تأليف: ريفكاتو نغارغبو وفضيلة جوماري
ترجمة: أسماء عبدالحفيظ خميس نوير
باحثة دكتوراه ومترجمة متخصصة في فلسفة العلوم بجامعة أسيوط، مصر
الملخص:
يُعدّ التمويل الرقمي من أسرع الخدمات المالية نموًّا في العالم، ويعود هذا النمو إلى الارتفاع الكبير في معدلات امتلاك الهواتف المحمولة، مما أدى إلى توسع هائل في استخدام الأدوات والمعاملات والخدمات الرقمية المبتكرة على مستوى العالم. وقد أسهمت الرقمنة بشكل ملحوظ في تعزيز الناتج المحلي الإجمالي للكثير من الدول، مع توقعات بزيادة الناتج المحلي الإجمالي لجميع الأسواق الناشئة بنحو 3.7 تريليون دولار بحلول عام 2025م.
ومن شأن هذا النمو أن يسهم في خلق فرص عمل جديدة، وجذب الاستثمارات، وتعزيز الإنتاجية، لا سيما من خلال استخدام منصات التجارة الإلكترونية لتسويق المنتجات وإجراء المعاملات المالية على نطاق عالمي.
ورغم النمو السريع للتمويل الرقمي، إلا أن الكثير من النساء في إفريقيا ما زلن يواجهن صعوبات في الوصول إلى هذه الخدمات، خاصةً في المجتمعات الفقيرة والمُهمَّشة. فالكثير منهن لا يمتلكن الأصول الرقمية الأساسية مثل الهواتف الذكية أو خدمات الإنترنت، كما أنهن غالبًا ما يفتقرن إلى المهارات الرقمية اللازمة لإجراء المعاملات المالية عبر المنصات الرقمية.
تهدف هذه الدراسة إلى استكشاف سُبل تحقيق الشمول المالي الرقمي للمرأة في إفريقيا، وتسليط الضوء على آفاق تمكينها من خلال الخدمات المالية الرقمية، فضلًا عن مناقشة التحديات المحتملة التي قد تعيق تحقيق هذا الهدف.
مقدمة:
أدَّى ظهور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT)، والارتفاع الهائل في استخدام الهواتف الذكية خلال العقد الماضي إلى طفرة في الأدوات والخدمات الرقمية المبتكرة في جميع أنحاء إفريقيا، مما يوفر للحكومات فرصًا واسعة لبناء اقتصادات أكثر شمولًا. وعلى الصعيد العالمي، أطلقت مجموعة العشرين والبنك الدولي مبادرات تهدف إلى الحدّ من الفقر من خلال تعزيز الشمول المالي الرقمي في البلدان النامية.
ويشير التمويل الرقمي ببساطة إلى تقديم الخدمات المالية عبر الهواتف المحمولة أو أجهزة الكمبيوتر الشخصية أو الإنترنت أو البطاقات المرتبطة بأنظمة دفع رقمية موثوقة. ويشمل ذلك جميع المنتجات والخدمات والتقنيات والبنية التحتية التي تُتيح للأفراد والشركات الوصول إلى المدفوعات، والمدخرات، والتسهيلات الائتمانية عبر الإنترنت، دون الحاجة إلى زيارة فروع البنوك أو التعامل المباشر مع مقدمي الخدمات المالية. ويُمثّل التمويل الرقمي التأثير العميق للتكنولوجيا الحديثة على قطاع الخدمات المالية؛ حيث يُعزّز إمكانية وصول الفئات الفقيرة إلى التمويل، ويخفض تكاليف الوساطة المالية للبنوك ومقدمي الخدمات. كما يُعدّ وسيلة تعتمدها الحكومات لزيادة الإنفاق الكلي بفعالية.
بفضل التكنولوجيا الرقمية، يشهد القطاع المصرفي تحولًا جذريًّا من الطرق التقليدية في تقديم الخدمات إلى استخدام مجموعة متنوعة من المنتجات والتطبيقات ونماذج الأعمال التي تجعل المعاملات المصرفية أكثر سهولة وسرعة. كما ساهمت تطبيقات الهواتف المحمولة، وشبكات التواصل الاجتماعي، وتكنولوجيا دفتر الأستاذ الموزع، والحوسبة السحابية، في إدخال أساليب جديدة للخدمات المصرفية والاستثمار، إلى جانب نماذج أعمال مبتكرة يعتمدها الأفراد لتحسين أوضاعهم المالية.
يشير الشمول المالي الرقمي إلى استخدام الوسائل الرقمية لتمكين الأفراد المحرومين ماليًّا أو الذين يعانون من نقص الخدمات المالية من الوصول إلى خدمات مالية رقمية مصمَّمة لتلبية احتياجاتهم بتكلفة مستدامة لكل من العملاء ومقدمي الخدمات. كما يمكن تعريفه بأنه توفير مستدام للخدمات المالية الرقمية بأسعار معقولة، مما يدمج الفئات الفقيرة في الاقتصاد الرسمي.
يهدف الشمول المالي الرقمي إلى زيادة عدد الأفراد الذين يمكنهم الوصول إلى الخدمات المالية الرسمية عبر الحسابات المصرفية، مما يسهم في تمكينهم اقتصاديًّا، ويُعزّز جهود الحد من الفقر، ويدعم النمو الاقتصادي. كما يتيح للأفراد فرصًا أوسع لبدء الأعمال التجارية، وإجراء المعاملات المالية عبر الوسائل الرقمية بتكلفة منخفضة وأسعار مناسبة.
إضافة إلى ذلك، توفر المنصات المالية الرقمية وسائل فعَّالة لتعزيز الادخار والاستثمار، فضلًا عن تقديم خدمات الائتمان، والتأمين، والمنتجات الاستثمارية، مما يُسهم في دَفْع عجلة النمو الاقتصادي وتعزيز الاستقرار المالي للأفراد والمجتمعات.
وقد أصبح الشمول المالي الرقمي ظاهرة عالمية بارزة؛ لما له من قدرة على الحد من الفقر، خاصةً بين النساء. فعلى مستوى العالم، تمثل النساء ثلثي القوى العاملة، إلا أن دخولهن لا تزال أقل بكثير مقارنة بالرجال، كما أنهن يشكلن الفئة الأكثر ضعفًا وفقرًا. أما في إفريقيا، فتُعدّ النساء عنصرًا اقتصاديًّا فاعلًا، حيث يمثلن نصف السكان، ويؤدين دورًا أساسيًّا في التنمية الاقتصادية للقارة. ومع ذلك، تعاني الكثير من النساء في إفريقيا من الإقصاء المالي؛ حيث توجد فجوة كبيرة بين الجنسين في الدخل والوضع الاجتماعي.
وعلى الرغم من إطلاق سياسة المساواة بين الجنسين في عام 2005م، والتي هدفت إلى تسهيل تنفيذ الاتفاقيات والقوانين الوطنية والدولية الداعمة للمساواة، لا تزال الفجوات قائمة؛ إذ تواجه النساء في إفريقيا تحديات كبيرة في الوصول إلى الوظائف المهنية والتقنية والإدارية، مقارنةً بنظرائهن من الرجال. وعادةً ما تعمل النساء في وظائف منخفضة الأجر ويواجهن تمييزًا يَحُول دون حصولهن على فرص اقتصادية وسياسية واجتماعية أفضل. وتتركز أنشطة الكثير من النساء في القارة في قطاعات مثل التجارة الصغيرة والزراعة، وهي مجالات تعتمد في الغالب على الكفاف.
ومع ذلك، يوفر التمويل الرقمي فرصة كبيرة للحكومات الإفريقية وصناع السياسات لتمكين المرأة من خلال تعزيز الشمول المالي الرقمي. فمن شأن التمويل الرقمي أن يسهم في تضييق الفجوة بين الجنسين في الدخل، وهو أحد الأهداف الرئيسية لأجندة التنمية المستدامة. ووفقًا لبيانات هيئة الأمم المتحدة للمرأة وإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة؛ فإن تقرير “اللمحة عن النوع الاجتماعي لعام 2021م” بشأن التقدم المحرز في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) يشير إلى أنه بحلول عام 2030م، يمكن لمبادرات الشمول المالي الرقمي أن تُسهم في انتشال أكثر من 150 مليون امرأة وفتاة من براثن الفقر.
يهدف هذا البحث إلى استكشاف آفاق وتحديات الشمول المالي الرقمي في تعزيز دخل المرأة في إفريقيا. بعد هذا القسم التمهيدي، يتضمن البحث سبعة أقسام رئيسة:
- يناقش القسم الثاني اتجاهات عمليات الدفع الرقمية في إفريقيا.
- يتناول القسم الثالث دعم البنية التحتية للتمويل الرقمي.
- يعرض القسم الرابع تاريخ التدفقات المالية في إفريقيا.
- يسلط القسم الخامس الضوء على ريادة الأعمال والتمويل الرقمي في القارة.
- يستكشف القسم السادس آفاق وتحديات الشمول المالي الرقمي في تمكين المرأة.
- يقدم القسم السابع الاستنتاجات والتوصيات.
تُوفّر هذا الدراسة تحليلًا متعمقًا لكيفية استخدام الشمول المالي الرقمي كأداة لتعزيز استقلالية المرأة الاقتصادية ودعم التنمية المستدامة في إفريقيا.
1- اتجاهات عمليات الدفع الرقمية في إفريقيا
انطلقت الثورة في مجال التمويل الرقمي في إفريقيا مع إدخال الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول مِن قِبَل مُشغّلي الاتصالات في عام 2007م، فيما يُعرَف بـ”الأموال الرقمية”. في كينيا، تؤدي خدمات مثل “M-Pesa” دورًا محوريًّا في تعزيز الاقتصاد المحلي، مما أدى إلى انخفاض معدل الفقر بنسبة 2%؛ حيث تجاوز نحو 194 ألف أسرة كينية خط الفقر، وكانت الأُسَر التي تُعيلها النساء الأكثر استفادة من هذه التحولات.
وخلال العقد الماضي؛ شهدت معدلات امتلاك الحسابات المصرفية -سواء في البنوك أو المؤسسات المالية المنظمة مثل مؤسسات التمويل الأصغر وخدمات الأموال عبر الهاتف المحمول- ارتفاعًا ملحوظًا. ونتيجة لانتشار الأموال المتنقلة، أصبح 33% من البالغين في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء يمتلكون حسابات مالية عبر الهاتف المحمول بين عامي 2014 و2021م.
ومن المتوقع أن ينمو قطاع الأموال المتنقلة في إفريقيا بمعدل 20% سنويًّا، ليصل إلى نحو 40 مليار دولار بنهاية العام 2025م. ومع ذلك، قد لا يتحقق هذا النمو بشكل متساوٍ في جميع أنحاء القارة بسبب التفاوت في جاهزية البنية التحتية ومستوى انتشار التجارة الإلكترونية. فعلى سبيل المثال، شهدت دول مثل مصر وغانا وكينيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا نموًّا أسرع في التمويل الرقمي مقارنة ببقية الدول الإفريقية، نظرًا لجهودها في تطوير البنية التحتية الملائمة واعتماد سياسات داعمة للتجارة الإلكترونية.
ويمكن للنساء الاستفادة من هذا التوسع في التمويل الرقمي لتعزيز مدخراتهن وتبني وسائل دفع أكثر كفاءة، مما يسهم في تحسين مستوى رفاهيتهن وتعزيز استقلاليتهن المالية.
2- دعم البنية التحتية للتمويل الرقمي
ركَّزت الكثير من الدول الإفريقية على تطوير بنيتها التحتية الرقمية، بما في ذلك توسيع شبكات الجيل الثالث (G3) والجيل الرابع (G4)، وإدراج البنية التحتية الرقمية ضمن أولويات سياساتها الوطنية. وهناك ثلاث ركائز أساسية تدعم نمو التمويل الرقمي ينبغي أن تحظى باهتمام الحكومات الإفريقية، وهي: القياسات الحيوية، والاتصال بالإنترنت، وتوفير الكهرباء.
في السنوات الأخيرة، تبنَّت الكثير من الدول الإفريقية تقنيات القياسات الحيوية لتعزيز عمليات التحقق من الهوية، من خلال قياس السمات الفيزيائية الفريدة للأفراد، مثل بصمات الأصابع والتعرُّف على الوجه، لاستخدامها في التدقيق، والتصويت، وتقييم الأثر. كما تُسهم القياسات الحيوية في الحدّ من الاحتيال، وتعزيز أمن البيانات، وتوفير وسيلة موثوقة لتوثيق وتحديد هوية المواطنين.
ورغم التقدم الملحوظ في اعتماد هذه التكنولوجيا، لا تزال هناك تحديات تعيق انتشارها على نطاق أوسع في القارة. وتُعدّ حماية خصوصية البيانات وأمن المعلومات الشخصية من أبرز هذه التحديات؛ حيث إن 24 دولة فقط في إفريقيا قامت بإدخال قوانين ولوائح تُنظِّم حماية البيانات الشخصية، مما يُبرز الحاجة إلى تعزيز الأُطُر القانونية لضمان الاستخدام الآمِن والمسؤول لهذه التقنيات.
أما فيما يتعلق بالاتصال بالإنترنت، فلا تزال إفريقيا تُواجه تحديات كبيرة؛ حيث يُعدّ مُعدل انتشار الإنترنت فيها منخفضًا مقارنة بالمناطق الأخرى من العالم. ووفقًا لتقديرات البنك الدولي، تحتاج القارة إلى استثمارات بقيمة 100 مليار دولار أمريكي لضمان وصول الإنترنت إلى جميع المواطنين بحلول عام 2030م. حاليًّا، لا يتجاوز معدل انتشار الإنترنت في إفريقيا 40%، في حين أن نسبة الاشتراك في النطاق العريض الثابت لا تتعدى 0.4%، مما يعكس الاعتماد الكبير على الإنترنت عبر الهاتف المحمول بدلاً من الشبكات الثابتة.
على سبيل المثال، شهدت كينيا ارتفاعًا في نسبة انتشار الإنترنت؛ حيث بلغت 85.2% في عام 2020م، ويُعزَى ذلك جزئيًّا إلى إطلاق خدمة M-Pesa، التي عززت انتشار المحافظ الرقمية والاتصال بالإنترنت. أما نيجيريا فهي من بين أكبر الدول الإفريقية من حيث عدد مستخدمي الإنترنت عبر الهاتف المحمول؛ حيث يتم إنشاء أكثر من 74% من إجمالي حركة الإنترنت عبر الهواتف الذكية، مقابل 24% فقط عبر أجهزة الكمبيوتر الشخصية.
ومع ذلك، لا تزال هناك عقبات تَحُدّ من الوصول إلى الإنترنت في القارة، أبرزها انخفاض مستويات الإلمام بالمهارات الرقمية، وضعف البنية التحتية، وارتفاع تكاليف خدمات الإنترنت، إلى جانب غلاء أسعار البيانات، مما يجعلها غير ميسورة التكلفة لكثير من الأفراد.
تعاني إفريقيا من معدلات منخفضة للغاية في إمكانية الحصول على الكهرباء مقارنة بالمناطق الأخرى من العالم، لا سيما في المناطق الريفية. فبينما يفتقر 42% من إجمالي السكان في القارة إلى الكهرباء، لا تتجاوز نسبة سكان الريف الذين يتمتعون بإمكانية الوصول إليها 8% فقط.
إلى جانب ذلك؛ فإن عدم توفر الكهرباء بشكل منتظم ومستدام يشكل تحديًا كبيرًا، خاصةً في المناطق الريفية غير المتصلة بشبكات الكهرباء، بالإضافة إلى الانقطاعات المتكررة في المناطق الحضرية الكبرى. ويُحتمَل أن يؤدي هذا النقص في الطاقة إلى إبطاء نموّ التمويل الرقمي؛ نظرًا لاعتماد الخدمات المالية الرقمية على توفّر الكهرباء لتشغيل الأجهزة الإلكترونية وشبكات الاتصال.
أما فيما يتعلق بالمرأة، فهي تواجه تحديات أكبر فيما يخص الوصول إلى القياسات الحيوية، وخدمات الإنترنت، والكهرباء، مما يزيد من الفجوة الرقمية، ويَحُدّ من فرصها في الاستفادة من الخدمات المالية الرقمية. لذا، من الضروري أن تستثمر الحكومات الإفريقية بشكلٍ مكثّف في تطوير هذه البنى التحتية الأساسية لدعم التوسع في التمويل الرقمي وضمان تحقيق نموّ مستدام وشامل في جميع أنحاء القارة.
3- تاريخ التدفقات المالية الرقمية في إفريقيا
شهد قطاع الخدمات المالية الرقمية في إفريقيا تطورات كبيرة على مدى العقد الماضي؛ حيث ساهمت الخدمات المصرفية عبر الإنترنت، والبطاقات متعددة العملات، وإرسال وتلقي الأموال عبر الهاتف المحمول؛ في تسهيل المعاملات المالية بشكل غير مسبوق. وقد أدَّى هذا إلى زيادة كبيرة في عمليات الدفع غير النقدية، بما في ذلك سداد الفواتير، وشراء رصيد الهاتف، وتحويل الأموال عبر الإنترنت، وتخزين أو إيداع الأموال في المحافظ الإلكترونية، وشراء الأصول الثمينة.
في كينيا، يُحوَّل نحو 31% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عبر الهواتف المحمولة؛ حيث تُعدّ خدمة M-Pesa من أكثر الوسائل استخدامًا لتحويل الأموال، لا سيما مِن قِبَل العاملين في المدن الذين يرسلون التحويلات المالية إلى أقاربهم في المناطق الريفية. كما تُعدّ نيجيريا وجنوب إفريقيا أمثلة بارزة على النمو السريع في المدفوعات غير النقدية؛ حيث بلغت نسبة المدفوعات الإلكترونية في جنوب إفريقيا بين 30% و35% من إجمالي مدفوعات التجزئة، في حين لا تزال المدفوعات النقدية تشكل 60% إلى 65%.
لقد ساهمت الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول في تعزيز التحويلات المالية؛ حيث أصبحت بديلاً للقنوات غير الرسمية في إرسال الأموال واستقبالها. والجدير بالذكر أن إفريقيا تستحوذ على 70% من إجمالي قيمة المعاملات المالية عبر الهاتف المحمول في العالم. ففي عام 2021م، قام حوالي 53% من البالغين بإرسال أو تلقي تحويلات مالية محلية، وذلك بفضل التكنولوجيا التي تتيح تحويل الأموال بسرعة أكبر وبتكلفة أقل إلى مواقع كانت في السابق خارج نطاق الخدمات المالية التقليدية.
على الرغم من التقدم في الخدمات المالية الرقمية في إفريقيا؛ لا تزال النساء أقل مشاركة في المعاملات المالية الرقمية مقارنةً بالرجال؛ إذ يُظهر الرجال معدلات استخدام أعلى للخدمات المالية عبر الهاتف المحمول، مثل تحويل الأموال وشراء رصيد الهاتف، مما يمنحهم ميزة أكبر في الوصول إلى التمويل الرقمي.
وتُواجه النساء عوائق عدة تمنعهن من تحقيق المساواة في الوصول إلى الخدمات المالية الرقمية، ومن أبرزها محدودية امتلاك الهواتف الذكية، وضعف الاتصال بالإنترنت، وقلة الفرص في سوق العمل، ونقص المهارات الرقمية. وفيما يتعلق بالهواتف الذكية والإنترنت، يُرجَّح أن يمتلك الرجال هواتف ذكية أكثر من النساء، لا سيما في المناطق الريفية. وحتى عندما تمتلك النساء هواتف محمولة، فعادةً ما تكون أقدم وأقل كفاءة مقارنة بتلك التي يستخدمها الرجال، مما يحدّ من قدرتهن على الاستفادة الكاملة من الخدمات الرقمية.
لضمان الإدماج الرقمي والمالي للنساء، من الضروري زيادة فرص امتلاكهن للهواتف الذكية؛ حيث إن الهواتف الذكية تُعزِّز استخدام التكنولوجيا المالية الرقمية. كما ينبغي تشجيع النساء على المشاركة في برامج تدريبية تُمكِّنهن من تطوير مهاراتهن الرقمية واستخدام الهواتف الذكية لإجراء المعاملات المالية الإلكترونية، مما يسهم في تعزيز الشمول المالي الرقمي للمرأة في إفريقيا.
4- ريادة الأعمال والتمويل الرقمي والمرأة في إفريقيا
أسهم نمو الأدوات الرقمية والمدفوعات الإلكترونية في ازدهار الأعمال التجارية عبر الإنترنت، مما ساعد على تعزيز ريادة الأعمال في إفريقيا. ووفقًا للمرصد العالمي لريادة الأعمال، تُعدّ منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من أكثر المناطق التي تشهد مشاركة نسائية بارزة في ريادة الأعمال؛ حيث تبدأ 26% من النساء مشاريعهن التجارية وتديرها.
وتتصدر غانا القائمة من حيث نسبة رائدات الأعمال؛ حيث تمتلك النساء 46% من إجمالي المشاريع التجارية، وهي نسبة تفوق أيّ دولة أخرى. وفي القارة الإفريقية عمومًا، تبلغ نسبة النساء في ريادة الأعمال 3.2%، أي ضعف المتوسط العالمي البالغ 1.6%.
ومع ذلك، لا تزال المرأة ممثلَة تمثيلًا ناقصًا في ريادة الأعمال في قطاع التكنولوجيا الرقمية، نظرًا لانخفاض مشاركة النساء عالميًّا في القطاعات التكنولوجية مقارنةً بالرجال، مما يَحُدّ من فرصهن في الاستفادة الكاملة من الثورة الرقمية.
يُعزَى انخفاض مشاركة المرأة في الاقتصاد الرقمي في إفريقيا إلى ضعف إمكانية وصولها إلى الإنترنت عبر الهاتف المحمول. إذ تشير الإحصاءات إلى أن حوالي ثلثي النساء في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لا يستخدمن الإنترنت، مع فجوة بين الجنسين تصل إلى 41% و36% على التوالي، وتزداد هذه الفجوة في المناطق الريفية وبين النساء الأقل تعليمًا.
ويُعدّ امتلاك هاتف ذكي العقبة الكبرى التي تحول دون وصول النساء إلى الإنترنت في إفريقيا؛ حيث تواجه العديد منهن قيودًا مالية، وانخفاض مستويات الإلمام بالقراءة والكتابة، خاصة في المناطق الريفية، مما يَحُدّ من قدرتهن على الاستفادة من الخدمات الرقمية.
علاوة على ذلك، لا تُتاح للعديد من النساء والفتيات فرص التدريب والتعليم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، والتي تُعدّ ضرورية لتعزيز محو الأمية الرقمية. ونتيجة لذلك، تفتقر العديد من النساء إلى المهارات الرقمية الأساسية، فضلًا عن المهارات المتقدمة المطلوبة للمشاركة بفاعلية في سوق العمل الرقمي، مما يُقيِّد فرصهن في التوظيف وريادة الأعمال.
تتفاقم هذه التحديات في المناطق الريفية وبين الأُسَر ذات الدخل المحدود؛ حيث تعاني النساء من صعوبة أكبر في الحصول على التمويل اللازم لتطوير مشاريعهن الرقمية، مما يُعيق نموّ ريادة الأعمال النسائية في القطاع التكنولوجي.
للحدّ من هذه التحديات وتعزيز ريادة الأعمال الرقمية للنساء؛ هناك عدة إستراتيجيات يمكن اعتمادها لدعم المرأة وتمكينها رقميًّا، من بينها:
- تعزيز تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) ومحو الأمية الرقمية: ينبغي على الحكومات الإفريقية إعطاء الأولوية لتعليم الفتيات في هذه المجالات، مما يُزوِّدهن بمهارات قابلة للنقل تُمكِّنهن من الازدهار في الاقتصاد الرقمي.
- توفير وصول آمِن وميسور التكلفة إلى الإنترنت: من خلال تحسين البنية التحتية للنطاق العريض وتطوير منصات إلكترونية تعليمية تتيح للنساء اكتساب مهارات ريادة الأعمال الرقمية.
- خفض تكاليف باقات البيانات: سيؤدي جعل الإنترنت أكثر توافرًا وأسعار البيانات منخفضة إلى تعزيز استخدام النساء للخدمات الرقمية، وتحسين جودة الإنترنت في المجتمعات الفقيرة والريفية.
- تشجيع اكتساب المهارات الرقمية: ينبغي دعم النساء لاستخدام التكنولوجيا بفعالية، والاستفادة من الإنترنت، وتسخير الفرص الاقتصادية المتاحة عبر الإنترنت.
- تمكين المرأة لتكون مُطوِّرة ومبتكرة في التكنولوجيا الرقمية: يمكن للحكومات تعزيز مشاركة النساء في تطوير الأدوات الرقمية، وإنشاء المحتوى عبر الإنترنت، والمساهمة في الابتكارات الرقمية التي تلبّي احتياجاتهن.
من خلال هذه الجهود، يمكن للمرأة في إفريقيا أن تصبح جزءًا فاعلًا في الاقتصاد الرقمي، مما يفتح أمامها آفاقًا جديدة للنمو الاقتصادي والتمكين الاجتماعي.
5- آفاق الشمول المالي الرقمي لتمكين المرأة في إفريقيا
أدَّى ظهور الخدمات المالية الرقمية في السنوات الأخيرة إلى توسيع الفرص الاقتصادية لملايين النساء حول العالم؛ حيث أصبح لدى أكثر من 240 مليون امرأة حسابات في مؤسسات مالية أو خدمات تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول، مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل عقد من الزمن.
كما ساهمت منصات التداول والاستثمار عبر الإنترنت في توفير فرص جديدة للنساء لزيادة دخلهن، مما عزز قدرتهن على التكيُّف مع الصدمات المالية والاقتصادية والصحية. وفي إفريقيا، كان للتمويل الرقمي أثر إيجابي كبير على النساء؛ إذ حقق العديد من الإنجازات، وأسهم في تحسين مستوى الشمول المالي في القارة.
فبين عامي 2011 و2017م، ارتفعت نسبة الشمول المالي، لا سيما في استخدام الأموال عبر الهاتف المحمول، من 23% إلى 43%. وقد تصدرت منطقة شرق إفريقيا هذا النمو، تلتها منطقتا غرب ووسط إفريقيا، مما يعكس مدى تبني النساء الإفريقيات للتكنولوجيا المالية كوسيلة لتعزيز استقلالهن الاقتصادي.
كما شهدت القارة واحدة من أسرع معدلات النمو في استخدام الأموال عبر الهاتف المحمول؛ حيث ارتفع معدل استخدامها بين البالغين إلى 55-60% خلال الجائحة وما بعدها. ومن المتوقع أن يصل عدد السكان البالغين في إفريقيا إلى 634 مليون نسمة بنهاية العام 2025م، مما يعزز فرص التوسع في الشمول المالي الرقمي.
كما شهدت بعض الدول قفزات نوعية في معدلات امتلاك الحسابات المصرفية؛ حيث ارتفعت بنسبة 600% في السنغال، بينما سجَّلت كينيا زيادة ملحوظة في الشمول المالي للمرأة؛ حيث ارتفع بنحو 80%. وقد أدى توسع استخدام الأموال عبر الهاتف المحمول إلى زيادة مدخرات الأُسَر التي تعيلها النساء، مما أسهم في تحسين استقرارهن المالي. وتوفر الخدمات المالية الرقمية إمكانية إجراء المعاملات المالية بسرعة وسهولة ومرونة عبر قنوات متعددة، مما يعزز إمكانية الوصول إلى التمويل ويُمكن المرأة من إدارة مواردها المالية بكفاءة أكبر.
غانا من الدول التي استخدمت التمويل الرقمي بذكاء لتمكين المرأة، مما جعلها تحتل أحد المراكز الثلاثة الأولى في مؤشر ماستركارد لرائدات الأعمال لعام 2020م (MIWE)؛ حيث تضم أكبر عدد من صاحبات الأعمال.
اتخذ بنك غانا خطوات لتعزيز الخدمات المالية الرقمية، من خلال رفع حدود المعاملات، وتسهيل المدخرات الرقمية، والاستثمارات، وسداد الفواتير، ومدفوعات التجار عبر الإنترنت. مكّنت هذه الإجراءات العملاء من إعادة هيكلة أقساط القروض، ووفرت ائتمانًا للمحتاجين. واعتبارًا من عام 2020م، بلغ عدد الحسابات النشطة على الهاتف المحمول في غانا 17.5 مليون حساب، ما يمثل نموًّا بنسبة 84% مقارنة بعام 2019م، وكانت النساء أكبر المستفيدين من هذا النمو.
أما في كينيا، فقد اتخذ البنك المركزي الكيني إجراءات مماثلة لدعم الشمول المالي؛ حيث ألغى رسوم المعاملات عبر الإنترنت وحدودها لمساعدة الأُسَر الضعيفة، لا سيما النساء، خلال الجائحة. كما خفَّض معدل ضريبة المبيعات من 3% إلى 1% لجميع الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، والتي تمتلك النساء نصفها.
أسهمت هذه الجهود في زيادة المعاملات الرقمية من 1.7 مليار معاملة بين يناير ونوفمبر 2019م إلى 4.4 مليار معاملة خلال الفترة نفسها من عام 2020م، وهو ما يُمثّل نموًّا بنسبة 160.45%؛ حيث استفادت النساء بشكل كبير من الرقمنة في البلاد.
حدّد مؤشر ماستركارد لرائدات الأعمال (MIWE) لعام 2020م نيجيريا كإحدى الدول الإفريقية التي تشهد نموًّا متسارعًا في التمويل الرقمي والتجارة الإلكترونية، مع مشاركة كبيرة من النساء في هذا القطاع.
وفي إطار تعزيز ريادة الأعمال، استفاد البنك المركزي النيجيري من الانتشار الواسع للهواتف الذكية وزيادة استخدام أنظمة الدفع الإلكتروني لدعم نموّ ريادة الأعمال في البلاد. كما يعمل حاليًّا على وضع إستراتيجية وطنية للتكنولوجيا المالية بالتعاون مع التحالف من أجل الشمول المالي (AFI)، بهدف تعزيز الاقتصاد الرقمي في نيجيريا.
بالإضافة إلى ذلك؛ أصدر البنك المركزي مبادئ توجيهية لخدمات الأموال عبر الهاتف المحمول، والتي تُعدّ خطوة إستراتيجية نحو تعزيز الشمول المالي، مما يُسهم في تقليص الفجوة بين الجنسين في مجال الخدمات المالية داخل نيجيريا.
يتميز التمويل الرقمي في إفريقيا بالكثير من المزايا التي جعلت منه أداة فعَّالة تعتمد عليها الحكومات وصانعو السياسات لتعزيز الشمول المالي. ومن أبرز هذه المزايا: تيسير وصول الفقراء إلى الخدمات المالية، وخفض تكلفة الوساطة المالية بالنسبة للبنوك ومقدمي خدمات التكنولوجيا المالية، بالإضافة إلى زيادة الإنفاق الحكومي الإجمالي.
تُتيح المنصات الرقمية للنساء فرصة المشاركة الاقتصادية بسهولة من خلال الانتقال من المعاملات النقدية التقليدية إلى المعاملات المالية الرقمية الرسمية عبر أنظمة آمنة. وهذا لا يساعد فقط في توفير الوقت، بل يمكن النساء أيضًا من الانخراط في الأنشطة الاقتصادية دون الإخلال بمسؤولياتهن الأسرية. علاوة على ذلك، يُسهِّل التمويل الرقمي الوصول إلى مجموعة متنوعة من المنتجات والخدمات المالية، فضلًا عن إتاحة تسهيلات ائتمانية تُعزّز الإنفاق الكلي وتُسهم في زيادة الدخل القومي.
6- التحديات
على الرغم من الفرص الواسعة التي يوفرها التمويل الرقمي، لا تزال هناك قيود تعيق استفادة النساء منه بالكامل. وتشمل هذه القيود صعوبة الحصول على وثائق الهوية، ونقص الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية، إضافة إلى ضعف المهارات الرقمية. وتزداد أهمية امتلاك الهواتف الذكية مع تزايد انتشار التطبيقات المالية والتجارة الإلكترونية، مما يجعل تعزيز وصول النساء إلى الهواتف الذكية والإنترنت عاملًا أساسيًّا في بناء اقتصادات رقمية أكثر شمولًا.
إلى جانب ذلك، لا تزال عدم موثوقية إمدادات الكهرباء، خاصة في المناطق الريفية، تشكل تحديًا كبيرًا يَحُدّ من قدرة النساء على الوصول المستمر للخدمات الرقمية والاستفادة الكاملة من الفرص التي يتيحها التمويل الرقمي.
وتعاني الكثير من النساء في إفريقيا من صعوبة الحصول على التمويل؛ حيث تخضعن لقوانين وأعراف تحدّ من مشاركتهن في سوق العمل، وتحدّ من قدراتهن على امتلاك الأصول، وإنشاء أعمال تجارية رسمية، والحصول على التمويل اللازم لتوسيعها. هذه العوائق تعيق الشمول المالي الرقمي وتحدّ من فرص النساء الاقتصادية.
إضافةً إلى ذلك، تواجه الخدمات المالية الرقمية عبر الهاتف المحمول تحديات مثل محدودية قابلية التشغيل البيني بين مقدمي الخدمات المالية، مما يَحُدّ من قدرة المستخدمين على إجراء معاملات بين المنصات المختلفة. كما أن عدم القدرة على إثبات الهوية الرقمية يُمثّل عائقًا آخر؛ حيث يمنع العديد من النساء من الاستفادة الكاملة من هذه الخدمات، مما يُقلّل من فعالية الشمول المالي الرقمي.
إضافة إلى ذلك، تعاني النساء في إفريقيا من تحديات إضافية تَحُدّ من إرسال وتلقي الأموال عبر الهاتف المحمول، مثل ارتفاع رسوم التحويل، والحاجة إلى السفر لمسافات طويلة لتحويل الأموال الرقمية إلى نقد. كما أن مشاركة العديد من النساء في أنشطة اقتصادية منخفضة الأجر تُقلّل من قدرتهن المالية على الانخراط في المعاملات الرقمية. علاوةً على ذلك، فإن الالتزامات المنزلية غير مدفوعة الأجر تمثل عائقًا كبيرًا؛ حيث تحدّ من الوقت المتاح للمرأة للمشاركة في مشاريع إنتاجية أخرى.
من بين التحديات الأخرى انخفاض معدلات امتلاك الهواتف المحمولة، وضعف الإلمام الرقمي بين النساء، مما يَحُدّ من فرصهن في الاندماج المالي. كما تُشكّل البنية التحتية المحدودة للإنترنت تحديًا رئيسيًّا؛ حيث يعتمد معظم السكان في إفريقيا على الإنترنت عبر الهاتف المحمول لإجراء المعاملات المالية الرقمية. وتعاني البلدان الإفريقية من أدنى مستويات الاتصال بالإنترنت عبر الهاتف المحمول على مستوى العالم، وهو ما يؤثر بشكل خاص على النساء، والفقراء، وسكان المناطق الريفية.
كما تُواجه المرأة تحديًا إضافيًّا يتمثل في هيمنة الشريك على أنشطتها المالية، مما يَحُدّ من إمكاناتها الاستثمارية ويُقلِّل من استقلالها المالي. كما تُسهم الأعراف الاجتماعية في تقييد الإدماج المالي للمرأة؛ حيث تؤثر العادات والتقاليد على قدرتها في اتخاذ قرارات مالية مستقلة. إلى جانب ذلك، تُشكِّل الجرائم الإلكترونية والاحتيال عبر الإنترنت عائقًا كبيرًا، إذ يمكن أن تثني النساء عن الانخراط في المعاملات المالية الرقمية، خوفًا من التعرض للاحتيال أو فقدان أموالهن.
أحد التحديات الخطيرة التي تؤثر على الشمول المالي للمرأة هو التركيز المحدود للسياسات الحكومية على احتياجاتها. إذ لا تأخذ العديد من إستراتيجيات الشمول المالي في الاعتبار وجهات نظر النساء ومتطلباتهن الخاصة، وغالبًا ما تقتصر البرامج الحكومية على مبادرات تمكين محددة تستهدف فئات معينة، بدلاً من اعتماد نهج شامل يعالج التحديات التي تواجهها النساء في المجال المالي.
لتحقيق إدماج مالي أكثر شمولًا وسد الفجوة بين الجنسين، لا بد من تطوير سياسات متكاملة تراعي التفاوتات الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية. كما أن جمع البيانات المصنَّفة حسب الجنس يُعدّ أمرًا ضروريًّا لتوجيه السياسات، وتقييم التقدم المُحرَز نحو تحقيق أهداف الشمول المالي. يجب على مقدمي الخدمات المالية اتخاذ إجراءات مدروسة لجمع هذه البيانات، وهو ما لا يتم توفيره حاليًّا بالشكل الكافي.
7- الخلاصة والاستنتاجات والتوصيات
تناول هذا البحث آفاق وتحديات الشمول المالي الرقمي للنساء في إفريقيا، موضحًا أن التمويل الرقمي يتمتع بالكثير من المزايا التي تستفيد منها الحكومات وصانعو السياسات في القارة. وتتيح المنصات الرقمية للنساء المشاركة الاقتصادية بسهولة؛ حيث تسهّل الانتقال من المعاملات النقدية إلى المعاملات المالية الرقمية الرسمية ضمن بيئات آمنة. ويسهم ذلك في توفير الوقت، مما يمنح النساء فرصة أكبر للانخراط في أنشطة اقتصادية مع الاستمرار في رعاية أُسرهن. كما يُوفّر التمويل الرقمي وصولًا ميسرًا إلى مجموعة متنوعة من المنتجات والخدمات المالية، إضافةً إلى التسهيلات الائتمانية التي تُعزّز الإنفاق العام والدخل القومي.
ورغم هذه المزايا، لا تزال هناك تحديات تُعيق تحقيق الشمول المالي الرقمي للنساء، ومنها:
- صعوبة الحصول على وثائق الهوية الرسمية، مما يَحُدّ من القدرة على فتح الحسابات المصرفية الرقمية.
- ضعف امتلاك الهواتف المحمولة، ونقص المهارات الرقمية، مما يقلل من إمكانية استخدام الخدمات المالية الرقمية.
- محدودية الوصول إلى التمويل، مما يُقيِّد فرص النساء في تنمية أعمالهن التجارية.
- ضعف البنية التحتية للإنترنت، وخاصة في المناطق الريفية، مما يُصعِّب الوصول إلى الخدمات المالية عبر الإنترنت.
- ارتفاع معدلات الجرائم الإلكترونية والاحتيال عبر الإنترنت، مما يثني بعض النساء عن استخدام المنصات الرقمية.
- غياب سياسات حكومية شاملة للشمول المالي للمرأة؛ حيث لا تراعي العديد من الإستراتيجيات الحالية احتياجات النساء وتحدياتهن الخاصة.
- قصور البنية التحتية المالية الرقمية، مما يؤدي إلى محدودية قابلية التشغيل البيني بين مقدمي الخدمات المالية، وبالتالي تقليل كفاءة النظام المالي الرقمي.
بذلك، يبرز هذا البحث أهمية التمويل الرقمي في تعزيز الشمول المالي للمرأة الإفريقية، لكنه يشير أيضًا إلى العقبات التي يجب معالجتها لضمان إدماج مالي أكثر شمولًا واستدامة.
ولتحقيق الاستفادة الكاملة من التمويل الرقمي في إفريقيا، ينبغي على الحكومات وصانعي السياسات تبني إستراتيجيات فعّالة تضمن دعم الخدمات المالية الرقمية لأهداف التنمية المستدامة، ولا سيما تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات.
يمكن تحقيق ذلك من خلال:
- ضمان توفير خدمات مالية رقمية تكون ميسورة التكلفة وسهلة الاستخدام ومتاحة وشفافة للجميع.
- توسيع نطاق الوصول إلى حسابات الأموال عبر الهاتف المحمول، وتعزيز أنظمة الهوية والوثائق الرسمية، مما يساعد النساء على تحقيق شمول مالي أكبر.
- زيادة تمكين المرأة رقميًّا من خلال توسيع فرص امتلاك الهواتف الذكية والوصول إلى الإنترنت، مما يسهم في تعزيز مشاركتهن في الاقتصاد الرقمي.
- تشجيع ودعم القطاع الخاص لتسهيل اقتناء الهواتف الذكية بأسعار مناسبة، مما يُعزّز من قدرة النساء على الاستفادة من الخدمات المالية الرقمية.
باتباع هذه الإستراتيجيات؛ يمكن تعزيز إدماج المرأة في النظام المالي الرقمي، ممّا يُسهم في تحقيق تنمية اقتصادية أكثر شمولًا واستدامة.
………………………………
رابط التقرير:
[1] Rifkatu Nghargbu et Fadila Jumare. “Digital Financial Inclusion for Women in Africa: Prospects and Challenges”. https://link.springer.com/chapter/10.1007/978-3-031-53337-2_10?fromPaywallRec=false