نِهاد محمود
باحثة دكتوراه بكلية الدراسات الإفريقية العليا- جامعة القاهرة
تمهيد:
في ظل ما يطرأ على مشهد الإرهاب العالمي من تحوُّلات متسارعة تعكس طبيعة الظاهرة المعقَّدة وتشابكاتها مع العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية المحيطة؛ باتت ظاهرة الإرهاب خلال العقد الأخير، واحدةً من أخطر المُهدِّدات التي تواجه السلم والأمن الدوليين. زاد من الأمر خطورة التطورات التكنولوجية المستمرة، مثل تقنيات الذكاء الاصطناعي.
أضف إلى ذلك المعدات العسكرية التي شهدت تطورًا هائلًا على مدار العقود الماضية ولا تزال. وهو ما انعكس بشكل مباشر على تكتيكات الجماعات الإرهابية، التي استفادت من ذلك في تعزيز قدراتها القتالية وتوسيع نطاق وجودها العملياتي على الأرض. كما أدى انتشار الأسلحة عالية التقنية، مثل الطائرات المُسيّرة (الدرونز)، والصواريخ المحمولة على الكتف، وغيرهم، إلى إحداث تحوُّل نوعي في طبيعة الهجمات الإرهابية، بما جعلها أكثر دقة وفتكًا وأقلّ تكلفة من الناحية اللوجستية.
في سياق هذه التطورات، يبرز مؤشر الإرهاب العالمي Global Terrorism Index (GTI) الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام(IEP) ، كأداة تحليلية أساسية هامة لرصد اتجاهات الإرهاب وقياس مدى انتشاره وتأثيره على الدول والمجتمع الدولي ككل.([1])
من هذا المنطلق، يسعى هذا المقال إلى تقديم قراءة تحليلية لمؤشر الإرهاب العالمي، في نسخته الـ12 الصادرة في مارس 2025م، مع التركيز على موقع إفريقيا جنوب الصحراء في المؤشر، وذلك من خلال المحاور الرئيسة التالية:
- المحور الأول: مؤشر الإرهاب العالمي: النشأة ومنهجيّة القياس.
- المحور الثاني: مؤشر الإرهاب العالمي 2025م: نظرة عالميّة.
- المحور الثالث: إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر الإرهاب العالمي 2025م.
- خاتمة: إفريقيا والإرهاب: تحديّات مُستمرة وحلول ضرورية.
المحور الأول: مؤشر الإرهاب العالمي: النشأة ومنهجيّة القياس
تم إنشاء مؤشر الإرهاب العالمي (GTI) في عام 2012م بهدف تقديم تحليل شامل للاتجاهات العالمية في الإرهاب، ما يُمَكِّن صانعي السياسات والباحثين من تقييم طبيعة التهديدات الإرهابية وتطورها عبر الزمن. طوَّره معهد الاقتصاد والسلام (IEP) لرصد تأثير الإرهاب عالميًّا وقياسه اعتمادًا على بيانات تشمل عدد الهجمات، الوفيات، الإصابات، والأضرار الاقتصادية، وذلك في شكل تقرير سنوي.
صدر عن المؤشر حتى الآن 12 إصدارًا منذ إطلاقه في العام 2012م، وذلك في الأعوام التالية: ٢٠١٢، ٢٠١٤، ٢٠١٥، ٢٠١٦، ٢٠١٧، ٢٠١٨، ٢٠١٩، ٢٠٢٠، ٢٠٢٢، ٢٠٢٣، ٢٠٢٤، ٢٠٢٥م.
وبخصوص منهجية قياس المؤشر في نسخته الـ12 الصادرة مارس 2025م، أو الطريقة التي يتم بها تقييم تأثير الإرهاب على الدول الـ163 التي يشملها المؤشر؛ يتم حساب درجة مؤشر الإرهاب العالمي (GTI) لكل دولة بناءً على 4 مؤشرات رئيسية يتم ترجيحها لكل بلد على مدى خمس سنوات باستخدام نظام تقييم يأخذ في الاعتبار التأثير النسبي للحوادث الإرهابية، وتتمثل هذه المؤشرات في:
- إجمالي عدد الحوادث الإرهابية في السنة.
- إجمالي عدد الوفيات الناتجة عن الإرهاب في السنة.
- إجمالي عدد الإصابات بسبب الهجمات الإرهابية في السنة.
- إجمالي عدد الرهائن المحتجزين بسبب الإرهاب في السنة.
وعن كيفية حساب الدرجة السنوية لكل دولة، يتم تعيين وزن لكل عامل من العوامل التالية:
- عدد الحوادث= 1.
- عدد القتلى= 3 (أعلى وزن؛ نظرًا لخطورة التأثير).
- عدد الإصابات = 0.5.
- عدد الرهائن = 0.5.
يتم حساب مجموع هذه القيم لكل حادثة، ثم يتم تجميعهم داخل البلد في سنة معينة. وبما أن تأثير الإرهاب لا ينحصر في سنة واحدة فقط، يتم تطبيق متوسط مرجّح لخمس سنوات آخذًا بعين الاعتبار الأثر النفسي والاجتماعي الممتد للهجمات. ويتم تحويل النتيجة إلى مقياس من 0 إلى 10. وللتوضيح يشير الجدول رقم (1) إلى كيفية حساب الهجمات الإرهابية في دولة افتراضية خلال سنة معينة كما يلي:
جدول رقم (1)
نموذج توضيحي للهجمات الإرهابية في دولة افتراضية خلال سنة معينة
Source: Global Terrorism Index 2025, (Sydney: The Institute for Economics & Peace, Mar 5, 2025), p.96.
بناءً على قِيَم هذه المؤشرات، يتم تقييم هذه الدولة الافتراضية على أن لديها تأثيرًا للإرهاب خلال تلك السنة يُحسب على النحو التالي: (١ × إجمالي عدد الحوادث) + (٣ × إجمالي عدد الوفيات) + (٠.٥ × إجمالي عدد الإصابات) + (٠.٥ × إجمالي عدد الرهائن)؛ لتصبح كالتالي: (1×21) + (3×36) + (0,5 × 53) + (0,5 ×20) = 166,5.
وبخصوص المتوسط المرجّح لخمس سنوات، ولمراعاة التأثيرات اللاحقة للصدمات التي تتركها الهجمات الإرهابية على المجتمع، يأخذ مؤشر الإرهاب العالمي (GTI) في الاعتبار أحداث السنوات السابقة عند حساب الدرجة الحالية لأيّ دولة. فعلى سبيل المثال، استمر تأثير الهجمات الإرهابية التي وقعت في النرويج عام ٢٠١١م في ترك أثر نفسي على السكان لسنوات عديدة بعد وقوعها.
ولضمان احتساب الآثار الممتدة للإرهاب، يتم تضمين السنوات الأربع السابقة في التقييم، ولكن بوزن متناقص لكل سنة. يوضح الجدول رقم (2) الأوزان المستخدَمة لكل سنة.
جدول رقم (2)
متوسط مرجّح خلال خمس سنوات لدولة افتراضية ما
Source: Global Terrorism Index 2025, (Sydney: The Institute for Economics & Peace, Mar 5, 2025), p.96.
وبالنظر إلى أن الإرهاب لا يتوزع تأثيره بالتساوي في جميع أنحاء العالم؛ فهناك عدد قليل من الدول التي تعاني من مستويات مرتفعة من الإرهاب، مقارنةً بمعظم الدول الأخرى التي تشهد مستويات منخفضة، أو لا تعاني من الإرهاب على الإطلاق. لذلك، يعتمد مؤشر الإرهاب العالمي (GTI) على نظام تقسيم لوغاريتمي أساسي (Base 10 Logarithmic Banding System) بين ٠ و١٠ بفواصل قدرها ٠.٥.
ينتج عن هذه الطريقة تصنيف الدول في 21 شريحة وفقًا للنتائج المحسوبة؛ بحيث تكون أعلى دولة في التأثر بحوادث الإرهاب عند القيمة 10 وأقل دولة عند 0. ويتم حساب الدرجة الأولية لكل دولة من خلال تجميع نتائج المؤشرات الأربعة سالفة البيان.
المحور الثاني: مؤشر الإرهاب العالمي 2025م: نظرة عالميّة
يبدأ مؤشر الإرهاب العالمي في نسخته الـ12 بما شهده عام 2024م من تغيرات في أنماط العمليات الإرهابية وانتشارها الجغرافي على مستوى العالم ككل؛ حيث ارتفع عدد الدول التي تعرَّضت لهجمات إرهابية من 58 إلى 66، وهو أعلى رقم منذ عام 2018م، ولأول مرة منذ 7 سنوات تدهورت الأوضاع في عدد أكبر من الدول؛ إذ شهدت 45 دولة تزايدًا في تأثير الإرهاب، بينما تحسَّنت الأوضاع في 34 دولة فقط.
بحسب التقرير الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام، يظل تنظيم داعش وفروعه الأكثر فتكًا على مستوى العالم؛ حيث كان مسؤولًا عن 1,805 حالة وفاة في 22 دولة. كما يشير التقرير إلى أن الجماعات الإرهابية الـ4 الأكثر تسبُّبًا في الوفيات عام 2024م كانت تنظيم داعش، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وحركة طالبان باكستان، وحركة الشباب الصومالية.
هذه الجماعات كانت مسؤولة عن 4,204 حالة وفاة، أي ما يعادل 80% من الوفيات المنسوبة إلى جماعات محددة خلال عام 2024م. بالمقارنة، ففي عام 2014م، كانت النسبة أقل من 40%؛ حيث كانت بوكو حرام وطالبان هما الأكثر تسببًا في الوفيات، بواقع 17% و5% من الإجمالي العالمي على التوالي.
من جهة أخرى، شهدت الوفيات الناجمة عن الإرهاب انخفاضًا بنسبة 13% مقارنة بعام 2023م، بلغ العدد الإجمالي 7,555 قتيلًا، ويرجع هذا الانخفاض بشكل رئيسي إلى الزيادة الكبيرة التي شهدها العام السابق بسبب هجوم حماس في 7 أكتوبر. كما تراجع عدد الهجمات الإرهابية بنسبة 3% ليصل إلى 3,492 هجومًا، ويعود ذلك إلى انخفاض النشاط الإرهابي في ميانمار بنسبة 85%. ولكن مع استثناء ميانمار، من الممكن أن يزيد عدد الهجمات عالميًّا بنسبة 8%.
بالانتقال إلى إفريقيا -التي سنتناولها بشكل أكثر تفصيلًا لاحقًا-، شهدت منطقة الساحل الإفريقي زيادة كبيرة في ضحايا الإرهاب؛ حيث ارتفع عدد القتلى هناك بمقدار 10 أضعاف منذ عام 2019م، وأصبحت المنطقة مسؤولة عن 51% من جميع الوفيات الناتجة عن الإرهاب عالميًّا. رغم أن بوركينا فاسو لا تزال الأكثر تضررًا، إلا أن عدد الهجمات فيها انخفض بنسبة 57%، والوفيات بنسبة 21%. أما النيجر، فقد شهدت أكبر زيادة في عدد الوفيات المرتبطة بالإرهاب عالميًّا؛ حيث ارتفع العدد لديها بنسبة 94% ليصل إلى 930 حالة وفاة. تعكس هذه التطورات كيف أن التحسُّن الأمني في بعض الدول قد يكون مؤقتًا، مثلما حدث في نيامي بعد التحسن الذي شهدته في عام 2022م.
في غرب إفريقيا، لا يزال تنظيم داعش -ولاية غرب إفريقيا -(ISWAP) يُشكّل تهديدًا رغم تراجع نشاطه؛ حيث انخفض عدد القتلى المنسوب إليه بنسبة 46% ليصل إلى 178 حالة وفاة.
وفي آسيا، واصل تنظيم داعش -ولاية خراسان- توسيع نفوذه، ليصبح أحد أكثر الجماعات المسلحة نشاطًا؛ حيث نفَّذ التنظيم هجمات في أفغانستان، باكستان، إيران، وروسيا، مع تكثيف جهوده الدعائية بلغات متعددة لاستقطاب المجندين من مناطق مختلفة.
وبخصوص المخططات الإرهابية في عام 2024م، فقد تم إحباط 24 مخططًا مرتبطًا بداعش أو فروعه، منها 5 في إسرائيل، 4 في الولايات المتحدة، وأخرى في إيران، تركيا، ألمانيا، فرنسا، السويد، وروسيا، بما في ذلك محاولات لاستهداف أولمبياد باريس وحفل غنائي في فيينا. لكن نظرًا لسرية هذه المعلومات، فمن المحتمل أن العدد الحقيقي للمخططات الإرهابية التي تم إحباطها أكبر بكثير.
وفيما يتعلق بالوفيات الناتجة عن الهجمات الإرهابية، فقد تم تسجيل أعلى عدد من الوفيات في عام 2024م على مستوى العالم في 5 دول هم (بوركينا فاسو- باكستان- النيجر- مالي- سوريا)، علمًا بأن بوركينا فاسو ومالي هما الدولتان الوحيدتان اللتان سجّلتا انخفاضًا في عدد الوفيات مقارنة بالعام 2023م. كما هو موضح في الشكل رقم (1).
شكل رقم (1)
إجمالي الوفيات الناتجة عن الإرهاب، بحسب الدولة وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي (2023-2024م)
Source: Global Terrorism Index 2025, (Sydney: The Institute for Economics & Peace, Mar 5, 2025), p.12.
أما عن الهجمات الإرهابية الأكثر دموية خلال عام 2024م، فقد صنّفها مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2025م ضمن قائمة تضم 20 هجومًا. تعكس هذه الهجمات استمرار التهديد الإرهابي في مناطق مختلفة من العالم، خاصةً في إفريقيا والشرق الأوسط؛ حيث تصاعد نفوذ الجماعات المسلحة، مثل تنظيم داعش وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين. ويوضح الجدول رقم (3) تفاصيل هذه الهجمات، والتي تم تصنيفها تنازليًّا وفقًا لعدد الضحايا، من الأكثر دموية إلى الأقل، على النحو التالي:
جدول رقم (3)
الهجمات الإرهابية الـ20 الأكثر دموية على مستوى العالم خلال عام 2024م
علمًا بأنه كلما زاد عدد الضحايا كان الهجوم أكثر دموية، بحسب مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2025م
Source: Global Terrorism Index 2025, (Sydney: The Institute for Economics & Peace, Mar 5, 2025), Op.Cit, pp.8-9.
أما في الدول الغربية، فقد تصاعدت الهجمات الإرهابية الفردية (الذئاب المنفردة)؛ حيث ارتفع عدد الهجمات من 32 إلى 52، نفَّذ معظمها شباب تأثروا بالدعاية المتطرفة عبر الإنترنت دون ارتباط رسمي بتنظيمات إرهابية، ما يجعل تعقُّبهم أكثر صعوبة بالنسبة لأجهزة الاستخبارات. كما تضاعف عدد الهجمات الإرهابية إلى 67 هجومًا في أوروبا؛ حيث شهدت ألمانيا، السويد، أستراليا، فنلندا، هولندا، الدنمارك، وسويسرا ارتفاعًا ملحوظًا في النشاط الإرهابي. أما الولايات المتحدة، فقد ارتفعت جرائم الكراهية المعادية للسامية لديها بحسب المؤشر بنسبة 270%، بعد اندلاع الحرب في غزة، كما شهدت أوروبا وأستراليا ارتفاعًا في الهجمات على أماكن العبادة اليهودية.
على صعيد التطورات الحاصلة في التكنولوجيا، وخاصةً تقنيات الذكاء الاصطناعي، فقد أصبحت عاملاً رئيسيًّا في تغيير ديناميكيات الإرهاب؛ لا سيما مع استغلال الجماعات الإرهابية هذه التقنيات لإنتاج محتوى دعائي متطور، بما في ذلك مقاطع فيديو معدلة بالذكاء الاصطناعي، ومنشورات دعائية عالية الجودة. كما توفر تطبيقات المراسلة المشفرة مثل تيليجرام وروكيت فضاءات آمنة للتواصل والتخطيط، على نحو يُعقّد جهود مكافحتها. رغم ذلك، تتيح تقنيات الذكاء الاصطناعي فرصًا جديدة لأجهزة الاستخبارات لتحسين عمليات الكشف عن التهديدات وإحباطها، بالإضافة إلى تطوير إستراتيجيات مضادة أكثر فاعلية.
بشكل عام لا يزال الإرهاب يُشكّل تهديدًا خطيرًا للسلم والأمن الدوليين، مدفوعًا بعوامل متعددة، من بينها التطورات التكنولوجية وتوافر الأسلحة المتقدّمة، بالإضافة إلى استغلال الجماعات الإرهابية للديناميات الجيوسياسية الإقليمية والفراغات التي تتركها الدول في بعض المناطق. يسهم هذا في تعزيز تمدد التنظيمات الإرهابية وتعقيد المشهد الأمني، ما يستدعي مقاربات متعددة الأبعاد لا تقتصر على الحلول العسكرية التقليدية فحسب، بل تأخذ بعين الاعتبار العوامل البنيوية المغذية للإرهاب، مثل التهميش والإقصاء الذي تعانيه بعض المناطق الحدودية، وتراجع دور الدولة في فرض الأمن وتقديم الخدمات الأساسية، وهي عوامل توفر بيئة خصبة لهذه الجماعات لتعزيز نفوذها واستقطاب المزيد من الأفراد.
المحور الثالث: إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر الإرهاب العالمي 2025م
يمثل الإرهاب في إفريقيا جنوب الصحراء أحد أبرز التحديات الأمنية في المنطقة؛ حيث لا تزال العديد من دولها ضمن الأكثر تضرُّرًا عالميًّا وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2025م. ورغم تحقيق بعض التحسن في بعض الدول، تبقى منطقة الساحل الإفريقي بؤرة رئيسية للنشاط الإرهابي، ما يزيد من تعقيد المشهد الأمني ويُهدِّد الاستقرار الإقليمي.
في هذا المحور، نستعرض ترتيب دول المنطقة في المؤشر، ثم نتطرق لأوضاع منطقة الساحل، التي تشهد تصاعدًا ملحوظًا في الهجمات الإرهابية. كما نناقش الدول الإفريقية الأكثر تأثرًا بالإرهاب على المستوى العالمي، لفهم أبعاد الظاهرة وتفاعلاتها في السياق الإفريقي.
أولًا: نظرة عامة
شهد مؤشر الإرهاب العالمي (GTI) في إفريقيا جنوب الصحراء تحسنًا بشكل طفيف خلال عام 2024م. ولم تشهد سوى 7 دول في المنطقة تدهورًا في مؤشرها، ما قد يشير إلى تحول إيجابي. ومع ذلك، فإن 6 دول من الدول الـ10 الأكثر تأثرًا بالإرهاب على مستوى العالم في 2024م، وقعوا في إفريقيا جنوب الصحراء. ومن الجدير بالذكر أن 22 دولة في المنطقة سجَّلت في مؤشر الإرهاب بقيمة صفر، ما يعني أنها لم تُسجّل أي حادث إرهابي خلال السنوات الخمس الماضية. وبخصوص موقع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء في المؤشر، فيوضحها الجدول رقم (4) كما يلي:
جدول رقم (4)
إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر الإرهاب العالمي، بحسب إصدار عام 2025م
Source: Global Terrorism Index 2025, (Sydney: The Institute for Economics & Peace, Mar 5, 2025), p.45.
بصورة عامة انخفض إجمالي الهجمات في إفريقيا جنوب الصحراء إلى 947 هجومًا، مقارنة بـ1,253 هجومًا في عام 2023م، وهو تراجع بنسبة 25%، وأقل عدد من الهجمات منذ عام 2016م. كما انخفض عدد الوفيات، ولكن بهامش أقل؛ حيث تراجع من 5,050 حالة وفاة في 2023م إلى 4,794 في 2024م. وبالاتجاه نحو النيجر وجمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق ونيجيريا، فقد سجَّلوا جميعًا أكبر زيادة في وفيات الإرهاب خلال العام الماضي 2024م.
وبخصوص النيجر على وجه التحديد فقد سجَّلت أسوأ تدهور في مؤشر الإرهاب العالمي في المنطقة خلال العام 2024م؛ حيث شهدت أكبر عدد من الهجمات والوفيات في تاريخها. وقع الهجوم الأكثر دموية في النيجر في يوليو 2024م؛ حيث قتل أكثر من 300 مسلح 237 جنديًّا بالقرب من الحدود مع مالي. وكان هذا أيضًا أكثر الهجمات الإرهابية دموية على مستوى العالم في 2024م.
من جهة أخرى، شهدت توجو ثاني أسوأ تدهور في مؤشر الإرهاب بالمنطقة في عام 2024م؛ حيث سجّلت 10 هجمات أسفرت عن مقتل 52 شخصًا. وشهدت البلاد تصاعدًا في أنشطة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM)، التي نفّذت 4 هجمات أسفرت عن مقتل 41 شخصًا.
كما سجّلت جمهورية الكونغو الديمقراطية تدهورًا كبيرًا في مؤشرها عام 2024م، مدفوعة بزيادة الهجمات التي نفّذها تنظيم داعش. ومن بين 30 هجومًا و304 وفيات بسبب الإرهاب في البلاد، تم تنفيذ 28 هجومًا و299 وفاة بسبب تنظيم داعش وحده.
ولا تزال مالي ثاني أكثر الدول تأثرًا بالإرهاب في إفريقيا جنوب الصحراء، رغم انخفاض الهجمات والوفيات في البلاد بنسبة 21%، حيث تم تسجيل 201 حادث و604 وفيات في 2024م. وتعد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) الجماعة الإرهابية الأبرز نشاطًا في مالي. ومع ذلك، كما يظهر من حالة النيجر، يمكن أن تنخفض أعداد الهجمات والوفيات بشكل كبير في عام واحد، ثم ترتفع مرة أخرى بعد ذلك بوقت قصير.
أما تنزانيا فكانت الدولة الأكثر تحسنًا في المنطقة؛ حيث لم تسجل أيّ حوادث إرهابية للسنة الثالثة على التوالي. كما لم تسجل جمهورية إفريقيا الوسطى وإثيوبيا وساحل العاج أيّ هجمات إرهابية للسنة الثانية على التوالي.
وبخصوص حركة الشباب؛ فقد شهد عام 2024م انخفاضًا في أعداد القتلى الناتجين عن هجمات حركة الشباب بنسبة 25% مقارنة بالعام السابق؛ حيث تراجع العدد من 512 في 2023م إلى 387 في 2024م. كما انخفض عدد الهجمات بنسبة تزيد عن 30%، ليصل إلى 156 هجومًا، وهو أدنى معدل منذ عام 2014م.
في كينيا، تراجع تأثير الحركة بشكل ملحوظ؛ حيث سجلت البلاد 33 قتيلًا بسبب هجماتها، بانخفاض نسبته 57% مقارنة بالعام السابق، وذلك نتيجة تعزيز عمليات مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني. في الصومال، شهد إقليم بنادر، الذي يضم العاصمة مقديشو، انخفاضًا في الهجمات بنسبة 30%، إلا أن عدد القتلى تضاعف من 63 في 2023م إلى 131 في 2024م.
ثانيًا: منطقة الساحل الإفريقي… بؤرة رئيسة للإرهاب في مؤشر الإرهاب العالمي([2])
لا تزال منطقة الساحل في إفريقيا جنوب الصحراء تعاني من تداعيات عدم الاستقرار السياسي المتزايد، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، والاعتماد على تدابير مكافحة الإرهاب العنيفة لردع الجماعات المسلحة. وعلى الرغم من انخفاض وفيات الإرهاب في إفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 5٪ في عام 2024م، فإن منطقة الساحل شهدت أعلى معدلات الزيادة في وفيات الإرهاب على مستوى العالم؛ حيث سُجّلت ما يقرب من 20,000 حالة وفاة منذ عام 2019م، و3,885 حالة وفاة في عام 2024م.
ومنذ عام 2022م، تجاوزت وفيات الإرهاب في منطقة الساحل معدلات الوفيات المسجلة في بقية إفريقيا جنوب الصحراء والعالم، كما يوضح الشكل رقم (2). وقد أدَّى عجز العديد من حكومات الساحل عن توفير الأمن بشكلٍ فعَّال إلى سيطرة الجماعات الإرهابية على مساحات واسعة من المناطق الريفية، ما جعل المنطقة أكثر عنفًا.
شكل رقم (2)
معدل الوفيات بسبب الإرهاب بمنطقة الساحل
مقابل بقية دول إفريقيا جنوب الصحراء والعالم (2007- 2024م)
Source: Global Terrorism Index 2025, (Sydney: The Institute for Economics & Peace, Mar 5, 2025), p.47.
بشكل عام استطاعت الجماعات المسلحة استغلال الفراغ السياسي والاجتماعي والاقتصادي لتوسيع نفوذها. وفي هذا السياق يواصل تنظيم داعش وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين تعزيز حملاتهما العنيفة في المنطقة، حيث شكّلت منطقة الساحل 51٪ من إجمالي وفيات الإرهاب عالميًّا في عام 2024م، مقارنةً بنسبة 1٪ فقط في عام 2007م. وكما تُظهر البيانات، فإن الساحل أصبح أكثر المناطق تسجيلًا لوفيات الإرهاب مقارنة بأي منطقة أخرى في العالم.
ثالثًا: الدول الإفريقية الأكثر تضرُّرًا من الإرهاب
بحسب مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2025م، وقعت 6 دول إفريقية من بين أكثر 10 دول تضررًا بالإرهاب عالميًّا؛ حيث تصدّرت بوركينا فاسو القائمة، تليها مالي، النيجر، نيجيريا، الصومال، والكاميرون. وتعكس هذه التصنيفات حجم التهديدات الإرهابية المتزايدة في القارة، وتأثيرها العميق على الاستقرار الأمني والسياسي. وفيما يلي الوضع في كلّ دولة من هذه الدول ومدى تأثرها بالإرهاب وفقًا لبيانات المؤشر:
1- بوركينا فاسو… تصاعد الهجمات رغم التدخلات الأمنية:
على مدار عام 2024م، احتفظت بوركينا فاسو بمكانتها كأكثر الدول تأثرًا بالإرهاب عالميًّا للعام الثاني على التوالي بالمؤشر، رغم انخفاض عدد الوفيات بنسبة 20% والهجمات بنسبة 57% مقارنة بعام 2023م. ولا تزال الهجمات تتركز في شمال البلاد والمناطق الواقعة بين المنطقة الوسطى والمنطقة الشرقية، خاصةً على الحدود مع مالي والنيجر؛ حيث وقع أعنف هجوم بالبلاد، في إقليم (الوسط شمالي) ببوركينا فاسو.
من جهة أخرى، تُعدّ جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) التنظيم الإرهابي الأكثر نشاطًا في البلاد، حيث ارتفعت هجماتها ووفياتها بأكثر من 50% في المقابل تراجع نشاط تنظيم داعش (IS) بشكل كبير، مع انخفاض عدد هجماته من 8 في 2023م إلى هجوم واحد فقط في 2024م، وانخفاض الوفيات المرتبطة به بنسبة 91% ومع ذلك، لا تزال 55% من الهجمات و35% من الوفيات تُنسب إلى جماعات مسلحة غير محددة.
رغم التحسن الطفيف في الأوضاع الأمنية، يظل التصنيف الذي حصلت عليه بوركينا فاسو في مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2025م دليلًا على استمرار التهديد الإرهابي في البلاد. وفي هذا السياق، يُمثِّل تحالف دول الساحل، الذي يضم بوركينا فاسو ومالي والنيجر، جهدًا إقليميًّا لمكافحة الإرهاب، لا سيما بعد انسحاب القوات الفرنسية وقوات الأمم المتحدة من المنطقة. ومع ذلك، لا تزال الأوضاع الأمنية هشَّة، وسط تقارير عن انتهاكات لحقوق الإنسان يرتكبها كل من المسلحين والقوات الحكومية.
كما أدَّى تمديد المجلس العسكري بقيادة إبراهيم تراوري للحكم حتى عام 2029م إلى انتقادات دولية، وسط مخاوف من أن يفاقم الحكم غير الديمقراطي عدم الاستقرار ويُعزّز بيئة مُواتية للإرهاب. وعلى الرغم من جهود الحكومة في تجميد أصول المشتبه بهم بتمويل الإرهاب وتعزيز إجراءات مكافحة الإرهاب، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الانخفاض الأخير في عدد الوفيات الإرهابية يُمثّل تقدمًا مستدامًا أم مجرد تراجع مؤقت.
شكل رقم (3)
أعداد الوفيات في بوركينا فاسو بسبب الإرهاب خلال الفترة (2007- 2024م)
Source: Global Terrorism Index 2025, (Sydney: The Institute for Economics & Peace, Mar 5, 2025), p.22.
2- مالي… مكاسب أمنية وتحديات مستمرة:
شهدت مالي (الرابعة عالميًّا والثانية إفريقيًّا) انخفاضًا في الوفيات الناجمة عن الإرهاب بنسبة 21% في عام 2024م؛ حيث سجلت 604 حالات وفاة و201 هجومًا. ورغم هذا التراجع، لا تزال الجماعات المتطرفة تستغل حالة عدم الاستقرار السياسي، خاصةً مع تأجيل الانتخابات واستمرار الحكم العسكري منذ الإطاحة بنظام الحكم في انقلاب عسكري عام 2021م.
شكل رقم (4)
أعداد الوفيات في مالي بسبب الإرهاب خلال الفترة (2007- 2024م)
Source: Global Terrorism Index 2025, (Sydney: The Institute for Economics & Peace, Mar 5, 2025), p.25.
من ناحية أخرى، جاء تركز الهجمات الإرهابية في مالي بالمناطق الحدودية مع النيجر وبوركينا فاسو. أما العاصمة باماكو فقد شهدت نشاطًا إرهابيًّا لأول مرة منذ عام 2016م، مع وقوع أعنف هجوم في البلاد هذا العام؛ حيث قُتل 60 شخصًا في هجوم على مدرسة وقاعدة جوية.
وبحسب المؤشر، تظل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) الفاعل الإرهابي الأبرز في مالي، رغم تراجع نشاطها بنسبة 3%. أما تنظيم داعش (IS) فقد انخفض نشاطه بشكل كبير، إلا أن أكثر من 58% من الهجمات و45% من الوفيات تُنسب إلى جماعات مسلحة غير محددة.
3- النيجر… تصاعد غير مسبوق في الهجمات والوفيات:
وصل الإرهاب في النيجر (الخامسة عالميًّا والثالثة إفريقيًّا) إلى مستويات غير مسبوقة في عام 2024م، مستمرًّا في الارتفاع الحادّ الذي بدأ في 2023م؛ حيث ارتفع عدد الهجمات الإرهابية إلى 101 هجومًا في 2024م مقارنة بـ62 هجومًا في العام 2023م، في حين تضاعف تقريبًا عدد الوفيات؛ حيث تم تسجيل 930 قتيلًا في 2024م مقابل 479 قتيلًا في 2023م. كما ارتفعت وفيات المدنيين في النيجر حوالي 3 أضعاف خلال العام، بينما زادت وفيات العسكريين إلى 499 قتيلًا، مقارنة بـ340 في العام السابق، ما يُشكّل أكثر من نصف إجمالي الوفيات في البلاد. وتعد النيجر الدولة التي سجلت أعلى عدد من القتلى العسكريين نتيجة الإرهاب في عام 2024م.
من جهة أخرى ظل إقليم تيلابيري المنطقة الأكثر تضررًا من الإرهاب؛ حيث يقع في المثلث الحدودي غير المستقر بين النيجر وبوركينا فاسو ومالي، والذي تأثَّر بشدة بالتمرد الإسلامي في وسط الساحل.
كما شهدت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) في النيجر ارتفاعًا كبيرًا في نشاطها عام 2024م، حيث أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن 13 هجومًا أسفرت عن 109 قتلى، ما يمثل زيادة بمقدار 14 ضعفًا في عدد الوفيات، وهو أعلى عدد من القتلى والهجمات تنفّذه الجماعة في البلاد حتى الآن. كما ظل تنظيم داعش (IS) نشطًا، ولكن عدد الهجمات ظل مستقرًّا مقارنة بالسنوات السابقة، في حين انخفض عدد الوفيات المنسوبة إليه إلى 108 قتلى، أي إلى النصف تقريبًا. ومع ذلك، لا يزال النطاق الكامل لأنشطة هذه الجماعات غير واضح؛ حيث لم تعلن أيّ جهة مسؤوليتها عن 75% من الوفيات و66% من الهجمات التي وقعت في النيجر عام 2024م.
شكل رقم (5)
أعداد الوفيات في النيجر بسبب الإرهاب خلال الفترة (2007- 2024م)
Source: Global Terrorism Index 2025, (Sydney: The Institute for Economics & Peace, Mar 5, 2025), p.26.
وإجمالًا، يشير التقرير إلى أن الانقلاب العسكري في يوليو 2023م قد أدَّى إلى خلق بيئة مواتية لتمدُّد الجماعات الإرهابية. كما أدَّى تحوُّل النيجر نحو روسيا وتراجع تعاونها مع الحلفاء الغربيين إلى تصاعد حاد في الهجمات الإرهابية، بحسب المؤشر. ورغم وصول الخبراء العسكريين الروس في أبريل 2024م، إلا أنهم واجهوا صعوبات بسبب قلة الخبرة في منطقة الساحل. كما أدى انسحاب القوات الأمريكية في أغسطس 2024م إلى تفاقم الفراغ الأمني، ما منح الجماعات المتطرفة، مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وداعش، مساحة لتوسيع نفوذهما في المنطقة.
4- نيجيريا… بين تراجع تنظيم داعش وتصاعد بوكو حرام:
رغم انخفاض عدد الهجمات الإرهابية في نيجيريا (السادسة عالميًّا والرابعة إفريقيًّا) بنسبة 37%، إلا أن عدد القتلى ارتفع بنسبة 6% ليصل إلى 565 حالة وفاة في 2024م، وهو أعلى معدل منذ عام 2020م. يعود هذا الارتفاع إلى استمرار الصراع بين تنظيم داعش -ولاية غرب إفريقيا -(ISWAP) وجماعة بوكو حرام، حيث شكلت الوفيات المنسوبة إليهما ما يقارب 60% من إجمالي وفيات الإرهاب في البلاد.
كما تصاعد استهداف المدنيين بشكل ملحوظ، إذ مثلوا 62% من إجمالي القتلى في 2024م، مقارنة بـ 21% في 2023م، بينما انخفضت نسبة القتلى من المسلحين من 38% في 2023م إلى 15% في 2024م.
من جهة أخرى تجاوز بوكو حرام تنظيم داعش -ولاية غرب إفريقيا، كأكثر الجماعات فتكًا في نيجيريا لأول مرة منذ 2019م؛ حيث كان مسؤولًا عن 31% من الوفيات وربع الهجمات في البلاد. ورغم انخفاض هجمات بوكو حرام من 28 هجومًا في 2023م إلى 22 هجومًا في 2024م، إلا أن عدد القتلى ارتفع بنسبة 18% إلى 175، وهو أعلى رقم منذ 2020م. كما أصبحت الهجمات أكثر فتكًا؛ حيث ارتفع متوسط القتلى لكل هجوم من 5 إلى 8 أشخاص.
في المقابل، تراجعت وفيات تنظيم داعش -ولاية غرب إفريقيا- بشكل كبير؛ حيث تسببت 15 هجمة فقط في 158 وفاة، مقارنة بـ 64 هجومًا و288 وفاة في 2023م. لكن الهجمات أصبحت أكثر دموية؛ إذ ارتفع متوسط القتلى لكل هجوم من 5 في 2023م إلى 11 في 2024م.
شكل رقم (6)
أعداد الوفيات في نيجيريا بسبب الإرهاب خلال الفترة (2007-2024م)
Source: Global Terrorism Index 2025, (Sydney: The Institute for Economics & Peace, Mar 5, 2025), p27.
بشكل عام يستمر الصراع على النفوذ والاقتتال الداخلي بين بوكو حرام وتنظيم داعش -ولاية غرب إفريقيا-، في التأثير على المشهد الأمني في نيجيريا. كما أن التحديات الاقتصادية الحادة أدت إلى اضطرابات اجتماعية وأضعفت نظام الحكم، ما أسهم في تسهيل تجنيد الإرهابيين وتصعيد النشاط المسلح.
في هذا السياق يشدد المراقبون الإقليميون على أهمية استمرار مبادرات السلام، لا سيما في ولاية بورنو، إضافة إلى توسيع برامج إعادة تأهيل المنشقين عن الجماعات المسلحة وتحسين الوصول إلى الخدمات في المناطق الريفية الأكثر تهميشًا لتقويض عمليات التجنيد وتعزيز الاستقرار.
5- الصومال… كيف أسهمت الجهود الإفريقية والدعم الدولي في تقليل الهجمات؟
شهدت الصومال (السابعة عالميًّا والخامسة إفريقيًّا) انخفاضًا في تضررها من الإرهاب عام 2024م؛ حيث تراجع عدد القتلى إلى 359 شخصًا في 144 هجومًا، بانخفاض 19% في الوفيات و29% في الهجمات مقارنة بعام 2023م، وهو أدنى مستوى منذ عام 2015م. جاء هذا التراجع نتيجة انخفاض نشاط حركة الشباب، التي كانت مسؤولة عن 96% من الهجمات و99% من الوفيات.
شكل رقم (7)
معدل الوفيات في الصومال بسبب الإرهاب خلال الفترة (2007- 2024م)
Source: Global Terrorism Index 2025, (Sydney: The Institute for Economics & Peace, Mar 5, 2025), p.28.
من ناحية أخرى، أسهمت العمليات العسكرية الحكومية، بدعم من الميليشيات المحلية، وبعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية (ATMIS)، والتدخلات الأمريكية، في تقليل نشاط الشباب وتعزيز قدرات الجيش الصومالي.
ورغم التقدم في مكافحة الإرهاب، فإن الصراعات بين الحكومة والميليشيات العشائرية تهدد الاستقرار، كما قد تؤدي إلى إضعاف الجهود الأمنية وتمكين الجماعات المتطرفة من إعادة تنظيم صفوفها وشنّ مزيد من الهجمات.
6- الكاميرون: الحركة الانفصالية في أمبازونيا… هل تتفاقم الأزمة؟
للمرة الأولى منذ عام 2019م، أصبحت الكاميرون (العاشرة عالميًّا والسادسة إفريقيًّا) من بين أكثر 10 دول تضررًا من الإرهاب على مستوى العالم، رغم تسجيلها انخفاض طفيف في النشاط الإرهابي خلال عام 2024م، كما تراجعت الهجمات بنسبة 13% إلى 153 هجومًا، وانخفضت الوفيات بمقدار الثلث إلى 205 قتلى مقارنة بعام 2023م. ومع ذلك، لا تزال البلاد تواجه تحديات أمنية كبيرة بسبب الحركة الانفصالية في أمبازونيا –منطقة في الكاميرون تسعى للانفصال وتكوين دولة مستقلة للناطقين بالإنجليزية-، وتهديدات الجماعات المسلحة والمتطرفة، وعلى رأسها بوكو حرام.
من جهة أخرى ظلت بوكو حرام أكثر الجماعات دموية في البلاد؛ حيث نفَّذت 69 هجومًا، أسفرت عن 107 قتلى، وهو ما يمثل نصف إجمالي الهجمات والوفيات المسجلة. كما استمرت أزمة أمبازونيا في تغذية التوترات، متسببة في نصف الهجمات وثلث الوفيات خلال العام نفسه.
شكل رقم (8)
معدل الوفيات في الكاميرون بسبب الإرهاب خلال الفترة (2007-2024م)
Source: Global Terrorism Index 2025, (Sydney: The Institute for Economics & Peace, Mar 5, 2025), p.31.
تركزت الهجمات بشكل رئيسي في إقليم الشمال الأقصى؛ حيث وقع 92% من الهجمات و98% من الوفيات بسبب بوكو حرام. وشهدت المنطقة أعنف هجوم في العام 2024م عندما قتلت الجماعة 27 صيادًا، وهو ما يُعتقد أنه استهداف لمجتمع الصيد الذي يضم في الغالب رعايا نيجيريين يُشتبه في تعاونهم مع تنظيم داعش -ولاية غرب إفريقيا .-(ISWAP)
ورغم التراجع العام في الهجمات، لا تزال الكاميرون تواجه أزمة في نظام الحكم وبناء السلام؛ حيث احتلت المرتبة 137عالميًّا في مؤشر السلام لعام 2024م، ما يعكس استمرار حالة عدم الاستقرار. ومع تصاعد الضغوط الانفصالية واستمرار تهديد الجماعات الإرهابية، تبقى آفاق الاستقرار في البلاد غير مؤكدة، مع مخاطر محتملة لتجدد العنف في المستقبل القريب.
خاتمة: إفريقيا والإرهاب… تحدّيات مُستمرة وحلول ضرورية:
تعكس مؤشرات الإرهاب لعام 2025م استمرار إفريقيا جنوب الصحراء، وخاصة منطقة الساحل، كإحدى أكثر المناطق تضررًا بالإرهاب على مستوى العالم. ولا تزال الجماعات المسلحة تستغل حالة عدم الاستقرار السياسي والفراغات الأمنية، لا سيما في المناطق الحدودية، لتعزيز نفوذها وتوسيع أنشطتها.
وعلى الرغم من التحسن النسبي في بعض الدول، فإن المشهد الأمني العام يواجه تحديات معقدة. لمواجهة هذه التهديدات المستمرة، يصبح من الضروري اعتماد نهج متكامل يجمع بين الإجراءات الأمنية الفعَّالة، ودفع عجلة التنمية الاقتصادية، وترسيخ الاستقرار السياسي لضمان حلول مستدامة للحدّ من تصاعد الإرهاب في المنطقة.
وعلى الرغم من أهمية المؤشر كأداة لفهم المشهد الإرهابي العالمي، إلا أنه يعاني من بعض القصور المنهجي والتحليلي. فعلى سبيل المثال، يعتمد بشكل أساسي على قاعدة بيانات Terrorism Tracker، المستمدة من التقارير الإعلامية، مما قد يؤدي إلى تحيزات في رصد وتصنيف الهجمات. وقد ظهر ذلك بوضوح في عدة مواضع من التقرير؛ حيث تم التركيز بشكل كبير على تراجع النفوذ الفرنسي والأمريكي في المنطقة وربطه بتصاعد العمليات الإرهابية، مقابل تنامي الدور الروسي، مع إغفال أو التقليل من أهمية العوامل الأخرى التي تؤثر في الظاهرة، ولو بشكل جزئي.
من جهة أخرى قد يُستغل المؤشر ونتائجه سياسيًّا لتبرير سياسات معينة أو لتوجيه اللوم إلى دول أو جهات محددة. وعليه نرى أنه لتحسين دقة مؤشر الإرهاب، ينبغي تنويع مصادر البيانات لتشمل التقارير المحلية والتحليلات الأكاديمية، مع التركيز على تحليل الأسباب الجذرية للإرهاب بدلاً من الاعتماد على الإحصائيات والرؤى الأحادية فقط. بما يعنيه ذلك من ضرورة إدراج وجهات نظر الحكومات المحلية والمجتمعات المتضررة لتعزيز الفهم الدقيق للسياقات الإقليمية التي تنشط بها أعمال الإرهاب.
في الختام، يُعدّ مؤشر الإرهاب العالمي أداة تحليلية مهمة لرصد وتقييم ظاهرة الإرهاب وتأثيرها على مستوى 163 دولة حول العالم. ومع ذلك، ولضمان دقة وموضوعية أكبر بعيدًا عن التحيزات الغربية، من الضروري اعتماد مقاربة شمولية في المؤشر نفسه تأخذ في الاعتبار الديناميات السياسية والاجتماعية المحلية للدول والمناطق التي يشملها. علاوة على ذلك، تحتاج الدول، لا سيما في إفريقيا، إلى تطوير مؤشرات خاصة بها للإرهاب، تُنشر بانتظام، بما يسهم في تحسين دقة المؤشرات العالمية وتعزيز مصداقيتها.
من خلال هذا النهج، يمكن تحقيق فهم أكثر توازنًا وعمقًا للإرهاب، سواء على المستوى الداخلي للدول أو في سياق التهديدات العابرة للحدود على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
……………………………………..
[1]– معهد الاقتصاد والسلام(IEP) : مؤسسة فكرية تعمل على تطوير مقاييس تحليل السلام وقياس قيمته الاقتصادية. تقوم بذلك من خلال تطوير مؤشرات عالمية ووطنية، بما في ذلك مؤشر السلام العالمي السنوي، وحساب التكلفة الاقتصادية للعنف، وفهم السلام الإيجابي، أي المواقف والمؤسسات والهياكل التي تخلق المجتمعات السلمية وتديمها. للمزيد انظر الموقع الرسمي لمعهد الاقتصاد والسلام على الرابط: https://www.economicsandpeace.org/about/
[2]– منطقة الساحل الإفريقي: تختلف تعريفات منطقة الساحل، ولكن وفقًا للمؤشر تشير المنطقة إلى النطاق شبه القاحل في غرب وشمال وسط إفريقيا، الذي يضم أجزاءً من عشر دول هم: بوركينا فاسو، الكاميرون، تشاد، غامبيا، غينيا، مالي، موريتانيا، النيجر، نيجيريا، السنغال.
3- مصدر مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2025م في نسخته الإنجليزية:
Measuring The Impact of Terrorism, Global Terrorism Index 2025, (Sydney: The Institute for Economics & Peace, 2025), Accessible at: https://www.economicsandpeace.org/wp-content/uploads/2025/03/Global-Terrorism-Index-2025.pdf
4- حول موقع إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر الإرهاب العالمي إصدار عام 2024م، انظر الرابط: https://2u.pw/3FdYlftm