كريستوف تيتيكا[1] – ذي كونفرسيشن[2]
ترجمة: قراءات إفريقية
تصدرت العلاقات الغامضة والمضطربة في كثير من الأحيان بين أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة عناوين الصحف في الأشهر الأخيرة، ففي تقرير أممي نشر في يوليو 2024ذكر فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بجمهورية الكونغو الديمقراطية أن الجيش الأوغندي ومسؤولي المخابرات كانوا يقدمون الدعم النشط لمجموعة المتمردين “مجموعة 23 مارس”، والذي يرمز لها بالرمز المختصر M23. وقد هُزمت المجموعة، النشطة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، لأول مرة في عام 2013، لكنها استأنفت الأعمال العدائية في المنطقة الشاسعة منذ عام 2021.
وخلص تقرير الأمم المتحدة أيضًا أن أوغندا كانت تتسامح مع أنشطة المجموعة على أراضيها، مع الإمدادات والمجندين القادمين عبر البلاد، فقد كانت المطالب الرئيسية للمجموعة M23 “هي نهاية العنف والتمييز ضد التوتسي الكونغوليين والعودة الآمنة لأعضائها إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية”.
وقد نفت أوغندا ما وصفته بـ “ادعاءات تقرير الأمم المتحدة”، واصفة إياه بأنه مضحك وبلا أساس وغير منطقي”، ووصفت الأمم المتحدة بأنها تريد أن تحافظ على علاقاتها مع كينشاسا.
لقد درستُ الصراع وحركات التمرد في جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا لما يقرب من عقدين، ومن وجهة نظري، فإن المصالح الرئيسية لأوغندا في جمهورية الكونغو الديمقراطية اقتصادية، لكنها مرتبطة أيضًا ارتباطًا وثيقًا بالمصالح السياسية والأمنية، ومن ثم فإن فهمها هو مفتاح لفهم الصراع في المنطقة.
- الحوافز الاقتصادية
من المهم لفهم مصالح أوغندا في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية هو فهم الحرب الكونغولية الثانية (1998-2003). فقد اندلعت الحرب في عام 1998، بعد أن ساعدت رواندا في جلبها لوران ديزيريه كابيلا إلى السلطة في جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 1997. وقد كانت أوغندا واحدة من البلدان المنجذبة إلى الصراع، وقد لعب اهتمام رواندا وأوغندا بالموارد الطبيعية، مثل الذهب والأخشاب، وكذلك التجارة الإقليمية غير المشروعة في هذه السلع، دورًا مهمًا.
في عام 2022، قضت محكمة العدل الدولية بأن تدفع أوغندا لجمهورية الكونغو الديمقراطية 325 مليون دولار كتعويض عن نهب الذهب والماس والأخشاب خلال الحرب. وقد أثر ذلك على الطريقة التي ينظر بها المراقبون الكونغوليون والدوليون إلى أوغندا، فلا تزال هذه السلع مهمة لأوغندا حتى اليوم. فقد كشف تحقيق حديث على سبيل المثال توثيق التهريب المستمر للأخشاب الكونغولية إلى أوغندا وأجزاء أخرى من شرق إفريقيا، لكن الذهب هو المهم بشكل خاص، حيث تصدر أوغندا ذهبًا أكثر بكثير مما تنتجه؛ ففي عام 2021، على سبيل المثال، أنتجت 2.9 طن وصدرت 30.2 طن.
ومن المعروف على نطاق واسع أن معظم الذهب المصدّر على أنه أوغندي يتم تهريبه من جمهورية الكونغو الديمقراطية. ومنذ عام 2016، كان الذهب أهم منتج تصديري لأوغندا، كما تشير أحدث البيانات المتاحة للسنة المالية 2023، إلى أن الذهب حقق 2.7 $ مليار في الإيرادات، أو ما يماثل 37٪ من عائدات التصدير الأوغندية. كما أن جمهورية الكونغو الديمقراطية مهمة أيضًا بطريقة أخرى لأوغندا كسوق للتصدير، ففي يونيو 2024، صدرت أوغندا 60 مليون دولار أكثر مما استوردته، مع اعتبار أن جمهورية الكونغو الديمقراطية هي أكبر سوق لها.
- المصالح السياسية
كل هذا له معنى سياسي مهم لأوغندا على المستويين الوطني والإقليمي:
أولاً، الأهمية الاقتصادية للسوق الكونغولية تمثل أهمية سياسية قوية بالنسبة لنظام يوري موسيفيني؛ فالرئيس موجود في السلطة منذ ما يقرب من 40 عامًا، وأساس شرعيته آخذ في التضاؤل – خاصة بالنسبة لـ “أطفال موسيفيني”، وهم النسبة الكبيرة من السكان الذين ولدوا في ظل حكمه. فهم يريدون الخدمات العامة والوظائف. كما يخشى النظام من احتمال احتجاجات الشباب، فقد تم اختبار ذلك في عام 2011 خلال احتجاجات “المشي إلى العمل”. وتذكرنا الاحتجاجات الكينية الأخيرة بما يمكن أن يتكرر عندما ينعدم الاستقرار الاقتصادي.
كما يُنظر إلى السوق الكونغولية على أنها سوق رئيسية، وهذا يفسر سبب مشاركة أوغندا في تمويل بناء 223 كيلومترًا من الطرق في شرق الكونغو، وقد تم إطلاق المشروع في يونيو 2021، ودافع موسيفيني عن المشروع باعتباره يحمل فوائد اقتصادية كبيرة لأوغندا.
ثانيًا، إن الوصول إلى السوق الكونغولية يكمن وراء التوترات الجيوسياسية الإقليمية، حيث إن لرواندا مصالح اقتصادية مماثلة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالذهب. وعلى غرار أوغندا، لا تملك رواندا سوى القليل من الإنتاج المحلي من الذهب، ولكنها مصدّر رئيسي لهذه السلعة: فمنذ عام 2016، أصبح الذهب أهم منتجاتها التصديرية. وقد ارتفعت عائدات تصدير الذهب إلى 882 مليون دولار أمريكي في عام 2023، ومن المقبول على نطاق واسع أن معظمها يتم تهريبه من جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وقد قعت كل من رواندا وأوغندا في السنوات الأخيرة عقود تعدين في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومن ثم فإن هذه المصالح المشتركة هي مصدر للتوترات الجيوسياسية الإقليمية. وقد وجدت الدراسات أن إعادة ظهور حركة 23 مارس في نوفمبر 2021 كان نتيجة مباشرة لهذه التوترات، حيث اعتبر توسع المصالح الأوغندية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية – من خلال أعمال الطرق وإعادة نشر القوات الأوغندية هناك في نوفمبر 2021 – تهديدًا مباشرًا للمصالح الرواندية في المنطقة، فكلما وسعت حركة 23 مارس منطقة نفوذها في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية طوال عامي 2022 و2023 – بدعم مباشر من كيغالي – كلما رأت كمبالا أن حركة 23 مارس تشكل تهديدًا لمصالحها. أو بعبارة أدق، حركة 23 مارس التي كانت آنذاك خاضعة لنفوذ رواندا وحدها، فقد كانت علاقات أوغندا متقلبة مع رواندا. وقد كانت حكومة موسيفيني في البداية قريبة من الرئيس الرواندي بول كاغامي والجبهة الوطنية الرواندية. لكنهما شهدا صعودًا وهبوطًا، حيث كان النفوذ الإقليمي نقطة خلاف رئيسية. وفي هذا السياق، لا يمكن لموسيفيني أن يسمح لكاجامي بالسيطرة المنفردة على شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. وتريد كمبالا أيضا حماية مصالحها الاقتصادية في المنطقة.
- الأمن:
يتشابك الأمن بشكل وثيق مع المصالح الاقتصادية، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك عملية “شجاع” Operation Shujaa- العملية العسكرية الأوغندية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. وقد انطلقت العملية بالتعاون مع الجيش الكونغولي بعد شهر من سلسلة الهجمات الانتحارية التي نفذتها جماعة القوات الديمقراطية المتحالفة المتمردة في أكتوبر 2021 في كمبالا. تنشط هذه الجماعة في مقاطعتي شمال كيفو الشمالية وإيتوري في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، ويريد الجيش الأوغندي إضعاف الجماعة المتمردة. وفي الوقت نفسه، تخدم هذه العملية العسكرية أيضًا وظائف اقتصادية: فأشغال الطرق في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية هي جزء صريح من العملية العسكرية. كما تهدف العملية أيضًا إلى حماية البنية التحتية النفطية حيث تمتلك أوغندا رواسب نفطية مهمة في منطقتها الغربية المتاخمة لجمهورية الكونغو الديمقراطية، فهذه العائدات النفطية الموعودة مهمة لنظام موسيفيني.
نقطة التوازن:
لدى أوغندا العديد من المصالح ذات الصلة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. وخلال فترات الاضطرابات، مثل أزمة حركة 23 مارس الحالية، تحاول أوغندا حماية هذه المصالح. وهذه نقطة توازن صعبة؛ فوجود حركة 23 مارس في المنطقة يجبر كمبالا على التحرك لحماية مصالحها. ويُنظر إلى ترك شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية أو حركة 23 مارس تحت نفوذ رواندا فقط على أنه تهديد لهذه المصالح. لكن كمبالا لا تريد إغضاب كينشاسا – فهي تريد الحفاظ على وصولها إلى السوق الكونغولية، وبالتالي فإن النتائج الأخيرة لتقرير فريق خبراء الأمم المتحدة تشير إلى نوع من التسوية. حيث يشير التقرير إلى دعم سلبي إلى حد كبير لحركة 23 مارس، مما يشير إلى أن أوغندا تحقق بعض النفوذ على الحركة مع الاحتفاظ بعلاقاتها مع جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وفي الختام، فلا يمكن فهم الأزمة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية بمعزل عن غيرها، فالبلدان المجاورة متورطة بطرق متنوعة ويجب أن يشمل فهم الصراع أو حله إشراك هذه البلدان.
……………..
[1] أستاذ التنمية الدولية، جامعة أنتويرب
[2] نشر في 20 أغسطس 2024، على الرابط التالي: https://bit.ly/4dOqNZu .