على الرغم من بَدْء التحوُّل نحو الديمقراطية في المشهد السياسي الإفريقي منذ ما يربو على سبعة عقود، وعلى الرغم من تحقيق بعض التجارب الإفريقية تطورًا ملموسًا يُدنيها من مرحلة الترسخ الديمقراطي؛ إلا أنه لا يمكن الجزم بأن هناك ديمقراطية إفريقية راسخة حتى الآن، ويُعزَى ذلك إلى عدم استقرار الثقافة السياسية الدمقراطية لدى النُّخَب والجماهير بالدرجة التي تقيها العثرات التي تفرضها طبيعة البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الإفريقية.
ومع ذلك، يمكن القول بأن العام المنصرم 2024م قد شهد حراكًا ديمقراطيًّا مهمًّا على مسار التحوُّل الديمقراطي في إفريقيا، وبخاصة بعد النتائج المبشرة التي أفرزتها عدة عمليات انتخابية في أنحاء القارة أدَّت إلى تداول السلطة وانتقالها إلى المعارضة، سلميًّا، من الأحزاب الحاكمة، وبعضها يحكم منذ عقود، بل ومنها ما كان في السلطة منفردًا منذ الاستقلال.
وفي هذا السياق، تشتد الحاجة إلى استشراف مستقبل الديمقراطية في إفريقيا خلال عام 2025م، للتعرُّف على احتمالات التقدم أو الثبات أو الانتكاس على المسار الديمقراطي، عبر تحليل البيئة السياسية لأهم العمليات الانتخابية المجدولة لهذا العام، وذلك من خلال المحاور التالية:
أولًا: الانتخابات الإفريقية المجدولة لعام 2025م
تشهد الساحة الإفريقية عددًا كبيرًا من الاستحقاقات الانتخابية المجدولة لعام 2025م، تأكَّد موعد بعضها، والبعض الآخر لم يتأكّد إجراؤه أو موعده بعدُ، ويبين الجدول رقم (1) الاستحقاقات الانتخابية المجدولة في إفريقيا لعام 2025م مرتبة ترتيبًا زمانيًّا.
جدول رقم (1) الاستحقاقات الانتخابية الإفريقية المجدولة لعام 2025م مرتبة ترتيبًا زمانيًّا
الجدول من إعداد الباحث استنادًا للبيانات المستمَدَّة من موقع “المعهد الانتخابي للديمقراطية المستدامة في إفريقيا”، تحققت آخر زيارة في 10 فبراير 2025م الساعة 1:00م على الرابط:
https://www.eisa.org/calendar.php
ثانيًا: تحليل السياقات السياسية
في سبيلها إلى استشراف مستقبل الديمقراطية في إفريقيا خلال عام 2025م؛ تتناول هذه الورقة بالترتيب الزمني، رَصْد وتحليل السياقات السياسية، التي ستُجرَى فيها أهم العمليات الانتخابية لعام 2025م، كما يلي:
– توجو
في ظل مشهد سياسي محتقن، من المقرر إجراء أول انتخابات رئاسية توجولية غير مباشرة، والمجدولة في فبراير 2025م، والتي تأتي بعد الإصلاحات الدستورية، التي أقرها البرلمان التوجولي في أبريل 2024م، والتي غيَّرت طبيعة نظام الحكم في توجو، من رئاسي إلى برلماني، ومنحت البرلمان سلطة انتخاب رئيس الجمهورية، بطريق الاقتراع غير المباشر، ومنحت الحزب صاحب الأغلبية سلطة تعيين رئيس الوزراء.([1])
وتُؤمِّن هذه التعديلات الدستورية المثيرة للجدل، استمرار حزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” Union for the Republic الحاكم في السلطة، ودسترة امتداد الحكم العائلي، المستمر مذ تولّي الأب “جناسينجبي إياديما” Gnassingbé Eyadéma رئاسة توجو في عام 1967م، وصولاً إلى حكم الابن “فيوري جناسينجبي” Faure Gnassingbé، وكان الأب “جناسينجبي إياديما” قد تولّى رئاسة توجو، بعد أن قاد انقلابًا عسكريًّا عام 1967م، وأسَّس حزب “تجمع الشعب التوجولي” Rally of the Togolese People، وجعله الحزب القانوني الوحيد في البلاد، واستمر ذلك الحزب في السلطة، حتى تُوفِّي مُؤسِّسه “جناسينجبي” عام 2005م، وخلفه ابنه “فور جناسينجبي”، الذي حل حزب أبيه الحاكم، وأعاد تسميته بـ”الاتحاد من أجل الجمهورية” Union for the Republic، والذي لا يزال في السلطة حتى الآن، وقد استحدث الرئيس “فور جناسينجبي”، الإصلاحات الدستورية الأخيرة، من أجل ديمومة السلطة له ولعائلته وحزبه.([2])
-بوروندي
لا تزال التفاعلات السياسية على المحك في بوروندي، تلك الدولة الواقعة في وسط إفريقيا، والتي تُعدّ من أكثر الدول الإفريقية معاناةً من الصراعات الأهلية الدموية، فلا يزال الانقسام العرقي يُمثِّل خطرًا على الاستقرار السياسي، وذلك بأن عدم توازن هيكل التركيبة العرقية السكانية، يخلق بصفة دائمة وضعًا سياسيًّا مضطربًا، فمنذ اتفاق السلام الذي أنهى سيطرة “التوتسي” Tutsi (الأقلية) على السلطة أحكم “الهوتو” Hutu (الأغلبية) قبضتهم على السلطة، ولا شك أن هذه الحالة تُعدّ من أكثر مُحفِّزات الصراع خطورةً.
وفي ظل أوضاع اقتصادية غير مواتية يحاول حزب “المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية – قوى الدفاع عن الديمقراطية” National Council for the Defense of Democracy – Forces for the Defense of Democracy الحاكم (يسيطر عليه “الهوتو”)، تدعيم ركائز استمراره في السلطة، بعد أن وصل إليها لأول مرة عام 2005م، إثر انتهاء الحرب الأهلية، وآنذاك حصل على الأغلبية في البرلمان وعلى منصب الرئاسة، وتجري الانتخابات التشريعية البوروندية في يونيو ويوليو من العام الجاري 2025م، ويتكون البرلمان البوروندي من غرفتين؛ الدنيا تسمى بـ”الجمعية الوطنية”، والعليا تسمى بـ”مجلس الشيوخ”.
وتتكون “الجمعية الوطنية” National Assembly من (100) عضو يتم انتخابهم بالاقتراع المباشر، في (18) دائرة انتخابية متعددة الأعضاء، باستخدام نظام “التمثيل النسبي” Proportional Representation بـ “القائمة المغلقة” Rigid List، ويتم توزيع المقاعد وفقًا لطريقة “هوندت” D’Hondt Method مع “عتبة انتخابية” Electoral Threshold وطنية بنسبة 2٪، مع مراعاة تحقيق التمثيل النسبي 60% من “الهوتو” إلى 40% من “التوتسي”، على أن يتم تمثيل ثلاثة أعضاء من المجموعة العرقية الأقل سكانيًّا “توا” Twa، وألا يقل تمثيل المرأة في كل الأحوال عن 30%.([3])
ويتكون “مجلس الشيوخ”Senate من (36) عضوًا، يتم انتخابهم بالاقتراع غير المباشر، مِن قِبَل هيئات المستشارين المحليين، مع مراعاة تحقيق التمثيل النسبي 60% من “الهوتو” إلى 40% من “التوتسي”، على أن يتم تمثيل ثلاثة أعضاء من المجموعة العرقية الأقل سكانيًّا “توا”، وألا يقل تمثيل المرأة في كل الأحوال عن 30%.([4])
-الجابون
بعد حكم عائلي دام (55) عامًا، قاد الجنرال “بريس أوليجي نجيما” Brice Oligui Nguema انقلابًا عسكريًّا، أزاح الرئيس “علي بونجو” Ali Bongo من السلطة، فور إعلانه فائزًا في الانتخابات الرئاسية، التي أجريت في أغسطس عام 2023م، ووعد العسكريون بالعودة إلى الحكم المدني، وها هم قد أوشكوا على الوفاء بوعدهم؛ حيث انتهوا من وضع دستور جديد، حظي بموافقة شعبية في استفتاء دستوري، وأعلنوا عقد الانتخابات الرئاسية في أبريل 2025م.([5])
غير أن شكوكًا جادة لها شواهدها، تُنذر باستمرار الحكم العسكري، في صورة ديمقراطية؛ وذلك بأن الدستور الجديد يسمح للرئيس العسكري الانتقالي قائد الانقلاب، بالترشح لرئاسة الجمهورية، وعلى الرغم من أنه لم يصرح برغبته في الترشح، ولم يَنْفها في البداية، إلا أن شواهد ودلالات عدة، تنبئ عن طموحه الرئاسي، ومن ذلك حديثه الدائم عن خطط تنموية مستقبلية، كما أن ميثاق المرحلة الانتقالية وكذلك الدستور الجديد، لم يمنعاه من الترشح لانتخابات الرئاسة، في حين منع الميثاق الانتقالي، نائب رئيس المرحلة الانتقالية، وأمين عام هيئة رئاسة المرحلة الانتقالية، من الترشح لانتخابات الرئاسة، فضلاً عما تضمنه الدستور الجديد من العفو عن المجلس العسكري الحاكم، وتحصينه من أيّ محاكمات مستقبلية، ومن التحول إلى نظام حكم رئاسي، بصلاحيات واسعة للرئيس، مع تقليص صلاحيات نائب الرئيس، ومن طول الولايات الرئاسية (7 سنوات)، والتشدد في شروط الترشح، لإقصاء كثير من النُّخَب المؤهلين للترشح، والقادرين على المنافسة.([6])
– مالاوي
تُعدّ مالاوي من الديمقراطيات الإفريقية الواعدة، والمتماسكة حتى الآن، وبخاصة أن غالبية التقارير التي قدَّمت تحليلًا للأداء الديمقراطي المالاوي، أشادت بارتفاع معدلات تقييم المعايير الديمقراطية، فغالبًا ما تُوصَف العمليات الانتخابية في مالاوي بالحُرّة والنزيهة، فضلاً عن نزاهة اللجنة الانتخابية، أضف إلى ذلك استقلال القضاء المالاوي، الذي ظهر في أزهى تجلياته، حينما ألغت المحكمة العليا نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2019م، عندما اكتشف تلاعبًا وتزويرًا في الرصد والنتائج، وهو ما ترتب عليه إعادة الانتخابات الرئاسية عام 2020م، وفيها فاز مرشح المعارضة “لازاروس شاكويرا” Lazarus Chakwera، متغلبًا على شاغل المنصب الرئيس “بيتر موثاريكا” Peter Mutharika، ونظرًا لإلغاء وإعادة الانتخابات الرئاسية دون الانتخابات البرلمانية، فقد تم تقنين تمديد ولاية البرلمان لمدة عام، لتتزامن الانتخابات البرلمانية مع الانتخابات الرئاسية، غير أنه لم يُعلَن حتى الآن، عما إذا كانت ستُعقَد مع الانتخابات الرئاسية المقبلة، المجدولة في سبتمبر 2025م، من عدمه.([7])
ونتيجةً للحكم القضائي التاريخي، بإلغاء الانتخابات الرئاسية لعام 2019م، تم تعديل نمط النظام الانتخابي، وأصبحت الانتخابات الرئاسية، تَجري وفقًا لـ”نمط الجولتين” Two Round System، فيما استمر انتخاب أعضاء البرلمان، وفقًا لنمط “الفائز الأول” First Past the Post التعددي (الأغلبية البسيطة)، وحتى الآن أصبح مؤكدًا أن الانتخابات المقبلة، ستشهد منافسة قوية بين شاغل المنصب الحالي “شاكويرا”، وشاغل المنصب السابق “موثاريكا”، وكلاهما قضى في الرئاسة ولاية واحدة حتى الآن.([8])
– سيشل
على الرغم من أن سيشل تخلت، مطلع التسعينيات، عن “نظام الحزب الواحد” One-party System الذي ساد فيها بعيد الاستقلال، إلا أن ذلك الحزب “سيشل المتحدة” United Seychelles، ظل محتكرًا للسلطة فيها، منذ انقلابه الدموي عام 1977م، إلى أن خسرها في أول تداول سلمي للسلطة عام 2020م، عندما فاز الرئيس الحالي “وافيل رامكالوان” Wavel Ramkalawan على سلفه شاغل المنصب “داني فوري”Danny Faure، وفاز حزبه “الحزب الوطني السيشلي” Seychelles National Party على سلفه الحزب محتكر السلطة والذي غيَّر اسمه أكثر من مرة، ومن حينها يمكن القول بأن سيشل وضعت أقدامها بثبات على طريق التحوُّل الديمقراطي، وتُعدّ الانتخابات المقبلة المجدولة في سبتمبر المقبل 2025م اختبارًا حقيقيًّا لتجربة التحول الديمقراطي في سيشل.([9])
ومن المنتظر أن يواجه الرئيس شاغل المنصب الحالي “رامكالوان” غريمًا محنكًا اختاره حزب “سيشل المتحدة” في محاولة للعودة للسلطة، وهو الدكتور “باتريك هرميني” Patrick Henry والذي شغل منصب رئيس الجمعية الوطنية من عام 2007م إلى عام 2016م، وكان قبل ذلك مديرًا عامًّا للرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة، وتستخدم سيشل “نمط الجولتين” لانتخاب رئيس الجمهورية، فيما تستخدم نمطين انتخابيين لانتخاب أعضاء البرلمان؛ هما نمط الفائز الأول التعددي “الأغلبية البسيطة” في دوائر أحادية، ونمط تمثيل نسبي يعتمد على نسبة حصول كل حزب من الأصوات، بحيث يحصل كل حزب على مقعد كلما حصل على 10% من الأصوات الصحيحة.([10])
-الكاميرون
شهدت الكاميرون انتخابات رئاسية عُقدت في 7 أكتوبر 2018م تنافس فيها الرئيس المنتهية ولايته هذا العام “بول بيا” Paul Biya مع أكثر من 20 مرشحًا أبرزهم “جون فرو نداي” John Fru Ndi الذي نافس “بيا” من قبل في انتخابات عام 2004م، ولكنه لم يحصل حينها إلا على نسبة 17% من الأصوات.
ومن المقرّر إجراء الانتخابات الرئاسية لعام 2025م، في 5 أكتوبر 2025م، وتستخدم الكاميرون نمط الفائز الأول التعددي لانتخاب رئيس الجمهورية؛ فيفوز بالمنصب صاحب أكبر عدد من الأصوات الصحية.
ومِن المُعلَن حتى الآن، أن يتنافس على منصب الرئيس، في الانتخابات المقبلة الرئيس الحالي “بول بيا”، و”موريس كامتو” Maurice Kamto، البالغ من العمر 71 عامًا، وهو أكاديمي ومحامٍ متقاعد، ويمثل “حركة النهضة الكاميرونية”، وهو مدعوم أيضًا من “التحالف السياسي للإصلاح”، و”جبهة التغيير في الكاميرون”، وكان “كامتو” قد ترشح في الانتخابات الرئاسية الماضية لعام 2018م، وحلّ ثانيًا بعد “بيا” بنسبة 14,23% من الأصوات الصحيحة، وهناك “أكيري مونا” Akere Muna، البالغ من العمر 72 عامًا، وهو محام كاميروني دولي، ومرشح عن “حزب يونيفرس”، ويهتم “أكيري” بقضايا مكافحة الفساد والحكم الرشيد، وهناك أيضًا “إريك إيسونو تسيمي” Eric Essono Tsimi، البالغ من العمر 43 عامًا، وهو أكاديمي وكاتب ومقيم في نيويورك، ويجري حاليًّا مفاوضات مع عدة أحزاب لدعمه.([11])
وجدير بالذكر أن “بول بيا”، يُعدّ ثاني أكبر رئيس منتخب سنًّا في إفريقيا، بعد “تيودورو أوبيانج نجويما مباساجو” Teodoro Obiang Nguema Mbasogo رئيس غينيا الاستوائية، ويبلغ “بيا” من العمر 92 عامًا، ويحتفظ بمقعد رئاسة الكاميرون منذ عام 1982م، دون انقطاع حتى الآن، ومن المرجَّح فوزه بولاية جديدة هذه المرة مدتها (7) سنوات.
-كوت ديفوار
لم تكن الـ “كوت ديفوار”، بمنأى عن آفات السياسة التي تفشت في إفريقيا، في النصف الثاني من القرن العشرين، فقد خاضت تجربة الحزب الواحد، وعاشت حربين أهليتين قصيرتين نسبيًّا، وشهدت صراعًا عنيفًا على السلطة، غير أنها حقَّقت استقرارًا نسبيًّا لثلاث دورات رئاسية خلت، حكم فيها الرئيس الحالي الحسن واتارا Alassane Ouattara، منذ أواخر 2010م حتى الآن، ويُخطّط لولاية رابعة بخوض الانتخابات الرئاسية المجدولة في أكتوبر 2025م.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية تصاعدت وتيرة وحدَّة التفاعلات السياسية في البلاد، وخاصةً بعدما أعلن الرئيس السابق “لوران جباجبو” Laurent Gbagbo عن نيته الترشح للرئاسة في الانتخابات المقبلة، وفي الوقت نفسه أعلن عن نية الترشح كلّ من: “باسكال أفي نجيسان” Pascal Affi N’Guessan رئيس وزراء ساحل العاج السابق (2000- 2003م) ورئيس الجبهة الشعبية الإيفوارية، و”جان لوي بيلون” Jean-Louis Billon وزير التجارة الحالي (2015م- حتى الآن)، و”تيجان ثيام” Tidjane Thiam مرشح الحزب الديمقراطي الاشتراكي، و”جان لوي بيلون” Jean-Louis Billon، وهو عضو بارز في الحزب الديمقراطي لكوت ديفوار، و”سيمون جباجبو” Simone Gbagbo السيدة الأولى السابقة لساحل العاج (2000- 2011م)، ومع ذلك لا يزال المشهد الانتخابي غامضًا، وقد يحمل مفاجآت في قابل الأيام.([12])
وتستخدم “كوت ديفوار نَمط الجولتين التعددي لانتخاب رئيس الجمهورية.
-تنزانيا
بعد استقلالها وتوحُّد شِقَّيْها، ذاقت تنزانيا مرارة حكم الحزب الواحد، والحاكم الفرد المستبدّ بأيديولوجيته، حتى لاحت تباشير الديمقراطية أوائل تسعينيات القرن الماضي، غير أن الحزب الواحد تحوَّل إلى حزب مُتغلّب، يحتكر السلطة بكلّ ما هو ديمقراطي أو غير ديمقراطي، فلم تشهد تنزانيا أيّ تداول للسلطة، وهو ما جعل التجربة الديمقراطية التنزانية، تُراوح مكانها في مرحلة “التحوُّل نحو الديمقراطية”، وتقف على أعتاب مرحلة “الدمقرطة”.
حَكَم تنزانيا بعد “جوليوس نيريري” Julius Nyerere، مُؤسِّس تنزانيا ومُؤسِّس حزب الثورة الحاكم، خمسة رؤساء من نفس الحزب؛ آخرهم “سامية صولوحو حسن” Samia Suluhu Hassanالرئيس الحالي ونائب الرئيس السابق “جون ماجيوفولي” John Magufuli، والتي تولت الرئاسة دستوريًّا لتكملة ولاية “ماجيوفولي” نظرًا لوفاته في بداية ولايته الثانية، ومن المقرر أن تُجرَى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تنزانيا في أكتوبر 2025م.([13])
وتُجرَى انتخابات رئاسية وبرلمانية، في شِقَّي جمهورية تنزانيا الاتحادية (البر الرئيسي، وجزيرة زنجبار) في وقت متزامن؛ حيث يتم انتخاب رئيس اتحادي وبرلمان اتحادي (الجمعية الوطنية)، وفي أرخبيل “زنجبار” Zanzibar الجزري يتم انتخاب رئيس إقليمي وبرلمان إقليمي (مجلس النواب)، ويعين مجلس نواب زنجبار (5) أعضاء في الجمعية الوطنية الاتحادية.
وتتألف “الجمعية الوطنية” (الاتحادية) من (264) عضوًا ذكور يتم انتخابهم في دوائر انتخابية فردية باستخدام نمط الفائز الأول التعددي، و(113) امرأة يتم انتخابهن على أساس حصة تصويت الأحزاب على مستوى البلاد، و(5) أعضاء يتم تسميتهم مِن قِبَل مجلس نواب زنجبار، وما يصل إلى (10) أعضاء يتم تعيينهم مِن قِبَل الرئيس الاتحادي، والنائب العام، ويتم انتخاب رئيس الجمعية الوطنية من بين الأعضاء أو من خارج الجمعية.([14])
ويتألف “مجلس نواب زنجبار” Zanzibar House of Representatives من (54) عضوًا ذكور يتم انتخابهم في دوائر انتخابية فردية باستخدام نمط الفائز الأول التعددي، و(22) امرأة يتم انتخابهن على أساس حصة تصويت الأحزاب على مستوى البلاد، وما يصل إلى (10) أعضاء يتم تعيينهم مِن قِبَل الرئيس الإقليمي، والنائب العام، ويتم انتخاب رئيس مجلس النواب مِن بين الأعضاء أو مِن خارج المجلس.([15])
-إفريقيا الوسطى
على الرغم من تجربة التعددية السياسية، التي طُبِّقَت في إفريقيا الوسطى قبل الاستقلال، إلا أنها ما أن استقلت، إلا وقرَّر أول رؤسائها “ديفيد داكو”، تبنّي نظام الحزب الواحد، ومن حينها دخلت إفريقيا الوسطى في دوامة من عدم الاستقرار السياسي، والانقلابات العسكرية والعنف، واستمر الأمر كذلك حتى مطلع تسعينيات القرن الماضي، عندها استعادت إفريقيا الوسطى، الانخراط في مسار التحول الديمقراطي والتعددية السياسية، إلا أن الصراع على السلطة استمر متأجِّجًا، حتى آل إلى حرب أهلية مطلع عام 2004م، أوشك على إنهائها اتفاق سلام في عام 2007م، إلا أنها تأجَّجت مرة أخرى مطلع عام 2012م، ولم تنتهِ بعد حتى الآن، على الرغم من بعض الهدوء النسبي المتقطع حاليًّا.
وقد تولى الرئيس الحالي “فوستين أرشانج تواديرا” Faustin-Archange Touadéra الرئاسة، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، التي أُجريت في أواخر عام 2015م مطلع عام 2016م، وأُعيد انتخابه في أواخر عام 2020م ومطلع عام 2021م، وفي الوقت ذاته فاز حزبه الجديد؛ حزب “حركة القلوب المتحدة” United Hearts Movement، بالأغلبية في الجمعية الوطنية، وسوف يترشح “تواديرا، لولاية ثالثة، في الانتخابات القادمة المجدولة في ديسمبر من عام 2025م، بعد أن عدَّل الدستور بما يفتح حدود الولايات الرئاسية، ويزيد مدة الولاية الرئاسية والبرلمانية إلى (7) سنوات.([16])
وتتألف الجمعية الوطنية من (105) أعضاء، ويتم انتخابهم في دوائر ذات عضو واحد، باستخدام نمط النظام الانتخابي التعددي ذي الجولتين؛ بحيث إذا لم يَفُز أيّ المرشحين بالأغلبية المطلقة في الجولة الأولى، تُعقد جولة ثانية بين أعلى مرشحَيْن أصواتًا.([17])
خاتمة:
لقد رفع العام 2024م من مستوى التقدم على المسار الديمقراطي في إفريقيا، ويُنظَر لعام 2025م على أنه إما أن يدعم تعزيز الديمقراطية في إفريقيا، أو يعود بها إلى الانتكاس مرة أخرى، وتنبئ المؤشرات الأولية في ظل السياقات السياسية، التي كشف عنها التحليل أعلاه، بأن الديمقراطية الإفريقية إما أن تنتكس، أو تراوح مكانها، في انتظار ما سيسفر عنه قابل التفاعلات السياسية، في مزيد من الدول الإفريقية المتعثرة ديمقراطيًّا.
………………………………………………………..
([1]) إدريس آيات، “يمهّد لمرحلة جديدة… توغو تقر تعديلًا دستوريًّا يُحوِّل نظام الحكم إلى برلماني”، على موقع الجزيرة، تحققت آخر زيارة في 20 فبراير 2025 الساعة 1:05م على الرابط: https://tinyurl.com/m6zyeaf5
([2]) فرانس 24، “توغو: الرئيس غناسينغبي يضمن بقاءه في الحكم إثر فوز حزبه بالانتخابات التشريعية”، تحققت آخر زيارة في 20 فبراير 2025 الساعة 1:10 م على الرابط: https://tinyurl.com/2hwmtdm3
([3]) Inter-Parliamentary Union “IPU” Website, Last Visit at 20 Feb.. 2023, at 1:15 pm, at link:
http://archive.ipu.org/parline-e/reports/2049_B.htm
([4]) Inter-Parliamentary Union “IPU” Website, Last Visit at 20 Feb.. 2023, at 12:20 pm, at link:
http://archive.ipu.org/parline-e/reports/arc/2049_05.htm
([5]) فرانس 24، بعد أكثر من عام على الانقلاب… الغابون يحدد 12 أبريل موعدًا لإجراء الانتخابات الرئاسية، على الموقع الإلكتروني، تحققت آخر زيارة في 20 فبراير 2025 الساعة 1:25 م على الرابط: https://tinyurl.com/3dtahjav
([6]) محمد الجزار، دراسة تحليلية للقضايا الخلافية في دستور الجابون الجديد 2024م”، على موقع قراءات إفريقية، تحققت آخر زيارة في 20 فبراير 2025 الساعة 1:30 م على الرابط: https://qiraatafrican.com/25095/
([7]) Kim Yi Dionne, “Why Malawi’s Democracy Endures”, in Journal of Democracy (Baltimore, Maryland, U.S.A: Johns Hopkins University Press, Volume 35, Number 2, April 2024) Pp. 122-135.
([8]) Freedom House, Freedom in the World 2024, Malawi, Freedom House Website, Last Visit at 20 Feb.. 2023, at 1:35 pm, at link:
https://freedomhouse.org/country/malawi/freedom-world/2024
([9]) Joseph Siegle, Hany Wahila, “Seychelles: Democratic Resiliency Advancing Economic Progress and Security”, on Africa Center for Strategic Studies Website, Last Visit at 20 Feb.. 2023, at 1:40 pm, at link:
https://africacenter.org/spotlight/2025-elections/seychelles/
([10]) Freedom House, Freedom in the World 2024, Malawi, Freedom House Website, Last Visit at 20 Feb.. 2023, at 1:45 pm, at link:
https://freedomhouse.org/country/Seychelles/freedom-world/2024
([11]) Paschal Norbert, “Cameroon: Catholic Bishops urge President Biya to step aside ahead of October elections”, Vatican News Website, Last Visit at 20 Feb.. 2023, at 1:50 pm, at link:
https://www.vaticannews.va/en/africa/news/2025-01/cameroon-catholic-bishops-urge-president-biya-to-step-aside-ahe.html
([12]) France 24, “Former Ivorian president Gbagbo agrees to run in 2025 election”, France 24 Website, Last Visit at 20 Feb.. 2023, at 1:55 pm, at link:
https://www.france24.com/en/africa/20240310-former-ivory-coast-president-gbagbo-agrees-to-run-in-2025-election
([13]) د. سعيد ندا، “هل تعود تنزانيا إلى المسار الديمقراطي؟” موقع قراءات إفريقية، تحققت آخر زيارة في 20 فبراير 2025 الساعة 2:00 م على الرابط: https://qiraatafrican.com/3281/
([14]) Inter-Parliamentary Union “IPU”, Global data on national parliaments, United Republic of Tanzania, National Assembly, IPU Website, Last Visit at 20 Feb.. 2023, at 2:05 pm, at link:
https://data.ipu.org/parliament/TZ/TZ-LC01/
([15]) Zanzibar House of Representatives Website, Last Visit at 20 Feb.. 2023, at 2:10 pm, at link:
https://www.zanzibarassembly.go.tz/en/index
([16]) BBC News, “Central African Republic profile – Timeline”, BBC News Website, Last Visit at 20 Feb.. 2023, at 2:15 pm, at link:
https://www.bbc.com/news/world-africa-13150044
([17]) International Foundation for Electoral Systems “IFES” Website, Last Visit at 20 Feb.. 2023, at 2:20 pm, at link: