ظهر شِعْر المرأة الإفريقية المكتوب باللغة العربية قبيل وخلال فترة الاستعمار في إفريقيا الغربية؛ بفضل حركات زوايا الطرق الصوفية، لكنّه انتُشِلَ بمُضِيّ الاستعمار نتيجة أزمات تعليم المرأة التي خلَّفها الاستعمار، وبعد فترة طويلة أخذ هذا الشعر ينتعش من جديد في بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين دون أن يجد عناية كافية مِن قِبَل الباحثين.
ويهدف هذا المقال إلى التأكد من وجود هذا الشِّعر، وما يرتبط بذلك من دواعيه وبيئته ولغته وغزارته وجودته وفنونه وأغراضه، مع الوقوف على ماضيه السحيق وواقعه الحالي، والفترات التي اختفى فيها هذا الشعر، والأسباب التي أدَّت إلى ذلك، مع التركيز على شعر أسماء بنت الشيخ عثمان بن فودي.
مشكلات في مواجهة المرأة الإفريقية:
واجهت المرأة عمومًا، والمرأة الإفريقية خصوصًا، مشكلات متعددة في مسيرتها نحو الحصول على حقوقها وتحقيق طموحاتها والقيام بواجباتها؛ نتيجة الموروثات الفكرية والدينية والنظريات الاجتماعية المنحرفة، بالإضافة إلى دعاوى العولمة التي تدعو إلى الانفتاح المطلق البعيد عن طبائع المرأة الفسيولوجية، بخلاف ما رسمه الإسلام منذ ظهوره إلى الوجود.
فقد رافقت المرأة الإفريقية الرجل الإفريقي في محطات الحياة؛ حيث شهدت كل التحولات التي أصابت القارة الإفريقية جنوب الصحراء قبل دخول الإسلام وفترة دخوله، إلى أن انتشر واستقوى مع قيام الدول والممالك الإسلامية في مناطق غرب إفريقيا، مما أسهَم بشكل مباشر في بناء حضارة إنسانية قوية في العلم والتعليم والثقافة، ومع أن المرأة كانت ضمن هذه التحولات؛ إلا أن صورتها لم تتبلور بشكل يليق بالأدوار التي تقوم بها.
وبدأت صور مكافحة المرأة الإفريقية تتبلور واضحة مع قيام الدولة الفودية أواخر القرن الثامن إلى التاسع الميلاديين؛ حيث اهتمت هذه الدولة بالعلم والتعليم، بل وجمع الرجال والنساء في مكان واحد من أجل تحقيق هذه الغاية، مما أثار حفيظة بعض العلماء، فأدى ذلك إلى الحوار العلمي بين الطرفين.
نهضة المرأة الإفريقية قبيل فترة الاستعمار الأوروبي:
وقد نبغت بهذه الفترة أسماء بنت الشيخ عثمان بن فودي في العلم والتعليم وقرض الشعر العربي، بل أسَّست مدرسة خاصة وجمعية للنساء، وتبعتها في ذلك أخواتها مما أثَّر إيجابًا في نهضة المرأة الإفريقية قبيل فترة الاستعمار الأوروبي؛ إذ ظهرت أسماء بعض النساء لامعةً، وحقَّقت التواصل الثوري بين نيجيريا والسودان بناء على قيادة وتوجيهات الشيخ عثمان بن فودي. وخلال فترة استعمار السنغال استطاعت زاوية الشيخ إبراهيم نياس تخريج الكاتبة والشاعرة النابغة رقية بنت الشيخ إبراهيم الملقبة ببنت الحي([1]).
بعد خروج المستعمر الأوروبي، تقلّص اهتمام المرأة الإفريقية بالتعليم العربي والإسلامي، وتراجع دَوْرها الاجتماعي بسبب غرس الاستعمار للبذرة التحررية والأفكار النسوية التي نشرها في المجتمعات المحلية. ولم يقف الأمر عند حد المرأة فقط، بل امتد إلى كثير من الرجال، وذلك بسبب ما يحمله التعليم الحديث من الخروج على الموروثات الدينية والاجتماعية في أول ظهوره، ولم يتمّ تأسيس نظام تعليمي يستوعب التعليم الإسلامي العربي إلا بعد جهد جهيد، مما أعاد المسلمين إلى ساحة التعليم من جديد، وخاصةً التعليم الحديث بطرازه الديني، وأخذت المرأة تعود شيئًا فشيئًا ممَّا أخَّر إنجازاتها في مجال الكتابة بالعربية، ومنها الشعر العربي، فتغيَّبت عن الساحة الأدبية إلى بزوغ فجر القرن الواحد والعشرين الذي بشَّر بظهورها على الساحة من جديد.
بداية الشعر الإفريقي المكتوب باللغة العربية:
تصاحب اللغة العربية الإسلام في حلّه وترحاله؛ لكونها لغة شعائره وممارساته، تتوسَّع في حلقات التعليم والتعلم، وتنتشر كل الانتشار عندما تدخل مجال الحضارة الإنسانية، ولم تكن مناطق إفريقيا منعزلةً عن هذه المحطات، لهذا لا يمكن الجزم بأن الشعر بدأ فور دخول الإسلام إليها؛ لأنه يتصل بمجال التعليم والحضارة.
ولم يكن الشعر العربي الإفريقي معروف البداية على وجه التحديد، بل ظهر ناضجًا، كما هو الحال مع الشعر العربي الجاهلي، وذلك في القرن الثامن الميلادي في دولة غانا القديمة؛ حيث يوجد بها اثنا عشر مدرسة ومجموعة من المترجمين العرب في بَلاط الملوك، بجانب التجار العرب والبربر المسلمين([2]).
وفي القرن الحادي عشر الميلادي اكتظت بعض حواضر غرب إفريقيا بالعلماء والطلبة لدراسة العلوم الإسلامية العربية، وقد صادفْنا في القرن الثاني عشر الميلادي شعرًا تكاملت فيه الجزالة والقوة من خلال ما روي عن أبي إسحاق إبراهيم بن يعقوب الكانمي، وهو يمدح السلطان يوسف بن تاشفين([3]):
أزال حجابه عني وعيني *** تراه من المهابة في حجاب
وقرَّبني تفضُّله ولكن *** بَعُدتُ مهابةً عند اقتراب
وفي القرن الثالث عشر الميلادي ازدهر هذا الشعر بعدد من الشعراء ومتذوقيه؛ من خلال ما قام به ملك إمبراطورية مالي (منسا موسى) في أثناء عودته من الحج؛ حيث اصطحب العلماء العرب معه، ومنهم أبو إسحاق إبراهيم الساحلي الغرناطي، ويحيى عبد الرحمن الأندلسي؛ حيث ازدهرت مدينة تنبكتو بالأدب والشعر حتى القرن السادس عشر الميلادي عصر احتلال المغاربة للمدينة([4]). ومن هنا يمكن القول بأن الشعر الإفريقي العربي قد نشأ قبيل القرن الثامن الميلادي، لكنه ازدهر في القرن الحادي عشر الميلادي.
وفي أوائل القرن السادس عشر الميلادي أخذ العلماء من شمال إفريقيا ومن شرقها ومن الشرق الأوسط يَفِدُون إلى إفريقيا جنوب الصحراء عامة، وغربها خاصة، خلال فترة قيام الدول والممالك، ومنهم الشيخ عبد الكريم المغيلي التلمساني، والإمام عبدالرحمن السيوطي، والشيخ أحمد بابا التمبكتي، وبالمقابل وفد علماء المنطقة إلى البلاد المقدسة؛ طلبًا للزيادة في العلم، ورغبةً في الالتقاء بالعلماء، وبين هذه الفترة هاجر كثير من علماء مملكة سنغاي متوزعين بين مناطق غرب إفريقيا نتيجة انهيارها على يد المغاربة.
وفي القرن التاسع عشر الميلادي تأسست دولة الشيخ عثمان بن فودي بين شمال نيجيريا وجنوب النيجر وجزء من الكاميرون([5])، بهدف تجديد الإسلام وعلومه، ونالت علوم اللغة العربية، ومنها الشعر، رواجًا، حيث كان جُلّ قادة هذه الدولة شعراء، وكتبوا في موضوعات الشعر وأغراضه، فقد ظهر في هذه الفترة أول شاعرة إفريقية، وهي أسماء بنت الشيخ عثمان بن فودي.
وفي فترة الاستعمار الأوروبي تراجَع الشعر العربي الإفريقي نتيجة انتكاسة وشلل للمسيرة القومية القائمة على الخيار الذاتي والانطباع الفطري في التصرف، وكبح حرية الإنسان لتقدُّمه، ومحاولة إيقاف زحف المناطق التي اختار شعوبها الإسلام وتعاليمه دينًا ونمطًا لنظام حياتها الاجتماعية والثقافية.
وفي هذه الفترة اهتم الاستعمار بالآداب الإفريقية المكتوبة باللغات الأوروبية واللغات الإفريقية، مما أنتج مفاهيم وتوجّهات عن هذه الآداب، وأخيرًا انقلب السحر على الساحر؛ حيث استغل الأفارقة هذا الأدب -الذي عُرِفَ مع دخول الاستعمار- لإشعال نيران الثورة ضد الاحتلال ومطالبته بالخروج من البلاد الإفريقية.
ومنذ تلك الفترة ما يزال الشعر العربي الإفريقي، يتصاعد تدريجيًّا، بدايةً بالرواد ما بعد الاستقلال في دول غرب إفريقيا، ومرورًا بأواخر القرن العشرين، وانتهاءً ببداية العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين.
شِعْر المرأة الإفريقية:
لم يكن لشِعْر المرأة الإفريقية حضور بين ركام بدايات الشعر العربي الإفريقي، ولم ينقل مصدر من المصادر الأدبية أو التاريخية شيئًا عن هذا الشعر؛ إلا من خلال القرن الثامن إلى بداية التاسع الميلاديين في الدولة التي أسَّسها الشيخ عثمان بن فودي؛ إذ بدأ بالسيدة أسماء بنت الشيخ عثمان بن فودي، وليس بالسيدة رقية بنت الشيخ إبراهيم نياس السنغالية خلال فترة الاستعمار، على خلاف ما ادّعاه الباحث عامر صمب في أطروحته([6]).
ومع هذا لا يمكن الجزم بهذه المعلومات فضلاً عن أن تكون القول الفصل؛ وذلك لأن إفريقيا الغربية تكتظّ بالنفائس في العلم والتعليم والثقافة التي تستحق الاعتناء بها، وتم تجاهل هذا التراث الثري مِن قِبَل العرب والأفارقة أنفسهم؛ حيث ظل ضائعًا ومجهولاً، ولعل ما قام به الأستاذ الدكتور شوقي ضيف خير مثال على ذلك؛ إذ ألَّف سلاسل من الأدب العربي في مناطق متعددة، دون أن يتطرَّق إلى الأدب العربي في إفريقيا في إحدى سلاسله أو في باب من أبوابها، ويمكن القول بأن اهتمام المستعمر بالأدب العربي الإفريقي يكاد يفوق اهتمام غيره لغاية يسعى لتحقيقها.
شِعْر السيدة أسماء بنت الشيخ عثمان بن فودي:
تنتمي الدولة الفودية إلى جنوب النيجر وشمال نيجيريا وطرف من الكاميرون، أسَّسها الشيخ عثمان بين فودي؛ لتجديد الإسلام والدعوة إليه، ومحاربة العادات الخارجة على الإسلام. وُلِدَت هذه الشاعرة قبل تأسيس هذه الدولة بسنوات، وذلك في عام 1207م الموافق بـ1793م، في الفترة التي تعيش المرأة في عزلة عن العلم والثقافة بسبب تأثّرها بالتقاليد والمفاهيم الخاطئة، وقد تربَّت عند أبيها؛ حيث اهتم بتعليم أولاده ذكورًا وإناثًا منذ الصغر، فحفظت الشاعرة القرآن الكريم، وهي في عنفوان شبابها، وتعلمت القراءة والكتابة، وبعض العلوم الإسلامية والعربية([7]).
شاهدت الشاعرة نَفْي والدها وهي في الحادية عشرة من عمرها من بلده؛ لمعارضته ظلم السلاطين والحكام، ودعوته إلى العدل، ونشبت جراء ذلك حروب أهلية، مما أودى بآلاف القتلى بين الجانبين، وانتهت بانتصاره هو عليهم، وتأسيس دولته القوية التي مازالت آثارها باقية إلى اليوم، وهذه الحروب أسهمت في ارتفاع عدد الأرامل والنساء بلا كفيل، ما أهاج في نفسها إنشاء نظام تعليمي ينتظم فيه النساء بكل أصنافهن؛ حيث كرَّست كلّ جهودها لتحقيق ذلك بالتعاون مع والديها وإخوانها وزوجها وغيرهم، ولما تُوفِّي زوجها عام 1850م انتقلت إلى وُرْنُو، فتفرغت لتنظيم منجزات الخلافة الإسلامية في سكتو، بالإضافة إلى مواصلة خط والدها في الاهتمام بالمرأة وتعليمها، إلى أن تُوفيت عام 1283هـ الموافق لعام 1866م([8]) أو العام 1860م، عن عمر يناهز 72 عامًا([9]).
اهتمَّت الشاعرة -المُلقَّبة بخنساء إفريقيا- بفنون كتابة المقالات والأعمال الإبداعية، إلى جانب تعليم النساء، وتأسيس جمعيات نسوية ينخرطن تحتها للعلم والتعليم وخدمة المجتمع في تلك الفترة، وقد عثر منها على قرابة 60 عملًا أدبيًّا وتاريخيًّا ودينيًّا، بعدد من اللغات (العربية والهوسا والفولاتا)([10]).
ونظرًا للدور الذي قامت به لإثراء المكتبة العلمية والدينية والأدبية للنهوض بمجتمعها، وتحفيز الفتيات على التعلم؛ فقد قُدِّم عدد كبير من الدراسات والرسائل العلمية في إنتاجها الأدبي، منها “نانا أسماء 1793-1865م”، و”معلمة وشاعرة وقائدة إسلامية” (1989م) لجان بويد، و”جهاد امرأة واحدة”، و”نانا أسماء باحثة وكاتبة” لبيفرلي ماك وجان بويد (2000م)، و”ابنة عثمان دان فوديو 1793-1864م” لبويد وماك عام 1997م.
ومن أبرز إنتاجها ما يلي:
من المؤلفات النثرية: تاريخ خلافة سكتو (بالاشتراك مع زوجها)، وتبشرة الإخوان بالتوسل بسور القرآن عند الخالق المنان، وهو كتاب في بيان فضائل القرآن الكريم، وكتاب “تنبيه الغافلين”([11])، وهو كتاب في التهذيب والإرشاد([12]).
ومن قصائدها الشعرية ما يلي: دعاء ورجاء على جيش غوبير، قالت ذلك حيث عسكر الغوبير في نَدَّاوِي وهي بلد يبعد أربعة أميال من سوكتو، وبالتحديد جنوب غرب سكتو، ويمكن أن ترى نيران المعسكر من منزل جدادو زوج أسماء، وقد ذهبت نانا أسماء إلى أخيها محمد بلو فلم تجده، ولكنه ترك لها رسالة فيها آية قرآنية التي نظمت منها دعاءها، وهي في 14 بيتًا([13]).
ومن أسماء إلى معلم أحمد الموريتاني، وهي قصيدة المدح والاعتراف، ومراسلات الأشعار بين الشيخ سعد ونانا أسماء، ومدح القرآن الكريم، ومرثية الشيخ عبدالله بن فودي الأخ الشقيق لوالدها، ومرثية المعلم البخاري باللغة الفلانية، وصفت فيها شجاعته وتعليمه وعلمه وتقواه وحسن نيته؛ طبقًا لأخلاق الشيخ عثمان بن فودي([14])، ومرثية عائشة وغيرها([15]).
وقد تطرَّقت إلى فنون شعرية قديمة في لغة سهلة بسيطة قد لا تتوفر فيها الجودة الفنية، كما هو الحال مع شعراء عصرها؛ لكونهم شعراء فقهاء، قالت في مرثية عائشة بنت عمر الكم زوجة محمد بلّو:
وإني لحكم الله راضٍ وإنّـما *** أراعي بما قد قلت حق الأخوة
ولا إثم حقًّا للرثاء وقد رثى *** النبي أبو سفيان بعد الوقيعة([16])
وقالت في رثاء صديقتها:
لِفقْدِ شـيـوخٍ قـادةِ الـديـن ســـــادةٍ *** وإخـوانِنـا أخدانِ خـيرٍ ونــــــائل
وذكَّرنـي مـوتُ الـحـبـيبةِ من مضى *** مـن الأخـواتِ الصالـحاتِ العقائل
مـن الصـالحـات القـانـتـات لربِّنــا *** مـن الـحافـظاتِ الغـيب ذاتِ النوافل
فزادت همومي وانفرادي ووحشـتي *** وسَكْبُ دمـوعٍ فـوق خدِّي هـــواطل
لفقْدي لعـائشةَ الكريـمةِ يـا لهــــا *** مـن امـرأةٍ حـازت صنـوفَ الفضائل!
إلى الله أشكو من صنوف البلابل *** ثوت في سويداء لقلبي داخل([17])
تراجع شِعْر المرأة الإفريقية باللغة العربية:
لقد تراجع شِعْر المرأة الإفريقية باللغة العربية قبيل خروج الاستعمار من إفريقيا، وبعده؛ حيث ظلت المرأة الإفريقية غائبة تمامًا عن ساحة النبوغ الثقافي والتعليمي وقرض الشِّعر؛ وذلك بسبب النظام التعليمي الحديث الوافد مع ثقافة المستعمر التي تتناقض مع ثقافة المنطقة والموروث الديني والاجتماعي، فرفض المسلمون أن يُلْحِقوا أبناءهم الرجال فضلاً عن النساء بالمدارس الحديثة، لكنّ أولي الأمر من الآباء والقادة أخذوا يضغطون على المستعمر ضغطًا شديدًا بأن يُدْخِل بعض التعديلات على المناهج، مع إعطاء مساحة لمواد التعليم الديني العربي([18]).
وبالفعل استجاب المستعمر في بعض الدول الواقعة بغرب إفريقيا، مما أدى إلى إدخال هذه النظم، بالإضافة إلى فتح المدارس العربية الإسلامية في نيجيريا وما حولها، وبالمقابل قامت بعض الزوايا الصوفية والمنظمات والجمعيات بإنشاء المدارس العربية الإسلامية الخاصة على غرار التعليم الحديث، وخاصة في المستعمرات الفرنسية؛ لسد هذه الفجوة في السنغال والنيجر وساحل العاج، وغيرها. وقد أسهمت هذه الأنظمة مجتمعةً في عودة أبناء المسلمين إلى الساحة التعليمية من جديد مع قلة وجود البنات؛ لضآلة فرص الدراسة نتيجة قلة أمثال هذه المدارس.
وبعد عقد ستينيات القرن العشرين، أخذت الأوضاع تتغير إلى الأفضل، وخاصةً مع البعثات التعليمية إلى الدول العربية كالعراق والمملكة العربية السعودية ومصر العربية، بالإضافة إلى الدول العربية الواقعة في شمال إفريقيا، مما أعاد مكانة التعليم العربي عالية، وتحسَّنت الأوضاع، ومن بين وفود هذه البعثات النساء بقلة، وأخذ عددهن يزداد في أواخر القرن العشرين المنصرم، بل شرعت بصمات تعليم المرأة الإفريقية تتجلى في الكتابة بالعربية، وظهور إنتاجهن الشعري والفكري تدريجيًّا، وعلى الرغم من ذلك لم نجد شاعرة نابغة تم اعتماد أعمالها الأدبية في الدراسات الأكاديمية، ويرجع ذلك إلى طبيعة إنتاجهن؛ إذ كثير منهن لم ترقَ للشكل المطلوب، وبالمقابل لم تجد بعض أعمالهن -غير الشعر- رواجًا يتكفل بنشرها.
وبطلوع نجم القرن الواحد والعشرين وصعود العقد الأول إلى أواخر العقد الثاني منه، ازداد عدد النساء الذاهبات إلى المدارس الثانوية العربية والجامعات في داخل إفريقيا وخارجها مع إتقانهن كثيرًا من فنون اللغة العربية، بالإضافة إلى ظهور النوادي الأدبية في المدارس الثانوية والجامعات، مما جعل شعر المرأة يعود إلى الساحة من جديد، وعلى الرغم من أنه يُقابل باللامبالاة والتجاهل في الأوساط الإفريقية، لكنه ما زال يتصاعد إلى القمة، حتى الباحثات الإفريقيات لم يكن لهن اهتمام بهذا الشعر، ويؤكد هذه النتيجة ما قام به الباحثان في محاولة جمع أكبر قدر من هذا الشعر، لكنهما أُصيبا بصدمة لقلة الاهتمام به.
والجدير بالذكر أن مرحلة الليسانس هو مرحلة النضوج الشعري لكثير من الشاعرات الإفريقيات؛ نظرًا لسيرتهن الذاتية، وقد كان للنوادي الأدبية دور لا يُستهان به في تنمية هذا النضوج، ومن أهم هذه النوادي، نادي السنغال الأدبي والنيجيري، وجمعية سحرة البيان، وعلى الرغم من الفترة القصيرة من ظهور هذه النوادي، لكنها استطاعت أن تُحقِّق مكسبًا كبيرًا للشعراء عامة وللشاعرات خاصة([19]).
ومما يبدو أن الشاعرات النيجيريات من أكثر الشاعرات الإفريقيات كثرةً وجودةً في قول الشعر، وعلى الرغم من الجهود المبذولة للحصول على عدد كبير من الشاعرات الأخريات في باقي دول غرب إفريقيا فلم نجد إلا نصوصًا من ثلاث شاعرات فقط، واحدة من السنغال وأخرى من غامبيا، ومن مالي أيضًا.
ومن خلال النصوص الشعرية التي تم الحصول، يُلاحظ بأن شعر المرأة الإفريقية تطور من حيث الكثرة والجودة، والصياغة والمضمون، والفنون والأغراض، ومن حيث الكثرة والجودة فقد كان لبعضهن دواوين شعرية.
الخاتمة:
مما سبق يتضح أنه كان هناك إنتاج شِعْري للمرأة الإفريقية مكتوب باللغة العربية قبيل وخلال فترة الاستعمار إلا أنه قليل الجودة، وأن أزمات التعليم التي خلَّفها الاستعمار في إفريقيا لها دور كبير في تراجع شِعْر المرأة الإفريقية المكتوب بالعربية بعد الاستقلال، وحاليًّا هناك شاعرات إفريقيات تجيد قول الشعر العربي لا يقل جودةً عن شعر الرجال.
ومن ثَم فإني أرى أن على الباحثين المهتمين بشِعْر المرأة الإفريقية المكتوب باللغة العربية القيام بعدة دراسات يمكن من خلالها اكتشاف المرأة الإفريقية من جديد؛ من خلال التعرُّف على معاناتها في الماضي والحاضر وطموحاتها في المستقبل، مع تشجيع إبداعاتها الأدبية (شعرًا ونثرًا) للمرأة الإفريقية؛ من خلال إشراكها في نشاطات النوادي والمؤسسات التي تعتني بتنمية هذه الإبداعات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
[1] . انظر عامر صمب، الأدب السنغالي العربي (أ،د) الهدية السنغالية من المرجان في العقود الأدبية للعربان، للشركة الوطنية للنشر والتوزيع، ج2، ص 147.
[2] . انظر: أ،د، كبا عمران، واقع الأدب العربي في الغرب الإفريقي، أعمال المؤتمر الدولي السابع للغة العربية، ص:161
[3] . انظر: محمد شريف، إبراهيم الكانمي، أنموذج مبكر للتواصل الثقافي بين المغرب، منشورات معهد الدراسات الإفريقية بالرباط، ص: 12.
[4] . انظر: آدم عبد الله الألوري، الإسلام في نيجيريا والشيخ عثمان بن فوديو، ط:2، 1971م، ص:23 وما بعدها.
[5] . علي غانم الهاجري، أسطورة إفريقيا وعالمها الشيخ عثمان بن فودي، منشورات ضفاف، ط1، ص 30.
[6]. انظر عامر صمب، الأدب السنغالي العربي (أ،د) الهدية السنغالية من المرجان في العقود الأدبية للعربان، المرجع السابق، ج2، ص 143.
[7]. وقد أورد الشيخ عثمان بن فودي قصة في كتابه “إرشاد أهل التفريط والإفراط” كمثال لما كان يجري بين نساء المسلمين آنذاك، تقول القصة: مر رجل بإحدى النسوة كانت تصلي وتسبح بعد الصلاة، فأعطاها زكاة فطرته، فطلبنا منه أن يستردها منها لأنها تعبد على جهل، ولا تريد التعليم، فسألناها له: من خلق الكون؟ قالت: أليس محمدًا، وأن الله قد ولد محمدًا، فحاولنا أن نشرح لها فأصرت على رأيها متهمة الجميع بالجهل. راجع: بوبكي سكينة، (2010م) الحركة العلمية بالهوسا في السودان الغربي خلال القرن 19، بحث مقدم إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قسم الحضارة الإسلامية، الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، للحصول على شهادة الماجستير، ص117.
[8] انظر: بوبكي سكينة، المرجع السابق، ص 118.
[9]. راجع: أبّو سليمانو، الدكتور، (2021م) نانا أسماء فودي، الفقيهة المجاهدة وخنساء الأدب النيجيري، مقالة على الموقع: www.wameedalfikr.com, 51.
. مقال بعنوان: أسماء بنت عثمان بن فودي الأدبية المربية ورائدة تعليم النساء في نيجيريا، المرجع السابق، ص2[10]
. علي أبو بكر، الدكتور، (2014م) الثقافة العربية في نيجيريا، طــ2، دار الأمة للطبع والنشر والتوزيع، صــــ332[11]
[12]. محمد خير رمضان يوسف، (1421-2000م) المؤلفات من النساء ومؤلفاتهن في التاريخ الإسلامي، ط2، دار ابن حزم، للطباعة والنشر التوزيع، بيروت لبنان، ص98.
[13] انظر: بوبكي سكينة، مرجع سابق، ص118.
[14] انظر: المرجع نفسه، ص118.
سالو الحسن، باحث بجامعة نيامي –النيجر، المرجع السابق ص3 [15]
[16] المرجع نفسه ص3.
[17]. انظر: سالو الحسن، المرجع السابق صـــــ3، وشيخو أحمد سعيد غلادنثي، الدكتور، (1993م) حركة اللغة العربية وآدابها في نيجيريا، طــــ2، المكتبة الإفريقية، صـــ115.
[18] . انظر، شيخو غلادنثي، حركة اللغة العربية في نيجيريا، المرجع السابق، ص 138.
[19] . انظر: بحث أمين يهوذا بعنوان، جائحة كورونا وتعزيز التواصل الرقمي بين العرب والأفارقة، مقدم بمؤتمر جامعة الاستقلال غزة بتاريخ، 7-8/ 3/ 2023م.