نشطت الميديا الصينية، ونظيرتها المسايرة لها في إفريقيا في الفترة الأخيرة في الترويج لفعاليات قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي المرتقبة في بكين في مطلع سبتمبر المقبل، والملاحظ على هذه التغطية التأكيد على إسهامات الصين في دعم الاقتصادات الإفريقية في السنوات الأخيرة، وتقديم صورة وردية عن مستقبل هذا الدعم، رغم التراجع الملحوظ فيه في السنوات الأخيرة؛ مما يُؤشّر ربما إلى حملة علاقات عامة صينية في إفريقيا استباقًا للقمة، مع تجاهل مناقشة تفاصيل أجندتها ومدى واقعيتها وآثارها في إفريقيا بالفعل.
تناول المقال الأول صلة نيجيريا بالمنتدى واحتمالات وضعها أجندة عملية لتحقيق تعاون نيجيري- صيني حقيقي بعيدًا عن البروتكولات الشكلية التقليدية في المنتدى.
أما المقال الثاني فقد نشرته واحدة من أهم المنافذ الإعلامية الصينية الناطقة باللغة الإنجليزية، وعرض لرؤية مؤيدة للغاية لدور الصين في دعم التنمية في إفريقيا.
وركز المقال الثالث على تناول دور الصين في دعم قطاع الطاقة المتجددة في حالتين محددتين وهما كينيا وإثيوبيا.
نيجيريا وقمة التعاون الصيني الإفريقي في سبتمبر ([1]):
سيصل الرئيس النيجيري أحمد بولا تينوبو في زيارته الرسمية الأولى للصين للمشاركة في قمة رؤساء الدول والحكومات لأربع وخمسين دولة زائد الصين في أعمال منتدى التعاون الصيني الإفريقي فوكاك Forum on China Africa Cooperation (FOCAC) المقرر عقدها في بكين في الفترة 4-6 سبتمبر المقبل.
وتأتي هذه القمة تحت عنوان “المشاركة من أجل تحديث وبناء جماعة صينية إفريقية رفيعة المستوى ذات مستقبل مشترك” “Joining hands to advance Modernization and build a high-level China-Africa Community with a Shared Future” لتجمع قادة وممثلي حكومات ومنظمات إقليمية إفريقية أخرى، وكذلك منظمات دولية. ومنذ نحو ثلاثة أسابيع زار نائب وزير الشؤون الخارجية الصيني تشين تشياودونج Chen Xiaodong نيجيريا وقدم دعوة للرئيس تينوبو مؤكدًا له “أنه زعيم هام واستراتيجي في إفريقيا” مضيفًا أن زيارته إلى الصين “ولقائه مع الرئيس شي جينبنغ ستفتح الطريق أمام مزيد من المناقشات والفرص لنيجيريا وإفريقيا”.
وقال تينوبو خلال استقباله لنائب وزير خارجية الصين والوفد المرافق له: “إنه يقدر ما يقوم به الرئيس شي جينبنغ في إفريقيا؛ والمساعدة بحشد رأس المال لمشروعات تؤثر (بدورها لاحقًا) بشكل إيجابي على حياة ومعيشة شعوبنا في إفريقيا”.
كما ذكر أن “حاجة إفريقيا من البنية التحتية واضحة للعيان، لا سيما في نيجيريا”. وعبر الرئيس تينوبو -الذي قبل الدعوة لزيارة الصين- عن أمله في أن تؤدي زيارته إلى تقوية التعاون الثنائي القائم بين البلدين.
وقد تمت ترقية المؤتمر الوزاري التاسع لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي إلى قمة لرؤساء الدول والحكومات، وسيكون المنتدى الرابع لمثل هذه القمم منذ تكوينه في العام 2000م. وعقدت القمة الأولى من نوعها في العام 2006م في بكين، والثانية في جوهانسبرج في العام 2015م تلتها قمة ثالثة في بكين أيضًا في العام 2018م. وستنعقد القمة الرابعة، وهي الجولة التاسعة من مؤتمر الصين وإفريقيا الذي يُعْقَد كل ثلاثة أعوام، في بكين في سبتمبر المقبل.
كما لاحظ نائب وزير الخارجية الصيني خلال زيارته لنيجيريا أن الاجتماع الثنائي المرتقب معها على هامش أعمال القمة سيُطْلِق فرصًا جديدة. وبالنسبة لنيجيريا، التي تُطبّق تحت قيادة الرئيس تينوبو إصلاحات اقتصادية قاسية، فإن الكلمات المجردة وبيانات التضامن المألوفة من الغرب لن تكون كافية. وستحصل نيجيريا بالتأكيد من بكين على مدخلات عملية تتمثل على وجه الخصوص في مزيد من الاستثمارات والتجارة وتحديثات البنية الأساسية، وعلى النحو الذي سيساعد نيجيريا في تطبيق المزيد من الإصلاحات الاقتصادية بكفاءة ملحوظة على المديين القريب والبعيد.
والأمر الأكثر أهمية أن الصين تتمتع بسمعة عالمية في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية الأكثر نجاحًا مع عائدات لم تُنْهِ فحسب حالة الفقر المدقع وسط 1.4 بليون نسمة، لكنها باتت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ومقصدًا لكبار المستثمرين في العالم.
ونظرًا لأن التقليد الأعمى لتجربة الصين أو أي دولة أخرى في نيجيريا لن يضيف الكثير لنيجيريا فإنه من الأهمية بمكان دراسة مسارات إصلاحات الصين الاقتصادية العميقة من أجل الإسهام الجدي في تحقيق الهدف بعيد المدى لتحقيق تعافٍ اقتصادي، واستدامة وتحسن في مستوى معيشة النيجيريين.
وقد مرت نيجيريا والصين بفترة طويلة من التعاون، لكن التباين في وجهتي نظرهما تجاه هذه العلاقات (الصين تنظر لتعاون الجنوب- الجنوب كمنطقة عازلة ضد إستراتيجية الغرب العدوانية تجاه الصين المعروفة بالاحتواء، وتحدّي الإصلاحات الاقتصادية الملحة في نيجيريا وفق أبجديات الرأسمالية الغربية)، يعني أن كلا الجانبين عليهما التشاور بشأن تعاون مصالح يفوق المبادلات الروتينية العادية. وتمثل حالة نيجيريا حالة مُلحَّة لقادتها ومسؤوليها وضرورة العمل جديًا على حلها وعدم الاكتفاء بالأجواء البروتوكولية (لقمة التعاون الصيني الإفريقي).
تمويل الصين يساعد التنمية الإفريقية([2]):
لعبت المساعدات المالية من الصين دورًا مهمًّا في تطوير البنية الأساسية في إفريقيا منذ إطلاق منتدى التعاون الصيني الإفريقي أو “فوكاك”، مما أفسح الطريق أمام الازدهار الاقتصادي بحسب رصد مراقبين، وأضافوا أن التعاون الصيني- الإفريقي سوف يساعد في مواجهة التحدي المتصاعد الذي يواجه القارة مثل تغيُّر المناخ. وقال لوكاس إنجل L. Engel، وهو محلل بيانات في مبادرة الصين العالمية Global China Initiative في مركز التنمية العالمية بجامعة بوسطن Boston University Global Development Policy Center في الولايات المتحدة، إنه فيما انخفض حجم الإقراض من الصين لإفريقيا في السنوات القليلة الماضية، فإنه قد أُضيف إجمالًا للتمويل الصيني المتراكم لمشروعات التنمية في إفريقيا في الأعوام السابقة.
وقال إنجل خلال سيمنار مباشر على الإنترنت قبيل قمة فوكاك المجدولة في بكين في سبتمبر: إنه منذ إطلاق فوكاك قدّم كل من بنك التصدير والاستيراد الصيني وبنك التنمية الصيني التزامات بقروض كبيرة لإفريقيا، وُجِّه أغلبها نحو مشروعات بنية أساسية مهمة في قطاعات الطاقة والنقل وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وقال إنجل: إنه خلال السنوات السابقة كانت مجالات مثل البنية الأساسية والزراعة والانتقال الطاقوي والتجارة والتكامل الاقتصادي كانت مجالات رئيسة للمقاربة الصينية. ويوقن أن اجتماع “فوكاك” المقبل سيكشف عن مدى التغيرات في إسهامات الصين في تنمية إفريقيا.
منصة رئيسة:
عقب تأسيس فوكاك، كمنصة تعاون رئيسة بين الصين وإفريقيا في العام 2000م، نمت علاقات الصين الاقتصادية مع القارة الإفريقية وتطورت بشكل كبير. وطوال العقدين الفائتين كانت الصين الشريك التجاري الثنائي الأكبر مع إفريقيا. كما قال خبراء: إن الصين بزرت كمساهم مالي رئيس لإفريقيا؛ كونها تقدم للدول الإفريقية مصدرًا جديدًا لتمويل البنية الأساسية والتعدين والطاقة. ومن بين المشروعات الرئيسة التي تمولها الصين في إفريقيا خط سكك حديد مُمباسا- نيروبي الذي يربط بين أكبر مدينتين في كينيا، ويتوقع أن يُعزّز الخط النمو الاقتصادي السنوي لكينيا بما لا يقل عن 1.5% وفقًا لخبراء كينيين.
وقالت دياناه نجوي موتشاي Dianah Ngui Mucha، وهي مديرة أبحاث في كونسرتيوم البحوث الاقتصادية الإفريقية African Economic Research Consortium (منظمة غير حكومية في كينيا): إن الصين أصبحت شريك رئيس للكثير من الدول الإفريقية، مع التركيز على قطاعات مثل تطوير البنية الأساسية، والموارد الطبيعية، والتصنيع، والتي تسهم بدورها في تطوير الكثير من الدول الإفريقية. ومستقبلًا توقعت موتشاي تحقق مزيد من التعاون الثنائي وفق فوكاك، وتلبية الحاجات الملحة لإفريقيا مثل الطاقة المتجددة مع سعي إفريقيا لتلبية حاجات المتزايدة من الطاقة والانتقال نحو موارد الطاقة المستدامة. وأضافت موتشاي أنه “في ضوء التحديات الاقتصادية الحالية في إفريقيا وفرص الطاقة، فإن المرحلة المقبلة من العلاقات الاقتصادية الصينية الإفريقية ستشهد لعب الصين دورًا أكبر في الإسهام في أهداف تنمية خفض مستويات الكربون في الدول الإفريقية”.
بفضل “فوكاك”، الصين تلعب دورًا رئيسًا في انتقال إفريقيا للطاقة المتجددة([3]):
ميز تكوين منتدى التعاون الصيني الإفريقي “فوكاك” Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) في العام 2000م فصلًا جديدًا في العلاقات الصينية الإفريقية. فقد أتاحت تلك المنصة للصين تقوية صلاتها مع إفريقيا وتوسيع مجالات نفوذها. ومع إطلاق هذا الإطار يمكن للدول الإفريقية الآن المشاركة في مشاورات حول قضايا ترى أنها أكثر ارتباطًا بها وحول كيفية تحقيق تعاونها مع الصين سيفيد تلك الاقتصادات. وبات أثر هذا الإطار واضحًا بالفعل. فقد كشفت البيانات المتحصلة من مكتب معلومات مجلس الدولة الصيني Chinese State Council Information Office أن نحو 52% من مخصصات مساعدات التنمية الصينية للخارج وُجِّهت إلى مشروعات متعددة في الدول الإفريقية منذ تكوين “فوكاك”، وبعضها في قطاع الطاقة.
وفي العام 2015م خلال قمة فوكاك في جوهانسبرج أعادت الصين تأكيد دعمها لتطوير مشروعات الطاقة المتجددة في إفريقيا بما في ذلك بناء محطات طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وفي قمة فوكاك في بكين في العام 2018م التزام الرئيس تشي جينبنغ بتأسيس “مؤسسة الصين- إفريقيا لابتكارات وتطبيقات تكنولوجيا الطاقة المتجددة China-Africa Cooperation on Renewable Energy Technology Innovation and Application من أجل مواجهة نقص الطاقة في إفريقيا.
وأُعيد التأكيد على هذا الالتزام في قمة فوكاك في داكار بالسنغال في العام 2021م؛ حيث تعهدت بكين بدعم انتقال إفريقيا للطاقة المتجددة عبر بناء 10 مشروعات طاقة خضراء وتقديم تدريب لعشرة آلاف متخصص إفريقي في القطاع.
وفي ظل “فوكاك” قدّمت الصين أبرز التزاماتها بتمويل مشروعات الطاقة الخضراء في إفريقيا. وهو أمر مهم يتسق مع الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة التي تؤكد على أهمية الطاقة النظيفة والوفيرة لتطوير قطاعات الزراعة والأعمال والاتصالات والتعليم والرعاية الصحية والنقل. أخذًا في الاعتبار حقيقة أن نقص الوصول لخدمات طاقة حديثة يمثل عقبة رئيسة أمام التنمية في إفريقيا ومجمل الجنوب العالمي. وأنه مع الإقرار بالحاجة لكفاءات طاقوية مزيدة فإن إفريقيا حددت مجال تنمية الطاقة الخضراء كمجال ذو مقدرات هائلة في القارة. ويُعدّ التأكيد على قطاع إنتاج الطاقة في قمم فوكاك الثلاثة المتعاقبة استجابة لتحديات الوصول لطاقة كهربائية كافية في إفريقيا والتي لا تزال بدورها قائمة.
الصين والطاقة المتجددة في كينيا وإثيوبيا:
تقوم الصين، باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بتقديم دعم مالي كبير من أجل تطبيق مشروعات الطاقة النظيفة في إفريقيا عبر “فوكاك”. وعلى سبيل المثال قدمت الصين منذ العام 2000 تمويل لما يقرب من ثلث قدرة شبكات الربط الكهربائي في إفريقيا جنوب الصحراء.
وحظي انتقال كينيا للطاقة المتجددة بدعم كبير من جمهورية الصين الشعبية، لا سيما عبر استثمارات في مشروعات حرارية أرضية وشمسية. وبدعم من بكين حققت كينيا نجاحًا كبيرًا في هذا المسار. فقد صممت شركة Jianxi Corporation for International Economic and Technical Co-operation (CJIC) الصينية، بالشراكة مع هيئة الطاقة الريفية Rural Energy Authority (REA) في كينيا، وشيَّدت واحدًا من أكبر محطات الطاقة الكهربائية الفوق فولتية في شرق إفريقيا وهي محطة جاريسا Garissa الواقعة في الجزء الشمالي الجاف من البلاد.
كما كانت استثمارات الصين في الطاقة الخضراء في إثيوبيا ذات أثر كبير. وتمثل الطاقة المتجددة الآن نحو 90% من قدرات إثيوبيا من الطاقة المثبتة، بعد أن كانت النسبة 33% فقط في العام 2010م، وترجع تلك الزيادة بشكل كبير للاستثمارات الصينية. ويتكون مشروع محطة أداما Adama لطاقة الرياح، والذي موَّله بنك التصدير والاستيراد الصيني China Exim Bank بقيمة 460 مليون دولار، من مرحلتين أداما 1، وأداما 2. ويعمل مشروع أداما1، الذي تصل قدرته إلى 51 ميجاوات، منذ العام 2012م وموَّله بنك التصدير والاستيراد الصيني (85%) والحكومة الإثيوبية (15%). أما أداما 2 الذي يُولّد حاليًا 153 ميجاوات فقد بدأ العمل فيه في العام 2015م وموّله بالأساس بنك التصدير والاستيراد الصيني. وتم تطوير كلا المشروعين عبر مشروع مشترك joint-venture لشركة هيدرو- تشاينا Hydro- China و CGCOC ويعمل بتكنولوجيا وخبرة صينيتين.
وقد حسَّن مشروع أداما لطاقة الرياح بشكل كبير من استقلال إثيوبيا الطاقوي عبر تنويع مواردها من الطاقة، وخفض الاعتماد على واردات الوقود الأحفوري. ويلعب المشروع الآن دورًا مهمًّا في تلبية حاجات البلاد المتنامية من الطاقة، ولا سيما في المناطق الريفية.
علاوةً على ذلك؛ فإن ذلك يتسق مع هدف إثيوبيا بتحقيق اقتصاد أخضر مقاوم للتغيرات المناخية؛ لأن المشروع يعزّز استخدام الطاقة المستدامة، ويعزّز الأمن الطاقوي عبر استخدام موارد الرياح المحلية. ولا يؤدي ذلك الانتقال فحسب إلى استقرار أسعار الطاقة، لكنّه يخفف أيضًا من الآثار البيئية المرتبطة بموارد الطاقة التقليدية. وتعد الاستثمارات الصينية في قطاعي الطاقة في كينيا وإثيوبيا مجرد أمثلة إلى جانب الكثير من المشروعات في القارة.
……………………………..
[1] Charles Onunaiju, Nigeria and the China-Africa September summit, The Nation, August 15, 2024 https://thenationonlineng.net/nigeria-and-the-china-africa-september-summit/#google_vignette
[2] OTIATO OPALI, China funding aids Africa development, China Daily, August 15, 2024 https://www.chinadaily.com.cn/a/202408/15/WS66bd5dafa3104e74fddba15f.html
[3] Eric Biegon, Thanks to FOCAC, China is playing a major role in driving Africa’s transition to renewable energy, KBC, August 17, 2024 https://www.kbc.co.ke/thanks-to-focac-china-is-playing-a-major-role-in-driving-africas-transition-to-renewable-energy/