بقلم: وِيلي أنس
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
تعيش الكونغو انقسامات داخلية بين السكان؛ نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في وقتٍ تسعى فيه السلطات الكونغولية جاهدةً إلى تكثيف حملة التطعيم.
وفي هذا السياق، أقدمت حكومة الكونغو برازافيل على تجديد حالة الطوارئ؛ لتعزيز الصرامة في إطار الخطوات الاحترازية لمواجهة انتشار فيروس كورونا، وللمرة السادسة والعشرين منذ مارس 2020م؛ فضلاً عن توقُّع دخول إجبارية التطعيم ضد كوفيد-19 قَيْدَ التنفيذ في نهاية أكتوبر على طلاب الجامعات الحكومية وموظفي الخدمة المدنية والتجار وسائقي الحافلات وسيارات الأجرة في الكونغو، بعد العاملين في المجال الصحي.
ويأتي هذا الإجراء الذي اتخذه “التنسيق الوطني لإدارة فيروس كورونا” على خلفية ملاحظة أن الغالبية العظمى من سكان الكونغو يُبْدُون تحفظاتٍ حيال التطعيم الذي تم إطلاقه في أبريل 2021م، في وقتٍ تسعى فيه السلطات الكونغولية إلى تغطية تطعيم 60٪ من السكان المستهدفين بهدف تحقيق مناعة جماعية، غير أن التغطية في الوقت الراهن تزيد قليلاً عن 4٪ حسب الإحصائيات الرسمية.
كما أشار “تنسيق إدارة الوباء” في بيانٍ له إلى أن تكثيف التطعيم “يستهدف بالمقام الأول سائقي سيارات الأجرة والحافلات ووسائل النقل العام الأخرى والبائعين في الأسواق العامة بحلول 31 أكتوبر على أبعد تقدير”. فيما لم تحدد السلطات الإجراء الذي سيتم اتخاذه ضد المناوئين؛ خصوصًا بعد شهور عدة من إبلاغ السكان بهذا الصدد.
وبمناسبة عيد الاستقلال، 15 أغسطس الماضي، أكد الرئيس دينيس ساسو نغيسو بالفعل أن التطعيم هو “السبيل الوحيد للخلاص”، داعيًا مُواطنيه إلى الإقدام على التطعيم على نطاق واسع، مضيفًا “أصبح التطعيم ضد فيروس كورونا الآن حجر الزاوية في الاستجابة على الصعيد العالمي، ولا يمكن لبلدنا أن يقف على هامش هذه الديناميكية العالمية”؛ على حد تعبيره.
ولتحقيق ذلك، استوردت برازافيل آلاف الجرعات من اللقاح الصيني (سينوفارم) والروسي (سبوتنيك) والأمريكي (جونسون وجونسون)، وعلى الرغم من كل هذه الخطوات؛ يظل إقناع السكان على المحكّ. والسؤال المطروح هو: ما هو السبب؟ هل الكونغوليون أكثر مقاومة للتطعيم؟ عند التمحيص الدقيق ندرك أن هناك ثمة عوامل علمية وثقافية ودينية تُفسّر هذا التناقض.
توسُّع الفجوة:
يتقاسم العديد من الكونغوليين الذين شملتهم المقابلة تلك الفجوة بين توقعات بدايات الوباء الصادرة من منظمة الصحة العالمية التي تنبَّأت بالكارثة في القارة الإفريقية، وما حصل في الواقع المحلي. وقد استقبل السكان بالدهشة الإعلان في مارس 2020م عن حالة الطوارئ الصحية الأولى الذي أعقبه العديد من القيود، ولا سيما حظر التجول الليلي في الساعة 8 مساءً، والارتداء الإجباري للكمامة في الأماكن العامة، والحد من عدد الأشخاص في وسائل النقل العام المشتركة، واحترام تدابير التباعد الاجتماعي في المناسبة العائلية التي تشمل حفلات الزفاف والوقفات الاحتجاجية ومراسم الدفن.
فيما اختار الآخرون مغادرة المدن الكبيرة كحل بديل وضمان النجاة من تداعيات الجائحة. ولكن بمرور الوقت وانحسار الآثار الناجمة عن المرض في البلاد، ترسَّخ قَدْر مُعيّن من الشكوك في التدابير الاحترازية التي فرضتها السلطات، ويسود التفسير السيئ عن الوباء.
وبالإضافة إلى تلك الشكوك، يُثار عدم وجود صور المصابين بالجائحة في المستشفيات ولا في وسائل الإعلام المحلية، عطفًا على إغلاق دور العبادة، وحظر الأعياد الدينية، بينما حملات الانتخابات الرئاسية جارية في نفس الوقت، مع عقد اجتماعات سياسية بشكل مباشر، وقد أدَّت هذه “المعايير المزدوجة” إلى تعزيز تحفظات السكان؛ فضلاً عن وجود مناخ يسوده عدم الثقة تجاه الخدمات الصحية التي تفشل أحيانًا في التشخيص المبكر والأخطاء والوفيات المفاجئة.
وعلى المدى الطويل، تسبّب هذا في الإجهاد ومقاومة قوية للتدابير الوقائية، ورفض القواعد الرسمية، كما أن تكرار حالات الطوارئ الصحية لا يؤدي إلا إلى تعزيز التوجس وسوء التفاهم. لكن البلاد سجلت 183 حالة وفاة من أصل 13533 حالة إصابة مؤكدة وفقًا لآخر تقرير رسمي.
الاستياء الشعبي من مواجهة الجائحة:
تجدر الإشارة إلى أن العديد من التدابير الاحترازية تم تطبيقها منذ عام 2020م؛ فضلاً عن سريان حظر التجول في برازافيل وبوانت نوار من الساعة 8 مساءً حتى الساعة 5 صباحًا في عطلات نهاية الأسبوع، ومن الساعة 11 مساءً حتى الساعة 5 صباحًا في أيام العمل، في ظل إبقاء الحدود مغلقة باستثناء الحدود الجوية.
ومما لا يثير الدهشة، أن الشرطة تجد صعوبة في فرض التدابير الاحترازية على الطرق والأماكن العامة، وخاصة بالقرب من الاحتفالات الرسمية على غرار حفلات الزفاف أو في مراسم الدفن التي تمثل الإجراءات المتجذرة في أعماق التقاليد، وتعتبر لحظات محورية في الحياة الاجتماعية في الكونغو.
استراتيجيات الحجر الصحي:
وما نشاهده من الانتشار الطبيعي من الخيام المنصوبة على طول بعض الممرات للاحتفالات أو مراسم الجنازة ناجم من كون العديد من الكونغوليين يجدون صعوبة في الاعتراف بفكرة وجود المرض في البلاد؛ فضلاً عن أن تنظيم الاحتفالات -في بلد تضرَّر اقتصاديًّا بشدة- يُشكّل فرصة للمُضِيّ قُدُمًا في المتاجرة بالاحتفالات الاجتماعية التي تُسهم في تداول المال على غرار إيجار صالات الحفل، وتقديم هدايا للمهر أو مراسم الدفن التي تتطلب اكتناز التابوت وتكاليف الدفن.. وغيرها.
وفقًا للحكومة؛ فإنَّ الجائحة لا تزال تُمثّل تهديدًا دائمًا على العَالَم برُمَّته على ضوء تطوّر التحوّر الأخير للفيروس إلى جانب الإجراءات المتعلقة بتقييد التنقل التي اعتمدتها العديد من الدول؛ فضلاً عن أن “الكونغو لا تزال غير محصَّنة ضد الخطر كما يظل التطعيم هو استراتيجية الوقاية الأكثر استدامة باعتبار أن التطعيم بمقدوره حماية السكان من الأشكال الخطيرة لكوفيد-19، ومكافحة انتشار الجائحة”؛ على حد تصريح فيرمين أيسا، وزير الدولة، رئيس فريق العمل.
محورية دور الفاعلين المحليين:
وفقًا لطبيب أحد المراكز الصحية المعتبرة، طلب عدم الكشف عن اسمه، فإن “مراقبة التدابير الاحترازية على ضوء المعطيات على الأرض دون المستوى في مدينتي برازافيل وبوانت نوار اللتين تمثلان بؤرة المرض. وهذا يُفسّر سبب فرض حظر التجول فقط في هاتين المدينتين الرئيسيتين”، عطفًا على الدعم المقدَّم من بعض المنظمات غير الربحية والمسؤولين المحليين المنتخبين والطوائف الدينية وبعض الشخصيات مساندةً للجهود الحكومية؛ لإقناع بقية السكان بالانضمام إلى حملة التطعيم.
وبينما نواصل تحقيقنا الميداني، في 10 أغسطس، تم تطعيم 167 شخصًا في مركز تابعٍ لمنظمة غير حكومية. وصرح ميشيل بونغو نوارا، رئيس جمعية Les Amis de Michel Bongho Nouarra (أصدقاء ميشيل بونغو نوارا) بالقول: “تم تنظيم هذه الحملة لنقل رسالة الحكومة حول ضرورة تطعيم السكان الكونغوليين ضد الجائحة؛ نظرًا إلى التهديد الدائم الذي يُشكّله الوباء”، ويرى أن دوره في هذا الوباء هو دعم الحكومة، وخاصة أن الكونغو متخلفة عن الركب.
فيما أشار رومان باتريس أومبو، من سكان برازافيل، إلى أنه تلقى اللقاح طواعية دون أيّما ضغط مُلزم. لكنَّ ثمة من يرى من بين المتشككين الذين التقى بهم من سكان بوانت نوار، مثل بينوا بيمبا، أنه لا يزال بحاجة إلى مزيد من الوقت؛ لاعتقاده بأنَّ ما تمليه التجارب في مجال اللقاحات هو عدم استخدامه اللقاح دون تجربة مطولة.
لكن إكسوزي كوبيمبا، الممرضة في خدمة النظافة في برازافيل، خلصت إلى القول بأن الجرعة الوحيدة المعطاة هي من لقاح سبوتنيك لايت الروسي الصنع، مؤكدة ً في الوقت نفسه على “عدم إصابة أحد من الذين تلقوا اللقاح ببعض الأعراض الجانبية مثل الصداع أو ارتفاع درجة الحرارة”، وهي من الأسباب الإضافية المطمئنة.
_____________
رابط المقال: