يمثل الفوز الأخير لحزب العمال في المملكة المتحدة، بقيادة السير كير ستارمر، تحولًا كبيرًا في السياسة البريطانية، ومن المتوقع أن يكون لهذا التغيير آثارًا كبيرة على إفريقيا، نظرًا للعلاقات التاريخية والاقتصادية والسياسية بين المملكة المتحدة والعديد من الدول الإفريقية.
ومن المعروف أنه منذ الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016، تراجعت إفريقيا على قائمة الأجندة السياسية في المملكة المتحدة. وعلى سبيل المثال أدى تفكيك وزارة التنمية الدولية ودمجها في وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية الجديدة في عام 2020، فضلاً عن تقويض المساعدات لصالح تلبية الاحتياجات البريطانية الداخلية، إلى رحيل العديد من الموظفين ذوي الخبرة الذين حافظوا على العلاقات مع السياسيين وقادة المجتمع المدني الأفارقة. كما ركزت المناقشات الأخيرة حول إفريقيا على نقل بعض المهاجرين إلى رواندا، أي النظر إلى إفريقيا بحسبانها مصدر تهديد.
ويحاول هذا المقال استقراء ما يعنيه فوز حزب العمال بالنسبة لإفريقيا، مع التركيز على التغييرات المحتملة في المساعدات الخارجية، والسياسات التجارية، والهجرة، والعلاقات الدبلوماسية.
السياق التاريخي والأهمية:
إن علاقة إفريقيا مع المملكة المتحدة متجذرة بعمق في ماضيها الاستعماري. وتتمتع دول مثل نيجيريا وغانا وسيراليون وكينيا بعلاقات طويلة الأمد مع المملكة المتحدة، والتي لا تزال تؤثر على معالمها السياسية والاقتصادية والثقافية. وإجمالاً، تنتمي 21 دولة إفريقية من أصل 56 إلى منظمة الكومنولث، بما في ذلك الدول الأكثر اكتظاظًا بالسكان والقوة مثل نيجيريا وجنوب إفريقيا. وتعد اللغة الإنجليزية هي لغة رسمية في جميع هذه البلدان، باستثناء موزمبيق، حيث اللغة البرتغالية هي لغة المجتمع. أما في الكاميرون ورواندا، تعد اللغتان الإنجليزية والفرنسية لغتين رسميتين.
لقد كانت أحد الركائز الأساسية لسياسة حزب المحافظين في إفريقيا هي محورية الشراكات الاقتصادية. إذ بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سعت المملكة المتحدة إلى توقيع اتفاقيات التجارة الثنائية مع الدول الإفريقية. والمنطق هنا واضح: تأمين أسواق جديدة للسلع والخدمات البريطانية وضمان الوصول إلى الموارد الطبيعية الغنية في إفريقيا. وتتجلى هذه الاستراتيجية في مبادرات مثل قمة الاستثمار البريطانية الإفريقية التي عقدت عامي 2020 و2024، والتي سلطت الضوء على فرص الاستثمار والتعاون الاقتصادي.
ومع ذلك، يرى النقاد أن هذا التركيز الاقتصادي غالبًا ما يعطي الأولوية للمصالح البريطانية على مصالح الدول الإفريقية. إن طبيعة هذه الاتفاقيات التجارية تعكس في بعض الأحيان أنماطًا تاريخية من الاستغلال، حيث يتم استخراج الموارد الإفريقية بأقل فائدة للمجتمعات المحلية. وهناك أيضًا مخاوف من أن الضغط من أجل التحرير الاقتصادي وإلغاء القيود التنظيمية قد يؤدي إلى تقويض الصناعات المحلية، ويؤدي إلى زيادة عدم المساواة. وعلى أية حال من الممكن أن تبشر عودة حزب العمال إلى السلطة بعد 14 عامًا من المعارضة بتغييرات كبيرة في هذه العلاقات، وخاصة في مجالات مساعدات التنمية والسياسة الخارجية.
مساعدات التنمية والسياسة الخارجية:
واحدة من أهم المجالات الرئيسية التي من المتوقع أن يكون لحكومة حزب العمال تأثير فيها هي المساعدات التنموية. تاريخيًا، أظهرت حكومات حزب العمال التزامًا قويًا بالتنمية الدولية. على سبيل المثال، أسهمت إدارة توني بلير بدور فعال في إنشاء وزارة التنمية الدولية في عام 1997، والتي أدت إلى زيادة كبيرة في مساعدات المملكة المتحدة للدول النامية. ومع ذلك، في ظل حكومة المحافظين، تم دمج وزارة التنمية الدولية مع وزارة الخارجية في عام 2020، وتم تخفيض ميزانية المساعدات الخارجية من 0.7٪ إلى 0.5٪ من الدخل القومي الإجمالي . وقد تم انتقاد هذا التخفيض لأنه يقلل من دور المملكة المتحدة في دعم السكان الأكثر ضعفًا في العالم. ويشير بيان حزب العمال إلى تراجع محتمل عن هذه التخفيضات وإعادة برنامج مساعدات أكثر قوة، مع التركيز على تخفيف حدة الفقر والتنمية المستدامة في إفريقيا.
السياسات التجارية:
تعتبر التجارة مجالًا حاسمًا آخر، حيث قد يؤثر فوز حزب العمال على العلاقات التجارية مع إفريقيا. ولا تزال السياسات التجارية في المملكة المتحدة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي تتطور، ومن الممكن أن يقدم نهج حزب العمال شروطًا أكثر ملاءمة للدول الإفريقية. ويؤكد بيان حزب العمال على ممارسات التجارة العادلة وتعزيز الشراكات الاقتصادية التي تعود بالنفع على كلا الطرفين. ويمكن أن يترجم ذلك إلى تحسين وصول المنتجات الإفريقية إلى الأسواق ودعم الصناعات المحلية، وتعزيز النمو الاقتصادي والتنمية.
الهجرة وحرية الحركة:
من المتوقع أن تكون سياسات الهجرة في ظل حكومة حزب العمال أكثر شمولًا مقارنة بإدارة المحافظين. وكانت حملة القمع التي شنتها حكومة المحافظين ضد الهجرة، وخاصة على الطلاب والعمال المهرة، قضية مثيرة للجدل. وقد تأثر النيجيريون، وهم ثاني أكبر مجموعة من المهاجرين من خارج الاتحاد الأوروبي إلى المملكة المتحدة، بشكل كبير بهذه السياسات. ويشير بيان حزب العمال إلى تحول نحو السياسات التي يمكن أن تسمح بهجرة أكثر توازنًا، مع التركيز على المهاجرين المهرة واحتمال تخفيف القيود المفروضة على لم شمل الأسر. وهذا يمكن أن يفيد العديد من الأفارقة الذين يبحثون عن فرص تعليمية وتوظيفية أفضل في المملكة المتحدة.
دعم العلاقات الدبلوماسية:
يمكن أن تشهد العلاقات الدبلوماسية بين المملكة المتحدة والدول الإفريقية تحولًا إيجابيًا في ظل حكومة حزب العمال. ومن المتوقع أن تركز سياسة حزب العمال الخارجية على التعددية، وحقوق الإنسان، والتعاون الدولي. ومن الممكن أن يعزز هذا النهج مشاركة المملكة المتحدة مع الدول الإفريقية في القضايا العالمية مثل تغير المناخ والأمن والصحة. ويمكن لإفريقيا الاستفادة من هذه الفرصة للتفاوض على اتفاقيات أكثر قوة ومفيدة للطرفين مع المملكة المتحدة. ويعد العدد المتزايد من مؤتمرات قمة “إفريقيا + 1″، حيث يجتمع القادة الأفارقة مع قادة من مناطق أخرى لمناقشة التعاون، مثالًا على كيفية قيام القارة بالمشاركة بشكل أكثر فعالية مع حكومة المملكة المتحدة التي يقودها حزب العمال.
وعلى الرغم من هذه الفوائد المحتملة، لا تزال هناك تحديات. ويتعين على حزب العمال أن يوازن بين أولوياته الداخلية والتزاماته الدولية. ومن المحتمل أن يحد الوضع الاقتصادي في المملكة المتحدة، وخاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفي أعقاب جائحة كوفيد-19، من حجم المساعدات والاستثمارات التي يمكن أن تقدمها.
علاوة على ذلك، يتعين على إفريقيا أن تشكل جبهة موحدة لتعظيم قدرتها على التفاوض. وستكون المطالب الواضحة والمتماسكة من الدول الإفريقية فيما يتعلق بسياسات التجارة والمساعدات والهجرة حاسمة في تشكيل شراكة مفيدة مع حكومة حزب العمال.
وختامًا فإن فوز حزب العمال في المملكة المتحدة يحمل في طياته تداعيات كبيرة بالنسبة لإفريقيا. إن الزيادات المحتملة في مساعدات التنمية، وسياسات التجارة الأكثر عدالة، وقواعد الهجرة الأكثر شمولًا، وتعزيز العلاقات الدبلوماسية يمكن أن تعزز علاقة أكثر قوة وشراكات تعاونية بين المملكة المتحدة والدول الإفريقية. ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الفوائد سيتطلب مشاركة استراتيجية ومفاوضات من جانب القادة الأفارقة لضمان تمثيل مصالحهم ومعالجتها بشكل مناسب. وبينما تتشكل الحكومة الجديدة في لندن، يجب على إفريقيا أن تظل سباقة في مشاركتها للاستفادة من هذا التحول السياسي في المملكة المتحدة.