يعقوب زين – أفريكان أرجيومينتس، 23 يوليو 2019م[1]
ترجمة : قراءات إفريقية
منذ عشر سنوات، تحديدًا في يوليو 2009م، قامت قوات الأمن النيجيرية بقمع ما كان آنذاك يعتبر جماعة إسلامية غير معروفة نسبيًّا في شمال شرق البلاد. في ذلك الوقت، كان تركيز هذه المجموعة على الدعوة، على الرغم من اعتقادهم بأن طريق تنظيم “القاعدة” كان سيُخرِج المسلمين النيجيريين من الضلال إلى الإيمان، وقد أدَّت العملية العسكرية إلى مقتل المئات من أعضائها، بمن فيهم قائد الجماعة ورجل الدين؛ محمد يوسف.
بعد هذا الهجوم المميت، توقَّع عدد قليل أن تتمكن بوكو حرام من إعادة بناء ذاتها مرة ثانية، بل لم يكن لأحد أن يتوقع أنه وبعد مرور عشر سنوات، ستتمكن تلك الجماعة من الهجوم على الثكنات العسكرية، ليس في نيجيريا وحدها، ولكن عبر منطقة بحيرة تشاد وحول أطرافها. ففي العام الماضي وحده، هاجم أتباع الجماعة قواعد عسكرية في باغا -نيجيريا، دارك- الكاميرون، ودانغدالا- تشاد، بينما تتصاعد الهجمات في النيجر. خلال السنوات العشر التي انقضت منذ بدء التمرد، وصل عدد القتلى في الصراع إلى ما لا يقل عن ثلاثين ألف شخص، على الرغم من أن المراقبين يشيرون إلى أن العدد الإجمالي قد يكون أقرب إلى سبعين ألفًا.
واليوم، وبعد عَقْد من المحاولة الأولى للقضاء عليها، فإن لدى جماعة بوكو حرام ما يقدر بنحو 6 آلاف مقاتل منقسمين إلى فصيلين؛ حيث تنتمي المجموعة الأكبر والأكثر تطورًا إلى تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية في ولاية غرب إفريقيا ISWAP، في حين يقود الفصيل الأقل عددًا وكذلك الأقل خبرة زعيمهم أبو بكر شيكاوي، ويسمون أنفسهم “جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد (JAS).
وبالرغم من نشاط الجماعتين، إلا أنهما يسيطران اليوم على أراضٍ أقل من تلك التي استولوا عليها عام 2014م، عندما أعلن أبو بكر شيكاو قيام “دولة إسلامية” في نيجيريا. كما أصبح للجماعتين قدرة أقل اليوم مقارنة بعام 2012م فيما يتعلّق بشنّ الهجمات عبر مساحة كبيرة من الأراضي؛ حيث استطاعت تلك الجماعة في ذلك الوقت أن تشنّ هجمات منظمة على المدن الوسطى والشمالية في نيجيريا، بما في ذلك العاصمة أبوجا والمركز التجاري شمالي مدينة كانو.
ولكن المظهر قد يبدو خادعًا؛ فسيطرة جماعة ISWAP التي تتمحور حول بحيرة تشاد أكثر تماسكًا، كما أن هجماتها أكثر ضراوة عن أيّ وقت سابق، والأمر ذاته ينطبق على تحركات الجماعة الأخرى، لا سيما في غابات سامبيسا في ولاية بورنو.
وفي السطور القادمة سنعرض خريطة جغرافية لتحرك الجماعتين، ومؤشرات ذلك على تاريخ الجماعة، وما يمكن أن ينبّئنا عن تحركاتها المستقبلية.
الانتشار بدءًا من قرية يوبي: 2002-2009م:
في الأيام الأولى من عام 2002 إلى عام 2003م، كانت المجموعة التي كانت تسمى “طالبان النيجيرية” تتألف من حوالي 200 شخص معظمهم من ذوي الثروات والمتعلمين مع قاعدة صغيرة في قرية في ولاية يوبي. ولا تزال هناك نقاشات حول ما إذا كان أعضاء المجموعة ينوون متابعة الجهاد في نيجيريا، ولكنهم يعانون من نقص في الموارد، أو ما إذا كانوا عمومًا لا يميلون إلى العنف، لكنهم سعوا فقط للهجرة (الهجرة هربًا من الاضطهاد) من المدن “غير النقية” التي لا تمارس فيها الشريعة بصورة كاملة؛ حسب معتقدهم.
كان القائد الرئيسي للجماعة في ذلك الوقت، محمد علي، متورطًا في تنظيم القاعدة في السودان في التسعينيات، وتم تجنيده في الجامعات، كما تم تجنيد أعضاء آخرين من المساجد النيجيرية الشمالية الشرقية، بما في ذلك المسجد الذي كان يدعو فيه يوسف في مايدوجوري. وبالتالي، غالباً ما يُعتَبر علي ويوسف أول قادة مشاركين للمجموعة.
وبسبب رؤيتهم المغالية، والتي تشبه تفسير حركة طالبان للإسلام، بما في ذلك تبنّيهم لقتل ضابط الأمن الذي جاء لتفقُّد معسكرهم، اتخذت الحكومة إجراءات في نهاية المطاف من أجل مواجهتهم؛ ففي ديسمبر 2003م، دمرت قوات الأمن معسكر المجموعة وقتلت حوالي 20 من أعضائها، بما في ذلك قائدهم علي.
في السنوات التالية، انتعشت المجموعة الأخرى الباقية تحت قيادة يوسف، والذي قام بنقل موقع المجموعة إلى ميدوجوري، عاصمة ولاية بورنو، بينما أسَّس أيضًا مراكز في ولايات سوكوتو وكانو وباوتشي في نيجيريا، بالإضافة على منطقة ديفا في النيجر. في هذه المناطق، قام يوسف ونوَّابه، بما في ذلك شكاو، بالدعوة إلى أيديولوجيتهم مطالبين بإقامة دولة إسلامية في نيجيريا ومعارضة التأثيرات الغربية؛ حيث ظهر اسم “بوكو حرام”، الذي يعني “التعليم الغربي حرام”.
وفي يوليو 2009م هاجمت قوات الأمن المجموعة مرة أخرى، ورأت أن نفوذ يوسف المتزايد يمثل تهديدًا سياسيًّا؛ حيث قام الجيش بقتل مائتي عنصر من الجماعة، بما في ذلك زعيمهم يوسف.
مايدوجوري وغيرها من المدن الكبرى: 2009-2012م:
اعتقدت الحكومة أن أتباع يوسف لن يعودوا إلى الظهور مرة أخرى بعد الحملة، ولكن تحت قيادة الزعيم الجديد شيكاو قامت المجموعة بالانتقام؛ حيث نفَّذت هجمات قاتلة، وبحلول عام 2011م، توسّعت منطقة عملياتها لتشمل كل مكان تقريبًا وصل إليه يوسف في السابق، بما يعني استعادة الجماعة قوّتها وعنفوانها، ومع ذلك، كانت معظم الاعتداءات لا تزال في مايدوجوري؛ حيث أقام شيكاو مخبأ له، واعتمدت الحركة استراتيجية الاغتيالات، وإشعال الحرائق، وشنّ عمليات تفجير صغيرة للمباني الحكومية.
ومن منتصف عام 2011م، أصبحت التفجيرات الانتحارية شائعة مع أكثر من 30 تمَّ الإبلاغ عنها بحلول نهاية عام 2012م. تميل هذه الهجمات وغيرها من التفجيرات إلى مزيد من العمليات في مدن مثل كادونا، ويوس وأبوجا وكانو، وكذلك في أماكن أخرى في وسط نيجيريا.
يمكن تفسير هذا الاختلاف في الهجمات بين ميدوجوري والمناطق الوسطى؛ من خلال حقيقة أن العشرات من الأعضاء تدربوا مع “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، كان هؤلاء المقاتلون يميلون إلى معارضة هجمات شيكاو على المسلمين، وبدلاً من ذلك استهدفوا في الغالب مسيحيين وبيوت إعلامية وثكنات عسكرية بعيدًا عن قواعد شكاو الرئيسية في ميدوجوري.
التراجع إلى قوة ريفية: 2013-2016م:
في عام 2013م، تمكنت قوات الأمن النيجيرية من تفكيك بعض خلايا بوكو حرام القاتلة التي تخصصت في صنع القنابل في وسط نيجيريا. كان أحد العوامل التي ساعدت على ذلك أن بعض المقاتلين المدرَّبين من القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي غادروا لتشكيل مجموعة منشقة تعرف باسم الأنصار، ولكنَّ الجماعة ردت على ذلك بأمر أتباعها بالهجوم على الفصيل الجديد، وقاموا بقطع رؤوس واغتيال قادتها، بل إنهم قاموا حتى بإبلاغ السلطات الأمنية عن أماكن اختباء مجموعة الأنصار، مما ساعد الجيش النيجيري على ضرب خلايا الاختطاف التابعة لجماعة الأنصار في كادونا وسوكوتو وكانوا. وفي الوقت ذاته تضاءل الدعم الشعبي لجماعة شيكاو من السكان المحليين، بعدما أدت الأحداث إلى وقوع المئات من المدنيين جرحى وقتلى بدءًا من يناير 2012م.
ومنذ عام 2013م أصبحت المجموعة أكثر تعمقًا في المناطق الريفية في بورنو؛ حيث استطاعوا إدماج بعض من جماعة الأنصار –يقال: إن ذلك تم بعد وساطة ومصالحة في مالي-، واستطاعوا أن يحتلوا أراضي جديدة، كما أدَّى ذلك إلى مزيد من الهجمات بما في ذلك اختطاف أكثر من 200 تلميذة في تشيبوك في أبريل 2014م. كما قامت المجموعة بإزالة مقاتليها من مايدوجوري؛ حيث واجهت ضغوطًا مِن قِبَل الحراس المدنيين المؤيدين للحكومة، وأصبحت تقريبًا تعتمد على المناطق الريفية.
في مارس 2015م، تعهَّدت شيكاو بالولاء لزعيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي، وأصبحت المجموعة ISWAP. على الرغم من أن نيجيريا وجيرانها بمساعدة جنوب إفريقيا قد دفعوا المجموعة خارج معظم أراضيهم بحلول هذه المرحلة.
في أواخر عام 2015م، ومع ذلك، استخدمت الجماعة الجديدة التي عرفت باسم ISWAP بعض الاستراتيجيات الفعَّالة لإعادة تأكيد نفسها. وشنَّت العديد من الهجمات، وخاصة التفجيرات الانتحارية، من أجل ثني جيران نيجيريا عن التدخل. في يونيو 2016م، داهمت ثكنات بوسو العسكرية لسرقة الأسلحة. أما الحدث الأهم فقد حدث في أغسطس 2016م عندما أمر تنظيم الدولة الإسلامية بإزاحة شيكاو، وتنصيب قائد جديد بدلاً منه، ويدعى أبو مصعب البرناوي زعيمًا جديدًا للجماعة.
وقد انتهج البرناوي سياسة جديدة للفوز بعقول وقلوب السكان المدنيين، كما قام بالتركيز على منع وصول القوات النيجيرية إلى المناطق النائية في منطقة يوبي وبورنو وحول بحيرة تشاد، في حين ترك شيكاو التنظيم، وتمركز في غابات سامبيسا في بورنو، ورجعت جماعته إلى اسمها القديم.
المستقبل:
حظيت نجاحات ISWAP منذ أغسطس 2016م باهتمام كبير بين الباحثين والمنظمات الإنسانية والحكومات. ومع ذلك، فإن ما يُنسَى في كثير من الأحيان مع التركيز على المعارك الحالية بالقرب من بحيرة تشاد وفي ريف بورنو هو كيف كانت المجموعة منتشرة تاريخيًّا في جميع أنحاء شمال نيجيريا؟!
في السنوات القليلة الماضية، قلَّص الجيش أيضًا انتصارات ISWAP، وضم JAS بشكل أساسي في سامبيسا. ولكن إذا تم إخراج ISWAP أخيرًا من قواعدها الحالية بالقرب من بحيرة تشاد، يبقى السؤال: ما إذا كان هذا سيكون كافيًا لإنهاء التمرد؟
تعتمد الإجابة على الأرجح على ما إذا كانت ISWAP تحتفظ بالقدرة على العمل في مكان آخر. إذا نظرنا إلى الوراء على مدى العقد الماضي، تذكرنا أنه ليس لدى ISWAP أو JAS أيّ أساس في قاعدة مايدوغوري الرئيسية ذات يوم. في أحسن الأحوال، يمكنهم فقط مهاجمة محيطهم.
لقد مر ما يقرب من أربع سنوات منذ الهجوم الأخير في أيّ مكان خارج ولايات نيجيريا الشمالية الشرقية الثلاث. يشير هذا إلى أنه بمجرد طرد الجهاديين من منطقة ما، يمكن لمزيج من القوة العسكرية، وبالتعاون مع المدنيين الصمود، وإبقائهم خارج مناطقهم للأبد، ومِن ثَمَّ فإذا استطاعت القوات أن تطردهم من محيط بحيرة تشاد فإنهم يستطيعون أن يحافظوا على تلك الأراضي خالية من تواجدهم لفترات طويلة قادمة.
في الوقت نفسه، أثبتت ISWAP أيضًا قدرتها على إنشاء معاقل في مناطق جديدة. وهذا ما يجعل توسُّع المجموعة الحالي في النيجر يثير القلق بشكل خاصّ. هناك أيضًا تقارير عن ISWAP وبقايا جماعة الأنصار يحاولون إنشاء مخابئ جديدة في غابات شمال غرب نيجيريا بالقرب من كادونا.
أخيرًا، تجدر الإشارة إلى أنه في الهيكل التنظيمي للدولة الإسلامية، تم دمج ISWAP الآن مع الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى (ISGS)، والتي تعمل في محور الحدود النيجر- بوركينا فاسو- مالي، والتي يمكن اختراقها المحتمل لشمال غرب نيجيريا هو سبب قلق كبير في حدّ ذاته. في حين لم تكن هناك تبادلات كبيرة بين المجموعتين، ولكن يشير التحالف فيما بينهما إلى أنهما سيقدمان الدعم لبعضهما البعض في سيناريو أسوأ الحالات.
منذ أن بدأت حركة التمرد في بوكو حرام قبل عشر سنوات، تحركت المجموعة جغرافيًّا مع تطورها وانقسامها. وبعد عقد من الزمان، لا تزال تُمَثِّل قوة خطيرة من المرجَّح أن تستمر في التغيير والتحرُّك لبعض الوقت في المستقبل.