نِهاد محمود
باحثة دكتوراه بكلية الدراسات الإفريقيّة العُليا- جامعة القاهرة
مُقدِّمَة:
في ظل تصاعد الدور الحيوي الذي يلعبه المجتمع المدني ومنظماته داخل بلدان القارة الإفريقيّة، وتحديدًا في إفريقيا جنوب الصحراء؛ يجد المتتبِّع لهذا المسار، أنه بالرغم من قيامه بهذا الدور المهم؛ إلا أن ذلك لم يمنع تعرُّض المجتمع المدني لاختبارٍ لم يسبق له مثيل؛ من خلال سلسلة من الأزمات المتعددة والمتسارعة، كان أبرزها العمل وسط صراعات وممارسات من القمع، على نحوٍ متزايدٍ، في بيئات عمل تُصَنَّف كواحدةٍ من أكثر بيئات العالم التي تتجلى بها الضغوط والصعوبات، لمثل هذه الكيانات، كالكثير من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
وفي عام 2023م على وجه التحديد، واجَه المجتمع المدني عقبات متصاعدة جعلت من الصعب عليه القيام بعمله الأساسي المتمثل في تقديم الدعم والمساعدات لمواطني القارة الأشد احتياجًا، والأكثر تأثرًا بالصراعات، بما في ذلك الإنصات لأصواتهم ودعم حقوقهم (السياسية- الإنسانية- المناخية)، لا سيّما في المناطق الأكثر عُرضَة للأزمات والاضطرابات، كبلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
لكن بالرغم من ذلك، لا يزال المجتمع المدني قادرًا على الصمود وإحداث الفارق للكثيرين، ولا يزال مصدرًا لا غِنَى عنه للوصول إلى مثل هذه الأزمات المستعصية ومحاولة تقديم الدعم.
نعم العالم الآن يشهد أوضاعًا بالغة السوء، لكنَّ الوضع كان سيصبح أسوأ كثيرًا لو غاب المجتمع المدني تمامًا عن المشهد، وخصوصًا المشهد الإفريقي وأزماته غير المتوقفة، وهو ما يعني أن الطريق للخروج من مثل هذه الأزمات (السياسية- الاقتصادية- المناخية)، يستلزم الاستماع إلى المجتمع المدني، والعمل معه، وتمكينه ببعض الملفات، ولا سيما مِن قِبَل الحكومات الإفريقيّة، التي لا تتوانى في الكثير من الأحيان عن وضع مزيد من القيود والعراقيل لإعاقة الكثير من المهام والأهداف التي ترغب منظمات المجتمع المدني في تحقيقها.
بناءً على ما تقدّم يحاول هذا المقال قراءة موقع المجتمع المدني ومنظماته وبيئة عمله، وما يواجهه من تحديات وصعوبات، بالتركيز على منظمات المجتمع المدني الناشطة في إفريقيا، وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء على وجه التحديد، وفقًا للمؤشِّر العالمي الذي يرصد حالة المجتمع المدني في العالم ككل (مؤشِّر حالة المجتمع المدني لعام 2024م)، لكن قبل ذلك نتطرق إلى مفهوم المجتمع المدني (المدلول في المنظور الإفريقي ونشأته وتطوره إفريقيًّا)، ومهامه ذات الصلة باحتياجات ومتطلبات القارة، ثم نذهب لقراءة وضعيّة منظمات المجتمع المدني، وفقًا لمؤشِّر حالة المجتمع المدني لعام 2024م “2024 State of Civil Society Report”، في نسخته الثالثة عشرة الصادرة في مارس 2024م، والذي يصدر سنويًّا من خلال منصة التحالف العالمي للمجتمع المدني “CIVICUS”، بمقرها بجوهانسبرج، المدينة الجنوب إفريقيّة.
تأسيسًا على ما تمّ بيانه سيتم تقسّيم المقال وفقًا للمحاور التالية:
- المحور الأول: المجتمع المدني في إفريقيا… مفهومه ونشأته وتطوره.
- المحور الثاني: مؤشِّر حالة المجتمع المدني (التأسيس- المنهجيّة).
- المحور الثالث: قراءة في وضعيّة المجتمع المدني في إفريقيا جنوب الصحراء في ضوء مؤشر حالة المجتمع المدني لعام 2024م.
- خلاصة واستنتاجات.
المحور الأول:
المجتمع المدني في إفريقيا… مفهومه ونشأته وتطوره
أولًا: مفهوم المجتمع المدني “الإفريقي”
أما فيما يتعلق بالمجتمع المدني بمدلوله الإفريقي فيُعَرِّفه “ستيفن أورفيس” Stephen Orvis -أستاذ السياسات المقارنة بالتركيز على إفريقيا، في مقاله “Civil Society in Africa or African Civil Society?” المنشور في عام 2001م- بأنه مجموعة من الأنشطة الجَمعيّة التي تحكمها جملة من المعايير؛ ديمقراطية كانت أم لا، ما يُدخِل في هذا الإطار المجموعات العرقية والاثنية والسلطات التقليدية كالزعماء التقليديين وشبكات المستفيدين كجزء من المجتمع المدني. وعلى هذا فإن مجالس الكِبار بالصومال وكينيا -على سبيل المثال- تدخل في هذا الإطار تحت مظلة المجتمع المدني.
ومن ناحية أخرى يؤكد “أورفيس” على اختلاف المجتمع المدني الإفريقي عن نظيره الغربي؛ في كونه أكثر تجذّرًا وتمثيلًا للمجتمع الإفريقي، ولكنه أقل ديمقراطية على مستوى الروابط والعلاقات الداخلية، وكذلك أقل احتمالًا لدعم الديمقراطية نتيجة لطبيعة البيئة الإفريقية.([1]) أما “ميشيل براتون” Michael Bratton أستاذ العلوم السياسيّة والدراسات الإفريقيّة، فقد رأى أن المجتمع المدني في إفريقيا يشير إلى ظهور أنماط جديدة من المشاركة السياسية خارج هياكل الدولة الرسمية وأنظمة الحزب الواحد.([2])
بشكل عام يمكن القول: إن المتخصصين قد حاولوا تكييف مفهوم المجتمع المدني ذي الأصول الغربية داخل القارة الإفريقية؛ فعملوا على تجريده من التنميط الغربي وما يتضمنه من قِيَم ومضامين غربية لا تلائم الواقع الإفريقي، وذلك على نحو يُكيِّف المفهوم وفقًا للسياق الإفريقي بما فيه من تعددية ثقافية وإثنية ولغوية ودينية… إلخ، وذلك من أجل وضع أساس جيد للعلاقة بين الدولة والمجتمع المدني على نهج يتفق والإرث التاريخي والثقافي… إلخ، للمجتمعات الإفريقية شديدة الثراء والتنوع.([3])
ثانيًا: نشأة وتطور المجتمع المدني في “السياق الإفريقيّ”:
في البداية كانت المجتمعات الإفريقية في المراحل السابقة على الاستعمار، وكذلك لسنوات بعد الاستقلال لا تمتلك سوى عددٍ قليل من المنظمات الوسيطة التي تَشغل حيزًا سياسيًّا بين الأسرة والدولة. ومع ذلك، عند الفحص الدقيق، يمكن أن نتلمَّس وجود بعض المؤسسات الثقافية والدينية التي كانت تُعبِّر عن بعض المشتركات الجماعية -مثل العشيرة، أو الفئة العمرية، أو الأُخوة-، والتي لا يزال أهل الريف يمنحونها الولاء. بالإضافة إلى ذلك، بنى الأفارقة أشكالًا جديدة من الجمعيات التطوعية استجابةً للآثار بالغة السوء التي لحقت بهم خلال الفترة الاستعمارية. في بعض الأحيان كانت بمثابة أشكالًا مُحدَّثة من التضامن غير الرسمي القديم (مثل جمعيات الرعاية الاجتماعية العرقية، وأحزاب العمل الزراعي)؛ وفي حالات أخرى، عبَّرت عن هويات مهنية وطبقية جديدة (حركات الفلاحين، والنقابات العمالية، وجمعيات المعلمين). وأصبحت هذه الجمعيات سياسية بشكل صريح، وذلك على مرحلتين؛ أولًا: من خلال الاحتجاج على الصعوبات التي فرضها الحكم الاستعماري، وثانيًا: في وقت لاحق، من خلال تشكيل اللبنات الأساسية للأحزاب السياسية القومية.)[4](
وفيما بعد الاستقلال، أعطت النُّخَب الحاكمة في إفريقيا الأولوية القصوى لسيادة الدولة والأمن الوطني، وسعت إلى “إلغاء المشاركة” وخصوصًا السياسيّة. ورغم استثمارها بكثافة في بناء أنظمة الحزب الواحد والأنظمة العسكرية، إلا أن النُّخب الحاكمة لم تنجح دائمًا في تثبيط عزيمة المنظمات المستقلة عن ترسيخ جذورها في المجتمع المدني. لكنها لم تكُفَّ عن محاولاتها لقتل هذه المنظمات في مهدها؛ من خلال دمج بعضها تحت جناح الأحزاب الحاكمة؛ وحظر البعض الآخر تمامًا.
ولكن في العديد من الأحيان خلال هذا الوقت التالي للاستقلال، أثبتت الجمعيات التطوعية أنها أقوى من أن تخضع للتبعية، وبقيت كإطار مؤسسي بديل للسلطة الرسمية. واتخذ هذا النمط من الحياة الجمعياتيّة (نمط من الحياة يسوده التنظيمات والجمعيات غير الرسمية خارج إطار الدولة) أشكالًا مختلفة في بلدان عدة: كالكنائس المسيحية في كينيا وبوروندي، وبعض الحركات الإسلامية في السنغال والسودان، وجمعيات المحامين والصحفيين في غانا ونيجيريا، ومنظمات المزارعين في زيمبابوي وكينيا، ونقابات عمال المناجم في زامبيا وجنوب إفريقيا. كما وُجِدَ أنه في كل مكان نجت فيه الجمعيات المستقلة من بَطش النُخب الحاكمة، وفَّرت فيه للأفارقة العاديين منفذًا للتضامن والاتحاد من أجل تحقيق أهداف مشتركة، وهكذا تطورت حتى وصلت إلى شكلها الحالي، سواء المحليّة منها أو الدوليّة التي باتت تنشط داخل القارة الإفريقية من أجل دعم أنشطة ومجالات عدة تواكب المستجدات والاحتياجات الإفريقية المعاصرة (سياسية- اجتماعية- تعليمية- مناخية.. وغيرها).)[5](
ثالثًا: مهام وأهداف المجتمع المدني داخل البيئة الإفريقيّة
تتنوع مهام المجتمع المدني داخل إفريقيا، ويتجلى هذا التنوع من دولة لأخرى، وفقًا لاختلاف احتياجات وسياق كل دولة، كما تختلف هذه المهام داخل الدولة الواحدة، من بلدة لأخرى، ومن الريف للحضر، إلا أن ثمة خطوطًا مشتركة تعمل منظمات المجتمع المدني داخل القارة الإفريقية على تحقيقها، لا سيّما فيما يتعلق بالتحديات المشتركة، ونجمل أبرز هذه المهام فيما يلي (على سبيل المثال وليس الحصر):
1- مساءلة الحكومات حول مهامها:
إن أحد الأدوار الحاسمة الأخرى للمجتمع المدني تتمثل في ضمان محاسبة الحكومات، والتي تستند المساءلة عادة إلى ثلاثة عناصر؛ المسؤولية، والمساءلة، وضمان التنفيذ.
وتستلزم المسؤولية أن يكون لدى أصحاب السلطة معايير للأداء محددة بوضوح لمؤسساتها ومسؤوليها، مما يُتيح إجراء تقييم شفاف وموضوعي لسلوكهم، وتتطلب المساءلة أن يقدم المسؤولون والمؤسسات العامة مبررات منطقية وواضحة لأفعالهم وقراراتهم للمتأثرين، مثل عامة الناس والناخبين والمؤسسات الأخرى. وتتطلب قابلية التنفيذ أن تنفذ المؤسسات العامة آليات تقيس مدى التزام المسؤولين والمؤسسات الحكومية بالمعايير المعمول بها، كما تقوم بفَرض عقوبات على المسؤولين الذين لا يمتثلون لهذه المعايير، وتحاول منظمات المجتمع المدني ضمان تنفيذ هذه الإجراءات التصحيحية المناسبة.
ونشير هنا إلى أن العناصر الثلاثة ليست على سبيل التنوع أو التعدد، بل إنها مترابطة، ويُكمّل كل منها الآخر، فلا يمكن أن يحل أيّ منها محل الآخر. ومِن ثمَّ، فمن الأهمية بمكان أن يتم تحديد أدوار ومسؤوليات الحكومات بوضوح، وخاصة فيما يتصل بأبعاد المساءلة وإمكانية إنفاذ هذه الأهداف. ونُنوِّه إلى أن هذا الدور يُقابَل برفضٍ شديد من قِبَل الحكام الأفارقة، في عدد ليس بالقليل من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء (إن لم يكن أغلبهم)، لكن بالرغم من القيود والعراقيل تحاول منظمات المجتمع المدني التحرك وإنفاذ هذه المهمة قدر المستطاع، وفقًا للمساحة المتاحة أمامها.([6])
2- الاشتباك مع الأزمات السياسية وإعلاء الوعي والتثقيف السياسي:
تسعى منظمات المجتمع المدني إلى بثّ الوعي بشأن بعض المواقف السياسية داخل الدولة، وخاصة تلك التي يترتب عليها تأثيرات مهمة وممتدة، سواء على المواطنين أو الدولة، لا سيما في البلدان الأكثر فقرًا أو التي تنتشر بها معدلات مرتفعة من الأميّة، على سبيل المثال في غامبيا الدولة الواقعة في غرب إفريقيا، قام المجتمع المدني لديها بمطالبة الرئيس السابق “يحيى جامع” بترك منصبه عقب هزيمته في الانتخابات التي أُجريت في ديسمبر 2016م، وهو ما تحقق بالفعل، وخلال الانتخابات ذاتها لعب المجتمع المدني دورًا ليس بالقليل في تثقيف الناخبين وعقد جلسات مناقشة ومناظرات للمرشحين ومراقبة عملية التصويت، وغيرها من الأمور التي عزّزت الصورة العامة لمنظمات المجتمع المدني الناشطة داخل إفريقيا.([7]
3- التصدي لموجات التطرف العنيف:
يمكن التدليل على ذلك من خلال الدور الذي قامت به منظمات المجتمع المدني في غانا، من خلال توعية عشرات الشباب ذوي الأصول الغانية لمنعهم من الانضمام لتنظيمات إرهابية كداعش، إضافةً للكشف عن أماكن تركز هذه التنظيمات وبؤر أنشطتها، وهو ما تقوم به “شبكة غرب إفريقيا لبناء السلام”. وتَجسَّد هذا خلال ما حدث في غانا عام 2019م، حينما تمكَّنت جهود الإنذار المبكر بمنظمات المجتمع المدني بغرب إفريقيا من الكشف عن محاولة لإحدى الجماعات المتطرفة لاختراق الحدود الشمالية بين غانا وبوركينا فاسو من أجل الدخول لغانا، وتم إحباطها بالفعل بفضل هذه الجهود، وذلك في الوقت الذي عجزت فيه أجهزة الدولة من وكالات أمنية واستخباراتية عن التغلُّب على مثل هذه التحركات.([8])
4- إعادة إدماج المنبوذين والمهمشين:
تلعب بعض منظمات المجتمع المدني دورًا لافتًا في إعادة دمج المنفيين والمنبوذين لأسباب سياسية أو مجتمعية، كما فعلت منظمات المجتمع المدني الجنوب إفريقية من أجل دمج هؤلاء في نسيج المجتمع الجنوب إفريقي من جديد. كما قدَّم المجتمع المدني (ولا يزال) خدمات الرعاية الاجتماعية والقانونية للعديد من اللاجئين من مختلف أنحاء إفريقيا. وكانت هذه المنظمات أيضًا في طليعة الحملات التوعوية ضد فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)؛ حيث تبنَّت العديد من الأنشطة التي تهدف إلى الحد من انتشار المرض. إضافةً لذلك كثيرًا ما تُقدّم هذه المنظمات الدوافع لتحسين الخدمات الحكومية.([9])
5- تعزيز ونشر ثقافة ريادة الأعمال:
كالحال في سيراليون؛ حيث يتجسد ذلك في الدور المهم الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني في تعزيز ريادة الأعمال التجارية الصغيرة التي تفتقر إلى الدعم اللازم لأعمالها. واستنادًا إلى ذلك يُنظَر إلى منظمات المجتمع المدني بسيراليون على أنها أكثر جدارة بالثقة من قِبَل العامة، عن الحكومة (الهيئات العامة). كما حاولت الحكومة في سيراليون، من خلال اللجنة الوطنية للشباب، التعاون مع منظمات المجتمع المدني فيما يتعلق بتنمية المهارات الريادية لدى رواد الأعمال الأشد احتياجًا. ويتكشَّف من خلال المتابعة للسياق بسيراليون أنه على الرغم من تقدير السلطات العامة لدور منظمات المجتمع المدني في تنمية ريادة الأعمال في السنوات الأخيرة، إلا أنها لا تزال تُواجه العديد من العقبات البيروقراطية والتأخير في العمليات، وهو الحال في الكثير من دول إفريقيا جنوب الصحراء وليس فقط في سيراليون.)[10](
المحور الثاني:
مؤشِّر حالة المجتمع المدني (التأسيس- المنهجيّة)
أولًا: التحالف العالمي للمجتمع المدني CIVICUS”“
بدايةً فيما يتعلق بالتحالف العالمي للمجتمع المدني CIVICUS””؛ فقد تأسس في عام 1993م، ومنذ العام 2002م، أصبح مقره الرئيسي في جوهانسبرج، أكبر مدن جنوب إفريقيا، مع مكاتب إضافية في معظم أنحاء العالم. يضم التحالف في عضويته أكثر من 15000 عضو في أكثر من 175 دولة.
تُعَرِّف منصة CIVICUS”” -التي يصدر عنها المؤشر منذ 13 عامًا- المجتمع المدني على نحو مُتَسع يشمل: المنظمات غير الحكومية والناشطين وتحالفات وشبكات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية والاحتجاجية والهيئات التطوعية ومنظمات الحملات الانتخابية والجمعيات الخيرية والجماعات الدينية والنقابات والمؤسسات الخيرية. كما أن عضويَّة التحالف متنوعة، وتُغطّي مجموعة واسعة من القضايا ومجموعة متنوعة من المنظمات باختلاف درجة توسع أنشطتها (كبيرة كانت أو ناشئة).([11])
ثانيًا: منهجيّة مؤشِّر حالة المجتمع المدني لعام 2024م
اعتمد مؤشر هذا العام (2024م) على مبادرات أطلقتها منصة سفيكس (التحالف العالمي للمجتمع المدني) لتحليل وضعيّة المجتمع المدني في العالم، من خلال الاستفادة بشكل مباشر من شكاوى وأصوات المجتمع المدني المتأثرة بالأزمات والتحديات التي يواجهونها. كما عكس المؤشر ما جاء بأكثر من 250 مقابلة ومقالة نشرتها منصة CIVICUS”” من أجل ضمان مشاركة المواطنين ومسؤولي المجتمع المدني في أكثر من 100 دولة وإقليم.
بما يعني أن جميع ما وَرد في المؤشر استند إلى مقابلات أجرتها منصة سفيكس مع نشطاء المجتمع المدني وقادته وخبرائه، سواء الأفارقة أو التابعين لمنظمات المجتمع المدني الناشطة في القارة. ويلقي مؤشر هذا العام -الصادر في مارس 2024م- نظرة على ما حدث خلال العام الفائت 2023م لتحديد اتجاهات عمل المجتمع المدني وكذلك الظروف المُحيطة بعمله، على كل المستويات وفي كل ساحة وبلد يعمل بها، بدءًا من وجوده وسط الصراعات واستجابته بخصوصها، كنضاله من أجل إرساء قيم الديمقراطية والمطالبة بالعدالة المناخية، والتنديد بشأن أيّ انتهاكات تمس الإنسان أو البيئة المحيطة به (سياسيًّا- بيئيًّا- إنسانيًّا). ونركز في هذا الإطار بشكل أساسي على ما وَرد بالمؤشر في ضوء التجارب الإفريقية المختلفة وبيئة عمل المجتمع المدني خاصة ببلدان إفريقيا جنوب الصحراء، وما يواجهه من تحديات واستجابة الحكومات الإفريقية أمام هذه التحديات، ويركز المؤشر على عدة مناطق بالقارة يأتي أبرزها: منطقة الساحل، غرب ووسط إفريقيا، القرن الإفريقي.([12])
المحور الثالث:
قراءة في وضعيّة المجتمع المدني في إفريقيا جنوب الصحراء
في ضوء مؤشر حالة المجتمع المدني لعام 2024م
يتعرّض المجتمع المدني للهجوم والتجاوزات وسط تفاقم الصراع وتكثيفه في العديد من البلدان بالعالم، وليس فقط في إفريقيا جنوب الصحراء. يحدث هذا في وقتٍ يشعر فيه الكثيرون بأن حقوقهم الأساسية لم تَعُد متاحة كأمر مفروغ منه، بل يتم اكتسابها بشقّ الأنفس. فعندما يستيقظون في الصباح لا يمكنهم معرفة ما إذا كانوا سيعيشون يومًا آخر أم لا. وهو أمرٌ ليس بمُستغرَب بالنظر إلى أنه على المستوى العالمي يعيش واحد من كل ستة أشخاص حاليًّا في حالة من الصراع.
كما بلغت الوفيات المرتبطة بالصراعات أعلى مستوياتها منذ عقود، مع ارتفاع الخسائر في صفوف المدنيين بنسبة وصلت إلى 62% في عام 2023م، فضلًا عن ارتفاع الإنفاق العسكري العالمي إلى مستوى قياسي بلغ 2.2 تريليون دولار (كما يوضح الشكل التالي). وهو ما دفَع البعض للقول بعودة شبح الصراعات والإبادة الجماعية من جديد. خصوصًا مع بَدْء الصراع في غزة (7 أكتوبر 2023م)؛ ذلك الصراع الذي هزَّ العالم بأسره. وفي عمل شنيع من أعمال العقاب الجماعي، تُطلق القوات الإسرائيلية العنان لوحشية لا هوادة بها ضد المدنيين العُزَّل.
ويدعو مؤشِّر حالة المجتمع المدني في نسخته الثالثة عشرة لوقف هذا الهجوم غير المتوقف، وهو ما أكد عليه بتخصيص أجزاء عديدة عن الصراع بغزة داخل المؤشر، أو من خلال صورة المؤشِّر الافتتاحية التي تُظهِر سيدة خلال مشاركتها تظاهرة بلندن (6 يناير 2024م)، كتبت خلالها على يدها “أوقفوا إطلاق النار الآن” Cease Fire Now، لانتهاء هذه المعاناة غير المتوقفة، على الفور.([13])
جدول رقم (1)
أبرز البيانات والتقديرات حول الصراعات والأزمات في العالم- الإنفاق العسكري والتكاليف الإنسانية
(وفقًا لمؤشر حالة المجتمع المدني- 2024م)
المصدر: مؤشِّر حالة المجتمع المدني لعام 2024م
إضافةً للصراعات على المستوى العالمي، يهدّد العنف بوتيرته المتصاعدة، جميع أنحاء الشرق الأوسط، كما أنها ليست المنطقة الوحيدة الغارقة في الصراعات؛ فعلى سبيل المثال: تواصل روسيا شنّ حربها على أوكرانيا، وفي السودان يعاني المدنيون بينما يقاتل الجيش السوداني ميليشيات الدعم السريع، وفي ميانمار يندلع صراع دموي منذ ثلاث سنوات بعد انقلاب عسكري في البلاد. هذه ليست سوى بعض من الصراعات اليوم. وفي جميع هذه المناطق، يستهدِف المتحاربون المدنيين، وغالبًا يحدث ذلك بسبب انتمائهم العرقي.([14])
بناءً على ما تمّ بيانه نعرض حالة المجتمع المدني في ظل هذه الصراعات، ولكن بالتركيز على ما يحدث في إفريقيا جنوب الصحراء وفقًا لمؤشِّر حالة المجتمع المدني للعام 2024م، وتحديدًا في الشِقّين السياسي والبيئي، على النحو التالي:
أولًا: المجتمع المدني.. وسط عالم من الصراعات والفوضى
1- منطقة الساحل الإفريقي.. الحُكم العسكري يفشل في إحداث الفارق:
ويمكن تقسيمها وفقًا للمؤشر إلى قراءة لمنطقة الساحل كبيئة عمل تنشط بها منظمات المجتمع المدني، ثم ننتقل إلى التحديات التي يواجهها المجتمع المدني في ظل هذا المناخ بالمنطقة، وذلك كما يلي:
أ- حول بيئة عمل المجتمع المدني بمنطقة الساحل:
شهدت أماكن عدة بمنطقة الساحل سيطرة العسكريين على زمام السلطة في السنوات الأخيرة. وفي عام 2023م، انضمت النيجر إلى جيرانها بوركينا فاسو وتشاد ومالي في إدارتها من قِبَل قادة الجيش. وكما هو الحال في الحالات السابقة المشابهة بمنطقة الساحل (مالي وبوركينا فاسو)، كان المبرر الرئيس الذي استخدمه الجيش هو فشل الحكومة المدنية في السيطرة على التمرد المسلح الذي امتد عبر الحدود.
وعادةً ما ابتعدت دول المنطقة الخاضعة للحكم العسكري عن علاقاتها القديمة مع الغرب، وخاصةً القوة الاستعمارية السابقة فرنسا، وكذلك هيئات الأمم المتحدة، واحتضنت تعاونًا أوثق مع روسيا. وهذا يعني في كثير من الأحيان الترحيب بالمرتزقة الروس الذين يستخرجون الموارد كالذهب مقابل قتال المتمردين والإرهابيين.
ويأتي معظم المرتزقة من مجموعة فاغنر، التي أُعيدَ تسميتها إلى “الفيلق الإفريقي”، بعد استحواذ بوتين عليها. لكن حتى الآن لا يوجد دليل على أن الحكم العسكري أو استيراد المرتزقة الروس سيُحْدِث فارقًا جوهريًّا في الوضع الأمني (وفقًا للمؤشِّر)؛ حيث تزايدت أعمال العنف، كما تفاقمت التداعيات والتكاليف الإنسانية.([15])
ب- المجتمع المدني بمنطقة الساحل.. قلق يلوح في الأفق:
تبرز هنا بعض التحديات أمام المجتمع المدني بمنطقة الساحل في ظل حكم العسكريين؛ تتمثل في أنه حتى لو رحَّبت بعض جماعات المجتمع المدني في البداية بالانقلابات؛ ردًّا على انعدام الأمن؛ فإن المجالس العسكرية تقوم دائمًا بقمع الحريات المدنية. وفي النيجر، قامت الحكومة الجديدة بتقييد الاحتجاجات المناهضة لها، وكذلك وسائل الإعلام، وذلك على خطى بوركينا فاسو وتشاد ومالي. وستؤدي هذه القيود في نهاية المطاف إلى زيادة صعوبة عمل المجتمع المدني ودعواته إلى التغيير، لا سيما عندما يظهر السخط المجتمعي مرة أخرى.([16])
2- المجتمع المدني وسط صراع إثيوبي يطرح تساؤلات بلا أجوبة:
تُعدّ إثيوبيا موطنًا لصراع آخر خلاف الحكم العسكري في منطقة الساحل؛ حيث تريد الدولة الواقعة بمنطقة القرن الإفريقي القول: إن هذا الصراع (الحرب في تيغراي) قد انتهى؛ حيث إنه من المفترض أن الحرب التي استمرت عامين بين القوات الفيدرالية والمتمردين من منطقة تيغراي قد انتهت في نوفمبر 2022م، مع توقيع اتفاق سلام أكد انتصار الحكومة الفيدرالية. لكنّ العنف مستمر في أجزاء عديدة من البلاد، وخاصةً في منطقة أمهرة، ناهيك عن وجود أزمة غذائية متنامية. ولا تزال الدولة تقمع المجتمع المدني والمتظاهرين المعارضين ووسائل الإعلام المستقلة، وتلجأ إلى إغلاق الإنترنت للحد من تدفق المعلومات.([17])
أ- إثيوبيا.. ممارسات من القمع لا تنتهي:
في هذا الإطار وثّقت لجنة خبراء حقوق الإنسان الدولية التابعة للأمم المتحدة المعنية بإثيوبيا، استمرار القوات الإريترية -التي قاتلت جنبًا إلى جنب مع الحكومة الفيدرالية- وميليشيات أمهرة في ارتكاب جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي منذ دخول اتفاق سلام تيغراي حيّز التنفيذ. وقد وجدت منظمة العفو الدولية أدلة على ارتكاب جرائم حرب وجرائم محتملة ضد الإنسانية منذ توقيع اتفاق السلام. بالإضافة إلى ذلك عثرت لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية على أدلة على عمليات قتل خارج نطاق القضاء للمدنيين على يد القوات الحكومية. كما يُذكر أنه في يناير 2024م، توغلت القوات الفيدرالية من بيت إلى بيت وقتلت عشرات المدنيين في بلدة مراوي في أمهرة، كما دَعت بعض المنظمات الدولية مثل “هيومن رايتس واتش” إلى التحقيق في الأمر الذي تورّط به الجيش الإثيوبي، واصفين ما حدث بـ “المجزرة” و”جريمة حرب”.([18])
ب- تجاهل وعدم اكتراث إثيوبي:
يزيد الأمر تعقيدًا: عدم اكتراث الدولة الإثيوبية لما يحدث من تجاوزات، فهي لا تُظهر أيّ اهتمام حقيقي لوقف انتهاكات الحقوق أو مُحاسبة الجُناة، وخاصةً أولئك الذين هم إلى جانبها. في هذا الإطار خَلُصَ تقرير تابع للأمم المتحدة إلى أن عملية العدالة الانتقالية التي تتبعها الحكومة لا تُلبِّي المعايير الدولية. وتقول: إن الحكومة فشلت في التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، ولا تُقَدِّم الدعم للناجين من العنف بشتى أنواعه، كما أن الضحايا لا يثقون في أن الدولة ستأخذ أيّ إجراءات حقيقية أو أنها ستنظر فيما حدث من انتهاكات لحقوقهم على محمل الجد.
وتريد الحكومة تقديم الصراع على أنه قد تم حلّه، وعليه تكون قد طوت الصفحة بشأنه مع المجتمع الدولي. ولا تلقَ دعوات المجتمع المدني لمواصلة التحقيقات الدولية آذانًا صاغية؛ لأنه قد تم إقناع الدول بالمُضي قُدمًا من أجل الحفاظ على العلاقات مع دولة كإثيوبيا، ذات ثقل إقليمي وجيواستراتيجي بمنطقة القرن الإفريقي والقارة ككل. ومع احتدام الصراعات في أماكن أخرى، فقد غاب هذا الصراع بهدوء عن العناوين الرئيسية للتقارير والمنظمات والهيئات الدولية ذات الصلة، لا سيّما مع اندلاع أزمات أخرى خارج منطقة القرن الإفريقي وخارج القارة ككل؛ كالصراع في غزة أو الحرب الروسيّة الممتدة على أوكرانيا.([19])
ثانيًا: المجتمع المدني والنضال من أجل الديمقراطية
يرى مؤشِّر حالة المجتمع المدني أن الديمقراطية في العالم ككل في انحدارٍ لافتٍ؛ حيث أدت الصراعات والأزمات المتعددة التي شهدها العالم خلال العام 2023م إلى تفاقم الأوضاع التي كانت متأزمة بالفعل لسنوات عديدة. وذلك في العديد من البلدان في إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا؛ حيث أدَّت الصراعات إلى إبعاد الحديث عن أيّ آفاق للتغيير الديمقراطي. ففي السودان الذي مَزَّقته الحرب، تراجعت الآمال في تحقيق الديمقراطية، والتي تم إنكارها مرارًا وتكرارًا منذ الإطاحة بعمر البشير عام 2019م، كما أصبحت الانتخابات المُعلَن عنها في يوليو 2023م مستحيلة نتيجة للحرب الأهلية بين الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع، المندلعة منذ منتصف أبريل من عام 2023م.([20])
جدول رقم (2)
أبرز البيانات والتقديرات حول تراجع الديمقراطية في العالم
(وفقًا لمؤشر حالة المجتمع المدني- 2024م)
المصدر: مؤشِّر حالة المجتمع المدني لعام 2024م
1- الحزام الانقلابي بوسط وغرب إفريقيا وتأثيره على الديمقراطية:
مَثّل عدم فعاليّة الحكومات المدنيّة في التعامل مع حركات التمرد والعنف المُبرّر الذي استخدمه القادة العسكريون للاستيلاء على السلطة أو الاحتفاظ بها في وسط وغرب إفريقيا منذ العام 2020م. ونتيجة لذلك، فإن الانقلابات باتت الخيار الأكثر شيوعًا للتغيير في الكثير من دول القارة، مع توقع بامتدادها لبلدان أخرى، وذلك بعد أن كانت هذه الانقلابات قد اعتُبِرَتْ ظاهرةً من الماضي لن تعود، وذلك قبل عقود من الزمن.
جدير بالذكر أنه لم ترجع أيٌّ من الدول التي وقعت تحت الحكم العسكري في السنوات الأخيرة إلى الحكم المدني في عام 2023م (العام الذي يخصصه المؤشِّر لرصد بيئة عمل المجتمع المدني)، وانضمت دول أخرى إلى هذه القائمة التي يحكمها العسكريون -كالجابون والنيجر- إلى صفوف مالي وبوركينا فاسو. ولا يزال الناس هناك يعيشون وسط أجواء من العنف وعدم الاستقرار (وفقًا للمؤشِّر).([21])
من جهة أخرى، رصد المؤشِّر تحقيق العديد من البلدان لخطوات لا بأس بها في تطوير نوعية أنظمتها الديمقراطية؛ من خلال تحسين الحيز المدني أمام المواطنين والمجتمع المدني، أو إحراز تقدُّم في مكافحة الفساد، أو تعزيز المؤسسات، لكنْ شهدت العديد من البلدان الأخرى انحدارًا في قِيَم الديمقراطية، مصحوبًا في كثير من الأحيان بانتكاسات خطيرة. وكانت هذه الانتكاسات ملحوظة بشكل كبير في وسط وغرب إفريقيا، وخارج القارة في أمريكا الوسطى، والشرق الأوسط.([22])
2- انتخابات غير ديمقراطية:
شهد العام 2023م إجراء عدد كبير من الانتخابات خلال عام 2023م، لكنها لم تكن قريبة على الإطلاق من كونها حرة ونزيهة، ولو بحدٍّ معقول؛ حيث أجرت العديد من الدول غير الديمقراطية انتخابات مشكوك في نزاهتها، مثل جمهورية إفريقيا الوسطى، وإسواتيني، وزيمبابوي؛ حيث كان التصويت احتفاليًّا، والغرض منه إضفاء غطاء من الشرعية. وكان العديد من البلدان ذات الأنظمة التي جمعت بين السمات الديمقراطية والاستبدادية موطنًا لانتخابات ذات نتائج غير معروف اتجاهاتها مسبقًا إلى حد معقول؛ حيث كان هناك على الأقل فرصة ما لهزيمة الحزب الحاكم. لكن مع حقيقة مفادها أن التغيير نادرًا ما يتحقق، كما رأينا في نيجيريا وسيراليون.([23])
3- المجتمع المدني وسط أجواء تبتعد عن الديمقراطية:
في ظل سياقات غير ديمقراطية كتلك المنتشرة في إفريقيا جنوب الصحراء، تعمل الدول على حرمان المجتمع المدني من القيام بأدواره المعتادة، من تثقيف للناخبين ومراقبة السلوك الانتخابي وفرز الأصوات. وفي بعض الحالات، حظرت السلطات جميع أشكال المراقبة، بما في ذلك تلك التي تكون من قِبَل البعثات الدولية، بينما في حالات أخرى، سُمِحَ بوصول عدد محدود منها، على أساس أن يؤدي ذلك إلى تعزيز المصداقية. وواصل المجتمع المدني إدانة الانتخابات المزوّرة، وطالب المجتمع الدولي بالتوقف عن إضفاء الشرعية على الأنظمة الاستبدادية، ودعم نشطاء المجتمع المدني والصحفيين المحاصرين بدلًا من ذلك.([24])
4- قمع (مقنن) بأمر السلطة في زيمبابوي:
في أغسطس 2023م، مع تأكيد ولاية أخرى لرئيس زيمبابوي “إيمرسون منانجاجوا”، عبر انتخابات استخدم فيها كل الحِيَل المتاحة لضمان بقائه في السلطة. مع حظر السلطات مسيرات المعارضة، وسَجْن سياسيين معارضين بارزين، ناهيك عن إطلاق العنان للتهديدات والترهيب والعنف السياسي. كما أنه قبل الانتخابات أصدرت الحكومة قوانين جديدة، ما أدى إلى تقييد المساحة المدنية المتاحة. وأنشأ القانون الوطني، الذي دخل حيّز التنفيذ في يوليو 2023م، جريمة جديدة تتمثل في “الإضرار عمدًا بسيادة زيمبابوي ومصالحها الوطنية”، وهي ممارسة لجأت إليها الحكومة في زيمبابوي عن عمد، لتجريم أي شخص لا يتفق مع سياساتها. وتم تمرير قانون آخر، وهو مشروع قانون تعديل المنظمات التطوعية الخاصة، عبر البرلمان الذي يهيمن عليه حزب (الاتحاد الوطني الإفريقي الزيمبابوي-الجبهة الوطنية) The Zimbabwe African National Union – Patriotic Front، في فبراير 2023م. وتحت ذريعة الالتزام بالمعايير الدوليّة لمكافحة غسيل الأموال، قامت الدولة بتوسيع صلاحياتها لتشمل منظمات المجتمع المدني، ما مكّنها من وضع هذه المنظمات تحت المراقبة والاستيلاء عليها بل وإغلاقها، وذلك وفقًا للمعايير الدوليّة في هذا الشأن.
في هذا السياق يقول مسؤول بإحدى منظمات المجتمع المدني الناشطة في زيمبابوي: “كنا نتوقع انفراجًا ديمقراطيًّا واقتصاديًّا بعد سنوات من الدكتاتورية والركود الاقتصادي. لكننا شعرنا بخيبة أمل. وحاول المجتمع المدني المشاركة في العملية الانتخابية، وأداء دور رقابي، لكنْ تم تجريمه. وفي الفترة التي سبقت الانتخابات، قمنا أيضًا بالكثير من توعية الناخبين. لقد نجحنا في إثارة الوعي بين الناخبين، لكنهم شعروا بالإحباط في يوم التصويت. لقد كانت هذه خدعة وليست انتخابات. لقد كان سيركًا وإهدارًا للموارد، مما أدى إلى تقويض إرادة الشعب وإبقاء شاغل المنصب (الرئيس) في السلطة بشكل غير قانوني” ([25])
ثالثًا: المجتمع المدني وقضايا البيئة (معضِلة تغيُّر المُناخ)
تُعدّ قضايا المناخ من الأمور التي يتم تجاهلها عن عمد، فهي من القضايا غير المُرحَّب بإثارتها والحديث عنها، ويمكن إرجاع ذلك بشكل أساسي لتعارضها مع مصالح واقتصادات القوى الكبرى وغيرهم من شبكات ممتدة من المنتفعين داخل وخارج إفريقيا من الأوضاع الحالية، والمتضررين في حال تم التصدي لهذه الأزمات، خاصةً مع تحجيم أنشطتهم لتخفيف آثار هذه الأزمات المناخية، وحتى إن تمَّ التعامل مع هذه الأزمات، لا يحدث الأمر على النحو المأمول، بالرغم مما تُشَكِّله هذه الأزمات من تداعيات وتكاليف شديدة الخطورة، تمتد إلى أرجاء العالم، وليس فقط إلى القارة الإفريقية. وبالتوازي مع كل هذا تبرز منظمات المجتمع المدني الراغبة في طرح المبادرات لتخفيف أزمات التغير المناخي، لكن رغم تفاقم الأوضاع المناخية يتم تجاهل رؤاها، بل ويتم قمعها في الكثير من الأحيان، وخاصة في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
وعليه نستعرض ما يُواجه المجتمع المدني الناشط في قضايا البيئة في إفريقيا جنوب الصحراء، وفقًا لما جاء بمؤشر حالة المجتمع المدني لعام 2024م، مع التركيز على بعض البلدان الإفريقية التي شهدت انتهاكات واضحة (تنزانيا- جنوب إفريقيا- الكاميرون)، كما يوضّح المؤشِّر التداعيات التي قد تترتب على تجاهل دور المجتمع المدني في هذا الإطار، وصولًا إلى قمعه وإغلاق منظماته من الأساس.
1- المجتمع المدني وقضايا البيئة في إفريقيا… انتهاكات غير متوقفة:
يُواجه الناشطون تحديات كبيرة في العديد من البلدان الإفريقيّة، خاصةً الناشطين المدافعين عن البيئة؛ حيث تنتشر ممارسات استخراج الوقود الأحفوري واستغلال مناطق الغابات. وتأتي التهديدات من مصالح الدولة والقطاع الخاص على حد سواء، وغالبًا ما يكون الاثنان مرتبطين بشكل وثيق، ما يؤدي إلى تجذّر ممارسات الفساد والإفلات من العقاب. طوال عام 2023م، على سبيل المثال واجه نشطاء المناخ والبيئة في إفريقيا وابلًا من القيود لمعارضة بناء خط أنابيب النفط الخام في شرق إفريقيا (EACOP) بطول 1500 كيلو متر، والذي يربط بين تنزانيا وأوغندا.
ويعتقد الناشطون أن المشروع، الذي تم فرضه دون أيّ تشاور حقيقي مع المجتمعات المتضررة ويتعارض مع التزامات الحكومتين بخفض الانبعاثات، ستكون له آثار مدمرة على البيئة والسكان المحليين. وتمتلك الشركات المملوكة للدولة في كلا البلدين حصة في المشروع، مما يعني أن رد الفعل العنيف سيكون شرسًا بشكل خاص. كما قامت الشرطة بضرب المتظاهرين الذين احتجوا على القرار وتم احتجازهم.
استمرارًا لهذه الانتهاكات، تتعرض الكثير من منظمات المجتمع المدني الناشطة في قضايا البيئة لقمعٍ متزايد في أماكن عدة من بلدان إفريقيا، على سبيل المثال: شهدت السنوات الأخيرة قتل العديد من المدافعين عن البيئة في جنوب إفريقيا بالرصاص، كما حدث في أغسطس 2023م حينما أطلق رجلان النار على المدافع عن حقوق الأرض “جومو كيرومنغ” فأردوه قتيلًا أمام عائلته.([26])
وفي الكاميرون لا يختلف الأمر كثيرًا؛ حيث تستهدف الشركات الخاصة الكبرى وشبكات الجريمة المنظمة المجتمع المدني الناشط في مجال مكافحة تهديدات البيئة. على الرغم من جميع التدابير القانونية المطبّقة لحماية غابات الكاميرون، فإن استغلال الغابات، الذي يتم في كثير من الأحيان بالشراكة مع شركات خاصة، يؤدي إلى العديد من التجاوزات بما في ذلك حالات نزع الأراضي بشكل غير قانوني من المواطنين، وهو ما يتمخّض عنه انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان تُغَذِّيها شبكات إجرامية جيدة التنظيم([27]).
2- تداعيات خطرة:
مع قراءة النهج القمعي والكيفية غير المكترثة التي يتم التعامل بها مع منظمات المجتمع المدني المعنية بشؤون المناخ، والبيئة التي ينشط خلالها في إفريقيا والعالم ككل، يمكن القول: إن الحسابات غير الدقيقة وقصيرة الأجل للقادة غير المسؤولين تعمل على تحييد الاتفاقيات الدولية التي تم التوصل إليها لمعالجة التحديات العابرة للحدود الوطنية والتصدي لآثارها، كأزمات المناخ والتنمية المستدامة؛ حيث يتأخر التنفيذ كثيرًا، على نحو يجعل هذه الاتفاقيات شكليّة وغير مُفَعَّلة على أرض الواقع.
على سبيل المثال: في قمة أهداف التنمية المستدامة التي عُقِدَت في سبتمبر الماضي من العام 2023م، طرح المجتمع المدني أفكارًا مهمة وغير تقليدية لكيفية تدبير الموارد المالية اللازمة لتحقيق التنمية والمرونة المناخية اللازمة للتغلب على التغيّرات المناخية وما تُخَلِّفه من أزمات، ولكن قُوبِلَت هذه المبادرات والأفكار بالتجاهل الشديد، ما يوضح لماذا يجب إشراك المجتمع المدني في عمليات صنع القرار. ففي الممارسات العمليّة غالبًا ما يُحرَم المجتمع المدني من الوصول إلى المحافل الدوليّة للمساهمة والتعبير عن رأيه، وحتى إن تمت دعوته فلا يُعتَد بما يطرح من مبادرات وأفكار، لتصبح مشاركته أشبه بإجراء روتيني، لا أكثر من ذلك.([28])
على الصعيد ذاته نؤكد على أن قمع الفضاء المسموح للمجتمع المدني وتضييقه خاصة في قضايا المناخ يجب أن يُنظر إليه باعتباره سيخلف آثارًا كارثية في هذا الشأن. فثمة حاجة مُلِحَّة إلى تنسيق الجهود وتضافرها؛ لأن العمل من قِبَل الدول والقطاع الخاص وحدهما للتخفيف من أزمات المناخ لم يَعُد كافيًا على الإطلاق، خاصةً في ظل الأوضاع المُناخية المتردّية والمتوقع أن تشهد مزيدًا من التدهور.
على سبيل المثال: يشير الخبراء إلى أن درجات الحرارة العالمية في طريقها إلى الارتفاع بنحو ثلاث درجات عن مستويات ما قبل الصناعة بحلول نهاية القرن الحالي (21)، مما قد يؤدي على الأرجح إلى نقاط تحول كارثية. يحدث هذا في وقتٍ تجني فيه شركات الوقود الأحفوري أرباحًا هائلة وتُنفِق القليل على الطاقات المتجددة، مع استمرار الدول في الموافقة على المزيد من عمليات الاستخراج. كما تستمر هيئات تمويل المناخ الدولية في تقديم أقل بكثير من المطلوب، أضف إلى ذلك أنه لا يتم العمل على معالجة التفاوتات الأساسية في تغيّر المناخ بشكلٍ عادل، في أزمة تسبب بها بشكل أساسي وغير مُنصِف الأشد ثراءً، ليعاني من عواقبها -الفورية شديدة الخطورة وطويلة الأجل- الأكثر فقرًا حول العالم.([29])
خلاصة واستنتاجات:
عقب استعراض مسار وبيئة عمل المجتمع المدني في إفريقيا جنوب الصحراء، سواء فيما يتعلق بمدلوله داخل القارة أو المهام والمسؤوليات المنوط بإنفاذها، وصولًا إلى ما يواجهه من تحديات وخاصة في ضوء مؤشِّر حالة المجتمع المدني لعام 2024م، ومناقشة أبرز الاستجابات الإفريقية إزاء هذه التحديات، يُمكِن الإشارة إلى أبرز الملاحظات والاستنتاجات التالية:
أولًا: حول مؤشِّر حالة المجتمع المدني لعام 2024م:
فيما يتعلق بالمؤشِّر ذاته، نجد أنه قد افتقر بشكل واضح للإحصاءات والتقديرات الكافية حول ما يتعرض له المجتمع المدني من ضغوط وعراقيل؛ حيث كانت هذه التقديرات شحيحة للغاية، وما ذُكِرَ منها كان شديد العموميّة، كما أنه لم يُصَنِّف -على سبيل المثال- الدول الأكثر طردًا لمنظمات المجتمع المدني وكذلك الأكثر جذبًا، على مستوى العالم، وكذلك لم يُصَنِّف على الترتيب أيّ الأنشطة (ذات الصلة بعمل المجتمع المدني) هي الأكثر عُرضَة للتضييق على أنشطتها، سواء على مستوى دول العالم أو على مستوى كل قارة، بما في ذلك القارة الإفريقية.
بمعنى آخر نودّ القول بأن المؤشر قد اعتمد بشكل أساسي على المقابلات التي أجراها وما تَحصّل عليه من آراء وانطباعات الخبراء وناشطي حقوق الإنسان والعاملين بمنظمات المجتمع المدني، وذلك حول هذه الأوضاع التي تُواجه هذه المنظمات بشتى أنحاء العالم، بما في ذلك إفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما تم النص عليه صراحةً في الصفحة الافتتاحية للمؤشر.
ثانيًا: حول العلاقة بين الحكومات الإفريقيّة ومنظمات المجتمع المدني (في ضوء ما وَرَد بالمؤشِّر):
1- لا يزال المجتمع المدني في إفريقيا، وإفريقيا جنوب الصحراء على وجه الخصوص، يعاني الكثير من الضغوط والتحديات، والتي ينبع أغلبها من داخل البيئة الإفريقية، لا من خارجها، والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحكم الاستبدادي، سواء كان مدنيًّا أو عسكريًّا.
2- لا ترقى استجابة الحكومات الإفريقية للتعامل مع هذه التحديات، بالشكل الذي يتفق مع درجة حِدتها وخطورتها، أو لنقُل: إن المعتقد الأكثر شيوعًا لعدد كبير من الحكام الأفارقة لا يزال رافضًا لفكرة المجتمع المدني ومهامه داخل أراضيه؛ حيث ينظر إليها -في كثير من الأحيان- على أنها تمس سيادة بلاده، وتتخطى خطوطًا حمراء في موضوعات لا ترغب الحكومات الإفريقية في إصلاحها أو حتى مناقشتها من الأساس، ويزداد الأمر تعقّدًا مع تولي بعض الحكام العسكريين زمام الأمور في عدد من بلدان إفريقيا، خاصةً بمنطقة الساحل الإفريقي (مالي- بوركينا فاسو- النيجر)، التي شهدت مزيدًا من التضييق على الكثير من منظمات المجتمع المدني الناشطة لديها، كما أوردنا وفقًا لما جاء بمؤشِّر حالة المجتمع المدني لعام 2024م.
3- في الأخير؛ لاحظنا كيف تلجأ بعض الحكومات الإفريقية في الكثير من الأحيان إلى مقاربات ومسارات خاطئة للتعامل مع المجتمع المدني وما يواجهه من صعوبات، كقيامها بقمع منظماته الناشطة لديه، لا سيّما المنوطة بالمهام السياسية أو البيئية، وليس هناك شك في أن القمع يؤثر سلبًا على الأوضاع المتأزمة بالفعل بدلًا من التعاون لمواجهتها والتخفيف من آثارها، ما يؤدي إلى مزيد من تفاقم هذه الأوضاع، وإلى مزيد من احتدام العلاقة وإغلاق آفاق التعاون فيما بين الجانبين. ففي العديد من البلدان، أدت أعمال القمع إلى نتائج عكسية، كما حدث في منظمات المجتمع المدني الناشطة في حماية البيئة، ما أدى إلى مزيد من التعاطف تجاه نشطاء المناخ، وجذب الدعم نحوهم، وأسهم في تأجيج الكثير من الاحتجاجات. فحتى في ظل القمع، تستمر مثل هذه الحركات آخذة في الانتشار والتمدد.
………………………….
([1])Stephen Orvis, “Civil Society in Africa or African Civil Society?”, Journal of Asian and African Studies, (New York: Sage Publications, Vol. 36, No. 1, 2001), p.17.
([2]) Dwayne Woods, “Civil Society in Europe and Africa: Limiting State Power through a Public Sphere”, African Studies Review, (Cambridge: Cambridge University Press, Vol.35, No.2, Sep 1992), p.77.
([3]( Hamdy A. Hassan, “The State and Civil Society in Africa: A North African Perspective”, African Journal of Political Science and International Relations, (Academic Journals, Vol. 3, No.2, Feb 2009), pp.90-91.
([4])Michael Bratton, “Civil Society and Political Transition in Africa”, IDR Reports, (Institute for Development Research, Vol. 11, No. 6, 1994), p.5.
([6])“The Roles of Civil Society in Localising the Sustainable Development Goals”, Published paper in The African Civil Society Circle, (Berlin: The Konrad Adenauer-Stiftung and the Global Public Policy Institute, Mar 2016), p.4.
([7]) نِهاد محمود أحمد، “المجتمع المدني في إفريقيا جنوب الصحراء: النشأة- الأدوار- التحديّات.. معهد حقوق الإنسان والتنمية بغامبيا نموذجًا”، قراءات إفريقيّة، (لندن: مركز أبحاث جنوب الصحراء، العدد 57، يوليو 2023م)، ص 90.
([9]) Phiroshaw Camay, Florence Thinane, Thami Ngwenya, Bongani Magongo, “Challenges Facing Civil Society Organisations in South Africa”, In Bongani Magongo (Ed.), Enhancing Civil Society Participation in the South African Development Agenda: The Role of Civil Society Organisations, (Parktown: National Development Agency, 2016), p.100.
([10]) Samppa Kamara, Ahmad Arslan, Desislava Dikova, “Disadvantaged Entrepreneurship Development: The Role of Civil Society Organisations in the Sierra Leone Petty Trading Entrepreneurial Ecosystem”, In Emerald (Ed.), Disadvantaged Entrepreneurship and the Entrepreneurial Ecosystem, (Bingley: Emerald Group Publishing, 2022), p.2.
([11]) للمزيد حول منصة التحالف العالمي للمجتمع المدني “CIVICUS”، انظر الرابط التالي: https://www.civicus.org/index.php
([12]) Moira Cornejo, Elizaveta Filippova, Victoria Ubierna (Research Team), “2024 State of Civil Society Report”, (Johannesburg: The Global Civil Society Alliance “CIVICUS”, March 2024). Retrieved from: https://www.civicus.org/documents/reports-and-publications/SOCS/2024/state-of-civil-society-report-2024_en.pdf
([14]) Moira Cornejo, Elizaveta Filippova, Victoria Ubierna, “2024 State of Civil Society Report”, Op.Cit.
([16]) Moira Cornejo, Elizaveta Filippova, Victoria Ubierna, “2024 State of Civil Society Report”, Op.Cit.
([18]) Moira Cornejo, Elizaveta Filippova, Victoria Ubierna, “2024 State of Civil Society Report”, Op.Cit.
([21]) Moira Cornejo, Elizaveta Filippova, Victoria Ubierna, “2024 State of Civil Society Report”, Op.Cit.
([23]) Moira Cornejo, Elizaveta Filippova, Victoria Ubierna, “2024 State of Civil Society Report”, Op.Cit.
([25]) Moira Cornejo, Elizaveta Filippova, Victoria Ubierna, “2024 State of Civil Society Report”, Op.Cit.
([27]) Moira Cornejo, Elizaveta Filippova, Victoria Ubierna, “2024 State of Civil Society Report”, Op.Cit.
([29]) Moira Cornejo, Elizaveta Filippova, Victoria Ubierna, “2024 State of Civil Society Report”, Op.Cit.