بقلم/ محمد الجزار
باحث في شؤون السياسة الإفريقية
تعد صناعة الدواجن أحد المصادر الرئيسية لتوفير البروتين الحيواني لشعوب القارة الإفريقية؛ وذلك نظرًا لما تتمتع به هذه الصناعة من خصائص متميزة؛ أبرزها تناسُب أسعارها للمستهلكين مقارنةً بأسعار اللحوم الحمراء التي يَعجز كثير من المستهلكين عن شرائها.
ورغم أهمية صناعة الدواجن في إفريقيا ونموّها، وإسهامها في تحقيق الأمن الغذائي؛ إلا أنها واجهت خلال العقود الأخيرة العديد من الأزمات والصدمات التي أثَّرت عليها سلبًا؛ كان أبرزها: أزمة أنفلونزا الطيور، بجانب وجود حالة شديدة من المنافسة بين الشركات الأجنبية العاملة في صناعة الدواجن، والتي قامت بإغراق الأسواق الإفريقية بالدواجن المستوردة، مما أثَّر سلبًا على قطاع الدواجن المحلي في دول القارة، فيما عُرف بظاهرة حرب الدواجن.
ورغم تلك التحديات السابقة فقد ظهر خلال الآونة الأخيرة مجموعة من الأزمات والتحديات الجديدة التي مثَّلت عبئًا على صناعة الدواجن في إفريقيا جنوب الصحراء. ومن خلال هذه الدراسة سوف نتناول أبرز الأزمات التي تُواجه صناعة الدواجن حاليًا، وما ينتج عنها من تداعيات سلبية، وذلك من خلال النقاط التالية:
أولاً: أبرز الأزمات التي تُواجه صناعة الدواجن في إفريقيا جنوب الصحراء:
توجد مجموعة متنوعة من الأزمات التي تهدّد صناعة الدواجن في دول إفريقيا جنوب الصحراء في الوقت الحالي، ويمكن عرض أبرز هذه الأزمات فيما يلي:
1- أزمة انقطاع التيار الكهربائي بصورة متكررة:
حيث إن الطاقة الكهربائية تعد أحد المقومات الرئيسية المتعلقة بصناعة الدواجن، وفي حالة حدوث أزمة متعلقة بتوافر الكهرباء وانقطاعها لفترات طويلة فإن ذلك ينعكس مباشرة بالسلب على قطاع الدواجن؛ حيث نجد أنه في جنوب إفريقيا قام مزارعو الدواجن في منتصف يناير 2023م بإعدام ما يقرب من 10 ملايين كتكوت بسبب أزمة انقطاع التيار الكهربائي التي تشهدها جنوب إفريقيا باستمرار خلال الفترة الحالية؛ حيث كانت شركة ESKOM)) للطاقة المملوكة للحكومة في جنوب إفريقيا تقوم بقطع التيار الكهربائي في البلاد لمدة تصل إلى 10 ساعات في اليوم؛ حيث إن عدد الأيام التي انقطعت فيها الكهرباء في جنوب إفريقيا تخطَّى 200 يوم خلال عام 2022م فقط، كما أعلنت الشركة أن عملية انقطاع التيار الكهربائي ستستمر لمدة عام آخر على الأقل؛ لمنع الانهيار الكامل للشبكة.
وقد أثَّرت أزمة انقطاع الكهرباء على العديد من المصانع والشركات، كما أثَّرت سلبًا على اقتصاد جنوب إفريقيا، وألحقت الضرر بالإنتاج بما في ذلك صناعة الدواجن؛ حيث صرح المدير العام لجمعية الدواجن في جنوب إفريقيا بأن أزمة انقطاع الكهرباء تسببت في عدم القدرة على تشغيل الآلات، مما أدّى إلى انخفاض الإنتاج بمقدار الربع، وهو ما أدّى إلى تراكم واكتظاظ الكتاكيت في مزارع الدواجن، وعدم وجود مساحة لتربيتهم، مما أجبر المزارعين على إعدام نحو 10 ملايين كتكوت في غضون أسابيع قليلة فقط. كما أن أزمة انقطاع الكهرباء تؤدي كذلك إلى تعطيل المجازر والمسالخ الآلية مما يؤدي إلى تراكم واكتظاظ الدجاج في المزارع، وهو ما يضيق المساحات المطلوبة لتربية الدجاج الجديد، مما أدى إلى انخفاض إنتاج الدجاج بمقدار الربع، كما أن هناك تحديًا آخر يتعلق بارتفاع أسعار الكهرباء والطاقة بصورة عامة، وعلى رأسها الغاز الذي يتم استخدامه في تدفئة الكتاكيت لمساعدتها على النمو، فنجد مثلاً أنه في جنوب إفريقيا تم الإعلان عن زيادة أسعار الكهرباء بنسبة 18% مؤخرًا، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار إنتاج الدواجن بالتبعية.([1])
2- أزمة نقص الأعلاف اللازمة لتربية الدواجن وارتفاع أسعارها:
من بين الأزمات التي تواجه مزارع الدواجن: أزمة نقص الأعلاف اللازمة لتربية الدواجن، وارتفاع أسعارها؛ حيث نجد مثلاً أن صناعة الدواجن في نيجيريا عانت من ارتفاع تكاليف الأعلاف؛ حيث ارتفع متوسط سعر مكونات العلف خلال السنوات الثلاثة الماضية بنحو 168%، وهو ما أسفر عن خروج العديد من المزارعين من السوق لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف ارتفاع أسعار الأعلاف، وعدم تحقيقهم للأرباح المناسبة التي تدفعهم إلى الاستمرار والبقاء في السوق، كما أظهر مسح للسوق أن تكاليف إنتاج 25 كيلو جرام من الأعلاف المصنوعة أساسًا من الذرة وفول الصويا والقمح والدخن ارتفعت من 3600 نيرة نيجيرية إلى نحو 8500 نيرة، ويرجع ارتفاع أسعار العلف في نيجيريا إلى وجود نقص مستمر في مكونات إنتاج الأعلاف؛ بسبب قيام التجار بتخزين الحبوب لتحقيق المزيد من الأرباح بعد رفع أسعارها، وكذلك عدم كفاية الإنتاج المحلي من مكونات الأعلاف في البلاد، مع ارتفاع أسعار الأعلاف المستوردة من الخارج.([2])
وفي ذات السياق نجد أن مزارعي الدواجن في تنزانيا تكبّدوا خسائر فادحة بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف المستوردة، والتي ارتفعت بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وما أسفرت عنه من نقص صادرات فول الصويا عالميًّا، وهو من أهمّ مكونات علف الدواجن، بجانب قيام الصين والهند بالإقبال على شراء فول الصويا من أيّ مكان في العالم، وبأيّ سعر؛ لكونهما من أكبر الدول المستهلِكة لفول الصويا، وهو ما جعل المنتجين لفول الصويا في زامبيا ومالاوي يبيعون منتجاتهم إلى الشركات الآسيوية، مما أثَّر سلبًا على المستوردين من تنزانيا؛ لعدم قدرتهم على منافسة المستوردين الآسيويين، وارتفعت أسعار العلف في تنزانيا لتصبح 77 ألف شلن تنزاني لكل كيس علف يبلغ وزنه 50 كيلو جرام بعد أن كان سعره 70 ألف شلن، وهو ما جعل الكثيرين يتعرضون لخسائر فادحة بعد ارتفاع تكاليف الإنتاج في صناعة الدواجن.([3])
وفي رواندا انتقد مزارعو الدواجن ارتفاع تكلفة الأعلاف؛ حيث صرح رئيس جمعية صناعة الدواجن أن أسعار الأعلاف ارتفعت بنسبة 65%، وذلك يمثل مصدر قلق كبير للمزارعين؛ حيث إن الأعلاف تُشكّل نحو 70% من المدخلات المطلوبة لإنتاج الدواجن، ومن جانبها قامت الحكومة الرواندية بإلغاء ضريبة القيمة المضافة البالغة 18% المفروضة على المواد الخام المستوردة لأغراض إنتاج الأعلاف، بجانب العمل على استخدام يرقات ذبابة الجندي الأسود (BSF) كمصدر بديل بسعر معقول للبروتين اللازم لتغذية الدواجن؛ حيث قامت رواندا بافتتاح مصنع تجاري للأعلاف الحيوانية القائمة على الحشرات في منطقة بوجيسيرا في سبتمبر 2022م، في محاولة منها للتصدي لارتفاع أسعار العلف ونقص المعروض منها في رواندا.([4])
3- أزمة ارتفاع أسعار الكتاكيت:
حيث إنه من بين الأزمات التي تهدّد صناعة الدواجن في إفريقيا جنوب الصحراء، أزمة ارتفاع أسعار الكتاكيت؛ حيث نجد مثلاً في تنزانيا أن أسعار الكتاكيت ارتفعت بنسبة 66%، وقد أرجع المزارعون ذلك الارتفاع في الأسعار نتيجة لحظر واردات الدواجن من الخارج، وعدم وجود مناخ ملائم لعملية إنتاج الكتاكيت. وفي نيجيريا اشتكى أيضًا مزارعو الدجاج من ارتفاع أسعار الكتاكيت الذي أدَّى إلى خروج العديد من عملية الإنتاج، بالإضافة إلى أن ارتفاع تكاليف أعلاف الدجاج وتربيتها أسفر عن إحجام معامل التفريخ عن إنتاج الكتاكيت خوفًا من عدم شرائها منهم، مما سبَّب عجزًا في السوق أدَّى إلى ارتفاع أسعارها، كما أن ارتفاع أسعار المحروقات أيضًا والمولّدات الكهربائية والديزل اللازمة لتشغيل معامل التفريخ أدى إلى ارتفاع أسعار الكتاكيت بصورة مباشرة، وهو ما يُعقّد أزمة ارتفاع الأسعار، ويُعجّل بهروب صغار المنتجين الذين لا يقدرون على تحمُّل تلك الصدمات المتوالية في وقت قصير.([5])
4- أزمة إعدام ذكور الكتاكيت اعتقادًا بعدم جدواها الاقتصادية:
حيث تقوم العديد من مزارع الدجاج بعد فترة وجيزة من فقس البيض وخروج الكتاكيت للحياة بفرز الكتاكيت، واختيار الذكور منها، ثم جمعها وإعدامها وهي في عمر يوم واحد؛ حيث تنتشر هذه الظاهرة في العديد من دول العالم، ومن بينها عدة دول إفريقية كجنوب إفريقيا التي تعد دولة رائدة في إنتاج الدواجن؛ حيث تمثل صناعة الدواجن فيها أكبر قطاع زراعي بنسبة 19.8% من إجمالي الإنتاج الزراعي، وكذلك تمثل نسبة 40% من إجمالي المنتجات الحيوانية في البلاد.([6])
كما تشير الأرقام إلى إعدام بلايين الكتاكيت الذكور كل عام حول العالم، ويعود ذلك الأمر إلى أسباب اقتصادية بحتة تتمثل في أن الكتاكيت الذكور لا قيمة لها بالنسبة لمربي الدواجن؛ لأنها لا تساهم في صناعة البيض، كما أنها لا تنمو بسرعة كافية ليتم الاستفادة منها وبيعها كلحوم، ولذلك يَنظر إليها منتجو الدواجن على أنها منتجات ثانوية غير مرغوب فيها، ستجعلهم يتحملون عبء تربيتها، ودفع تكاليف كبيرة لرعايتها، ولكن في النهاية لن تحقق لهم الربح المطلوب، وهو ما يعتبرونه إهدارًا للموارد المالية لهم، ولهذا يلجؤون إلى الإعدام المبكر لذكور الكتاكيت، وقد تعرَّضت هذه العملية إلى العديد من الانتقادات، وتم البحث عن حلول لها منعًا لتجاهل أن ذكور الكتاكيت هي طيور سليمة وقابلة للحياة؛ حيث تم اقتراح بدائل لقتل ذكور الكتاكيت من بينها العمل على تحديد جنس البويضة من البداية بحيث يتم تقليل إنتاج الذكور، وكذلك القيام بتطوير عمليات تسمين ذكور الكتاكيت؛ بحيث يتم استخدامها في أسواق اللحوم، كما قامت عدَّة دول بإصدار تشريعات للحدّ من تلك الظاهرة وحظرها من بينها فرنسا وألمانيا اعتبارًا من عام 2022م، احترامًا لقوانين وقواعد الرفق بالحيوان ووضعها فوق المصالح الاقتصادية، كما دعت ألمانيا دول الاتحاد الأوروبي أن تحذو حذوها للقضاء على تلك الظاهرة، كما قام بعض الباحثين بتطوير دجاجات ينتج منها كتاكيت إناث فقط من خلال التعديل الجيني لتلك الدجاجات؛ في محاولة منهم لإنهاء عملية إعدام نحو 7 مليارات كتكوت ذَكر على مستوى العالم سنويًّا، تبلغ تكلفة إعدامهم نحو 7 مليارات دولار.([7])
5- تقييد تجارة الدواجن خوفًا من انتشار الأمراض البيطرية:
حيث تعد مسألة انتشار الأمراض البيطرية في صناعة الدواجن من بين الأزمات التي تهدّد هذا القطاع المهمّ؛ خاصةً في حالة حدوث معدلات وفيات عالية في الدواجن، وعدم القدرة على توفير الأدوية البيطرية واللقاحات المناسبة لعلاجها، بجانب الخوف من نقل صغار الدواجن من دولة لأخرى خوفًا من انتقال الأمراض البيطرية، وعلى رأسها إنفلونزا الطيور، وهو ما يقيّد عملية تجارة الدواجن بين الدول الإفريقية بعضها البعض، ويؤثر سلبًا على الاستثمار في هذا القطاع.
ومن أمثلة ذلك: ما حدث في دولة تنزانيا؛ حيث إنه في نوفمبر 2017م قامت الشرطة التنزانية بإعدام نحو 6400 كتكوت حرقًا حتى الموت، يبلغ عمرها يومًا واحدًا، كانت مستوردة من دولة كينيا مِن قِبَل سيدة أعمال تُدعى ماري ماتيا؛ حيث تم اعتقالها، واحتجاز الكتاكيت البالغ قيمتها نحو 6 آلاف دولار، ثم حرقها بعد ذلك، بدعوى الاشباه في قدرتها على نشر إنفلونزا الطيور في البلاد، وأن استيرادها تم بشكل غير قانوني.
وردًّا على ذلك فقد أدان الأطباء البيطريون في تنزانيا عملية حرق الكتاكيت، وأشاروا إلى أن قانون الرفق بالحيوان لعام 2008م يضمن حماية الكتاكيت، وأن عملية حرقها كانت قاسية، كما أضافوا أن هناك بدائل أخرى للحد من تفشي إنفلونزا الطيور، كان من بينها إعادة الكتاكيت المستورَدة إلى كينيا ورفض دخولها البلاد، رغم أن الحكومة لم تتحقق من إصابة هذه الكتاكيت بالمرض من عدمه.
وقد ردّت الحكومة على تلك الانتقادات قائلة: إن عملية استيراد الكتاكيت محظورة في تنزانيا منذ عام 2007م، وإن الاستيراد المخالف للقانون قد يُعرّض صحة المواطنيين للخطر، خاصةً أن أنفلونزا الطيور كانت متفشية في بعض دول الجوار مثل أوغندا في ذلك الوقت.
من جانبها؛ احتجت الحكومة الكينية على ذلك الإجراء بصورة رسمية، ووصفت ما حدث بأنه تغاضٍ عن الأعمال العدائية ضد المواطنين الكينيين، كما استدعت وزارة الخارجية الكينية المفوّض السامي التنزاني في كينيا ليوضح لها هذا الإجراء الأحادي، وبعد مرور خمس سنوات على هذه الواقعة قامت الرئيسة التنزانية الحالية سامية حسن، بوصف ما حدث من حرق للكتاكيت بأنه كان خطأ، وأنه يلوّث العلاقات التاريخية بين كينيا وتنزانيا كشريكيين تجاريين، وأضافت أن الدجاج له الحقّ في الحياة كذلك، ولا يصح إعدامه([8]).
ثانيًا: التداعيات السلبية الناجمة عن الأزمات المفروضة على صناعة الدواجن:
لقد أدت الأزمات التي استعرضناها أعلاه إلى حدوث مجموعة من التداعيات السلبية على صناعة الدواجن، وما يلحق بها من مستهلكين أو منتجين أو حتى حكومات، ويمكن عرض هذه التداعيات فيما يلي:
1- التأثير بالسلب على علاقات الدول الإفريقية مع بعض الدول الأجنبية:
حيث إنه في سبيل حماية قطاع الدواجن المحلي لجأت العديد من الدول إلى فرض إجراءات حمائية للحد من إغراق الدول الأجنبية العاملة في صناعة الدواجن للأسواق الإفريقية بمنتجاتها، ومن بين تلك الإجراءات ما قامت به جنوب إفريقيا من زيادة الرسوم الجمركية على واردات الدجاج المستوردة من الخارج، وخاصة من الولايات المتحدة والبرازيل وأوروبا أكثر من مرة؛ وذلك تلبيةً لمطالب جمعية جنوب إفريقيا لصناعة لدواجن (Sapa)، والمنظمات ذات الصلة بقطاع الدواجن؛ حيث إنهم كانوا قد تظاهروا أمام مقر الاتحاد الأوروبي في البلاد من قبلُ؛ بسبب تأثير الصادرات الأوروبية على صناعة الدواجن المحلية، متّهمين إياهم بمحاولة تدمير الصناعة المحلية، كما طالبوا الحكومة بزيادة رسوم الاستيراد على الدواجن القادمة من الخارج؛ لحماية المنتجين المحليين.
وقد أدت قرارات زيادة الرسوم الجمركية إلى حدوث خلافات بين جنوب إفريقيا والدول المُصدّرة للدواجن، فيما أطلق عليه عبارة “معركة الدجاج” أو “حروب الدجاج”، خاصةً بعد إعلان رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا في فبراير 2020م أن الحكومة قد قرَّرت رفع الرسوم الجمركية من جديد على واردات الدجاج؛ حيث قامت وزارة التجارة والصناعة باتخاذ هذا القرار، والذي نص على رفع الرسوم الجمركية على واردات الدجاج المستوردة من أمريكا والبرازيل وأوروبا، لتتحول من 37% إلى 62% على اللحوم منزوعة العظم، ومن 12% إلى 42% على اللحوم غير الخالية من العظم.
من جانبها؛ رحّبت جمعية صناعة الدواجن بالقرار، وأكّدت على أن واردات الدجاج من الخارج تولّد عجزًا قدره 351 مليون يورو سنويًّا للصناعة المحلية، التي توظّف عشرات الآلاف من المواطنين في البلاد.
ومن جانبها؛ أعربت سفارة أمريكا في جنوب إفريقيا عن أسفها للقرار؛ حيث تُعد أمريكا هي ثاني مُصدّر للدجاج إلى جنوب إفريقيا بعد البرازيل والتي بلغت صادراتها من الدجاج في 2018م نحو 86 ألف طن بلغت قيمتها نحو 94 مليون دولار أمريكي. وأضاف بيان السفارة الأمريكية في جنوب إفريقيا بأن وصول مُنتجيها إلى أسواق جنوب إفريقيا هو أمر حاسم. كما أدان أيضًا لوبي الدواجن الأوروبي القرار، واصفًا إياه بغير المُبرّر، وأنه لا يحترم قواعد التجارة الدولية، وأضاف أيضًا أن ذلك القرار لا يتماشى مع تلبية احتياجات السكان في إفريقيا؛ حيث يرى أنه يوفّر لهم اللحوم بأسعار معقولة في الوقت الذي تبتعد فيه معظم دول القارة عن الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في قطاع الأغذية والزراعة.
ويُذكر أيضًا أن الولايات المتحدة، وتحديدًا في عهد باراك أوباما عام 2015م، قامت بتهديد جنوب إفريقيا بالاستبعاد من الاستفادة من قانون النمو والفرص الإفريقي (Agoa)، وهو ما جعل حكومة جنوب إفريقيا تمنح واشنطن إعفاءً ضريبيًّا يصل إلى 65000 ألف طن سنويًّا على صادراتها من الدجاج. وفي 2018م قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيادة الضرائب المفروضة على صادرات جنوب إفريقيا إلى أمريكا من الألمونيوم والصلب، وهو ما جعل جمعية جنوب إفريقيا لصناعة الدواجن تطالب بإزالة الإعفاء الضريبي الممنوح لواشنطن على صادراتها من الدواجن، وهو ما جعل البعض يخشى من حدوث أعمال انتقامية تؤثر على اقتصاد جنوب إفريقيا وعلاقاتها مع الدول التي رفعت عليها الجمارك، خاصةً أن قيمة صادرات جنوب إفريقيا إلى أمريكا كانت قد بلغت 2,4 مليار دولار في 2020م.([9])
ورغم أن تلك الإجراءات الحمائية قد نجحت في بعض الدول مثل السنغال التي ارتفع فيها الإنتاج الوطني من الدجاج إلى ما يقرب من 110 آلاف طن من الدواجن كل عام، بعد أن كان حوالي 30 ألف طن قبل حظر وارادات الدواجن من الخارج. لكنْ مع استمرار معارك الدواجن فإن العلاقات الدولية بين الدول الإفريقية والدول الأجنبية المُصدِّرة للدواجن قد تتأثر سلبًا، وهو ما يحتاج إلى وضع عملية توازن بين حماية الإنتاج الوطني، وعدم الوقوع في فخّ الصدامات الدولية مع الدول المصدّرة، وهو ما يمكن أن يتحقق من خلال إحجام الشعوب الإفريقية نفسها عن شراء الدواجن المستوردة، مع إقبالها على شراء الدواجن المحلية، مع دعم الحكومات الإفريقية لقطاع الدواجن؛ بحيث تكون أسعاره متناسبة مع القدرات الشرائية للمستهلكين المحليين.([10])
2- السماح للمنافسين الأجانب بالاستحواذ على أسواق الدواجن المحلية:
حيث إنه في حالة استمرار الأزمات الحالية في صناعة الدواجن، وحدوث تأثير سلبي بموجبها على تلك الصناعة على المدى الطويل، قد يؤدي ذلك إلى انهيار أسواق الدواجن المحلية في دول القارة الإفريقية، وتسهيل الطريق لاستحواذ الشركات الأجنبية التي تهيمن على الأسواق بصورة كبيرة على كامل الأسواق؛ حيث إن سوق الدواجن في إفريقيا تُعد سوقًا عملاقة تهيمن عليها لحوم الدواجن المجمدة المستوردة من أوروبا والولايات المتحدة والبرازيل؛ حيث تقوم تلك الكيانات الأجنبية بإغراق الأسواق الإفريقية بالدجاج المستورد فيما يُعرف بـ”حرب الدجاج”، فعلى مدى السنوات العشر الماضية تم بيع ما يقرب من 2 مليون طن من واردات الدجاج منخفضة السعر في جميع أنحاء القارة، وبأسعار منافسة تقل عن أسعار الدواجن المحلية الطازجة بنحو مرتين إلى أربع مرات، وهو ما خلق حالة من المنافسة غير العادلة لصناعة الدواجن المحلية أمام الشركات العملاقة العاملة في هذا المجال سواء من أوروبا أو أمريكا، والتي تستفيد من الإعانات الكبيرة المقدَّمة لها، وهو ما يجعل صناعة الدواجن في إفريقيا تتعرض للضغوط، فنجد مثلاً أنه في غانا كانت صناعة الدواجن مزدهرة في مطلع الألفية، وكان الدجاج المحلي هو الذي يتم بيعه في الأسواق، لكن الدواجن المستوردة أثَّرت سلبًا على السوق المحلي وأصبحت غانا تستورد نحو 95% من استهلاكها للدجاج في عام 2020م، كما تخلت الشركات الوطنية عن عملية الإنتاج، وركَّزت على الأعمال الأقل ربحًا والمتمثلة في بيع البيض، كما أن عمليات استيراد الدواجن من الخارج يحتمل أن ترتفع خلال الفترة المقبلة في إفريقيا لتصل إلى ما يقرب من 2.54 مليون طن سنويًّا بحلول 2031م، وتُعد كل من جنوب إفريقيا وأنجولا وغانا هي أكثر الدول استيرادًا للدواجن في القارة.
ورغم ما قامت به بعض الحكومات الإفريقية من إجراءات حمائية لصناعة الدواجن مثل قيام رئيس جنوب إفريقيا بمضاعفة الرسوم الجمركية على لحوم الدواجن المستوردة في فبراير 2020م، وهو ما أغضب لوبي الدواجن الأوروبي، لكن ما يزال الدجاج المستورد يهيمن على الأسواق الإفريقية، ويؤثر على صناعة الدواجن المحلية، ولهذا فإننا لا نستبعد وجود دور للشركات الأجنبية العاملة في صناعة الدواجن في تدبير الأزمات والصعوبات لشركات صناعة الدواجن المحلية في إفريقيا، وخاصةً فيما يتعلق برفع أسعار الأعلاف المستوردة من الخارج مِن قِبَل بلدانهم أصلاً، بل من غير المستبعَد أن تقوم تلك الشركات الأجنبية بالتنسيق مع وكلائها داخل الدول الإفريقية ممن لهم علاقة بصناعة الدواجن من أجل العمل على تدمير صناعة الدواجن المحلية حتى يسهل لهم عملية الاستحواذ على الأسواق الإفريقية.([11])
3- إفساح المجال لكبار المستورديين المحليين لتدمير صناعة الدواجن الوطنية:
حيث إنه في حالة عدم التصدّي للأزمات التي تُواجه صناعة الدواجن، قد يؤدي ذلك إلى إفساح المجال لكبار رجال الأعمال والمستورديين المحليين لتدمير صناعة الدواجن المحلية، من أجل تعزيز عمليات استيراد الدجاج من الخارج، وتعظيم الأرباح الخاصة بشركاتهم، دون مراعاة لأهمية هذه الصناعة للاقتصاد الوطني وللأمن الغذائي، بل لا يُستبعد أن يكون من بين كبار المستوردين هؤلاء بعض القطط السمان الذين يعملون فعليًّا على تدمير تلك الصناعة من أجل مصالحهم الخاصة؛ حيث إنه في حالة انهيار صناعة الدواجن المحلية سوف تخلو لهم الأسواق المحلية دون منافس، وبالتالي يتحكمون في أسعار لحوم الدواجن كما يحلو لهم، ولهذا فهم يساهمون في تعميق حالة التبعية والانكشاف الاقتصادي للدول الإفريقية، بل سيزيدون مما يمكن تسميته بالعبودية الغذائية في الدول الإفريقية، وتعد دولة غانا من بين النماذج التي أدى الارتفاع الكبير في واردات الدجاج بها إلى انهيار صناعة الدواجن؛ حيث أغلقت أكثر من 400 مزرعة دواجن محلية في غانا بسبب إغراق السوق بالدواجن المستوردة رخيصة السعر؛ حيث بلغ سعر كيلو الدجاج المستورد في غانا عام 2016م نحو 3.5 دولار، بينما بلغ سعر كيلو الدجاج المحلي نحو 15 دولار، وهو ما جعل أصحاب المزارع المحلية غير قادرين على المنافسة، مما أدَّى إلى توقف نحو 70% من المزارع الموجودة في البلاد عن العمل.([12])
وهذه التداعيات السلبية تصبّ في صالح كل من الشركات الأجنبية المصدرة للدواجن، والشركات المحلية المستوردة للدواجن التي ستزيد من عمليات الاستيراد، وبالتالي تتعاظم أرباحها على حساب المنتجين المحليين، وللأسف فإن من بين أصحاب هذه الشركات المحلية من يتولون مناصب سياسية مهمة في إفريقيا جنوب الصحراء، ويتمتعون بحصانات سياسية وقضائية، بل وأحيانًا تدعمهم الأجهزة السيادية وتدخل معهم في شراكات اقتصادية، وهو ما يحول دون عقابهم في حالة كشف قضايا الفساد التي يرتكبونها لتدمير صناعة الدواجن الوطنية، وغيرها من الصناعات. ومن أمثلة ذلك ما حدث في دولة بنين من لجوء المسؤولين الحكوميين لاستيراد الدواجن من الخارج بدعوى توفير الدواجن للمستهلكين بسعر مناسب، لكنَّهم تعرّضوا للنقد لكونهم يساهمون في تدمير صناعة الدواجن الوطنية، ويتهرّبون من المسؤولية اللازمة لحماية ودعم والوقوف بجانب هذه الصناعة المهمة للبلاد.([13])
4- ارتفاع أسعار الدجاج ومنتجاته، مما سيزيد من الأعباء المعيشية على المستهلكين:
حيث أدت الأزمات التي تواجه صناعة الدواجن خلال الفترة الحالية إلى ارتفاع أسعار لحوم الدجاج في معظم دول القارة الإفريقية تقريبًا، مقارنة بالأسعار خلال الأعوام القليلة الماضية، فنجد مثلاً في جنوب إفريقيا أنه قد ارتفعت أسعار لحوم الدجاج بنسبة 17% خلال الفترة من 2021 إلى 2022م.([14])
وفي نيجيريا ارتفعت أيضًا أسعار لحوم الدجاج بنسبة كبيرة جدًّا؛ حيث إن سعر كيلو الدجاج الذي كان يُباع بنحو 800 نيرة، أصبح يُباع بنحو 2000 نيرة في 2021م، كما ارتفعت الأسعار أكثر من مرة بعد ذلك، وفما يتعلق بأسعار البيض بوصفه منتجًا أساسيًّا من منتجات الدواجن؛ فقد ارتفعت أسعاره هي الأخرى، ففي نيجيريا مثلاً نجد أن سعر صندوق البيض الذي كان يُباع في 2021م بسعر 700 نيرة، أصبح يُباع بسعر 1500 نيرة، وفي مطلع عام 2023م بلغ سعر صندوق البيض نحو 3 آلاف نيرة.([15]) وفي كينيا ارتفعت أسعار البيض خلال ستة أشهر فقط؛ حيث أصبح سعر صندوق البيض يكلف نحو 642 شلنًا كينيًّا، بعد أن كان يُكلف 630 شلنًا فقط في منتصف عام 2022م.([16])
وقد أدى هذا الارتفاع الكبير في أسعار الدواجن ومنتجاتها في معظم دول القارة إلى زيادة الأعباء المعيشية على المستهلكين، وجعلت الكثيرين من أصحاب الدخول المنخفضة يبحثون عن مصادر بديلة لسدّ حاجاتهم الغذائية لعدم قدرتهم على شراء الدجاج ومنتجاته بعد زيادة الأسعار بدرجة لا يمكنهم تحمُّلها أو التكيُّف معها.
5- رفع معدلات البطالة في إفريقيا جنوب الصحراء:
فمن بين التداعيات السلبية الناجمة عن الأزمات التي تشهدها صناعة الدواجن في العديد من دول القارة، رفع معدلات البطالة، نتيجة لعمليات الإغلاق المستمرة التي تقوم بها المزارع التي لا تستطيع مواجهة تلك الأزمات؛ حيث نجد أن صناعة الدواجن تضم عددًا كبيرًا من العمالة المختلفة وتوفر ملايين الوظائف؛ حيث يعمل في هذه الصناعة كلّ من المزارعين، والناقلين، وتجار البيض، وتجار اللحوم، والأطباء البيطريين، ومنتجي الأعلاف، وشركات الأدوية البيطرية، وغيرهم ممن لهم علاقة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بهذه الصناعة، وهو ما يجعلها تساهم في تقليل معدلات البطالة المرتفعة في غالبية الدول الإفريقية. فعلى سبيل المثال توظّف صناعة الدواجن في نيجيريا نحو 20 مليون عامل بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي جنوب إفريقيا توظف نحو 110 آلاف عامل يعملون في هذا القطاع، كما وفَّر هذا القطاع نحو 50 ألف وظيفة في جنوب إفريقيا عام 2019م، ونظرًا للأزمات المفروضة على صناعة الدواجن فإن هناك عشرات الآلاف من العمال الذين فقدوا وظائفهم بالفعل، بجانب احتمالية فقدان ملايين الوظائف في حال استمرار تلك الأزمات، ففي نيجيريا مثلاً فقد نحو مليون عامل وظائفهم في صناعة الدواجن في 2020م؛ بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف، وغلق العديد من المزارع، كما قيل: إنه من المحتمل أن يفقد نحو 5 ملايين عامل وظائفهم في نيجيريا في ذلك القطاع بسبب استمرار تلك الأزمات التي تدفع أصحاب المزارع إلى الخروج من السوق. ([17])
6- زيادة أعباء توفير العملة الصعبة اللازمة للاستيراد من الخارج:
حيث إنه في حالة استمرار الأزمات المهدِّدة لصناعة الدواجن المحلية في إفريقيا جنوب الصحراء، ستلجأ العديد من الدول الإفريقية إلى زيادة نسبة واردات الدواجن من الخارج لتغطية احتياجات المستهلكين المحليين، وهو ما سينجم عنه زيادة الأعباء على الحكومات الإفريقية من أجل توفير العملة الصعبة اللازمة للاستيراد من الخارج، وذلك في الوقت الذي تعاني فيه معظم الاقتصاديات الإفريقية من التضخُّم وتراجع احتياطات النقد الأجنبي فيها نتيجة للتحديات الاقتصادية العالمية التي أعقبت جائحة كورونا، وتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية التي نجم عنها ارتفاع تكاليف واردات الغذاء والطاقة؛ حيث كانت روسيا وأوكرانيا مُصدِّرين مهمّين للدول الإفريقية فيما يتعلق باستيراد السلع الغذائية، وخاصةً القمح، كما أن تراجع الاستثمارات الأجنبية هي الأخرى أدَّى إلى زيادة الضغط على توفير العملة الصعبة؛ حيث نجد مثلاً أن غانا تراجعت الاحتياطيات الأجنبية فيها لتصبح 3 مليارات دولار بعد أن كانت 9 مليارات دولار في يوليو 2022م، وهو ما سبَّب أزمة اقتصادية تشهدها البلاد حتى الآن، وهي نموذج من بين النماذج الإفريقية التي تواجه أزمات اقتصادية كبيرة في ذلك الوقت، ويُستنبط من ذلك أن عملية استيراد الدواجن من الخارج لن تكون حلاً مناسبًا للأزمات التي تهدّد صناعة الدواجن لكونها ستزيد العبء على الحكومات في توفير العملة الصعبة اللازمة للاستيراد، والتي لديها عجز في توفيرها أساسًا، ولهذا ينبغي ضَخّ هذه الأموال التي ستُخصّص للاستيراد في دعم صناعة الدواجن المحلية؛ حيث إن عملية علاج ومواجهة الأزمات التي تُواجه هذه الصناعة في فترة زمنية محددة وبخطط مدروسة، أفضل من ترك هذه الصناعة تنهار، وتظل الدولة تخسر ملايين الدولارات سنويًّا على استيراد الدواجن من الخارج، خاصةً أن عدد سكان إفريقيا جنوب الصحراء في ازدياد، وتكلفة الاستيراد على المدى الطويل سوف تكون مُرهِقَة للحكومات الإفريقية.([18])
7- طرد الفرص الاستثمارية في صناعة الدواجن:
نظرًا لارتفاع الطلب على الدواجن ومنتجاتها في إفريقيا جنوب الصحراء، بسبب كِبَر حجم السوق المصحوب بزيادة عدد السكان وتغيّر أنماط الاستهلاك، والانتقال من الاستهلاك القائم على الخضروات إلى نظام غذائي غنيّ بالبروتين، وتعتبر الدواجن والبيض هي البروتين المفضل للمستهلكين الأفارقة، ولهذا فإن صناعة الدواجن ينتظرها مستقبل مشرق في إفريقيا جنوب الصحراء، خاصةً أن القارة لا تُنتج سوى 4% من منتجات الدواجن في العالم، وهو ما يُشير إلى وجود فرص استثمارية كبيرة في هذه الصناعة رغم ما تشهده من أزمات؛ حيث نجد مثلاً أن جمعية جنوب إفريقيا للدواجن قد أعلنت أنها استثمرت أكثر من مليار راند في توسيع عمليات إنتاج الدواجن للمزارعين الناشئين من السود في 2022م، بجانب استثمار 400 مليون راند إضافي في هذا القطاع طوال عام 2022م، وذلك رغم التحديات التي واجهتها صناعة الدواجن في جنوب إفريقيا والمتمثلة في التصدي لواردات الدواجن المستوردة من البرازيل وإيرلندا وإسبانيا والدنمارك، التي كادت أن تُغرق السوق، بجانب الواردات غير القانونية، وتداعيات إنفلونزا الطيور، وجائحة كورونا.([19])
كما تشير أيضًا العديد من التقارير إلى أن الفرص الاستثمارية في صناعة الدواجن في إفريقيا مفتوحة على مصراعيها، وهو ما جعل العديد من الشركات الأجنبية تقوم بالاستثمار في هذه الصناعة في إفريقيا جنوب الصحراء، ومن بينها شركة (Agro top) الإسرائيلية المتخصصة في مشاريع الثروة الحيوانية؛ عن طريق بناء أكبر مزرعة دواجن في غرب إفريقيا في دولة ساحل العاج، على مساحة تزيد عن 50 هكتارًا، وتتكون من 7 وحدات لتربية الدجاج، ومسلخ بسعة 60 ألف دجاجة في الأسبوع، وهو ما يجب التنبه إليه لكون انتشار الشركات الإسرائيلية في إفريقيا يضرّ بالعلاقات العربية الإفريقية.([20])
كما يجب أن نوضّح أنه في حالة استمرار الأزمات الموجودة حاليًا في صناعة الدواجن سوف يُحْجِم المستثمرون عن الدخول في هذه الصناعة؛ سواء كانوا مستثمرين محليين أو أجانب؛ لأنه من المعروف أن رأس المال جبان، ولا يمكن أن يتم الاستثمار في صناعة تُواجه أزمات وتحديات تدفع العاملين فيها إلى الخروج منها بسبب الخسائر التي تكبّدوها، ولهذا من المهم علاج تلك الأزمات بصورة سريعة من أجل جذب الاستثمارات في هذه الصناعة المهمة لإفريقيا.
8- التأثير بالسلب على الأمن الغذائي:
من المعلوم أن العديد من دول القارة الإفريقية تُواجه حالة من انعدام الأمن الغذائي؛ حيث تَستورد إفريقيا نحو 85% من غذائها من خارج القارة، وفقًا لتقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، وهو ما يرفع من فاتورة استيراد الغذاء من الخارج لتصبح 35 مليار دولار، بل من المتوقع أن ترتفع إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2025م، ونظرًا لأن الكثير من السكان في إفريقيا جنوب الصحراء يعيشون تحت خط الفقر، بل يعيش العديد منهم في فقر مدقع؛ فإن ارتفاع أسعار لحوم الدواجن كمصدر للبروتين الحيواني يثير قلق المستهلكين؛ حيث إن الأزمات الحالية التي تشهدها صناعة الدواجن، ساهمت في رفع أسعار الدواجن ومنتجاتها، وأدت إلى نقص المعروض منها، وهو ما سيساهم في رفع معدلات انعدام الأمن الغذائي في دول القارة، وهذا ما صرَّحت به جمعيات الدواجن في جنوب إفريقيا؛ حيث قالت: إنه في حالة عدم حلّ الأزمات التي تؤثّر على صناعة الدواجن في جنوب إفريقيا فإن الأمن الغذائي سيتأثر في البلاد على المدى الطويل.([21])
ولذلك فإن مسألة زيادة إنتاج الدواجن، والحفاظ على هذه الصناعة لتلبية احتياجات المستهلك المحلي، يعد أحد مقومات الأمن الغذائي في إفريقيا، بل يجب أن تصل تنمية هذه الثروة الداجنة إلى حد تحقيق الاكتفاء الذاتي، مع العمل على وجود فائض تصديري للخارج لتحقيق أرباح من هذه الصناعة؛ نظرًا لأن هناك العديد من المقومات التي تسمح له بالنجاح في إفريقيا
9- التأثير بالسلب على قواعد أمان الغذاء:
حيث إن العديد من الشركات الأجنبية العاملة في صناعة الدواجن لا تحترم في كثير من الأحيان القواعد المتعلقة بأمان الغذاء، وأهمها أن يكون هذا الغذاء موافقًا للمواصفات الصحية، ولا يضر بحياة المستهلك الذي يتناوله؛ حيث يكون همّ هذه الشركات هو تعظيم الأرباح على حساب صحة المستهلك، وبالتالي فإن الدواجن المستوردة أحيانًا قد تكون غير صالحة للاستخدام الآدمي أو قد تتعرَّض للتلف أثناء الشحن والنقل، بالإضافة إلى كون بعض تلك الشركات تُصدر فوائض الدجاج غير المرغوب في استهلاكه في أمريكا وأوروبا، أو الدجاج الذي لم يتم الالتزام بالقواعد الصحية في تربيته، ويحتوي على آثار المضادات الحيوية واللقاحات المحقونة في جسده، ولا يُسمَح بتداوله في الغرب، كما أن الدواجن المستوردة قد لا تكون متوافقة مع أذواق المستهلكين بسبب عمليات التجميد التي تتعرض لها أثناء الشحن والتي تُفقدها مزايا الطعم التي تتمتع به الدواجن المحلية الطازجة، كما أنها لا تلبّي أحيانًا القواعد الشرعية لبعض المستهلكين؛ كالمسلمين مثلاً الذين يتمسكون بقواعد الذبح وفقًا للشريعة الإسلامية، غير أن تلك الشركات الدولية -كما بيَّنت الحوادث الواقعية- قد لا تراعي تلك القواعد الصحية أو الشرعية.
ومن أمثلة ذلك ما قامت به دولة غانا في 2015م من تعليق استيراد الدجاج المجمّد من الولايات المتحدة الأمريكية، بعد الكشف عن أن هذا الدجاج يحتوي على آثار من الزرنيخ، والذي يتم إضافته إلى الدجاج الأمريكي المجمّد لفوائد تجميلية؛ حيث يحافظ على الدجاج من التلف ويعطيه مظهرًا ورديًّا فاتحًا خلال رحلة التصدير للمستهلك، غير أن الزرنيخ منتج عالي السُّمِّية يُلحق الضرر بحياة الإنسان وصحّته؛ حيث يمكن أن يصبح الأشخاص الذين يتناولون أطعمة أو مشروبات تحتوي على الزرنيخ لمدة خمس سنوات في المتوسط عُرضةً للإصابة بمرض السرطان أو الأمراض الجلدية.
ويُذكر أن الدجاج الأمريكي المجمّد الذي يحتوي على آثار من الزرنيخ يتم تسويقه في العديد من دول غرب إفريقيا، وهو ما جعل البعض يطالب الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) بأن تتخذ قرارًا جماعيًّا لمواجهة ذلك الأمر الذي يهدّد أمان الغذاء ويُعرّض صحة السكان للخطر؛ لأن العديد من الحكومات الوطنية لا تقوم باتخاذ التدابير الأمنية الكافية المتعلقة بمسألة استيراد وتسويق الأغذية القادمة من الخارج، مع وجود بعض من الإهمال فيما يتعلق بعمليات تتبُّع المنتج ومعرفة مصدره، واهتمامها في الغالب بالحصول على منتجات ذات سعر رخيص يلبّي حاجات المستهلكين المحليين الحالمين بقطعة من اللحم تسدّ رمقهم وتصرف أنظارهم عن لصوص البسمة من على أفواه الطبقات المتوسطة التي أصبح عبوس الغلاء طابعًا لها.([22]) وفي ذات السياق نجد أنه في بوركينا فاسو تم حرق مئات الدواجن المجمّدة المستوردة من الخارج في 2021م، والتي كُتب على عبواتها أنها مُجهَّزة في روسيا؛ وذلك نظرًا لكونها ليست آمنة لصحة المستهلك، حسبما توصلت إليه رابطة المستهلكين في بوركينا فاسو (LCB)؛ وذلك نظرًا لكون تلك الدواجن المستوردة كانت بسعر رخيص جدًّا لا يتَّفق مع تكاليف الشحن من روسيا إلى بوركينا فاسو؛ حيث أشار رئيس رابطة المستهلكين إلى أن تلك الدواجن عبارة عن سموم تبحث عن محارق، ولا تتوافر معلومات عن البروتوكولات الصحية المطبَّقة على المزارع التي تمت تربية هذه الدواجن فيها، ولا ظروف تربيتها، وبالتالي فإن بيعها بسعر زهيد في بوركينا بمثابة محارق لتلك الدواجن الرديئة، لكنّها محارق في بطون المستهلكين، وقد تضر بصحتهم وتكون مصدرًا للأمراض كالسرطان، وهو ما سيزيد من حالة التبعية للغرب الذي يبيع منتجات رديئة تُصيب السكان بأمراض، ومِن ثَم يبيع لهم علاجات قام بصنعها أيضًا، وبالتالي تستمر دورة التبعية، ولهذا تم تحذير المستهلكين من تلك الدواجن المستوردة في بوركينا خوفًا على حياتهم.([23])
وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية قررت الحكومة تعليق استيراد منتجات الدواجن من دول الاتحاد الأوروبي عام 1999م؛ وذلك بعد اكتشاف أن منتجات الدواجن المستوردة من بلجيكا ملوّثة بمادة الديوكسين التي تؤثر على الصحة العامة، وتؤدي للإصابة بالسرطان، كما أن الاتحاد الوطني للمزارعين في الكونغو شجب في 2005م عملية استيراد البيض من الهند دون رقابة على ذلك، وكذلك تم التحذير من منتجات البيض المبرَّد المستورد من الاتحاد الأوروبي، وخاصةً من ألمانيا وهولندا؛ وذلك نظرًا لكون مدة تخزين البيض يجب ألا تزيد عن 21 يومًا بعد تاريخ وضع البيض في المزرعة، لكن البيض المبرَّد المستورد كان قد تخطى مدة 45 يومًا، وهو ما يشكل خطرًا صحيًّا على مَن يتناوله، بل وصف البعض أن استهلاك السكان لتلك المنتجات بمثابة إبادة جماعية للسكان من خلال الطعام الفاسد، الذي يكون في كثير من الأحيان منتهي الصلاحية أو بدون تاريخ إنتاج، أو تم التلاعب في تاريخ صلاحيته وتزويره للتمكن من بيعه، بل أشار القضاء الكونغولي إلى احتمالية وجود شبكة دولية لغسيل الأموال تتعامل في تجارة المنتجات الغذائية الفاسدة، وتقوم ببيعها في الدول الإفريقية لعدم وجود رقابة حقيقية تحمي السكان من مخاطر الأغذية المستوردة.([24])
وفي ليبيريا هي الأخرى قام المعهد الوطني للصحة العامة بالتعاون مع وزارة التجارة في 2017م باعتراض شحنة من لحوم الدجاج والبيض القادمة من أوروبا، والتي تم الكشف عن أنها ملوثة بمبيد الفيبرونيل، والذي يسبّب مخاطر على صحة المستهلكين.([25])
ومن هذه الأمثلة السابقة -التي هي غيض من فيض- يتّضح أن إهمال معالجة الأزمات التي تتعرض لها صناعة الدواجن والاعتماد على الدواجن المستوردة قد يعود بالضرر المادي أو المعنوي على المستهلك، ولهذا فإن دعم وتنمية صناعة الدواجن المحلية خيار أفضل للمستهلكين والحكومات الوطنية المخلصة لشعوبها، من أجل المحافظة على أمنها وأمانها الغذائي.
10- إعاقة دور القطاع الخاص العامل في صناعة الدواجن:
حيث تعمل العديد من الشركات الخاصة، وأصحاب المزارع الصغيرة، بل وصغار المربين في صناعة الدواجن في إفريقيا جنوب الصحراء، سواء كانت أعمالهم متمثلة في تربية الدواجن أو بيع الأعلاف أو اللقاحات أو غيرها من معدات وأدوات تُستخدم في هذه الصناعة، مثل شركة (RCL Foods) الموجودة في جنوب إفريقيا، والتي تُعد الشركة رقم 1 في صناعة الدواجن في جنوب إفريقيا، وبسبب الأزمات المتعددة التي تواجهها صناعة الدواجن، فقد أعلنت هذه الشركة في 2017م أنها قامت بتسريح خُمس قوتها العاملة، مع طرحها لعدد 15 مزرعة من أصل 25 مزرعة للبيع، وذلك لعدم قدرتها على منافسة الشركات العاملة في بيع الدجاج المستورد، الذي يقل سعره عن الدجاج المحلي بصورة كبيرة، ونظرًا لأن القطاع الخاص يعتمد على موارده الذاتية في هذه الصناعة؛ فإنه في ظل استمرار الأزمات والتحديات المفروضة عليه في هذه الصناعة فإنه سوف يتراجع عن القيام بدوره في هذا المجال، بل يمكن أن يخرج من سوق صناعة الدواجن بصورة كاملة، وخاصة أن هناك العديد من المخاوف لدى شركات القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب بسبب تدخل المؤسسات السيادية في إفريقيا جنوب الصحراء في القيام بدور اقتصادي في القطاعات المختلفة، وخاصة في القطاعات المتعلقة بإنتاج الغذاء، وهو ما يجعلها تتفوق على القطاع الخاص لكونها تتمتع بالعديد من المزايا التي لا تتوافر للقطاع الخاص، ولهذا من المستحب حدوث توازن بين دور القطاع الخاص، ودور تلك المؤسسات في توفير المنتجات الغذائية، وخاصة في صناعة الدواجن بصورة تضمن استمرار القطاع الخاص في السوق، وكذلك تسمح بجذب مستثمرين جدد لدعم هذه الصناعة المهمة في الدول الإفريقية، مع استمرارها في تلبية احتياجات السوق من الدواجن بسعر مناسب للمستهلك.([26])
11- انتهاك قوانين وتشريعات الرفق بالحيوان:
حيث إن أزمة إعدام الكتاكيت كإحدى الأزمات الحالية في صناعة الدواجن، والتي شُوهدت مؤخرًا في أكثر من دولة إفريقية من بينها جنوب إفريقيا وتنزانيا، ويترتب عليها تداعيات سلبية على هذه الصناعة، تؤدي بجانب ذلك إلى انتهاك القوانين والتشريعات الوطنية والدولية المتعلقة بالرفق بالحيوان، ومن بينها قانون الرفق بالحيوان في تنزانيا الصادر في عام 2008م، وقانون حماية الحيوان في جنوب إفريقيا الصادر في عام 1962م، كما تقرّر النصوص والقواعد الدينية والأخلاقية كذلك مبادئ الرفق بالحيوان، واحترام حقه في الحياة؛ حيث إن عملية إعدام الكتاكيت عمومًا تعرّضت للنقد الحقوقي الغربي بسبب قسوتها والطريقة التي تتم بها، والمتمثلة في القيام بخنقها بغاز ثاني أكسيد الكربون، أو تعريضها لبعض الغازات المميتة، أو القيام بعملية تسمى النقع يتم خلالها فرم هذه الكتاكيت وهي حية في آلة فرم كبيرة عالية السرعة، أو كسر عنق الكتاكيت أو صعقها بالتيار الكهربائي، أو القيام بإلقاء آلاف الكتاكيت في أكياس سوداء وهي على قيد الحياة لتموت اختناقًا توفيرًا لتشغيل آلات الفرم أو شراء الغازات، وأحيانًا يتم تجميد الكتاكيت بعد موتها مباشرة واستخدامها كغذاء للأفاعي والزواحف والطيور الجارحة؛ حيث يتم استخدامها كعلف للحيوانات، وهذه الطرق وصفت بأنها تنتهك الجوانب الأخلاقية التي تقرر احترام حقوق الحيوان، ومن بين الدول الإفريقية التي تستخدم بعض هذه الطرق السابقة في إعدام الكتاكيت دولة جنوب إفريقيا، لكنها تخضع لرقابة حكومية من قبل وحدة التفتيش الخاصة بحماية حيوانات المزارع.([27])
كما أن عملية إعدام هذه الكتاكيت بصورة عامة يحرمها أولاً من حقها في الحياة، وكذلك يدمّر الثروة الحيوانية، بل ويدمّر الموارد المادية والتي تتمثل في خسارة مليارات الدولارات اللازمة لإعدامها؛ حيث قيل: إن عملية إعدام كل كتكوت تتطلب إنفاق دولار واحد، وفي كل عام يتم إعدام نحو 7 مليارات كتكوت على مستوى العالم، أي ما يكلف 7 مليارات دولار، وهو ما يبدّد الموارد المادية التي تحتاجها العديد من القطاعات الغذائية التي تعاني في الدول الإفريقية بصورة خاصة، بل إن عدم استغلال هذه الكتاكيت وتربيتها يساهم في زيادة أزمات الغذاء في العالم، بل ويحرم الدول التي تعاني من مجاعات في العالم من الاستفادة بمثل هذه الثروة الداجنة، التي إذا ما أحسن استغلالها قد تُنقذ حياة إنسان من الموت، بل ويمكن أن تساهم في إنقاذ أمة كاملة من المجاعة.
ثالثًا: التوصيات:
يمكن أن نشير إلى عددٍ من التوصيات التي قد تسهم في مكافحة الأزمات التي تواجه صناعة الدواجن المحلية في دول القارة الإفريقية، وذلك فيما يلي:
1- العمل على إنتاج أعلاف محلية الصنع للتغلُّب على مشكلة ارتفاع أسعار الأعلاف المستوردة من الخارج:
وذلك من خلال تخصيص مساحات زراعية محددة داخل كل دولة لإنتاج المحاصيل المستخدمة في إنتاج إعلاف الدواجن، وكذلك العمل على إعادة تدوير واستخدام المخلفات الغذائية البشرية كعلف للدواجن، ووضع آليات للوصول إلى ذلك، بالإضافة إلى الاستفادة من الأفكار الجديدة الموفرة للأعلاف مثل فكرة استخدام الطحالب المائية والبحرية في إنتاج أعلاف للدواجن في حالة ثبوت جدواها الاقتصادية والبيطرية في إفريقيا، والاستفادة من تجارب الدول السابقة في هذا المجال، بل من الممكن تأسيس وكالة إفريقية علمية بحثية تطبيقية تضمّ دول القارة، تحت مسمى “الوكالة الإفريقية للأعلاف”، يكون الهدف من إنشائها التَّغلُّب على مشكلة نقص الأعلاف في القارة، وذلك بكل السبل العلمية والبحثية والتنفيذية، وإقامة مصانع إقليمية ودولية ومحلية لتوفير الأعلاف في كل دول القارة، بحيث تلبّي مطالب مزارع الدواجن من الأعلاف؛ حيث إن عملية التنسيق القارّي في ذلك المجال مهمة للغاية لدعم قطاع الدواجن والتوسع فيه.([28])
2- العمل على حلّ مشكلة انقطاع التيار الكهربائي في الدول الإفريقية التي تُواجه تلك المشكلة:
كجنوب إفريقيا؛ حيث يمكن استثناء مزارع الدواجن من عملية قطع التيار، بالإضافة إلى ضرورة توفير مولدات كهربائية خاصة للمزارع، على أن تكون مدعومة من قبل الحكومات للتغلب على مشكلة ارتفاع أسعارها، وارتفاع أسعار تشغيلها، لكونها بديلاً مناسبًا وسريعًا لانقطاع الكهرباء اللازمة لعملية تربية الدواجن وإنتاجها.
3- العمل على الاستفادة من التقنيات العلمية والتكنولوجية الحديثة المتعلقة بعملية تحديد جنس الكتاكيت:
وهو ما سيقلل من عملية إعدام الكتاكيت الذكور، بل ووضع برامج علمية للاستفادة من الكتاكيت الذكور في مشروعات تسمين اللحوم، مع وضع منظومة رقمية قبل إنتاج الكتاكيت في معامل التفريخ؛ بحيث تتوافق مع الكميات والحصص المطلوبة مِن قِبَل المزارعين، حتى يكون الإنتاج متوافقًا مع طلب كل مزرعة ومقوماتها المتاحة في تربية تلك الكتاكيت من أعلاف وكهرباء وخلافه؛ منعًا لإهدار الموارد أو إنتاج كتاكيت غير مطلوبة، ومِن ثَم يكون محكومًا عليها بالإعدام بعد استنشاقها لنسيم الحياة، ولذلك فعدم إنتاج تلك الكتاكيت من الأساس خير من إنتاجها وإعدامها وإهدار الموارد المتعددة، بل وفي حالة حدوث فائض في المعروض من الكتاكيت دون وجود طلب عليه يمكن تأسيس جمعيات متخصصة لعلاج تلك النقطة؛ حيث يمكن أن تحصل على تلك الكتاكيت وتقوم بإعادة توزيعها على صغار المربين في القرى والريف من خلال منافذ مخصَّصة لذلك سواء بصورة مجانية أو حتى بسعر التكلفة أو بهامش ربح صغير وكل ذلك خير من إعدامها في كل الأحوال.([29])
4- العمل على حماية صناعة الدواجن في إفريقيا جنوب الصحراء:
وذلك من خلال الحد من الواردات الأجنبية، على أن تكون عملية التصدي والمواجهة للشركات الأوروبية التي تهيمن وتودّ الاستحواذ على قطاع الدواجن في القارة، بصورة جماعية من خلال التنسيق بين التكتلات الإقليمية الإفريقية؛ بحيث يتم عمل اتفاقيات مشتركة لتحديد نِسَب الواردات لكل دولة أو حتى تحديد نِسَب الجمارك المفروضة على واردات الدواجن من الخارج، وذلك من أجل الوقوف بصورة جماعية أمام ردود فعل الحكومات الغربية التي يمكنها التأثير على أو معاقبة دولة إفريقية ما إذا قامت بالتصدّي لوارداتها من الدجاج بصورة فردية، وكذلك العمل الجماعي من أجل مواجهة المُهدّدات التي تُواجه صناعة الدواجن في إفريقيا، وتقديم دعم حكومي وإقليمي لهذا القطاع الهام.
5- تطوير سياسات الإنتاج المتعلقة بصناعة الدواجن:
حيث لا تزال سياسات الإنتاج الداجني في العديد من دول القارة غير فاعلة إلى حد كبير؛ بسبب تخبُّط سياسات الإنتاج والتسويق التي تَحُول دون وصول صناعة الدواجن إلى حدّ الكفاءة الإنتاجية والكفاءة الاقتصادية المناسبة التي تتلاءم مع متطلبات السوق، وحجم الاستثمارات التي يُوفّرها ذلك القطاع الحيوي.
6- تقديم تسهيلات متعددة للعاملين في صناعة الدواجن:
سواء كانت تسهيلات مالية، من خلال تقديم قروض حسنة للعاملين في هذا القطاع أو حتى لأصحاب المزارع الصغيرة لضمان استمراريتهم وعدم خروجهم من سوق الإنتاج؛ لأن الافتقار إلى التمويل الكافي يُعدّ من الأسباب الرئيسية التي تُهدّد ذلك القطاع، وكذلك تقديم تسهيلات عينية لهم، مع التوسع في برامج التدريب والإرشاد ونقل الخبرات إليهم لإكسابهم المهارات الفنية الجديدة عالية المستوى التي تخدم هذا القطاع، وخاصة المهارات المتعلقة بالتكنولوجيا، كمهارات الإنتاج الكبير للكتاكيت، بل من المهم الاستفادة من عملية رقمنة قطاع الدواجن التي نفّذتها العديد من الدول؛ لكون الرقمنة تساهم في حلّ الكثير من المشكلات، وتوفّر الكثير من الجهود، وتزيد من عمليات الأرباح؛ حيث أوصت مبادرة الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا “النيباد”, بضرورة رقمنة صناعة الدواجن في القارة الإفريقية، وأشارت إلى كيفية تطبيق تلك العملية ومجالات تنفيذها.([30])
7– إنشاء اتحادات إقليمية للعاملين في صناعة الدواجن:
وذلك في أقاليم القارة الخمسة، واتحادات أخرى داخلية داخل كل دولة إفريقية، بين أصحاب المزارع من أجل التعاون المشترك فيما بينهم لحل المشاكل التي تواجههم، والتحدث عن مشاكلهم بصورة جماعية ومؤسسية، وكذلك العمل على تعزيز التعاون الإفريقي المشترك مع الشركاء الدوليين سواء الشركاء العرب أو غيرهم من الشركاء الذين يمكن التعاون معهم في تنمية وحماية هذا القطاع، مثل دولة المجر التي قامت بدعم قطاع الدواجن في غانا من خلال منحها المزارعين المحليين في غانا نحو 22 ألف كتكوت من المجر؛ لدعم قطاع الدواجن المحلي في غانا والتي أصبحت تستورد نحو 95% من احتياجاتها من الدجاج، بعدما تعرَّض هذا القطاع الرئيسي في غانا إلى خسائر كبيرة.([31])
8- محاولة الاستفادة من المبادرات والبرامج الدولية التي تدعم صناعة الدواجن:
وذلك في العديد من الدول، ومن بينها دول إفريقيا جنوب الصحراء، ومن بين تلك المؤسسات الراغبة في إحداث ثورة تقنية في هذا القطاع، المركز الإقليمي للتميز في علوم الطيور (CERSA) والموجود بدولة توجو، والذي تم تأسيسه في عام 2014م، كأحد مراكز التميز الإفريقية الستة في المجال الزراعي الممولة من البنك الدولي، وهذا المركز يهدف إلى دعم قطاع الدواجن في غرب ووسط إفريقيا بصورة علمية؛ حيث يمنح المركز درجة الدكتوراه والماجستير في ذلك التخصُّص، ويخرّج خبراء ومختصين في هذا المجال يركزون في أبحاثهم على الموضوعات التي تهمّ العاملين في قطاع الدواجن، بل ويتم التواصل على أرض الواقع بينهم وبين المزارعين لحل مشاكلهم بصورة علمية، وكذلك فإن مؤسسة الدواجن العالمية (WPF) تقوم أيضًا بتقديم مِنَح وبرامج لتحسين صناعة الدواجن في إفريقيا؛ حيث كانت مؤسسة بيل وميليندا جيتس قد تبرعت بمنحة قدرها 21.4 مليون دولار لمؤسسة الدواجن العالمية من أجل تعزيز إنتاج الدواجن في تنزانيا ونيجيريا، وكذلك فإن المعهد الدولي لبحوث الثروة الحيوانية (ILRI)، يقوم هو الآخر بتقديم برامج ومِنَح لتحسين سلالات الدواجن في إفريقيا، ولهذا من المهم أن تتواصل الحكومات الإفريقية، وأصحاب المصلحة مع القائمين على تلك المبادارات، بل وعمل دليل علمي يقوم بحصر تلك المبادرات عالميًّا وإقليميًّا وتوعية المهتمين بها، من أجل الاستفادة منها وتعميم التجارب الناجحة لها للنهوض بقطاع الدواجن في القارة.([32])
9- ضرورة التعاون الأكاديمي والبحثي في دعم صناعة الدواجن:
حيث إن من المهم أن تشارك مراكز البحوث المتخصصة في دول إفريقيا جنوب الصحراء في دعم صناعة الدواجن والتصدي للأزمات التي تواجهها، خاصةً ما يتعلق بالبدائل العلمية للأعلاف التي ارتفعت أسعارها؛ حيث إن مراكز البحوث لها دور قويّ في النهوض بتلك الصناعة، ويجب إشراكها بصورة قوية للنهوض بذلك القطاع المهمّ. كما نُوصي الباحثين الراغبين في التوسع في دراسة هذا الموضوع أن يقوموا بتسجيل رسائل ماجستير ودكتوراه تتناول اقتصاديات صناعة الدواجن في إفريقيا جنوب الصحراء بصورة موسَّعة، ودراسة الأزمات التي تواجهها داخل كل دولة إفريقية، أو حتى في كل إقليم من أقاليم القارة، مع تقديم الحلول العلمية المناسبة والواقعية لمواجهة تلك الأزمات.
10- دعم مشروعات تربية الدواجن في القرى الريفية:
والتي تقوم بتربية الدجاج البلدي المحلي، والعمل على التوسع في تربيته، بجانب دجاج المزارع، مع إقامة مزارع محلية في كل منطقة لتلبّي حاجات المستهلكين المحليين من اللحوم والبيض، وتُدِرّ دخلًا على الأسر الفقيرة، وكذلك يمكن عمل مبادرات مجتمعية وإقامة مشروعات صغيرة للعاطلين عن العمل في هذا القطاع، مع تقديم دورات تدريبية لهم من أجل تيسير دخولهم في هذه الصناعة، ليشاركوا في عملية الإنتاج وتلبية احتياجات السوق، ومنحهم فرصة عمل يمكن أن تتحوَّل لمشروع كبير ناجح فيما بعد، مع إعطاء قيمة اجتماعية لتلك المشروعات من خلال منح العاملين فيها من أصحاب المؤهلات الدراسية العليا العاطلين عن العمل، ماجستير مهني في الثروة الداجنة لرفع كفاءتهم العملية والحفاظ على مكانتهم الاجتماعية.
وفي الختام:
نرجو أن تكون هذه الأزمات التي تواجه صناعة الدواجن بمثابة محنة يعقبها منحة، وتثمر عن تدخلات وطنية وإقليمية ودولية سريعة لتنهض بصناعة الدواجن في إفريقيا جنوب الصحراء.
الإحالات والهوامش:
([1]-(VICKY STARK ; ” South African Farmers Cull 10 Million Chicks, Due to Power Cuts” , at , https://www.voanews.com/a/south-african-farmers-cull-10-million-chicks-due-to-power-cuts , 19/1/2023 .
([2](- Moses Aremu ; ” Nigerian poultry farmers suffer due to high feed costs ” , at , https://www.poultryworld.net/the-industrymarkets/nigerian-poultry-farmers-suffer-due , 31/10/2022 .
([3](- ” Rise in chicken feed prices puts farmers in a tight spot ” , at , https://www.thecitizen.co.tz/tanzania/news/national/rise-in-chicken-feed-prices-puts-farmers-in-a-tight , 7/5/2022 .
([4](- Emmanuel Ntirenganya ; ” Rwanda to expand use of black soldier flies to boost poultry production ” , at , https://www.newtimes.co.rw/article/842/news/featured/rwanda-to-expand-use-of-black-soldier-flies-to-boost-poultry-production , 6/9/2022.
([5](- Femi Ibirogba ; ” Poultry farmers lament high prices of day-old chicks ” , at , https://guardian.ng/features/poultry-farmers-lament-high-prices-of-day-old-chicks/ , 13/1/2020
([6](- ” DAY-OLD CHICKS: DEATH ON THE ASSEMBLY LINE ” , at , https://www.four-paws.org.za/campaigns-topics/topics/farm-animals/day-old-chicks-death-on-the-assembly-line , 13/6/2022 .
([7](- Delphine Nerbollier ; ” Berlin interdit l’abattage des poussins males ” , at , https://www.la-croix.com/Economie/Berlin-interdit-labattage-poussins-males-2021-05-22-1201157118 , 23/5/2021 .
([8](-” Burning 6,000 live chicks from Kenya was wrong, says Samia ” , at , https://www.theeastafrican.co.ke/tea/news/east-africa/samia-burning-kenya-chicks-was-wrong , 25/11/2022 .
([9](- Estelle Maussion ; ” Le poulet importé sème la discorde entre l’Afrique du Sud et les États-Unis ” , at , https://www.jeuneafrique.com/mag/913577/economie/le-poulet-importe-seme-la-discorde-entre-lafrique-du-sud-et-les-etats-unis , 24/3/2020.
([10](-” Poulet au Sénégal : bilan d’une filière locale bien développée ” , at , https://fondation-farm.org/filiere-poulet-senegal-analyse , 20/9/2022.
([11](- Arthur Beaubois-Jude ; ” Poulet importé vs poulet local : la guerre de la volaille fait rage en Afrique ” , at , https://www.jeuneafrique.com/1294527/economie/poulet-importe-vs-poulet-local-la-guerre-de-la-volaille-fait-rage-en-afrique , 13/1/2022 .
([12](- Wisdom JONNY-NUEKPE ; ” Local poultry sector nears extinction ” , at , https://thebftonline.com/2022/08/17/local-poultry-sector-nears-extinction/ , 17/5/2022.
([13](- ” Contraintes et défis de l’aviculture en Afrique de l’Ouest : Cas du Bénin ” , at , https://www.inter-reseaux.org/publication/46-47-repondre-aux-evolutions-alimentaires-un-defi-majeur-pour-lelevage-africain/contraintes-et-defis-de-laviculture-en-afrique-de-louest-cas-du-benin/ , 5/9/2009 .
([14](-” Chicken off the table for poor South Africans after prices surge ” , at , https://www.news24.com/fin24/economy/chicken-off-the-table-for-poor-south-africans-after-prices , 15/12/2022.
([15](-Femi Ibirogba and Abigail Ikhaghu ; ” Chicken prices triple as producers, processors list causes ” , at , https://guardian.ng/features/chicken-prices-triple-as-producers-processors-list-causes/ , 7/6/2022 .
([16]-(Susan Nyawira ; ” Kenya: Egg Prices Spiral Up Amid Scarcity As Feed Costs Surge 30pc in 6 Months ” , at , https://allafrica.com/stories/202301100262.html , 10/1/2023 .
([17]-(Collins Akpan ; ” Looming collapse of N10trn poultry industry: Five million may lose jobs ” , at , https://www.vanguardngr.com/2020/12/looming-collapse-of-n10trn-poultry-industry-five-million , 6/12/2020 .
([18](-” Bank of Ghana reserves decline from $9bn to $3bn – Finance Committee Report ” , at , https://www.myjoyonline.com/bank-of-ghana-reserves-decline-from-9bn-to-3bn-finance-committee-report/ , 21/7/2022 .
([19](-” Rabobank Report: Time for Africa – opportunities remain wide open for African poultry investments ” , at , https://www.agri4africa.com/rabobank-report-poultry-investment-opportunities/ , 2/1/2020 .
([20](- Espoir Olodo ; ” La Côte d’Ivoire abritera d’ici 2022, la plus grande ferme avicole d’Afrique de l’Ouest ” , at , https://www.agenceecofin.com/agro-industrie/1012-83388-la-cote-d-ivoire-abritera-d-ici-2022-la-plus-grande-ferme-avicole-d-afrique-de-l-ouest , 11/12/2020 .
([21](- Ashley Lechman ; ” Food security a concern as chicken industry is financially choked owing to load shedding ” , at , https://www.iol.co.za/business-report/economy/food-security-a-concern-as-chicken-industry-is-financially-choked-owing-to-load-shedding-0a308449-f4bd-4d3f-bfdc-d7d81dccad21 , 22/1/2023 .
([22](-” Suspension des poulets importés des Etats-Unis d’Amérique au Ghana : une décision d’anticipation salutaire ” , at , https://lefaso.net/spip.php?article63524 , 3/3/2015 .
([23](-” Poulets congelés importés: «Les Burkinabè se tuent à petit feu », dixit Dasmané Traoré ” , at , https://www.leconomistedufaso.com/2021/09/02/poulets-congeles-importes-les-burkinabe-se-tuent-a-petit-feu-dixit-dasmane-traore/ , 2/9/2021.
([24](-“Chicken connection” , at , https://www.lalibre.be/debats/opinions/2007/03/28/chicken-connection-43SG7ZOL3JBJ5H6Z5373DSTX6M/ , 27/3/2007 .
([25](-” Liberia: ‘Rotten Chicken’ Intercepted ” , at , https://allafrica.com/stories/201709070823.html , 7/9/2017 .
([26](-” Les aviculteurs sud-africains dans la rue contre le dumping européen ” , at , https://www.jeuneafrique.com/399169/economie/aviculteurs-sud-africains-rue-contre-dumping-europeen, 1/2/2017 . and , ” African armies increasingly taking stakes in business, raising risk of unfair competition, discrimination, and arbitrary decision-making ” , at , https://www.spglobal.com/marketintelligence/en/mi/country-industry-forecasting.html?id=1065997343 , 1/12/2014 .
([27](-” Hatcheries” , at , https://nspca.co.za/farm-animal-protection/hatcheries/ ,
([28](- Dr. Felipe Mendy ; ” Use of algae in poultry feed ” , at , https://www.veterinariadigital.com/en/articulos/use-of-algae-in-poultry-feed , 22/8/2022 .
([29](- Pallab Ghosh ; ” Gene-edited hens may end cull of billions of chicks “, at , https://www.bbc.com/news/science-environment , 13/12/2022 .
([30]-(” Digitalising The Poultry Industry In Africa ” , at , https://www.nepad.org/blog/digitalising-poultry-industry-africa , 15/9/2022.
([31](-” Hungary supports Ghana’s poultry sector ‘ , at , https://www.poultryworld.net/poultry/hungary-supports-ghanas-poultry-sector , 16/12/2021.
([32](-” Organization making poultry farming affordable in Africa ” at , https://farmersreviewafrica.com/organization-making-poultry-farming-affordable-in-africa , 25/7/2022 .