محمود السقا
باحث متخصص في الشأن الإفريقي
لجأت إسرائيل إلى الاعتماد على المرتزقة؛ حيث يُعتبر الشعب الإسرائيلي بكامله جنودًا بجيش الاحتلال؛ إذ إن الفرد يخضع للتجنيد الإجباري منذ بلوغه سن ثمانية عشر عامًا بالنسبة للرجال والنساء دون تفرقة، ويظل في الخدمة لمدة 3 سنوات، وبعد تسريحه من الخدمة الإجبارية يظل مقيدًا بصفوف الاحتياط الذين يتم استدعاؤهم بشكل دوري للتدريب، والتأكد من مدى دقة وجودة نظام التعبئة الإسرائيلي؛ وذلك لكون إسرائيل دولة مهدَّدة بشكل مستمر؛ حيث نشأت في الشرق الأوسط بشكل غير قانوني، وغير مرغوب فيه، الأمر الذي أدى إلى نشوب العديد من الصراعات مع دول الجوار.
ولطالما كانت إسرائيل مصدرًا لتهديد دول الشرق الأوسط. حتى أصبحت دولة لا تعرف السلام، وأدَّى ذلك إلى ظهور فئة من الشعب الإسرائيلي مناهضة للسياسة الإسرائيلية العدائية تجاه الجميع التي قد تصبح أحد أسباب تفكك الدولة؛ نظرًا للرفض الشعبي لتلك السياسة، وأيضًا رفض نظام التجنيد والتعبئة الذي يخضع له الفرد حتى سن 41 عامًا بالنسبة للمجندين، وبالنسبة لضباط الاحتياط 43 عامًا، مما يجعل المواطن الإسرائيلي يخضع لكونه جنديًّا في جيش الاحتلال لأكثر من نصف عمره، وبعدها يتحول للدفاع المدني.
أدت تلك العوامل إلى لجوء إسرائيل لتجنيد المرتزقة من جميع دول العالم؛ إلا أنها، وكعادة الدول المستعمرة، توجَّهت للدول الأكثر ضعفًا؛ لاستغلال قُوَاهم البشرية بشكل متعمّد؛ في سلوك لا يختلف عن السلوك الاستعماري الذي استنزف قوى الدول الإفريقية ومواردها سابقًا، لكنّ إسرائيل مارست ذلك النوع من الاستعمار دون احتلال أراضي الدول الإفريقية؛ إلا أنه يظل أحد أشكال الاستعمار للدول الإفريقية.
أوجه الاستفادة من القوى البشرية الإفريقية بعد حرب غزة:
1 – فرار الأفارقة إلى إسرائيل
يفر بعض الأفارقة من بلدانهم المشتعلة بالحروب الأهلية أو الأزمات الاقتصادية الطاحنة، أو هربًا من بطش التنظيمات المسلحة إلى إسرائيل؛ باعتبار أنها دولة فيها فرص عمل بأجور كبيرة، في محاولة للاستفادة من الاقتصاد الإسرائيلي الذي يَعتبره معظم اللاجئين الأفارقة حلمًا للهروب من البطالة والفقر الذي تعاني منه بلادهم؛ حيث وصلت أعداد المهاجرين بين عامي 2006 و2012م إلى نحو ستين ألف إفريقي معظمهم من إرتيريا والسودان (وفقًا لتقرير منظمة حقوق الإنسان)، لم يتبقَّ منهم في إسرائيل سوى نحو 37 ألفًا، وما ساعد على انخفاض تلك الأعداد هو السياج الذي شيدته إسرائيل على الحدود، مما ساعد على تخفيض عدد اللاجئين غير الشرعيين الذين يتسربون إلى إسرائيل عبر سيناء. وأيضًا تعمل إسرائيل على تخفيض أعداد اللاجئين؛ فقد عرضت إسرائيل على اللاجئين الراغبين في الانتقال إلى مكان آخر 5000 دولار، وقد شيَّدت مبنى لاحتجاز اللاجئين غير الشرعيين، وقد تم ترحيل 4000 لاجئ من جورجيا وأوكرانيا إلى أوطانهم، وفي عام 2018م بدأت إسرائيل في إخطار اللاجئين من السودان وإريتريا بمغادرة إسرائيل إلى دولة أوغندا أو رواندا مقابل الحصول على 3500 دولار أو سيتم حبسهم. ولا تشمل تلك الإجراءات الأطفال أو النساء أو من لديهم طلبات لجوء معلقة([1]).
وتزعم الحكومة الإسرائيلية أن معظم المهاجرين إليها هم مهاجرون اقتصاديون، وليسوا طالبي لجوء؛ حيث ذكر معظم المهاجرين أنهم جاءوا إلى إسرائيل بحثًا عن عمل يستطيعون منه أن يعيلوا أُسَرهم، لكن ذلك ليس السبب الرئيس وراء هجرتهم، بل إنهم هربوا من ويلات الحروب الداخلية وعدم الاستقرار، وتحاول إسرائيل الحد من طلبات اللجوء؛ حيث تقوم بمراجعة عدد قليل من طلبات اللجوء الذي جعل من الأفارقة عُرضة للاعتقال والترحيل خارج إسرائيل، وشكَّل عبئًا إضافيًّا على اللاجئين، ويقضي اللاجئون الأفارقة أوقاتًا طويلة في طوابير الانتظار لاستلام طلبات اللجوء التي تظل قيد الانتظار لسنوات عديدة دون تأمين طبي أو حقوق اجتماعية لهم.
وقد شكّل الأمن أحد أهم الأسباب وراء بروز السياسات المناهضة لهجرة الأفارقة في محاولة للحفاظ على أمن إسرائيل المستهدَف بشكل مستمر؛ فالدولة التي بُنيت على تجميع اليهود من جميع الدول تمنع اليوم لجوء المضطهدين الأفارقة في تناقض ظاهر للجميع؛ إلا أنها تحاول إخفاء هذا تحت مسمى الحفاظ على أمن إسرائيل، مما أدَّى إلى معاملة اللاجئين بشكل عنصري وغير أخلاقي([2]).
2– تجنيد الأفارقة لصالح سد فجوة العمالة
بعد محاولات الحكومة الإسرائيلية التخلُّص من اللاجئين؛ ظهرت الحاجة لمزيد من العمالة نتيجة لحرب إسرائيل على غزة؛ فقد فقدت المزارع الإسرائيلية نحو 15 ألف عامل فلسطيني كانوا يعملون بها بعد منعهم من الدخول، ونتيجة لذلك أعلنت وكالات التوظيف الإسرائيلية عن حاجتها لتوظيف أشخاص ما بين سن 25 إلى 35 سنة براتب شهري قدره 1500 دولار، وهو مبلغ كبير إلى حدّ ما؛ حيث إن إسرائيل تعاني من التضخم وسوء الإدارة الاقتصادية، مما دعا بعض الدول الإفريقية لتصدير العمالة إلى إسرائيل.
استجابت مالاوي للدعوة الإسرائيلية؛ حيث قامت بإرسال 221 عاملًا زراعيًّا، وقد برر مدير المعلومات في دولة مالاوي ذلك بأن هؤلاء العمال سيكتسبون خبرة في مجال الأعمال الزراعية، بالإضافة إلى كسب الأموال؛ حيث تقوم شركات خاصة بتصدير العمالة في محاولة لتخفيف حدة أزمة البطالة في مالاوي؛ إلا أن زعيم المعارضة وصف ذلك (بصفقة شريرة)؛ وذلك لكون الحكومة المالاوية أبرمت تلك الصفقة مع علمها بوجود حرب في المنطقة، بما يُعرّض هؤلاء العمال لخطر داهم، وقد دعا العاملين في مجال حقوق الإنسان للتدخل والعمل على وقف ذلك الاتفاق رغم تعهُّد حكومة كلتا الدولتين بعدم إشراك العمال في الحرب، لكن إذا اتسعت دائرة الحرب هل تمتلك مالاوي القدرة على إخلاء هؤلاء العمال أم ستتركهم يواجهون مصيرهم؟!([3])
كما استجاب لتلك الدعوة الحكومة الكينية؛ فقد أرسلت 1500 عامل زراعي إلى إسرائيل بعقود لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد مقابل الحصول على راتب شهري قدره 1195 جنيهًا إسترلينيًّا؛ في محاولة لتوفير فرص عمل في دولةٍ تعاني من أزمة بطالة، وقد صرح السفير الإسرائيلي لدى كينيا أن إسرائيل تحاول سد الفجوة في العمال؛ حيث تم استدعاء ما يقرب من 360 ألف جندي من الاحتياط للمشاركة في الحرب على غزة، ما أوجَد فجوة في سوق العمل في إسرائيل، وقد أكد أن هؤلاء العمال سوف يتمتعون بنفس الحماية التي يتمتع بها الإسرائيليون نتيجة الحرب
على غزة([4]).
وتسعى إسرائيل إلى تجنيد المزيد من العمال من أوغندا؛ حيث تتسم العلاقات الأوغندية مع إسرائيل بأنها علاقات ودية إلى حد بعيد؛ إلا أن إسرائيل لا تعترف في علاقتها إلا بما يحقق مصالحها بشكل فردي؛ فقد كانت إسرائيل تقدّم لأوغندا تدريبًا عسكريًّا وزراعيًّا، وتمد القادة الأوغنديين بالأسلحة والمعدات، لكنها كانت تستخدم أوغندا كذراع جنوبي لمحاربة العرب أثناء الصراع العربي الإسرائيلي([5]).
أما تنزانيا فاستجابتها للسياسة الإسرائيلية كانت محدودة إلى حد كبير؛ فقد تم إيفاد ما يقرب من 36 عاملًا زراعيًّا يعملون بالقرب من غزة. ولم يكتمل إيفاد الأعداد المخططة من تنزانيا إلى إسرائيل نتيجة قتل أحد العمال الزراعيين التنزانيين بعد مرور شهر على وجوده في إسرائيل عقب أحداث السابع من أكتوبر. وقد تم إعادة جثته إلى تنزانيا؛ مما أثَّر على استكمال إجراءات سفر باقي العمال التنزانيين لسد فجوة العمالة في إسرائيل([6]).
3– إسرائيل تجبر الأفارقة على العمل مرتزقة
بعد مرور عام على حرب غزة بدأت وكالة (ماحال) في العمل على تجنيد المرتزقة لصالح الجيش الإسرائيلي عبر موقعها على الإنترنت، بعد إعلان وزير الحرب الإسرائيلي أن جيش الاحتلال بحاجة إلى 10 آلاف مقاتل على وجه السرعة في مايو من العام الجاري، وأثار ذلك العديد من التساؤلات حول أعداد القتلى والجرحى من الجيش الإسرائيلي غير المُعلَن أعدادهم بشكل رسمي.
نتيجة للعديد من المذابح التي ارتكبتها إسرائيل ضد مدنيين، لا سيما من الأطفال والنساء، بدأ الإسرائيليون أنفسهم في الشعور بعدم الأمان؛ إما لاحتمال تعرُّضهم لهجماتٍ مِن قِبَل حماس أو حزب الله اللبناني، أو دولة إيران التي هاجمت تل أبيب عدة مرات أو اشتراكهم في حرب غزة كونهم مجندين في جيش الاحتلال الإسرائيلي، ونتج عن ذلك هجرة العديد من الإسرائيليين إلى دول أخرى؛ هربًا من ويلات الحرب، مما دفَع جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى محاولة الاستفادة من اللاجئين الأفارقة ذوي الأوضاع الصعبة في إسرائيل؛ حيث نظمت إسرائيل مشروع قانون -بتوجيه من مستشارين قانونين في جيش الحرب الإسرائيلي- يسمح بتجنيد الأفارقة في الجيش، مقابل الحصول على وضع قانوني للإقامة في إسرائيل، ومنحهم رواتب تعادل أو تزيد عن الرواتب التي يحصلون عليها من وظائفهم الحالية، وقد لقي ذلك رفضًا من معظم الأفارقة؛ نتيجة عدم معرفتهم بالأعمال العسكرية، وقلة فترة التدريب قبل الاشتراك في الحرب، وبالرغم من الوعود الإسرائيلية للأفارقة بتقنين أوضاعهم؛ إلا أن أحدًا منهم لم يحصل على ذلك حتى الآن، وتظهر إسرائيل كالعادة بالمظهر المتناقض الذي يسعى لتحقيق المصالح الوطنية الإسرائيلية بغضّ النظر عن القِيَم الأخلاقية أو القانون الدولي أو حتى القانون الدولي الإنساني؛ فإسرائيل تجبر اللاجئين الأفارقة على الانضمام لجيش الاحتلال مقابل الحصول على ميزات اجتماعية، وهم الذين تمَّت معاملتهم بعنصرية شديدة، وتم رفض وجودهم وترحيلهم قسريًّا إلى دول غير دولهم في مخالفات واضحة لحقوق الإنسان([7]).
كيف تستغل إسرائيل اللاجئين الأفارقة؟
منحت إسرائيل حماية مؤقتة لمعظم طالبي اللجوء بمنحهم حق عدم الترحيل، لكن دون توفير الوصول إلى الخدمات الطبية والاجتماعية. وتعتبر الطريقة الوحيدة التي تمنحهم حق الوصول إلى تلك الخدمات هي الحصول على عمل، لكن إسرائيل وضعت حواجز دون ذلك؛ فقد صدر قرار حكومي في عام 2022م يمنع طالبي اللجوء من العمل سوى في قطاعات البناء والزراعة والرعاية والمطاعم، ويحظر عليهم امتلاك شركات، وفي ذلك تناقض واضح مع حقوق المهاجرين اليهود الذين يدخلون البلاد؛ حيث تنظر الحكومة الإسرائيلية إلى طالبي اللجوء بكونهم تهديدًا ديموغرافيًّا للدولة، وأن الهدف الأساسي للدولة أنها دولة يهودية.
دفعت الأسباب السابقة اللاجئين الأفارقة لمحاولة الالتحاق بعمل رسمي تابع للدولة، حتى لو كان الانضمام إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ للحصول على المميزات التي تم حرمانهم منها، وبالرغم من أن طالبي اللجوء إلى إسرائيل واجهوا تمييزًا عنصريًّا؛ إلا أن التطور الأخير الذي يسمح بتجنيدهم مقابل تقنين الأوضاع يُعدّ تصعيدًا خطيرًا لوضعهم القانوني غير الآمن، وقد أرسلت المنظمات الإسرائيلية غير الحكومية إلى وزير الحرب الإسرائيلي أن هذه نقطة غير أخلاقية؛ حيث فرَّ معظم هؤلاء اللاجئين من الموت في بلادهم ليواجهوه مرة أخرى في بلدٍ يرفض تسوية أوضاعهم([8]).
دوافع إسرائيل لتجنيد الأفارقة:
1- إعلان حالة التعبئة العامة
شكَّل تجاوز الحرب الإسرائيلية على غزة لعامها الأول عبئًا كبيرًا على كلا الطرفين بالنسبة لإسرائيل؛ فإن إعلان التعبئة العامة وتعبئة ما يزيد عن 360 ألف مقاتل جعل الضغط على الجبهة الداخلية متشابهًا إلى حدّ كبير بالضغط الذي سببته حرب أكتوبر 73؛ من حيث الزيادة الملحوظة في أعداد جيش الاحتلال الإسرائيلي، مما كان له آثار اقتصادية واجتماعية كبيرة؛ حيث أثَّرت الحرب على أعداد المهاجرين اليهود من إسرائيل بنسبة 285%؛ فقد غادر إسرائيل في أول ستة أشهر من الحرب 12300 شخص، ووصلت الأعداد التي غادرت إسرائيل حتى مارس 2024م إلى 30 ألف مهاجر؛ خوفًا من ويلات الحرب على قطاع غزة، وأدى ذلك إلى انتشار الخوف بين الإسرائيليين، وعدم الشعور بالأمان الذي يُعدّ من أهم أولويات الحكومة الإسرائيلية التي تحاول تعويض ذلك بتجنيد المرتزقة الأفارقة لتعويض الخسائر من الإسرائيليين وعدم السماح بتجنيد المزيد منهم([9]).
2- اشتعال الرأي العام الإسرائيلي
هاجمت حماس المستوطنات الحدودية الإسرائيلية في يوم السابع من أكتوبر من العام الماضي، الأمر الذي نتج عنه قتل ما يقرب من 1200 إسرائيلي، واحتجاز ما يقرب من 248 أسيرًا إلى الأراضي الفلسطينية، مما أثار الجبهة الداخلية لإسرائيل بشكل كبير، وبدأ أهل كلٍّ من المختطفين والقتلى في التظاهرات غير السلمية التي أشعلت الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وازدادت التوترات الداخلية بعد وصول القتلى الإسرائيليين إلى 1706 قتلى، نتيجة الحرب على غزة؛ إلا أن تلك الأرقام تُعتبر غير حقيقية وغير رسمية، هذا الغموض يثير غضب ذوي المجندين والمختطفين([10]).
وقد أدَّى الاستمرار في الحرب إلى زيادة أعداد المجندين، ووصل الأمر إلى استدعاء المعفيين من التجنيد، مما أثار الجبهة الداخلية؛ فقد اقتحم عشرات المتظاهرين قاعدة عسكرية بالقرب من تل أبيب اعتراضًا على سياسة التجنيد التي طالت حتى المتشددين دينيًّا (الحريديم)، وتجنيد طلاب المعاهد الدينية بعد تعديل المحكمة لقانون التجنيد، وقد انضم للمظاهرات أعداد أخرى من الإسرائيليين؛ لرفضهم الحرب على قطاع غزة، واتهامهم لرئيس وزراء إسرائيل بأنه أحد الأسباب التي أدَّت إلى فقدان الأمن في إسرائيل، وتظاهر العديد أمام منزل رئيس الوزراء في محاولة لإقالته من منصبه، ومحاكمته. وأدى هذا الزخم إلى إطالة أمد الحرب على قطاع غزة في مناورة من رئيس الوزراء الإسرائيلي للفرار من المحاكمة([11]).
3- الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية
أدَّت الحرب على قطاع غزة إلى ازدياد النفقات العسكرية التي من المتوقع أن تصل إلى 180 مليار شيكل حتى نهاية 2024م، بدون المساعدات الأمريكية، وقد ازدادت نسبة العجز في الميزانية من 2% إلى 8% عام 2024م؛ بسبب تكاليف الحرب الباهظة، وتوقف الإنتاج؛ نتيجة إعلان التعبئة العامة لمدة عام تقريبًا، وقد انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي نتيجة انخفاض النمو الاقتصادي في عام 2024م إلى 0.5% مقابل 2% عام 2023م؛ فقد أدى استدعاء 8% من العاملين بالأسواق المحلية إلى التأثير على النشاط الاقتصادي الإسرائيلي، مما أوجب تعويض هؤلاء بمرتزقة يحصلون على مرتبات منخفضة نسبيًّا يحلون محل الإسرائيليين حتى عودتهم إلى أعمالهم أو إيقاف تجنيد المزيد من الإسرائيليين، مما جعل الأفارقة هم الفئة المناسبة لذلك، وخاصةً اللاجئين الذين تحاول إسرائيل التخلص منهم([12]).
4– اتساع رقعة الحرب
أدَّت المجازر المتعددة التي قام بها جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى استفزاز العالم بشكل عام، وانطلقت تظاهرات مناهضة لإسرائيل في معظم عواصم العالم ترفض الأعمال غير الأخلاقية التي تقوم بها إسرائيل، إلى أن بدأ حزب الله اللبناني توجيه ضربات إلى إسرائيل التي تتحرش به منذ بداية الحرب على قطاع غزة؛ حيث استمرت إسرائيل بالتصعيد وصولًا إلى هجوم بري في آخر شهر سبتمبر من العام الجاري، مما زاد من الضغوط العسكرية التي تنتج عن الحرب الإسرائيلية في اتجاهين مختلفين؛ الأمر الذي يتطلب زيادة القوة البشرية لصالح جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي قد يضطر إلى حشد المزيد من الجنود مُشكِّلًا ضغطًا بشكل أكبر على الشأن الداخلي الإسرائيلي، مما استدعى تدبير بدائل للقوى البشرية الإسرائيلية أقل تكلفة مالية، وتتسبب في زيادة التوترات الداخلية([13]).
استمرت إسرائيل في الأعمال العسكرية التي قد تؤدي إلى اشتعال الحرب في الشرق الأوسط بعد انتهاكها لحقوق الدول واغتيال رئيس حركة حماس في إيران، وإعلان مسؤوليتها عن ذلك بشكل يخالف القواعد والقوانين الدولية، واستكمالًا لسلسلة الاغتيالات؛ قامت باغتيال حسن نصر الله زعيم حزب الله في لبنان، والمؤيَّد من إيران؛ مما دفع إيران إلى توجيه هجمات صاروخية ضد العمق الإسرائيلي في الأول من شهر أكتوبر، مما قد يزيد من دائرة الحرب بعد التضامن الأمريكي مع إسرائيل الذي يُشكّل دافعًا لإسرائيل للأخذ بالثأر من إيران، وهو ما يُشكّل ضغطًا كبيرًا على الجيش الإسرائيلي، وبالتالي يصل الضغط إلى الجبهة الداخلية المشتعلة التي قد تؤدي إلى تأثير متزايد على استغلال المرتزقة في حالة الدخول في حرب برية أخرى.
5– عدم رد الاتحاد الإفريقي
تضامنت العديد من الدول الإفريقية مع غزة بعد الانتهاكات التي تعرَّضت لها على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، وصلت إلى لجوء جنوب إفريقيا إلى المحكمة الدولية لمواجهة العنصرية التي تعامل بها إسرائيل المدنيين في قطاع غزة، وقد أدان الاتحاد الإفريقي الجرائم الإسرائيلية؛ إلا أنه وقف أمام تجنيد الأفارقة لسد فجوة العمالة في إسرائيل دون تحريك ساكن؛ فالإدانة التي تُوجَّه للجرائم الإسرائيلية عمل أخلاقي للاتحاد الإفريقي؛ إلا أنه ترك الأفارقة فريسة للاستغلال الإسرائيلي، وحذت بعض الدول الإفريقية حذو الاتحاد الإفريقي، بل إن هناك دولاً أيَّدت ذلك مما دفع إسرائيل لتجنيد الأفارقة للعمل كمرتزقة تحت سمع وبصر الدول الإفريقية والاتحاد الإفريقي دون التدخل بأيّ شكل من الأشكال سوى من جنوب إفريقيا التي أكَّدت على مواطنيها الذين سيعملون مرتزقة في الكيان أنه سيتم ملاحقاتهم قانونيًّا حال عودتهم إلى بلدهم.
الخاتمة:
بالنظر إلى تاريخ إسرائيل منذ فرضها على العرب، نجد أنها دولة لا تستطيع العيش في سلام، ودائمًا ما تفتعل الحروب، وتتسبب في توترات مستمرة في الشرق الأوسط، وخاصةً بعد الدعم اللامحدود الذي تتلقاه من الولايات المتحدة الأمريكية؛ الأمر الذي يجعل منها أكثر الدول انتهاكًا للقانون الدولي وحقوق الإنسان.
ويُعدّ تجنيد المرتزقة أحد الأعمال غير الأخلاقية، خاصةً أن إسرائيل تستغل الأفارقة لقتل المدنيين في قطاع غزة للحصول على وضع قانوني يسمح لهم بالحصول على الامتيازات التي تُقدَّم لليهود المهاجرين إلى إسرائيل، ويتم ذلك دون رد فعل مناسب من الدول الإفريقية؛ وقد يتسبّب ذلك في توتر العلاقات العربية الإفريقية فيما بعد.
………………………….
[1] – Mike Wagenheim , From Africa to Israel to Nowhere , thecairoreview (American University in Cairo, Feb 2018) https://www.thecairoreview.com/essays/from-africa-to-israel-to-nowhere/ .
[2] – African Migrants & Asylum Seekers , standwithus (California, United States ) https://www.standwithus.com/factsheets-african-migrants .
[3] – Lisa Vives , Israel Recruits African Youth for Farmwork Amidst Ongoing War , indepthnews (Berlin, Germany , November 2023 ) https://indepthnews.net/israel-recruits-african-youth-for-farmwork-amidst-ongoing-war/ .
[4] – Victor Oluwole , Israel continues to recruit thousands of young Africans for farm work amid ongoing war with Hamas , africa.businessinsider (Kenya , February 2024 ) https://africa.businessinsider.com/local/markets/israel-continues-to-recruit-thousands-of-young-africans-for-farm-work-amid-ongoing/6y8p7cq .
[5] – Hilary Heuler , Israel, Uganda Discuss Deal for African Asylum Seekers , reliefweb ( united state , Sep 2023 ) https://reliefweb.int/report/israel/israel-uganda-discuss-deal-african-asylum-seekers .
[6] – Martin K.N Siele , Israel is recruiting Africans to plug its farm work shortage , semafor (Washington, District of Columbia , Dec 2023 ) https://www.semafor.com/article/12/08/2023/africa-israel-worker-shortage .
[7] – IOF recruiting African refugees for Gaza war in exchange for residency , almayadeen (Beirut, Lebanon , Sep 2024 ) https://english.almayadeen.net/news/politics/iof-recruiting-african-refugees-for-gaza-war-in-exchange-for .
[8] – Jessica Buxbaum , How Israel is exploiting African asylum seekers to fight in Gaza , newarab ( London , England , September, 2024 ) https://www.newarab.com/analysis/after-nasrallahs-killing-what-will-israel-do-next-lebanon .
[9] – ToI Staff , Data shows post-Oct. 7 emigration surge from Israel, which has since stabilized , timesofisrael ( Israel . 19 July 2024 ) , https://www.timesofisrael.com/data-shows-post-oct-7-emigration-surge-from-israel-which-has-since-stabilized/ .
[10] – Casualties of the Israel–Hamas war , Wikipedia ( united states , may 2024 ) https://en.wikipedia.org/wiki/Casualties_of_the_Israel%E2%80%93Hamas_war .
[11] – Ultra-Orthodox protesters break into Israeli army base , voanews , ( united state , August,2024 ) https://www.voanews.com/a/ultra-orthodox-protesters-break-into-israeli-army-base-/7732529.html .
[12] – David Brodet , Israel Under Fire – The Israeli Economy during the October 7, 2023 War and Its Aftermath , Jerusalem Center for Security and Foreign Affairs , ( israel , September 25, 2024 ) https://jcpa.org/article/the-israeli-economy-during-the-october-7-2023-war-and-its-aftermath/ .
[13] – ruth sharlok & Rebecca rosman , Lebanon’s government urges international community for support amid Israel’s invasion , npr ( united state , October 1, 2024 ) https://www.npr.org/2024/10/01/nx-s1-5134606/lebanon-israel-invasion-hezbollah-international-support .