تمهيد:
أثار إعلان ترامب يوم الأربعاء الثاني من أبريل 2025م “يوم التحرير”؛ حالةً من الفوضى في الأسواق العالمية؛ حيث اتخذت الولايات المتحدة أقوى منعطف لها نحو سياسات الحماية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، مما أضعف نظامًا تجاريًّا عالميًّا ساهمت في بنائه وتعزيزه؛ حيث أصدر البيت الأبيض قائمة تضم أكثر من مائة دولة، بما في ذلك 50 دولة إفريقية.
تتراوح هذه الرسوم بين 10% كحد أدنى و50% لبعض الدول، مما يثير قلقًا كبيرًا بشأن تأثيرها على الاقتصاد الإفريقي؛ وتأتي هذه الرسوم الجمركية في وقتٍ تعاني فيه معظم القارة الإفريقية من تداعيات تجميد مساعدات بمليارات الدولارات لإفريقيا، والتي كانت تُعزّز أنظمة الرعاية الصحية وجهود الإغاثة من الكوارث في العديد من البلدان، وفي وقتٍ تعاني فيها حكومات القارة من عبء ديون خارجية يتجاوز الترليون دولار.
ومن خلال هذه المقالة، أحاول تحليل التأثيرات المباشرة، وغير المباشرة للرسوم الأمريكية الجديدة، والبدائل المتاحة أمام بلدان إفريقيا جنوب الصحراء من خلال النقاط التالية:
- أولًا: قائمة الرسوم الجمركية الجديدة وردود الأفعال.
- ثانيًا: التداعيات المحتملة على مصفوفة التجارة الإفريقية الأمريكية.
- ثالثًا: المخاطر الاقتصادية وتوقعات النمو الإفريقية.
- رابعًا: الآثار غير المباشرة للرسوم الجديدة.
- خامسًا: نهاية قانون الفرص والنمو (أجوا).
- سادسًا: الحلول المتاحة أمام الدول الإفريقية.
أولًا: قائمة الرسوم الجمركية الجديدة وردود الأفعال
أعلن الرئيس الأمريكي ترامب عن فرض رسوم جمركية أساسية بنسبة 10% على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة من جميع الدول، ورسومًا أعلى على الدول التي تتمتع بفوائض تجارية مع الولايات المتحدة، على أن يتم البدء برسوم بنسبة 10% في 5 أبريل، وتبدأ الرسوم الأعلى في 9 أبريل.([1])
شكل (1) مقدار الزيادة في الرسوم الجمركية في أعلى بلدان إفريقيا جنوب الصحراء
Wycliffe Muia & Damian Zane, how jeans and diamonds pushed Lesotho to the top of Trump’s tariffs list,.at: https://www.bbc.com/news/articles/c8dgmyzqr6do
وفقًا للشكل أعلاه فُرضت على ليسوتو رسوم جمركية بنسبة 50% على صادراتها الأمريكية، وهي الأعلى في القارة. والثانية عالميًّا بعد الصين.([2])
تشمل الدول الإفريقية الأخرى التي فُرِضَ عليها رسوم جمركية إضافية: 47% لمدغشقر، و40% لموريشيوس، و37% لبوتسوانا، و30% لجنوب إفريقيا، و14% لنيجيريا. وكانت كينيا، وغانا، وإثيوبيا، وتنزانيا، وأوغندا، والسنغال، وليبيريا من بين الدول التي ستخضع صادراتها إلى الولايات المتحدة للرسوم الجمركية الأساسية البالغة 10%، من بين 22 دولة. ولا تعاني أمريكا من عجز تجاري مع هذه الدول.([3])
وتُصنف جنوب إفريقيا بين “أسوأ المخالفين”، هذا، وقد تزايد التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا منذ بداية رئاسة ترامب في يناير الماضي.([4])
وقد تباينت ردود فعل الدول، بين راغب في عقد اتفاقيات شراكة جديدة مع الولايات المتحدة كجنوب إفريقيا (ثاني أكبر شريك تجاري بعد الصين)؛ حيث تضاف الرسوم الجديدة إلى الرسوم الجمركية البالغة 25% المفروضة على جميع المركبات وقطع غيار السيارات المستوردة إلى الولايات المتحدة. وقد هاجم ترامب مرارًا سياسة إصلاح الأراضي، وهو ما يُشكِّل تهديدًا خاصًّا لجنوب إفريقيا، التي تُصدِّر ما يزيد عن ملياري دولار سنويًّا من المركبات وقطع غيار السيارات إلى الولايات المتحدة. وتشمل الصادرات الرئيسية الأخرى لجنوب إفريقيا الأحجار الكريمة والمعادن الثمينة، والحديد والصلب، والآلات ومنتجات الألومنيوم، والحمضيات.
بينما وجدت كينيا أن التعريفات البالغة 10% التي تواجهها قد تمنحها ميزة تنافسية في قطاع المنسوجات على منافسيها الآسيويين الأكثر تضررًا. وتواجه مدغشقر (ثلاثة أرباع السكان يعيشون في فقر) نقصًا في الغذاء، بسبب الجفاف. وصرَّح سفيرها السابق لدى واشنطن، بأن الحسابات المستخدمة لتحديد الرسوم “معيبة وغير عادلة”، وأن الواردات لا تُحرِّكها العاطفة، بل المعايير، مستشهدًا بمثال اختلافات الجهد الكهربائي بين البلدين كسبب لعدم استيراد الدولة للأجهزة الأمريكية الصنع. وتُسجّل ليسوتو، أحد أعلى معدلات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية في العالم.([5])
ثانيًا: التداعيات المحتملة على مصفوفة التجارة الإفريقية الأمريكية
باستثناء بعض الدول الرئيسية، لا تُعدّ الولايات المتحدة سوق تصدير مهمة لمعظم الدول الإفريقية؛ حيث استوردت الولايات المتحدة سلعًا بقيمة 39 مليار دولار في عام 2024م، من إفريقيا “وهو ما يُعادل تقريبًا ما تستورده من المكسيك أو كندا فيما يزيد قليلًا عن شهر. وتستورد الولايات المتحدة في غضون 24 ساعة من أيٍّ منهما (أكثر من مليار دولار يوميًّا) أكثر مما تستورده سنويًّا من حوالي 40 دولة إفريقية”، والاستثناءات البارزة من حيث الحجم هي جنوب إفريقيا (37%) ونيجيريا (14%)، اللتان تُمثلان حوالي نصف كل ما تستورده الولايات المتحدة من القارة.([6])
لكن بالنسبة لدول مثل ليسوتو، فإن تأثير الرسوم هائل؛ حيث تُشكّل صادرات الدنيم والماس أكثر من عُشر الناتج المحلي للبلاد. وتُعدّ صناعة النسيج أكبر مُشغّل خاص في ليسوتو، وتُنتج صادراتها الرئيسية. وقد ازدهر هذا القطاع بعد إقرار قانون النمو والفرص في إفريقيا عام ٢٠٠٠م. وتضم البلاد 11 مصنعًا توظف 12 ألف عامل. ويُصدّر 70% من إنتاجها إلى الولايات المتحدة.([7])
ففي عام 2024م، صدّرت الولايات المتحدة بضائع بقيمة 2.8 مليون دولار فقط إلى ليسوتو، استوردت منها بضائع بقيمة 237.3 مليون دولار، معظمها من الماس والمنسوجات. ([8])
يُعدّ اقتصاد ليسوتو الصغير، الذي يبلغ 2.2 مليار دولار، أحد قصص نجاح قانون النمو والفرص. فقد بنى قاعدة تصنيع صغيرة للمنسوجات للتصدير، من علامات تجارية شهيرة مثل جينز رانجلر وليفي إلى معدات غولف ترامب.([9])
وتعد الولايات المتحدة، ثاني أكبر شريك تجاري لها بعد جنوب إفريقيا. ويمكن أن تُقلّل التكاليف الإضافية التي ستُفرضها الرسوم الجمركية على المشترين الأمريكيين من الطلب، وبالتالي يكون لها تأثير كبير على اقتصاد ليسوتو.([10])
وستتأثر دول أخرى من كبار مُصدّري المنسوجات في إفريقيا، مثل مدغشقر (47%) وكينيا (10%)، سلبًا أيضًا. وبما أن جنوب إفريقيا تُجري تجارةً أكبر مع الولايات المتحدة، وتُصدِّر السيارات والسلع الزراعية وغيرها، فإنها ستكون الأكثر تضررًا. وستُعفَى الدول الإفريقية التي تُعدّ الطاقة أو بعض المعادن الأساسية صادراتها الرئيسية من الرسوم الجمركية.([11])
وفي عام 2022م، كانت نيجيريا ثاني أكبر وجهة للصادرات الأمريكية في إفريقيا جنوب الصحراء؛ حيث صدرت بضائع بقيمة 6.29 مليار دولار إلى الولايات المتحدة في عام 2023م، بينما استوردت بضائع بقيمة 3 مليارات، مما ترك الولايات المتحدة بعجز تجاري قدره 3.29 مليار دولار. ([12])
والشكل التالي يبين واردات الولايات المتحدة إلى بلدان إفريقيا عام 2024م.
شكل (2) واردات الولايات المتحدة من بلدان إفريقيا عام 2024م (الحصة والقيمة)
RenCapAfrica, The African Continent is (relatively) immune to Trump’s tariffs,2 apr, 2025.at: https://www.cnbcafrica.com/2025/the-african-continent-is-relatively-immune-to-trumps-tariffs/
ففي أكثر من نصف دول إفريقيا، تُمثّل الولايات المتحدة 2% أو أقل من إجمالي صادراتها.([13])
شكل (3) صادرات بلدان إفريقيا إلى الولايات المتحدة عام 2023م كنسبة من إجمالي الصادرات
RenCapAfrica, The African Continent is (relatively) immune to Trump’s tariffs,2 apr, 2025.at: https://www.cnbcafrica.com/2025/the-african-continent-is-relatively-immune-to-trumps-tariffs/
ومع ذلك، فإن نسبة الصادرات ليست المقياس الصحيح، بل هو النظر إلى “الصادرات إلى الولايات المتحدة” كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. وعندما نفعل ذلك، نجد أن ليسوتو هي الأكثر تضررًا. صادراتها إلى الولايات المتحدة تُعادل 10% من ناتجها المحلي الإجمالي. وهذا مُجحفٌ للغاية؛ لأن ترامب لا يعتقد أن أحدًا سمع عن ليسوتو.([14])
شكل (4) صادرات بلدان إفريقيا إلى الولايات المتحدة كنسبة من الناتج المحلي
RenCapAfrica, The African Continent is (relatively) immune to Trump’s tariffs,2 apr, 2025.at: https://www.cnbcafrica.com/2025/the-african-continent-is-relatively-immune-to-trumps-tariffs/
ثالثًا: المخاطر الاقتصادية وتوقعات النمو الإفريقية
ووفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن رينيسانس كابيتال إفريقيا بعنوان “القارة الإفريقية محصنة (نسبيًّا) من رسوم ترامب الجمركية”. والذي أشار إلى أن الدول الإفريقية، قد تكون بمنأى نسبيًّا عن آثار هذه الرسوم، نظرًا لتنوع شبكاتها التجارية.
إلا أنه لا تزال نيجيريا تُعاني من أزمة غلاء معيشة، وتُسجّل جنوب إفريقيا بالفعل بعضًا من أعلى مستويات البطالة في العالم؛ حيث يُقدر أن ستة من كل عشرة أشخاص عاطلون عن العمل. وقد قدّر الخبراء أن فرض تعريفة جمركية شاملة بنسبة 25% قد يُخفض النمو الاقتصادي للبلاد بنسبة تتراوح بين 0.2 و0.3 نقطة مئوية. وقد انتهى الأمر بجنوب إفريقيا إلى 31%.([15])
وعند قياس الضرر لنسبة 10% في الرسوم الجمركية، ينبغي أن نفترض أن تجار التجزئة الأمريكيين قد يُخفّضون هوامش أرباحهم بنسبة 2-3%، وقد يفعل مُصدّرو ليسوتو الشيء نفسه. قد يُخفّض هذا معًا تأثير الرسوم الجمركية إلى النصف. وقد نشهد بعض الضعف في قيمة العملة مقابل الدولار؛ حتى لو كان 5% فقط سيُعوّض الأثر المتبقي. يمكننا أن نكون أكثر تشاؤمًا ونقترح أن الرسوم الجمركية بنسبة 10% ستُخفّض الصادرات إلى الولايات المتحدة بنسبة 5%، وبتفاؤل أكبر، نفترض أن الدول لا تستطيع إعادة توجيه صادراتها إلى أماكن أخرى. بالنسبة لليسوتو، سيؤدي ذلك إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنحو 0.5%، ولكنه سيناريو متطرف وغير مُرجّح. بالنسبة لجنوب إفريقيا، سيكون التأثير 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي (5% من نسبة 4% من الناتج المحلي الإجمالي المذكورة أعلاه). بالنسبة لنيجيريا، سيكون التأثير نصف هذا عند 0.1% من الناتج المحلي الإجمالي. لكن هذا بالتأكيد مُبالغة؛ لأن النفط النيجيري يُمكن بيعه في أماكن أخرى. ([16])
ويبين الشكل التالي الدول الأكثر تضررًا من الرسوم الجديدة.
شكل (5) الدول الأكثر تضررًا من تعريفات ترامب ونسبة صادراتها إلى الولايات المتحدة
Anne Soy, Trump’s tariffs could be death knell for US-Africa trade pact.at: https://www.bbc.com/news/articles/cqx4w1yj1vdo
رابعًا: الآثار غير المباشرة للرسوم الجديدة
1-بروز الصين كشريك تجاري مهم
أشارت أبحاث بنك أفريكسيمبانك، في تحليلها إلى أن الرسوم الجديدة سوف يكون لها تأثير مباشر محدود على الاقتصادات الإفريقية، نظرًا لتعميق العلاقات التجارية بين القارة والصين. ومع ذلك، أشارت إلى أن الآثار غير المباشرة للتوترات التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين قد تُشكّل مخاطر كبيرة على الدول الإفريقية المعتمدة على السلع الأساسية.([17])
وتسعى الصين إلى تشجيع التجارة مع بلدان القارة؛ حيث ألغت جميع الرسوم الجمركية على المنتجات الواردة من 33 دولة إفريقية في ديسمبر 2024م.([18]) وبينما يأتي 2٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي للصين من الصادرات إلى الولايات المتحدة، لذا فإن السيناريو الأسوأ على الإطلاق لن يشهد انخفاضًا أكثر من 0.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي من نمو الصين التي تعد بالتحفيز المالي أيضًا. وتبلغ حصة صادرات جنوب إفريقيا المتجهة إلى الصين مثلاً، ضعف حصة صادراتها إلى الولايات المتحدة. ولا يبدو من المرجح أن تُسبب الرسوم الجمركية الأمريكية ضررًا كبيرًا للصين أو لشركائها التجاريين. ([19])
ويبين الشكل التالي صادرات إفريقيا إلى الصين كنسبة من إجمالي الصادرات عام 2023م.
شكل (6) صادرات إفريقيا إلى الصين كنسبة من إجمالي الصادرات عام 2023م
RenCapAfrica, The African Continent is (relatively) immune to Trump’s tariffs,2 apr, 2025.at: https://www.cnbcafrica.com/2025/the-african-continent-is-relatively-immune-to-trumps-tariffs/
2-الأثر على التضخم وأسعار الفائدة والديون
اعتبر الاحتياطي الفيدرالي أن الرسوم الجمركية أمرًا مؤقتًا؛ لأنه بينما سيكون هناك تعديل لمرة واحدة في الأسعار، لا ينبغي أن يكون هناك دوامة بين الأسعار والأجور كما رأينا بعد جائحة كوفيد. كما يمكن الشعور بالارتياح من وجهة نظر الاحتياطي الفيدرالي القائلة بأن الرسوم الجمركية تُؤثر سلبًا على نمو الناتج المحلي الإجمالي، وأنها أكثر أهمية من تأثير التضخم. وبناءً على ذلك، يفترض الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة مرتين هذا العام ومرتين أخريين العام المقبل.([20])
وإذا دفع التضخم البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة، فإن الدول الإفريقية المثقلة بالديون ستواجه ضربة مزدوجة. ستزداد أقساط قروضها -ومعظمها مُسعَّر بالدولار- في الوقت الذي ستُعيق فيه قدرتها على كسب النقد الأجنبي من خلال الصادرات.([21])
خامسًا: نهاية قانون الفرص والنمو (أجوا)
-إنهاء القانون هل يُعدّ خسارة للطرفين؟
يقول الخبراء: إن الرسوم الجديدة ستتجاوز فعليًّا امتيازات قانون النمو والفرص في إفريقيا. حاليًّا، 32 دولة إفريقية مُؤهَّلة للبرنامج. يمكن، وقد تم بالفعل، شطب دول من القائمة مثل النيجر والغابون، اللتين فقدتا مزاياهما بعد الانقلابات العسكرية. وقد شكّل العمود الفقري للسياسة التجارية بين الولايات المتحدة وإفريقيا لمدة 25 عامًا. وقد جُدِّد لمدة 10 سنوات في عام 2015م. وعلى الرغم من أن المنتقدين يقولون: إن متطلباته الصارمة في الإنتاج والتعبئة غالبًا ما تُفضِّل الاقتصادات الأكبر. ارتفعت مبيعات كينيا بموجب قانون النمو والفرص في إفريقيا، وخاصةً المنسوجات والملابس، من 55 مليون دولار في عام 2001م إلى 603 ملايين دولار في عام 2022م. ([22])
وقد تمتعت تلك البلدان بوصولٍ مُعفًى من الرسوم الجمركية إلى الأسواق الأمريكية منذ عام 2000م لما يقرب من 7000 منتج. العديد من هذه الدول دولٌ منخفضة الدخل تواجه مستويات ديونٍ غير مُستدامة، مثل غانا وزامبيا ومالاوي مُتخلفة عن السداد، وست دول أخرى –هي: غينيا بيساو وسيراليون وكينيا وتشاد وجمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق- مُعرّضةٌ لخطر ضائقة الديون. ومن المُقرر أن ينتهي العمل به في سبتمبر 2025م، وكانت هناك بالفعل شكوكٌ حول احتمالات إعادة تجديده.
وفقًا لأحدث تقرير صادر عن مكتب الممثل التجاري الأمريكي؛ بلغ إجمالي واردات الولايات المتحدة بموجب القانون 9.7 مليار دولار في عام 2023م. وكانت أهم الواردات النفط الخام (4.2 مليار دولار)، والملابس (1.1 مليار دولار)، والمنتجات الزراعية (أكثر من 900 مليون دولار). أما أبرز الدول المصدرة إلى الولايات المتحدة فكانت جنوب إفريقيا (14 مليار دولار)، ونيجيريا (5.7 مليار دولار)، وغانا (1.7 مليار دولار)، وأنغولا (1.2 مليار دولار)، وكوت ديفوار (948 مليون دولار).
كان البرنامج غير متوازن؛ فقد بلغت واردات الولايات المتحدة من دول القانون في إفريقيا ذروتها في عام 2008م عند 86 مليار دولار، لكنها في المتوسط بلغت 26 مليار دولار خلال السنوات الخمس الماضية. أحد العوامل الرئيسية هو تقلُّب أسعار النفط، التي تُشكّل الجزء الأكبر من الواردات، والتي بلغت رقمًا قياسيًّا بلغ 147.50 دولارًا للبرميل في عام 2008م. وقد تضاءل هذا الارتباط بين أسعار النفط وحجم التجارة في السنوات الأخيرة مع تحول تكوين صادرات دول أغوا. ووجد تقييم أجراه معهد بروكينجز لقانون أغوا في عام 2024م أن صادرات غير النفط الخام إلى الولايات المتحدة زادت بنسبة 241% بين عامي 2001 و2022م، بينما انخفضت صادرات النفط بنسبة 50%. ([23])
بشكل عام، لم تستغل الدول الإفريقية القانون بشكل كافٍ، لكنه في بعض الدول، ساعد على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، ومارس ضغطًا لإصلاح قطاع الأعمال.([24])
وتُمثّل أحجام تجارة قانون النمو والفرص في إفريقيا جزءًا ضئيلًا من إجمالي التجارة الأمريكية؛ حيث بلغت 0.67% في عام 2023م، وكان نصفها تقريبًا من النفط. ولا يبدو أن البيئة السياسية مواتية لتجديده، ولكن ينبغي أن يكون تمديده الخيار الأمثل، نظرًا لفوائد البرنامج وتكلفته الضئيلة على الولايات المتحدة. ولحسن الحظ، تُعدّ الولايات المتحدة سوق تصدير صغيرة نسبيًّا لمعظم دول “أجوا”؛ إذ تبلغ حصة 19 دولة من دول “أجوا” من إجمالي الصادرات إلى الولايات المتحدة أقل من 4%.
ويوضح الجدول أدناه كل دولة من دول “أجوا”، ونظامها الجمركي الجديد، وصادراتها الرئيسية، والأهمية النسبية للسوق الأمريكية؛ حيث 1-4%: غير مهم، ومن 5-7%: مهم، 8% فأكثر: مهم جدًّا باستثناء الملابس في رواندا.([25])
جدول (1) نظام التعريفات الجمركية الجديد لدول قانون النمو والفرص في إفريقيا
Karen Mathiasen and Nico Martinez, The New US Tariff Regime Is Another Blow for Africa, APRIL 04, 2025.at: https://www.cgdev.org/blog/new-us-tariff-regime-another-blow-africa
ولكن لا يقتصر الأمر على تجارة قانون النمو والفرص في إفريقيا، بل يمتد إلى ما أصبح يمثله القانون كسياسة اقتصادية أمريكية رائدة في القارة؛ حيث أضعفت الولايات المتحدة جوهر انخراطها طويل الأمد في إفريقيا بإغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وإلغاء قانون النمو والفرص في إفريقيا. وهناك أيضًا توقعات بإغلاق القيادة الأمريكية الإفريقية (أفريكوم).([26])
2-قطاع المنسوجات بين قانون “أجوا” والرسوم الجديدة
الدول الأكثر تأثرًا بنظام التعريفات الجمركية الجديد هي ليسوتو وموريشيوس ومدغشقر، فجميع هذه الدول الثلاث دول صغيرة منخفضة الدخل تُصدِّر الملابس. وتُعدّ الصدمة التي لحقت بصناعة الملابس مُدمرة بشكل خاص؛ لأن الولايات المتحدة هي التي مكّنت هذا النمو في المقام الأول من خلال إعفاء مدخلات دول ثالثة (مثل الأقمشة) من التعريفات الجمركية. والبند الذي يسمح للأقمشة من دول ثالثة بالتأهل للإعفاء من الرسوم الجمركية “عامل حاسم في قرارات شركات الملابس بالاستثمار في الدول المؤهلة لقانون النمو والفرص في إفريقيا”؛ ولذا فالتأثير سيكون كبيرًا في هذه الدول. ([27])
جدول (2) الآثار المحتملة لرسوم ترامب الجمركية على الدول الجزرية الصغيرة
Karen Mathiasen and Nico Martinez, The New US Tariff Regime Is Another Blow for Africa, APRIL 04, 2025.at: https://www.cgdev.org/blog/new-us-tariff-regime-another-blow-africa
سادسًا: الحلول المتاحة أمام الدول الإفريقية
- الدول الإفريقية قادرة على تخفيف التداعيات الاقتصادية المحتملة للرسوم الجديدة؛ من خلال زيادة التبادل التجاري فيما بينها. ففي عام 2023م، صدّرت دول المنطقة بضائع بقيمة 29 مليار دولار إلى الولايات المتحدة، مما يجعلها رابع أكبر سوق في المنطقة بعد الصين والإمارات العربية المتحدة والهند. على الرغم من أن الولايات المتحدة ليست أكبر شريك تجاري لإفريقيا، إلا أن اقتصادات القارة قد تواجه تداعيات غير مباشرة إذا دفعت الرسوم الجمركية شركاء رئيسيين مثل الصين إلى خفض الطلب على الصادرات الإفريقية.
- تعتبر منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية حلًا رئيسيًّا؛ وقد عززت التوترات التجارية إلحاح الدول الإفريقية على تسريع تنفيذها. ويُقدر البنك الدولي أن الاتفاقية يمكن أن تعزّز الصادرات الإفريقية بمقدار 560 مليار دولار. ومع ذلك، كان التقدم بطيئًا. وقد نمت التجارة البينية الإفريقية بنسبة 3.2% لتصل إلى 192 مليار دولار في عام 2023م، إلا أن هذا لا يزال يمثل 15% فقط من إجمالي تجارة القارة.
- يجب على إفريقيا معالجة الحواجز غير الجمركية مثل سياسات التأشيرات التقييدية والتحديات اللوجستية التي تواجهها البلدان الحبيسة وغير الساحلية. ([28])
ختامًا:
لن تتأثر الاقتصادات الإفريقية، في معظمها، نسبيًّا بإعلان الرئيس الأمريكي ترامب عن الرسوم الجمركية هذا الأسبوع، على الأقل بشكل مباشر.
ولحسن الحظ؛ فإن صادرات بلدان المنطقة كنسبة من ناتجها المحلي الإجمالي ضئيلة جدًّا، باستثناء الدول الجزرية الصغيرة وأبرزها ليسوتو. أما جنوب إفريقيا فهي تُعاقَب سياسيًّا.
وعلى الرغم من أن رفع الرسوم قد يزيد من خطر ضغوط ميزان المدفوعات، إلا أنه يُتيح فرصةً للصين لتكوين أو تعزيز تحالفاتها الجيوسياسية.
وكذلك على الرغم من أن زيادة الرسوم تعني ضمنيًّا إنهاء العمل بقانون “أغوا”، الذي كان سينتهي فعليًّا هذا العام، إلا أن تمديده يمثل الخيار الأمثل؛ نظرًا لفوائد البرنامج وتكلفته الضئيلة على الولايات المتحدة.
وعلى الرغم مما ذُكر أعلاه، إلا أن على بلدان المنطقة أن توسّع خياراتها التجارية بالتنفيذ الكامل لمنطقة التجارة الحرة، وإضافة قيمة إلى المواد الخام داخل إفريقيا؛ لأن ذلك من شأنه أن يساعد القارة على الحفاظ على المزيد من الفوائد الاقتصادية، وخلق فرص العمل، وتحسين سبل العيش لمواطنيها.
……………………………………..
[1] ) Bethel Olujobi, UPDATED: Full list of African countries hit with Trump’s tariffs, April 3, 2025.at: https://businessday.ng/business-economy/article/updated-full-list-of-african-countries-hit-with-trumps-tariffs/
[2] ) Yinka Adegoke, Trump’s tariff whirlwind upends Africa’s US trade pact, Apr 4, 2025.at: https://www.semafor.com/article/04/04/2025/africas-agoa-trade-pact-upended-by-trumps-tariff-whirlwind
[3] ) Wycliffe Muia and Damian Zane.Op.cit.
[4] ) Idem.
[5] ) Nqobile Dludla and Lovasoa Rabary, Steep US tariffs on Africa signal end of trade deal meant to boost development, April 3, 2025.at: https://www.reuters.com/world/steep-us-tariffs-africa-signal-end-trade-deal-meant-boost-development-2025-04-03/
[6] ) Yinka Adegoke, Op.cit.
[7] ) Patricia Cohen, When Huge Trump Tariffs Hit Small African Economies.at: https://www.nytimes.com/2025/04/05/business/economy/lesotho-trump-tariffs-trade.html
[8] ) Bethel Olujobi,Op.cit.
[9] ) Yinka Adegoke, Op.cit.
[10] ) Wycliffe Muia and Damian Zane, how jeans and diamonds pushed Lesotho to the top of Trump’s tariffs list,.at: https://www.bbc.com/news/articles/c8dgmyzqr6do
[11] ) Patricia Cohen, Op.cit.
[12] ) Bethel Olujobi,Op.cit.
[13] ) RenCapAfrica, The African Continent is (relatively) immune to Trump’s tariffs,2 apr, 2025.at: https://www.cnbcafrica.com/2025/the-african-continent-is-relatively-immune-to-trumps-tariffs/
[14] ) RenCapAfrica, Op.cit.
[15] ) Yinka Adegoke, Op.cit.
[16] ) RenCapAfrica,Op.cit.
[17] ) Yinka Adegoke, Op.cit.
[18] ) Patricia Cohen,Op.cit.
[19] ) RenCapAfrica,Op.cit.
[20] ) RenCapAfrica,Op.cit.
[21] ) Patricia Cohen,Op.cit.
[22] ) Yinka Adegoke, Op.cit.
[23] ) Karen Mathiasen and Nico Martinez, The New US Tariff Regime Is Another Blow for Africa, APRIL 04, 2025.at: https://www.cgdev.org/blog/new-us-tariff-regime-another-blow-africa
[24] ) Yinka Adegoke, Lo.cit.
[25] ) Karen Mathiasen and Nico Martinez,Op.cit.
[26] ) Yinka Adegoke, Op.cit.
[27] ) Karen Mathiasen and Nico Martinez, Op.cit.
[28] ) Yinka Adegoke, Op.cit.