كان الدكتور “توماس مينساه” مهندسًا ومخترعًا كيميائيًّا؛ ساهم في تطوير الألياف البصرية التي يعتمد عليها الإنترنت، وشارك في تطوير تكنولوجيا النانو. ووُصِفَ مرارًا كأحد أعظم العقول في القرن الحادي والعشرين. ومن بين عشرات الاختراعات الأخرى كان “توماس” بارزًا في إنتاج أول أنظمة الصواريخ الموجهة بالليزر.
الولادة والتعليم:
وُلِدَ “توماس منساه” (Thomas O. Mensah) في كوماسي بجمهورية غانا في عام 1950م. وكان والده “J.K. Mensah” رجل أعمال يشحن منتجات الكاكاو إلى مصنّعي الشوكولاتة في فرنسا. وكان “توماس” طفلًا لامعًا تعلم قراءة الصحف في سن مبكرة والتحدث بالفرنسية؛ لمساعدة والده في إجراء حوارات مع الشركاء الفرنسيين في الأعمال التجارية.
تلقّى “توماس” دراساته حتى المستوى الجامعي في غانا. وفيما بين عامي 1968 و1970م فاز في مسابقة اللغة الفرنسية الوطنية مرتين على مستويين مختلفين في العاصمة الغانية أكرا. وحصل على منحة دراسية لدراسة الهندسة الكيميائية في جامعة العلوم والتكنولوجيا كوماسي – غانا (المعروفة الآن باسم جامعة كوامي نكروما في العلوم والتكنولوجيا).
وفي عام 1974م تخرّج “توماس” من الجامعة بمرتبة الشرف، وحصل على زمالة من الحكومة الفرنسية لمواصلة دراسته في مجال الهندسة الكيميائية في جامعة العلوم والتكنولوجيا في مونبلييه بفرنسا. وفي عام 1977م –أي أثناء دراسته بفرنسا- حصل على شهادة أخرى في نمذجة ومحاكاة العمليات الكيميائية من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT). وفي عام 1978م تخرج من الجامعة الفرنسية بدرجة الدكتوراه.
الأنشطة والاختراعات:
هاجر الدكتور “توماس” إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد الدكتوراه واستقر فيها؛ حيث حصل على وظيفة في شركة Air Products and Chemicals في ألينتاون بنسلفانيا من 1980 إلى 1983م.
وفيما يلي بعض الاختراعات والأنشطة التي شارك فيها “توماس”:
– تطوير الألياف البصرية: انتقل الدكتور “توماس” إلى شركة Corning Glass Works في نيويورك حيث عمل في أبحاث الألياف البصرية في سوليفان بارك. وكان الباحثون في شركة Corning قد طوروا أليافًا ضوئيَّة بانخفاض أقل من حد التوهين البالغ 20 ديسيبل لكل كيلومتر، ولكن تطويرهم لم يمكنهم من صناعة ألياف بمعدلات أعلى من 2 متر في الثانية. ولذا حسّن “توماس” عملية التصنيع من خلال ابتكارات متعددة رفعت سرعة التصنيع إلى 20 مترًا في الثانية بحلول عام 1985م. وجعلت ابتكاراته أيضًا تكلفة الألياف الضوئية مماثلة لتكلفة الكابلات النحاسية التقليدية, وحصل “توماس” على جائزة Corning Glass Works الفردية المتميزة لعمله في عام 1985م, كما أدى عمله في النهاية إلى زيادة سرعة التصنيع إلى ما يزيد عن 50 مترًا في الثانية.
– أول أسلحة موجهة بالليزر: في عام 1986م انضم “توماس” إلى مختبرات AT&T Bell في جورجيا، وهي جزء من مجموعة المرافق التي كانت لفترات طويلة من مؤسسات الأبحاث الرائدة في الولايات المتحدة. وأصبح فيها رئيسًا لبرنامج تطوير أول أسلحة موجهة بالليزر للبنتاغون. وتركز عمله هناك على بكرات الألياف الضوئية (fiber optic reels) التي يمكن استخدامها بسرعات تفوق سرعة الصوت في برنامج صواريخ الجيش الأمريكي.
وقد تكللت جهود “توماس” بالنجاح؛ حيث مكّن برنامجه من تطوير صواريخ تسير بسرعة الصوت (ماخ 1). وكانت النتيجة أن حصل “توماس” على العديد من براءات الاختراع في مجال تكنولوجيا الصواريخ. وكانت تقنيته القائمة على الليزر تستخدم اليوم في جميع المنصات والبرامج العسكرية بما في ذلك الطائرات بدون طيار.
وقد أشار الباحثون إلى أنّ ابتكارات “توماس” في مجال الألياف الضوئية جعلت الولايات المتحدة رائدة في مجال الإنترنت على مستوى العالم، وحفّزت ظهور شركات مثل الفيسبوك (المعروفة بـ ميتا حاليًا) وغوغل وأمازون وغيرها، وجنت تريليونات الدولارات للولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى حدّ تعبير الدكتور “توماس” نفسه في مقابلة: “أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي الآن شيئًا كبيرًا. ففي الثمانينيات كنتُ أحد المخترعين الأربعة للألياف الضوئية، وهذا سمح للإنترنت بالانفجار؛ لأن لديك الآن ألياف بصرية في الكابلات البحرية التي تربط إفريقيا والصين واليابان في كل مكان. لذا يمكنك الاتصال باليابان، ويمكنك إرسال صور الفيسبوك إلى اليابان والصين وجميع أنحاء العالم بسبب هذه التكنولوجيا”.
– رائد التكنولوجيا المستخدمة في حرب الخليج الثانية: لعبت ابتكارات “توماس” للألياف الضوئية دورًا في تكنولوجيات الصواريخ الجديدة التي استخدمتها الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية عام 1991م. وكان أول أمريكي من أصل إفريقي يشغل منصب الرئيس الوطني لقسم علوم المواد والهندسة في المعهد الأمريكي للمهندسين الكيميائيين (AIChE) وعضو في المجلس الاستشاري لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
وكان “توماس” أيضًا أحد الأعضاء المؤسسين لمنطقة AIChE’s Emerging Technologies, الأمر الذي منحه فرص العثور على مستثمرين في اختراعاته وشركته الخاصة باسم Supercond Technologies of Norcross في جورجيا عام 1992م. بل وأجرت شركته مناقشات مع شركة Lockheed المصنعة للطائرات حول توفير المواد لمقاتلة الشركة الجديدة من طراز F-22.
– تطبيق التكنولوجيات العسكرية في المنتجات غير الدفاعية: تحوّل اهتمام “توماس” إلى المنتجات غير الدفاعية مع انخفاض الإنفاق الدفاعي الأمريكي في أعقاب نهاية الحرب الباردة في أوائل التسعينيات؛ إذ تنافست شركته Supercond مع شركات أخرى للحصول على فرص لتطبيق تكنولوجياتها العسكرية على المؤسسات المدنية. وروَّجت شركته لمواد مركبة فائقة القوة، والتي طورتها لجذب اهتمام الشركات المصنّعة لمنتجات صغيرة كمقاعد الملاعب وحاويات النفايات.
وفي عام 1996م ساعد اقتراب دورة الألعاب الأولمبية في أتلانتا في دخول شركته Supercond في شراكة مع مختبر آخر لتطوير مواد “ذكية” لتصميم الطرق التي تسمح بمراقبة حركة المرور أثناء الألعاب، واستخدام تقنية الألياف الضوئية لتطوير أجهزة جديدة للفيديو يمكن استخدامها في المشروع اللوجستي الأولمبي الضخم.
ومع ذلك, أدَّت المشاكل المالية بحلول أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى انحسار شركة Supercond وخروجها عن العمل.
إصداراته:
تتمتع سجلات الدكتور “توماس” بما لا يقل عن 25 براءة اختراع صادرة باسمه. وألّف خمسة كتب عن ابتكاراته ومجالات اهتمامه, منها:
– الأشياء الصحيحة تأتي باللون الأسود أيضًا.
– هندسة الموصلات الفائقة.
– هندسة الألياف البصرية: المعالجة والتطبيقات.
– تسويق تقنية النانو: عمليات التصنيع والمنتجات.
إدراجه في مجموعة النخبة واهتمامه بإفريقيا:
حصل الدكتور “توماس” على عدة تكريمات عامة وجوائز كثيرة لعمله, بما في ذلك جائزة الشعلة الذهبية (أعلى جائزة من الجمعية الوطنية للمهندسين السود في الولايات المتحدة)، وجائزة تيرنر للابتكار في مجال الألياف البصرية، وجائزة المهندسين البارزين من المعهد الأمريكي للمهندسين الكيميائيين ( AIChE)، وجائزة بيرسي جوليان، وجائزة ويليام دبليو غرايمز.
وقد عُرِضت إنجازات “توماس” أيضًا في معرض متنقل خاص لإنجازات 100 عالم ومهندس أسود, كما ظهر في عرض دولي آخر بعنوان “المخترعون السود”. ومع ذلك لم يكن “توماس” معروفًا داخل إفريقيا بقدر معرفة الأفارقة لأسماء زملائه البيض. كما أن معظم الأفارقة والمنحدرين من أصل إفريقي لم يسمعوا عنه قبل عام 2014م رغم أهمية عمله الذي مكّن العالم من التمتع بمستوى عالٍ من الاتصالات الرقمية الحالية وساعد الجيش الأمريكي على تأكيد تفوقه في مجال الصواريخ الموجهة بالليزر.
وفي عام 2014م أصبح الدكتور “توماس مينسا” أول إفريقي أُدخِل في أكاديمية النخبة الأمريكية للمخترعين. وركّز اهتمامه في السنوات الأخيرة على المشاريع التنموية في دولة غانا ودول إفريقية اخرى لتحفيز التطورات الاقتصادية والتكنولوجية في القارة؛ من خلال تطوير القطارات عالية السرعة التي تعدّ نواة أساسية لتحقيق أهداف اتفاقية التجارة الحرة العابرة للقارات في إفريقيا.
وأنشأ الدكتور “توماس” أيضًا وادي السيليكون في غانا بمركز كوفي عنان لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أكرا. كما أنه يعمل منذ عام 2016م لإنشاء وادي السيليكون في الجنوب بولاية تكساس الأمريكية. وفي ديسمبر 2017م كرّمه وطنه غانا بجائزة كوامي نكروما للعبقرية الإفريقية في العلوم والتكنولوجيا والابتكار. ويشغل اليوم منصب الرئيس والمدير التنفيذي لشركة Georgia Aerospace Systems التي تصنع الهياكل النانوية المركبة المستخدمة في الصواريخ والطائرات للبنتاغون, مما يجعله رائدًا في البحوث حول المواد وتطبيقها في مجال الطيران.
______________________
المراجع:
Dr. Thomas Mensah: An innovator of fiber optics technologies:
Patents by Inventor Thomas O. Mensah:
Thomas Mensah Biography:
Thomas Mensah:
Thomas O. Mensah – The engineer who revolutionised the internet: