحقيق هذه الأهداف على مبدأ (المصالح والمنفعة المتبادلة) في علاقاتها مع الدول الإفريقية؛ بوصفه مبدأً من أهم مبادئ سياستها الخارجية، إلى جانب دورها في المجال الإنساني، فهي تساهم في مهام حفظ السلام، حيث تقدّم مساعدات مالية وبشرية لستّ مهمات من المهمات الثمانية التي تشارك فيها الأمم المتحدة في إفريقيا، كما شاركت مع مصر في رئاسة (المؤتمر الدولي للمانحين لإعادة إعمار وتنمية دارفور) (21/3/2010م)، وبعد شهرين استضافت إستانبول مؤتمراً بشأن الصومال، في إطار منظمة الأمم المتحدة، وقدّم دعماً مهمّاً لعملية السلام، حيث كان (إعلان إستانبول) بمثابة خريطة طريق لتسوية الوضع في البلد(15).
كما تعمل أيضاً بالتعاون مع المنظمات الدولية لتطوير إفريقيا، فقد خصّصت 50 مليون دولار لتمويل مشروعات تنموية في دول إفريقية في الفترة بين 2008م و 2013م، و 7,5 ملايين دولار لعدة دول إفريقية في منظمات دولية، مثل منظمة الصحة العالمية، وبرنامج الغذاء التابع للأمم المتحدة، والهلال الأحمر، لمساعدة تلك الدول لمواجهة الآثار السلبية للتصحّر والجفاف والكوارث الطبيعية الأخرى(16).
وأهمّ تجليات هذا الدور التركي تطوّر حجم دبلوماسيتها، فلإنجاح تحركاتها سارعت إلى افتتاح 19 سفارة جديدة في الدول الإفريقية، ليرتفع بذلك عددها إلى 39 سفارة، وهو عدد العواصم الإفريقية التي تصلها طائرات الخطوط الجوية التركية في رحلات مباشرة، إضافة إلى فعالية آلتها الدبلوماسية على كلّ المستويات(17).
ولكن الدور السياسي المتنامي لتركيا في إفريقيا جعل بعض الدول، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، تنظر نظرة ارتياب إليها، بخاصة علاقتها بالسودان، واستضافتها لعمر البشير بالرغم من المطالبة بتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية، وترى أنّ التغيرات في سياسة تركيا الخارجية ربما تصطدم بمصالح الغرب، وهو تصوّر فرنسا نفسه، والتي اعترفت في تقارير دبلوماسية – اقتصادية أنها لم تعد فقط تعاني منافسة إسبانيا وإيطاليا؛ بل تعاني منافسة دول أخرى مثل تركيا والصين، وركزت كثيراً على تركيا(18)، والأخيرة تدرك هذه الحقيقة، فأوغلو يشير في كتابه (العمق الاستراتيجي) إلى استمرار علاقات القوى الاستعمارية بالرغم من تراجع سيطرتها عن الضفة الآسيوية والإفريقية بعد الثورات التي قامت ضدها، وينبّه إلى وجود دول شمال إفريقيا ضمن سيناريوهات التوسع المحتمل للاتحاد الأوروبي؛ نظراً للأهمية التي تحملها هذه الساحة الانتقالية بين القارات، كما أنّ جهود التوسع التي كانت موجّهة ضد المعسكر الذي شكّله السوفييت في شرق أوروبا لم تقلل من اهتمام الاتحاد الأوروبي بشمال إفريقيا الذي يُعَدّ حزاماً محيطياً قريباً من دوله(19).
وصرّح وزير الخارجية التركي أحمد داود في خطاب أمام نواب حزب العدالة والتنمية في نوفمبر 2009م، بعد رفض فرنسا التي كان يرأسها ساركوزي انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وردّاً على ما وصفه بتفتيش باريس وراء انفتاح الأتراك على شمال إفريقيا، بالقول في تحدٍّ واضح: «لقد أعطيت أوامري إلى الخارجية التركية أن يجد ساركوزي كلما رفع رأسه في إفريقيا سفارة تركية وعليها العلم التركي، وأكدت على أن تكون سفاراتنا في أحسن المواقع داخل الدول الإفريقية»(20).
وزيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لليبيا بعد كلٍّ من مصر وتونس، في 16/9/2011م، التي أعلن فيها عن دعم المجلس الوطني الانتقالي الليبي، جاءت بعد يوم من وصول الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون للعاصمة الليبية، وهذا ما يعكس التنافس التركي الأوروبي عموماً، والفرنسي خصوصاً، وهو سلوك يذكّر بالتنافس الفرنسي الأمريكي والزيارات الفرنسية والأمريكية المتعاكسة للبلدان المغاربية(21).
ثالثاً: الأهمية الاقتصادية:
تذهب الدراسات في العلاقات الدولية إلى أنّ النظام الدولي مقبل على مرحلة من التعدد القطبي الاقتصادي، مع استمرار الأحادية القطبية العسكرية الأمريكية، وبعد تراجع الصراع الأيديولوجي أصبح التنافس الدولي محكوماً بالبعد الاقتصادي بدرجة أولى، والقارة الإفريقية بما تمتلكه من مقدّرات طبيعية، والفرص التي تتيحها أسواقها، من بين أهم المناطق التي تعكس المشهد الدولي الحالي.
إيران:
نظراً للعقوبات الدولية المفروضة عليها؛ تحاول إيران تعويض خسائرها الاقتصادية من المناطق الأخرى، وفي مقدمتها الدول الإفريقية التي ترى أن بها فرصاً سانحة، فقامت بعقد كثير من الاتفاقيات الاقتصادية مع كلّ الدول، خصوصاً في غرب إفريقيا، حيث تحاول منافسة أمريكا هناك في هذا المجال، ففي العاصمة السنغالية (داكار) يوجد مصنع (خضرو للسيارات) الإيرانية، ومشروع بناء مصفاة للنفط، ومصنع للكيماويات، وآخر للجرارات الزراعية، وتحتفظ بعلاقات وثيقة مع كلّ من موريتانيا وغامبيا ونيجيريا(22).
كما تتمتع إيران بعلاقات قوية مع السودان، فطهران أكبر مصدري السلاح للخرطوم، كما قامت في عام 2008م بتوقيع اتفاقية للتعاون العسكري بين البلدين، وأثناء زيارة الرئيس الإيراني لكينيا وافق على أن تصدّر بلاده نحو 4 ملايين طن من النفط الخام سنوياً لنيروبي, إضافة إلى تسيير خط طيران مباشر بين عاصمتي البلدين(23).
وأشار السيد مسعود مير كاظمي وزير التجارة الإيراني في ندوة طهران إلى أنّ الفترة 2001م – 2007م سجل ارتفاع الصادرات الإفريقية نحو إيران بـ 165 بالمائة، في حين أنّ صادرات إيران باتجاه القارة السوداء تضاعفت ثلاث مرات، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ إيران تصدّر النفط لكثير من دول إفريقيا، وبخاصة جنوب إفريقيا التي كانت تستورد حتى منتصف 2012م قرابة 40% من احتياجاتها النفطية، فقد بلغ حجم صادراتها النفطية إلى إفريقيا جنوب الصحراء سنة 2010م ما قيمته 3,60 مليارات دولار، بالمقارنة مع 1,36 مليار دولار عام 2003م(24)، وخارج المجال الطاقوي تشير التقديرات إلى ارتفاع الصادرات الإيرانية غير النفطية للدول الإفريقية خلال السنة الإيرانية الحالية (المنتهية بحلول 20 مارس)، بنسبة 14% خلال تسعة أشهر، مضيفاً أنه خلال تلك الفترة بلغت قيمة الصادرات غير النفطية لإفريقيا 228,6 مليون دولار، بارتفاع 200,8 مليون دولار عن العام الماضي(25).
تركيا:
عند النظر إلى التحولات الجديدة في الاقتصاد – السياسي الدولي، وتوزيع الموارد الجيواقتصادية حسب المناطق الجغرافية، يظهر أنّ القرن الحادي والعشرين مرشّح لأن يكون قرناً آسيوياً في بدايته وإفريقياً في نهايته(26)، تدل هذه العبارة لوزير الخارجية التركي على أهمية إفريقيا الاقتصادية بالنسبة لتركيا، لذلك تحاول التموضع فيها بشكل جيد، خصوصاً حين تقارن نفسها بقوى أخرى، مثل اليابان التي – حسب أوغلو أيضاً – استطاعت تحقيق نجاح في الحصول على حصّة مهمّة في أسواق إفريقيا، برغم أنّ تركيا تمتلك إمكانات ومقومات أداء دور أكبر منها كثيراً، وفي سبيل ذلك يدعو للتركيز في المجالات الثقافية والاقتصادية في المراحل الأولى.
وتتمثّل أهدافها ضمن هذا السياق في محاولة خلق مجال حيوي لطاقاتها وإمكانياتها الإنتاجية والفنية، على نحو يؤدي إلى تحقيق مكاسب اقتصادية، من زيادة التبادل التجاري، وفتح سوق واسعة للصادرات الصناعية التركية، وضمان مورد مهمٍّ للخامات، وتدبير مجالات عمل جديدة للخبرات الفائضة لدى تركيا.
وفي الجانب التجاري سجّلت الصادرات التركية إلى الدول الإفريقية معدلات نموٍّ عالية خلال السنوات الأخيرة، فقد كان قرابة 9 مليارات دولار في 2005م؛ ثم 15,87 مليار دولار في 2009م؛ 14,1 مليار دولار في 2010م، ليرتفع مجدداً إلى 17,1 مليار دولار في عام 2011م(27).
وتوقع خبراء الاقتصاد والمال الأتراك أن يرتفع حجم الصادرات التركية إلى الدول الإفريقية إلى نحو 50 مليار دولار في 2015م، مشيرين إلى أنّ هذا سيساعد رجال الأعمال الأتراك على منافسة رجال الأعمال الأمريكيين والأوروبيين، بحيث لا يتبقى أمامهم سوى الشركات الصينية واليابانية التي سبقت تركيا إلى القارة الإفريقية.
رابعاً: الأهمية الدينية:
يعكس استمرار عمليات التنصير في القارة الإفريقية من طرف القوى الاستعمارية، ودعمها للجماعات والأنظمة التي تشاركها العقيدة نفسها، البعد الديني في التنافس الدولي على القارة، وانتماء إيران وتركيا للدائرة الإسلامية لا ينفي حضور هذا البعد أيضاً، خصوصاً مع الفوارق الكبيرة، والصراعات بين الشيعة والسنة، وتأثير المعتقدات الشيعية على السياسة الخارجية الإيرانية.
أما بالنسبة لتركيا؛ فبرغم تبنّيها للعلمانية فإنّ حزب العدالة والتنمية يحاول أن يقدّم نفسه بوصفه (علمانية مؤمنة)، كشأن الأحزاب الدينية في أوروبا، ويدرك أهمية هذا العامل في تجسيد أهداف سياسة أنقرة الخارجية ضمن عنوان عريض، ركّز عليه أحمد داود أوغلو كثيراً، ألا وهو (البعد الحضاري).
إيران:
لم تخل المشاريع الإيرانية من الجانب الديني في إفريقيا، بل يقع في جوهر أهدافها دون أن يعني بالضرورة تعارضه مع الأهداف الأخرى، إذ تجري عمليات ممنهجة لنشر التشيّع في كلّ أرجاء القارة، وفق آليات مختلفة، تتكيف مع المعطيات المحلية لكلّ منطقة، فكلّ الدول الإفريقية تقريباً يوجد طلبة منها في الحوزات الشيعية، حيث خُصّصت منح دراسية لطلاب من دول شرق إفريقيا وجنوبها للدراسة في الحوزة العلمية بمدينة (قم)، ويقدّر الطلاب الذين درسوا هناك حتى 2005م بما بين 600 – 700 طالب، كما قامت بإنشاء مراكز ثقافية في بعض الدول، وخصوصاً في (تنزانيا، كينيا، نيجيريا، سيراليون، والسنغال)(28)، وقدّمت طهران منحاً دراسية للكينيين للتعلّم في إيران(29).
ويتفاوت وجود المتشيعين من دولة إلى أخرى، إذ يصل في بعضها إلى مستوى الظاهرة، كما في مصر، ودول في غرب إفريقيا بشكل عام، حيث توجد جالية لبنانية شيعية كبيرة موالية لحزب الله هناك، ساهمت بنشر التشيع في السنغال ونيجيريا التي يوجد بها أكبر تجمّع للشيعة في غرب إفريقيا(30).
غير أنّ سياسة نشر التشيع تجد مواجهة متعددة المستويات، تتراوح بين الرفض الرسمي كإغلاق المملكة المغربية السفارة الإيرانية، وغير الرسمي ممثلاً في النشاط الديني والسياسي المناهض للعملية، بوصفها ضرباً لثوابت عقدية، وتهديداً لتماسك المجتمعات، مثلما عبّر عنه الأزهر الشريف في زيارة نجاد الأخيرة لمصر سنة 2012م، أو العلماء والدعاة، كالشيخ يوسف القرضاوي، والأمر نفسه ينطبق على الدول الإفريقية الأخرى، فكثيرون بدؤوا في التنبّه إلى الخطر الإيديولوجي للوجود الإيراني، فالنيجيريون يرفضون تدخّل إيران ودعمها للإسلاميين والتشيع في الميدان السياسي النيجيري، وفي السودان بدأت حملات كبيرة للتحذير من التشيع السياسي، ودعوات واضحة من الأحزاب السّياسية التقليدية، وأحزاب جديدة دخلت في حكومة البشير، تدعو لفكّ الارتباط بالمحور الإيراني، والسّعي لتأمين العمق العربي(31).
تركيا:
أولت حكومة العدالة والتنمية أهمية كبيرة للعلاقات الدينية في تحقيق أهدافها، فبعد أن احتضنت عام 2006م (الدورة الأولى لقمّة القيادات الدينية الإسلامية بإفريقيا)، عقدت في نوفمبر 2011م بإستانبول القمّة الثانية بحضور 110 مشاركين، قدموا من 46 دولة إفريقية، وأشار أردوغان في كلمته أمام المؤتمرين إلى دور الزعامات الإسلامية الإفريقية المهمّ؛ كون القيادات الدينية هي التي (تفتح القلوب، وأبواب الخير)، وشدّد على أنّ بلاده عاقدة العزم على تكثيف علاقاتها ببلدان القارة بهدف بناء شراكة كبيرة قائمة على الأخوّة الإسلامية الصادقة، مندّداً بسلوك الدول الغربية التي أشار إلى مسؤوليتها في (استغلال مقدّرات القارة)، وعلى الصعيد الثقافي استقبلت تركيا، في الفترة نفسها، مئات الطلبة الأفارقة، كما افتتحت عشرات المدارس التركية بالعديد من المدن الإفريقية(32).
الخلاصة:
تكشف الحقائق السياسية معبّراً عنها في النشاط الدبلوماسي والأرقام الاقتصادية عن حضور قوي لتركيا وإيران في القارة الإفريقية، وإدراك صانعي القرار في البلدين لأهميتها من مختلف النواحي، ونجاحاتهما وإخفاقاتهما تتفاوت من مجال لآخر، ولأسباب متعددة، وأهم ما يمكن استنتاجه من المقارنة بينهما ما يأتي:
1 – توجهات السياستين التركية والإيرانية عالمية وليست إقليمية، ولكن توجهات إيران تدخلية بعكس تركيا، فتركيا لا تحاول تغيير السلطة السياسة في الدول، فالخلفية الأيديولوجية الإيرانية الثورية (تصدير الثورة)، والتي لم تختلف كثيراً بتعاقب الإصلاحيين والمحافظين، تجعل سياسة إيران ذات طابع شبه (عسكري / استخباراتي)، وتصدّر الحرس الثوري لتلك النشاطات، كونه يسيطر على نسبة كبيرة من الاقتصاد الإيراني، وعلاقاته بالحركات السياسية العسكرية في إفريقيا، يضع إيران دائماً في موقع تشكيك، وقد تجلّى ذلك في نشاط (حزب الله) في القارة وسط الجالية اللبنانية، وعلاقاته بتنظيمات مسلحة أخرى، ودعم إيران للحركات المتمردة، مثل متمردي السنغال، وحركة إبراهيم الزقاق في نيجيريا، أدى لقطع هذه الدول علاقاتها بإيران، يختلف الأمر بالنسبة لتركيا، حيث استطاعت بناء علاقات مع كلّ الأنظمة عبر القنوات الرسمية، وباعتمادها سياسة تصفير المشكلات مع الجيران؛ فإنها من باب أولى لن تتسبب فيها مع الدول الإفريقية التي لا تشكل جلّها أي تهديد على أمنها القومي.
2 – في حين تجد تركيا إلى جانبها دول عربية تشكّل مجتمعة بوابة إفريقيا، تعمل معها وتساهم في توسيع مصالحها في القارة، نظراً لعدم وجود كثير من القضايا الخلافية بينهما، حتى عندما تأزّمت العلاقات التركية المصرية، بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، كانت مواقف أنقرة ردّ فعل على تغيّرات داخلية، والأمر مرهون بالتحولات الجارية في مصر، وتبقى المحصلة الأخيرة في إمكانية عودة العلاقات، على عكس إيران التي لها مشكلات مع دول مثل القاهرة ومراكش، فبرغم التحول الذي جرى في مصر عقب ثورة 25 يناير فإنّ العلاقات معها كانت محلّ جدل داخلي وخارجي، وتنظر دول الخليج إلى التحركات الإيرانية بعين الشك والريبة، وتجدها تهديداً لأمنها القومي؛ على غرار تحركاتها في القرن الإفريقي، ودعم الحوثيين في اليمن.
3 – اعتماد إيران على البعد الطائفي بنشر التشيع، وما يسبّبه من ردود فعل رسمية وغير رسمية، والشروخ التي يحدثها بين المكونات المجتمعية، إضافة إلى البعد الثوري، فاقَمَ من أزمة الثقة في طهران، وقد انعكس ذلك سلباً على علاقاتها بإفريقيا على المستويين المتوسط والبعيد، أدناه أن تراجع القوى الموالية لإيران سياساتها.
وعلى العكس من ذلك؛ فإنّ العلاقات الدينية بين تركيا والأفارقة تتم بين المؤسسات الرسمية الحكومية وغير الحكومية، ونظراً لغالبية المعتقد السنّي في إفريقيا فإنّ العلاقات مع تركيا محلّ ترحيب، ولا توجد مخاوف مجتمعية منها، حتى إن كانت تركيا أيضاً تعمل في المجال الديني، لكن هناك فرق كبير بين العمل ضمن مجال طبيعي، وبين محاولة التغيير واستحداث تكوينات دينية جديدة، كمحاولات إيران لنشر التشيع، وردود الفعل الناجمة عن الشروخ التي يحدثها.
4 – وبينما تركز إيران في خطاب معاداة الغرب، والتحالف مع إفريقيا من أجل تكوين حلف لمواجهتها، فإنّ تركيا تقدّم نفسها بوصفها بديلاً يحترم حقوق الإنسان، صادقاً في مساعدته للدول الإفريقية، بينما اقتصرت أهداف إيران على البحث عن تأييد لبرنامجها النووي في المحافل الدولية، والبحث عن اليورانيوم، وجعل القارة ساحة خلفية لصراعها مع الغرب.
5 – تبعاً لذلك؛ تُعَدّ تركيا أكثر اندماجاً في السياسات الدولية، إذ تشارك في مهمات الأمم المتحدة الإنسانية، وتبذل جهوداً لحلّ الأزمات، ويلاحظ انسجام العنصر التركي اجتماعياً، وقدرته على التكيف، خصوصاً أنّ معظم الأتراك يجيدون اللغة العربية، الأمر الذي يسهّل سرعة اندماجهم في المجتمعات الإفريقية العربية والمتحدثة بالعربية؛ كما في السودان مثلاً.
في المقابل لا تتوقف إيران عند ضعف أدائها في هذا المجال، حيث لم تكن هناك أي مبادرة إيرانية منفردة أو ضمن إطار دولي لحلّ أزمة من أزمات القارة الكثيرة، بل أكثر من ذلك تحاول دعم أطراف على حساب أخرى، كما أنها ببحثها عن اليورانيوم في القارة تقحم الدول الإفريقية في مشكلات إضافية، والأخيرة لديها علاقات مع أمريكا لا يمكن أن تفرّط فيها من أجل إيران.
أما تركيا؛ فكان إيصالها لمجلس الأمن نتيجة كسب الأصوات الإفريقية، وبينما أصبحت شريكاً استراتيجياً في الاتحاد الإفريقي ما زالت إيران في درجة المراقب، والتعاون الإيراني الروسي أو الصيني في إفريقيا ضد الولايات المتحدة يبقى أمراً مستبعداً؛ لأن التنافس في المنطقة حول المصالح الاقتصادية بدرجة أولى، وهي ليست بالأهمية الاستراتيجية مقارنة بسوريا مثلاً.
6 – الاقتصاد التركي أكثر تنوعاً وتطوراً من الاقتصاد الإيراني، ويحقّق أرقاماً كبيرة جداً، خصوصاً في مجال المقاولات والنسيج، بالرغم من أن تركيا تستورد الغاز الطبيعي والبترول من الدول الإفريقية، على عكس صادرات إيران لإفريقيا التي تركز في النفط خصوصاً، ومشاريعها الأخرى ما زالت محدودة، غير أنها مرتبطة بمحاولة استغلال اليورانيوم، أو المشاريع القريبة من المجال النووي على غرار توفير الطاقة الكهربائية، وحتى الصادرات النفطية للقارة تأثرت بالعقوبات الدولية، حيث أوقفت جنوب إفريقيا وارداتها من النفط الإيراني في أوت / أغسطس 2012م استجابة للعقوبات.
الإحالات والهوامش:
(*) باحث جزائري.
(1) مدحت حماد: أنماط التداخل بين الأمن القومي الإيراني والأمن القومي المصري في القرن الإفريقي، ورشة عمل (الدور الإيراني في إفريقيا)، المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية، 26/6/2007م، ص 17.
(2) عمر البشير الترابي: إيران في إفريقيا.. القوّة الناعمة والأرض الرّخوة، مجلة المجلة، 31/1/2013م، على الرابط:
http://www.majalla.com/arb/2013/01/article55242177
(3) أحمد داود أوغلو – ترجمة: د. فاطمة ابراهيم المنوفي -: معالم السياسة الخارجية التركية في منطقة متغيرة وفي العالم، رؤية تركية، العدد 1، 1/2012م.
(4) أحمد داود أوغلو، المرجع السابق، ص 144.
(5) لتفاصيل أكثر انظر: نبيل المظفري، العلاقات الليبية التركية 1969م – 1989م: دراسة سياسية اقتصادية، ط 1، عمان: دار غيداء للنشر، 2011م، ص 132 – 138.
(6) مناورات بحرية مصرية تركية في البحر المتوسط، جريدة الزمان، 9/10/2012م، على الرابط: http://www.azzaman.com/?p=15428
(7) سفن حربية تركية تتمركز في المياه الدولية بالبحر المتوسط، أخبار العالم، 13/2/2013م، على الرابط: http://www.akhbaralaalam.net/?aType=haber&ArticleID=58714
(8) مدحت حماد، مرجع سابق، ص 16
(9) حمدي عبد الرحمن: المثلث الإيراني التركي الإسرائيلي وإفريقيا، الجزيرة نت، 23/5/2010م، على الرابط:
http://www.aljazeera.net/opinions/pages/a5d47e20-29df-435d-9847-30fb8389f93c
(10) محمد نجيب السعد: تركيا والعودة الى إفريقيا، على الرابط:
(11) MEHMET OZKAN, BIROL AKGUN,Turkey’sopeningtoAfrica,Cambridge journal, November 2010, p 532.
(12)MEHMET OZKAN. BIROL AKGUN. Turkey’s opening toAfrica. p 533.
(13) أردوغان يوجه أنظاره إلى إفريقيا لتعزيز نفوذ تركيا السياسي، الوطن الكويتية، 2013/1/9م، على الرابط:
http://alwatan.kuwait.tt/articledetails.aspx?Id=246616
(14) محمد نجيب السعد، مرجع سابق.
(15) محمد سليمان الزواوي: أبعاد الدور التركي في إفريقيا وآفاقه، مجلة قراءات إفريقية، العدد 9، سبتمبر 2011م، ص 78.
(16) محمد سليمان الزواوي، المرجع السابق، ص 79.
(17) كانت هناك 37 زيارة على مستوى عال من تركيا إلى إفريقيا، و 76 زيارة على مستوى الرؤساء ورؤساء الوزراء ورؤساء البرلمانات ووزراء الشؤون الخارجية من إفريقيا إلى تركيا، بالإضافة إلى 72 اجتماعاً رفيع المستوى على هامش المؤتمرات الدولية، و 118 زيارة على مستوى وزراء التجارة، و 30 زيارة على مستوى وزراء الزراعة والتنمية الريفية، و 36 زيارة لوزراء الدفاع، و 17 زيارة ثنائية من وزراء الطاقة والموارد الطبيعية والبنى التحتية، و 347 اتفاقاً مبرماً أو التفاوض عليها حالياً، و 12 جلسة مشاورات سياسية، وأيضاً عقد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بأقل البلدان نمواً، منها 33 من إفريقيا، والذي عُقد في إستانبول في مايو 2011م بوصفها البلد المضيف لهذا المؤتمر.
(18) حسين مجدوبي: زيارة أردوغان للمغرب العربي تجعل من تركيا منافساً سياسياً واقتصادياً قوياً لفرنسا وإسبانيا، القدس العربي، 7/6/2013م، على الرابط: http://www.alquds.co.uk/?p=51912.
(19) أحمد داود أوغلو – ترجمة: محمد جابر ثلجي وطارق عبد الجليل -: العمق الاستراتيجي.. موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية، ط 2، الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، 2011م، ص 241.
(20) لتفاصيل أكثر انظر: سمير ذياب سابيتان، تركيا في عهد رجب طيب أردوغان، ط 1، عمان: الجنادرية للنشر والتوزيع، 2012م، ص 38.
(21) بوزيدي يحيى: السياسة الخارجية التركية تجاه الدول المغاربية بعد 2002م، مذكرة ماجستير غير منشورة، 2014، ص 174.
(22) حمدي عبد الرحمن، مرجع سابق.
(23) حمدي عبد الرحمن، مرجع سابق.
(24) عبد الله ولد محمد بمب: الحضور الإيراني في غرب إفريقيا: استثمار.. أسواق.. تشيع؟، موقع الميادين، 0/11/2012م، على الرابط:
http://meyadin.net/9876545678/4333-2012-11-05-20-51-16.html
(25) مروى صبري: إيران وإفريقيا.. اليورانيوم رأس الدوافع، الشرق الأوسط، ع 11651، 22/10/2010م، على الرابط:
http://www.aawsat.com/details.asp?section=45&article=591928&issueno=11651#.Ut–
(26) أحمد داود أوغلو: العمق الاستراتيجي، مرجع سابق، ص 244.
(27) TURKEY IN AFRICA: THE IMPLEMENTATION OF THE ACTION PLAN AND AN EVALUATION AFTER FIFTEEN YEARS,CENTER FOR MIDDLE EASTERN STRATEGIC STUDIES, ORSAM Report No: 124. July 2012, P 13.
(28) مدحت حماد، مرجع سابق، ص 26.
(29) حمدي عبد الرحمن، مرجع سابق.
(30) عبد الله ولد محمد بمب، مرجع سابق.
(31) عمر البشير الترابي، مرجع سابق.
(32) عبد الله بن عالي: قمة للقيادات الدينية الإفريقية بإسطنبول، الجزيرة نت، 22/11/2011م، على الرابط:
http://www.aljazeera.net/news/pages/3cf85e42-3b12-4413-b981-a88bb09a4ad