تمهيد:
يبدو أن نظرية “الفوضى الخلَّاقة” في السياسة الدولية، وجدت خليلتها “الفوضى المنظَّمة” في الاقتصاد الدولي. فحقيقةً، كما توقَّع الكثيرون، أن حديث “دونالد ترامب” عن تهجير سكان غزة، ما هو إلا “صفقة عقارية”، تأكّد ذلك على لسانه في اليوم التالي.
فكما عُرض على الرئيس الأمريكي مشاهد الدمار في قطاع غزة، عُرض عليه أيضًا مشاهد الدمار في ولاية كاليفورنيا بعد الحريق الذي حوَّلها إلى منطقة منكوبة. إذًا يا لهما من صفقتين عقاريتين، للرئيس “المُطوّر العقاري”! الذي ربما وعد مُموّلي حملته الانتخابية بتلك الوليمة، وربما كانتا سببًا في نجاحه.
غير أن تلك النظريات وتطبيقاتها، ليست حصرًا على الشرق الأوسط، وإنما تمتدّ ممارساتها في إفريقيا جنوب الصحراء. غير أن تلك التطبيقات، كانت في حاجة إلى تتبُّعها، ووَضْعها في سِجِلّ واحد، حتى يتضح مدى تغلغلها وتأثيرها وأشكالها.
تلك الممارسات التي تَستخدم العلاج بالكي، لتمرير أجندات استعمارية رأسمالية خبيثة، مُستغلَّة وقت الحاجة والأزمة، وتظهر كأنها إنسانية، ولكنَّها في باطنها استغلالية استعمارية.
ومن هنا حاولت من خلال هذه المقالة، قدر الإمكان، مستغلًا المساحات المتاحة، إلقاء الضوء على بعض ممارسات تلك الفوضى في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
أولًا: الفوضى الخلَّاقة والفوضى المُنظَّمة
وقد ذكرت صحيفة الواشنطن بوست”([1])، أنه في صبيحة يوم الثامن من فبراير 2025م، تحدث الرئيس ترامب حول الصفقة العقارية في غزة، وتم بثه على الهواء مباشرة، ونقلته وسائل الإعلام الدولية. وهو ما أعاد إلى الأذهان إستراتيجية “الفوضى الخلاقة” التي أعلنتها كونداليزا رايس عام 2005م، والتي لخَّصت أولويات السياسة الخارجية الأمريكية في التعامل مع القضايا الحرجة، مستغلة الفوضى لتحقيق أهدافها ومصالحها، وتأمين الحاجة إلى متطلبات البناء الإمبراطوري دون الأخذ في الاعتبار النواحي الإنسانية([2]).
ويتطابق هذا مع ما أكَّد عليه تقرير دويتشه بنك في سبتمبر 2020م، بعنوان “عصر الفوضى”، محذرًا، من أن الاقتصاد العالمي على وشك التحوُّل من الاستقرار شبه النيوليبرالي إلى عصرٍ يتَّسم باضطرابات اجتماعية واقتصادية وبيئية دراماتيكية. وهو ما أطلق عليه “عصر الفوضى”. ويُعتَبر هذا التقييم جزءًا من حالة أوسع نطاقًا يُطلَق عليها الكارثية الرأسمالية، وهو نظام ناشئ من الفصل العنصري البيئي. يتم من خلاله تأمين انتقال أخضر لبعض الناس من خلال وضع الأغلبية المُستغلَّة في طريق الأذى.([3])
ثانيًا: مبدأ الصدمة ورأسمالية الكوارث
في أعقاب إعصار “تسونامي” لُوحِظَ أنَّه وسط جهود إعادة الإعمار المفترضة، اضطر العديد من المزارعين والسكان المحليين إلى إخلاء منازلهم بسبب الإعصار، لكنَّ المُطوّرين استولوا على الأراضي لبناء المنتجعات وغيرها من المشاريع السياحية. وكذا اتضح هذا النهج لأول مرة في سياق حرب العراق الثانية، وكيف كان ذلك بمثابة امتداد للمجمع الصناعي العسكري.
ولكن بعد “تسونامي”، بدأنا نرى أن ذلك يحدث في أعقاب الكوارث الطبيعية، فعندما حدث إعصار كاترينا عام 2005م، وظهر العديد من المقاولين الدفاعيين الذين كانوا في العراق في نيو أورليانز؛ حيث رأوا في ذلك فرصة أخرى للحصول على أموال حكومية مجانية؛ حيث تحدث رأسمالية الكوارث عندما تنزل المصالح الخاصة على منطقة معينة في أعقاب أحداث مزعزعة للاستقرار، مثل الحرب، والاضطرابات الحكومية، والكوارث الطبيعية؛ حيث يُركّز الناس العاديون في خضم الأزمة على التحديات اليومية المتمثلة في البقاء على قيد الحياة، وينشغلون بتقييم الأضرار، واتخاذ الترتيبات؛ إذ كانوا قادرين على تحمُّل التكاليف، ومعرفة كيفية إدارة خسائرهم الشخصية. والناس في مثل هذه الظروف نادرًا ما يكون لديهم القدرة على القلق بشأن الصناعات الخاصة التي تدفع بمقترحات السياسة المحلية التي قد تؤثر سلبًا على حياتهم.([4])
فعندما ضربت الأعاصير منطقة البحر الكاريبي وجنوب أمريكا، ظلت بورتوريكو -التي ضربها إعصار إيرما، ثم ماريا- بدون كهرباء أو مياه لعدة أشهر. وكما حدث أثناء إعصار كاترينا، غابت الحكومة عن العمل؛ حيث انشغل ترامب بقمع الرياضيين السود المعارضين للعنف العنصري. ولم يعلن عن حزمة مساعدات لبورتوريكو. وكانت الطريقة الوحيدة لإعادة تشغيل الكهرباء هناك هي بيع شركة الكهرباء. فتلك ظاهرة أطلقت عليها “كلاين”([5]) عام 2007م عقيدة الصدمة أو رأسمالية الكوارث، والتي عرفتها بأنها: “استغلال الأزمات المؤلمة لتمرير سياسات تلتهم المجال العام وتثري نخبة صغيرة”. وقد شهدنا مرارًا وتكرارًا هذه الدورة الكئيبة، بعد الأزمة المالية في عام 2008م، وفي المملكة المتحدة متمثلة في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بصفقات تجارية لصالح الشركات.([6])
كما أصبح التصدي لتغيُّر المناخ صناعة مزدهرة، ومصدرًا للنمو في مجموعة من القطاعات. وهذا يُوفّر الدعم لتلك الأطروحة، والتي تزعم أن الرأسمالية الليبرالية الجديدة تتسبب في الكوارث، وتستخدم نفس هذه الكوارث (وغيرها) فرصة لتسهيل توسعها. ويتضح ذلك خلال مناقشة النمو الهائل في التمويل لمعالجة تغيُّر المناخ، مع التركيز على التجارة في أسواق الكربون الدولية.([7])
فالكوارث تعني للبعض فرصة لتحقيق الربح والاستفادة من الموارد، وتتجلَّى تلك الرأسمالية من خلال التفاعل بين الإصلاحات والممارسات والكوارث النيوليبرالية، وهي بارزة في القطاعين العام والخاص. ولها تجارب سابقة ولاحقة تمتدّ من العصر الاستعماري حتى جائحة كوفيد-19، وبعدها. وتوضّح أنه عندما لا يتم التعامل مع الكوارث بإستراتيجيات للتغيير الاجتماعي الإيجابي، فإن تلك المساحة تشغلها جهات فاعلة ذات مصلحة ذاتية. وتلك الممارسات المترابطة، مثل الاستفادة من المتضررين من الكوارث في تشيلي، أو خصخصة الخدمات العامة في إيطاليا، أو تحرير حماية البيئة في البرازيل -مثلًا-، قد تُؤدِّي إلى تفاقم المخاطر وخلق مخاطر جديدة. ومن خلال سلسلة تجارب الرأسمالية الكارثية، نشير إلى السبب الذي يجعلنا يجب أن نكون حذرين للغاية عند تصميم الحلول دون تحدّي الظروف الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية القائمة مسبقًا، والتي ساعدت في خلق المشكلة أصلاً.([8])
ومن ناحية المناخ يُشار إلى هذا العصر باسم الأنثروبوسين، “الذي يعكس نطاق ومدى وإجمالي التعديل البشري للبيئة”، والذي “تزامن مع النمو التاريخي والتوسع الجغرافي للرأسمالية”، وفي إفريقيا، ترأست الدولة النيوليبرالية والدولة الدكتاتورية على نحو مماثل “رأسمالية الكوارث المفترسة والطفيلية”.([9])
وظهر ذلك جليًّا عندما ضربت موجة الحر الشديدة شمال غرب المحيط الهادئ؛ حيث تضاعَف عدد الفيضانات الموسمية في غرب ووسط إفريقيا تقريبًا بين عامي 2015 و2020م، مما ترك جمهورية إفريقيا الوسطى للتعامل مع أسوأ فيضانات لها منذ عقدين. ووفقًا لتقرير صادر عن اليونيسف، نزح ستة أمثال عدد الأطفال بسبب العواصف والفيضانات الناجمة عن تغيُّر المناخ في منطقة البحر الكاريبي بين عامي 2014 و2018م مقارنةً بالسنوات الخمس السابقة، من عام 2009م إلى عام 2013م. والواقع أن البلدان الضعيفة اقتصاديًّا مُعرَّضة بشكلٍ خاصّ للاستغلال، وفي أعقاب الكوارث، يصبح هذا الضعف أكثر وضوحًا عندما تتدخل الصناعات الخاصة في جهود إعادة الإعمار.([10])
ثالثًا: الأزمات الرأسمالية وانحطاطات الديمقراطية -غينيا بيساو
لقد أدَّى الانقلاب الذي قاده “نينو فييرا” في غينيا بيساو على “لويس كابرال” عام 1980م إلى انهيار الوحدة بين الرأس الأخضر وغينيا بيساو، وإفلاس البلاد، في أعقاب أزمة النفط عام 1973م؛ مما جعل البلاد في حاجة ماسَّة إلى المساعدة، فبدأت الحكومة محادثات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عام 1981م. وبعد عامين، تمت الموافقة على “برنامج التعافي الاقتصادي”، وفي عام 1984م تم إطلاق “خطة الاستقرار الاقتصادي”. وفي عام 1986، أصدرت الحكومة مرسومين لتحرير الاقتصاد: المرسوم 22/86 الذي حرر التجارة، والمرسوم 23/86 الذي أنشأ نظامًا للأسعار يحدده آليات السوق (باستثناء النفط والأرز). وقد فتحت هذه الإصلاحات الطريق لبدء أول برنامج رسمي للتكيُّف الهيكلي، أدَّى إلى خصخصة جميع المصانع التي تديرها الدولة (والتي استحوذت عليها في الغالب النخبة الاستعمارية التجارية السابقة أو الساسة)، وتقليص الإدارة العامة الناشئة، مما أعاق قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية للسكان، وفتح الباب أمام الضغوط الخارجية، وأصبحت ديمقراطية البلاد شرطًا أساسيًّا للمساعدات.
حتى بدا أن الإطاحة العنيفة بالسلطة ظاهرة إنسانية عالمية، وأن موجات الانقلابات ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالعولمة الاقتصادية وأزمتها الدورية. وقد تبيَّن أن إفريقيا جنوب الصحراء أكثر عُرْضَة لأزمة الرأسمالية؛ لأنها لم يكن لديها الوقت الكافي لبناء أنظمتها الاقتصادية أو السياسية بحُرّية. حتى تولَّت النخب العسكرية الساخطة والنخب التجارية والسياسية اليائسة زمام الأمور، وأصبحت فريسة لأنظمة الاقتراض الدولية التي تديم دورات عدم الاستقرار والفقر.([11]) وهو ما خلص إليه كالهون وآخرون. في عملهم “انحطاطات الديمقراطية”، منتهين إلى أن “الديمقراطيات المعاصرة تتعرض للفساد والتآكل من الداخل بدلاً من تعليقها وتفكيكها من الخارج”.([12])
رابعًا: أزمات الأوبئة وتحقيق الربح – نيجيريا
أعلن البنك المركزي النيجيري أثناء جائحة كوفيد، عن تخصيص صندوق ضخم، وهو صندوق تدخُّل بقيمة 1.1 تريليون نيرة لدعم الشركات المصنعة المحلية، واستبدال الواردات مِن قِبَل طبقة رجال الأعمال ودعم السلطات الصحية؛ لضمان عمل المختبرات والباحثين والمبتكرين مع العلماء العالميين لتسجيل براءات الاختراع وإنتاج اللقاحات. وكان هذا الصندوق هو غطاء مثالي لتمرير الموارد العامة إلى طبقة رجال الأعمال. في الدولة التي يذهب عدد قليل جدًّا من مرضاها إلى المستشفيات بسبب عدم القدرة على تحمُّل التكاليف. فالمستشفيات العامة قليلة؛ حيث تتوفر، فقط الاستشارة المجانية، تم تسويق العلاج. ولم يكن هناك معلومات حول مكان إجراء اختبارات فيروس كورونا. فالمستشفيات العامة والخاصة تفتقر إلى المرافق اللازمة للاختبار، ناهيك عن أنه لم يكن يوجد مرافق لعلاج فيروس كورونا. والواقع أن نيجيريا لم تتمكن من القضاء على البعوض والملاريا. والحكومة التي لا تستطيع السيطرة على الملاريا أو القضاء عليها ستكون عاجزة في حالة انتشار وباء فيروس كورونا.([13])
خامسًا: الرأسمالية الكارثية وعدم الاستقرار في الكونغو الديمقراطية
لا يوجد في إفريقيا ما يُوضِّح حالة الرأسمالية الكارثية أكثر من الأزمة الدائمة للصراع في الكونغو الديمقراطية، تلك الدولة التي تتمتع بقاعدة غنية ومتنوعة من الموارد الطبيعية ذات أهمية حيوية للصناعة التكنولوجية والإلكترونية العالمية. وإن أزمة عدم الاستقرار الدائمة في الدولة تُشكِّل نوعًا من الفوضى المنظمة التي تخدم المصالح المكتسبة للعديد من الجهات الفاعلة، وتسيطر الميليشيات والجماعات المتمردة على مناجم شرق الكونغو، وتستخدم الأرباح لإدامة الصراع، الذي أودى بحياة أكثر من خمسة ملايين شخص منذ عام 1998م، في حين استمرت التجارة في المعادن بوتيرة سريعة.
وفي حين يكسب عمال المناجم ما بين دولار واحد وخمسة دولارات في اليوم من العمل لصالح جماعة مسلحة أو شخص يدفع لجماعة مسلحة، تجني الميليشيات ملايين الدولارات. وتشير التقديرات إلى أنه في عام 2009م، حققت الميليشيات 180 مليون دولار، في حين حقق التجار النهائيون ما يصل إلى خمسين أمثال هذا المبلغ.
ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة “Global Witness” البريطانية في عام 2009م؛ فإن الجيش الوطني الكونغولي والجماعات المتمردة (وخاصة القوات الديمقراطية لتحرير رواندا) تتعاون بانتظام في شرق الكونغو، وتقسم الأراضي فيما بينها، وتستخدم بشكل منهجي العمل القسري والابتزاز في مناطق التعدين. ثم تمر المعادن عبر وسطاء مختلفين من الكونغو الديمقراطية عبر بوروندي ورواندا إلى شرق آسيا؛ حيث تتم معالجتها وتحويلها إلى معادن ثمينة مطلوبة للمنتجات الإلكترونية، وغيرها من المنتجات الصناعية مِن قِبَل شركات مثل شركة تايلاند للصهر والتكرير (THAISARCO)، خامس أكبر شركة لإنتاج القصدير في العالم. وهي مملوكة لشركة Amalgamated Metal Corporation البريطانية العملاقة.
وفي عام 2008م، أثبتت المنظمة أن شركة Afrimex البريطانية كانت تتعامل في تلك المعادن، وقد تأكدت الحكومة البريطانية من ذلك ولم تتخذ أي تدابير أو عقوبات ضد الشركة. ومن بين الشركات الأخرى التي ذكرتها المنظمة والتي شاركت في تجارة المعادن المتنازع عليها كلّ من شركة Trademet and Traxys، وكلاهما من بلجيكا، وشركات التكنولوجيا الإلكترونية الأمريكية: Dell, Hewlett-Packard, and Motorola، فضلاً عن شركة الاتصالات الفنلندية Nokia. وفي تقريرها الصادر في عام 2009م، خلصت المنظمة إلى أن فشل الحكومات في محاسبة الشركات، وفشل رواندا وبوروندي في تقييد التجارة عبر حدودهما، وفشل الجهات المانحة والدبلوماسيين في معالجة تلك التجارة، ساهمت جميعها في استمرار الصراع الذي لا نهاية له. والواقع أن الجهود الرامية إلى كبح جماح أنشطة الشركات الأمريكية التي تستفيد من المعادن المتنازع عليها في عام 2009م فشلت فشلًا ذريعًا. وفي أبريل 2009م، قدَّم السيناتور الجمهوري “سام براونباك” قانون المعادن المتنازع عليها في الكونغو، والذي يُلزم شركات الإلكترونيات بالتحقُّق من مصادرها والإفصاح عنها، ولكنَّ التشريع المقترح تم تجاهله مِن قِبَل اللجنة.([14])
سادسًا: رأسمالية الكوارث وحوكمة الدولة الإفريقية -جنوب إفريقيا
على الرغم من الإقرار بأن إفريقيا تحتفظ “بذاكرة مادية تقريبًا”. لكن الواقع أن بلدانها وحوكمتها تطورت “في أبعادها وقوتها”، وفقًا للمشاريع المعاصرة المنفتحة على الخارج و/أو محلية المنشأ. فكانت دائمًا عند “مفترق طرق”. في حين استمرت “رأسمالية الكوارث” المفترسة والطفيلية دون أيّ رقابة مع تناقضاتها وانعكاساتها المتأصلة. لقد تم تدمير جنوب إفريقيا بسبب الفساد إلى الحد الذي يعتقد فيه بعض المحللين أن هذه الظاهرة تجاوزت فكرة كونها منهجية، لتعكس بدلاً من ذلك “الدولة الظلية أو الدولة الموازية”. حيث ظل العنف الاجتماعي والسياسي والحكومي شائعًا في جنوب إفريقيا، على الرغم من الوعد بضمان حقوق الإنسان بموجب الدستور. وهذه هي نتائج القصور في حوكمة الدولة، ما أدَّى إلى انتشار “رأسمالية الكوارث”. وعلى الرغم من أنه تقليديًّا كانت الدولة الرأسمالية مسؤولة عن إدارة المخاطر الاجتماعية والطبيعية؛ ومع ذلك، تولت الأسواق المالية والوكلاء السيطرة على تلك الإدارة.([15]) هذا القصور يشرح كيف أسفرت المفاوضات لإنهاء نظام الفصل العنصري عن سياسة اقتصادية تتعارض مع جوهر ميثاق الحرية.([16])
ختامًا:
إن القوى الإمبريالية غربية كانت أو شرقية أتقنت بشكل عام ممارسة خلق الأزمات ظاهريًّا لخدمة مصالح الطبقة الرأسمالية. تلك الممارسات التي شملت شنّ حروب غير ضرورية، وهندسة الانقلابات وتغيير الأنظمة، وإثارة الصراعات، وخلق شماعات، وخلق أسواق (التغير المناخي وأسواق الكربون). ومن بين المستفيدين الرئيسيين من مثل هذه المغامرات: المقاولون العسكريون، والمقاولون الأمنيون الخاصون، وشركات الطاقة والموارد الطبيعية؛ وهي الظاهرة التي كان يُشار إليها بالمجمع الصناعي العسكري. ولا عجب أن الانتخابات الأمريكية تُشكِّل شأنًا باهظ التكاليف؛ حيث تُموّل المصالح الخاصة حملات السياسيين، وبمجرد توليهم السلطة، يُنفِّذ الساسة أجندات تشريعية في خدمة المصالح الخاصة المذكورة. ولهذا السبب يؤكد الصحفي الاستقصائي “Greg Palast”، أن ديمقراطية الغرب، هي أفضل ديمقراطية يمكن شراؤها بالمال في كتابٍ يحمل نفس العنوان ويحمل عنوانًا فرعيًا “حكاية المليارديرات وأوراق الاقتراع اللصوصية”.([17])
في نهاية المطاف، في حالة وقوع كارثة، سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان، أو جائحة أو حرب، أو إعصار أو زلزال، أو فيضان أو ثوران بركاني، في حين يكون هناك الكثير من القتلى، هناك دائمًا عدد قليل ممن يبحثون عن كيفية جني أكبر قدر من الثمار. وهذا هو جوهر رأسمالية الكوارث، وليست غزة أو بلدان إفريقيا جنوب الصحراء بعيدة عن ذلك.
………………………
[1] ) Matt Viser, Jacqueline Alemany and Michael Birnbaum, ” ‘Riviera of the Middle East’: How Trump sees Gaza as a real estate deal “, washingtonpost ,8/2/2025. at:,https://www.washingtonpost.com/politics/2025/02/07/trump-gaza-redevelopment/
[2] ) Salman Khairi Mohamed and Eyad Mudhe Gerow, The cornerstone of creative chaos and the US strategic shift after 9/11 Tikrit Journal for Political Science, July 2019.at: https://www.researchgate.net/publication/334947883_The_cornerstone_of_creative_chaos_and_the_US_strategic_shift_after_911
[3] ) Kai Heron, Capitalist catastrophism and eco-apartheid.at:
https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0016718523002002
[4] ) Jacqui Germain, What Is Disaster Capitalism? A Cycle of Crisis, Exploitation, and Privatization, SEPTEMBER 2, 2021.at: https://www.teenvogue.com/story/what-is-disaster-capitalism
[5] ) نعومي كلاين، أستاذة العدالة المناخية في جامعة كولومبيا البريطانية ومؤلفة كتاب “عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث”.
[6] ) Naomi Klein, A new shock doctrine: in a world of crisis, morality can still win, theguardian , Thu 28 Sep 2017.at: https://www.theguhttps://www.theguardian.com/commentisfree/2017/sep/28/labour-shock-doctrine-moral-strategy-naomi-kleinardian.com/commentisfree/2017/sep/28/labour-shock-doctrine-moral-strategy-naomi-klein
[7] ) Robert Fletcher, capitalizing on chaos: Climate change and disaster capitalism, paper was presented at the conference ‘Climate Change: Disaster or
Opportunity’ at the University for Peace in Ciudad Colón, Costa Rica, 17 April 2010. Ephemera, volume 12(1/2): 97-112.at: www.ephemeraweb.org
[8] ) Vicente Sandoval, and etal, the role of Public and Private Sectors in Disaster Capitalism: an International overview, (pp.1-26).at: https://www.researchgate.net/publication/360845329_The_Role_of_Public_and_Private_Sectors_in_Disaster_Capitalism_An_International_Overview
[9] ) MP Sebola and JP Tsheola, Editorial Perspective: The African State Governance in the Age of “Predatory and Parasitic ‘Disaster Capitalism’”.,2021. Journal of Public Administration and Development Alternatives Vol. 6, No. 2. At: https://journals.co.za/doi/full/10.10520/ejc-jpada_v6_n2_a1
[10] ) Jacqui Germain, Op.cit.
[11]) Júlia Alhinho, Global capitalism crisis fueling coups and instability in Africa, 27 July 2023.at: https://www.frontiersin.org/journals/political-science/articles/10.3389/fpos.2023.1059151/full
[12]) Craig Calhoun and etal, Degenerations of Democracy.at: https://www.hup.harvard.edu/file/feeds/PDF/9780674237582_sample.pdf
[13] ) ROAPE, Out of Control: Crisis, Covid-19 and Capitalism in Africa, March 26, 2020.at: https://roape.net/2020/03/26/out-of-control-crisis-covid-19-and-capitalism-in-africa/
[14]) Wanjala S. Nasong’o, Disaster Capitalism in the Age of COVID-19. April 17, 2020.at: https://www.theelephant.info/analysis/2020/04/17/disaster-capitalism-in-the-age-of-covid-19/
[15] ) MP Sebola and JP Tsheola, Op.cit.
[16] ) ROAPE,Op.cit
[17] ) Greg Palast, The Best Democracy Money Can Buy A Tale of Billionaires & Ballot Bandits.at: https://www.penguin.com.au/books/the-best-democracy-money-can-buy-9781609807757