الأفكار العامة:
– انتخاب الأعضاء الجدد للمجلس الشعبي الوطني في غينيا بيساو في 24 نوفمبر القادم في أعقاب حلّه من رئيس الجمهورية، أومارو سيسوكو إمبالو، في ديسمبر 2023م، وهو القرار الثاني من نوعه منذ وصوله إلى الحكم.
– الحد الأدنى من التوافق حول المؤسسات الانتخابية يُجنِّب البلاد تفاقم عدم الاستقرار السياسي.
– تذرّع الرئيس بالأزمة بين الحرس الوطني والقوات الخاصة التابعة للحرس الرئاسي لحلّ البرلمان هذه المرة
– كما استند إلى رفض المجلس رفع الحصانة البرلمانية عن بعض النواب (بمن فيهم دومينغوس سيمويس بيريرا) لحلّه في المرة السابقة.
– ثمة مخاوف مثيرة من احتمال عدم اعتراف بعض الأحزاب بالرئيس نتيجة الشلل الذي أصاب المحكمة العليا، وهي الهيئة القضائية المسؤولة عن تلقي الترشيحات والمصادقة عليها، والتحقق من النتائج النهائية للانتخابات وإعلانها.
بقلم: بولين موريس توبان*
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
إن وجود حدّ أدنى من التوافق حول المؤسسات الانتخابية من شأنه أن يُجنِّب البلاد حالة تفاقم عدم الاستقرار السياسي, ومن هنا يثار الجدل بشأن انتخاب الأعضاء الجدد للمجلس الشعبي الوطني في غينيا بيساو (الجمعية الوطنية الشعبية) في 24 نوفمبر المقبل.
وعلى الرغم من أن هذه الانتخابات، التي يُتوقع منها أن تُسهم عادةً في إرساء الديمقراطية والاستقرار السياسي في البلاد، إلا أنها تُنظَّم مِن قِبَل مؤسسات فقدت شرعيتها. وبالإضافة إلى التوترات السياسية المتصاعدة في السنوات الأخيرة، فإن هذه الانتخابات تُهدِّد بمزيد من الهشاشة المؤسسية في غينيا بيساو.
ويجري تنظيم هذه الانتخابات في أعقاب قرار رئيس الجمهورية، أومارو سيسوكو إمبالو، المثير للجدل، بحلّ الجمعية الوطنية الشعبية في ديسمبر 2023م. علمًا بأن ائتلافPAI-Terra Ranka بزعامة الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر، كان يهيمن على البرلمان بعد فوزه بالأغلبية المطلقة بـ54 مقعدًا من مقاعد الحزب الوطني الإفريقي البالغ عددها 102 مقعد في الانتخابات التشريعية التي جرت في يونيو 2023م.
ويبدو أن الدافع وراء قرار الحلّ الأخير -وهو القرار الثاني من نوعه منذ وصول إمبالو إلى سدة الحكم- هو الرغبة في وضع حدٍّ للوضع السياسي الذي يَحُدّ من هامش المناورة المتاح للرئيس في ممارسة السلطة، على غرار ما حدث في مايو 2022م.
الانتخابات في غينيا بيساو: هل تنظَّمها مؤسسات فاقدة للشرعية؟
كانت الاشتباكات التي وقعت بين عناصر من الحرس الوطني والقوات الخاصة التابعة للحرس الرئاسي، والتي وصفها الرئيس بأنها محاولة انقلاب، بمثابة ذريعة لحل الجمعية الوطنية؛ بينما تم الحلّ السابق استنادًا إلى رفض رفع الحصانة البرلمانية عن بعض النواب، بمن فيهم رئيس الحزب الشعبي العام دومينغوس سيمويس بيريرا. وفي الفترة التي تسبق التصويت، تُهدّد أوجه القصور المؤسسية والتوترات السياسية حُسْن سير العملية الانتخابية.
ويتعلق الإخفاق الأول بالطبيعة غير الشرعية للجنة الانتخابية الوطنية المسؤولة عن تنظيم العملية الانتخابية والإشراف عليها؛ فرئيسها وأعضاء أمانتها التنفيذية، الذين انتهت فترة ولايتهم في أبريل 2022م، لم يتم تجديد ولايتهم حتى الآن.
ولا يزال هذا الوضع المؤسسي الشاذّ قائمًا؛ بسبب غياب الإرادة السياسية التي تدعمها الرغبة الواضحة لدى مَن هم في السلطة في السيطرة على المؤسسة، وبسبب عجز المجلس الوطني الانتخابي الذي أصابه الشلل بسبب الحلّ المتتالي، عن انتخاب رئيس وأعضاء الأمانة التنفيذية للمجلس الوطني الانتخابي.
وفي ظل عدم وجود مجلس وطني فعَّال، يمكن أن يأتي الحل من اللجنة الدائمة التابعة له، وهي الهيئة الوحيدة الفاعلة في البرلمان القادرة على انتخاب أعضاء المجلس الوطني الانتقالي. غير أن هذه اللجنة مُنِعَت من الاجتماع مِن قِبَل الحكومة التي قرَّرت أيضًا استبدال الرئيس الحالي للمجلس الوطني الشعبي (ANP) دومينغوس سيمويس بيريرا بنائبة الرئيس، أدجا ساتو كامارا، وهي أيضًا من حلفاء رئيس الجمهورية.
احتمال عدم اعتراف بعض الأحزاب بالرئيس بعد انتهاء ولايته في فبراير المقبل:
أما القصور الرئيسي الثاني فيتعلق بالشلل الذي أصاب المحكمة العليا، نتيجة صراع اللاعبين السياسيين على السيطرة عليها، وذلك بهدف الترتيب للانتخابات المقبلة. فالمحكمة العليا في غينيا بيساو هي الهيئة القضائية المسؤولة عن تلقي الترشيحات والمصادقة عليها، والتحقق من النتائج النهائية للانتخابات وإعلانها. وهي مسؤولة أيضًا عن تسوية المنازعات الانتخابية. ورغم ذلك، فمنذ الاستقالة القسرية لرئيسها السابق خوسيه بيدرو سامبو في نوفمبر 2023م، تعاني المحكمة العليا من خلل وظيفي، مما يمنعها من أداء دورها بشكل كامل.
ومن بين قضاة المحكمة العليا الـ12 الذين من المقرر أن ينظروا في المسائل الانتخابية، يخضع 6 قضاة لإجراءات تأديبية بدأها نائب الرئيس السابق، القاضي ليما أندريه، الذي يعمل حاليًا كرئيس مؤقت. ولا يمكن لهؤلاء القضاة الموقوفين عن العمل المشاركة في الجلسات. وعليه، بما أن المحكمة لا يتوفر لديها النصاب القانوني المطلوب للانعقاد والتداول وهو 7 قضاة، فلن تتمكن من تلقي الترشيحات أو المصادقة عليها، ناهيك عن إعلان نتائج الانتخابات.
ومن أجل التغلب على هذه العقبة، أنشأ رئيس المحكمة العليا بالنيابة لجنة فنية مخصَّصة للإشراف على عملية التحقق من صحة الترشيحات. ولن تكون هذه اللجنة فعَّالة إلا إذا حظيت بدعم اللاعبين السياسيين المعنيين.
وبالإضافة إلى إثارة الشكوك حول العلاقة الشخصية بين الرئيس إمبالو والقائم بأعمال رئيس المحكمة، فإن إنشاء هذه اللجنة يُشكّل خرقًا للتشريعات التي تحكم تنظيم وعمل المحكمة ودورها في العملية. وعلاوة على ذلك، فإن أيّ رفض من المحكمة لترشيح قادة المعارضة يمكن أن يُفسّر على أنه أمر سياسي لإقصاء خصوم الرئيس في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة المقرر إجراؤها هذا العام. خاصةً في السياق الذي أعلن فيه إمبالو أنه لن يحل محله خصومه الرئيسيون، سواء دومينغوس سيموس بيريرا، أو نونو غوميز نابيام أو برايما كامارا.
العلاقة بين تأجيل الانتخابات التشريعية وتصحيح الخلل في أداء المؤسسات الانتخابية:
لا تستوفي اللجنة الوطنية للانتخابات ولا المحكمة العليا الشروط القانونية لتنظيم الانتخابات التشريعية المقبلة والإشراف عليها. ولتفادي تحوُّل هذا الخلل المؤسسي إلى مصدر توتُّر يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأزمة السياسية؛ يتعين على رئيس الجمهورية أن يشرع في إجراء مناقشات مع الأطراف السياسية والمؤسسية الفاعلة بهدف التوصل إلى توافق واسع النطاق لاستعادة الوضع المؤسسي الطبيعي. ويكتسي هذا الأمر أهميةً كبرى؛ لأن الجدل حول نهاية فترة ولايته وموعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو أيضًا مصدر للتوتر، لا يزال محتدمًا.
وفي الواقع، عقب تولي الرئيس الحالي منصبه في 27 فبراير 2020م، أعلنت بعض الأحزاب السياسية المعارضة بالفعل أنه لن يتم الاعتراف برئاسة الرئيس الحالي بعد 27 فبراير 2025م، وهو التاريخ الذي تنتهي فيه فترة ولايته الدستورية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات يتعين على المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، الضامنة لعملية تحقيق الاستقرار في البلاد، التدخل لتهيئة الظروف لإجراء انتخابات سلمية وذات مصداقية. ولهذه الغاية، يمكن النظر في خيار الجمع بين الانتخابات التشريعية والرئاسية في موعد لاحق يتَّفق عليه جميع أصحاب المصلحة.
ومن شأن تأجيل الانتخابات التشريعية أن يسمح أولًا بتصحيح الاختلالات في المحكمة العليا واللجنة الوطنية للانتخابات؛ من خلال جعل انتخاب أعضائهما شرطًا مسبقًا. ومن شأن هذا الخيار أن يضمن -بما لا يدع مجالًا للشك- حُسن سير عمل هاتين المؤسستين، ويُعزّز شرعيتهما، وكذلك شرعية القرارات التي تتخذانها. ومن شأنه أن يمنح الأطراف الفاعلة فرصة للتوصل إلى توافق في الآراء بشأن موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.
والأهم من ذلك كله، سيحول دون التشكيك في شرعية رئيس الجمهورية بعد انتهاء فترة ولايته المقررة في فبراير 2025م، وهو وضع يمكن أن يزيد من هشاشة مؤسسات البلاد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش:
*بولين موريس توبان، باحث أول، المكتب الإقليمي لغرب إفريقيا ومنطقة الساحل.
رابط المقال: