الأفكار العامة:
– تداعيات استيلاء حركة 23 مارس المتمردة على مساحات شاسعة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، الغنية بالمعادن، تَطال العديد من الدول المجاورة.
– اجتماع المجموعتين الإقليميتين لعقد قمة طارئة لاحتواء الأزمة، والحيلولة دون خروجها عن السيطرة واتساع رقعتها على غرار ما حدث في أواخر التسعينيات.
- تقاطع المصالح ومطامع العديد من الأطراف الخارجية في الثروات المعدنية في البلاد يُعزّز تعقيد معادلة التوصل إلى حلّ عادل.
- إدانة تقرير أممي -حظي بتأييد واسع النطاق- لنظام كيغالي بالتورط في دعم المتمردين بالسلاح والقوات، ومطالبته بسحب قواته من البلاد.
- ينفي كاغامي أيّ تدخُّل في الأزمة، ويصرّ على أنّ أولويته تنحصر في دَحْر مرتكبي الإبادة الجماعية وحماية حدود بلاده عن تداعيات الحرب الأهلية.
- هناك مخاوف من احتمال تدهور الأوضاع داخل الكونغو نتيجة تأثير حملة المتمردين على المعارضة الداخلية أو تشجيع الجيش بالقيام بانقلاب عسكري.
بقلم: بربارا بليت آشر
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
أدَّى استيلاء متمردي حركة 23 مارس على مساحات شاسعة من الأراضي في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية الغني بالمعادن إلى اندلاع أزمة إنسانية ودبلوماسية شملت العديد من الدول المجاورة. وقد قام عدد كبير من الجيوش الإفريقية بنشر قواتها في منطقة النزاع التي لها تاريخ طويل من التدخل الخارجي.
وتبلغ مساحة جمهورية الكونغو الديمقراطية مساحة شاسعة للغاية –حوالي ثلثي مساحة أوروبا الغربية-، لدرجة أنها عضو في كلٍّ من تكتلي شرق إفريقيا والجنوب الإفريقي. واتفقت المجموعتان الإقليميتان على عقد قمة طارئة لمحاولة إنهاء القتال. والسؤال هنا: من هم اللاعبون الرئيسيون؟ وماذا يريدون؟ هذا ما سنتناوله فيما يلي.
جمهورية الكونغو الديمقراطية: العملاق المُحاصر
كان الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي أول مَن تدخل، وهو يريد استعادة الأراضي التي خسرها، بما في ذلك أكبر مدينة في الشرق، غوما، ومنعهم من احتلال مناطق أخرى.
لكنه وجّه أصابع الاتهام إلى الزعيم الرواندي، بول كاغامي، بدعم حركة 23 مارس؛ من خلال إمدادها بالأسلحة والقوات، ويتهم كيغالي بغزو الأراضي الكونغولية من أجل نَهْب الثروة المعدنية في البلاد، ومحاولة تغيير نظام الحكم القائم.
وتستند الحجة القائلة بأن رواندا تدعم هجوم حركة 23 مارس إلى الأدلة الواردة في تقرير للأمم المتحدة والتي حظيت بقبول العديد من الحكومات الإفريقية والغربية على نطاق واسع؛ والتي طالبت كاغامي بسحب قواته.
بَيْد أن أحدًا لم يُدْلِ بتصريح واحد؛ فضلًا عن الاستجابة لنداءات كينشاسا بفرض عقوبات وتدابير صارمة أخرى، مما أثار إحباطًا شديدًا لدى تشيسيكيدي. كما أن الزعيم الكونغولي قلق أيضًا بشأن الحفاظ على كرسيه.
ومن جانبه صرّح جيسون ستيرنز، المحقق السابق للأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية والأستاذ الحالي في جامعة سيمون فريزر، بالقول: “أعتقد أن البقاء السياسي لحكومته على المحك”؛ على حد تعبيره.
هناك مخاوف من أن حملة حركة 23 مارس قد تشجّع قوى المعارضة الداخلية، أو تؤدي إلى انقلاب داخل جيشه الذي يشتهر بالتشرذم والفساد.
رواندا “اللاعب المراوغ”:
في هذا الصراع، يحتل الزعيم الرواندي منذ فترة طويلة، كاغامي، مركز الاهتمام، ولكن لكنه اعتاد على صرف الانتباه عنه. وله تاريخ طويل من التدخل العسكري، في جمهورية الكونغو الديمقراطية، المرتبط بعواقب الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994م.
لا تعترف رواندا بتقديم الدعم العسكري لحركة 23 مارس، ولكنها تصرّ مرارًا وتكرارًا على أنها ستفعل كل ما هو ضروري للدفاع عن نفسها.
ويؤكد كاغامي على أن أولوية رواندا هي تدمير جماعة مسلحة شكَّلها مرتكبو الإبادة الجماعية من الهوتو، الذين ارتكبوا المجازر ضد التوتسي الروانديين، ثم فروا إلى ما يُعرَف الآن بشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
واتهم جيش جمهورية الكونغو الديمقراطية بالانضمام إليهم وإلى آخرين، ليس فقط في إبادة التوتسي الكونغوليين -الذين تدعي حركة 23 مارس حمايتهم- بل أيضًا في تهديد رواندا.
على الجبهة الدبلوماسية، تريد رواندا أن تؤكد ادعاءها بأن النزاع هو مشكلة كونغولية، وأن كيغالي تدافع عن حدودها فقط ضد امتداد الحرب الأهلية. وهي تطالب في الوقت نفسه بأن تتفاوض كينشاسا مباشرة مع حركة 23 مارس، وهو ما ترفضه.
ولكن ما يسعى إليه في الواقع، وفقًا لـ ستيرنز، هو “الحفاظ على منطقة نفوذ في الجزء الشرقي من جمهورية الكونغو الديمقراطية”؛ حيث لرواندا مصالح اقتصادية وأمنية.
من جهتها، تنفي كيغالي أدلة الأمم المتحدة على تهريب كميات كبيرة من الذهب والمعادن الأخرى من شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وبيعها كما لو كانت ملكًا لها. لكن الوصول إلى الثروة المعدنية في جمهورية الكونغو الديمقراطية كان مُحرِّكًا للصراع في المنطقة لعقود. وهناك أسباب أخرى هذه المرة، أبرزها العداء الشخصي بين كاغامي وتشيسيكيدي.
يقول ريتشارد مونكريف، الذي يراقب منطقة البحيرات العظمى الإفريقية لصالح مجموعة الأزمات الدولية (ICG): “يريد كاغامي تلقين تشيسيكيدي درسًا حول من هو الأقوى”.
وأضاف أن الروانديين “سيواصلون القتال إلى أن يقدم الكونغوليون تنازلات… ويمنحونهم بعض حرية التصرف في [المقاطعة الشرقية من] شمال كيفو”.
بوروندي: الجار الحذر
ترى رواندا في الجيش البوروندي تهديدًا جديدًا للأمن في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. أرسلت الدولة المتاخمة لرواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية آلاف الجنود إلى هناك منذ سنوات. وتم نشرهم هناك لطرد المتمردين البورونديين، لكنهم الآن يدعمون جيش كينشاسا في قتاله ضد حركة 23 مارس.
العلاقات بين رواندا وبوروندي عدائية؛ فالبلدان لديهما تركيبة عرقية متشابهة، ولكن على عكس رواندا، فإن غالبية الهوتو في السلطة في بوروندي. وقد اتهم البلدان بعضهما البعض بمحاولة الإطاحة بحكومة كلّ منهما.
من جهته، أصدر رئيس بوروندي، إيفاريست ندايشيمي، تحذيرًا قويًّا على وسائل التواصل الاجتماعي؛ جاء فيه: “إذا استمرت رواندا في تحقيق الانتصارات، فأنا أعلم أن الحرب ستأتي حتى إلى بوروندي… في يوم من الأيام، يريد [كاغامي] القدوم إلى بوروندي؛ لن نقبل بذلك. ستنتشر الحرب. سيتفاقم التهديد إذا ما واصلت حركة 23 مارس تقدُّمها من غوما باتجاه مقاطعة جنوب كيفو، القريبة من الحدود البوروندية، حيث تتمركز قواتها.
وقال ستيرنز: “ما تسعى إليه بوروندي هنا هو بقاء النظام”. و”يساور بوروندي القلق من أنه في حال توسيع القوات الرواندية نفوذها في جنوب كيفو، فقد يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار الحكومة في بوجومبورا. ومربط الفرس هنا هو إيقاف زحف التمرد قبل أن يقترب أكثر من بلدنا”؛ على حد تعبيره.
ويخشى البعض من تكرار الحربين اللتين اجتاحتا المنطقة في نهاية التسعينيات، والتي شاركت فيهما تسع دول مختلفة وأدت إلى قتل الملايين.
هذه المرة، يمكن أن تؤدي الاشتباكات المباشرة بين الجيشين إلى امتداد الصراع في جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى خارج حدودها.
أوغندا: “اللعب على كلتا الجبهتين“
أوغندا ليست متورطة بشكل مباشر، ولكن لديها أيضًا قوات في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. تساعد هذه القوات الحكومة الكونغولية على مواجهة تهديد أمني آخر يتمثل في ملاحقة المقاتلين من أصول أوغندية المرتبطين بتنظيم الدولة.
لكن دور أوغندا مُرْبِك؛ فهي تعمل مع الكونغوليين، بينما تقدم الدعم، على الأقل بالتواطؤ، لحركة 23 مارس. يفيد خبراء الأمم المتحدة بأن هذا النظام قد سمح لهم باستخدام الأراضي الأوغندية كقاعدة خلفية وطريق للإمداد.
وعلى الرغم من نفي كمبالا ذلك بشدة؛ إلا أنها صدّت الهجوم الذي شنته حركة 23 مارس بوضع قواتها في “موقع دفاعي أمامي” من أجل منع الجماعات المسلحة الأخرى من استغلال الأزمة.
وأفاد سكان المنطقة أنهم شاهدوا جنودا أوغنديين يتجهون نحو منطقة النزاع، مما زاد من المخاوف من حدوث تصعيد إقليمي.
وعلى غرار رواندا، دخلت أوغندا إلى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية في الماضي مدعية حماية حدودها. لكنه متَّهم أيضًا بنَهْب الموارد الطبيعية، وخاصة الذهب.
ويتوقع المحللون أن تحافظ أوغندا على مصالحها الاقتصادية مع إبقاء عينيها على الروانديين. وقال مونكريف من مجموعة الأزمات الدولية (ICG): “من الواضح جدًّا أن أوغندا تريد الاحتفاظ بنفوذها الخاص في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وألا يطيح بها منافسها الرواندي”.
جنوب إفريقيا “حارس السلام المنحاز”
لقد ساهمت جنوب إفريقيا بالجزء الأكبر من القوات في قوة إقليمية في الجنوب الإفريقي تقاتل إلى جانب الجيش الكونغولي، وتكبَّدت خسائر فادحة. لكنها احتلت أيضًا عناوين الصحف بسبب تبادل اتهامات شديدة بين كيغالي وجوهانسبرغ.
فقد حمَّل سكان جنوب إفريقيا مسؤولية مقتل 14 من جنودهم على قوات الدفاع الرواندية التي وصفها الرئيس سيريل رامافوسا بــ”ميليشيات قوات الدفاع الرواندية”.
وصرّح وزير الدفاع أنه حذّر كاغامي من أن أيّ إطلاق نار جديد على قواته سيعتبر إعلان حرب. وقد أثار ذلك غضب الرئيس الرواندي، الذي قال: إن سرد محادثتهم كان “كذبة”، ووصف جنوب إفريقيا بأنها قوة “محاربة” يجب أن تغادر جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وهذه هي النقطة الأكثر حدة في الانقسام الكبير بين جماعة شرق إفريقيا (EAC) والجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي (SADC).
وبينما تؤيد جماعة شرق إفريقيا دعوة رواندا إلى إجراء محادثات مباشرة بين كينشاسا وحركة 23 مارس؛ تدين جمهورية الكونغو الديمقراطية، من جانبها، هجمات القوات المسلحة الرواندية على جنودها، بما في ذلك القوات التنزانية والمالاوية، وتؤكد من جديد التزامها باستقلال جمهورية الكونغو الديمقراطية وسيادتها وسلامة أراضيها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال:https://www.bbc.com/afrique/articles/cly98zx721po