تي مكورميك – فورين بوليسي (*)
ترجمة : قراءات إفريقية
داهمت القوات الأمنية المنازل في العاصمة البوروندية بوجومبورا الأحد لتنفيذ نهاية مهلة نزع السلاح التي حذر دبلوماسيون ومحللون أنها يمكن أن تزيد الوضع الأمني المتدهور بالفعل اشتعالا وتنقله إلى عنف واسع الانتشار.
فقد انتشرت مئات من الجنود وقوات الشرطة في معاقل المعارضة في بوجومبورا، والتي تم إفراغ الكثير منها قبل انتهاء المهلة في ليلة السبت الماضي، والتي كان وضعها الرئيس بيير نكرونزيزا. وهؤلاء الذين تم القبض عليهم في حوزتهم سلاحا بعد مرور منتصف الليل سيتم التعامل معهم على أنهم “أعداء الدولة”، كما صرح الرئيس في خطابه في الثاني من نوفمبر أمام آلاف من أهالي بوجومبورا في عطلة نهاية الأسبوع، في تحذير لهم لتفادي الاعتقال أثناء المداهمات الأمنية التي ستعقب انتهاء تلك المهلة.
وكانت بوروندي قد غرقت في مستنقع الاضطرابات مرة ثانية في أبريل الماضي عندما تحدى الرئيس نكرونزيزا التظاهرات الواسعة التي ضربت البلاد، ورغبة في فترة رئاسية ثالثة محل شك دستوري. فقد أعيد انتخابه بنسبة 69% من الأصوات في انتخابات يوليو، والتي أدانها المجتمع الدولي بصورة موسعة.
ومنذ ذلك الحين اندلعت تظاهرات ضد الحكومة تحولت إلى معارضة مسلحة، بعمليات قتل انتقامية اشتعلت بها العاصمة لعدة أشهر. وقامت الحكومة بمداهمة معاقل المعارضة ومنازل ممثلي وسائل الإعلام المحلية، واعتقلت وعذبت المتظاهرين والنشطاء، ويعتقد أنها قامت بنوبة من عمليات القتل خارج نطاق القضاء. وطبقًا للأمم المتحدة فعلى الأقل قتل مائتي شخص منذ أبريل الماضي، في حين هرب ما يقرب المائتي ألف خارج البلاد.
وقد مثلت نهاية المهلة من نكرونزيزا نقطة تحول في الصراع، فقد حذر دبلوماسيون غربيون من إمكانية وقوع مذابح جماعية، وقالت سامنثا باور سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في بيان في الخامس من نوفمبر: “إن الولايات المتحدة تعبر عن قلقها البالغ من أن المهلة المحددة بخمسية أيام والتي أطلقها الرئيس سوف يعقبها عمليات عنف واسعة ستشهدها البلاد في نهاية الأسبوع”.
وجاء تهديد الرئيس بوسم المعارضة بأنهم “أعداء البلاد” و”إرهابيين” كخطوة جديدة في سلسلة من التصريحات التي خرجت من مسئولين حكوميين يصفها المحللون بأنها مقلقة للغاية ومشابهة للغة الخطاب المستخدمة لإذكاء نيران المذابح الجماعية في رواندا المجاورة عام 1994. ويقول رئيس مجلس الشيوخ في بوروندي القس نديكورجيا الأسبوع الماضي: “اليوم ستطلق الشرطة الرصاص على قدميها بأيديها، ولكن عندما نقول لهم حينئذ اذهبوا لـ “العمل”، فلا تأتوا تبكوا إلينا حينئذ”.
وعبارة “اذهبوا إلى العمل” فهمت على نطاق واسع في الماضي على أنها “اقتلوا التوتسي” وذلك أثناء المذابح الرواندية، عندما كان يتم بث مثل تلك التصريحات الكودية في محطات الراديو الإذاعية التي كان يسيطر عليها متطرفو الهوتو. وقد صرحت مجموعة الأزمات الدولية في تقريرها في 5 نوفمبر الماضي أن “تلك اللغة ليست غامضة بالنسبة للشعب البوروندي وهي مشابهة بصورة مفزعة لتلك اللغة التي استخدمت في رواندا في تسعينيات القرن الماضي قبل اندلاع المذابح”.
ولكن الحكومة البوروندية تجاهلت التحذيرات الدولية بشأن المذابح المتوقعة، وقد صرح المتحدث باسم الرئاسة البوروندية ويلي نيامتيو لوكالة الأنباء الفرنسية أنه “لن يكون هناك حرب ولا مذاح”، وقال أن القوات تواجه “أعمال إرهابية مثل تلك التي تقوم بها حركة الشباب في الصومال”.
وبالرغم من اتفاق معظم المحللين في مخاوفهم أن المداهمات الحكومية ربما تشعل حمامات دماء غير ضرورية، فإن البعض الآخر لا يعتقد بصحة المقارنة بالحالة البوروندية مع مذابح رواندا. فيقول كريستوف فوجيل الباحث المختص بمنطقة البحيرات العظمى الإفريقية بجامعة زيورخ في رسالة على تويتر: “إن الأزمة السياسية الراهنة والعنف المصاحب لها لا تنبع من مواجهة “عرقية”، ولكن الأزمة الحالية هي أزمة سياسية بامتياز”.
وأضاف فوجيل أنه بينما “تتشارك بوروندي ورواندا في تاريخ مشترك ومتشابك، إلا أن كلا الدولتين تطورتا بصورة مختلفة فيما يتعلق بسياسات الهوية” وأضاف أن الشعب البوروندي يميل إلى التأكيد على أهمية القبيلة وليس على الهوية العرقية، لذا فإن المظالم الأساسية التي مثلت المذابح الرواندية “ليست موجودة بصورة كبيرة” في الحالة البوروندية، ولكنه أضاف: “بالرغم من ذلك فإن التصعيدات الأخيرة يجب أن نحملها على محمل الجد”.
فعلى مر عدة أشهر ظلت جثث المعارضة تظهر في الأحياء التي يقيمون فيها، ويعتقد أن حالات القتل الجماعي تلك التي تحدث خارج نطاق القضاء يقوم بها أفراد من الجيش والشرطة ويرتدون زيهم الرسمي أيضًا. وكتبت كارينا تيرتساكيان من منظمة هيومان رايتس واتش مؤخرًا قائلة: “هناك حالة مخيفة من غياب القانون في البلاد ويبدو أن السلطات تستغلها ذريعة لتبرير القمع الوحشي، فعمليات القتل المدفوعة سياسيا تحدث في وضح النهار، ونادرا ما يتم القبض على مرتكبي تلك الجرائم”.
وأضافت لمجلة “فورين بوليسي الأمريكية” أن منظمة هيومان رايتس ووتش قد وثقت مقتل أكثر من مائة شخص في الأشهر الثلاثة الأخيرة وحدها، بعضها كانت عمليات اغتيال مدفوعة سياسيا، بعضها كانت عمليات قتل ليلية غير معروفة الأسباب، وبعضها تم على يد ضباط من الشرطة. لقد كانت قوات الشرطة تذهب إلى أحياء المعارضة وتقتل الكثير من السكان، معظمهم من غير المسلحين، إن هذا هو نوع القتل الذي نخشى من أنه سيتصاعد في أعقاب انتهاء الهدنة الحكومية”.
(*) يمكن الاطلاع على أصل المقال على الرابط التالي: http://foreignpolicy.com/2015/11/08/burundi-on-edge-as-disarmament-deadline-passes/?wp_login_redirect=0