وقَّعت المملكة المتحدة اتفاقية مع دولة موريشيوس تم بموجبها إعلان سيادة موريشيوس على جزر تشاغوس، وذلك يوم الخميس الموافق 22 مايو 2025م؛ لتُنهي هذه الاتفاقية سنوات طويلة من الخلاف بين موريشيوس والمملكة المتحدة؛ حيث ظلت موريشيوس تطالب بإرجاع جزر تشاغوس إلى سيادتها؛ حيث كانت المملكة المتحدة قد ضمَّت الجزر إلى مستعمراتها في عام 1814م، وفي عام 1965م قامت المملكة المتحدة بفصل الجزر عن موريشيوس، وأعلنتها جزءًا من بريطانيا تحت مسمى إقليم المحيط الهندي البريطاني.
ونظرًا للأهمية الإستراتيجية للجزر لوقوعها في وسط المحيط الهندي؛ فقد تم إنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة ديجو جارسيا التابعة لأرخبيل تشاغوس بالتعاون بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وكانت كل من بريطانيا ومن خلفها الولايات المتحدة تماطلان في تسليم الجزر إلى موريشيوس؛ بسبب الأهمية الإستراتيجية والجيوسياسية لهذه القاعدة العسكرية.
لكن مع تغيُّر الأوضاع الدولية والإقليمية؛ وقَّعت المملكة المتحدة أخيرًا على هذه الاتفاقية مع موريشيوس، لتستعيد بموجبها ملكية الجزر مرة أخرى، ورغم ذلك تعرَّضت هذه الاتفاقية للعديد من الانتقادات رغم الدعم الرسمي الحكومي لها.
ومن خلال هذه الدراسة يمكن عرض مضمون الاتفاقية المُبرَمة بين المملكة المتحدة وموريشيوس، والدوافع التي جعلت بريطانيا تُبرم الاتفاقية في هذا التوقيت، بجانب عرض المواقف والتداعيات الناجمة عن توقيع هذه الاتفاقية؛ وذلك فيما يلي:
أولاً: الموقع الجغرافي لجزر تشاغوس ونبذة تاريخية عنها:
تقع جزر تشاغوس المعروفة رسميًّا باسم إقليم المحيط الهندي البريطاني (BIOT) في المحيط الهندي على بُعد حوالي 5799 ميلًا جنوب شرق المملكة المتحدة، وحوالي 1250 ميلاً شمال شرق موريشيوس، وتتكون من سبع جزر مرجانية تضم حوالي 60 جزيرة فردية، وتبلغ مساحة هذه الجزر نحو 56 كيلو مترًا مربعًا، بينما تبلغ مساحة جزيرة دييجو جارسيا وحدها 32.5 كيلو متر مربع، وقد تم فصل جزر تشاغوس عن موريشيوس في عام 1965م، عندما كانت موريشيوس لا تزال مستعمرة بريطانية؛ حيث اشترت بريطانيا الجزر مقابل 3 ملايين جنيه إسترليني، لكنّ موريشيوس زعمت أنها أُجبرت بشكل غير قانوني على التنازل عنها كجزء من صفقة للحصول على الاستقلال عن بريطانيا.
وفي أواخر ستينيات القرن العشرين خلال الحرب الباردة دعت بريطانيا الولايات المتحدة إلى بناء قاعدة عسكرية على جزيرة دييجو جارسيا، أكبر جزر أرخبيل تشاغوس، مما أدى إلى تهجير الآلاف من الأشخاص قسرًا من منازلهم في هذه العملية، وانتهى الأمر بترحيل بعض هؤلاء التشاغوسيين إلى موريشيوس وسيشل خلال الفترة من 1968 إلى 1973م، كما استقر عدد آخر منهم في المملكة المتحدة، ومعظمهم في كرولي غرب ساسكس، وعلى الرغم من عدم وجود أرقام دقيقة يُعتقد أن ما بين 1400 و1700 شخص قد أُبعدوا من الجزر، وفي عام 2002م مع تعديل قانون الجنسية البريطانية، أصبح العديد من سكان جزر تشاغوس الذين حصلوا تلقائيًّا على جنسية الأقاليم البريطانية فيما وراء البحار، مواطنين بريطانيين.([1])
وتوضّح الخريطة التالية موقع جزر تشاغوس والمسافة بينها وبين المملكة المتحدة:
Source: https://www.bbc.com/news/articles/c9dqg3nqynlo
ومع استمرار الضغوط الدولية على بريطانيا، وتمسُّك موريشيوس بجزر تشاغوس، والمطالبة المستمرة بإنهاء استعمارها؛ فقد انخرطت أكثر من حكومة بريطانية مع حكومات موريشيوس كذلك في مفاوضات استمرت لسنواتٍ من أجل التوصل إلى اتفاق يُرضي الطرفين، ويضمن مصالح بريطانيا والولايات المتحدة في تشغيل القاعدة العسكرية في دييجو جارسيا من خلال تأجير الجزيرة الموجود عليها القاعدة العسكرية.
ورغم أن حزب المحافظين البريطاني كان قد انخرط في المفاوضات مع حكومة موريشيوس عندما كان في السلطة، لكنّ حزب العمال هو الذي أعلن في أكتوبر 2024م عن وجود خطة لتسليم أرخبيل جزر تشاغوس إلى موريشيوس؛ وذلك بعد التوصل إلى اتفاق بين الحكومة البريطانية ورئيس حكومة موريشيوس السابق برافيند جوجناوث، لكن بعد شهر تم إزاحته من السلطة بعد خسارته في الانتخابات، وانتقد رئيس وزراء موريشيوس الجديد نافين رامغولام الاتفاق الذي تفاوض عليه سلفه، كما أنه عقب إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي ترامب تعرَّض الاتفاق إلى حالة من الجمود بسبب مزاعم الجمهوريين بأن الاتفاق يعزز من الوجود العسكري للصين في المحيط الهندي، وهو ما جعل بريطانيا تُوقِف الصفقة حينها؛ لحين مراجعة ترامب والإدارة الأمريكية للاتفاقية.([2])
وفي فبراير 2025م خلال لقاء رئيس الوزراء البريطاني مع الرئيس الأمريكي ترامب، صرَّح ترامب بأنه يميل إلى دعم تسليم جزر تشاغوس إلى موريشيوس، كما أعلن رئيس وزراء موريشيوس أن ممثلين من الولايات المتحدة سيحضرون المفاوضات المتعلقة بشأن الجزر؛ ونظرًا لأن الاتفاقية سمحت باستمرار تشغيل القاعدة العسكرية المشتركة بين بريطانيا وأمريكا، لكن مقابل دفع إيجار لموريشيوس مع طول مدة عقد إيجار القاعدة التي تقترب من 140 سنة، ويحق تجديدها لمدد أخرى؛ فقد دعمت الولايات المتحدة الأمريكية تمرير هذه الصفقة، وتم التوقيع على الاتفاقية أخيرًا في 22 مايو 2025م، وتبلغ قيمة الصفقة التي أُبرمت لتنفيذ هذه الاتفاقية 3.4 مليار جنيه إسترليني، والتي تعادل قيمتها 4.6 مليار دولار أمريكي، كتكلفة صافية؛ حيث ستدفع الحكومة البريطانية لموريشيوس ما يقدر بنحو 101 مليون جنيه إسترليني سنويًّا لمدة 99 عامًا مقابل إيجار جزيرة دييجو جارسيا الموجود عليها القاعدة العسكرية.([3])
ثانيًا: مضمون الاتفاقية المُوقَّعة بين المملكة المتحدة وموريشيوس في مايو 2025م:
1-عنوان الاتفاقية:
بدأت هذه الاتفاقية بالعنوان، والذي يشير إلى أنها اتفاق بين حكومة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا الشمالية وحكومة جمهورية موريشيوس بشأن أرخبيل تشاغوس بما في ذلك دييجو جارسيا.
2-ديباجة الاتفاقية:
لقد أوضحت ديباجة الاتفاقية المنطلقات التي تم بموجبها إبرام هذه الاتفاقية، والتي تتمثل في التاريخ الطويل والمشترك بين المملكة المتحدة وموريشيوس، والرغبة في بناء شراكة ثنائية ودائمة تقوم على الاحترام المتبادل والثقة، وسيادة القانون والأمن في منطقة المحيط الهندي الأوسع، ومراعاة قرارات المحاكم والهيئات القضائية الدولية، مع رغبة المملكة المتحدة في الاعتراف بأخطاء الماضي والحاجة إلى استكمال عملية إنهاء الاستعمار في موريشيوس، ودعم رفاهية سكان جزر تشاغوس، وتعزيز حماية البيئة والتنوع البيولوجي، بجانب ضمان حماية السلم والأمن الدوليين، بما في ذلك ضمان التشغيل الآمِن والفعَّال لقاعدة دييجو جارسيا على المدى الطويل.([4])
3-مواد الاتفاقية:
اشتملت الاتفاقية على 19 مادة، وانقسمت هذه المواد إلى عدد من الفقرات ويمكن عرضها فيما يلي:
لقد نصت المادة رقم (1) على تمتع موريشيوس بالسيادة على أرخبيل تشاغوس بأكمله، بما فيه جزيرة دييجو جارسيا.
وتلتها المادة رقم (2) التي منحت المملكة المتحدة تفويضًا بشأن جزيرة دييجو جارسيا؛ حيث نصت على أنه باعتبار موريشيوس دولة ذات سيادة فإنها تسمح للمملكة المتحدة بممارسة حقوق وسلطات موريشيوس فيما يتعلق بجزيرة دييجو جارسيا وفقًا لشروط الاتفاقية، وفسّرت هذه السلطات التي تحتاجها المملكة بما يضمن التشغيل طويل الأمد والآمِن والفعّال للقاعدة العسكرية في جزيرة دييجو جارسيا، بما يفي بمتطلبات الدفاع والأمن، على أن تحتفظ موريشيوس بملكية الأرض والمياه الإقليمية لدييجو جارسيا، بما في ذلك قاع البحر والتربة التحتية، والاختصاص المدني والجنائي وإصدار العملات المعدنية والطوابع التذكارية، وتسجيل المواليد والوفيات والزواج للمواطنين من موريشيوس والأشخاص غير المرتبطين بالقاعدة العسكرية، وكذلك لموريشيوس حق ترخيص وتشغيل الخدمات البريدية غير المرتبطة بالقاعدة، مع سيادتها على الموارد الطبيعية بما في ذلك مصائد الأسماك والحفاظ على البيئة البحرية وحمايتها، وتنظيم الأنشطة التجارية وخدمات الاتصالات الإلكترونية غير المرتبطة بتشغيل القاعدة العسكرية، مع النص على أنه يجوز للمملكة المتحدة أن تُفوّض الولايات المتحدة الأمريكية بتشغيل القاعدة بالاشتراك مع المملكة المتحدة.
ثم جاءت المادة رقم (3) متحدثة عن شروط وإجراءات الدفاع والأمن؛ حيث تحترم المملكة المتحدة سيادة موريشيوس على أرخبيل تشاغوس، مع اشتراط عدم التدخل بأيّ شكل في التشغيل طويل الأمد للقاعدة العسكرية، مع تحمل المملكة المسؤولية الكاملة عن الدفاع عن القاعدة العسكرية وأمنها، مع تعاون طرفي الاتفاقية في المسائل المتعلقة بالأمن البحري؛ بما فيه الاتجار بالمخدرات والأسلحة والأشخاص وتجارة البشر والقرصنة.
وأعقبها المادة رقم (4) التي تحدثت عن اتفاق الطرفين على ضمان الامتثال للقانون الدولي وأحكامه عند تنفيذ وتطبيق الاتفاقية بما في ذلك الأنشطة المتعلقة بالقاعدة.
وتلتها المادة رقم (5) التي تحدثت عن تعاون الطرفين في مجال حماية البيئة؛ حيث توافق المملكة على دعم موريشيوس في إنشاء وإدارة منطقتها البحرية المحمية في أرخبيل تشاغوس بموجب شروط خاصة يتفقان عليها، بجانب التعاون في حماية البيئة بما في ذلك انسكاب النفط والصيد غير المشروع وغير المنظم.
ثم جاءت المادة رقم (6) متحدثة عن إعادة توطين سكان جزر تشاغوس؛ حيث منحت موريشيوس، بما لها من سيادة الحق في تنفيذ برنامج إعادة توطين في جزر تشاغوس، باستثناء جزيرة دييجو جارسيا، على أن تنفذ برامج إعادة التوطين وفقًا لأحكام هذه الاتفاقية وقوانين موريشيوس.
وأعقبتها المادة رقم (7) متحدثة عن الالتزامات والترتيبات الدولية؛ حيث نصت على تأكيد كل طرف أن أيًّا من التزاماته أو ترتيباته الدولية القائمة حاليًّا بينه وبين أيّ طرف ثالث لا يتعارض مع أحكام هذه الاتفاقية، ولا يؤثر أي شيء في هذه الاتفاقية على وضع الالتزامات الدولية القائمة، مع الموافقة على عدم الدخول في أي التزامات دولية مستقبلية من شأنها التعارض مع أحكام هذه الاتفاقية، كما يتفق الطرفان على عدم الخضوع لأيّ التزام ناشئ بموجب معاهدة ليس طرفًا فيها أو لا تنطبق فيما يتعلق بالتزاماته ومعاهداته الخاصة على الإقليم الذي تغطيه هذه الاتفاقية.
ثم جاءت المادة رقم (8) متحدثة عن أحكام نقل سيادة جزر تشاغوس إلى موريشيوس في المنظمات الدولية؛ حيث توافق المملكة على ضمان توافق عضويتها في المنظمات الدولية بما يتفق مع المادة الأولى من الاتفاقية التي تعطي موريشيوس حق السيادة على الجزر.
وتحدثت المادة رقم (9) عن الولاية القضائية والرقابية؛ حيث منحت المملكة المتحدة حق ممارسة الولاية القضائية والرقابية فيما يتعلق بجزير دييجو جارسيا، وتمارس موريشيوس ولايتها القضائية الجنائية والمدنية على مواطنيها وغيرهم من الأشخاص والأنشطة فيما يتعلق بدييجو جارسيا وفقًا لترتيبات الولاية القضائية والرقابية الواردة في الملحق رقم (2) بالاتفاقية.
وأعقبتها المادة رقم (10)، والتي تتحدث عن الوظائف والتعاقدات الممنوحة لموريشيوس؛ حيث نصت على أنه فيما يتعلق بالعقود الممنوحة لدعم تشغيل القاعدة العسكرية، يجوز للمملكة اختيار الموظفين المدنيين والتعاقد معهم للعمل بجانب توقيع العقود المتعلقة بمصادر المعدات والإمدادات والأفراد بحرية، مع مراعاة توظيف مواطنين من موريشيوس مؤهلين بشكل مناسب للعمل بعقود في القاعدة إلى أقصى حد ممكن عمليًّا بما يتفق مع السياسات والمتطلبات والقوانين المطبقة على منح العقود، مع إعطاء الأفضلية لشركات موريشيوس المؤهّلة بشكل مناسب فيما يتعلق بالتعاقد على الخدمات والإمدادات الخاصة بالقاعدة إلى أقصى حد ممكن، وفي حالة حدوث تفضيل لشركات أجنبية ولم تحصل شركات من موريشيوس على عقود عمل يتعين على المملكة بناء على طلب مقدم لها ضمان تقديم أسباب قرار تفضيل الشركات الأجنبية بقدر ما تسمح به القوانين والسياسات المعمول بها.
وجاءت المادة رقم (11) متحدثة عن الشراكة الاقتصادية بين الطرفين؛ حيث توافق المملكة المتحدة على دفع مبلغ سنوي لموريشيوس، مع تمويلها لصندوق ائتماني لصالح سكان تشاغوس، ومنح تمويل متعدد السنوات كجزء من إطار عمل إنمائي للمشاريع التي ستنفذها موريشيوس على مدى 25 عامًا، على أن يُتفق على ترتيبات هذه المدفوعات بما في ذلك المبالغ والطرق بشكل منفصل، وتُشكّل هذه الاتفاقية التسوية الكاملة والنهائية لجميع مطالبات موريشيوس المتعلقة بأرخبيل تشاغوس.
وتلتها المادة رقم (12) التي تحدثت عن إنشاء لجنة مشتركة لتسهيل تنفيذ الاتفاقية على أن يكون تشكيل اللجنة ومهامها وإجراءاتها وفقًا للملحق الثالث بالاتفاقية.
ثم تحدثت المادة رقم (13) عن مدة هذه الاتفاقية، والتي تم الاتفاق على أن تكون 99 عامًا من تاريخ دخولها حيّز النفاذ، بحيث تكون تلك المدة فترة أولية، ويجوز تمديد الاتفاقية لمدة 40 عامًا أخرى شريطة أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق بشأن شروط التمديد لفترة إضافية في موعد لا يتجاوز عامين قبل انتهاء الفترة الأولية أو خلال أيّ مدة أخرى يتفق عليها الطرفان كتابيًّا، وبعد انتهاء أيّ فترة إضافية يجوز للطرفين تمديد هذه الاتفاقية لفترة أو فترات أخرى، وبالشروط التي يتفقان عليها، وفي حالة عدم التوصل إلى اتفاق بشأن شروط الفترة الإضافية أو عند انتهاء أيّ فترة أو فترات أخرى تنتهي هذه الاتفاقية، وعلى الرغم من أيّ إنهاء لمدة الاتفاقية توافق موريشيوس على منح المملكة المتحدة حق الرفض الأول فيما يتعلق باستخدام دييجو جارسيا بنفس الشروط التي تعرض على أيّ دولة ثالثة أو طرف ثالث، وهذا الحق في الرفض يكون متاحًا للمملكة عند انتهاء الفترة الأولية لمدة 40 عامًا، أو تمارسه المملكة في غضون 6 أشهر من إخطار موريشيوس بهذه الشروط نفسها عبر القنوات الدبلوماسية.
وأعقبتها المادة رقم (14) التي تحدثت عن مسألة تسوية النزاعات التي قد تنشأ بين الطرفين بشأن تفسير أو تطبيق الاتفاقية؛ حيث يُحيل الطرفان النزاع أولًا إلى اللجنة المشتركة، وفي حالة تعذر تسوية النزاع يتفق الطرفان على إجراء مشاورات في أقرب وقت وفي موعد لا يتجاوز 30 يومًا من تاريخ تقديم طلب كتابي، وفي حالة عدم تسوية النزاع في غضون 3 أشهر يلجأ الطرفان للمفاوضات على مستوى عالٍ مناسب، وإذا أثار أحد الطرفين مخاوف تتعلق بمصالحه الأمنية الأساسية نتيجة لتنفيذ هذه الاتفاقية؛ يجوز طلب إجراء مشاورات مباشرة بين رؤساء وزراء البلدين للحصول على ردّ بشأن مخاوفه.
ثم تلتها المادة رقم (15) والتي تناولت الأحكام المتعلقة بإنهاء هذه الاتفاقية؛ حيث نصت على عدم جواز إنهاء هذه الاتفاقية مِن قِبَل موريشيوس؛ إلا إذا توافر سبب لإنهاء الاتفاقية، وتتمثل الأسباب المعروضة في عدم سداد المملكة المستحقات المنصوص عليها في المادة رقم (11) لموريشيوس، أو وجود تهديد خطير لمصالحها الوطنية العليا يتمثل في وقوع هجوم مسلح أو تهديد بهجوم مسلح على أراضي موريشيوس من جانب المملكة المتحدة، أو هجوم مسلح ينطلق مباشرة من قاعدة دييجو جارسيا، وفي حال استناد موريشيوس لأحد أسباب الإنهاء السابقة تخطر المملكة المتحدة كتابيًّا عبر القنوات الدبلوماسية، وتقدم بيانًا بالأسباب التي تجعلها ترى وجود سبب لإنهاء الاتفاقية، وفي غضون 30 يومًا من هذا الإخطار الكتابي ما لم يُمدّد بالاتفاق؛ تقرر المملكة المتحدة ما إذا كانت ستقبل إنهاء الاتفاقية أم لا، وفي حالة عدم قبول إنهاء الاتفاقية يجتمع الطرفان في اللجنة المشتركة بهدف إيجاد حل مقبول للطرفين، وإذا لم يتم التوصل لحل مقبول في غضون 3 شهور من أول اجتماع -ما لم يمدد بالاتفاق- يتفق الطرفان على أنه يجوز للمملكة المتحدة بدء التحكيم لتحديد ما إذا كان هناك سبب لإنهاء الاتفاقية أم لا وفقًا للإجراءات المنصوص عليها في الملحق رقم (4) من الاتفاقية، وفي حالة عدم شروع المملكة المتحدة في التحكيم في غضون 30 يومًا من انتهاء الإجراء يتفق الطرفان على إنهاء هذه الاتفاقية.
فيما تلتها المادة رقم (16)، والتي تحدثت عن أحكام تعديل الاتفاقية؛ حيث نصت على أنه يتم أيّ تعديل لهذه الاتفاقية بموافقة الطرفين، ويكون كتابيًّا فقط، وتدخل التعديلات حيّز النفاذ وفقًا للإجراءات الواردة في المادة رقم (18)؛ ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك باستثناء تعديلات الملحق رقم (3) الخاصة باللجنة المشتركة.
ثم جاءت المادة رقم (17) لتنص على أن ملاحق هذه الاتفاقية تُشكّل جزءًا لا يتجزأ منها، لتعقبها المادة رقم (18) بالحديث عن أحكام دخول الاتفاقية حيّز النفاذ؛ حيث نصت على دخولها حيّز النفاذ في اليوم الأول من الشهر الأول الذي يلي تاريخ استلام الإشعار اللاحق الذي يخطر فيه الطرفان بعضهما البعض باستكمال المتطلبات والإجراءات الداخلية اللازمة لدخول هذه الاتفاقية حيز النفاذ؛ ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك.
وتأتي المادة رقم (19) لتكون خاتمة مواد هذه الاتفاقية، وقد خصصت للحديث عن التعريفات المخصصة لأغراض هذه الاتفاقية؛ حيث عرفت كلّ من قاعدة دييجو جارسيا العسكرية، وأرخبيل تشاغوس، كما عرفت بجزيرة دييجو جارسيا وحددت حدودها بصورة دقيقة.
وانتهت بنود هذه الاتفاقية المحررة في لندن وبورت لويس من نسختين باللغة الإنجليزية بتوقيع كلّ من رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن حكومة المملكة المتحدة، ورئيس وزراء موريشيوس نافين رامغولام عن حكومة موريشيوس.([5])
4- ملاحق الاتفاقية:
عقب انتهاء مواد الاتفاقية ألحق بها 6 ملاحق، وعدد من المذكرات والرسائل المتبادلة التي بها مجموعة من البنود الهامة، وجاء الملحق الأول متحدثًا عن متطلبات وشروط وإجراءات الدفاع والأمن في دييجو جارسيا؛ حيث منح المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية الوصول غير المقيد والتمركز والتحليق الجوي والسماح للطائرات والسفن بالدخول إلى المجال البحري والجوي لدييجو جارسيا، مع منحهم القدرة غير المقيدة للسيطرة على سير العمليات العسكرية المسلحة، ونشر القدرات القتالية، والسيطرة على تخزين جميع البضائع بما فيها الوقود والأسلحة والمواد الخطرة، بالإضافة إلى منحهم حق نشر القوات العسكرية والمدنية وممارسة الاختصاص القضائي عليهم، فضلاً عن السماح بتركيب وتشغيل المعدات وأنظمة الاتصالات والأنظمة الإلكترونية والكابلات والتحكم في الطيف الكهرومغناطيسي وإدارته، مع إدارة ومراقبة دييجو جارسيا لضمان الاستقرار والتشغيل الآمن والفعّال للقاعدة العسكرية على المدى الطويل. وأضاف هذا الملحق مجموعة من البنود التي تمنح المملكة المتحدة وأمريكا السيطرة الكاملة على جزيرة دييجو جارسيا للاستخدام العسكري.
وجاء الملحق الثاني متحدثا عن ترتيبات الاختصاص والسيطرة؛ حيث تمنح المملكة المتحدة السلطة التنفيذية والاختصاص القضائي والجنائي والمدني اللازم لإدارة وتشغيل القاعدة العسكرية والأنشطة ذات الصلة في دييجو جارسيا، ونظّم هذا الملحق الأحكام المتعلقة بالاختصاص القضائي المتعلق بكل من الطرفين.
ثم تلاه الملحق الثالث وقد خصص للحديث عن أحكام اللجنة المشتركة بين طرفي الاتفاقية، والتي يُعدّ الهدف من إنشائها تسهيل تنفيذ الاتفاقية؛ حيث حدد هذا الملحق ضوابط إنشاء اللجنة وتكوينها ومهامها وطريقة اتخاذ القرارات فيها، ومواعيد اجتماعاتها.
وأعقبه الملحق الرابع والذي تحدث عن الأحكام الخاصة بإجراءات التحكيم في حالة حدوث نزاع بين طرفي الاتفاقية، وضوابط تشكيل هيئة التحكيم، وإجراءات ونفقات التحكيم، وقرارات هيئة التحكيم.
ثم تلا ذلك الملحق الخامس والذي تضمن مخططًا توضيحيًّا لأرخبيل تشاغوس، وتلاه الملحق السادس والذي تضمن مخططًا توضيحيًّا لدييجو جارسيا.
وعقب انتهاء الملاحق جاءت المذكرات والرسائل المتبادلة، ولعل أهمها تلك الرسالة المتعلقة بشأن تنفيذ المادة رقم (11) من الاتفاقية الخاصة بقيمة المبالغ السنوية التي سيتم دفعها لموريشيوس؛ حيث وافقت المملكة المتحدة على تقديم دفعة سنوية لموريشيوس وفقًا لمجموعة من الشروط الواردة في البند الأول من تلك الرسالة وتتمثل فيما يلي:
أ-تبلغ قيمة الدفعة السنوية للسنوات الثلاث الأولى من الاتفاقية 165 مليون جنيه إسترليني.
ب-تكون قيمة الدفع السنوي للفترة الممتدة لعشر سنوات من السنة الرابعة إلى السنة الثالثة عشرة من الاتفاقية 120 مليون جنيه إسترليني.
ج -يجب أن تكون كل دفعة سنوية عن السنوات الثلاثة عشر الأولى فيما يتعلق بفترة اثني عشر شهرًا تبدأ من تاريخ دخول الاتفاقية حيز النفاذ أو ذكرى إنشائها، بحسب الاقتضاء.
د-يتم سداد الدفعة السنوية الأولى في اليوم الأول من الشهر التالي لدخول الاتفاقية حيز النفاذ، أو خلال 21 يوم من ذلك التاريخ، ما لم يتم تمديدها بموجب اتفاق.
هـ -يجب سداد كل من الدفعات السنوية الاثنتي عشرة التالية في ذكرى دخول الاتفاقية حيز النفاذ، أو خلال 21 يوم من ذلك التاريخ، ما لم يتم تمديدها بموجب اتفاق.
وتلي هذه الفقرات 6 فقرات أخرى تنظيمية لمواعيد الدفعات السنوية، وتلاها البند الثاني في الرسالة متحدثًا عن موافقة المملكة المتحدة على تمويل صندوق ائتماني لصالح سكان جزر تشاغوس وفقًا لعدد من الشروط أبرزها دفع المملكة المتحدة 40 مليون جنيه إسترليني لموريشيوس لتمويل الصندوق الائتماني. كما أضاف البند الثالث موافقة المملكة المتحدة على توفير مِنَح لموريشيوس للتنمية؛ حيث ستمنحها مبلغ 45 مليون جنيه إسترليني كل عام لمدة 25 عامًا، على أن تستثمر موريشيوس المنحة في مشاريع تعزز التنمية الاقتصادية المستمرة والرفاهية لشعب موريشيوس، مع وجوب أن يتضمن تنفيذ هذه المشاريع دخول شركات من المملكة المتحدة بأقصى حد ممكن بما يتفق مع السياسات والقوانين المطبقة على منح العقود في موريشيوس، وتدفع جميع المدفوعات بالجنيه الإسترليني وتودع في حساب بنك موريشيوس لدى بنك إنجلترا.([6])
ثالثًا: دوافع المملكة المتحدة للتوقيع على هذه الاتفاقية مع موريشيوس:
توجد مجموعة من الدوافع والأسباب التي جعلت الحكومة البريطانية الحالية برئاسة كير ستارمر تقوم بعقد وتوقيع هذه الاتفاقية مع حكومة موريشيوس، وذلك رغم الضغوط والانتقادات التي وجهت إلى رئيس الحكومة البريطاني، وتتمثل هذه الدوافع فيما يلي:
1-صدور مجموعة من الأحكام عن هيئات دولية مختلفة تفيد بتبعية جزر تشاغوس لموريشيوس:
حيث صدرت مجموعة من الأحكام المتعددة من هيئات تابعة للأمم المتحدة تفيد بتبعية الجزر لموريشيوس، كما أفادت الأحكام بأن المملكة المتحدة ليس لديها الحق القانوني في فصل الجزر عن موريشيوس، وذلك قبل حصولها على الاستقلال في ستينيات القرن العشرين، وفي عام 2019م صدر رأي استشاري من محكمة العدل الدولية يفيد بأن عملية فصل أرخبيل تشاغوس عن موريشيوس تم بشكل غير قانوني، وأن عملية إنهاء استعمار موريشيوس لم تكتمل بشكل قانوني عندما انضمت للأمم المتحدة في عام 1965م، وأن المملكة المتحدة ملزمة بإنهاء إدارتها للأرخبيل في أسرع وقت ممكن.
كما قضت المحكمة الدولية لقانون البحار التابعة للأمم المتحدة بأن بريطانيا ليس لها سيادة على جزر تشاغوس، وهو ما يتوافق مع تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومع تزايد الأحكام الداعمة لموريشيوس فقد خشيت حكومة المملكة المتحدة من تحوُّل هذه الأحكام إلى أحكام ملزمة قانونًا، لصدورها عن المحاكم التابعة للأمم المتحدة، خاصةً بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفقدانها الدعم المتعلق بهذه القضية داخل الأمم المتحدة التي صوتت بالإجماع ضد بريطانيا في 2019م، واعتبرت أنها تنتهك القانون الدولي، ويجب عليها التحرك لاستكمال عملية إنهاء استعمار موريشيوس.([7])
ونظرًا لأهمية القاعدة العسكرية المشتركة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة في دييجو جارسيا؛ فقد رأت الحكومة البريطانية توقيع هذه الاتفاقية؛ لأنه في حالة عدم التنازل عن السيادة لموريشيوس فإن تشغيل القاعدة سيصبح غير قابل للتنفيذ، وهو ما يُشكّل تهديدًا كبيرًا لأمن المملكة المتحدة؛ حيث صرح وزير الدفاع البريطاني جون هيلي أمام أعضاء البرلمان قائلاً: “بدون هذه الصفقة قد نواجه خلال أسابيع أحكامًا قانونية خاسرة، وفي غضون سنوات ستصبح القاعدة غير صالحة للعمل”.
كما أضاف أعضاء الحكومة البريطانية أنه في حالة خسارة القضية، فإن العالم الخارجي سيكون ملزمًا باتخاذ قرارات من شأنها التدخل في إدارة قاعدة دييجو جارسيا، وهو ما سيُعرِّض اتصالات الأقمار الصناعية الموجودة في دييجو جارسيا للتهديد؛ لأن بريطانيا تعتمد على سلطة الأمم المتحدة في جنيف للحصول على إمكانية الوصول إلى الطيف الكهرومغناطيسي، بالإضافة إلى احتمالات رفض المقاولين تقديم الخدمات إلى القاعدة العسكرية المعزولة لإجراء الاصلاحات وتوفير الإمدادات؛ خوفًا من مقاضاتهم مِن قِبَل موريشيوس، فضلاً عن أن عملية استخدام الطائرات من وإلى الجزر ستكون محل خلاف بسبب القواعد الدولية التي تحكم الطيران.([8])
2-منع الصين وغيرها من القوى الدولية الأخرى من الوجود العسكري في دييجو جارسيا:
حيث إن الدافع الثاني الذي جعل الحكومة البريطانية تُقْدِم على توقيع هذه الاتفاقية هو أنه في حالة عدم وجود اتفاق بين المملكة المتحدة وموريشيوس، كان من الممكن أن تتمكن الصين من الحصول على موطئ قدم في جزر تشاغوس؛ وذلك لأنه في حالة غياب الاتفاق لن يكون هناك حظر قانوني يمنع موريشيوس من السماح للصين أو أيّ قوة أجنبية أخرى بالوجود العسكري على الجزر، لكن وفقًا لهذه الاتفاقية المبرمة فقد أصبح من حق المملكة المتحدة استخدام حق النقض مع موريشيوس لمنع الوجود على الجزر، وبدون توقيع هذه الاتفاقية فلم يكن هناك بديل أمام المملكة المتحدة إلا التهديد باستخدام القوة العسكرية إذا حاولت الصين إنشاء منشآت عسكرية على إحدى الجزر، كما أن منح موريشيوس إيجار مناسب للجزر سيجعلها تتخلى عن أي حافز مالي وتمنع فتح الجزر أمام الاستثمارات الصينية.([9]
3-محاولة المملكة المتحدة إصلاح سُمعتها الدولية أمام المجتمع الدولي:
فمنذ سنوات عديدة يتم اتهام المملكة المتحدة بالنفاق؛ لأنها ترفع راية احترام قواعد القانون الدولي على الساحة العالمية، وعلى الرغم من ذلك فإنها تتجاهل احترام القانون فيما يخص عملية إنهاء استعمار جزر تشاغوس، وهو ما جعل هناك حالة من الغليان الدبلوماسي القابل للانفجار في داخل الأوساط الدولية؛ بسبب الخلاف حول وضع جزر تشاغوس، وذلك بسبب انتقاد المملكة المتحدة لروسيا لانتهاكها القانون الدولي في غزوها لأوكرانيا، وانتقادها أيضًا للصين لممارستها في بحر الصين الجنوبي، وذلك رغم انتهاك المملكة المتحدة نفسها لقواعد القانون الدولي في احتلال جزر تشاغوس بالمحيط الهندي، وانطلاقًا من محاولة إصلاح سمعتها أمام المجتمع الدولي في وقت يزداد فيه عدم اليقين الدبلوماسي؛ حيث أصبح الحلفاء القدامى أقل موثوقية، وقعت المملكة المتحدة هذه الصفقة مع موريشيوس من أجل بناء شراكات عالمية وإقليمية جديدة، وغسل سمعتها الدولية والدبلوماسية أمام المجتمع الدولي.([10])
كما أنه نظرًا لأهمية القاعدة للولايات المتحدة الأمريكية الآن أكثر من بريطانيا، فقد سعت الحكومة البريطانية لرفع العبء الدولي والاتهامات الدولية لها باستمرار استعمار الجزر؛ حيث إن بريطانيا كانت قد منحت واشنطن عقد إيجار أوليّ لجزيرة دييجو جارسيا لمدة 50 عامًا في عام 1966م بصورة سرية دون معرفة البرلمان والكونجرس الأمريكي، مقابل حصول بريطانيا على خصم قدره 11 مليون دولار على نظام الأسلحة النووية “بولاريس” أمريكي الصنع، والذي تعهَّد حزب العمال بإلغائه عندما كان في المعارضة قبل صعوده للسلطة، وبالتالي توقيع الصفقة مع موريشيوس يُعدّ مكسبًا سياسيًّا لحزب العمال الحاكم الآن.([11])
رابعًا: أبرز المواقف الداخلية والخارجية من توقيع هذه الاتفاقية:
لقد نجم عن توقيع هذه الاتفاقيات مجموعة من المواقف الداخلية في بريطانيا وموريشيوس، بجانب وجود مجموعة من المواقف الخارجية أيضًا، ويمكن عرضها فيما يلي:
أ-المواقف الداخلية:
1-بالنسبة للمملكة المتحدة:
فعلى الرغم من دعم الحكومة والبرلمان للاتفاقية وتوقيعها مع حكومة موريشيوس؛ إلا أنها قد تعرضت للعديد من الانتقادات؛ حيث يرى منتقدو الحكومة البريطانية، ومن بينهم أعضاء في البرلمان من حزب المحافظين والإصلاح أن قرار تخلّيها عن أرض كانت تحت سيطرة بريطانيا في منطقة المحيط الهندي، وهي منطقة مهمة من العالم، يشكّل إضعافًا خطيرًا لأمن المملكة المتحدة خاصة في ظل تزايد الصراعات وعدم اليقين السياسي العالمي، كما يرى هؤلاء المنتقدون أن حجة التهديدات القانونية التي كانت دافعًا لعقد الاتفاقية تم المبالغة فيها، مع اتهامهم للوزراء بالخضوع المفرط للمحاميين الدوليين والخضوع للتصويت بدوافع سياسية، كما قال وزير الدفاع في حكومة الظل “جيمس كارتليدج” لأعضاء البرلمان: إن الحكومة تنفذ النصائح القانونية بشكل حاسم على أساس المخاطر الافتراضية التي لم تتحقق بعد، والتي يمكن الطعن فيها.
ويرى كذلك منتقدو الاتفاقية أنه بعد تسلم موريشيوس للجزر يمكن أن تسعى لتطوير علاقاتها مع الصين أو روسيا مما يُهدّد أمن المملكة المتحدة وحلفائها، خاصة في ظل تغيُّر المفاهيم الدولية؛ حيث أصبحت القوة هي الحق، وأن الالتزام بنصوص القانون الدولي أصبح أمرًا عتيقًا، كما وجدت تساؤلات تتعلق بمدى إمكانية تنازل أمريكا أو فرنسا عن أراضٍ تابعة لهم في الخارج.
ومن جانبها أعلنت زعيمة حزب المحافظين “كيمي بادينوك” أن حزبها لن يتوقف عن معارضة الاتفاقية، بدعوى أنه ليس من مصلحة بريطانيا الوطنية التنازل عن السيادة على الجزر، ثم الدفع مقابل امتياز الوجود عليها لتشغيل القاعدة العسكرية، وهو ما يعني أن لدى زعيمة الحزب هذه بقايا من الأفكار الاستعمارية التي تُبرّر نهب ومصّ دماء الشعوب الإفريقية والاستيلاء على أراضيها ومُقدّراتها دون مبالاة لذلك، رغم أن هذه السياسية البريطانية من أصول إفريقية؛ حيث إن أصولها تعود إلى دولة نيجيريا، لكنها خائنة لأصولها الإفريقية. وكذلك انتقدت زعيمة حزب المحافظين مسألة دفع مساعدات مالية لموريشيوس بحجة أنها من أموال دافعي الضرائب البريطانيين، مضيفة أن هذه الأموال ستأتي من زيادة ميزانية الدفاع التي أعلن عنها رئيس الوزراء البريطاني، وهو ما ترفضه زعيمة حزب المحافظين.([12])
كما وجدت انتقادات أيضًا مِن قِبَل مُعارضي الاتفاقية للمبالغ الضخمة التي سيتم دفعها لتوقيع هذه الصفقة، مع اتهام رئيس الوزراء ستارمر باهتمامه بقرارات المحاكم الأجنبية أكثر من اهتمامه بالمصلحة الوطنية لبريطانيا، رغم عدم صدور أحكام دولية ملزمة حتى الآن تستوجب إبرام تلك الاتفاقية التي تخدم مصالح الصين وتتجاهل إرادة شعب تشاغوس.([13])
وردًّا من الحكومة البريطانية على تلك الانتقادات أعلنت أن الولايات المتحدة التي تدير وتمول إلى حد كبير تكاليف تشغيل القاعدة العسكرية في دييجو جارسيا أصبحت تدعم الاتفاقية مع موريشيوس رغم معارضتها السابقة، بجانب قول الحكومة البريطانية أن الاتفاقية ضرورية للغاية للحفاظ على الدفاع والاستخبارات اللازمة لتأمين الشعب البريطاني ومصالحه الخارجية.
2-بالنسبة لموريشيوس:
أعلن رئيس وزراء موريشيوس نافين رامغولام أن الاتفاقية تكمل عملية إنهاء الاستعمار لجزر تشاغوس بالكامل معتبرًا أنها صفقة تاريخية وانتصار عظيم لتحرير بلاده، كما أنها تمثل لحظة محورية في العلاقات بين البلدين ودليل على الالتزام الدائم بالتسوية السلمية للنزاعات بالطرق القانونية، وكذلك صرح المدعي العام لموريشيوس بأن بلاده سعيدة للغاية؛ لأن النضال الذي دام 60 عامًا قد انتهى أخيرًا، وخاصة بالنسبة لإخوتنا وأخواتنا الذين أُجبروا على مغادرة منازلهم.
ورغم ذلك الترحيب الحكومي الرسمي فقد انتقد بعض سكان جزر تشاغوس المقيمين في المملكة المتحدة الاتفاقية؛ معتبرين أنها لم تحقق الاستقلال التام والكامل للجزر، وخاصةً جزيرة دييجو جارسيا التي لن يتم إعادة توطين السكان إليها وفقًا للاتفاقية؛ حيث كشف الاتفاق عن حالة من الانقسام بين سكان جزر تشاغوس؛ حيث يصر بعضهم على العودة للعيش في الجزر المعزولة، بينما يركز آخرون على حقوقهم ووضعهم في المملكة المتحدة، في حين يرى فريق آخر منهم أن وضع الجزر لا ينبغي حله مِن قِبَل الغرباء؛ حيث صرح بعضهم بأنهم شعروا بالخيانة والغضب؛ لأن سكان تشاغوس أنفسهم لم يشاركوا مطلقًا في المفاوضات، وأنهم يظلون عاجزين ولا صوت لهم في تحديد مستقبلهم داعين إلى إشراكهم بشكل كامل في صياغة بنود الاتفاقية، واستجابة لمطالبهم فقد تم عقد اجتماع بين ممثلي الجالية التشاغوسية، وستيفن دوتي وزير الدولة لشؤون أوروبا وأمريكا الشمالية والأقاليم الخارجية، وديفيد لامي وزير الخارجية البريطاني، وذلك لإجراء مناقشات حول سيادة الإقليم؛ حيث عقد اجتماع مع 6 ممثلين عن 3 مجموعات مختلفة من مجتمع تشاغوس لمناقشة المشاريع التنموية في تشاغوس، وعقب الاجتماع صرح بعض التشاغوسيين عن غضبهم لأنه لا يوجد شيء جيد بالنسبة لهم في الاتفاقية، وبسبب منح موريشيوس سلطة تقرير ما إذا كان يمكن إعادتهم إلى جزر تشاغوس أم لا، مع منع العودة لجزيرة دييجو جارسيا الموجود عليها القاعدة.([14])
كما قامت سيدتان من سكان جزر تشاغوس، كانتا قد وُلدتا في جزيرة دييجو جارسيا، برفع دعوى قضائية أمام المحكمة العليا في المملكة المتحدة لوقف توقيع الاتفاقية، بحجة عدم انتمائهما إلى المملكة المتحدة، ولا إلى موريشيوس ولا إلى سيشل، وإنهما تنتميان إلى جزيرة دييجو جارسيا، متهمين الحكومة البريطانية بإبرام هذه الاتفاقية الهامة دون مشاورة، وأدت هذه الدعوى القضائية التي تقدموا بها إلى عرقلة توقيع الاتفاقية مؤقتًا؛ حيث كان من المقرر التوقيع عليها صباح الخميس 22 مايو، لكن تم تأجيل التوقيع إلى المساء بعد أن رفضت المحكمة العليا طلب المرأتين؛ حيث قال قاضي المحكمة العليا: لا ينبغي أن يكون هناك تأجيل آخر؛ لأن عرقلته قد تكون ضارة بمصالح المملكة المتحدة والجمهور، وهو ما جعل المرأتين مقدمتي الدعوة يصفان الأمر بالخيانة، واعدين بأنهما ستواصلان الكفاح من أجل الوصول إلى حق العودة إلى وطنهم الأصلي في جزيرة دييجو جارسيا، وحق تقرير مصير وطنهم الذي وُلدوا على أرضه. وفضلاً عن ذلك؛ فقد تجمع نحو 50 شخصًا من أتباع جالية تشاغوس خارج المحكمة العليا في لندن أثناء جلسات الاستماع، حمل بعضهم لافتات مكتوب عليها “الرعايا البريطانيون يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية”، رافضين لأحكام الاتفاقية المُوقَّعة بين بريطانيا وموريشيوس.([15])
ب-المواقف الخارجية:
1-من جانب الأمم المتحدة: فقد أصدر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بيانًا رحَّب فيه بالاتفاقية، معتبرًا أنها تعالج المظالم التاريخية، وتظهر قيمة الدبلوماسية في تسوية الخلافات الدولية.
2-من جانب الولايات المتحدة الأمريكية: فقد أعرب الرئيس الأمريكي ترامب عن دعمه للاتفاقية، كما صرح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أنه بعد مراجعة شاملة بين الوكالات، قررت إدارة ترامب أن هذا الاتفاق يضمن التشغيل طويل الأمد والمستقر والفعَّال للمنشأة العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في دييجو جارسيا، وكذلك أعلن تحالف العيون الخمس الاستخباراتي المكون من أمريكا وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا عن دعمه لهذه الاتفاقية؛ وذلك لأن القاعدة العسكرية في دييجو جارسيا تُعتبر مركزًا ضخمًا لتبادل إشارات أجهزة الاستخبارات العالمية.([16])
3-من جانب روسيا والصين وإيران: فقد أعلنوا عن معارضتهم لهذه الاتفاقية؛ لأنها تسمح باستمرار هيمنة الولايات المتحدة في المحيط الهندي الذي تتصاعد فيه مصالح الصين وروسيا؛ حيث ستمنع هذه الصفقة الصين وروسيا وغيرهما من القوى الدولية من إنشاء قواعد عسكرية لها في جزر تشاغوس أو حتى إجراء تدريبات عسكرية بالقرب من القاعدة البريطانية الأمريكية المشتركة، وكذلك تنص بنود الاتفاقية على إنشاء منطقة عازلة بطول 24 ميلًا حول جزيرة دييجو جارسيا، مع عدم السماح ببناء أيّ منشآت فيها دون موافقة المملكة المتحدة، مما يُهدّد تنامي التحالفات العميقة بين روسيا والصين وإيران.
خامسًا: المكاسب البريطانية والأمريكية من توقيع هذه الاتفاقية مع موريشيوس:
بتوقيع هذه الاتفاقية ستحصل كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية على العديد من المكاسب والتي تتمثل فيما يلي:
1-المكاسب بالنسبة لبريطانيا:
سوف تضمن الاتفاقية لبريطانيا البقاء على عملية تشغيل القاعدة العسكرية في جزيرة دييجو جارسيا، وهو ما يساعدها على استمرارية حماية مصالحها ومصالح حلفائها الغربيين، وخاصةً تحالف العيون الخمس في منطقة المحيط الهندي سواء كانت تلك المصالح عسكرية أو استخباراتية أو أمنية، أو حتى اقتصادية لأهمية موقع جزر دييجو جارسيا في مراقبة وتأمين طرق التجارة العالمية في المحيط الهندي من دول جنوب وشرق آسيا إلى إفريقيا وأوروبا، كما أن سمعة ومصداقية بريطانيا ستتحسن على الصعيد الدولي والعالمي، وذلك بعد أن تخلَّت عن آخر مستعمرة لها في إفريقيا من خلال عقد هذه الاتفاقية السلمية بعد سنوات من المفاوضات المكثفة لتضع حدًّا لنزاع طويل يصل إلى نصف قرن، وتقر بسيادة قواعد القانون الدولي وتنهي إرثها الاستعماري الذي كان محلًّا للنقد لسنوات، وبجانب ذلك فإن المبالغ التي ستدفعها بريطانيا إلى موريشيوس مقابل إيجار القاعدة العسكرية ستكون أقل من تكلفة تشغيل حاملة طائرات سنويًّا، وذلك وفقًا لتصريحات رئيس الوزراء البريطاني ستارمر نفسه، وهو ما يعني أن توقيع هذه الاتفاقية أوفر للحكومة البريطانية، وأكثر أمانًا وحمايةً لجنودها ومعداتها مقارنةً بحالة وجودهم على حاملة طائرات، والتي يمكن استهدافها بسهولة عكس القاعدة العسكرية في جزر دييجو جارسيا المُؤمَّنة بشكل جيد ويصعب اختراقها، والتي تُوصف بأنها حاملة طائرات غير قابلة للغرق.([17])
2-المكاسب بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية:
رغم إشارة الولايات المتحدة بأنها ليست طرفًا في هذه الاتفاقية، وذلك خلال بيان دعمها وترحيبها بعقد الاتفاقية؛ إلا أنها ستحصد العديد من المكاسب من توقيع هذه الاتفاقية، ويأتي في مقدمتها استمرار وجودها العسكري في منطقة المحيط الهندي، وهو ما يُعزّز من بقاء نفوذها وهيمنتها العسكرية على العالم، ويُسهم ذلك في إطالة أمد النظام الدولي القائم على الأحادية القطبية بزعامة أمريكا، رغم ما ينشر من نظريات تتحدث عن وجود تحولات جارية في النظام الدولي والتوجه نحو خلق نظام دولي متعدد الأقطاب؛ حيث إن بقاء واستمرارية القاعدة العسكرية في دييجو جراسيا يُعزّز من قدرات الولايات المتحدة العسكرية في العالم، وخاصةً في المحيط الهندي؛ حيث سيَحُدّ وجود الولايات المتحدة من تصاعد النفوذ الصيني والروسي، بل والهندي في المنطقة، ونظرًا لموقع الجزر الإستراتيجي في المنطقة، وكفاءة القاعدة العسكرية التي يوجد بها ميناء ومطار وأجهزة اتصالات ومراقبة متقدمة عبر الأقمار الصناعية، ومرافق لاستيعاب الغواصات النووية وحاملات الطائرات، ومحطات لتزويد الطائرات بالوقود، فقد شكَّلت عنصرًا حاسمًا في دعم العمليات التي تقوم بها القيادة المركزية للولايات المتحدة ((CENTCOM، والقيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (AFRICOM)، والقيادة العسكرية الأمريكية في أوروبا (EUCOM)، وغيرها من قيادات عسكرية؛ حيث تستضيف القاعدة 16 قيادة عسكرية أمريكية، وهو ما يجعل القاعدة بمثابة محطة رئيسية للخدمات اللوجستية والمراقبة والاستخبارات والردع الإستراتيجي للولايات المتحدة خارج حدودها، لكونها توفر العمق الإستراتيجي اللازم لردع العدوان والدفاع عن المصالح الأمريكية في المنطقة والعالم، وتُعدّ هذه القاعدة من أهم القواعد العسكرية الأمريكية البالغ عددها 750 قاعدة عسكرية متفرقة في أنحاء العالم.([18])
بل لعبت القاعدة العسكرية في دييجو جارسيا دورًا كبيرًا في خدمة العمليات العسكرية الأمريكية التي قامت بها خلال أزمة الرهائن الإيرانية (1979- 1981م)، وحرب الخليج الثانية (1990- 1991م)، وعملية ثعلب الصحراء (1998م)، واستهداف حركة طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان (2001 – 2021م)، كما استخدمت القاعدة في دعم الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003م، بل استخدمت الولايات المتحدة القاعدة في استهداف الحوثيين في اليمن على مدار عامي 2024 -2025م؛ بسبب استهدافهم للمصالح والسفن الغربية في البحر الأحمر تعاطفًا مع قطاع غزة الذي يتعرض لعدوان صهيوني غاشم حتى الآن، كما تستخدم هذه القاعدة العسكرية التي تضم ما بين ألفين إلى 5 آلاف عسكري أمريكي، كمركز لمراقبة دول الشرق الأوسط، وتقديم الدعم لحلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم إسرائيل، وبالتالي تعزز الاتفاقية من حماية مصالح أمريكا.
وكذلك قامت الولايات المتحدة في مارس الماضي بنشر 6 قاذفات من طراز بي-2، وهي قاذفات شبحية بعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية، في قاعدة دييجو جارسيا ليصل عدد هذه القاذفات إلى 10، وهو عدد كبير بشكل غير عادي، كما زادت الولايات المتحدة من طائراتها المقاتلة إف-15 في القاعدة العسكرية لتصل إلى 6 طائرات، وذلك في إطار استعراض الولايات المتحدة لقدراتها العسكرية وسط تصاعد التوترات الدولية مع إيران بسبب تعثر المفاوضات المتعلقة ببرنامجها النووي؛ حيث تم التلويح بإمكانية استخدام القاعدة العسكرية في دييجو جارسيا لقصف إيران، وهو ما جعل مسؤولًا عسكريًّا إيرانيًّا يُهدِّد بقصف هذه القاعدة العسكرية إذا ما تعرضت إيران لهجوم من خلالها.
وفي ذات السياق يساعد إبرام هذه الاتفاقية الولايات المتحدة على مواصلة حربها المزعومة على الإرهاب التي صعدتها منذ هجمات 11 سبتمبر؛ حيث اعتمدت على قاعدة دييجو جارسيا لتنفيذ عمليات عسكرية ضد معاقل الجماعات التي تصفها بالإرهاب في أفغانستان والعراق، بل وفي الصومال ودول شرق إفريقيا والشرق الأوسط، ودول الساحل الإفريقي.
ويذكر أن الولايات المتحدة قد استخدمت القاعدة العسكرية كموقع مظلم، وذلك من خلال استخدام وكالة المخابرات المركزية لبعض السجون الموجودة في قاعدة دييجو جارسيا لاستجواب وتعذيب المتهمين بعمليات إرهابية، وذلك لتكون عملية استجوابهم بعيدة عن العالم الخارجي، ولا تخضع للرقابة مِن قِبَل منظمات حقوق الإنسان، فضلًا عن عدم وجود أيّ فرص لهروب هؤلاء المتهمين؛ لأن القاعدة العسكرية تقع وسط المحيط الهندي، ولا فرصة للهرب.
وبجانب ما سبق؛ فإن إبرام الاتفاقية يساعد الولايات المتحدة على البقاء في منطقة المحيط الهندي لمدة تصل إلى 140 عامًا مستقبلاً، وهو ما سيُشكِّل عامل ردع لتصاعد النفوذ الصيني والهندي، ويحتوي طموحاتهما التوسعية، وخاصة في ظل التنافس الدولي على امتلاك قواعد عسكرية في هذه المنطقة، واختيار كلّ من موريشيوس أو سيشل لإنشاء قواعد عسكرية بعد ازدحام دولة جيبوتي بالقواعد العسكرية، بجانب وجود مكاسب اقتصادية لأمريكا من خلال وجودها في القاعدة؛ حيث ستستمر في تأمين طرق التجارة البحرية العالمية وتأمين مصادر الطاقة والمواد الخام في إفريقيا وآسيا.([19])
سادسًا: التداعيات المستقبلية التي ستنجم عن توقيع هذه الاتفاقية:
سوف يكون لتوقيع هذه الاتفاقية مجموعة من التداعيات المستقبلية، والتي يمكن عرضها فيما يلي:
1-انتهاك قواعد معاهدة بيليندابا لمنع انتشار الأسلحة النووية في إفريقيا: فنظرًا لبقاء واستمرارية الولايات المتحدة في تشغيل القاعدة العسكرية في دييجو جارسيا بموجب هذه الاتفاقية فتوجد مخاوف من احتمال وجود أسلحة نووية في القاعدة العسكرية تابعة للقوات الأمريكية، وهو ما يتنافى مع أحكام وقواعد معاهدة بليندابا التي تنص على إنشاء منطقة إفريقية خالية من الأسلحة النووية، وقد وقَّعت دولة موريشيوس على هذه المعاهدة وصادقت عليها في عام 1996م، ومع عودة جزر تشاغوس إلى موريشيوس تكون مسألة حظر وجود الأسلحة النووية، مطبقة على الأراضي الموجود بها القاعدة العسكرية كذلك بوصفها أراضي ذات سيادة تابعة لموريشيوس، ومن المحتمل بصورة كبيرة أن تكون الولايات المتحدة قد خزَّنت رؤوس نووية أو تستخدم القاعدة لنقل الأسلحة النووية أو ترسل إليها طائرات مجهَّزة بأسلحة نووية، وهو ما يعني انتهاك معاهدة بيليندابا التي لا تلتزم بها الولايات المتحدة، وهو ما يعني أن موريشيوس سوف تتحمل عبء حثّ الولايات المتحدة على عدم إدخال أسلحة نووية للقاعدة العسكرية مستقبلاً تنفيذًا لأحكام معاهدة بيليندابا، أو الخروج من المعاهدة في حالة ضغط الولايات المتحدة عليها مما يُهدّد السلم والأمن في إفريقيا.([20])
2-استمرار الخلافات بشأن مسألة إعادة توطين سكان تشاغوس إلى الجزر: حيث إن الاتفاقية تجاهلت مطالب سكان الجزر البالغ عددهم نحو 1344 نسمة، وخاصة سكان جزيرة دييجو جارسيا، والذين هُجِّروا قسرًا من الجزر، وحُرِمُوا من حق العودة إلى ديارهم، وهو ما يُوصَف بأنه جريمة ضد الإنسانية بموجب المادة رقم (7) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، مما يفتح الباب إلى اللجوء مجددًا إلى المحاكم الدولية والطعن في أحكام هذه الاتفاقية، كما أنه بموجب نصوص الاتفاقية تتمتع موريشيوس بحرية تنفيذ برنامج إعادة التوطين في الجزر باستثناء جزيرة دييجو جارسيا، لكنه لا يشترط إعادة التوطين للسكان، وهو ما جعل سكان الجزر السابقين يتهمون حكومة موريشيوس بالتصرف بما يخدم مصالحها في ظل المعاملة السيئة التي يلقاها شعب تشاغوس، الذي يعيش في ظروف بائسة، مع عدم وفاء بريطانيا بوعود الدعم والتعويض الكامل لهم، بل اشترطت بريطانيا تنازل سكان الجزر الأوائل عن حقهم في العودة مقابل حصولهم على التعويضات.
3-تزايد التوترات في منطقة المحيطة الهندي بين القوى الدولية والإقليمية: حيث إن توقيع الاتفاقية في هذا التوقيت الذي تتصاعد فيه الصراعات الدولية والإقليمية على النفوذ سيزيد من التوترات في منطقة المحيط الهندي وخاصة بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأعدائهم الصينيين والإيرانيين والروس، وهو ما يتعارض مع مبدأ محيط هندي آمِن للجميع؛ حيث إن توقيع الاتفاقية سيُشكل خطرًا على تطلعات هذه القوى المتعارضة مع الولايات المتحدة في الأهداف، والتي تسعى إلى تغيير المعادلة الدولية وسط تصاعد الحرب الباردة الجديدة، كما أن هذه التوترات ستنعكس على موريشيوس أيضًا التي ستكون محلاً للتجاذبات الدولية والإقليمية؛ حيث يمكن أن تخسر دعم الصين بعد توقيع الاتفاقية أو تقع تحت سخط أمريكا إذا ما تقاربت مع الصين، ووسعت مجالات وجودها في موريشيوس، وخاصة في مناطق جزر تشاغوس القريبة من القاعدة العسكرية، وفضلاً عن ذلك فسوف تظل دول الخليج والشرق الأوسط موالية للولايات المتحدة بسبب استمرار وجودها العسكري في تلك المنطقة؛ حيث تستفيد بدعم أمريكا وحمايتها من تهديدات إيران وأذرعها وجيوبها في المنطقة.
الخاتمة: تقييم اتفاقية إنهاء استعمار جزر تشاغوس
في ختام هذه الدراسة يمكن القول: إن هذه الصفقة المبرمة بين المملكة المتحدة وموريشيوس رغم إقرارها بسيادة موريشيوس على جزر تشاغوس، وإنهاء استعمارها من الناحية القانونية؛ إلا أن هذه السيادة لا تزال منقوصة بسبب البقاء والوجود الفعلي للقوات البريطانية والأمريكية على أراضي جزيرة دييجو جارسيا حتى لو تم ذلك البقاء من خلال عقد إيجار؛ لأن مدة هذا العقد الأولية تبلغ 99 عامًا، ومدته الإضافية تبلغ 40 عامًا؛ أي أن مجموع المدتين يساوي 139 عامًا، مع إمكانية تجديد هذه المدة لمدد أخرى، وهو ما يعني أن الجزيرة ستظل إلى الأبد تحت السيطرة الكاملة لكلٍّ من بريطانيا وأمريكا، وهو ما يعني منع حكومة موريشيوس من الإدارة الفعلية والمادية للجزر، بجانب حرمان سكان الجزر الأوائل من حقهم في العودة إلى موطنهم، وذلك خلافًا لقواعد القانون الدولي.
فضلاً عن وجود مخاطر أمنية ووجودية على دولة موريشيوس؛ بسبب استمرار عمل القاعدة العسكرية، وذلك لأنه في حالة حدوث حرب نووية بين القوى الدولية يمكن أن يتم خلالها استهداف القاعدة العسكرية من أحد القوى المعادية للولايات المتحدة، وهو ما سيُعرِّض موريشيوس للخطر بصورة مباشرة أيضًا، ويجعلها المتضرر الأكبر من حدوث مثل ذلك العدوان، بجانب إمكانية تعرُّض حكومة موريشيوس للمقاضاة أمام المحاكم الدولية؛ إذا ما تم استخدام القاعدة العسكرية في مهاجمة أحد الدول؛ وذلك لكون موريشيوس هي صاحبة السيادة الآن على الجزر رغم توقيعها عقد لتأجير جزيرة دييجو جارسيا والقاعدة الموجودة بها.
وعلي كلّ حال، فإن عقد مثل هذه الاتفاقية يمثل بادرة جيدة لتصفية الاستعمار الأوروبي لكامل الأراضي والجزر الإفريقية، مما يفتح الباب أمام إمكانية تكرار التجربة وتصفية الاستعمار الفرنسي في الجزر المتناثرة بالمحيط الهندي التي تطالب بها مدغشقر، أو إنهاء الاستعمار الفرنسي لكل من جزيرتي مايوت وريونيون، وكذلك تصفية الاستعمار الإسباني لسبتة ومليلية المغربيتين، وهو ما يحتاج إلى تحرُّك الاتحاد الإفريقي والمنظمات الدولية لإتمام عملية تصفية الاستعمار التقليدي لإفريقيا، مع تعزيز السعي كذلك للتحرر من الاستعمار الجديد بكافة أشكاله وأبعاده، وكسر قيود الهيمنة والتحرر من التبعية للخارج، والاستعداد لدخول إفريقيا في عصر الاعتماد على الذات وصناعة مستقبل القارة بعقول وسواعد أبنائها.
…………………………
([1])-British Indian Ocean Territory , History , at , https://www.biot.gov.io/about/history , 25/5/2025.
([2])-Chris Mason ; ” UK to sign Chagos deal with Mauritius ” , at , https://www.bbc.com/news/articles/c04ed914qn9o , 21/5/2025.
([3])-” UK signs £101m-a-year deal to hand over Chagos Islands ” , at , https://www.bbc.com/news/articles/c9914ndy82po , 24/5/2025.
([4])-” Agreement between the Government of the United Kingdom of Great Britain and
Northern Ireland and the Government of the Republic of Mauritius concerning the Chagos Archipelago including Diego Garcia ” , London and Port Louis, 22 MAY 2025 , p. 3.
([7])-Andrew Harding ; ” UN court rules UK has no sovereignty over Chagos islands ” , at , https://www.bbc.com/news/world-africa-55848126 , 28/1/2021.
([8])-James Landale ; ” Why did the government sign the Chagos deal now? ” , at , https://www.bbc.com/news/articles/cp3ql9k3vdqo , 23/5/2025.
([11])-Jean Shaoul: ” UK agrees handover of Chagos Islands to Mauritius to protect key US Diego Garcia base ” , at , https://www.wsws.org/en/articles/2025/05/26/uulb-m26.html , 26/5/2025.
([12])-Emma Rossiter ; ” Giving away Chagos Islands not in UK’s interest, says Badenoch ” , at , https://www.bbc.com/news/articles/cwyjn92gknlo , 2/3/2025.
([13])-Paul Seddon ; ” Starmer under fire amid row over Chagos deal cost ” , at , https://www.bbc.com/news/articles/clyk05lgyevo , 5/2/2025.
([14])-Fatima Al-Kassab ; ” The U.K. hands Chagos Islands over to Mauritius but says it will secure a U.S. base ” , at , https://www.npr.org/2025/05/22/g-s1-68461/uk-chagos-islands-mauritius-diego-garcia-us-military-base , 22/5/2025.
([15])-” Le Royaume-Uni signe l’accord rétrocédant l’archipel des Chagos à l’île Maurice ” , at , https://www.lemonde.fr/afrique/article/2025/05/22/le-royaume-uni-signe-l-accord-retrocedant-l-archipel-des-chagos-a-l-ile-maurice_6607735_3213.html , 22/5/2025.
([16])-Lucy Clarke-Billings ; ” Trump ‘inclined’ to back UK’s Chagos Islands deal ” , at , https://www.bbc.com/news/articles/c5yxxjr8v2vo , 28/2/2025.
([17])-James Chater ; ” What is the Chagos Islands deal between UK and Mauritius? ” , at , https://www.bbc.com/news/articles/c9dqg3nqynlo , 23/5/2025.
([18])-” After Diego Garcia, US deploys warplanes in Guam to beef up Indo-Pacific presence ” , at , https://www.firstpost.com/world/after-diego-garcia-us-deploys-warplanes-in-guam-to-beef-up-indo-pacific-presence-13891919.html , 26/5/2025.
([19])-Raghvendra Kumar ; ” How the UK-Mauritius Deal on Chagos Could Reshape US Military Strategy in the Indian Ocean ” , at , https://www.fpri.org/article/2025/04/how-the-uk-mauritius-deal-on-chagos-could-reshape-us-military-strategy-in-the-indian-ocean , 21/4/2025.
([20])-Achin Vanaik ; ” Britain returns Chagos, but shadow of nuclear ambiguity over Diego Garcia remains ” , at , https://mronline.org/2025/05/26/britain-returns-chagos-but-shadow-of-nuclear-ambiguity-over-diego-garcia-remains/#sidr-main , 26/5/2025.