بقلم/ فيلان تشاترجي
ترجمة: باسل الحمامي
وفقًا للأمم المتحدة؛ يواجه قرابة ثمانية ملايين شخص الجوع الشديد في الصومال، وأكثر من 213,000 شخص “مُعرَّضون لخطر الوفاة الوشيك”، وذلك بعد أربعة مواسم متلاحقة من نُدْرة الأمطار.
وينبغي أن نطمئن بأنه مع بداية بطيئة للاستجابة للأزمة، تم الوصول إلى أكثر من 70٪ من هدف الأمم المتحدة لجمع أموال المساعدة البالغ مقدارها 1.46 مليار دولار.
تقول إحدى المنظمات الإنسانية الرئيسية على الأرض لشبكة البي بي سي: “إنها جمعت في الواقع أموالاً أكثر مما تَهدف إليه, ولكنَّ المنظَّمة ما زالت غير قادرة على إيصال الطعام أو الماء أو النقود للعديد ممن هم في أمسّ الحاجة إليه. والسبب -كما يقول ممثل رفيع المستوى لم يرغب في الكشف عن اسمه- هو تشريع الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب”.
وتحتاج الوكالات التي تحصل على أموال من الولايات المتحدة إلى ضمان عدم وقوع مساعداتها في أيدي “الإرهابيين”؛ حيث إن أجزاء كبيرة من جنوب الصومال تسيطر عليها حركة الشباب التابعة للقاعدة، والتي تعتبرها كلٌّ من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة جماعة إرهابية.
وقال مسؤول من وكالة إغاثة كبرى أخرى لبي بي سي -الذي تحدث أيضًا شريطة عدم الكشف عن هويته-: “لا يمكننا التحرك خطوة واحدة”.
وقبل أحد عشر عامًا، لقي ما يقرب من 260,000 ألف شخص حَتْفهم في مجاعة تركّزت في منطقة سيطرة حركة الشباب.
وتقول الولايات المتحدة: إنها تدرك “الوضع الإنساني الخطير” في الصومال، وتُصرّ على أن تصنيفات مكافحة الإرهاب لا تَستهدف جهود الإغاثة.
وتضيف أنها تراقب باستمرار تأثير العقوبات، وتُشجّع مجموعات الإغاثة على التواصل مع السلطات الأمريكية للحصول على إرشادات إذا كانت تُواجه صعوبات.. لكنَّ هذه التصريحات لم تكن كافية للمجموعتين اللتين تحدثتا للبي بي سي.
في حين أنهم ينجحون في الوصول إلى المناطق الحضرية التي تسيطر عليها الحكومة، إلا أنهم يقولون: إن الإمدادات لا تصل إلى المناطق التي تحكمها حركة الشباب، والتي يقطنها حوالي 900 ألف شخص، وذلك وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، وبعض هذه المناطق من بين أكثر المناطق تضرُّرًا من الجفاف، وقد تواجه قريبًا مجاعةً كاملةً.
وقالت منظمة الإغاثة التي تجاوزت هدفها التمويلي: “إن تقديم المساعدات بشكل محدود مُبرَّرٌ قبل ذلك؛ لأنه لم يكن لدينا المال الكافي لاستجابة واسعة النطاق”. ولكن يتم الآن طرح “أسئلة غير مريحة” حول سبب عدم القيام بالمزيد.
وتشنّ حركة الشباب بانتظامٍ هجمات في الصومال، وشكَّلت عقبةً كبيرة أمام النشاط الإنساني خلال الجفاف عام 2011م، ويقول تقرير للأمم المتحدة: “إن البعض كانوا يتقاضون عشرات الآلاف من الدولارات من مجموعات الإغاثة للوصول إلى مناطقهم، وحظروا بعض الوكالات، وأحرقوا الطعام والأدوية، وحتى قتلوا العاملين في الجمعيات الخيرية”. وفي أوائل سبتمبر الماضي، كانت هناك تقارير تفيد بأن المسلحين قتلوا 20 شخصًا، ودمّروا مساعدات غذائية في هجوم على عدة سيارات في وسط الصومال. وقالت حركة الشباب: إنها كانت تَستهدف جماعة مسلحة تابعة للحكومة.
لكن على الرغم من تلك المخاطر؛ أكَّد أحد مسؤولي الإغاثة أنَّ التفاوض للتوصل مع اتفاق مع حركة الشباب -دون خوف من الملاحقة القضائية في الولايات المتحدة- كان أمرًا ضروريًّا إذا كانوا يريدون الوصول إلى أعداد كبيرة من الناس على شفا المجاعة.
ماذا تقول القوانين الأمريكية؟
بالنسبة لأيّ وكالة للمساعدات تُموّلها الولايات المتحدة؛ فإن التحدث إلى حركة الشباب ليس محظورًا، ولكنَّ المعاملات المالية مسألةٌ أخرى. وهناك مجموعتان من القوانين الفيدرالية الأمريكية تحظران تقديم الأموال إلى حركة الشباب:
– العقوبات التي تُدَار مِن قِبَل وزارة الخزانة.
– القانون الذي يُجرّم تقديم “الدعم المادي أو الموارد” لجماعات “إرهابية” معينة، وتُطبّقه وزارة العدل.
وكلاهما يُؤثّر على وكالات الإغاثة؛ لأن حركة الشباب تَفرض رسومًا عند نقاط التفتيش التابعة لها، وتطالب بدفع “ضرائب” أكبر حجمًا في مقابل الوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها.
في عام 2011م، فقط, بعد الإعلان عن المجاعة في الصومال، تم تخفيف العقوبات الأمريكية جزئيًّا من أجل دعم جهود المساعدات الإنسانية. وأصدر مسؤولون في وزارة الخزانة توجيهات تفيد بأن الغذاء أو الدواء الذي ينتهي به الأمر -عن غير قصد- للوقوع في أيدي حركة الشباب لن يكون “محل تركيز” لتطبيق العقوبات, وكذلك المدفوعات النقدية -غير المقصودة-؛ طالما كانت المنظمة غير مُدْرِكَة أنها تتعامل مع المسلحين.
وقالت وكالات إغاثة: إن دفع “الضرائب” لحركة الشباب هو أمر محظور فعليًّا. وتنصح إرشادات وزارة الخزانة المنظمات الإنسانية بـ”استشارة” مسؤولي العقوبات إذا وَاجَهت مثل هذه المطالب.
إن الحظر على تقديم “الدعم المادي” لحركة الشباب مستمرّ؛ بغضّ النظر عن العقوبات، ولم يتمّ تخفيف ذلك. وتسبّب القوانين الأمريكية صداعًا لبعض منظَّمات الإغاثة، التي تُشير إلى العقوبات المحتملة لخرق هذه القوانين، والغرامات التي تصل إلى مليون دولار والسجن لمدة تصل إلى 20 عامًا.
وقالت وكالة المعونة الحكومية الأمريكية -التي توفّر جزءًا كبيرًا من أموال المساعدات للصومال-: إن واشنطن تعمل مع الأمم المتحدة منذ 2011م؛ لضمان ألّا تقوّض العقوبات أعمال الإغاثة, لكنَّ هذا لم يساعد المسؤولين الإنسانيين الذين تحدثوا إلى بي بي سي.
وبدلاً من ذلك؛ فإنهم يَدْعون إلى تخفيف عامّ للقوانين لمَنْح موظَّفي الإغاثة الثقة للقيام بعملهم الخطير والمهم.
يقول أحدهم: “سوف يمنحنا تخفيف القوانين مزيدًا من المرونة للوصول إلى المزيد من المناطق، وسيكون ذلك في الوقت المناسب”, ويقول آخر من منظمة أخرى: “إن آلاف الأرواح مُعرَّضة للخطر”.
ولا تشير جميع الوكالات الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة إلى أنَّ العقوبات تُشكّل عقبةً أمام عملها؛ حيث يقول نائب المدير القطري لمنظمة إنقاذ الطفولة في الصومال، بنيام جبرو: “إن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية منفتحة على مساعدة منظّمته في إيجاد طريقة لتوصيل المساعدات إلى المناطق التي يصعب الوصول إليها”. وأضاف “أن المفاوضات مع المسلحين تُدَار مِن خلال شركاء محليين”.
ويقول جيبرو: “إن منظمة إنقاذ الطفولة، مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، جادة للغاية بشأن منع وقوع المساعدات في الأيدي الخطأ؛ حيث تتخذ العديد من الاحتياطات، وتراقب بعناية تقديم الخدمات”.
وعلى الرغم من أن هذا مقيّد، إلا أنه يقول: “إن الوكالة لا تزال قادرة على خدمة المجتمعات التي يحكمها المسلحون”. ويصرّ على أن العقبة الرئيسية أمام منظمة إنقاذ الطفولة هي نقص التمويل.
وافق فرانز سيليستين، رئيس وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة في الصومال، على أنَّ المسؤولين الأمريكيين حريصون على وصول المساعدات إلى المناطق الصعبة ضمن الإطار القانوني الحالي, لكنه يعتقد في النهاية أنَّ هناك حاجة إلى مفاوضات على مستوى أعلى بين الأمم المتحدة وحركة الشباب للسماح للوكالات بالوصول الشامل إلى المناطق التي يُديرها المسلحون دون الحاجة إلى دفع “ضرائب”.
وفي أوائل سبتمبر، قال منسّق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيث لصحيفة “نيو هيومانيتاريان”: “إن مثل هذه المحادثات لا تتم”.
ماذا لو حصلت حركة الشباب على مساعدات نقدية؟
حركة الشباب هي قوة حاكمة فعَّالة في أجزاء كثيرة من الصومال؛ وفقًا لنيسار ماجد، الزميل الزائر في جامعة تافتس والمؤلّف المشارك في كتاب عن مجاعة عام 2011م.
إنهم “أكثر كفاءة بكثير” من الحكومة الوطنية في فرض ضرائب على السكان والشركات، ولديها نظام قضائي أكثر قوة -وإن كان قاسيًا-؛ كما يقول.
ويضيف أنه على مر السنين، شعرت المنظمات الدولية بضغوط قانونية، ولكن أيضًا ضغوط بسبب السمعة وعدم التعامل معها؛ لتجنُّب وَصْمها في وسائل الإعلام بأنها “تدعم الإرهابيين”.
لكن ليس من الواضح ما إذا كانت حركة الشباب ستستفيد كثيرًا من أموال المساعدات، كما يقول عبدي إسماعيل سماتار، أستاذ الجغرافيا بجامعة مينيسوتا والنائب في البرلمان الصومالي. فقد ذكر تقرير صدر عام 2013م عن مجموعة السياسة الإنسانية أن الأموال من وكالات الإغاثة ليست سوى “جزء صغير من نظام ضرائب أوسع” لدى حركة الشباب، وأن المجموعة لديها “العديد من أنظمة الدخل الأخرى”. لكنه أضاف أن المساعدات التي تبلغ عشرات الآلاف من الدولارات لكل مجموعة إنسانية لا تزال مصدر دخل. وتعتقد الولايات المتحدة أن قواعدها تجعل من الصَّعب على “الإرهابيين” الحصول على التمويل.
وأعلنت الحكومة الصومالية حربًا “شاملة” ضد المسلحين، وترى أن تجفيف مصادر دخلهم مفتاح لهزيمة الجماعة.
ويقول البروفيسور إسماعيل سماتار: “إن تخفيف القواعد الخاصة بوكالات الإغاثة، وكذلك الخدمات التي يستخدمها المهاجرون لإرسال الأموال إلى أوطانهم، سيكون بمثابة “تغيير لقواعد اللعبة” بالنسبة للصوماليين الجياع؛ بسبب نُدرة الأمطار، جنبًا إلى جنب مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية؛ ستزداد احتياجات الناس، ويجب تسليم المزيد من المساعدات إلى المزيد من الناس”.
يقول الأستاذ سماتار: “نحتاج إلى إنقاذ الناس من الهلاك قبل أن يتم تحريرهم من حركة الشباب،.. إن مُحارَبة الإرهابيين مشروع طويل الأمد، لكنَّ إنقاذ حياة الجوعى مشروع فوريّ”.
____________________